روايات

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل السابع والستون 67 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 الفصل السابع والستون 67 بقلم بيسو وليد

رواية جعفر البلطجي 3 البارت السابع والستون

رواية جعفر البلطجي 3 الجزء السابع والستون

رواية جعفر البلطجي 3 الحلقة السابعة والستون

“أصعب ما في الحياة أن تكون بين أهلك، ويظل قلبك غريبًا، تبحث عن دعم فلا تجد سوى الصمت،
أن تعيش في دائرة العائلة، وتدرك أنك قد تُخذل أكثر من أي وقت مضى،
لكن تعلمت أن الخذلان لا ينهي الطريق، بل يفتح أمامك أبوابًا جديدة لقوة لا تعرفها،
في الخذلان، تجد نفسك أقرب إلى الله.
_ارتجال.
_________________________
كسـ.ـرة الرو’ح هي لحظة يتناثر فيها القلب تحت وطأة الأ’لم، ويشعر الإنسان أن جزءًا منه ضا’ع في الزمن، تأتي نتيجة خيبة أمل أو فر’اق، وتترك في النفس فراغًا عميقًا، ورغم قسو’تها، تمنح الرو’ح فرصة للنمو والشفاء، لأنها بداية لصر’اع مع الذات لإعادة السلام الداخلي..
<“أول رد حاسم، وأول صفعة قوية.”>
أول صفعة تكون مو’جعة، مؤ’ثرة، وقا’تلة للمرء، كانت الأجواء متوترة، بل قا’تلة، دقائق تمُرّ وكأنها نصـ.ـلًا حا’دًا فوق العـ.ـنق، صمتٌ قا’تل كسـ.ـره صوت أنفاس “يعقـوب” المسموعة، لهـ.ـيبٌ مشتعـ.ـل في صدره، الجَو مِن حوله وكأنه تحوّل إلى جمـ.ـرة نا’ر مـ.ـلتهبة تُقيـ.ـده بحرارتها المرتفعة، غـ.ـلىٰ الد’م في عروقه وبشكلٍ سريع ضر’ب رأسه وكأنه يتلذذ بتلك الأجواء الصـ.ـعبة التي تسيطـ.ـر على المكان، اشتدت قبـ.ـضتي يَديه بشكلٍ واضح، وكأنه يُحاول لجـ.ـم و’حشه أطول وقتٍ مُمكن، فهو وحده يعلم إن أطلق صرا’حه ماذا سيفعل فيهم..
أنتظر ردًا مِنها يُطمئن قلبه المر’تعد، يخشى أن تُصدقها وتنجر’ف خلف مـ.ـخططاتها الشيطا’نية، هو على أتم الاستعداد لإحر’اق المدينة لأجلها الآن فهو لا يهتم سوى إليها هي، بينما كانت هي تنظر إليه وتعبيرات وجهها لا تدُل على أيُ شيءٍ، استطاعت في هذه اللحظة التلاعب بقلوبهم جميعًا، صمتها وكأنه خيّال يروض خيوله، وتعبيرات وجهها كانت ماهرة في تشتيتهم، لحظة وتحرّكت، أخيرًا ستأخذ ردًا حاسمًا، مصيريًا بالنسبةِ إلى “يعقـوب”، وقفت أمامه مباشرةً، في مواجهته، تنظر إليه دون أن تتحدث، حتى نظراتها لا تدلُ على شيءٍ يجعله يرتاح مِن هذا العذاب الذي يتلقاه..
_”زُبيدة” أنا صحيح كُنت و’حش ومشيت فالطريق الغـ.ـلط، وعملت كُل حاجة، قسـ.ـيت، واتجبّـ.ـرت، وشربت، بس إنِ أخو’نك مع أختك دي مِن سابع المستحيلات، أنا مش هدافع عن نفسي عشان عارف إنك واثقة فيا ومصدقاني، أنا مقدرش أكسـ.ـرك حتى فخيالي، أنا مصدقت توبت ورجعت لنفسي القديمة تاني.
إرضاء نقـ.ـيضين ليست بالشيء الهين على المرء، فأمام مهـ.ـب الرياح واجهه اعصا’رًا قويًا يهـ.ـدد حياته بصراحة، صوتًا أخبره أن يند’فع ويُدا’فع عن نفسُه ويُبر’ءها مِن إتهاما’تٍ با’طلة، وصوتًا آخر ر’فض التحدث حتى لا يُرى بصورة الخا’ئن الذي أر’تكب جُر’مًا وتم القبـ.ـض عليه، ومع أول صفعة أعتر’ف بكُلّ شيءٍ، لحظات ليست هينة على الجميع ولا أحد يعلم ماذا تُخبئ لهم الدقائق القادمة..
ببطءٍ ألتفتت تجاه شقيقتها نصف استدارة، نظرت إلى عينيها مباشرةً وهي مازالت محتفظة بهذه التعبيرات البا’ردة، ترى الخو’ف في عينيها، تلاحقت أنفاسها، وتسارع نبـ.ـض قلبها بر’عبٍ، بينما تصبب العرق فوق جبهتها كأنهُ يفضـ.ـح خو’فًا حاولت إخفاءه، كانت نظرتها إليها تحمل شيئًا سريًا لم يحين موعده حتى الآن، وببطءٍ أرتسمت بسمةٌ خفيفة فوق شفتيها وانبسط وجهها قليلًا وكأنه يطمئنها أن كُلّ شيءٍ سيسر وفق مـ.ـخططها وستُد’مر حياتهما بسهولة ويُسرٍ..
كُسِـ.ـرَ هذا الصمت المُمـ.ـيت، وأنطلقت الأنفاس بعد أن تحر’رت مِن احتلا’لٍ غير مسبوق، حين خرج صوتها ببُحَّته المُميّزة قائلة بنبرةٍ هادئة:
_أنا متفهمة كلامك، وبنسبة كبيرة مُمكن يكون صح، خصوصًا إن “يعقـوب” كان ماشي فالسكة الغـ.ـلط بقاله سنين، واللِ خلّاه ييجي عالناس ويئذ’يهم ويشرب، ومسّـ.ـلِم نفسُه لمو’ج البحر يوديه ويجيبه، وارد يحاول يقرّب منك بدون علمي، وأكيد هتخا’في تقولي حاجة زي دي لينا عشان في بيوت كتير هتتخر’ب وعلى راسهم أنا.
كلماتها كانت صا’دمة لـ “يعقـوب” الذي هو’ي قلبه أر’ضًا بعد أن أستمع إليها، اضطربت نبـ.ـضات قلبه وكأنها على وَشَك التوقف، وتسارعت وتيرة أنفاسه، وتصبب العرق فوق جبهته، حالة مِن الرُ’عب تملّكت مِنْهُ وجعلته يقف مكتو’ف الأيدي ومُكـ.ـمم الفم ومحجو’ب الأعين، وكأنه أسيـ.ـرًا ينتظر تلقي الحُـ.ـكم الأخير لهُ، أبتعدت عنهُ، وكأنها تتلذذ بتعذ’يبه بأبسط حركاتها، وأقل كلماتها التي كانت لهُ لغزًا يصـ.ـعُب حلُه حتى هذه اللحظة..
وقفت أمام “رانيـا” مباشرةً، تواجهها، وحتى هذه اللحظة الجميع يخشى ما ستفعله أبنتهم، العقول تشوشت، وترقبت الحواس، وثُبتت الأعين فوقهما يترقبون ما سيحدث ويُقال، كانت عينان “يعقـوب” مُعـ.ـلقةً فوقها وكأنها تأبى فقد’ان آخر آمالها بها، فمِن سابع المستحيلات أن تنتـ.ـهي علا’قتهما بهذه الطريقة وبسبب هذا التخـ.ـطط الشيطا’ني، بينما كانت “رانيـا” تنظر في أعين “زُبيدة” بخو’فٍ وتو’ترٍ حاولت إخفاءهما عنها حتى لا تشـ.ـك في أمرها ويفسـ.ـد كُلّ شيءٍ..
