رواية سلانديرا الفصل العشرون 20 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا الفصل العشرون 20 بقلم اسماعيل موسى
رواية سلانديرا البارت العشرون
رواية سلانديرا الجزء العشرون

رواية سلانديرا الحلقة العشرون
في فجر اليوم الثالث بعد اجتماع شيفان برجاله، انتشرت في القصر رائحة خانقة… رائحة الموت.
كان الحراس أول من لاحظ السكون الغريب الذي خيّم على جناح الملك. لم يطلب طعامه صباحًا، ولم يستدعِ خدمه، ولم يخرج من غرفته كما اعتاد. وعندما اقترب أحد الحراس من الباب، شعر بقشعريرة غريبة تسري في جسده.
فتحوا الباب…
كان الملك ممددًا على سريره، جسده ساكن كحجر بارد، وعيناه نصف مفتوحتين كأن الموت باغته في غفوة. لكن على الرغم من أن الموت بدا طبيعيًا، فإن من يعرفون الحقيقة كانوا يدركون أن هذه لم تكن سوى مسرحية أتقن شيفان حبكتها.
الأطباء الملكيون فحصوا الجثة، وأعلنوا أن الملك قد وافته المنية أثناء نومه، نتيجة تدهور صحته المفاجئ. لم يكن هناك جروح، لم يكن هناك سم واضح، فقط جسدٌ أنهكه المرض… أو هكذا ظن الجميع.
لكن القصر كله اهتز.
لم يكن الملك محبوبًا بقدر ما كان يُخشى. لكنه كان رمزًا، وكان موته يعني شيئًا واحدًا: الفراغ. ومن يملأ الفراغ، يسيطر.
إعلان الحداد وانتشار الخبر
في أقل من ساعة، عمّ الخبر جميع أرجاء المملكة.
“الملك مات.”
انتشرت الكلمة كالنار في الهشيم. في الأسواق، في الساحات، في القلاع، في القرى البعيدة، حتى في الغابات المظلمة حيث يختبئ المنفيون… سمع الجميع.
أُعلن الحداد الرسمي لمدة سبعة أيام. أُمرت الأجراس في كل أرجاء المملكة أن تُقرع بنغمة الموت. أُغلقت الحانات، أُلغيت الاحتفالات، وانخفضت الأصوات، وكأن المملكة كلها دخلت في حالة خضوع صامتة أمام الحدث العظيم.
في العاصمة، تجمّع الجن من كل مكان. الشوارع امتلأت بالجنازة الملكية التي ستجوب أرجاء المدينة قبل دفن الملك في القبو المقدس، حيث يرقد أسلافه.
وفود الجان… والعيون التي تراقب
مع انتشار الخبر، بدأ وفود الجان في الوصول.
جاء كبار العائلات النبيلة، والسحرة العظماء، والجنود القُدامى الذين خدموا في حروب الملك، وحتى القبائل التي كانت على خلاف معه… جميعهم حضروا، لا بدافع الحب، بل لأن السياسة تقتضي ذلك.
لكن الحضور الأهم كان للأمراء المتنازعين، أولئك الذين كانوا يرون في موت الملك فرصة… أو تهديدًا.
كان بينهم من ينظر إلى شيفان نظرات حذرة، كان بينهم من يتمنى أن لا يرى التاج على رأسه، وكان بينهم من يبتسم ابتسامة مريبة، وكأنه يدرك ما حدث حقًا.
لكن شيفان لم يكن يهتم.
لقد كان واقفًا بثبات عند رأس الجنازة، يرتدي عباءة سوداء تليق بالمناسبة، لكنه لم يكن حزينًا. بل كان يراقب… ينتظر اللحظة التي سينتهي فيها الحداد، اللحظة التي سيُعلن فيها ملكًا.
في تلك اللحظة، كان بإمكانه أن يشعر بالعرش يقترب منه.
لقد فاز… أليس كذلك؟
لكن بينما وقف هناك، وسط الحشود التي جاءت لتقديم الاحترام للملك الراحل، التقت عيناه بعينين كانتا تراقبانه عن بعد.
زافيرا.
كانت ترتدي وشاحًا أسود، ملامحها هادئة، لكن عينيها كانتا باردتين. كانت تنظر إليه كأنها تراه لأول مرة… كأنها تفهمه الآن أكثر من أي وقت مضى.
وكأنها تعرف…
أن شيفان قد فعلها.
في قاعة العرش الكبرى، حيث ينعكس ضوء المشاعل على الجدران المنحوتة، اصطفّ وفود الممالك والقبائل أمام العرش الفارغ، ينتظرون اللحظة التي سيُعلن فيها شيفان ملكًا على مملكة الجان العظمى.
كان الطقس مشحونًا، ليس بالحزن، بل بالتوتر.
في نهاية الحداد، لابد أن يُملأ الفراغ.
جلس شيفان على كرسي مرتفع عند منصة العرش، لم يكن العرش نفسه، لكنه كان أقرب نقطة إليه. عيناه كانتا تراقبان الجميع، كل خطوة، كل إيماءة، كل نظرة مريبة.
بدا وكأنه يختبر ولاء الحاضرين قبل أن ينطقوا به.
