رواية آصرة العزايزة 2 الفصل الثامن 8 بقلم نهال مصطفى
رواية آصرة العزايزة 2 الفصل الثامن 8 بقلم نهال مصطفى
رواية آصرة العزايزة 2 البارت الثامن
رواية آصرة العزايزة 2 الجزء الثامن

رواية آصرة العزايزة 2 الحلقة الثامنة
” كان يوم حُبك .. أجمل صُدفة “✨
اليوم تعثـر قلبي بين حروف هذا النص :
” سيجمعك النصيب بـ شخص، كقصيدةٍ كتبتها الأرض، لتبقيكَ على قيد الحياة.”
دائمًا هناك إحتمالية لوجود شخص مذهل في حياتنا لا زلنا ننتظره ، نأكل ساعات العُمر عدًا لنلتقي بهِ ، ويقينًا بسخاء الأقدار سنلقاه يومًا ما ..
شخص منسوج من خيوط الشِعر ؛ يشبهنا ويشبه قلوبنا الحالمة .. خفيف على النفس ، لديه ابتسامة يهابها حزني ، يؤنس الليل برفقته عوضًا عن النجوم !! يملك روحًا تألفني وآلفها ، أقراه بدون حوار ، ويقرأني بدون كلف !!
كل منا بقلبه صفات شخص مزروعة بصدره ، ما زرعها النصيب ليعذبنا ، بل ليُقربنا من أشباهنا .. سنلتقي به في ساعة ما وبصدفة فريدة من نوعها على برزخ لا يبغيان لنودع ملوحة الحلم ، ونرتوى بعذوبة الحقيقة ..
حينها سأعلنها للجميع فارحة
“كان يوم حُبك .. أجمل صُدفة “🤎✨
#نهال_مصطفى .
••••••••••
-“تفتكروا رقيـة هتنجح ؟!”
أردفت رغد سؤالها الآخير بمزاح بعد ما ألقت “أحلام” على مسامعها عدة نصائح سرًا بعيدًا عن الفتيات ..فأجابت ليلة :
-شكلها شطورة وهتنجح..
فـ صاحت أحلام مغلولة :
-أناي ماعارفاش أيه مصبر الرچالة دي عليكم !! بنات آخر زمن!
فتدخلت هاچر بفضول :
-ألا قوليـلي يا أحلام !! أنتي والبت رقية اتودوتوا على چنب إكده ، قولت لها أيه ؟! من باب العلم بالشيء يعني !! عشان أرفع راسك بكره وبعده .
زفرت أحلام :
-شوف البت اللمضة ، خليكِ في حالك !! لما تكبري ياختي .
-منا كبرت .. يلا قولي يلا يا أحلام يا عسلية ..هاه ليه مش عايزة تقولي ؟!
-منا لو كنت عاوزة أقول ، كُنت هكلمها قِدامكم .. وبعدين لما تاچي تتچوزي ، ليّ قعدة معاكي زي اللي قعدتها مع هيام .
تنهدت بأمل :
-يارب اتچوز بكرة .
وبختها هيام :
-ما تتلمي يا بت !! مالك مدلوقة على الچواز زي الهبلة إكده !! ديه هم وغم ..
ضربتها أحلام في ركبتها بغلٍ :
-كام مرة أقولك متسمعيش لأمك الفقرية دي !! والله ما حد چايب لنا الهم والغم غيرها .
فتدخلت ليلة فـ حوارهم :
-طيب هتقوليلي أنا لما يمشوا يا أحلام ؟!
ردت بطيبة :
-من عيني يا قلب أحلام !
صاحت هاجر معاندة :
-هاه ؟! اشمعنا ليلة يعني هتقوليلها ؟! ماهي هي مش متچوزة !! لالا أعترض..
ضربتها برفق :
-بردك خليكِ في حالك ..
-طب نصيغُ السؤال بطريقة تانية ، أنا وراكي وراكي .
ثم تربعت هاجر في منتصف السرير وثرثرت :
-طالما الچواز مش هم وغم ، ما تقولي أنتِ الحلو اللي فيه يا ست أحلام ؟! يستاهل يعني كل الضچة دي!!
-هقولكم عشان تحل من على راسي .
طافت عينيها على حلقة النظرات التي تحاوطها ، ورأس ليلة التي اتكأت على كتفها لتسمع لها متنهدة وخيالها يجمعها معه مع حبيبها ، واعتدال رغد المتكئة على الوسادة .. ولمعة الحب الكامن بأعين هيام ، وحماس هاجر وفرحتها لأنها وصلت لمبتغاها .. وابتسامة فردوس الشغوفة .. ضمت أحلام كف ليلة بحنان وهي تقول :
-ااااه أقول أيه أجمل من قول حبيبنا رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ” إذا تزوج الإنسان ؛ فقد أحرز شطر دينه ، فليتق الله في الشطر الآخر ” .. ربنا خلى نص الدين بعظمته في الچواز ، والنص التاني بصعابه عليك أنتَ .. الچواز رحلة بيبدأوها اتنين ربنا خلقهم لبعض من قبل ما يخلق الأرض دي .. أول عمود يقيم عليه المودة والرحمة ، تخيلي لو مفيش مودة ورحمة ينفع !! طب ينفع كافر يصلي !! هيحس بالوصال بقلبه كيف !! رجل وست ربنا خلقهم من بعض ولبعض عشان يستروا بعض .. الچواز الصُح وحتة من چنة ربنا على أرضنا هي أنه يجمعك بحبيبك … ياااااه النومة في حضنه هتخليكي تنسي الدنيا باللي فيها .. حبوا وأعشقوا يا بنات ، الحُب ديه هو اللي بيهون مُر الحياة .. عدوا وفوتوا لبعض عشان تسعدوا .. سيبكم من اللي يسم بدنكم ويبعدكم عن حلال ربنا ، ربنا محللش حاچة مش محتاچينها .. حلال ربنا حِلو قوي قوي ….
فتدخلت ليلة تحت تأثير كلمات الحب :
-أحلام ، أنتِ وعمو الحچ ، اتعرفتوا ازاي ؟! اتچوزتوا صالونات ولا قصة حُب كبيرة وكده !
-لا ديه موضوع يطول شرحه…..
ظلت “رقية “قرابة العشر دقائق تجوب أمام باب الغرفة حتى عزمت أمرها ودخلت بارتباك يزلزل صوتها :
-هلال ، زين منمتش .. اااا
قفل كتاب الفقه من يده :
-في حاچة يا رقية ؟!
بإبهامها مشيرة على الباب:
-ااه ، أحلام .. ااا عايزاك معرفش في أيه تحت .. دلوك ، ضروري .. انزل شوفها.
عقد حاجبيه مندهشًا وهو يلبي النداء فورًا ويرتدي نعاله الجلدي :
-خير يا رب، هي عيانة !!
-لالا .. بس قالت لي شيعي على هلال .
فارق الغرفة مشغول البال حول الأمر الذي تريده لأجله .. وسرعان ما قفلت رقية الباب خلفه وهي تتنفس الصعداء:
-استر يا رب .. أنا بسمع كلامك ليه بس يا أحلام !!
خرجت ليلة من الغرفة مرتدية ( بيچامة ) فضفاضة وتحركت نحو الباب الخارجي بناء على طلب أحلام ، فألتقت بكل من هارون وهيثم وأبيهم يجلسون في ساحة المبنى ، فأردفت بعفوية متجاهلة وجود هارون الذي تتوقت إليه كثيرًا :
-مساء الخير يا عمو .. -ثم نظرت لهيثم -هالو ياهيثم فينك من الصبح ، كنت بدور عليك على فكرة .
أشعلت فتيل الغيرة بصدر هارون الجالس يقتنصها بنظره ، ليندفع قائلًا بحنق :
-ليه يعني ؟!
-قالت هيثم مش هارون ، هيثم فيه لسان وهيرد عليها ، سيبه يرد عاد؟!
استقبلها ” هيثم” مرحبًا كعادته بعد ما وبخ أخيه :
-هالوه عليكِ يا ليلة ..