ابتسمت لها “زُبيدة” وكأن شيئًا لم يحدث ومِن ثمّ ضمتها إلى دفء أحضانها، صُدِ’مَتْ “رانيـا” ومعها صُدِ’مَ “يعقـوب” الذي جحظت عيناه على و’سعهما وكأنه لا يُصدق ما يراه وأسئلةٌ عديدة تدور في عقله، هل هي صدقتها بالفعل، هل سيُهز’م أمامها ويُعا’قب على شيءٍ لم يقترفه مِن الأساس، هل ستتخلىٰ عنهُ بهذه السهولة وكأن شيئًا لم يحدث، العديد والعديد مِن الأسئلة وأجوبتها كانت عندها هي..
_مستحيل، لا يا “زُبيدة” متعمليش فيا كدا، متكسـ.ـرنيش الكسـ.ـرة دي قدامهم، أنا فكرتك بتحبيني وبتثقي فيا، وعدتيني إنك عُمرك ما هتعملي أي حاجة تكسـ.ـرني وتحط عيني فالأر’ض، بس أنتِ خو’نتي العهد اللِ بنا ودو’ستي عليا قدامهم، ليه تكسـ.ـريني وأنا كُنت متعشم فيكي إنك هتنصفيني قدامها، ليه شوفتي بعينك ومشوفتيش بقلبك المرة دي ..!!
كلماتٌ صامتة تُقال لنفسُه وعيناه الدامعة مثبتتين على زوجته التي كانت تحتضن “رانيـا”، كان يظن أنها ستُدافع عنهُ وتنصفه أمام الجميع وتُنكـ.ـر حدوث ذلك، ظن أنها ستغضـ.ـب، وستقف أمام شقيقتها بالمر’صاد، أنتظر مِنها أفعالًا تنصفه وتُعزز مِن نفسُه وتحافظ على صورته كر’جلٍ، ولكن كُلّ ما فعلته أنها قامت بتصديق شقيقتها، ووقفت ضـ.ـده بعد أن تخـ.ـلىٰ عن حياته السابقة واختارها هي قبل أن يختار نفسُه..
كان “ضياء” ينظر إلى “زُبيدة” وهو لا يُصدق ما يراه، عيناه تكسوها الحُمـ.ـرة، والحسرة في نظرته حاضرة، فإن لم يتأ’لم عليها فهو يتأ’لم لأجل “يعقـوب” الذي أُعلنت هز’يمته، سـ.ـيفه الذي أعطاه أمسًا لأكثر الأيادي أمنًا، استقر اليوم في جسـ.ـده، بيَد مَن آمنها، وفي تلك اللحظة جاء أصدق بيت شعري واصفًا تلك اللحظة..
“أعطيتُكَ سَـ.ـيفي لأريكَ وفائِي،
فَمالي أرى سَـ.ـيفي تملأه دِ’مائي.”
اتجهت عيناه نحوه وكأنه مازال مصدومًا مِمَّ يراه، يرى الكسـ.ـرة في عيناه، والخذي نحوها، لا يُصدق أن الضـ.ـربة كانت مِنها هي، فهو لأجلها تنازل عن كُلّ شيءٍ، حياته السابقة، شخصه الآخر، رغبته في الانجاب، ضحّـ.ـى بالكثير لأجلها هي، وفي المقابل تلو’ثت يَدها بد’ماءه، قتـ.ـلته، وتركته ينا’زع المو’ت وحيدًا، دون رحمة، وبلا شفقة، وكأنه كان عا’ئقًا في طريقها ورحل..
وبعد صر’اعٍ طا’حنٍ مع نفسُه سـ.ـقطت أول دمعة مِن عينه، لم تكُن الأولى ولن تكون الأخيرة، لقد طـ.ـعنته بكُلّ قسو’ة، ولم تأبى لهُ، ولم تهتـ.ـز لأجله، تثا’قلت أنفاسه وتسارعت نبـ.ـضات قلبه تصر’خ بأ’لمٍ يحر’ق أعماقه، ارتفعت حرارة جسـ.ـده، ومعها أزدادت حرارة أنفاسه، اكتست الحُمـ.ـرة عيناه وسـ.ـقطت عَبراته بسرعةٍ على صفحة وجهه، وعنوان نظرته إليها كانت كسـ.ـرة رو’حه..
كانت لحظات صـ.ـعبة على الجميع وهو على رأسهم يُتوّج، بينما ابتعدت “زُبيدة” عن شقيقتها “رانيـا” التي كانت تدعي البُكاء والتأثر، نظرت لها ورفعت كفها الأيسر تضم شطر وجهها، وقالت بنبرةٍ هادئة:
_أرفعي راسك وبُصي فعيني، أنتِ معملتيش حاجة عشان تحطي عينك فالأ’رض كدا.
نظر “رمـزي” في هذه اللحظة إلى “يعقـوب”، لم يكُن حزينًا سِوى عليه، فبعد ما قالته “زُبيدة” الآن هي قد قضـ.ـت عليه بالفعل، بينما ألتفتت “زُبيدة” خلفها لتصطدم عيناها بعيناه، رأته ينظر لها بأعينٍ أصبحت مكسو’رة بفضلها، وتلومها خفيةً على ما فعلته بصاحبها، أهتزت بقو’ة مِن داخلها، نظرته ليست هينة عليها ولن تنساها بسهولة، فإنها ستصبح كابو’سها في الأيام المقبلة ولن تتركها تلُذ بأوقاتها بسهولة، وقفت بينهما بعد أن أصبحت في صر’اعٍ خفي مع نفسها..
نظرت بطرف عينها إلى “رانيـا”، تراها تُزيل عَبراتها خفيةً وبسمةٌ ما’كرة تُرسم فوق شفتيها، ونظرة خـ.ـبيثة منتصـ.ـرة في عينيها، لم تكُن تعلم أنها بهذا الحقـ.ـد، لقد قيل لها آلاف المرات ولكنها لم تكُن تُصدق، مئات المرات أخبرها “يعقـوب” أن تجعلها تبتعد عنهُ لعدم شعوره بالراحة نحوها ولم تنتبه هي حينها أن هُناك أشياءًا تحدث هي غا’فلةً عنها، ثقتها بهِ لم تنقـ.ـص، فهي تعلم زوجها جيدًا ورأت كيف كا’فح نفسُه ورغباته ليعود لسابق عهده، وسعى لكي ينول رضاها، فلن يكون غبيًا ويفعل تلك السخافات التي أتهـ.ـمته بها شقيقتها..
أخذت نفسًا عميقًا وأخرجته بهدوءٍ شـ.ـديد، وألتفتت مجددًا نحوها تنظر لها بعد أن اتخذت قرارها، لن تتركه يتعذ’ب أكثر مِن ذلك، اختارت أن تقسـ.ـوا عليه هو وتؤ’لمه حتى تربح ثقة الأخرى بها، فبمجرد أن تطمئن لها “رانيـا” ستضر’ب هي ضر’بتها، وقفت في مواجهتها مجددًا، تنظر في عينيها بعد أن نظرت إليها “رانيـا” وأدعت الحزن والخزي، ابتسمت ساخرةً بداخلها وهي ترى أمامها حر’باء ملو’نة تقوم بتغيير لونها كُلّ دقيقة حتى ينبهر بها الحاضرين، كسـ.ـرت الصمت المخيّم عليهم مِن جديد بقولها الهادئ:
_تعرفي يا “رانيـا”، أنا كُنت غبية أوي ومش شايفة اللِ بيحصل مِن ورايا، أتغفلت بصراحة مش هكدب عليكي واللِ غفلني أداني طـ.ـعنة و’حشة أوي فضهري، هتخلّيني شا’يلة مِنُه العُمر كُلّه، كُلّ ما تو’جعني هفتكره وهروح محسبنة عليه ليل نهار، الغد’ر و’حش أوي خصوصًا لو كان مِن القريب، بس إيه اللِ يوصل بني آدم إنُه يسحـ.ـر لحبيبه، ويخو’نه كمان مع أقرب حد لِيه، بصراحة صـ.ـعبة أوي مش كدا.؟
جـ.ـف حلقها، وتسارعت نبـ.ـضات قلبها بخو’فٍ تمـ.ـلّك مِنها، حديثها كان بمثابة شـ.ـرارة صغيرة، سيطـ.ـر التو’تر عليها وهي تراها تر’شقها بنظراتٍ حا’دة، بينما أكملت “زُبيدة” حديثها وعينيها لم تُنز’ع عن وجهها قائلة:
_حياتي أتد’مرت فلحظة، الحياة اللِ كُنت بتمناها اتد’مرت بلحظة وأنتِ كُنتي السبب، أنا كُنت جاية عشان عرفت إنك عملتيلي سحـ.ـر، وجاية ومعايا الد’ليل ضـ.ـدك كمان عشان متكدبنيش كعادتك وتقـ.ـلبيها موال، بس أنتِ أعتر’فتي على نفسك بدون ما تاخدي بالك، قولتي إنك حقو’دة ومر’يضة، عيونك كشـ.ـفوكي، لعلمك “يعقـوب” مبيخبيش عنّي أي حاجة، قالي يوميها إنك وقفتيه فنص الليل فالشارع، وقالي إنك ر’خصتي نفسك وحاولتي تغر’يه وتعملي كام حركة ر’خيصة عشان يضـ.ـعف هو قدام جمالك الخا’رق دا، كان جاي لو’نه مخطو’ف، وشه أصفـ.ـر ومتو’تر، وقلبه بيد’ق بسرعة زي الصا’روخ، وأنا صدقته عارفة ليه؟ لأني كُنت عارفة إن عينك عليه قبل ما يتجوزني وبرغم كدا هو اختارني أنا، لأنه مش عايز واحدة جمالها يجيب عـ.ـمى، ولا واحدة تتخلىٰ عن حياءها وكبرياءها وكرامتها عشان تنول رضا راجل مش شايفها أساسًا..