تقديم الوفود وأداء اليمين
ملك الجبال السوداء كان أول من تقدّم. كان ضخم الجثة، جلده يشبه الصخور في قسوته، وعلى جبينه وشم قديم يدل على انتمائه لسلالة من المحاربين الذين خدموا المملكة منذ قرون.
انحنى قليلًا، ثم قال بصوت جهوري:
“باسم أسلافنا، وباسم الدم الذي يربط عروشنا، أُقسم بالولاء لك، يا ملك الجان.”
رفع رأسه، نظر إلى شيفان مباشرة، ثم استدار ليعود إلى مكانه.
أمراء الغابات الشرقية جاءوا بعده، رجالٌ بأعين تشبه الظلال، يرتدون عباءات خضراء ينساب عليها ضوء المشاعل كالأمواج. لم يكونوا يتحدثون كثيرًا، لكنهم وضعوا أياديهم على صدورهم، وأحنوا رؤوسهم بصمت، إشارةً إلى قبولهم بالحاكم الجديد.
زعيم قبائل اللهب الصحراوي تقدّم بخطوات ثقيلة، وشموس الصحراء تلمع في بشرته البرونزية، عيونه الحادة لم تكن خاضعة، لكنها لم تكن متحدية أيضًا.
“شيفان ابن مملكة الجان، أقسم لك بالولاء، ما دمت تحمي الأرض، وتحافظ على إرث الملوك.”
لكن نبرته كانت تحمل تحذيرًا أكثر من كونها يمين ولاء.
ثم جاء الدور على الآخرين، ملوك وأمراء وزعماء من كل بقاع المملكة. واحدًا تلو الآخر، انحنوا، نطقوا بكلماتهم، وأقسموا يمين الولاء.
حتى جاء دور ملك أراضي البراري والصقيع.
كان أطول من الجميع، رجلًا يشبه العواصف التي تعصف بأرضه، شعره الفضي يتدلى على كتفيه، وعيناه الباردتان لم تعكسا أي مشاعر وهو يقترب.
توقف أمام شيفان، لكنه لم ينحنِ.
لم يتكلم.
كل العيون التفتت إليه. كان الصمت خانقًا، والجميع يعرف أن هذه اللحظة حاسمة.
كان شيفان يراقبه، أصابعه قبضت على مسند الكرسي، لكنه لم يتحرك. انتظر.
انتظر أن ينطق الملك يمين الولاء، كما فعل الآخرون.
لكنه لم يفعل.
بدلًا من ذلك، استدار فجأة… ومشى مبتعدًا عن المجلس.
خرج من القاعة، بخطوات ثابتة، دون أن يلتفت، دون أن ينطق بكلمة واحدة.
مرّ الحراس بجانبه، لكن أحدًا لم يوقفه.
وعندما أُغلق الباب خلفه، عادت الهمسات إلى القاعة، كأنها زوبعة خافتة تهدد بالانفجار.
شيفان ظل جالسًا في مكانه، لكن شيئًا في الهواء تغيّر.
لم يكن يحتاج إلى كلمات ليعرف الحقيقة.
ملك البراري والصقيع لم يعترف به ملكًا.
في زوايا القاعة، حيث تمتد الظلال عميقةً تحت الأقواس العالية، كان خاطر هناك.
لم يكن سوى خيال عابر، رجل بلا وجه وسط الحشد، يتبع خطوات ملك البراري والصقيع كما لو كان جزءًا من ظله.
حضر ليرى.
حضر ليسمع.
حضر ليعرف كيف ستُرسم خريطة القوة الجديدة.
وحين انسحب الملك من المجلس دون أن ينطق بكلمة، عرف خاطر أن هذه كانت لحظته أيضًا للمغادرة.
تحرّك في صمت، قدماه تعرفان طريق الخروج كما لو كان جزءًا من القصر. لم يكن هذا المكان غريبًا عليه، لكنه هذه المرة لم يكن الضيف أو السجين أو المحارب… بل كان مجرد شبح.
رأى كل شيء.
سمع كل شيء.
رأى كيف انحنى الجميع لشيفان، كيف نطقوا بأيمان الولاء، بعضهم بحماس، وبعضهم بحذر، والبعض الآخر كما لو كانوا يقايضون بقاءهم بالركوع.
لكنه لم يكن مهتمًا بهم.
كان مهتمًا فقط بزافيرا.
رآها جالسة على الجانب، في ثوب الحداد الأسود، عيناها لم تنظر إلى شيفان كما فعل الآخرون. كانت تحدّق في الفراغ، كما لو أنها لا تنتمي لهذا المكان، كما لو أن قلبها عالق في عالم آخر.
لم تنطق.
لم تتحرك.
لكن خاطر شعر بها.
عرف أنها ما زالت تقاوم، رغم القيود غير المرئية التي تحيط بها.
عرف أن روحها ما زالت ملكًا لها… وملكًا له.
وهذا كان كافيًا الآن.
وحين اجتاز ملك البراري والصقيع بوابة القاعة، كان خاطر خلفه.
وفي اللحظة التي أغلق فيها الحراس الأبواب، كان قد أصبح خارج القصر.
كأنه لم يكن هناك أبدًا.
كأنه لم يرَ ما رأى.
لكنه رآه.
وسيعود عندما يحين الوقت.
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية سلانديرا)