ثم مال إليها مكملًا :
-إلا قوليلي هو أنتِ تملي حِلوة قوي إكده !! حلوة جدًا !! حِلوة خالص !! مفيش مرة تبقي حلوة بس بدون إضافات؟!
كانت تشُم رائحة النيران المتصاعدة من رأس هارون الجالس لتُجيب هيثم وعيناها لا ترى سواه :
-مرسي يا هيثم ، أنتَ أحلى آكيد ..
ثم نظرت للحج خليفة :
-طنت أحلام قالت لي حضرتك عايز تتكلم معايا ؛ خير يا عمو !!
-دقيقة يا أبوي !!
هب بركان غضبه بين الحديث ليقف معاتبًا :
-يعني سلمتي على أبوي ، وهالوه يا هيثم!! وأنا هوا ، مفيش حتى سلام ربنا !! مفيش حاجة واصل !!؟
تأففت موارية مشاعرها الحقيقية:
-لا مفيش ، ولو سمحت موجهتش لحضرتك كلام .. -ثم تمتمت هامسة – وبلاش طريقتك دي قُدام عمو الحج .
صاح هيثم مذهولًا :
-باه باه باه !! أنتوا متعاركين ولا أيه ؟! أيه الحوار يا وِلد أبوي!
ثم مال على مسامع أخيه الواقف خلفه :
-يعني أنت عملت فيها طرزان وسبت فرحك عشان تچيبها من مصر لغاية هنه ، وچايبها اهنه عشان تتعارك معاها وتنكد على القمر بتاعنا !!يرضي مين ديه !! هو أنت وهاشم أخوك كنتوا تشربوا لبن نفس العچل ؟!!!
ضغط على مشط قدم أخيه بغل كي يخرسه :
-حط مركوب في خشمك واسكت .. بدل ما أسكتك بقيت عمرك .
تدخلت ليلة في حوارهم بتردد :
-هو فيه أيه !! قصدي هيثم .. أحلام عايزاك جوه .
صاح الحج خليفة من ورائهم قائلًا :
-تعالي يا ليلة يابتي ، أقُعدي چاري .
أخذت الأذن صمتًا من أعين هارون متحاشية الحديث معه وقالت :
-حاضر يا عمو ..
تحرك هيثم لرؤية أحلام ، فأمره هارون قائلًا بصوت خفيض:
-قول لمراة هاشم عاوز اتكلم معاها هبابة .
ثم عاد ليجلس مع أبيه الذي ذاع قائلًا :
-عمتك أحلام قالت أنك معاودة على بحري !! ليه مستعچلة قوي إكده !! كان حد داس لك على طرف يا بتي .
بارتباك بينّ في حركة كفوفها المتمسحة ببعضها وهي ترسل فيض من النظرات لهارون :
-لا يا عمو ، بس عشان شُغلي و كمان مامتي قلقانة عليها .. وو
-أنتِ لحقتي !! چيتي في أيه وهتردي على بلدكم فـ ايه ؟! لو حد زعلك هنه قوليلي وأناي أقطع لك خبره .
اشتد عضضها بكلمة الرجل العجوز كأنها عثرت على جدار آخر أمان لتحتمي به :
-حضرتك طيب خالص ياعمو ، بس مفيش حد زعلني .. لالا الصراحة فيه .. لا مفيش بس لو حد زعلني هقولك على طول طبعا .
فأردف بعزمٍ:
-يبقى تفضلي مأنسانا كام يوم كمان لغاية ما تشمي نفسك من فرهدة السفر ..
هبت معترضة :
-هااه !! لا يا عمو مش هينفع …
فتدخل هارون بحـدة :
-كلمة كبيرنا ميتى عنردوها يا ليلة .
ثم تلاقت أعين الأب وابنه بنظرة مجهولة لا يعلم مغزاها غيرهم .. فوقفت ليلة مستأذنة :
-أنا هدخل جوة يا عمو .. بعد اذنك .
تلاقي الإخوان في نقطة ما من ساحة القصر ليتساءل هلال متعجبًا :
-أنت كمان چاي لأحلام !!
-قالت عاوزاني ..
ما وصل لأعتاب الغرفة فأعقب هيثم قائلًا :
-رغدا ، هارون عاوزك بره ..
فأكمل هلال متجاهلًا همز وغمز الفتيات :
-خير يا أحلام ؟!
-تعالى أنت وهيثم قِلوا الكنبة دي وودوها هنه ، وبعد ما تخصلوا زحزحوا الدِلاب جارها .. وعاوزاكم تزنقوا السرير ديه على الحيطة .. -ثم أشارت نحو ركن ما -بس الركن هيتساب فاضي !! لا أنتوا تحملوا كرسين من الصالة وتحطوهم هنه .. هتقل عليكم يا ولدي !!
تبادلت أنظار الاثنين بدهشة ليردف هيثم متعجبًا :
-أنتِ تحكي چد يا أحلام !! ليه هدة الحيل دي ؟! طب هلال ديه ودخل دِنيا !! أناِ ضهري مرتستقه على حمولة العروسة مش قَل المُولة .
-ماهو قرك ديه اللي مش مخليني أشوف يوم عدل .. اقفل عينك عن حياتي واعتقني لوچه الله .
فأكمل هلال معارضًا :
-دِلوق يا أحلام !! أنتِ مش شايفة الساعة وديه وقت نوم !! قصدي نهار ربنا له عنين يعني .
أصرت أحلام على موقفها :
-أهوه كيفي إكده ، دِلوق يعني دِلوق يا هلال.
أومأ بطاعة :
-أمرك يا أحلام .. يلا يا هيثم متزعلهاش .
~بالخارج~
-كان عندي أمل اتعرف عليكم في ظروف أحسن من كده ، بس الله يسامح أخوك .
أردفت ” رغد” جملتها وهي تتكئ على السور الرخامي خلفها موجهه حديثها لهارون الذي أعقب مستفسرًا :
-أوعدك كل حاچة هتتحل بس في وقتها المناسب ، دِلوق اللي عايز أعرفه قبل ما أكلم هاشم !! أيه اللي حُصل قلب نفوخه إكده !!
أطلقت ضحكة متحسرة :
-أخوك زهق ، لعب شوية باللعبة لحد ما زهق وقال أما يغيرها قبل ما يتورط فيها بجد..
-بس ديه مش طباع هاشم أخوي ؟! وحتى لو فكر إكده مش بكيفه دِلوق فيه عيل چاي فالطريق !! أيه ذنبه !!
-وأنا كمان أيه ذنبي أعيش مع أخوك سنتين في السر وتكون دي جزاتي !! أخوك المحترم عايزني أقتل ابني يا هارون !! مش عايز يخلف مني .. عايزني أبقى مرته فالسر حتى الأمومة بيحرمني منها .. أنا مصدومة في أخوك وعمري ما هسامحه .. وابنكم اللي في بطني لو مش عايزينه أنا عايزاه .
كانت العِبرات تسيل من مُقلتيها بحرقة مما أشعل فتيل الغضب بقلبه نحو أخيه ليقول :
-مفيش الحديت ديه !! عيالنا هتتربى وسطينا ، برضى هاشم أو غصب عنه .
ترجته :
-ما نقصر الشر وسبوني أمشي يا هارون .. أخوك ضحى بيا ومش عايزني أنا واللي في بطني، أنا ماليش عيش هنا ، ياريتي مشيت وهربت بدل العذاب ده .
-يا بت الناس أحنا عاوزين نحلوا مش نعقدوا الأمور .. قولي أنتِ طلباتك وأنا رقبتي ليك .
مسحت عبرات حزنها لتحافظ على قوتها أمامه وقالت لائحة شروطها :
-أخوك يسجل عقد الجواز ، وأول ما البيبي يجي بالسلامة يسجله باسمه ، ويطلقني وارجع بلدي.. وطبعا حضانة الطفل هتكون معايا .. بس آكيد مش هحرمكم من ابنكم ، تقدروا تشوفوه في أي وقت .