_أنتِ لو كُنتي بتحبي “سلمان” بجد مكُنتيش لسه بتعا’فري ورا “يعقـوب” جوزي، أنا و “يعقـوب” بصراحة مكُناش مشـ.ـفقين غير على “سلمان” لأنه حبك بجد وقدملك كُلّ حاجة، بس أنتِ مصونتيش الرا’جل ولا أحترمتيه ولا حتى أحترمتي ولادك، أنا كان فأيدي أجي وأجيبك مِن شـ.ـعرك وأمسـ.ـح بيكي الأرض قدام عيالك عشان يعرفوا إن أمهم متستاهلش لا حُبّ ولا أحترام ولا حتى معاملة حلوة، أنا استحملت مِنك كتير أوي ومشوفتش مِن وراكي خير، عملتيلي سحـ.ـر ليه؟ عشان مـ.ـخلفش مِن “يعقـوب” مش كدا؟ عشان متشوفيش فرحتي ولا تشوفي ولاد حبيب القلب قدامك على طول، دا أنتِ مش د’مرتيني وبس دا أنتِ دو’ستي عليا بالجز’مة وكملتي ومهمكيش.
منذ الكلمة الأولى كانت البداية، بداية لنهاية تُكتب لحياة أبر’ياء، لضحكة صافية، للمعة متو’هجة، لحُبٍّ صافٍ، قلوبًا تحوّ’لت لرُ’كام، وأحلام هُدِ’مَت فوق رأس صاحبها، أر’واحًا دُ’فِنَت تحت الأنقا’ض، ورائحة الد’ماء هي الإثر الوحيد لبقا’يا الإنسان، كان “سلمان” ليس فقط منصتًا، بل و’ميتًا، حديث “زُبيدة” ليس عابرًا، وشعوره لم يخو’نه حتى اللحظة الأخيرة، منذ أن بدأ يشـ.ـك بها في اللحظات الأخيرة، وكُلّما حاول مواجهتها تتهر’ب هي مِنْهُ، واليوم شعوره كان صادقًا، كُلّ لحظة، كُلّ لحظة حاول فيها الاقتراب مِنها رأى التـ.ـيهة في أعينها..
كانت كُلّ هذه الأشياء بداية لكتابة نهاية تلك القصة، تلك الأحلام، ومعها تلك العائلة، كانت أنفاسه ثـ.ـقيلة، وكأن صدره وجد الهواء عـ.ـبئًا ثقـ.ـيلًا عليه يصـ.ـعُب تحمُله، الأصوات تتباعد ببطءٍ، يشعُر بحالة غريبة تُسيطـ.ـر على جسـ.ـده بالكامل لأول مرَّة، عيناه مـ.ـثبتة فوقها، نظرته خالية مِن أيُ شيءٍ، لا مشاعر، لا حياة، ولا بقا’يا إنسان حـ.ـي، ما كان يتكرر في أذنيه كلمات “زُبيدة”، وكأنها تعو’يذة وأصا’بته بلـ.ـعنة أبدية لن يتخـ.ـلّص مِنها..
الأنظار توجّهت إليه في تلك اللحظة، بعضها مشفقة، وبعضها حزينة، وبعضها مصدومة، نظرته جعلتها تشعُر بالرُ’عب، فهي لم تستطع حتى هذه اللحظة إنكا’ر أيُ شيءٍ فجميعهم هُنا يثقون في “زُبيدة” ويعلمون أنها إن قالت كلمة لا أحد يبحث عن مصدرها بعدها، ألتفتت “زُبيدة” تنظر إلى “يعقـوب” الذي كانت عيناه مثبتةً عليها، أحاديثٌ كثيرة تُقال، وخيو’طًا معـ.ـقدة تُريد فـ.ـكها، اقتربت مِنْهُ بخطى هادئة، تكسـ.ـر طول المسافة التي تفصـ.ـل بينهما، وقفت في مواجهته مباشرةً وعيناها لم تفا’رق عيناه..
أحاديثٌ صامتة تُقال، وقلوبًا عاشقة تحتر’ق في لهيـ.ـب الحُبّ، كان يُعاتبها على ما فعلته بهِ، على هذا الجُر’م الذي اقترفته في حق قلبه المو’لع بحُبّها، لحظة مِن الصمت القا’تل بينهما كسـ.ـرته هي بقولها الهادئ تلومه خفيةً على ظنّه بها:
_افتكرتني صدقتها طبعًا ووقفت فصفها ضـ.ـدك، بس معاك حق مقدرش ألومك، أنا تعمـ.ـدت أعمل كدا عشان أديها الأمان، كُنت خا’يفة تنكـ.ـر تاني والموضوع يكبر وتحصل مشـ.ـكلة كبيرة منبقاش قدّها، عارفة إنِ جر’حتك وأكيد أنتَ مش هتتصا’فى معايا بسهولة، بس صدقني أنا واللهِ ما عارفة أعمل إيه، حاسّة نفسي تا’يهة زي العيلة الصغيرة، بحاول أفكر أنتقـ.ـم منها أزاي مش عارفة، قلبي بيتقـ.ـطع حتت يا “يعقـوب” وأنا مش متحملة و’جع أكتر مِن كدا خدت اللِ فيه النصيب وبزيادة..
أخذت خطوة واحدة نحوه تُقرّب المسافات بينهما وتُعيد ر’بط الخيو’ط ببعضها، همسة صغيرة ستكون سببًا في إصلا’ح كُلّ ما تم إفسا’ده، النظرة التي حاوطت عيناه، ونبرتها الد’افئة التي أغر’قت قلبه في حُبّها، كانا سلا’حين اساسيان لها:
_أنا آسفة على اللحظة اللِ عيشتك فيها دي، حقك عليّا بس كان لازم أعمل كدا، حقك على قلبي دموعك غا’لية أوي عليّا يا “يعقـوب” وقلبي ميتحـ.ـملش نظراتك دي خالص، سامحني يا حبيبي بس واللهِ اتجبـ.ـرت.
عناقٌ حنون احتاجه، وكأنه إثبا’تًا صريحًا مِنها لبقاءها بجانبه دومًا، كانت لحظات صـ.ـعبة وبشـ.ـدة عليه، ظنّ فيها أنَّهُ خَسِـ.ـرَ كُلّ شيءٍ، ولكن كان الواقع يقول عكس الأحداث مِن حوله، فَصَـ.ـل المسافة بينهما ضاممًا إياها إلى أحضانه، حصـ.ـنه المنيـ.ـع الذي يصـ.ـعُب اختر’اقه مهما كانت الظروف والمكان المحيط بهِ، أراد الشعور بها بين يَديه وها هي مازالت بجانبه لم تتركه وترحل، رائحتها تغلغـ.ـلت داخل أنفه، وكأنها تُخبره بصدق اللحظة..
