رواية أسد مشكى الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم رحمة نبيل
رواية أسد مشكى البارت التاسع والعشرون
رواية أسد مشكى الجزء التاسع والعشرون

رواية أسد مشكى الحلقة التاسعة والعشرون
كلمات خطاب أرسلان ما تزال تدوي وبقوة على مسامع الجميع بصوت المعتصم، وخطته كانت تأخذ حيذ التنفيذ في اللحظة ذاتها .
إذ تحرك دانيار وهو يحمل أعلى ظهره حاملة السهام مع بعض رجال أرسلان يتحرك في الخفاء في نفس الطرقات التي وصفتها لهم نازين، يتذكر كلماتها بدقة ويتبع تعليماتها، يشير للرجال بالهدوء أثناء التحرك وقد استغل انشغال الجميع بمجئ رسول من مملكة مشكلة وصدمتهم من معرفة أرسلان مكان جحرهم ..
وصل صوب النقطة التي أخبرته عنها نازين ونظر لذلك العملاق الذي يحرس هذا الجزء من الحدود الخاصة بالحجر، وتقدم منه بهدوء شديد، ولم يكد يصدر من ذلك العملاق ردة فعل حتى وجد سهمًا يخترق صدره مرديًا إياه قتيلًا، ومن ثم عبر دانيار مع الرجال جثته وركضوا بخطوات شبه محسوسة صوب المنزل الذي وصفته لهم نازين وصوتها يتردد في رأسه والقهر يملئ نبرتها :
” إن لم يتغير شيء منذ تركتهم فكل مساء تتجمع النساء في المنزل المخصص لهن في جنوب الجحر، لذا يفضل الذهاب مساءً كي تضمن وجود الجميع في مكان واحد هذا إن لم يكن هؤلاء الانجاس يقيمون حفلة على شرفهن”
تحرك دانيار بسرعة وهو يصارع الوقت وقد بدأت ضربات قلبه تعلو بقوة، ليس خوفًا والعياذ بالله فقد قابل ما هو اسوء، لكن رعبًا مما قد يرى خلف الأبواب المغلقة، يخشى رؤية مشهد سيؤرق مضجعه لأيام.
وأثناء طريقه أبصر بعض الرجال فاختبئ بسرعة خلف أحد المنازل وهو يشير بالصمت لرجاله، ومن ثم بعد ثواني أكملوا طريقهم بخطوات أسرع للمنزل الخاص بالنساء وكل ما يدور برأس دانيار أنه لن يخرج اليوم من هذا المستنقع إلا ومعه جميع النساء هنا، ليس لأن أرسلان أمره بذلك فقط، بل لأن رجولته تأبى ترك امرأة مسلمة لحظة أخرى بين هؤلاء البشر، يشعر بالرعب أن يُسئلوا عن تركهن كل هذه الأيام دون مساعدة، وهم حتى لم يدركوا بوجودهن.
وصل وأخيرًا صوب المنزل، وكاد وفي وهلة اندفاعه أن يقتحمه ويجتذبهن معه للخارج، لولا بقايا تعقله التي جعلته ينظر حوله بتردد يشير لأحد الرجال بالمراقبة، ومن ثم هرع يطرق الباب طرقات متزامنة مع طرقات قلبه داخل الصدر .
دقائق مرت ليُفتح الباب وأخيرًا فاتحًا معه جحيم على دانيار وهو يبصر عدد كبير من النساء وأطفال وغيرهم، ليخفض وجهه بسرعة وقد بدأ الغضب يرسم خطوط واضحة على ملامحه ويده ترتجف بقوة، يحاول التحدث بأي كلمة قد تكون المنقذ له أمام عين امرأة اكلها التعجب وكادت الصدمة مما ترى ترديها قتيلة .
طرقات على الباب دون اقتحام؟؟ رجل يخفض وجهه حينما ابصرها ؟؟ أبحلم كانت، أم أن الله صب غضبه على الجحر فأرتقت أرواح الجميع وعفى عنها برحمته وذهبت للجنة ؟؟
خرجت الفتاة من أفكارها المتشعبة حول هوية ذلك …الرجل، وكم كانت كلمة رجل غريبة لتخطر على رأسها بعد كل هذه الأشهر من رؤيتها للذكور فقط .
خرجت من كل أفكارها على صوت دانيار الذي تحدث بهدوء رغم ارتجاف نبرته من الغضب :
_ كم دقيقة تحتاجون لتتجهزن للرحيل ؟؟
نظرت له المرأة بعدم فهم ليرفع نظره لها في نظرة واحدة وقد ارتسم الغضب والشر واضحًا على عيونه يبتسم بسمة غريبة على نظرات تلك المرأة:
_ وفت جلالة الملكة بوعدها وارسلنا ملك مشكى لإخراجكن من هنا، فتجهزوا …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اشتعلت الأعين المراقبة للمعتصم والذي كان يقرأ ما بين يديه بهدوء شديد وبسمة وكأن ما يحدث في المكان لا يعنيه، هو جاء فقط ليرسل رسالة الملك ويشتت الإنتباه، ويبدو أنه نجح نجاحًا ساحقًا في الاثنين إذ أبصر انتفاض أجساد البعض وصراخ الآخر بصوت جهوري وهو يتقدم صوبه :
_ هل جننت أنت وملكك هذا يا صغير أوتعلم مع من تتحدث الآن؟ نحن لسنا مجموعة من هؤلاء الجبناء الذين كانوا يصمتون على مثل تلك الأفعال الحمقاء الصادرة منكم .
صمت وهو يقف أمام المعتصم الذي لم يهتم بشيء بل نظر للرجل بسخرية شديد وهو يخفض رأسه في إهانة لفرق الأجساد بينهم، إذ كان المعتصم يفوقه طولًا وجسدًا بعض الشيء .
بينما الرجل التقط استهانته تلك وتحدث بصوت محذر :
_ ما الذي يضمن لك خروجك سليمًا من هذا المكان بعد ما قلته ؟!
ابتسم له المعتصم بسمة ثابته كانت أشبه بمسمار يدق في نعش صبر الرجل أمامه، يهتف بكل هدوء وسلام نفسي يملكه في هذه اللحظة بعدما سكب في وجوههم كلمات ملكه والتي بردت من جزء من نيرانه خاصة حينما أبصر اهتزاز أصلان بغضب يوشك على الانفجار فيمن يحطيه .
_ سأفعل .
كان يشير في كلمته لخروجه سالمًا من المكان، لكن الرجل كان قد وصل لأقصى مراحل جنونه وهو يستل سيفه من غمده يرفعه في وجه المعتصم الذي لم تهتز به شعرة واحدة يراقب ما يحدث بهدوء شديد وبسمة في غاية الاستفزاز ينتظر أن ينتهي العرض أمامه ليصفق ويلقي بعض المكسرات للقردة أمامه .
وهذه النظرة التي كانت تشي بكل الأفكار التي تدور داخل عقله جعلت آخر ذرات التعقل والصبر تتبخر داخل رأس الرجل ليرفع سيفه بقوة قاصدًا ضربة تردي المعتصم ارضًا، لكن وقبل أن يفعل….
حدث كل شيء بسرعة، انخفضت يد الرجل الممسكة بالسيف وانخفض جسده وتهاوى ارضًا تحت أعين الجميع المنصدمين بما حدث ولا أحد يستوعب سرعة الأحداث فمنذ ثانية فقط كان سيف الرجل على وشك فصل رأس المعتصم عن جسده، ليسقط هو ارضًا فاقدًا للحياة، ولولا خنجر المعتصم الذي غرزه في معدة الرجل بخفة، لظن الجميع أن سبب موته هو أنه نظر بعمق في عيون المعتصم وقد سحره الأخير .
اتسعت بسمة المعتصم الجانبية وهو يرفع يديه يحرك رأسه:
– كانت هذه ميزة كبيرة امتلكتها منذ طفولتي، خفة اليد …
ختم كلماته وهو يحرك يديه أمام الجميع يستعرض قدراته كأي ساحر فذ انتهى لتوه من تنفيذ فقرته التي سلبت العقول وخدعت الأعين، وتبع حديثه بغمزة وهو يخرج خنجر اخر يحتفظ به في جيوب غير ظاهرة وقد بدت تلك خدعة أخرى يخرج بها خناجر من كل مكان وأي مكان .
_ من يريد التجربة أيضًا ؟؟
لم يُحرك أحدهم ساكنًا، واعين أصلان كانت جامدة بشكل مخيف ووجه فارغ من أي تعابير قد تخبر من حوله بما يفكر أو بما يشعر، فقط صمت ووجه صخري يواجه به ما يحدث وهو يحدق في وجهه المعتصم الذي ابتسم له باستفزاز وسماجة وهو يحرك رأسه بقلة حيلة واستهزاء :
_ ليس أنت يا أصلان للأسف الشديد جعلني الملك أقسم ألا امسّك بسوء، فهو يحتفظ بجثتك لنفسه .
صمت ثم أدار رأسه للجميع يتحدث بجدية وبسمة مودعة :
_ إذن هناك شيء آخر تريدونه مني ؟؟
ولم يتحدث أحدهم بكلمة وقد اكفهرت ملامحهم ولولا نظرات أصلان التحذيرية لهم، لهجموا جميعهم على المعتصم فهو بالنهاية ليس ساحرًا حقيقيًا ليهزم الجميع هنا، لكن تهديدات أرسلان بوجود جيش على حدودهم كان يعيق كل أفكارهم في قتله وإرساله قطع لأرسلان .
حرك المعتصم يديه في الهواء بحركة مودعة كما لو كان قد انتهى للتو بعرض، وكاد يعطيهم ظهره ليرحل، لولا أنه توقف فجأة يستدير صوب أصلان يبتسم له :
_ أوه كدت أنسى رسالة أخيرة .