-حقك ، مش هلومك .. ومن الساعة دي لغاية ما ولدك يشرف أوعدك كل حاچة هتكون محلولة ..
~بالداخل~
-أحلام ، قولي لهارون يطلقني .. أنا مش مرتاحة كده .. ومضايقة .
همست لأحلام الجالسة على الأريكة تراقب هلال وهيثم اللذان ينقلان فراشها كما أمرت .. لتُجيب :
-ليّ كلام تاني معاكي بس لما نكونو لحالنا .
ثم صاحت منتبهه :
-المُولة يخربيت أمك ، بالراحة على السرير .
زفر هيثم :
-أحلام أنا حيلي اتهد ، ما نكملو بكرة .. ايه طلعها في راسك دِلوق؟!
-اشتغل وأنت ساكت يا واد .
أكمل مغلوبًا على أمره :
-قِل ، قِل يا هلال لما نشوفوا أخرتها .
وشوشت فردوس لأحلام مشفقة على حالتهم :
-ما بزياداه الشيخ هلال ، الچدع ما يعرفش الشيل والحط اللي مستنيه فوق ..
لكزتها بحذر :
-خلي عوده يتشد .. -ثم صاحت لهيام وهاجر آمرة-واحدة فيكم تمسح والتانية تفرش السرير .
اقتحم هارون الغرفة متعجبًا على حالتها :
-أنتوا عاملين في الأوضة كِده ليه !!
تلقته أحلام بعفويتها :
-وِلد حلال مصفى ، في كرسين المركونين تحت الشباك بره ، هاتهم حطهم في الزنقور دي .. شهل شهل يا هارون وخد بيدهم .
تأرجحت عينيه باستغراب :
-أشيل وأحط ؟! أنا العمدة هِنه يا أحلام !
هبت معترضة :
-أنتَ العُمدة على عيني وعلى راسي ، بس براة البيت دي يا قلب أمك .. أنا الكبيرة هنه وكلكم تسمعوا الكلام .. يلا ساعد مع أخواتك وبطل غلبة .
ألقى نظرة ماكرة نحو ليلة التي لا تناظره وهو يتأمل معالم وجهها المتواري والذي يخفي الضحك عنه ، نزل ” لاسته ” المُعلقة على كتفه ويلقيها بجوار” ليلة”وهو يعض على شفتيه مغرمًا :
-استعنا بالله على الشقى المخفي ديه .
نظرت ليلة بفخر لأحلام بعد ما فارقهم هارون :
-براڤو عليكي يا أحلام ، خليه هو كمان يشتغل .. فاكر نفسه قال حضرة العمدة يدي أوامر وبس !! لا ويكذب عليا كمان ، فاكر أن الدنيا كلها هتمشي بأمره .. مغرور أوي .
لكزتها أحلام بعتب :
-ما يتغر براحته ، دي هارون العزايزي تربية يدي ، وأنت يا بت اتعدلي كِده ومتكشريش في وش الراجل بدل ما أعدلك .
بذعر أرنب تمتمت :
-مالك يا أحلام ، لقبتي عليا ليه أنا كمان !! أنا ليلة حبيبتك .
-حبيبتي يبقى تسمعي كلامي ..
وصل هارون حاملًا المقعد الخشبي الثقيـل ليدخله من الغرفة التي عاقت دخوله .. حاول بكل الطرق حتى استقر على :
-لازمًا نخلعوا الباب اللول ..
ثم وقف أمام الباب واحتتضنه تحت نظرات ليلة التي أحست بالشفقة على حاله .. وبخطأ بسيط منه دهس طرف الباب أنامله ليندفع منه صوت الألم فجاة ، مما جعل ليلة تفقد صوابها وتركض نحوه ملهوفة متناسية حزنها منه و أمر الجميع حولها :
-مش تخلي بالك !! وريني كده ..
ثم قربته من ثغره ونفخت فيهما بحنية لتعود متسائلة ومتألمة لألمه :
-بتوجعك أوي صح !!
كل شيء يمكن أي يُخفى إلا لهفة المُحب .. نسي هارون وجعه من رقة لهفتها وسماعه لصوت ضربات قلبها التي تتسابق خوفًا عليه ليقول بحنـو وهو يضم كفها بمكر منه ويهمس لها:
-خايفة عليّ ؟!!
ضجرت ملامح وجه هلال وهو يراقب أخيه يرتكب خطئًا فادحًا هكذا .. حك ذقنه مختنقًا :
-هارون !!
فاق هارون من كأس الحب الذي تجرعه رشفة واحدة ليبتعد عن ليلته عائدًا لرشده خاصة بعد وقوف هلال بجانبه وهو يرسل العتب الحاد لعينيه :
-هساعدك يلا خلينا نخلصوا ..
ما انصرفت ليلة بخجل لتختبئ خلف أحلام لتوشوش لها مبررة
-أنا لسه مخصماه على فكرة ..
أحلام بنفاذ صبر:
-اها منا واخدة بالي ، صبرني على الچيل المنيل بستين نيلة ديه يارب .
استغل هلال الفرصة ليحذر أخيه بهمس :
-لا تدع مدخلًا لشيطانك .. دي أجنبية لا تحل لك ..
تحمحم هارون يضب ملابسه :
-تمام يا شيخنا .. أسفين .
ثم وشوش له وهو يعاونه في خلع الباب :
-خد بالك على خطواتك يا هارون .. لا تفتح بنفسك أبواب جهنم .. هذه ضيفة نراعي الله في حدود الضيف والهوى .
نزع الأخوين الباب فتهامس هارون :
-استغفر الله العظيم، ما توحد الله ياعم .. شيل شيل مرق يومك أنت التاني .
••••••••••
~دوار الچباس ~
-يعني أيه الحديت ديه يا أبوي !! وافرض هي مش عاوزة ؟!
صاح فارس معترضًا على أمر أبيه مردفًا جملته الأخيرة ، فأعقب أبيه مكررًا :
-هچوزها لأخوك !! وناخدو شورها !! خلينا نلموا الشمل يا ولدي .. البت غلبانة.
كور قبضته فبرزت عروقه من شِدة الاختناق ليفزع قائمًا :
-أخوي عندو علم !!
-لا أنا قولت افاتحك أنتَ اللول .. وأشوف رأيك .. أصلو عمك فخر لمح إنه عايزها لحد من عياله ، فقولت ليه !! وإحنا أولى بلحمنا ..
بداخله بركان ثار كُتمت فوهته وهو يقول :
-الشورة شورتها .. شوف رأيها ، أنا خالي يدي من حوارات نغم دي خالص ..ولا تهمني في حاچة .
وقف أبيه يعترض طريقه :
-خُد هِنه ، مالك حاطط بت عمك فوق راسك وزاعق بدل ما تسندها !! عملت لك أيه البت ؟! بدل ما نحاوطوها وناخدوها تحت جناحنا !! أعقل يا فارس …
”أشد ما أصابني مؤخرًا هو أني لم أعد أحمل في داخلي أية إعتراضات أو موافقة، لا مُسير ولا مُخير، لا أعرف الفارق بين الحُب والكُره !! البقاء والتخلي ؟! الحفاظ أم الانتقام !! كأن كل شيء يُشبه اللاشيء، لا فرق بين التوقف أو الإستمرار، الشعور واللاشعور، خاوٍ من كل مظاهر الحياة وكأنها لا تعنيني.”
قطع حوارهم دخول أحد الغفر مناديًا :
-فارس بيه ، عاوزك ضروري ..
ترك أبيه وتحرك خلف الرجل باهتمام ، وقف الاثنان جنبًا :
-خير يا واد !! جاي بخبر ولا زي كل مرة ..
شد على حزام سلاح الجلدي المُعلق على كتفه :
-اسمع الخبر اللي هيقيد النار في العزايزة ..ويوقع خليفة في شر أعماله .
-أخلص قول ..
-عمك خليفة .. له فترة قالب الدنيا على واحد اسمه ” محي الصفدي ” الواد كان راعي غنم ، من النچع القبلي ..