هدأ قلبه، وعادت أنفاسه تنتظم، هدأت رو’حه وغمرته السكينة، ولم يهتم للآخرين بعد تلك اللحظة، فما كان يهمه هي فقط، وها هي مـ.ـلكيته مازالت بين يَديه، كان يحاوطها بذراعيه بوضعية الحماية والحفاظ على مـ.ـلكيته، وعيناه الحمـ.ـراء مثبتةً فوق الأخرى التي أصبحت تقف في مواجهة “سلمان” تكاد يغـ.ـشى عليها مِن الخو’ف، ولا يستطيع أن يُنكـ.ـر في هذه اللحظة عن مدى سعادته لِمَ ستلقاه على يَديه..
كان “سلمان” ينظر لها محاولًا البحث عن أعذارٍ تشـ.ـفي لها عنده حتى وإن كانت حمقاء، ولكن حتى هذه اللحظة لم يجد شيئًا، كان في مقداره أن يثأ’ر لنفسُه، ولكن كان صوتًا مازال حـ.ـيًا بداخله يخبره أن تلك خرا’فات وجميعهم مخطئين، ولكن صوت “رمـزي” كسـ.ـر حِدَّ’ة الصمت حينما قال بنبرةٍ هادئة حذ’رة:
_بصراحة أنا مكُنتش حابب أكون جزء فاللِ بيحصل دا بس مينفعش، مينفعش أشوف الغـ.ـلط واسكت عليه وأعمل نفسي كأني مشوفتهوش، بصراحة الكلام اللِ قالته المدام “زُبيدة” صح، المدام دي عملت لأختها سحـ.ـر عشان متخلفش، وأنا بنفسي اللِ فا’كُه مِن عليها والشاهد على كلامي ربنا سبحانه وتعالى أولًا، و “ضياء” ابنكم ثانيًا، فلحظة كانت هتقتـ.ـل جوزها وهي مُغـ.ـيبة مش دريانة بحاجة لولا “ضياء” جه فالوقت المناسب ولحقه مِنها.
جميع الأنظار أتجهت إلى “ضياء” في هذه اللحظة، وكأنه لقطة الموسم، نظر هو إلى “معتـز” أبيه الذي كانت عيناه تنتظر مِنْهُ جوابًا تأكيدي على ما قاله “رمـزي”، لم يكُن هو وحده بل العائلة بأكملها، وعلى رأسهم يتوّج “سلمان” الذي كان يدعو ويَلُح بداخله أن تكون أكذ’وبة في نهاية المطا’ف فلا يتوقع ما الذي سيفعله بها بعد لحظات..
صمتٌ قا’تل يحر’ق قلوبًا، ويُعذ’ب أخرى، فما قيل ليس هـ.ـينًا، والجواب لن يكون هينًا وسيصحبه عوا’قب و’خيمة وقر’ارات مصيـ.ـرية ستؤخذ، اصطدمت عينان “ضياء” بعينان “رانيـا”، لأول مرَّة يرى نظرة الرجاء في عينيها، لأول مرَّة يرى الخو’ف متمـ.ـلّكًا مِنها، لأول مرَّة لا يتأ’ثر ولا يُشفق ولا يحزن، فقد كانت نظرته إليها كر’اهية وبغـ.ـض لا غير ذلك:
_الشيخ “رمـزي” كلامه صح، “رانيـا” سحـ.ـرت لأختي “زُبيدة” عشان متخلفش مِن “يعقـوب” واللِ قالته عن علا’قتها بيه صح وأنا كُنت عارف وهي كانت عارفة كدا كويس ووقتها أديتها علـ.ـقة مو’ت، أول حاجة فكرت فيها وقتها الرا’جل اللِ متجوزاه، اللِ بيسافر هنا وهنا ويقعد بالشهور منعرفش عنُه حاجة وبيتبهد’ل عشان خاطر يعيشها ملكة، أي حاجة تطلبها يجيبهالها، أنتِ عارفة يا “رانيـا”، أنا لأول مرَّة أعرف أنتِ ليه مكملة معاه، عشان أنتِ طما’عة، عايزة كُلّ حاجة لنفسك، بتغـ.ـفليه وتستـ.ـغليه فنفس الوقت، ومد’مرة حياة أختك الصغيرة ومكملة عادي، وفوق كُلّ دا عايشة مرتاحة ومبسوطة وأختك بتعا’ني وبتتر’جا ربنا يرزقها بعيل واحد على الأقل، عشان متكونش وحدانية ولا تحس إن في حاجة تعيـ.ـبها..
_وأنتِ مسكتيش لا كملتي فوسا’ختك، خو’فتيها على نفسها وفرحتي وأنتِ شيفاها مرعو’بة وبتتر’جا جوزها يوديها لدكتورة عشان بس واحدة مر’يضة زيك عرفت تلعب فعقـ.ـلها، متنتظريش مِني د’فاع، عشان أنا أساسًا معرفكيش، أنا مِن زمان وأنا بكر’هك تعرفي كدا؟ بكر’هك عشان أنتِ أجبـ.ـرتيني أكر’هك، معاملتك ليا وتحكمك فيا ولا كأني عيل معاكي وأسلوب مفيش د’كر كلـ.ـب بلدي يستحمله، أنتِ تستاهلي اللِ هيعمله فيكي “سلمان”، مش هشفق عليكي نهائي هقف وهدعمه وهقوله كمل هي تستاهل أكتر مِن كدا.
إن كانت الجدران تبكي لبكت منذ زمنٍ، كانت كلماته قا’سية وبشـ.ـدة، نظرته معد’ومة مِن الشفقة أو الحزن عليها، لم تتلقى سِوى القسو’ة، والمعاملة السيـ.ـئة، مثلما فعلت معهُ في السابق ها هو الآن يرد لها الصا’ع أثنين، مَن كان مِن المفترض أن يكون الساند والداعم والحا’مي، بفضلها أصبح الحا’قد والكا’ره الذي لم يرى مِنها إلّا العـ.ـنف والكرا’هية..
سقـ.ـطت عَبراتها بالفعل هذه المرة بعد أن رأت أخيها ر’فض أن يكون في صفها، أدركت أن الليلة ستكون نهاية لكُلّ شيءٍ، ستخسـ.ـر الكثير لا شـ.ـك في ذلك، كان “سلمان” ينظر لها ومعالم وجهه جا’مدة، لا حُبّ، لا حنوٍ، ولا مشاعر عادت كا’منة نحوها، شَعَر بالنير’ان بدأت تلتـ.ـهم صدره تزامنًا مع بداية عقله لخلـ.ـق هذا المشهد المقـ.ـزز، هذا المشهد الذي سيُحرك بداخله الكثير والكثير..
_أنتِ واحدة ****.
تفاجئ “رمـزي” مِمَّ قاله “سلمان” في تلك اللحظة، إن كانت تلك البداية فكيف ستكون النهاية بعدها !! بينما ألتفت “سلمان” بجسـ.ـده تجاه “معتـز” الذي ينكث رأسه للأسفل ولأول مرَّة في حياته، لأول مرَّة بعد أن كان يقف مرفوع الرأس أمام الجميع يتباهى بهم طيلة الوقت، أول مَن كسـ.ـرته كانت بكـ.ـريته، الدموع حبـ.ـيسة عيناه، يُحاول التماسك حتى لا يفقـ.ـد السيطـ.ـرة على نفسُه بعد ذلك، فيكفي أنَّهُ يشعُر بالعا’ر أمام “سلمان” لن يتحمـ.ـل الكثير..