تقدم من أصلان وقد أبصر تحفز الجميع، لكنه لم يهتم وهو يفتح كفه يضع بها رسالة أرسلان مبتسمًا بسماجة شديدة :
_ جلالة الملك ينصحك بقراءتها يوميًا قبل النوم وبعد الاستيقاظ، يخبرك أن كلماته كالبلسم قد تشفيك من قذارتك يا وسخ، هذه ليست كلماتي بل كلمات الملك أوصاني بقولها كما هي دون تحسين أو تخفيف .
ختم كلماته ثم لوح بكفه في الهواء وهو يعطيهم ظهره بكل هدوء ويرحل كما جاء تاركًا الجميع يرمق أثره بمشاعر كثيرة اختلط بها الغضب والضيق والتوعد، وقد بدا في أعينهم أنهم في هذه اللحظة على وشك تقطيع جسد المعتصم وتناوله حيًا، وقد نجح المعتصم ومن قبله أرسلان في حرب النفوس هذه المرة .
راقبه أصلان يبتعد وهو يبتسم بسمة لا معنى لها يضغط على الرسالة بقوة وقد شحن ما حدث صدره بشر أكثر سوادًا مما كان يهتف بصوت مرتفع :
_ أوصل سلامي لمولاك يا المعتصم .
اشاح المعتصم بيده دون اهتمام وهو يردد دون أن يستدير له :
_ لا أحمل القاذورات يا عزيزي.
اتسعت بسمة أصلان أكثر وأكثر حتى بدأت ضحكاته ترن في أعقاب المعتصم والذي لم يهتم حتى بالاستدارة وتحرك بخطوات سريعة صوب حصانه يمتطيه وهو يضع حقيبته على ظهره مرة أخرى .
يخرج من غمده سهمًا وهو يشير بيده صوب أحد الرجال معه يستلم منه شعلة يحملونها معهم لتنير الطريق، يشعل السهم الذي كان قد سبق وغطسه في مادة قابلة للأشتعال، ومن ثم رفع السهم مشتعلًا في الهواء وهو يصوبه دون أن تهتز له شعرة واحدة فقط صوب منزل قشي في مرمى البصر يدرك أنه سيكون هدفًا جيدًا لبداية الحريق الذي سيطفأ نيران صدره .
وفي ثواني كانت أصابعه تتخلى عن أحضان سهمه الذي انطلق بسرعة مرعبة صوب البيوت يشعل بها حريقًا يدرك أنه سيأخذ منهم وقتًا حتى يتداركوه، يراقب فزعهم وقد بدأت النيران تتحرك بشكل سريع بين البيوت مستغلة كل ما يساعدها على الاشتعال أكثر، وقد رسم الفزع خطوطه على وجوههم وهم يراقبون بيوتهم تشتعل ليهرع بعضهم ليطفئ ما حدث، أما عن المعتصم فقط ابتسم لهم بسوداوية :
– ذوقوا ما اذقتموه لها يا قذرين، وللحكاية بقية….
كل ذلك وعضلة واحدة لم تتحرك من وجه أصلان وهو يراقب رحيل المعتصم من المكان وأصوات صرخات رجالة والحريق يشتعلون من حوله وهو فقط يراقب كل ذلك مبتسمًا دون أن يهتم بشيء، لا شيء سوى جحيم لن يتخلى عن اشعاله في الجميع ولو عني ذلك موته بعدها فسيموت سعيدًا بالأمر .
أما عن المعتصم تحرك مع الرجال وهو يزيد من سرعة حصانه صوب نقطة الالتقاء التي اتفق بها مع دانيار وهو يدعو الله أن يكون قد انتهى كل شيء وقد تلقى رسالته والتي تمثلت في صوت اصطدام قوي في المكان لم يهتموا هم له ظنًا أنه صوت عادي من الباقيين في الجحر، لكن كان بمثابة إشارة للمعتصم .
وصل المعتصم صوب النقطة الخاصة به وبدانيار ليتنفس الصعداء وهو يبصره يقف هناك ومعه الكثير والكثير من النساء، عدد جعل قلبه يهوى بصدمة مما يمكن أن يكون كل هؤلاء النساء قد تعرضن له خلال هذه الأشهر، ابتلع ريقه وهو يراقب ملامح دانيار الذي هز رأسه وهو يدرك ما يدور داخل صدر المعتصم في هذه اللحظة، وقد كان هو نفسه ما يدور في نفسه حينما أبصرهم .
تحدث دانيار بصوت هادئ :
– لن تكفي الأحصنة معنا، أرسلت أحد الرجال ليوافينا على الحدود بعربات لنقل النساء والاطفال .
هبط المعتصم عن حصانه وهو يشير لرجاله بالمثل، ومن ثم قال بهدوء شديد :
– لا بأس يمكننا تدبر الأمر حتى حدود مشكى، سنمشى وليصعد الصغار، والمرضى والكبار في العمر، وإن تبقت أماكن يتناوبن عليها خلال الطريق .
مسح دانيار وجهه وهو يشعر بالحيرة، لكن كان الحل الذي اقترحه المعتصم في هذه اللحظة هو اسلم الحلول، لذا هز رأسه يردد بهدوء :
_ إذن دعنا ننتهي من هذا …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
شعرت بالدنيا تدور حولها وهي تبصر عيون والدها والذي فتحها على اتساع يراقب المكان حوله بتشوش، وفي ثواني وقبل حتى أن يعي الملك بارق بما يحدث حوله كان نزار يرفع غطاء الوجه يخفي به ملامحه بسرعة كبيرة يتحرك صوب الملك بارق تحت نظرات توبة التي صنمتها الصدمة، تنظر لوالدها الذي كان يحرك كفه يحاول أن ينهض دون أن يعي حتى ما يحدث، يتخبط دون القدرة على رؤية ما يحيط وكأن عيونه لم تدرك بعد أنها تبصر بعد كل هذه الأيام الطويلة من الظلام .
عضت شفتيها تمنع انفجارها في البكاء وهي تبصر حالة الضعف وقلة الحيلة التي تلبست والدها، وهو يحرك يده في الهواء يحاول التمسك بشيء حوله، هرولت صوبه بسرعة كبيرة تمسك بيده في نفس اللحظة الذي امسك بها نزار يده الثانية .
مالت توبة بسرعة تقبل يده ودموعها تملئ كفه وهي تردد بانهيار وشيك وصوت مرتجف :
_ أبي… أبي… أنا… أنا هنا يا أبي… أنا هنا حبيبي .
نظر لها نزار بحزن ووجع كبير لأجل انهيارها ذاك، لا يستطيع حتى التحدث بكلمة واحدة كي يساندها مخافة أن يتعرف الملك على صوته، أشار لها بعيونه أن تترك بارق كي يفحصه، لكن توبة في هذه اللحظة لم تكن تعي بشيء حولها سوى أن والدها يجلس الآن ويتحدث .
_ توبة ؟!
انهارت توبة مع كلماته وهي تلقي نفسها بين أحضانه تشهق بصوت مرتفع، تضمه لها بقوة :
– يا روح توبة أنت، مر وقت طويل لم أنعم بصوتك وأنت تناديني أبي.
مدّ بارق يده يعجز يحاول احتواء جسد ابنته بين ذراعيه، ليتحرك نزار بسرعه وهو يساعده ويوجه يده صوبها، فضمها بارق بحب شديد وهو لا يفهم ما حدث ورغم ذلك كان مستكينًا، بين أحضانه صغيرته يهمس باسمها وكأنه يعوضها شوق الأيام السابقة .
وتوبة نست نفسها بين أحضان والدها وانهارت في البكاء تشكو له بصمت ما عانته في غيابه، شهقاتها تحكي معاناة تهد رجال، وتمتماتها تصف وجع عجزت عنه الكلمات .
كل ذلك وبارق يشعر بالعجز عن رؤية وجهها لمسح دموعها، يحرك يده بعجز عليها :
_ ما بكِ حبيبتي من ذا الذي أبكى قرة عيني ؟!
بكت توبة أكثر بسبب كلماته والدها المدلله لها، تتحدث دون وعي بما يحدث حولها وبصوت متقطع تصف ما حدث معها ومع صغيرها الحبيب :
– لماذا تركتني لهم أبي، لا تتركني لهم مجددًا لا تتركني لهم مجددًا، لقد قتله قتله وقتلني وكاد يقتلك و….
وقبل أن تسترسل في لحظات رثاء نفسها قاطعها نزار بعيونه وهو يحذرها من المضي قدمًا فيما تفعل، بينما هي توقفت دون وعي وقد أدركت ما كانت تفعل في خضم لحظات انهيار غير محسوبة، ابتعدت عن بارق ببطء بينما الأخير كان يحدق في الفراغ بعدم فهم :
_ ما الذي حدث ومن …من فعل هذا …و أنا كيف لا …لا أراكِ ؟؟ توبة أنا لا أرى شيئًا ما الذي حدث لي ؟!
انتفضت توبة عن مطرحها وقد استوعبت للتو ما يحدث تنظر بفزع صوب نزار الذي أشار لها بعيونه صوب والدها، لتبلتع ريقها وهي تحاول التماسك تهتف بصوت ما يزال يحمل أثر ارتجاف وبكاء :
_ سأخبرك كل شيء أبي فقط …دعني اساعدك للراحة ريثما يفحصك الطبيب .
استدار بارق حول نفسه وهو يبحث عن ذلك الطبيب :
_ طبيب ؟؟ أي طبيب هذا ؟؟ لماذا لا اسمع صوتًا
_ إنه… إنه موجود هنا معنا لكنه ….ابــ…كم… أنه أبكم أبي.