التفت إليه باهتمام :
-ليه …؟
-الواد اللي تبعي سمعه بيتحدت مع واحد في التليفون ، واللي فهمو ، أن في بت ابوها وامها اتقتلوا من زمن .. والبت ربوها أب وأم تانيين من بحري ، والسر كله عند خليفة.. خليفة عاوز يثبت نسب البت للعزايزة .. ومحي ديه هو الشاهد على كُل حاچة .
عقد حاجبيه :
-طب وفين المشكلة ؟!
-ماني دعبست ورا الحوار ، وكلمة على كلمة ربطت الموضوع في راسي .. عارف البت دي يبقوا مين ناسها !! تاخد لبالك قضية ماهر العزايزي ومرته اللي قتلوهم فالچبل .. أهي البت اللي عيتكلم عنها خليفة دي بتهم .. والبت مصيرها الموت كيف أبوها وأمها .. عمك خليفة عمال يدعبس عشان يلبس العزايزة طُرح ومحدش يصيب البت بمكروه ..وكمان فضل ساتر عليها السنين دي كلها..
يبدو أن الانتقام قُدم إليه على طبقٍ من ذهب ، ليتلهف شغوفًا :
-إحنا لازمًا نعرفوا طريق البت دي .. قول للراجل بتاعك عينك ولا ودانه متغفلش عن خليفة وولده ….
ابتسم الرجل قائلًا :
-ماني عرفت !! والبت قاعدة في بيته دِلوق .. تاخد لبالك في بت غريبة إچيت النچع يوم چواز هارون وهاشم .. والبت من ساعتها ميتى طُلعت من الدار..
-يبقى تتأكدلي وتچيب لي رقبة الموضوع ديه..وبيدي هفتح قبر خليفة وولده..
•••••••••
~عودة لقصر خليفـة العزايزي~
وقف “هلال” يتصبب عرقًا وهو يقول لأحلام مضطرًا وهي يلهث ويمسح حبيبات المطر عن وجهه :
-أي أوامر تانيـة يا أحلام !!
رمقته بنظرة فاحصة :
-يا ولدي ؟! أنتَ تعبت ياك ! حقك عليّ ..
-ولا يهمك يا أحلام ، بس متكررهاش ، هطلع فوق أريح جتتي دي اسبوع .
أرسلت له ابتسامة خبيثة :
-ربنا هيريح قلبك زي ما ريحت قلبي .
انتهى هيثم من شرب الماء وأعطى القارورة لهارون ثم قال :
-ويولع هيثم بچاز !! هو أناِ لقيط في العيلة دي !! فهموني يا جدعان !! ماهي دي مش معاملة ..
وثبت أحلام واقفة بعد ما أخذت مصلحتها منهما وهي تطردهم :
-طب يلا كل واحد على مطرحه عاوزة أريح جسمي ..
أول من انصرف منهم كان هلال ثم هيثم وهو يلعن حظه جهرًا .. انتظر هارون حتى فرغت الغرفة فلم يبقى سوى ليلة وأحلام .. طالعته بتوجس فتدخلت أحلام :
-وانت يلا روح شوف طريقك عاوزين نناموا .
تبسم قائلًا:
-طولي بالك يا أحلام ..
ثم وقف بقرب ليلة ليتحسس درجة حرارتها بحنو :
-اتعشيتي وخدتي دواكي ؟!
رفعت أنظارها حيث التقت بنظرة أحلام التحذيرية ، فمددت ملامحها مجاملة وهي تجيبه :
-اه اه أخدته .. أنت كمان إيدك بقيت كويسة ؟! لسه بتوجعك !
تبسم بوجهها متأهبًا للذهاب :
-المهم عندي أنتِ ، سيبك مني ..
تمسكت بكفه متسائلة :
-لحظة من فضلك ، أنت هتطلقني أمتى عشان أرجع اسكندرية ؟! ويعني ايه كلمة الكبير مش بنردها !! أنا هفضل محبوسة هنا !
زفر بصوت عالٍ ثم ألقى نظرة على أحلام المنشغلة عنهما حتى مال على مسامعها هامسًا :
-لو عايزة تعرفي تعاليلي في الأسطبل عند غيم .. هستناكِ !
تراقص جفنها متوترًا :
-مش هاجي ..
-براحتك ، بس هفضل مستنيكي لغاية ما تيچي ..
~بغُرفة هلال~
تقف أمام المرآة تتفقد هيئتها الساحرة بعد ما ارتدت قميصًا باللون الأبيض يعلوه روبًا طويلًا يملأه الريش من كل الجهات .. فرغت من وضع أحمر الشفاة وهي تتأمل تفاصيل وجهها المتبسمة مع تنهيدات التوتر وبين التنهيدة والأخرى يقر عقلها معترفًا لقلبها ؛ يبدو وكأنك تقودني إلى عالمٍ مختلف إلى عالمٍ مُقدّرٍ لي أن أكون به .. عالم خُلق لأجلي .. فجرى صدى صوت أحلام برأسها واعظة :
-“”أنتِ متعمليش حاچة يلي هتشليني ، أعملي اللي قولته وهو هيشيل الليلة “”
قفلت قلم الروج وهي تعيد التفكير بالأمر :
-ارچعي لوعيك عاد يا رُقية ووو
سقطت الحمرة من يدها إثر اقتحامه الغُرفة متناسيًا أمر الأذن لتقع عينيه على حورية من الجنة ، كما رأها بمنامه من قبل .. قفل عينيه للحظة ثم فتحهما من جديد ليتأكد أ هل هذا حِلم أم علم ليردف مندهشًا :
-اللهم صلي على كامل النور ..
تلفحت بملابسها بارتباكٍ :
-أنتَ چيت !! قصدي كُنت معدية فشوفته متعلق ، قلت أما أجبره علي قبل ما تعاود .. بس .. تصدق طلع على مقاسي !! أنت مين قال لك مقاسي ؟!
بلل حلقه الجاف فتراقصت تفاحة آدم بقصبته الهوائية من سطو الجمال الذي أبهره .. فتاة بجسد فراشة ، ذات شعر حريري لامع استمد لونه من ظُلمة الليل .. جمالها ساحر .. يسحر قلب المؤمن ..قفل الباب خلفه متناسيًا أمر تعبه إثر المجهود المبذول :
-مش محتاچ حد يقول لي !!
ثم أطلق ضحكة من عمق انبهاره :
-بس أنتِ طلعتي حلوة قوى ، حلوة لدرجة كل الشعِر اللي حفظته عشانك تاه مني وسابني متورط قصاد چمالك مش عايز اتزحزح .. ولا عارف أقول أيه يوصف اللي عيني شايفاه .
-تقول لي أحلام كانت عاوزاك في أيه ؟!
فقد عقله في ظل حضورها :
-أحلام .. اااه ؛ أحلام مين ؟!
-يا مولانا !!
نزعت ثوب الرهبة واستبدلته بثوب الرغبة فيه !! تراقصت جفونها بدلالٍ ليسود الصمت بينهما للحظات حتى قطعه مندهشًا :
-اه أحلام .. بمناسبة الأحلام ، تعرفي أنا اتچوزتك ليه ؟!
وقفت أمامه ولا يفصل أجسادهما إلا مد الأيدي للتتعانق .. لتقول :
-قول لي ليـه يا هلال ..؟!
هتف منبهرًا:
-يا دين النبي !! وكمان هلال حاف من غير حشو !! كل ديه كتير عليّ قوي .. دي أخلام راضية عني من كُل قلبها ..
ثم أغرته الخصلة المتطايرة منها ليرجعها وراء أذنها قائلًا :
-چيتيلي في المنام وملك بيقدمك ليّ بيقول لي أهي دي مرتك يا هلال .. قومت مفزوع مش داري بروحي ، لبست چلبيتي وچيت لك رمح .. أنا اتچوزتك بأمر من صاحب الأمر وحده ، وما أجمل أقداره وأوامره التي أتت بذات الحُسن لقعر بيتي .