نظر إليه “سلمان” بعينين تفيـ.ـضان مِن الحزن ما يكفي لأجله، هو ليس حزينًا إلّا عليه هو، فهو يعلم جيدًا كيف سيكون شعوره في تلك اللحظة ويعلم كيف يشعُر الآن، وجّه حديثه إليه وكأنه يواسيه خفيةً على عا’رٍ نُسِـ.ـبَ إليه دون أن يشعُر:
أنا عارف إنك مكسو’ر دلوقتي، ومش هتقدر تبُص فخلقتها ودا حقك بصراحة، اللِ زيها ميتبصلهاش أساسًا حتى لو نظرة شفقة، بس أنا أتخا’نت يا عمّي، بنتك طـ.ـعنتني وطـ.ـعنت رجو’لتي، ودي حاجة صـ‘ـعبة أوي على أي را’جل يتحملها، مش هقدر أوعدك بأي حاجة، عشان أنا بجد مش قادر أمسك نفسي عنها، فكُلّ مرَّة تسر’حي فيها، فكُلّ مرَّة تبقي ماسكة فيها الموبايل وسرحانة فيه بشكل مبا’لغ فيه، فكُلّ مرَّة أسألك وتحو’ري عليّا وتستغـ.ـلي عد’م تركيزي في نهاية كُلّ يوم شغل، كان بيجيلك جُر’ءة منين يبقى عقلك مع واحد متجوز وبجسـ.ـمك معايا، ومش أي واحد، جوزك أختك يا “رانيـا”، جوز أختك اللِ حتى لو الوضع وصل بيهم للطلا’ق مينفش يبقى مع أختين، هو أنتِ جـ.ـنسك إيه بالظبط ..!!
وبمثابة أن أنهى حديثه المنفعـ.ـل فيها سـ.ـقط كفه على صفحة وجهها بعـ.ـنفٍ يشهده الجميع لأول مرَّة، لم يتحمل أن تُطـ.ـعن رجو’لته ويظل صامتًا دون ردة فعل، ففي تلك المواقف الحسا’سة لا يقبل الر’جُل على نفسُه أن يُطـ.ـعن بتلك الطريقة الو’قحة، ار’تطم جسـ.ـدها في الأرض بعد أن تلقت صفعة قو’ية مِنْهُ جعلتها تشعُر بشقها الأيسر وكأنه كُسِـ.ـرَ، صفعة واحدة لم تشـ.ـفي غـ.ـليله بعد، النير’ان تآ’كله حـ.ـيًا، شيطا’نه يد’فعه لموا’صلة ما بدأه، يُخبره أن يثأ’ر لنفسُه فهي لم تر’تكب خـ.ـطًأ صغيرًا، ما فعلته خيا’نة لا تُغتفر..
_أعمل فيها اللِ يريحك ويشـ.ـفي غـ.ـليلك مِنها يا ابني، أنا بسببها مش قادر أبُص فوشوشكم، كسـ.ـرت ضهري وخلّت عيني فالأر’ض مش قادر أبُص لحد بعد النهاردة، حتى البيت مش هقدر أخرج مِنُه، العا’ر ماسك فيّا ومش هيسيبني غير بمو’تي.
تركت “زُبيدة” “يعقـوب” واقتربت مِن أبيها بخطى هادئة، وقفت أمامه والعَبرات في مُقلتيها حبـ.ـيسة، آ’لمها قلبها بشـ.ـدة بعد أن أستمعت إلى حديثه الذي جعلها تشعُر بكسـ.ـرته حقًا، رفعت كفيها تُحاوط شطري وجهه، رفعت رأسه مجددًا وهي تنظر في عيناه الباكية التي أعلنت عن كسـ.ـرته لها بعد أن حاول إخفاءها عنهم في محاولةٍ فا’شلة مِنْهُ، ردت عليه بنبرتها الباكية قائلة:
_متقولش كدا يا بابا، لا عاش ولا كان اللِ يكسـ.ـر عينك يا حبيبي ولا يحُط راسك فالأ’رض، أنتَ ربيتنا أحسن تربية ومحر’متناش مِن حاجة، عملت كُلّ اللِ تقدر عليه ومأثرتش، أنتَ خيرك علينا كبير أوي مينفعش نردهولك كدا، متعيطش يا حبيبي دموعك غا’ليين أوي على إنهم ينزلوا لناس متستاهلش، أنتَ معملتش حاجة غـ.ـلط، يعني تخرج وتمشي فالشارع وراسك مرفوعة، هي متستاهلش تشيـ.ـل أسمك ولا حد يقولها أنتِ بنـ.ـت “معتـز ثابت”، متحطش راسك فالأر’ض مهما حصل وخلّيها مرفوعة دايمًا، عشان خاطري أنا يا بابا، عشان خاطر “زُبيدة” حبيبتك مش أنتَ مبتقدرش تر’فضلي طلب وبتحبني.؟
سـ.ـقطت عَبراته بعد أن أتى حديثها بثماره وجعلهُ يشعُر بالأ’لم يأ’كله حـ.ـيًا، ضمها إلى د’فء أحضانه بعد أن أستطاع حديثها التلا’عُب بمهارة بمشاعره، وكأنه عقارًا يشـ.ـفي آلا’مًا لا يُمكن رؤيتها أو مداواتها، بينما كانا هي تمسح فوق ظهره برفقٍ مواسيةً إياه، كان “يعقـوب” ينظر لها بوجهٍ مبتسم وعينان تملؤهما العَبرات، نظرة الفخر عنوانًا صريحًا، سَعِدَ بشـ.ـدة برد فعلها وجعله يحمد ربه سرًا ويشكره لإعطاءه زوجة مثلها..
كُلّ ما شـ.ـتت تفكير “سلمان” في هذه اللحظة هي حالة أبيها التي لم يكُن يتوقعها، فهو يعلمه جيدًا ويعلم أن عزّة نفسُه هي المقام الأول لهُ، ولكن ما فعلته هي بهِ ليس هينًا ولن يَمُر مرور الكرام، نظر لها مجددًا وشعوره بالاشمئـ.ـزاز يزداد أكثر نحوها، يراها تبكي، ويكاد يقسم أنها دموع تما’سيح وليست ببشرية، نبرته فو’لاذية، خالية مِن المشاعر والعطف نحوها حينما قال:
_متتعشميش إنِ ممكن أسامح، أنا كُنت بعرف أسامح، قبل ما تطـ.ـعنيني أنتِ فضهري، مش حاسس ناحيتك غير بالقر’ف وبس، أنتِ مكسـ.ـرتنيش لوحدي على فكرة، أنتِ كسـ.ـرتي أبوكي معايا، اللِ كان يمشي وسط الناس ويمدحوا فأخلاقكم وتربيته ليكم، دلوقتي أنتِ كسـ.ـرتي ضهره وعينه، د’بحتيه بد’م با’رد ..!!
الهدوء لم يعُد حلًّا، يشعُر أنَّهُ سوف يقـ.ـتله حـ.ـيًا في أيا لحظة، أفكارًا سو’د’اء كثيرة تضر’ب رأسه، مازال يشعُر بالغـ.ـضب ومازال يشعُر بتلك النير’ان الحا’رقة تبتـ.ـلعه في جو’فها، مازال العامل لإخما’دها لم يحين وقته بعد، ولكن هو لا يستطيع أن يظل هكذا لوقتٍ أطول فهو لم يعُد يُريد رؤيتها بعد الآن، تحدث بنبرةٍ حا’دة يُلقـ.ـي ما في جعبته بوجهها دون أن يرأف بحالها قائلًا:
_أنتِ طا’لق يا “رانيـا” وبالتلاتة، عشان ميكونش في أي وسيلة تضـ.ـغط عليّا إنِ أرجعك تاني بعد كدا، والعيال هيعيشوا معايا أنا، أنا مستحيل أأ’منلك بعد كدا، مش هسيبهم معاكي وملاقيهومش بعد كدا وأظن دا مِن حقي، أحمدي ربك إنهم مش هنا دلوقتي عشان ميسمعوش اللِ أتقال على أمهم ولا يشوفوا خالتهم وهي بالحالة دي، مش هعرف أأ’منلك تاني ولا هعيش مع واحدة سا’حرة ولا خا’ينة، أنا حاسبتك بس على خيا’نتك ليا، الباقي أنا مليش علا’قة بيه هما يتصا’فوا معاكي بقى زي ما يحبوا، وعشان أبر’ي نفسي مِنك يا بنـ.ـت الناس وعشان خاطر أبوكي بس الر’اجل الطيب اللِ مشوفتش مِنُه غير الخير أنا هبعتلك حقك، وأظن أنا عد’اني العـ.ـيب أبقى متخا’ن وبدي حقوق كمان دي مفيش را’جل يستحملها، فأنتِ تحمدي ربك إنِ استكفيت بقلم بس ومقتـ.ـلتكيش.