رفع لها نزار حاجبه بضيق، بينما هي ابتلعت ريقها تبعد عيونها عنه وقد أدركت أن نزار ما قال سوى الحق حينما أخبرها أنها أكثر إنسانة فاشلة قد تخرج يومًا بحجة مقنعة .
قلب عيونه بضيق بينما هي نظرت له بشر وهي تساعد والدها ليتسطح، وهو تحرك لها كي يساعدها ليتمسك بارق بيده :
_ أخبرني ما الذي يحدث معي، لماذا لا أتذكر شيئًا، وما الذي يحدث معي هنا و…لماذا لا أرى ؟!
حرك نزار فمه بكلمات صامتة لها، لتهتف هي بتوتر :
– ماذا لا اسمعك .
ضرب نزار رأسه بضيق منها، معترفًا بنفسه أن غباء توبة في مثل هذه اللحظات يكون قاتلًا في بعض الأحيان.
بينما هي عضت لسانها تلعن توترها تحت نظراتها وتحت وطأة الموفق، بينما والدها استدار للجهة التي يصدر منها صوتها :
– تسمعين من ؟! أوليس ابكمًا أم أنكِ تحدثيني ؟! أنا لا افهم شيئًا .
نظرت صوب نزار الذي رماها بنظرة غاضبة وتقسم أنها سمعت في هذه اللحظة صوته يصدح داخل عقلها وهو يتحدث بسخرية حول كلماتها السخيفة في مثل هذه المواقف، لكن هل تنحني له وتعترف بهزيمة مؤقتة حتى ؟؟
في أحلامه …
رفعت ذقنها بكل كبرياء ترميه بنظرة ثقة تخبره بها أن الريح لا تحرك من الجبال الرواسخ شيئًا، ليكتم نزار ضحكة كادت تفلت منه عليها .
أما عنها تجاهلته وهي تساعد والدها :
_ أتحدث لك أبي، والآن ساعدني ليفحصك الطبيب .
وبالفعل تحرك نزار صوب الملك بارق يفحصه بسرعة يتأكد أن كل شيء معه بخير تحت نظرات توبة المرتقبة وهي تحرك عيونها مع كل شيء يفعله نزار في هذه اللحظة، بينما الأخير فتح عيون الملك بارق يحرك يده أمامه، لكن لم تتحرك عيونه مع يده بشكل طبيعي .
استدار صوب توبة التي كانت ترتجف بخوف وأشار لها أن يتحدث معها بعيدًا عن والدها، لتبتلع ريقها وهي تتحرك صوب والدها تميل عليه لتقبل رأسه:
– أبي استرح سوف آمر الجميع بإحضار الطعام لك، واعود سريعًا لأكون جوارك .
نظر بارق صوب جهتها وهو يهز رأسه لا يفهم ما يحدث حوله لكنه سيعلم عاجلًا أو آجلًا، لذا تجاوز عن الأمر وهو يتحدث بحنين شديد :
– أين حفيدي الحبيب اشتقت له، أشعر أنني لم اضمه منذ سنوات طويلة .
استحكمت غصة قوية حلق توبة وهي تكتم بكاءها وقد صعب عليها التحدث في هذا الأمر والذي لم تتجاوزه بعد، ولم تساعدها كل الذكريات التي تنام وسطها كل ليلة على فراش صغيرها وهي تضم ثيابه تبكي بقهر عليه .
أما عن نزار أخذ يراقبها بعجز تام وقد عجز حتى عن مواستها بكلمة أمام والدها أو حتى التحدث بجملة قد تخرجها من هذا الوضع .
بينما هي رفعت عيونها الباكية صوب والدها تحاول التحدث بكلمة واحدة، لتعجز وكل ما صدر منها هو تربيته على يده اتبعتها بقبلة، ومن ثم تحركت بهدوء خارج الغرفة وخلفها نزار الذي اطمئن على والدها، يلحق بها لبهو الجناح الخاص بالملك، وبمجرد أن شعرت بنفسها قد ابتعدت بالقدر الكافي عن مسامع والدها انهارت ارضًا بقوة وهي تبكي دون توقف لتكون يد نزار أقرب لها من الأرض وهو يمسكها بسرعة يهمس برعب :
_ توبة …..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ لطالما ظلمني الجميع وحشرني الجميع بدور الخبيث في هذه القصة، فقط لو يطلع الجميع على ما يخفيه وجهك الـ …
صمت إيفان وهو ينظر لوجه أرسلان الذي كان يجلس براحة شديدة في غرفة الإجتماعات مع الجميع، يتحدث له بعدما اطلع الجميع على خطته، ليكمل أرسلان باقي جملته المعلقة وهو يحرك حاجبه يميل بوجهه على الطاولة مبتسمًا:
_ برئ ؟!
ختم كلماته يطلق ضحكة مرتفعة على ملامح إيفان المتشنجة وهو يغمز له بهدوء، بينما سالار ابتسم وهو يرتشف بعض العصير في كأسه يراقب الجميع من خلف زجاج الكأس بعدم اهتمام، بينما آزار كان فقط يتابع الحديث وهو يقلب عيونه بسخرية :
_ الآن سيبدأ الشجار .
نهض أرسلان عن مقعده يرفع يديه في الهواء بكل براءة يدعي اللطف والذي لم يكن يلائم ملامح وجهه الخشنة يشير صوب إيفان:
_ لا بالطبع لا انتوي أن احزن إيف اليوم تحديدًا، صحيح ايفو ؟!
_ نعم صحيح آرسي .
حرك أرسلان رأسه وهو يدعي التأثر من كلمات إيفان يضع يده جهة صدره يغلق عيونه:
_ أوف على دلال إيفان.
_ أوف على مزاج أرسلان .
كان سالار يتابع ما يحدث والكأس أمام فمه بسنتي واحد، متشنج الملامح وهو يراقب ما يحدث أمامه بصدمة كبيرة، بينما آزار يتابع ما يحدث باشمئزاز شديد وملامح تشبه ملامح سالار الذي نطق وهو يبعد عيونه عنهما :
_ بل أوف منكما سويًا .
نهض آزار وهو يردد بهدوء شديد يبلغ الجميع بنية واضحة رغبته في الخروج من المكان وكأنه لا يطيق صبرًا ليبتعد عن جميع الوجوه خاصة وجه أرسلان الذي كان يتابعه ببسمة واسعة :
– حينما يعود أرسلان لطبيعته الخشنة الوقحة بعيدًا عن هذا البرئ المبتسم نادوني، فأنا لا اعلم هذا الرجل ولن اتناقش في أمور البلاد مع رجل غريب …
وقبل التحرك خطوة امسك أرسلان بيده وهو يضحك بصوت مرتفع رن في أرجاء المكان يمنعه التحرك :
_ أعتذر، حسنًا سأكون حقيرًا الآن اجلس وسأسمعك من الألفاظ اعذبها .
رفع له آزار حاجبه بشك ليغمز له أرسلان، بينما سالار جذب يد آزار وهو يدعوه للجلوس بهدوء :
– اجلس يا خال دعنا ننتهي من الأمر أود العودة للبلاد .
ولولا حياءه ورفضه للتعبير عن مشاعره تجاه زوجته امام الجميع لصرح للجميع دون تردد وبكل جراءة أنه يريد العودة لأحضان زوجته .
ابتسم لهم أرسلان وهو يستند بيديه على الطاولة أمامه بهدوء يراقب الوجوه حوله، وكأنه يستعد ليلقي بقنبلته التي ستحدث دوي مفزع للجميع :
_ أردتم معرفة ما كُتب في الخطاب الذي ارسلته لأصلان ؟!
نظر له الجميع والفضول يحوم فوق الرؤوس واضحًا الحاجة لينطق أحدهم كلمة واحدة حتى، وارسلان اهداهم بسمة صغيرة وهو يتنهد بصوت مرتفع :
– حسنًا لا استطيع ذكر كل ما كتبته حرصًا على حياء العزيز إيفان.
ختم حديثه وهو يربت على كتف إيفان الذي اتسعت بسمته أكثر وأكثر، ومن ثم استرسل أرسلان في حديثه يخبرهم باختصار الحرب التي دعى لها أصلان وكل ما ذكره في الخطاب .
– أردت أن أفرغ المكان من النساء قبل اتخاذ أي خطوة في تحطيمه أعلى رؤوسهم .
نظر إيفان لعيون والتي كان ينأى بها عن عيون الجميع بشكل واضح، ليرفع حاجبه متحدثًا بهدوء :
_ هذا فقط ؟؟
– هذا فقط ماذا ؟؟
– هذا السبب فقط !!
_ تعتقد أن هذا ليس سببًا كافيًا ؟!
ابتسم إيفان بسمة واسعة استفزت كل خلية داخل جسد أرسلان وقد نجح ذلك الرجل في تحريك كل غضب أرسلان الساكن خلف بسمته وإخراج ذلك الوقح الذي كان يطمح آزار في مقابلته منذ ثواني .
_ لا هو كافي لي في الحقيقة، المهم أن يكون كافيًا لك يا أخي…
اشتعلت عيون أرسلان وقد أدرك إيفان أنه أصاب ما يدور حوله أرسلان وقد علم أن الأمر بطريقة أو بأخرى يدور حول زوجته، ولا يدرك علاقة الأمر بها، ولا يهتم بالبحث خلف ما يتعلق بارسلان وزوجته، هو فقط يريد مضايقته ليس إلا، ويبدو أنه نجح وحاز العلامة الكاملة في الأمر.
قلب سالار عيونه بضيق وهو يدفن وجهه بين قبضتيه يهمس بصوت مسموع للجميع :
_ يا الله يا مغيث، فقط ليمر اجتماع واحد دون أن تثيروا غضبي أنتما الإثنان، فقط تعاملا كما لو أنكما ملوك ممالك كبيرة .