خفق قلبها من رهبة كلماته وهدوء أنفاسه التي يحكي بها ، فداعبته ممازحة :
-يعني مش عشان حبيتني من أول ما شوفتني !!
أطلق ضحكة مكتومة :
-أول مرة شوفتك وترتيني !! ده الحق؛ مكنتش على بعضي ، عشر رچالة چواي كانوا بيتعاركوا عشان يچروا شكلك ، وعشرة تانيين عاوزيني أقلب بيكي العربية أنت وهاچر .. شوفتك لخبطتني ووترتني !! كنت عاقل ورزين معرفش چرالي أيه ؟!
بللت حلقهـا وهي تناظر عينيه وتتغلغل أناملها بين أصابعه بولهٍ :
-يعني حبيتني من أول ما شوفتني !! من أول صدفة لينا ؟!
أضفى شيئًا من حنيته بلمسه رقيقة من كفه كأنها قطعة من العمر قابلةً للطي في روح شخصٍ آخر حتى يهضم قلقه ويمسح على أنقاضه ويأخذ كلّ شيءٍ شكله الأوّل .. كلّ شيء حتى قلبي .. عقد حاجبيه مفكرًا ليقول :
-أنا اتشقلب حالي من ساعة ما شوفتك ..
-وأنا كمان زيك ..
ابتسمت بوجهه لتعود لروحها المرحة وتشغله عن جملتها الأخيرة :
-بص في اعتراف هقوله ، إحنا تحت كُنا نلعبوا الشايب ، أنا وأحلام والبنات يعني ، وبصراحة كلهم حكموا عليّ إني أطلع وألبس كِده ، يعني مكنتش بچربه زي ما قولت لك وو
غمز بطرف عينه :
-ديه أيه الحكم العسل ديه !! بس مهلًا مهلًا .. رقية !! كل اللي تحت دول عارفين اللي بيحصل هنه ولسه هيحصل !!
-هو ايه اللي لسه هيحصل!!
وضعت كفها على فمها مدركة حجم المصيبة التي التفتت لها للتو :
-يا نهار أبيض!! أنا كيف هوادتهم في قولهم !! وطلعت نفذت كمان !! طب أيه الحل !!
حك ذقنه بلطف ليمازحها :
-حل أيه عاد !! بعد ما چرستينا !! يعني كنت قافل خشمي وراضي وساكت !! فجأة بقيت حديث أهل المدينة؟!
هبت مقترحة :
-يقطعني !! طب أنا عندي فكرة ، تيچي مسمعش كلامهم ومنفذش بقية الأحكام وأنت تعاود تنام على السرير وأنا على الكنبة عادي !! أصل مش هقدر أبص في وشهم الصبح !!
مسح على رأسه متمتمًا “يا فضيحتك يا هلال يعني أحلام كانت عارفة طب كان أيه لزمتها الفرهدة دي ” ثم أعلن :
-منا لو سمعت الهبل ديه ، أنا اللي مش هقدر أبص في وشهم الصبح ،.. طب هما حكموا عليكي بايه تاني !
وضعت سبابتها في فمها لتمهده له بطريقة لذيذة مدى رغبتها فيه بكناية :
-وقالولي أننا لازمًا نباتوا في فرشة واحدة ؟!
-وحتى دي قولتيها !! دانا سمعتي باظت في العيلة !! ديه هيثم لو شم خبري هيفضحني في ميكرفون الچامع !!
ضحكت بصوت أنثوي عذب زحزح الأبواب التي أوصده قلبه رغمًا عنه وقالت بتأدب:
-مكنش قصدي هما اللي وقعوني فالكلام .. بس أنا مش عارفة عملت كِده كيف!!
-ولا عارفة عملتي فيّ أيه ؟!!
تحمحمت بخفوت كي تجمع صدى صوتها وهي تحدق النظر بعينيه لتُعلنها صراحة :
-لا معرفش ؛ بس عندي فضول أعرف .
-سرقتيني..
مسك مرفقيها بلطفٍ :
-ربنا عز وجل قال في كتابه العزيز :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ” …
وأنتِ دخلتِ قلبي دُون استئذان أو سلام ..! وخدتي قلبي ليكِ لوحدك ، انتِ اقتحمتي حياتي كلها شقلبتيها وواقفة دِلوق تقولي أنا مش عارفة عملتي أيه !! طب ديه يرضي مين بس !! شيخ كُبرة زيي يقف قصاد حُسنك محتاس الحوسة دي؟!
تجرأت في كلماتها وانزاح ستار الحياء عنها :
-احم هو كان فيه حد قبلي في قلبك ..؟
-لا عمره ما كان فيه !
-طب مش ربنا بردك هو اللي قال :
” لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ”
أنا دخلت بيتي يا هلال ، وقلبك ديه بيتي اللي حلله ليّ ربنا ..
تنهد وهو يطوق خصرها بلهفة المشتاق:
-غلبتيني المرة دي زي ما غلب حُبك قلبي يا بت أبو الفضل !
-وأنا اتأكدت دِلوق أن نصيبي طلع حلو قوي قوي .. حلو بيك … هلال أنا أول مرة أقف قصادك وأنا مطمنه مش متهابه ولا مستوحشة قُربك !! أنت هديت سور الجليد اللي چوايا كيف ماعارفاش بس …
” لُقيا الأحبة طِبٌ يُستطبُّ بهِ وغيثُ لُطفٍ على الأرواحِ هتّانا ”
تلاقت الأرواح المحبة بدون كلمات إضافية تؤخر روي القلوب المتعطشة .. أن يتورد الطريق ، ويكون محفوفًا بالورد والودّ، أن تكون وجهتنا للعشق دائمًا ، أن نصل لمنبع ارتواء أرواحنا .. في اللحظة التي تكون فيها أنا وأكون فيها أنت .. كلانا يدثر الآخر بطوق من اللهفة والياسمين ………….
••••••••••••
~بغرفة أحلام~
-ياخبر !! هي زينة دي عملت كل ده بس عشان هارون يتجوزها !!
على فراش النوم تتمدد العجوز وصغيرتها لتروي لها حدوتة الشاطر الذي وقع في فخ إمراة بكامل إرادته .. أشفقت ليلة عليه وحزنت من نفسها لأنها لم تمنحه الفرصة ليبرر ، فأعقبت :
-دي مجنونة يا أحلام !! طيب وهارون اتجوزها ليه !! ما كان اعترف إنه مش عمل كده !!
مسحت على رأسها بحنان ذاخر :
-حكمة ربك يابتي نجحت خطتها ، العزايزة اتلموا عليه وعمك خليفة ملقاش حل للورطة دي غير يچوزهاله ، واتچوزها عشان يقفل خشومهم .
تعالى صدرها بتنهيدة طويلـة :
-هو ماقالش كل ده يا أحلام ، أنا معنديش شك في حب هارون ليا !! بس ليه خبى ؟! ليه كذب !! ليه مقالش الحقيقة ..
ربتت على كتفهـا :
-بلاش تُحكمي عليه بعينك ، هارون اللي قدامك ديه شايل على كتافه حِمل چبال .. يمكن خاف يقول لك ترفضي تتچوزيه ، هارون عمل الصُح بكتب كتابكم يا ليلة .. لازمًا كان يحميكي منهم ..
أصدرت إيماءة اقتناع :
-معاكي حق يا أحلام ، أنا قلبي مايقدرش يزعل منه ، بس لازم يتعاقب ، عشان قبل ما يخبي عليا حاجة يفكر الأول .
حدجتها بعتبٍ :
-يعني مش هتروحي له زي ما قال لك ؟!
-تؤ .. مش هروح ، لازم أزعل منه كام يوم كده ..
ثم وضعت طرف أصبعها بفمها متحيرة :
-بس هو الچو مش برد!! حرام يقعد يستناني !! ده ممكن يتعب ، ممكن تكلميه يبطل جنان ويرجع أوضته .
اعتدلت ” أحلام ” من نومتها كأنها تذكرت شيء:
-وأنا مالي !! هو چوزي ولا چوزك !! بصي أنا هروح أشقر على الحچ اشوفه متغطي ولا لا وأنتِ نامي لغاية ما أرجع لك ..