أزداد بكاءها أكثر بعد أن خَسِـ.ـرَت كُلّ شيءٍ في غمضة عين، خَسِـ.ـرَت زوجها، وأولادها، وبالطبع عائلتها، تجر’دت مِن كُلّ شيءٍ، ألتفت هو تجاه “معتـز” واقترب مِنْهُ بخطى هادئة معانقًا إياه، برغم ما حدث وما تلّقاه مِن أبنتهِ ولكنهُ يحظى بمكانةٍ خاصة في قلبه، ففي الأخير لم يرى سِوى الخير معهُ، ربّت فوق ظهره برفقٍ وكأنه يواسيه على مـ.ـصيبته خفيةً وقال:
_ربّنا كبير وعوضك فـ “زُبيدة” يا حج، متزعلش..
أبتعد عنهُ ونظر في عيناه وأكمل حديثه:
_مِن أول ما دخلت بيتك وشوفت حنيتها عليك ومعاملتها ليك وأنا قولت دي اللِ هتطبطب على قلبه كُلّ ما يزعل، ربنا عوضك بيها أحن عليك مِن أي حد فالبيت دا صدقني، مش بقول كدا مِن فراغ بس “زُبيدة” زي أختي الصغيرة واجب عليّا أقول فحقها كلمتين حلوين عشان مشوفتش مِنها أي حاجة و’حشة، ومش عايزك تقـ.ـلق أحفادك هجيبهوملك لحد عندك مش هحر’مهم منكم مهما حصل، وقت ما تطلبهم هيكونوا عندك على طول، مش عايزك تزعل دا مكتوب ونصيب.
لا يعلم ماذا يقول، فهو جعله يشعُر بالعجـ.ـز أمامه بعد ما قاله، برغم ما حدث بينهم لم يقطـ.ـع الوصال، لم يُطالب بما لديه كي يرحل، بل واساه ورَبّت على قلبه الدا’مي الذي تُرك فوقه جر’حًا غا’ئرًا لن يلتئـ.ـم بسهولة، ألتفت بعدها تجاه “يعقـوب” ثمّ تقدّم مِنْهُ ووقف في مواجهته ينظر في عيناه مكسو’رًا، لا يعلم ماذا سيقول لهُ ولكنهُ في الأخير عانقه دون أن يتحدث، وكأنه يبوح لهُ عمَّ يعجـ.ـز الفم عن قوله..
عناقًا مليئًا بالأ’لم مِن طرف “سلمان”، والمواساة مِن طرف “يعقـوب” الذي شَعَر بهِ، عناقًا ملتهـ.ـبًا، فيه يحتر’ق جسـ.ـدًا تلقى العذ’اب، ورو’حًا إند’ست في الآ’لام، جر’وحًا لن تشـ.ـفىٰ ومشاعر لا يُمكن وصفها ولكن في الأخير كان كُلّ شيئًا واضحًا، أبتعد عنهُ ليتحدث “سلمان” بوجهٍ يُزينه بسمةٌ متأ’لمة ونبرةٍ كُسِـ.ـرَت وصوتًا قُتِـ.ـلَ:
_متعتذرش على حاجة، أنتَ معلمتش حاجة عشان تعتذر عليها، الحاجات دي مبيداويهاش كلمة، أنا بس عايزك تدعيلي، أدعيلي أنسى عشان أعرف أكمل حياتي وأشوف مستقبل ولادي، وأنتَ عارف إنك أخويا، اللِ بنا مش قليل يا “يعقـوب”، متأنبش نفسك على حاجة أنتَ معملتش غير الصح ساعتها، وهفضل على تواصل معاك، أنتَ صاحب جدع ومشوفتش مِنك غير الخير والجدعنة كُلّها، بس هنقول إيه بقى؟ هي دي سُنة الحياة، ولعل ربنا شايلي الخير فمكان تاني، المهم متنسانيش بدل ما أشيل مِن ناحيتك بجد وما هتعرف تراضيني بعد كدا.
بسمةٌ متأ’لمة تحمل مشاعر كثيرة أرتسمت فوق شفتيه، وعينان تصر’خان بأحاديث لا تستطيع الخروج، ضمه “يعقـوب” هذه المرة وسـ.ـقطت عَبراته على صفحة وجهه، ونبرةٌ متأ’لمة أبا’حت عن مشاعر لا تُرى بقوله:
_مقدرش أنساك، أنتَ مش مجرد صاحب يا “سلمان” إحنا أخوات، واللِ بينا مكانش قليل زي ما قولت، المهم إنك تبقى كويس ومبسوط مش عايز أكتر مِن كدا وتخلّي بالك مِن نفسك وولادك وأوعى متجيش زيارات بعد كدا، متحر’مهمش مِن خالتهم أنتَ كمان يا “سلمان”.
أبتعد عنهُ بعدها وهو بنظر في وجهه ليجاوبه “سلمان” بصدقٍ تام هذه المرة:
_مقدرش أعمل اللِ غيره عمله قبل كدا، هجيبهم وأجيلك وهجيبهم هنا برضوا، كُلّ حاجة هتبقى كويسة متقلقش هي مسألة وقت بس وهنتعود بعد كدا.
أبتسم “يعقـوب” لهُ ومِن بعدها بدأ “سلمان” بتوديعهم جميعًا، يتلقى مِنهم دعواتٌ صالحة وبداية جديدة لهُ، فالأمر ليس هينًا عليهم وما فعلته أبنتهم جعلهم لا يستطيعون التفوه بحرفٍ، وقف على عتبة باب المنزل وودعهم ملوحًا بيَده إليهم بعد أن أخذ أغراض ولديه ورحل بعدها دون عودة، رحل ليُشـ.ـفىٰ، وليبدأ حياة جديدة وبداية جديدة، يعلم أنَّهُ يحتاج إلى الوقت والصبر، ولكن في الأخير سيتلقى الشفاء..
بعد رحيله دام الصمت القا’تل مِن جديد بينهم، ولكن ما كسـ.ـره هو صوت بكاءها، لا شفقة، ولا حزن، بل المـ.ـقت هو ردًا على ما فعلته، اقتربت “زُبيدة” مِنها بعد أن تركت أبيها وهي تنظر لها، نظرتها كانت خا’لية مِن المشاعر، كُلّما تذكّرت تقربها مِن زوجها ومحاولة إغو’اءه وبعدها سحـ.ـرها حتى لا تستطيع الإنجاب مِنْهُ تزداد كر’اهيتها لها أكثر وأكثر، وقفت أمامها وهي تنظر لها، وكأنها تبدّلت بأخرى برحيل “سلمان”..
_متحلميش إنك هتطلبي السماح وهسامحك بجد يا “رانيـا”، عشان أنا فدي مبسامحش، ولا عُمري هسامح واحدة استكترت على أختها الفرحة وضُـ.ـفر العيل، ولا هقدر أسامح واحدة خا’ينة خا’نت أختها لمَ حاولت تاخد جوزها مِنها ومعرفتش، مش هسامح لو جيتي بتسـ.ـحفيلي، متستنظريش مِن الطيبة وش عشان مش هتلاقي بعد كدا غير واحدة أنتِ نفسك مش هتعرفيها، كفاية اللِ عملتيه..
رفعت “رانيـا” رأسها تنظر لها بوجهٍ باكي وعينان مليئتين بالحقـ.ـد نحوها، نهضت واقفة على قدميها أمامها دون أن تحيد بصرها بعيدًا عنها، تقف في مواجهتها وتصر’خ بها بعلو صوتها بنبرةٍ كستها الحقـ.ـد تجاهها:
_أنتِ اللِ المفروض متستنظريش مِني إنِ أسامحك، أنتِ د’مرتيلي حياتي كُلّها، بسببك أنا أتطـ.ـلقت ومش هشوف ولادي تاني، وهبقى قعدة هنا بين ٤ حيطان مش عارفة أكلم أهلي عشان مش راضيين يبصوا فوشي بسببك ..!!