رفع عيونه لهما ليبصر الجدية وقد علت ملامح الجميع حينما باشر آزار في مساعدة ابن أخته للخروج بأعصاب صحيحة من ذلك الاجتماع وهو يباغتهم بسؤاله الذي سيخرجهم من ذلك النقاش :
_ والآن لنتحدث عما سيحدث، ما القادم ؟!
ابتسم له أرسلان بسمة خبيثة، ثم نهض وتحرك صوب خزانة صغيرة يخرج منها شيء، ومن ثم فرشه أمام الجميع بسرعة وهو يخرج قلم اسود اللون يشير به صوب نقطة في الخريطة التي رسمها بنفسه لمنطقة الجحر .
– هذا هو الجحر …
ومن ثم شرع يضع دائرة حول نقطة في منتصف اللوحة البيضاء والتي كان يحيط بها خطوط غير مفهومة، وهناك بعض الورود الصغيرة وشجرة تقبع في نهاية الرسمة جوارها كُتب ( غابة سبز الجنوبية )
تحركت عيون إيفان صوبه يحاول فهم ما تخبرهم به هذه الخطوط المجهولة:
_ أي جحر ؟؟ ما هذا ؟؟ أنا لا أرى سوى خطوط لا معنى لها ؟! ثم ما هذه الزهور ما مناسبتها في الخريطة من الأساس ؟!
ختم حديثه يشير صوب جزء من اللوحة حيث وُجدت زهور صغيرة رقيقة لا تناسب تلك الخطوط الغريبة التي خدع بها أرسلان نفسه وسمّاها خريطة للجحر .
حرك أرسلان عيونه صوب الزهور التي أشار عليها إيفان ليتحرك وهو ينفض يد إيفان بضيق عن الزهور يرفض أن يلمسها مرددًا بحدة :
_ هذه لتعبر عن الغابة يا أحمق، ثم لا علاقة لك بالزهور ولا تلمسها مجددًا وانتبه للخارطة امامك .
رمش إيفان بعدم فهم وهو ينظر ليده التي دفعها أرسلان بفزع، يحاول فهم ما يحدث، بينما أرسلان يحدق في الزهور برقة يبتسم دون وعي متذكرًا كيف خرجت تلك الزهور الجميلة من بسمات زوجته للورقة …….
تحرك بعدما انتهى من حديثه معها يتركها تتجهز للنوم قبل التحرك صوب غرفة الإجتماعات، يحاول رسم بعض الخطوط العشوائية على ورقة كبيرة أمامه، خطوط غير مفهومة للبعض لكنها مفهومة له فقط كي تذكره فقط إن غفل عن شيء .
_ ماذا ترسم ؟؟
كان ذلك صوتها بعدما تحركت صوبه ولم يشعر بها لشروده في الخطوط أمامه، رفع رأسه لها ولم يكد يجيبها بكلمة حتى تفاجئ من مقدار قربها له، ابتسم لها بسمة صغيرة :
_ أحاول رسم خريطة .
– هذه خريطة ؟؟
_ على حسب ما أرى..نعم، فقط مجرد شيء بسيط لأذكر نفسي ليست خارطة بالمعنى الحرفي .
تحركت سلمى ببساطة وعفوية وهي تجلس ارضًا بينه وبين الطاولة التي كان يستند عليها، تحشر جسدها في تلك المنطقه لتصبح بين أحضانه بالتحديد، ومن ثم رفعت عيونها له تقول :
_ ربما اساعدك في الأمر أنا أحب الرسم أيضًا .
ابتلع ريقه يحاول ألا يضعف أمام عيونها تلك والتي ترسل له رسالات كثير لم يلتقط منها سوى ما يقوده صوب طريق الذوبان في عشق هذه المرأة، ولحظة اعتراف ولو بينه وبين نفسه أنه غارق في تفاصيل هذه المرأة حتى أذنيه، ويكاد يقسم أن عمرًا غير كافي لأجل التأمل بها فقط، فما بالك بحبها ؟!
_ ما هذه الخطوط الغريبة ؟؟
أبعد عيونه عنها بصعوبة وهو ينظر صوب ما تشير هي له يتحدث بصوت خافت ومازال في حالة من اللاوعي بها :
_ هذه …هذه غابة .
تشنجت ملامح سلمى وهي تتأتأ بضيق ترى هذه الخطوط الغير مفهومة :
_ هذه غابة ؟! بالله لا علاقة لها بالغابة بأي شكل من الأشكال، اعطني هذا القلم .
ختمت حديثها وهي تتوجه صوب البقعة التي وصفها ظلمًا بالغابة بسبب بعض الخطوط الطولية المتشابكة، وأخذت ترسم ورود وأشجار فيها مبتسمة بسعادة غير واعية لعيون أرسلان الذي كان يتابعها مبتسمًا بعدم تصديق وهي تجلس بين أحضانه ترسم له أكثر شيء عبثي ابصره.
“خريطة حرب مزينة بالورود ”
لكن هل يخبرها أرسلان بذلك ؟! والله لن يفعل، بل سيخبرها أنه لولا زهورها التي زينت الخريطة لضلوا الطريق وخسروا الحرب .
_ إذن ؟!
انتفض أرسلان من أفكاره على صوت سالار الذي أخرجه من شروده، ليتنحنح بصوت شبه مسموع وهو يجذب الخريطة ويبدأ كتابة اسم كل منطقة فوق الجزء الذي وضعه وهو يشير لها :
_ هذه خريطة الجحر .
ارتفعت تعابير التشنج على ملامح الجميع ليتحدث أرسلان من أسفل أسنانه :
_ فقط لنتخيل ذلك رجاءً.
صمت وهو يتنفس بصوت مرتفع :
_ كل الاستعدادات انتهت وحان وقت وضع النقطة الأخيرة في قصتهم جميعًا ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مع ساعات الصباح الأولى شعرت بهزة خفيفة تدفعها للنهوض من دفء فراشها، لترفع يدها تحاول دفع تلك اليد بعيدًا بنعاس شديد وقد قضت كامل ليلتها تتخيل حياتها معه، حتى غلبها النعاس .
ابتسم أرسلان وهو يبصر الشروق من النافذة ومازال بعض الظلام يفرض سطوته على الأجزاء رافضًا سحب جميع جيوشه بهذه السهولة، ثم عاد بعيونه صوب سلمى يجذبها بهدوء شديد لصدره، ثم تحرك بها صوب المرحاض وهو يهمس لها بصوت خافت :
_ سليمى استيقظي هناك ما يجب أن تبصريه .
حاولت سلمى جذب نفسها من دنيا الاحلام صوب واقع يمتلك نفس بطل احلامها، لكن كان الأمر صعبًا عليها، ليجذبها أرسلان له يسند رأسها على صدره وهو يمد يده بهدوء يبللها بعض المياه، ومن ثم أخذ يمررها على وجه سلمى التي بدأت تتململ في نومتها، وأخيرًا فتحت عيونها لتبصر ابتسامة أرسلان الذي همس لها بحنان وحماس شديد :
_ هيا الحقي بي بعدما تنتهي .
خرج يغلق باب المرحاض خلفه وأخذ يجهز لها ثوب رقيق من اللون الأصفر ومعه حجاب من اللون الابيض، ومن ثم ظل واقفًا يراقب النافذة بهدوء يفكر في ردة فعلها حينما تعلم ما فعل، وفي خضم شروده أبصر من النافذة جسد خالد الذي أخذ يركض في أنحاء الساحة وخلفه تيم الذي صرخ عليه بجنون :
_ أنت…توقف هنا …نحن لا نلعب هنا لتجعلني أركض خلفك، عد وأكمل تدريبك وإلا اقسم بالله لأزيدن ساعاتك ساعة إضافية .
فجأة توقفت أقدام خالد وهو ينظر خلفه لتيم بضيق ثم رفع إصبعه يردد بهدوء واستفزاز :
_ لا تتحدث معي بهذا الشكل، أنا لست عبدًا لديك وإن لم ارد التدرب فلن تجبرني، أنا مهندس لي شأن و…
فجأة أبصر نظرات تيم التي اشتدت بشكل مرعب لينفخ بضيق وهو يدفعه من كتفه بحدة وخشونة يتحدث بصوت مرتفع :
_ أوف منكم جميعًا اخبرتكم أنني اجيد فنون القتال والدفاع عن النفس ما فائدة كل هذه الأسلحة، هل سنحارب .
اجابه تيم بسخرية :
_ نعم سنفعل .
– حسنًا كان هذا سؤالًا استنكاريًا لم انتظر منه ردًا .
ابتسم له تيم بسخرية وهو يلقي له السهام والقوس مجددًا، ليزفر خالد وهو يتحرك صوب لوحة التصويب يضع السهم بالقوس، ومن ثم قلب عيونه بضيق وفي ثواني كان السهم يصيب منتصف الهدف ليعلو التعجب عيون تيم، لكن كلمات خالد وضحت كل شيء وهو يبتسم بسخرية :
– أخذت بطولة النشان لخمس أعوام متتالية يا فتى، حينما ارفض القتال فهذا لأنني لا أحب أن يأمرني أحدهم وليس لأنني لا استطيع .
ختم حديثه وهو يلقي السهام ارضًا :
_ والآن أعتقد أن تدريب اليوم تم على أكمل وجه، استأذنك للاستحمام والنوم .
وتحرك بعيدًا عن أعين تيم الذي كان ما يزال يحدق بالسهم قبل أن ينتبه لتحرك خالد ليركض خلفه صارخًا، وحينما ابصره خالد صرخ وهرول بعيدًا عنه بضيق .
كل ذلك تحت أعين أرسلان الذي هز رأسه بيأس :
– كان الله في عونك تيم .