ثم عادت مكررة :
-متوكدة إنك مش عاوزة تروحي؟!
ردت بعناد طفولي :
-تؤ ، مش هروح له يا أحلام ، أنا أخدت قراري …
-على راحتگ مش هعوق عليكِ …..
نشبت حرب طاحنـة بين قلبها وعقلها وهي تتقلب على الفراش كأنها تنام على جمر وليست قطن ، بقلب يسعى جاهدًا أن يكون بمكان يجمعه ،بل يجمعهما سويًا ، ينسجمان حتى يطفو كل منهما صفاته على الآخر ..
آخيرًا حسمت أمرها وفارقت فراش الحيرة وهي ترمي على كتفيها شالًا طويلًا يصل لكاحلها وضبت شعرها بعشوائية لتخرج من سلم الشرفة لا الباب .. مع كل خطوة تنهيدة من قلبها الذي يقترب من مبتغاه .. وضعت كفها على صدرها وهي تترجاه :
-ممكن تهدأ شوية ..
وصلت لباب الأسطبل وفتحته بحذرٍ وسارت في الطُرقة المُضيئة بأعمدة الإنارة بأعين تفتش عنه حتى أصابها اليأس في مقتلٍ عندما وجدت “غيم” في مكانه بمفرده ، عقدت ذراعيها وهي تقترب منه وشرعت تشكو له من صاحبه بخيبة أمل وهي تمسح على رأسه:
-آكيد استنى كتير ومشي !! طيب مقدرش يستنى حبة كمان .. أزيك يا غيم ، أنت وحشتني على فكرة ، وبعدين يا سيدي في صاحبك ، مغلبني ، وتاعبني معاه .. قول لي يا غيم من رأيك أسامحه ولا لا !! هو خبى عليا حاجة مهمة أوي !! بس هو كمان معذور !! تعرف إني اترددت كتير أجي ولا لا !! ااه مكنتش جاية بس چيت بس عشانك أنت ..
ثم داعبت شعره :
-تعرف أنك أول واحد أنا أحبه هنا .. أنت خطفتني ليك ، زي ما هارون خطفني له !! أنتوا كنتو متفقين عليا !! وأنت كمان حبيتني صح !! قلبك حس أن صاحبك هو كمان هيقع في حبي !!
ثم تحمحمت وأخذت نفسًا عميقًا بعدها :
-قول لي أنت عمرك حبيت قبل كده .. جربت الحُب وناره !! طيب عارف شعور لما قلبك يدق بسرعة بسرعة !! بس أنت عينيك بتلمع زي هارون !! واضح كمان أنك بتحب زيه وزيي .. أنا بحبه أوي يا غيم ..
-هو مين اللي عتحبيـه قوي يا ليلة !! دانتِ ليلتك مش فايتة !
دوت صوت صرختها بالمكان مفزوعة :
-أنت !! أأأ نت هنا !! هارون !!
ربط ” شمس” زوجة غيم بأحد الأعمدة متبسمًا :
-كنت متأكد إنك هتيچي !! بس هو مين اللي بتحبيه قوي ديه يا هانم !!
حاولت أن تخطو هاربة من أمامـه فأمسك بكفه ليوقفها فارتطمت بصدره صارخة :
-أنت كنت بتتجسس علينا !!
-ايوة ؟
-وسمعت أيه !!
-كل حاجة وأنك بتحبيه !! هو مين عاد؟
-واحد وخلاص لو كان استناني زي ما قال كنت هقوله !! بس ملهوش نصيب .. سيبني بقا !
ملأ رئته من رائحتها العذبة وهو يعبث بشعرها :
-كنت واثق أن هتاچي …
-جيب عشان أسألك ، هنطلق أمتى ! وبس .
غمز بطرف عينه وهو يقول :
-نتجوز الأول ..
-ما أحنا متجوزين !!
رفع هارون حاجبه مُقرًا :
-بس زعلانين !!
-أحلام حكت لي كل حاجة !! وبقيت محتارة اسامحك ولا لا عشان كذبت عليا !! ليه خبيت يا هارون !! كان ممكن تصارحني .. ونفكر سوا فالحل .
-أحلام !! ممم وأخرة الحيرة دي أيه !! قلبك قال لك أيه ..
-قلبي جابني في معادنا وو
راوغت وهي تبتعد عنه وتحوي رأس غيم :
-أيه رأيك ناخد غيم ونمشيه شوية بره !
-مش هينفع، غيم عايز يتچوز دلوق وروحت چبت له شمس .. إلا ولو له رأي تاني ..
ثم اقترب منه وهو يسأله :
-فكك من شمس وخليك مع ليلة !!
أصدر صهيلًا دوى بالمكان كإنه ينادي على مهجة روحه فلبت شمس النداء بنفس الصوت ، فرفع هارون حاجبه قائلًا :
-باعك غيم في أول جولة !!
ثم همس ناصحًا :
-يابتي ديه ليل وكل واحد أولى بيه حضن حبيبه ، يعني مالكيش غيري !! اسمعي الحديت الله يخليكِ .
ترعرعت في كنف الحب المخيم عليهما وهي تقول بحماسٍ :
-هما هتيچوزوا دلوقتِ !!
-المفروض وإلا غيم مش هيوعى لمخلوق قِدامه ..
ما انحنى ليحرر غيم فانطلق مسرعًا نحو محبوبته وكل منهما يتمايل برأسه على الآخر بأسمى لغات الحُب .. اقترب هارون من شمس وحررها ، فتسابق الاثنان لساحة الاسطبل الواسعة .. تحمست “ليلة” فارحة لرؤيتهم يتلاطفان سويًا :
-الله يا هارون شكلهم يجنن !! بيحبها أوي صح !
شرع بمداعبة شعرها بحنية :
-هو دايب فيها !! وهي !! أنت ايه رايك ؟!
أغمضت جفونها مثل شمس تمامًا مستمتعة بلمسات حبيبها ، ثم تنهدت قائلة :
-بص شوف عيونها وأنت هتعرف .. بس تفتكر بيقولها أيه مخليها مبسوطها كده ومش دريانة بالدنيا حوليها ؟!
تسللت يده ببطء لخصرها ليقربها منه وهو يسرد على مسامعها كلمات الغنوة التي تشبهها كثيرًا بل كُتبت كلماتها لوصفها :
-شكلو عيقولها أن عينيكي يا حلوة بتسحر وكل كلامك شهد مكرر وعلى بُعدك عمري ما هقدر ..
مالت بكتفها على كتفه ورفعت جفونها تساءله :
-مخبي عني حاجة تاني !
-بصراحة مخبي !!
ابتعدت عنه شغوفة :
-مخبي أيه!! اعترف بسرعة !! يلا قبل ما أقفش تاني!!
وفي اللحظة التي وقع فيها غيم ليتم الوصال مع محبوبته سحبها هارون من كفها خلف الجدار كي لا يتعدى على خصوصية صديقه ويدع كل شخص مع زوجته، استند ظهرها على الحائط لتقع فريسة حصاره :
-أنك وحشاني ، وطول اليوم بتعارك مع دبان وشي عشان أنتِ زعلانة مني .. اليوم كان وحش قوي بلاكي ووو
فرغ بقيت كلماته بقبلات مدسوسة بثغرها ليفرغ شوقه المستهام بها ولكن لغرابة الحب ومعجزاته كان تأثيره عليهما كالسحر ، لأول مرة يحس بإنه قطع شوطًا كبيرًا إليها عندما استقبلت قبلته بنفس راضية وبادرت مرة أو مرتين بتقبيله ، يا ترى هل هذا سحر الحب أم سحر إمراة على إمراة غيرها فكانت للغيرة دورها الفعال ؟! انتهت قبلتهما الطويلة بعناق قويٍ هي من قطعته معلقة برقبته وبأقدام طائرة في سحب الحب :
-هارون ، أنا بحبك أوي ولا عمري عرفت يعني ايه حب غير معاك ، لو سمحت متسبنيش حتى لو أنا اللي طلبت كده ، أمسك فيا ، أنا من غير هموت ..