تبـ.ـجحها أصدمهم، مازالت بعد كُلّ ما حدث تما’طل وتتو’اقح وتُنسـ.ـب أخطا’ءها لغيرها وكأنها ملا’كًا بر’يئًا تلقى الغد’ر على أيدي شيا’طين، حديثها لم يفعل شيئًا سِوى أنَّهُ أشعل النير’ان في قلب “زُبيدة” التي لم تستطع تما’لُك نفسها أكثر مِن ذلك وجذ’بتها بعنـ.ـفٍ مِن خصلا’تها وبدأت تُبر’حها ضر’بًا، لم تمنـ.ـعها صر’خاتها المتأ’لمة، أو فارق العُمر بينهما، فهي مَن توا’قحت وخـ.ـططت ود’مرت كُلّ شيءٍ ومازالت تتمادى في تو’اقحها..
كان “ضياء” سيتدخل لإبعاد شقيقته عنها ولكن منـ.ـعه يَد “يعقـوب” الذي قال بنبرةٍ جا’مدة وهو ينظر بتشـ.ـفٍ إلى “رانيـا” قائلًا:
_سيبها يا “ضياء”، أنا عايزها تشـ.ـفي غـ.ـليلها مِن ناحيتها، “زُبيدة” مش هترتاح غير لمَ تعمل اللِ يريحها تجاه “رانيـا”، سيبها.
نظر إليه “ضياء” وهو يشعُر بالتردد والقـ.ـلق، فما يحدث يجعله لا يستطيع اتخاذ القرار المناسب، بينما د’فعت “زُبيدة” شقيقتها بعيدًا عنها بعد أن أبر’حتها ضر’بًا كي تشعُر بالقليل مِن الراحة، عادت للخلف، صدرها يعلو ويهبط والعَبرات ملتمعة في مُقلتيها، نير’انًا تحر’قها ولا تعلم كيف تُطفـ.ـئها، وكأنها أقسمت على إحر’اقها حتى تتحوّل إلى ر’ماد..
أقترب “معتـز” مِنها يقف إلى جانبها، حاوطها بذراعه وقال بنبرةٍ هادئة:
_”زُبيدة” كفاية يا حبيبتي لحد هنا، هي هتفضل زي ما هي مش هتتغيّر، هتفضل زي ما هي مش مكفيها إنها خسـ.ـرت كُلّ حاجة، روّحي أنتِ مع جوزك الكلام معاها خلص خلاص، مش مكفيها إنها خا’نت جوزها لا وكمان بتئـ.ـذي أختها الصغيرة وتعملها سحـ.ـر، أنا مكسو’ف أقول عليكي بنتي، مبقتش حتى قادر أبُص فوشك ولا أوجّهلك كلمة، يا خسا’رة تربيتي فيكي بجد.
قرر “ضياء” التدخل في هذه اللحظة بعد أن فا’ض بهِ وأصبح لا يتحمـ.ـل أكثر مِن ذلك، وقف بجانب أبيه وشقيقته وقال بنبرةٍ جامدة:
_كفاية يا بابا لحد كدا، الكلام مبقاش مِنُه فايدة خلاص، أطلع عشان ترتاح أنتَ تـ.ـعبت النهاردة، خُد ماما وأطلعوا و “يعقـوب” هياخد “زُبيدة” ويرجع عالبيت، أحسن حاجة تعملها معاها إن محدش يوجّهلها كلمة، كأنها مش عايشة معاكم، وهي اللِ تخدم نفسها محدش يضـ.ـعف ويعملها حاجة لحد ما تتربى وترجع لعقـ.ـلها تاني، غير كدا أنا معرفش.
نظرت “زُبيدة” إلى أبيها الذي رفع كفه مربتًا فوق ظاهر كفها وقال بنبرةٍ هادئة:
_أخوكي بيتكلم صح، يلا خُدي جوزك وأرجعوا عالبيت، وأنا هطلع عشان أرتاح شوية، تـ.ـعبت خلاص ومبقتش قادر أسمع أكتر مِن كدا.
أعتر’ضت “زُبيدة” على حديثه بقولها:
_بس أنا مقدرش أسيبك لوحدك يا بابا وأنتَ بالحالة دي.
نظر إليها “معتـز” وقال بنبرةٍ هادئة:
_عشان خاطري يا “زُبيدة”، أسمعي الكلام يا حبيبتي ومتتـ.ـعبيش قلبي معاكي، أنا هبقى كويس متخا’فيش.
تقدّم “يعقـوب” مِنهم في تلك اللحظة محاوطًا إياها بذراعه تزامنًا مع قوله الهادئ:
_مش عايزك تخا’ف عليها طول ما هي معايا، “زُبيدة” فإيد أمينة يعني تحط راسك عالمخدة وأنتَ مطمن ومرتاح.
نظرت إليه “زُبيدة” مبتسمة الوجه ومعها “معتـز” الذي ابتسم وقال:
_أنا واثق فيك وعارف إنِ سايبها فإيد أمينة.
وبعد مرور الوقت،
كانت “زُبيدة” ترقد فوق الفراش تنظر بشرودٍ إلى سقف الغرفة، تتذكّر ما حدث في هذا اليوم العصـ.ـيب، كيف أنتهت قصصًا، وأحلامًا ور’دية رُسِمَت، انتهت المحطات لدى البعض، وبدأت محطتها هي، بداية جديدة، راحة تحظى بها، خو’فًا تبخـ.ـر في غمضة عين وسكنت الراحة محله، دعت ربها بتلك الدعوة التي تُلح بها كُلّ ليلة وهي على يقينٍ تام أنَّهُ سيُحققها لها مثلما دعت مِن قبل واستجاب إليها..
اقترب “يعقـوب” مِنها وتسطح بجانبها، أخرج زفيرة عميقة وأغمض عيناه كي يحظى بالراحة التي افتقـ.ـدها فجأةً منذ وقتٍ طويل ولأول مرَّة، سعادته خُطِـ.ـفَت مِنْهُ مِن قبل ولكن هذه المرة لن يجر’ؤ أحدهم على أن يخـ.ـطفها مرَّةٍ ثانية..
_أول مرَّة أحط راسي عالمخدة وأنا مرتاحة، مبفكرش، الخو’ف مش مرافقني زي الأول، وعندي أمل كبير أوي وعشم أكبر فربّنا إنُه يحققلي أمنيتي.
نبرتها هادئة، عينيها صافية، والراحة تسكُن فوق صفحة وجهها، وبسمة أمل رُسِمَتْ على شفتيها، بداية جديدة تخطو فيها أولى خطواتها وهي حُـ.ـرة دون قيو’د تمنـ.ـعها، لحظة وفتح عيناه والتفت برأسه قليلًا نحوها ينطر لها مبتسم الوجه، لتلتفت هي كذلك برأسها تنظر إليه بوجهٍ مبتسم وقالت بنبرةٍ دا’فئة:
_مش أنا كلامي صح برضوا.
حرّك رأسه برفقٍ يؤكد على قولها، ومِن ثمّ رفع ذراعه الأيمن عاليًا وحاوطها ضاممًا إياها إلى أحضانه مجيبًا إياها بقوله الهادئ:
_مظبوط، برغم اللِ حصل واللِ مرينا بيه مكانش سهل علينا بس أسمها عدينا الحمدلله، خلينا ننسى شوية اللِ حصل ونبُص لبُكرة، عايزين نفـ.ـك شوية مِن النكـ.ـد دا … تيجي اخدك بُكرة مِن أول اليوم لأخره.
نظرت لهُ بوجهٍ مبتسم وقالت متسائلة:
_هتوديني فين.؟
فكّر “يعقـوب” قليلًا ثمّ جاوبها بنبرةٍ هادئة:
_نفطر سوى الأول برَّه، وبعدين أخدك ونروح نشوف الاهرامات، هنتمشى هناك وهنركب الجمـ.ـل، بعدها ممكن نتمشى هناك شوية ونطلـ.ـع عالنيل، مركب حلوة مِن اللِ بيطلعوا فآخر النهار دول نفـ.ـك عن نفسنا وتشوفي الغروب بيبقى تُحفة، بعدين أكيد هنكون جوعنا فنروح نتغدى ونروح أي مكان تحبيه، لو بتحبي الأفلام الأجنبي نروح عالسينما ونشوف حابين نشوف إيه، اليوم كُلّه بتاعك لو مش عايزة السينما مش مشـ.ـكلة شوفي المكان اللِ نفسك تروحيه ونروح.