فجأة سمع صوت باب المرحاض خلفه ليستدير صوب سلمى والتي كانت قد ارتدت ثيابها بالفعل فابتسم يتحرك لها يساعدها في تجفيف خصلات شعرها، ومن ثم قام بجمعه بمهارة شديدة تصلح لارتداء الحجاب براحة دون أن تحمل هم خصلاتها الكثيفة، تراقبه وهو يحرك أنامله بمهارة عالية في وضع الحجاب بشكل صحيح .
_ تبدو خبيرًا في هذا .
ابتسم أرسلان وهو يعطي جل اهتمامه للحجاب :
_ تعلمت كل هذا منذ طفولتي، أي شيء يخص الفتيات أعلمه.
نظرت له بتعجب وقد بدأت نظراتها تحتد، ليمد هو أصابعه يربت على وجنتيها بلطف يبرر لها بهدوء شديد :
– لم أكن لادع شقيقتي تحتاج ليد غريبة كي تساعدها، خاصة خلال فترة مرض والدتي .
رقت نظراتها وهي تهمس بصوت حنون :
_ ستكون أبًا حنونًا .
اهتزت حدقة أرسلان لثواني، ومن ثم ابتسم بسمة صغيرة، يجذب يدها معه صوب الاسفل :
_ هيا علينا أن نكون في استقبالهم …
نظرت له سلمى بعدم فهم، لكنها سارت معه تستكين لجذبه لها، ووالله تقسم باغلظ الإيمان أنه لو كان يسحبها لهلاكها وتعلم لتبعته بكل نفس راضية، ترتضي بالهلاك إن كان لأجله، وبالعذاب إن كان لعيونه، استدار لها أرسلان وهو يسير بها صوب الساحة الخارجية يلقيها بنظرة متعجبة نظراتها، لكنها فقط ابتسمت له بسمة صغيرة لطيفة جعلت بسمته ترتسم بالمثل على فمه .
توقف بها في منتصف الساحة وهو يحدق في بوابة القلعة في انتظار وصولهم، وهي تقف جواره تحاول معرفة ما يحدث، وهو يكبت فضولها بنظراته يضغط على يدها بهدوء شديد .
دقائق مرت دون أن يصدر شيء حولها غريب حتى، وبدا وكأنها تنتظر اللاشيء، لكن فجأة صدر صوت أحد الجنود وهو يصيح بصوت جهوري :
_ القائد المعتصم والقائد دانيار …افتحوا الأبواب .
نظرت له سلمى بعدم فهم وهو ابتسم لها يهمس بصوت منخفض :
_ الصبر سُليمى …
أبعدت عيونها عنه ببطء صوب البوابة التي بدأت تنفرج عن أحصنة عديدة تحمل جسد المعتصم وبعض الرجال، ومن ثم دخلت عربات مغطاة كثيرة ومن بعد العربات دخلت المزيد من الاحصنة، كل ذلك وهي تتابع بلا فهم وبفضول كاد ينتهي من اخر ذرات صبرها .
تنفست بهدوء وهي تبصر المعتصم يهبط عن الحصان الخاص به يتحرك مع الرجال في تثبيت السلم الخاص بالعربة التي تقل النساء، ومن ثم دون مقدمات بدأت النساء تهبط عن العربة واحدة تلو الأخرى كلٌ يضم طفله لصدره والبعض يمسك بأيدي مراهقات ينظرن حولهن بصدمة كبيرة واعين شاخصة وكأن خيار الحرية لم يكن ضمن مخطط أيٍ منهن يومًا، رفعت امرأة رأسها وهي تتنفس أنفاس مرتجفة قبل أن تنهار أرضًا تبكي بصوت مرتفع وقد تبعها بعض النساء بانهيار لا أحد يفهم ما يحدث لهن، لم يسبق وبكت احداهن وكأن العذاب الذي عايشته هؤلاء النساء خدر جميع احساسيهن واوقف جميع مشاعرهن، والآن حينما طافت الحرية على السطح بدأ مفعول ذلك الخدر يزول وبدأ العقل يعي أنه كان عليه الإنهيار من قبل.
ارتجفت يد أرسلان بغضب يبعد عيونه عن النساء، ومن ثم رفع يده بإشارة لجميع الرجال الذي يرمقون ما يحدث بخزي وغضب مماثل، ليخفض الجميع أبصاره ارضًا .
بينما سلمى كانت تبصرهن أنفسهن النساء اللواتي جئن خلفها في الجحر للأحتماء بها، بل ويزيد عليهن نساء أخريات لم يمتلكن الشجاعة وقتها للانضمام لها .
سقطت دموعها بصدمة كبيرة وهي تبصر النساء يبكين ويضحكن في الوقت ذاته، قبل أن تهتف امرأة بصوت غير مصدق وهي تهلل :
– كتب الله لنا الحياة بعد سنوات من الموت .
ومن بعد كلماتها بدأ العقل يستوعب أن اللحظة لم تكن لحظة انهيار متأخر، بل كانت لحظة احتفال مترقب، فبدأ التكبير والتهليل، وسلمى تتابع كل ذلك بعيون دامعة وبسمة واسعة تحرك نظراتها بينهن، قبل أن تنظر لأرسلان بامتنان تهمس بصوت مرتجف باكي :
– أنا… أنا… أرسلان أنا اشكرك .
ابتسم أرسلان وهو ينظر لها بحنان لولا نظرات الشر التي استوطنت عيونه بشكل غريب يربت على كتفها بحنان :
_ اخرجتهم من سجنهم كما وعدتك، والآن دورك لتخرجيهم من ظلامهم سليمى، ولا أعتقد أن هناك من يبرع في ذلك بقدرك.
حركت سلمى عيونها صوب الجميع وهي تراقب النساء تدرك أن رحلتها معهن ستكون طويلة كي تهيئهن لحياة طبيعية، بالإضافة لفاطمة والتي توقفت في منتصف الطريق معها، كان الأمر تحديًا لكنها أقسمت أنها لن تنام يومًا قريرة العين إلا حينما تعيد كل امرأة لحياتها الطبيعية وتؤهلهم لما هو قادم .
ابتلعت ريقها وهي تنظر حولها حتى أبصرت فتاة تعلمها جيدًا تتحرك صوبها، اتسعت بسمتها بقوة تبصر الفتاة تمسك بين يديها يد صبي في الخامسة تقريبًا او أقل ربما .
اقتربت منها الفتاة تبتسم لها بسعادة وقد كانت هي نفسها من ساعدتها في الهرب اول مرة مع اختها :
_ كنتِ على قدر وعدك جلالة الملكة، كانت ثقتي وأختي في محلها، ليسعدك الله ولا ترين شرًا يومًا .
ابتسمت لها سلمى بسعادة وهي تراقب الصغير والذي كان يشبه ياقوت وبقوة لتهمس بصوت متساءل وهي تنظر حولها :
_ أين هي ياقوت ؟!
امتلئت أعين الفتاة بدموع وهي تشدد من امساكها ليد الصغير والذي كانت ملامحه جامدة بشكل مرعب، وهي تهمس بصوت مرتجف :
_ اوصتني أن أشكرك، كانت لتكون سعيدة …بالخروج من هناك و…كانت لتكون في غاية امتنانها، لكن أمر الله نفذ .
ختمت كلمتها وقد تسابقت دموعها على وجهها وهي تتذكر ما حدث لياقوت حينما اكتشف أصلان مساعدتها لسلمى، وحينها هجم على منزلهم.
وقتها أخذت شقيقتها تصرخ بهستيرية وتقسم أن لا أحد ساعد سلمى سواها فقط لتنقذها وولدها .
وسلمى لم تكن غبية أو جاهلة في قراءة الأعين لتجهل نظرة الفتاة لها والتي أوضحت أن موت اختها لم يكن مجرد صدفة البتة، وضعت يدها على فمها كتبت صرخة وكادت تنهار أرضًا من الصدمة، لولا يد أرسلان الذي امسكها برعب وهو يضمها له هامسًا بارتجاف وخوف:
_ بسم الله عليكِ …..
انهارت سلمى في أحضانه باكية وهي تهمس كلمات غير مفهومة، وارسلان يربت على كتفها يحاول مواساتها، لكن أي مواساة وهو يبصر كل ذلك أمامه، نساء وأطفال تربوا ونشأوا لشهور طويلة وربما لسنين بين القاذورات، كل هؤلاء الأطفال والمراهقين لا يوحون أن الفترة كانت مجرد شهور، وكل شيء سيعلمه لكن ليس الآن.
نظر صوب المعتصم وهو يشير بعيونه على الجميع ليهز المعتصم رأسه، ومن ثم بدأ يدعو النساء ليلحقن به صوب مبنى الضيوف مع أطفالهن .
بينما أرسلان أشار لأحد جنوده بالتحرك لتحضير الطعام للجميع، يسحب سلمى للداخل تحت انهيارها وهي تهتف بكل الوجع :
_ بسببي، قُتلت بسببي، تيتم طفلها بسببي ..
ضمها له أرسلان أكثر وهو يتحرك بها صوب جناحه وفي طريقه قابل خالد الذي اتسعت عيونه برعب على انهيار شقيقته يهرول صوبها :
– سول ما بكِ حبيبتي، هل أنتِ بخير ؟؟ ما بها ؟؟
تحدث أرسلان وهو يتحرك بها بسرعة صوب غرفتهم يتجنب الجميع أن يبصر انهيار زوجته :
_ بخير خالد عد لما كنت تفعل رجاءً.
– بخير ماذا اختي منهارة و….