توسدت حضنه وذراعين قويتين يضمونها ولا يودان أن تفارقه أبدًا ليهمس لها بعشقٍ :
-أنا عاشقك يا ليلة ، وقلبي لاان على يدك .. أنتِ الوحيدة اللي كان معاكي مفتاحه .. اسيبك !! ديه بُعدك ..
عاد لها رشدها وهي تفارق حضن خجولة وما ترحزحت خطوة أصاب الدوار رأسها فسندها بذراعه ملهوفًا :
-چرالك ايه !!
ردت بخجل دون أن تناظره:
-لا بس دوخت شوية وو
-دي بوسة !! أنا ملحقتش أعمل حاجة وو
دفعته متمردة لتركض من أمامه هاربة :
-قليل أدب .. مخاصماك .
أمسك كفها :
-على فين ؟!
-أحلام مستنياني !! لازم أرجع قبل ما ترجع من عند عمو الحج باي باي يا هارون .
حملت فراشات الحُب التي اغتنمتها وهربت من أمامه بقلب يتطاير كعصفور في آسره يود التحرر في حضن من احب .. تنهد بحرارة وهي يخمد نار حبه ويسحب غيم ليربطه ويشكوا له منها :
-عاچبك عمايلها دي يا غيم !! يرضيك !!
•••••••••••
“رضيتُ بالقليل من الحب وفرص اللقاء النادرة ، وسلكتُ دربًا طويلًا في التفكير وبالنهاية اخترتك أنت من بين كل المخاطر ، كنت أستخرج لحظات الشوق الحميمية من الكلام المتواصل بيننا ، والآن حتى كلام الحب الساخر -أو هكذا يصوّر لي عقلي المتعطش- لا يجوز أن أخبرك به !! بات سماع صوتك عبر الهاتف أبعد من المسافة التي تفضلها الأرض بيننا !! وكان عزائي وفي ظِل موت التعبير عن الحب أنني أعرف ان جوهر هذه الحدّة وباطنها هو الحب .. أين أنت ؟! وأين حبنا الذي كان ؟! لِمَ اتحمل العقاب وحدي ؟! البعد يقتلني وأنت لا تبالي !!
ثم وضعت ” كفها ” على بطنها وهي تشكو لليل همها ؛ كيف أعبر عن غريزة الأمومة التي تسكنني أنها بحاجة إليك ! من سيفهمني !! من سيدرك حجم النار التي تشتعل بجوفي !! قل لي كم عليّ أن انتظرك حتى اصبر قلبك بأنك عائدًا لا محالة !!
ثم ضمت الوسادة لتسد فراغ قلبها وهي تلوم الزمن بحزن وخيم :
-فينك بس يا هاشم !! أنا محتاجالك أوي !! ليه سبتني في نص الطريق تايهة بين قلبي المكسور وعقلي اللي رافض وجودك وسواد الليل اللي بياكل في روحي ؟!
انخرطت عبراتها على الوسادة كي تطفئ وهج الألم والشوق بداخلها بماء عينيها وهي تخبر جنينها :
-أنا متحملة كُل ده عشانك …
~سيناء~
ركل بقدمه الأسلحة المعلقة التي تضرب النيران بواسطة فخ نصبوه الأرهابيين وبالأخص كانت رسالة قوية من أبيها بأنه لم يتركه حتى يتخذ صفه ، ذاع أمرًا بوجه الجنود :
-عاوز المنطقة كلها تتأمن !! فاهمين !!
ثم تلقى بعض البيانات عن طريق اللاسيلكي ليقول :
-الاخبارية بتقول إن في نقلة سلاح هتتم عن طريق الممر التاني !! هما عملوا كِده عشان يشغلونا ..
فصاح آمرًا :
-اجمع مل العساكر يابني .. وعايزك تزرع لغم في كل المداخل ، يوروني هيعدوا كييف !!!!
ثم أخرج هاتفه ليسجل رسالة صوتيه وهو يبتعد عن مقر الجنود :
-أبوكي بيلاعبني في شغلي يا رغد ، أدي اللي خايف منه واللي مش عايزة تفهميه !! شوفتي آخرة عنادك وصلنا لفين !! بس وديني ما هيعدي منها …..
••••••••••
~بغُرفة هلال~
كانت تتوارى عن شمس الماضي في ظِلّ كتفه لتهدأ .. ترقد آمنه هادئه بحضنه بأكتاف عارية تحت اللحاف وهي تتنفس عبير القرب المُحلل الذي أحله الله عز وجل وتهمس له بحبٍ :
-هي كيف النار معاه بقيت مية جرت روت روحي من مر الشهور يا هلال ..
طبع قبلة بدخل كفها الذي يحتضنه ممتنًا لجمال الأقدار :
-سبحان من خلق لنا قلوب نسترها وتسترنا يا رقية .. وأنا ربنا سترني بيكِ ..
ترقرقت دمعة من عينيها سقطت جمرًا على كتفه :
-هلال .. سامحني ؛ مقدرتش أحافظ على نفسي عشانك بس من رحمة ربنا إنه عماني، غبت عن الوعي ماشوفتش اللي حصل فيّ ولا فاكراه !! بس كل اللي داير في مخي ، أن كان فيه نار قايدة چواي !! وديه اللي كان باعدني ، مخوفني .. قضيت ليالي كتيرة أبكي لحالي لغاية ما أنتَ چيت ونست قلبي قلبي .. عشان إكده بسألك كيف النار معاك بقت مية ؟!
اعتدل من نومته ليعلو ملامح وجهها الباكيـة وهي يتلقى عنها الدمع بشفتيه ليقول معاتبًا :
-عتبكي في حضني !! طب أموت لك روحي عشان تبكي بحق !!
هبت ملهوفة :
-لا بعد الشر عنك .. أنا بفضفض معاك بس ، كان نفسي تكون أول ….
قاطعها :
-رقية، ما مضى فهو ماضي لا يعنينا ولن ندعه يعكر صفواننا!!
أومأت بخفوت:
-أنتَ صح .. وأنا أوعدك أني أشيلك چوة حبابي عيني .. أنا ماليش غيرك دِلوق .. چوزي وحبيبي وكل حاچة ليّ ، أنت دعوات أمي اللي كانت متحوشالي في السما..
طبع قبلة طويلة على جبينها لتمحو أطنان من التعب وتستبدل ملامحها الجنائزية لآخرى عيدية وهو يقول:
-اليوم انا اتولدت على ايديكي يا رقيتي .. وأنتِ رقى للنفس والقلب والجسد بأكمله ..
-وأنا اليوم ، أحلى يوم في عمري ، بس أوعدك كل أيامنا هتكون هنا ..وو
سحرته للمرة الثانية ليقع فريسة حبها بسعة صدر ، ولكن ما أوقفه وهو يطالع هاتفه ليراقب موعد صلاة الفجر ، ليعود قائلًا :
-الفچر قرب ، هقوم أجهز للصلاة ..
أوقفته :
-مش هتصلي معاي؟!
دفن قبلته بترقوتها :
-هصلي بالناس وهرجع أصلي بسيدة النساء ..
•••••••••
~صباحًا~
في تمام العاشرة صباحًا وبعد ما أنهى هارون بعض أعماله ، عاد لمنزله فارحًا وأول شيء فتش عنه كانت هي .. قابل أحلام بالخارج ، فسألها عنها فأخبرته بأنها لم تستيقظ حتى الآن .. وجد ساحة القصر فارغة فاستغل الفرصة ليذهب للغرفة بهدوء .. جلس بجوارها وزاح شعرها عن وجهها النائم وكان لخدها النصيب الأكبر من القُبل ، تراقصت جفونها ثم فزعت :
-نهار أبيض ، هارون !! أنت هنا بتعمل أيه ؟! حد شافك !! قصدي حد يشوفنا ، اخرج بسرعة …
-اشش أهدي ، مايشوفونا !! هارون العزايزي مش عيهاب حد ..