توقف أرسلان وهو ينظر له بهدوء :
_ رجاءً ليس الآن دعني اهدأها، ومن ثم سأناديك لتكون جوارها، هي ستحتاج لتكون رفقة أحدهم الساعات القادمة، وسواء كنت أنت أو قردها لا اهتم، فقط لا تتركونها وحدها .
ختم حديثه يجذبها معه صوب الغرفة تاركًا خالد ينظر في أثره بعدم فهم، ومن ثم تحرك بتردد صوب غرفته كي يستحم من تدريب اليوم ومن ثم يتحرك ليرى ما حدث له.
لكن في طريقه أبصر الكثير من النساء يتحركن مع الجنود لمبنى مجاور، لتتسع عيونه بعدم فهم لما يرى إذ كانت هيئة النساء مريبة غريبة والاوجه تحكي حكايات أخرى.
وفي لحظة كانت لحظة فقط رفعت واحدة من النساء رأسها صوبه في نظرة سريعة بسيطة، لكن لم تكن كذلك على قلبه ليشعر بقلبه يخفق بشدة من نظراتها، قبل أن تبعد عيونها عنه وتتحرك خلف الجميع تاركة خالد يبتلع ريقه يحاول تحليل ما رأى في نظرتها وكل ما صدره منه هو همسة صغيرة مسحورة :
_ Como anjos …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تقف في النافذة تراقب ما يحدث بعدم فهم وعيون متسعة بفضول شديد وكأنها تستوجب الأجساد المتحركة في الاسفل عما يحدث، انتظرت أي حركة أو فعل يخبرها ما يحدث مع الجميع هنا، لكن لا شيء، فجأة اختفى الجميل وعم سكون وهدوء مريح للنفس في المكان لتبتعد عن النافذة وقد قررت أخذ استراحة نوم قصيرة .
لكن وقبل التحرك صوب الفراش أبصرت الباب يفتح وهو يطل منه بهدوء ورغم كل التعب الواضح على عيونه ابتسم لها بسمة حنونة وهو يفتح لها أحضانه، لتتحرك بسرعة كبيرة ولهفة أكبر تلقي بنفسها بين أحضانه وهي تستنشق رائحته براحة كبيرة وأخيرًا همست :
_ اشتقت لك يا المعتصم ؟!
_ والمعتصم اشتاق لكِ كثيرًا حبيبتي .
رفعت عيونها له مبتسمة بسعادة كبيرة وهي تستشعر تلك الكلمة مرة وأخرى :
_ هل أنا كذلك ؟؟
مد أنامله يتحسس وجهها بلطف شديد :
_ أنتِ ماذا فاطم ؟؟
خجلت فاطمة من ترديد الكلمة مجددًا لتخفض فقط وجهها ارضًا وهي تهمس بصوت خافت :
– كما ذكرت أنت منذ ثواني .
_ وما الذي ذكرته حبيبتي ؟؟
_ نفسها الكلمة التي ختمت بها جملتك الآن يا المعتصم .
أطلق المعتصم ضحكة مرتفعة وهو يتحرك بعيدًا كي يغير ثيابه قبل التحرك للملك وأخذ التعليمات الجديدة، وهي فقط تتابعه بترقب وخجل .
_ هل الأمر صعب لهذه الدرجة فاطم ؟؟
مررت فاطمة يدها على جبهتها وهي تحاول التنفس بشكل طبيعي من نظراته المصوبة ناحيتها، تخفض رأسها للاسفل خجلة من رفعها له، وحينما قررت فعل ذلك رفعت رأسها بهدوء ولم تكد تبرر له حديثها حتى أطلقت صرخة صداها في المكان بأكمله.
صرخة جعلت جسد المعتصم ينتفض بسرعة كبيرة بعيدة عن خزانته وهو يسارع لحمل سيفه الذي لم يضعه إلا منذ ثواني فقط، ينظر حوله بحثًا عن مصدر التهديد الذي سبب صرخات زوجته .
وبتتبع جهة نظراتها اكتشف أن ذلك المصدر هو …هو ؟؟
نظر لعيونها التي تحدق فيه بفزع شديد وهو يقترب منها بعدم فهم وقد بدا كما لو أن فاطمة في هذه اللحظات تبصر اروع كوابيسها، وهي تناظرة بأعين شاخصة وحينما اقترب منها خطوة واحدة تراجعت للخلف بسرعة مخيفة تشير له محذرة ألا يقترب وهو لا يفهم ما تفعل .
وأخيرًا أدرك من عيونها التي كانت موجهه لصدره العاري أن جزعه العلوي الذي لا يغطيه شيء، هو الوحش الذي تخشاه زوجته في هذه اللحظات.
توقف في منتصف الغرفة وهي تقف في ركنها تراقبه بوجه أحمر واعين شاخصة جعلته يتراجع بسرعة يحمل ثوبه يلقيه على نفسه، ومن ثم رفع يده في الهواء يعلن استسلامًا أمامها :
_ ها نحن ذا فاطم، لا صدر عاري ولا أذرع ظاهرة اكرمني الله بالستر .
كان يتحدث وهو يقترب منها وهي تراقبه بأعين متسعة تحاول أن تتحدث بكلمات مفهومة :
_ هذا …لا يجوز …يا المعتصم هذا عيب لقد …
_ نعم حبيبتي هذا عيب بالطبع أنا حقير غير مهذب ستكون المرة الأخيرة التي افعلها أمامك، هيا اقتربي لا تخافي .
نظرت له بتردد وهو فكر أن يفعل لها ما تريد في هذه اللحظة ومن ثم مع الوقت يعلمها كيف تتقبله كما يريد، ابتلع ريقه وهو يشير لها بيده وهي فقط نظرت له باعتراض شديد :
_ أنت قليل الأدب، لم تكن كذلك حينما عرفتك في البداية .
– نعم أنتِ محقة، أنا قليل الأدب، كنت اخفي حقيقتي أسفل وجه طيب ولم أخبرك أنني اخلع ثيابي قبل الاستحمام .
رفعت عيونها له وهي تردد جملتها والخجل قد بلغ مبلغه وقد كانت هذه المرة الأولى التي تبصر بها رجل عاري الجذع، ربما مرت بالجيش مرة أو مرتين حينما كانت تقفز له في كل مرة، لكن حينها لم تهتم بالنظر لأحد أو تنتبه لشيء سوى حركاتهم القتالية بوجه عام .
_ هداكِ الله يا ابنتي اقتربي دعينا اربت عليكِ تربيته بريئة.
ابتلعت ريقها وهي تقترب منه بتردد تناظره بشك وكأنها تنتظر منه حركة غدر، بينما هو ابتسم لها وهي تقول بصوت منخفض :
_ لم تكن هكذا في البداية ظننتك لا تفعل مثل هذا.
_ يا ابنتي لا تزيديها عليّ أنا اجاريكِ في غبائك بصعوبة الآن، ثم أكن ماذا ؟! هل تتوقعين أن أسير بين ممرات القصر بلا ثياب ؟؟ بالطبع اخلعها في غرفتي و…دعيني أخبرك سرًا فاطمة، أنتِ زوجتي ولا بأس أن تريني هكذا .
هزت رأسها وهي تقترب منه تهمس بصوت منخفض بكلمات مبهمة له، وهو فقط جذبها لصدره يدعوها للأقتراب أكثر:
– ماذا قلتي ؟!
_ اقول لك أنني اعلم ذلك، وأنه لا بأس من ذلك أمامي، لست حمقاء أو طفلة يا المعتصم ولكن أنا فقط …خجلت ولم أتوقع أن تتجرأ عليّ هذا بهذ السرعة .
رفع حاجبه بصدمة من كلماتها ولم يجد ردًا يخبرها به، سوى أنه جذب رأسها له بقوة حانقًا :
_ اتجرأ عليكِ بهذه السرعة ؟! انظري فاطمة انظري هذه خصلات كادت تشيب في رأسي انتظارًا لاحسانك عليّ .
نظرت له بضيق من كلماته ليبتسم مكملًا :
_حظك يا ابنتي أن رزقك الله برجل وقح مثلي، أعانك الله عليّ .
كبتت فاطمة بسمتها بصعوبة على حديثه وهي ترتكن برأسها أكثر على صدره، وهو يراقبها بحنق شديد يود لو يعاقبها ويسير المتبقي من عمره بلا ثياب علوية، وهي فقط تكتم ضحكتها في صدره .
وقبل أن يتحدث بكلمة لها سمع صوت طرق على باب غرفته وصوت ألطاف يصدح بنبرة خافتة محترمة :
– سيدي القائد أنت بالداخل ؟؟
تعجب المعتصم من أمر ألطاف، يبعد فاطمة عنه قليلًا وهو يتحرك صوب الباب ولم يكد يبتعد خطوة حتى امسكته فاطمة بسرعة من ثيابه تغلق الزر العلوي في سترته بشكل جعله يرفع حاجبه مبتسمًا بسخرية :
_ ألا جزاك الله خيرًا يا ابنتي كدت اخدش حياء الخالة ألطاف بمقدمة رقبتي الظاهرة .
ابتسمت له بلطف وهي تضم يديها أمامه تنطق بنبرة تدرك أنها تشعل غضبه أكثر :
_ جزانا وإياكم يا المعتصم، أنت زوجي في النهاية وسمعتي من سمعتك فاحرص عليها ولا تلوثها بطيشك .
رفع المعتصم يده يدفعها للخلف بضيق لتنطلق ضحكات فاطمة بقوة في المكان وقد بدا أن قلبها تحرر من قيود العقل في وجود المعتصم، ولم تكذب حين أخبرته أنها في وجوده لا تبصر والدتها ولا تشعر بالثقل على قلبها .
تحرك المعتصم صوب الباب يفتحه بهدوء ولم يكد يتحدث متسائلًا عن سبب وجود ألطاف في هذا الصباح الباكر، لتسارع الأخيرة بالتحدث بجدية :
_ آسفة لازعاجك منذ الصباح سيدي، لكن هناك ضيف جاء للسؤال عن فاطمة في منزلها وحينما لم يجدها طلب مني أن اقوده لهنا .
تعجب المعتصم كلماتها، فأي ضيف هذا الذي سيذهب للسؤال عن زوجته بعدما فقدت سائر أفراد عائلتها ؟!
ولم يكد يصرح بحيرته حتى أبصر السيدة الطاف تنحني للجانب ويحل محلها شاب يافع يماثله العمر أو ربما يكبره ببعض السنوات يرتدي ثياب جيش يعلمه جيدًا ..سفيد .
يبتسم له بهدوء وهو يمد يده للمعتصم يتحدث بكل جدية جعلت المعتصم يُصدم من جرأته فبالتأكيد أخبرته ألطاف عن هويته، إذا ما معنى كلماته التي نطقها بلا اهتمام .
_ مرحبّا سيدي، أنا إلياس ابن خالتها لفاطمة وخطيبها …
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ توبة ما بكِ ؟! تماسكي ولاتدعي والدك يشعر بشيء الآن، قد تؤثر أي أخبار سيئة بالسلب عليه .
رفعت عيونها وهي تشعر بالانهيار، ادعت أنها بخير حال في الفترة الأخيرة، لكنها لم تكن والله لم تكن.
ما مرت ليلة واحدة نامتها دون أن تبكي ولدها، لم تمر يومًا بركنٍ في القصر إلا واعاد لها صوت ضحكاته ومشاكسته، ولدها الحبيب والذي رغم كرهها ومقتها لوالده، ما كرهته لحظة واحدة، بل نظرت له نظرة العوض وبنت حياتها القادمة على وجوده، صغيرها الحنون والذي ما كان ليهون عليه دمعة واحدة منها ..
سقطت دموعها بقوة وقد ازدادت شهقاتها وهي تبعد يد نزار عنها دون وعي وذكرى انهيار قديمة تضيء في عقلها، وشعور يد أخرى تضمها يعود لها، وصوت حنون هامس يردد في أذنها بحنان :
” لا تبكي أمي، لا عاش من يحزنك وأنتِ الأميرة توبة، أخبريني ما يحزنك وأقسم بالله لأقتص لكِ منه، فقط أخبريني وأنا سأفعل لكِ ما يسعدك أمي”
” أنا بخير صغيري ”
” لستِ كذلك أمي، أنتِ حزينة …هل السبب أبي ؟؟ ”
” لا، أنا بخير و…”
” أنا أكرهه، أنا أكره هذا الرجل وبشدة، أكرهه وامقته من اعماق قلبي، أكرهه لأنه كان طوال الوقت سببًا لبكائك أمي”
_ توبة ارجوكِ لا تخيفيني، هل أنتِ بخير ؟!
رفعت توبة عيونها صوب نزار الذي كان يراقبها بقلق يضع مسافة بينهما، محدقًا فيها بعجز وقد شعر أن المسافة بينهما تتخطى بُعد المشرق والمغرب .
العجز كان كحبال غليظة يقيد نزار، حبال تلتف حوله تمنعه من نطق كلمة واحدة يريح بها قلبه قبلها، ونظراتها كانت كسوط يستغل عجزه ويجلده دون أن يمتلك حق الاعتراض، دون أن يمتلك حق المقاومة حتى .
وإلى متى الصمت والجبن، إلى متى سيظل خاضعًا لخوفه من الرفض، إما أن يتقدم وينتهي أو ينسحب وينسى، واختار نزار الاختيار الأول وقد شعر برغبة عميقة في التحدث وأخيرًا بما يدور داخل صدره، وقد خنقته الكلمات حتى أصبح التنفس صعبًا .
ابتلع ريقه يمحو أي اسوار تعيق تقدمه، ينظر لعيونها التي اخفضتها بسرعة هربًا منه، لكن ورغم ذلك لم يتراجع وهو يتحدث بصوت خافت وقد قرر أن لا تراجع في هذه اللحظة، إن خسر جميع المعارك فستكون توبة حربه الأخيرة التي سيقودها نحو النصر :
_ توبة .
كلمة واحدة خرجت بعجز كبير من فمه، كلمة أدركت توبة كم الكلمات التي تتواري خلفها، لذا انخفضت عيونها تغمضها بقوة وهي تضغط قبضتها على ثوبها، ترفع عيونها له بتردد تبصر كلماته منعكسة في عيونه قبل حتى التحدث بها .
فتح فمه يتحدث بكلمات مترددة ونية واضحة في التقدم دون تراجع للحظة :
_ توبة أنا ا….
_ لا .
طعنة اخترقت صدره، وضربة أعادت جيوشه صوب الخلف متقهقرين، وقد وأدت توبة أمل مازال بالمهد، وأدته دون حتى أن تسمح لذلك الامل أن يبصر النور .
شحب وجه نزار بقوة وشعر بتلك الضربة اقوى من تحمله، يهمس بارتجاف وبسمة صغيرة مقهورة :
_ لا ؟!
رفعت توبة عيونها تنظر له بقوة وتجبر وعقلها هو من تسلم ضفة الحوار، وقاد جيوشها في هذه اللحظات، قتلت قلبها وهي تتحدث بهدوء وجدية كبيرة :
_ لا يمكنك نزار، غير مسموح لك حتى بأن تحلم مجرد حلم بما يدور داخل عقلك الآن.
كانت ضربة قوية شعر بها تقسمه نصفين، تراجع للخلف بهدوء وقد شعر برغبة قوية في الانهيار ارضيًا والصراخ بكل عنف.
ورغم كل الأمواج المتلاطمة داخل صدره، وكل تلك الفوضى التي انبثقت في ثواني داخله، إلا أنه نظر لها ببسمة واسعة مرتجفة يهمس بصوت هادئ :
_ نعم، أنتِ محقة توبة .
شعرت توبة برغبة قوية في الانفجار أمامه باكية بكل الحسرة التي نشبت داخل صدرها في هذه اللحظة، رغبة قوية في ضمه والتربيت عليه وهي تخبره أنها كاذبة، وأنها لا تمتلك سوى” لا” مقيدة بالواقع المحيط بهم، وأنها لو استطاعت لصرخت بنعم .
ورغم كل ذلك همست بصوت خرج خافت بشكل غريب بسبب كبتها دموعها :
_ أبي…هل سيكون بخير ؟!
رفع عيونه لها ثواني قبل أن يبتسم لها بسمة جامدة وكأنها تحول في هذه اللحظة لنسخة أخرى أشد بهوتًا منه :
_ نعم لا تقلقي كل ما يحدث له مجرد آثار جانبية للسم ستأخذ وقت قصير وتتلاشى مع الاستمرار على المصل، لا تخافي سيكون الملك بارق بخير .
ختم حديثه وهو ينهض من جوارها يتحرك بعيدًا عنها ملقيًا كلمته الأخيرة والتي كانت أشد وطئًا عليها من كلمتها له :
_ سيكون بخير، ولن أكون .
خرج تاركًا توبة تراقبه بملامح موجوعة، وقد كان صوت غلق الباب بمثابة إشارة لها لتنهار وأخيرًا، وقد شعرت أن الحياة تعاندها، ترسل لها الزهور في حديقة من الأشواك، تعطيها الفاكهة في سلة مليئة بالصبار .
أما عن نزار فتحرك بصعوبة بعيدًا عن غرفتها وقد شعر بثقل كبير في صدره وصعوبة كبيرة في التنفس، ابتلع ريقه وهو يتحرك صوب الغرفة يدعو ربه أن يكون الوليد قد خرج منها ليعطيه فرصة رثاء نفسه .
تحرك صوب الغرفة دون أن ينتبه لتلك الأعين التي كانت تتبعه في كل مكان منذ أيام طويلة وكأنها تسجل كامل تحركاته ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد دقائق من الانهيار بين أحضانه استكانت سلمى وأخيرًا وقد شعرت بالهدوء يسود المكان، أما عن أرسلان فلم يقطع بكائها أو يطالبها بالكف عنه، بل ترك لها حرية التعبير عما يجيش صدرها دون أن يمنعها .
وحينما شعر منها هدوءًا، تحدث بصوت خافت وهو يربت عليها بحنان :
_ في هذه الحياة سلمى ستفقدين الكثير وفي المقابل ستكتسبين الكثير، فلا تقفي عند الفقد ولا تتجاهلي المكسب، تأقلمي مع أحزانك وتقبلي سعادتك حبيبتي .
كانت سلمى هادئة بين أحضانه، وهو فقط يتحدث بكلمات لا يعلم إن كانت تعي منها شيء أو لا، لكنه استمر في كلماته ببسمة صغيرة :
_ أعلم أنكِ اقوى مما يبدو عليكِ، لذا لا تسمحي لنفسك بالأنهيار، أنتِ الملكة ولديكِ الكثير لتمري به، فلا تنهزمي من أول تحدي تخوضيه.
_ لم .. ظننت أنني سأستطيع المساعدة .
_ وقد فعلتي حلوتي، فأين تقصيرك ؟! هذا قدرها وقد انتهى أجلها حتى تلك اللحظة، الآن كل ما عليكِ هو الدعاء لها، والاهتمام بصغيرها كي تكون هي مرتاحة حسنًا ؟!
هزت رأسها بنعم، ليبتسم لها بهدوء وهو يقبل رأسها، ومن ثم أبعدها بهدوء يردد بصوت خافت حنون :
_ لولا أنني امتلك الكثير لأفعله ما رحلت وتركتك وحدك، لكن لا تقلقي سأرسل لكِ من يؤنس وحدتك حتى تصبحين بخير وقادرة على مقابلة الجميع .