ثم أرسل لها غمزة وهو يراقب بعثر ملابسها والتي تبرز مواطن جمالها الأنثوي :
-عليا بأيه الحلو حلو لو قايم من النوم ..
قفل زر بيجامتها بارتباك إثر نظرته :
-هارون ، عيب كده .. اتفضل اخرج قبل ما حد يشوفنا..
-لا أنت اللي اتفضلي قومي عشان عايزك في حاجة ضروري !!
-قلقتني !! حاجة أيه ؟!
-قومي وهتعرفي ، متطلعيش إكده ، البسي حتى عباية من بتوع أحلام !!
عاتبته مندهشة :
-عباية !! هارون أنت بتتكلم جد !! وو
تنهد بنفاذ صبر :
-يا بت الحلال ، بطلي غلبة عشان أنا على آخري ومش ضامن هفضل صابر عليكي لميتى !! وممكن ارجع في كلمتي عادي..
قفزت هاربة من أسره وهي تغادر مرقدها ولكنها باغتته بقبلة سريعة على وجنته قبل أن تركض للحمام لتحتمي منه :
-صباح الخير يا عمدة ..
تابع خطاها فقفلت بوجهه الباب ، حاول فتحه ففشل ، فأردف محذرًا :
-أي تهور صدر مني فأنا مش مسئول !! هتكوني أنتِ السبب ..
سمع صوت ضحكتها من وراء الباب فأتبع :
-أضحكي اضحكي، هستناكي برة مع أحلام متعوقيش ….
مرت قرابـة النصف ساعة التي ارتشف فيها هارون الشاي مع أحلام ، حتى جاءت ليلته .. مرتدية ملابس شتوية فضفاضة وطويلة بناء على أوامره .. نظر لأحلام لينهي الحوار الدائر بينهما :
-كل حاجة هتتحل يا أحلام وكيف منا عاوز..
تقدمت “ليلة” لتجلس بجوار أحلام برقـة :
-صباح الخير يا أحلام ..
-صباحك جميل يا غالية…
ثم صاحت منادية على فردوس:
-هاتي فطور لليلة يا فردوس ..
نظرت لهارون باهتمام :
-هارون أنتَ أكلت ؟!
-كلت مع العمال في المحچر ..
-ومجتش تاكل معايا ليه !! قصدي معانا ، أنا وأحلام وكلنا ..
ردت أحلام بصوت خفيض :
-مرتك عداها العيب .. تاني مرة تفطرش عشان معاها .
-أوامر ..
جاء الحج خليفة من الخارج يتساءل :
-هو هلال فينه !! النهاردة الچِمعة أجازة من شغله .. -فنادى-فردوس روحي صحي هلال وو
فقاطعته أحلام بمكرٍ :
-ما تسيب هلال في حاله يا حچ ، عندك هيثم لا شُغلة ولا مشغلة وبعدين هلال عيان ونام فوق ..
فأعقب هارون :
-ماله هلال ، صلى بينا الفجر وكان زين ..
-يووه ، هتعرف أكتر مني؟! قولتلكم سيبوا هلال في حاله .
كتمت ليلة الضحكة وهي توشوش لأحلام :
-مش سهلة أنتِ يا لومي …
اقتنصهم هارون بنظرات فاحصة ولكنه تجاهل الأمر قائلًا :
-استنى يا أبوي .. أقعد في كلمتين عاوزك تسمعهم ..
لم يكد يستريح الشيخ على مقعده ، فاندلعت صوت الزغاريد من جوف صفية التي هبطت مع بنت أخيها من السيارة ، وهي تقول لها :
-شوفتي هارون ماچادرش على غيابك كيف!! وشيع چابنا ، مش قولت لك أنتِ مرته يا عبيطة ..
-“چلابة النصايب أهي چات ”
أردفت أحلام جملتها بحنق ، واكفهر وجه الحج خليفة الغاضب من زوجته التي فارقت البيت بدون إذنه .. دخلت زينة بذراعها المعلق برقبتها وهي تقول :
-لازمًا هارون يصالحني ويحب على راسي قصاد الكُل ..
بدت نظرات الرعب في عيني ليلة والغضب من رؤيتها ، وثبت لتفارقهم ولكن نظرة واحدة من هارون أوقفتها .. وثب هارون من مجلسه قائلًا :
-نورتي بيتـك يا ما .. مش بعوايدك تنامي بعيد عنينا ..
وبخته أمه :
-واخدة على خاطري منك يا هارون ، أنت وأبوك ..
حقن وجه الحج بالغضب عند رؤيته لزينة وقال:
-البت دي ايه رچعها بيتي!! مش قلت ملهاش قعاد عندي وليها كبير يترد عليه !!
انكمش وجه زينة وسرعان ما تمدد بابتسامة عندما قال هارون أمام الجميع :
-أنا اللي بعتت چيبتهم يا أبوي..
احتشدوا الجميع على صوت الزغاريد حتى هلال الذي فاق من نومته للتو على صوتهم ، فارق حضن حبيبته النائمة بمهلٍ وارتدى جلبابه وغادر الغرفة ليرى ما الأمر ..
صاحت زينة من الخلف :
-راچعة بيتي وبيت چوزي يا عمي ..
رمقها هارون محذرًا :
-مفيش حريم ليها بيوت عندينا ، البيت ديه من أول طوبة لآخر طوبة ملك الحچ خليفة العزايزي وكلنا ضيوف عنه ..
ثم وقف بمنتصف ساحة القصر وأتبع :
-والكل عارف أن زينة مرتي ، وكاتب عليها بشرع ربنا ، بس شرع ربنا لازمه القبول والرضا ، وديه مش چواي .. زينة حظها الأسود ساقها شيطانها لطريقي وكلنا عارفين عملت أيه من قبل .. وانا قصاد الكُل عقولها …
لم تتحمل ليلة رؤية المشهد وهو يعلن زوجه غير على ذمته ، كادت أن تفارق فأوقفتها أحلام :
-استنى اسمعي هارون هيقول أيه …
تدخلت صفية معاتبة :
-شيطان يا حبيبي وخش بينكم ، خد مرتك فوق واتصافوا مع بعضيكم ووو
تجاهل رد أمه وقال :
-زينة رچعت البيت ديه عشان هي قصاد الكل مرتي ، وعيبة في حقي اخلى برتي تبات في بيت أبوها ، الناس تقول أيه !! ماهما مايعرفوش اللي فيها …
ثم ألقى نظرة اعتذار لليلة وآخرى نظرة أمام لتطمئن :
-وديه عشان نحشوا حديت الناس ، لكن أنا من چواي وبقولها قصاد ربنا و الكل وأديكم شاهدين ، زينة بت صالح الطحاوي تحرم على ليوم الدين وطول ماهي على ذمتي يدي مش هتمس شعرها منها ، لاني عمري ما كان ليّ غرض فيها ولا عاوزها .. هتفضل متعلقة زي البيت الوقف وديه أقل عقاب للي عملته..
صاحت زينة مذهولة وهي تشكو لعمّتها :
-ما تقولي حاجة يا عمة !! عاچباك اللي عيتقال ديه !! انطچي !!الحديت ديه يرضي مين !! أومال متچوزني ليه !! هااه !!
نهرها بعنف:
-خلص القول يا بت خالي .. قبل رچلك ما تعتب عتبة فوق تيچي تحبي على راس ويد ورچلين أحلام ، وأسمع أنك ضايقتيها بكلمة مرة تانية هخلص عليكي بيدي !! مفهوم !!
تأملت زينة الوجوه الشامتة بها فأشعلت نيران الانتقام بجوفها وهي تغلي من الداخل منتظرة أن يناصرها أحد ولم تجد ، دبت برأسها شرارة أخذ الحق والانتقام وهي تتأمل الجميع بعجز ، لتتوعد بينها وبين نفسها سرًا:
-وديني وما أعبد لأخلي البيت ديه جحيم وهاخد حقي منيكم نفر نفر .. أنا وأنتو والزمن طويل ….
******
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية آصرة العزايزة 2)