ختم حديثه يتحرك بهدوء بعدما أخذ منها موافقة بهزة رأس صغيرة منها ولم يكد يخرج من الجناح حتى أبصر أمامه كهرمان وزمرد، لتتسع بسمته وهو يهز رأسه هزة صغيرة مرحبًا بزمر ومن ثم ربت على كهرمان :
_ حمدًا لله أنكِ هنا كهرمان، رجاءً ابقي مع سلمى فهي لا تشعر أنها بخير الآن، لدي عمل انتهي منه واعود حسنًا ؟؟
هزت له كهرمان رأسها ولم تكد تستفسر عما يحدث في القصر وكل هذه الفوضى التي تبصرها، حتى رحل أرسلان بسرعة تاركًا إياهم لتضرب زمرد الباب بقدمها تقتحم المكان بضوضاء :
_ أخوكِ هذا شخص مريب والله .
ختمت حديثها تبصر بكاء سلمى وهي تمسح دموعها في اللحظة التي دخلن بها، لتشير لها زمرد وهي تقول بحنق :
_ ها انظري أبكى الفتاة والله وحده يعلم ما فعل بها .
تحركت صوب سلمى وهي تجذبها بين احضانها بقوة ليس وكأنها تواسيها، تربت عليها بحنان غريب على مثل شخصها الذي عرفته سلمى :
_ لا بأس يا ابنتي، ادعي عليه، فلندع عليه جميعًا فالله وحده القادر على امثال زوجك .
ابتعدت عنها سلمى بسرعة بصدمة ولم تكد كهرمان توبخها للحديث بالسوء عن أخيها، حتى وجدت كلمات سلمى تنبثق خارج فمها كالسيول في ليلة ممطرة :
– ليأخذ الله أعداءه اجمعين، زوجي لا رجل مثله في هذه الحياة .
تشنجت ملامح زمرد وهي تنظر صوب كهرمان التي كانت تراقب سلمى بفخر شديد وصل عناء السماء وكأنها لا تصدق أن أخاها الحبيب وأخيرًا عثر له على ركن دافئ ومستقر في هذه الحياة، سلمى والتي منذ اللحظة الأولى أقسمت بالله أن لا امرأة في هذه الحياة تليق باخيها سواها، الآن تتأكد من الأمر.
_ ماذا قلت أنا ؟! والله هذا خطئي أن احطت من قيمتي وتعاملت معكِ، امثالك لا يستحق سوى النظرات الجانبية وضرب السيوف و…..
فجأة صمتت وتحولت عيونها بشكل غريب والخبث بدأ يرتسم على ملامحها بشكل مريب جعل كهرمان تتقين أن القادم لن يعجبها بأي شكل من الأشكال :
– أنتِ ملكة ها ؟! إذن تعلمين كل ما يتعلق بالمبارزة، ما رأيك بمبارزتي ؟؟؟؟؟؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ مولاي انتهيت من فحص الاطفال منذ قليل وسيكون كل شيء بخير مع الاعتناء بهم، والآن تولت طبيبة القصر رفقة زوجتي أمر الاعتناء بالنساء .
استدار أرسلان صوب زيان وهو يبتسم له بلطف شديد يربت على كتفه بهدوء وامتنان كبير ولم يكد يتحدث حتى انتبه لما يعلو رأسه ليضيق عيونه بعدم فهم :
_ زيان …ما هذا الذي يعلو رأسك ؟!
تعجب زيان من كلماته وهو يرفع يده يتحسس رأسه بعدم فهم، قبل أن يستشعر ملمس الضمادة أسفل أنامله، قبل يعض شفتيه بغضب شديد، ورغم ذلك رسم بسمة مقتضبة :
– هذه ؟؟ هذه مجرد توثيق للحظاتي السعيدة .
ختم حديثه وهو يتذكر ما حدث معه في المرحاض منذ يوم كامل حينما كادت زوجته تحطم جمجمته على أرضية المرحاض وكأنها تنتقم من رأسه لأجل ما حدث معها ..
صدحت صرخاته في المكان حتى كادت توقظ الاموات من قبورهم، يتأوه بقوة وقد شعر أن جمجمته تحطمت بكل ما للكلمة من معنى، بعيدًا عن أي تعبيرات مجازية .
تمدد ارضًا وهو يشعر بالوجع والدوار قد بدئا يتمكنان منه، والمكان حوله يتحرك بسرعة مرهقة، ومن ثم ظهر وجهها في المشهد وهي تميل عليه تهمس بصوت منخفض وخوف :
_ زيان ؟! أنت بخير ؟!
شعر زيان بالدماء تسيل على رأسه وهي تراقبه بأعين متسعة مرتعبة تميل بقوة تكتم سيلان الدماء بثوبها باكية بصوت مرتفع :
– يا ويلي زيان، أنت تنزف بقوة، يا ويلي .
رفعت عيونها لها يحاول الحديث كي يطمئنها، لكن توقفت الكلمات على طرف فمه حينما سمعها تحدثه بلوم لاذع :
– كل هذا بسببك، ما كان عليك الوقوف خلف الباب مباشرة، أنظر إلى ما فعلت بنفسك .
ردد متشنجًا متوجعًا :
_ فعلت بنفسي أيتها الــ …
_ زيان ما بك ؟! أنا احدثك ؟!
انتفض زيان من أفكاره وهو ينظر صوب أرسلان يبتسم له بسمة صغيرة ومن ثم هز رأسه بهدوء :
– لا تهتم مولاي هذه نتائج ما جنت يدي .
– ما جنت يدك ؟!
_ نعم أنا من فعل هذا بنفسي، لقد أكدتْ لي ذلك .
فتح أرسلان عيونه بعدم استيعاب لما يحدث، وقبل التحدث بكلمة أبصر الملك آزار يتحرك بشكل غريب في الممرات جعله يخشى ما يحدث معه ليلحق به وهو يستأذن بسرعة من زيان وهو يلحق بازار الذي كان يتحرك في الممرات بشكل غريب .
_ مولاي ؟؟ جلالة الملك كل أمورك بخير ؟!
توقفت أقدام آزار وهو ينظر صوب أرسلان ثواني دون رد ومن ثم هز رأسه بهدوء يتحدث بجدية :
– نعم أرسلان لا تقلق، أحدهم أخبرني أن هناك أحد رجالي ينتظرني لأجل إيصال رسالة في غاية الأهمية .
هز له أرسلان رأسه وهو يبتسم يربت على كتفه مشيرًا صوب القاعة الخاصة بالاجتماعات :
_ استرح جلالة الملك وسيصلك ما تريد حيث كنت .
نظر له آزار برفض لحظي إذ كان هذا الخطاب الذي وصل يعني له أكثر من مجرد خطاب، فقد كان الرجل الذي طلب رؤيته هو نفسه من كلفه بتقفي أثر ولده بعدما اختفى من المملكة بشكل كامل .
ويبدو أن أرسلان قد أبصر اعتراضه الواضح في عيونه :
_ هل هناك شيء خطير في الخطاب جلالة الملك ؟!
ابتلع آزار ريقه وهو يحاول التحدث بأي شيء، في اللحظة التي قاطع وقفتهم سالار الذي اقترب يحمل بين يديه خطاب وهو يتحدث بعدم فهم :
– ما الذي يحدث هنا ؟؟ هل هناك شيء خاطئ ؟!
نظر له أرسلان ونفى برأسه بهدوء، ولم يكد يتحدث أو ينفي كلمات أرسلان حتى سمع صوت آزار يتساءل بلهفة كبيرة وهو يشير صوب الخطاب بين أنامله :
– ما هذا الخطاب سالار ؟! هل هو ما جاء به أحد رجالي ؟!
نظر سالار صوب الخطاب ثواني قبل أن يدرك ما جاء لأجله:
– نعم هذا الخطاب أحضره لك أحد رجالك، طلب مني أن أوصله لك وأخبرني أنه هام للغاية .
رفع له آزار عيونه ومن ثم مد يده بتردد وقد دعى الله من أعماق قلبه أن تحتوي طيات هذا الخطاب على ما يطمئن قلبه على ولده .
ولده نفسه الذي لولا هربه منه لكان الآن قد قُتل شنقًا بحبال صنعها هو لأجله، ابتلع ريقه يرفع الخطاب أمام عيونه وهو يحاول أن يتمالك ملامحه أمام أعين أرسلان المتفحصة لما يحدث ورغم أن أرسلان لم يكن من عادته الفضول، إلا أنه في هذه اللحظة شعر بالريبة والقلق على الملك آزار لذا لم يتحرك خوفًا أن يكون هناك ما يحدث معه .
بينما سالار ظل واقفًا ليطمئن أن جميع أمور خاله ومملكته تسير على ما يرام خاصة مع ملامح خاله التي كانت مثيرة للريبة في هذه اللحظة .
فتح آزار الخطاب بسرعة كبيرة وهو يمرر عيونه بلهفة ملحوظة على الأحرف، يبحث عما يسكن نبضات قلب أبٍ مكلوم، وفجأة شعر بأن العالم توقف من حوله وجميع الاصوات هدأت فجأة وهو يرفع عيونه للجميع.
ليزداد قلق الاثنين عليه ويهتف أرسلان وهو يمسك كتفه بمؤازرة :
– عم آزار ما بك ؟! أخبرني إن كان هناك ما حدث وتحتاج مساعدة مني أو من ….
قاطعه آزار وهو يهتف بصوت منخفض يعلم في هذه اللحظة أنه يسلم ولده لموته بنفسه :
_ عثروا على نزار، أنه…في سبز رفقة الأميرة توبة ……..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
” هل اشتقتم للعم أرسلان ؟!”
يتبع….
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية أسد مشكى)