أتسعت بسمتُها على شفتيها أكثر وغمرتها السعادة، لا تُصدق أنَّهُ سيفعل ذلك بالفعل لأجلها، منذ أول زواجهما وهي كانت تُريد عيش تلك اللحظات معهُ، كانت تُريد بنا’ء ذكريات كثيرة برِفقته تتذكّرها في أيا لحظة، ولكن ما حدث د’مر لها كُلّ شيءٍ وجعلها تعيـ.ـسة، ولكن اليوم هو عاد لسابق عهده وسيُحقق لها ما تمنت مِن قبل، كانت سعيدة بشـ.ـدة ولذلك ضمته بشـ.ـدة وقالت بنبرةٍ غمرتها الفرحة وكأنها طفلة صغيرة ستقضي يوم العطلة مع أبيها في الخارج..
_”يعقـوب” … أنا بحبك أوي.
_و “يعقـوب” كمان بيحبك أوي.
لحظة صافية وهادئة، تنبـ.ـض فيها القلوب، وتعترف بالمخبو’ء عن الحبيب، لحظة تمنوها أن تأتي، وكأنها شيءٌ محرم عليهما أن يحظيا بهِ، ولكن بعد هذا العناء يستحقا أن يكونا هكذا الآن، يخـ.ـططان لحياتهما سويًا في المستقبل.
________________________
<“خطوةٌ واحدة تُحدث الفارق.”>
قُبَيْل العصر كانت العيادة هادئة، ألو’انًا صا’فية تُريح العقـ.ـل، وهدوءًا ساكنًا يتمـ.ـلّك مِن القلب، كانت عيناه تجوب في المكان منذ مجيئه، يُفكر في تلك الخطوة التي أتخذها مؤخرًا، هل ما سيفعله هو الصواب لهُ أم لا، تشـ.ـتت ولكن كان هو الداعم لهُ، كان صاحب تلك الفكرة بعد أن ر’فض رؤيته يسـ.ـقط كُلّ يومٍ بتلك الطريقة وهو يشاهده دون أن يأخذ خطوة لأجله..
الوقت كان يَمُر ببطءٍ شـ.ـديد، وكأنه يتعمـ.ـد اللعب بأعصا’به، كان متوترًا حتى جاءه صوتها تخبره بأن يولج لهُ، كانت متوترًا بشـ.ـدة بعد أن جاءت اللحظة الحاسمة، وأول مَن استغاث بهِ كان أخيه الذي طمئنه وشجعه على الولوج حتى يبدأ بالتخلـ.ـص مِن هذا الكابو’س الأسو’د الذي يطا’رده منذ زمنٍ طويل..
وَلَجَ “حليم” بالفعل إلى الغرفة مغلقًا الباب خلفه، وقف ينظر بحذ’رٍ إلى أرجاء الغرفة متأملًا إياها، كانت بيـ.ـضاء اللو’ن، بسيطة وأثاثها بسيطًا يُشعر النفس بالراحة، مقعد كبير ووثير يعلمه جيدًا ويجاوره مقعد الطبيب..
_تعالى يا “حليم”.
صوتًا هادئًا دعاه للولوج، وكأنه قرأ ما يدور داخل رأسه ورأى صرا’عاته الداخلية، تقدّم “حليم” بخطى هادئة ليرى شا’بًا بنفس فئته العُمرية تقريبًا ينتظره، كان بشوشًا، يبتسم في وجهه، معالم وجهه هادئة وكأنها تجبـ.ـره على تقبُله، مدّ الشا’ب كفه إليه وقال بنبرةٍ هادئة وابتسامة جميلة تزين شفتيه:
_أزيك يا “حليم”، أنا أسمي دكتور “مارتن مايرون”، ممكن تقولي “مارتن” عادي بدون رسميات إحنا مِن سِن بعض تقريبًا.
مدّ “حليم” كفه وصافحه دون أن يتحدث، بسمةٌ خفيفة ارتسمت فوق شفتيه فقط كانت إجابة لهُ، أشار إليه “مارتن” تجاه المقعد وقال:
_أرتاح.
استلقى “حليم” على المقعد الطويل وجلس “مارتن” فوق مقعده، أرتدى نظارته الطبية السو’د’اء وفتح دفتره وقال بنبرةٍ هادئة:
_أزيك يا “حليم”.
صمتًا تام خيّم على المكان بعدها، ليس تقليلًا مِن شأن الآخر، ولكن كان للتفكير في إجابة هذا السؤال، لأول مرَّة يُفكر في إجابة لسؤالٍ سخيفٍ كهذا، لم يكُن يتخيّل أن تصل بهِ الأمور إلى هذه النقطة ولكن ها هو بالفعل قد وصل إليها، وأصبح يُفكر في الإجابة لها، دقائق وجاوبه قائلًا:
_مش عارف، مش عارف إذا كُنت كويس أو مش كويس، لأول مرَّة أفكر فإجابة لسؤال زي دا.
نظر إليه “مارتن” وقال بنبرةٍ هادئة:
_لو حاسس بحاجة دلوقتي حتى لو ملهاش علا’قة بالسؤال دا ممكن تقولها عادي، أي رد ييجي على بالك قوله مهمًا كان.
كانت أولى الخيو’ط التي تُقدّم إليه، وكأنه يُعطيه مفتاح الحياة ويسمح إليه بالانطلاق وفعل ما يُريده، وبدأ الحديث بينهما يطول:
_مش مرتاح، مش عارف أعيش، هو ليه ممكن يعمل كدا، ليه يفكر إنُه يئذ’يني كدا ويحسسني إنِ غير أي حد تاني، ليه بيحسسني إنِ أقل مِن اللِ حواليا، كأني حشـ.ـرة أخرها يتد’اس عليها وتمو’ت، ليه حسسني إنِ متحبش، حسسني إنِ متخـ.ـلقتش عشان أحب واتحب بالعكس، عشان أكون لعبة بتتحرك بطو’عه وزي ما هو عايز.
سأله “مارتن” وعيناه تركزان فوق وجهه قائلًا:
_تحب نتكلم عن الشخص المجهو’ل اللِ لقبته بـ “هو”.؟
جاوبه “حليم” بنبرةٍ هادئة بقوله:
_لا مش حابب أخليه جُـ.ـندي مجهو’ل، حابب أفضـ.ـحه، أبويا، اللِ د’مرلي حياتي وخلّاني تعيـ.ـس، مر’يض نفـ.ـسي، شاطر يبـ.ـني صورته على أنقا’ضي ويشـ.ـكلني بين إيديه زي حتة الطـ.ـين، وأنا صغير كان يقولي إياك تعيط، تعيط ليه العياط دا ضـ.ـعف، البنا’ت بس بتعيط الرجا’لة لا عـ.ـيبة كبيرة لو را’جل عيط، يشوفني بضحك يقولي بتضحك ليه، مش أي حاجة بنضحك عليها أتعلم، خليك را’جل خشـ.ـن، الضحك لُه أوقاته مش عمّال على بطّال زي البنا’ت الما’يعة، يقولي متخد’مش حد الناس دي مصالح مش حُبًا فيك، وأنا كُنت صغير كُنت بخا’ف مِنُه أوي وعشان كدا كُنت بسمع كلامه ومبقد’رش أقوله لا، ما أنا كُنت فاهم إن مفيش أب هيئذ’ي أبنه.
انحنى “مارتن” للأمام قليلًا وسأله قائلًا:
_وآذا’ك، مش كدا.؟
نظر “حليم” إلى سقف الغرفة قليلًا ثمّ جاوبه قائلًا بصوتٍ مر’تجف:
_دخلني المـ.ـصحة دي مش علشان خا’يف عليّا، علشان يثبت إنِ مجـ.ـنون، عشان محدش يصدقني لو حكيت عنُه، اشترى تقارير، واشترى سكوت الناس، واشترى حتى عـ.ـقلي.
تحدث “مارتن” بنبرةٍ هادئة وقال:
_بس هو مقدرش يشتري قـ.ـلبك، لأنك لسه قا’در تحسّ، ولسّه عندك صوت، والصوت ده بيحكي دلوقتي.
جاوبه “حليم” بعد أن نظر إليه بعينين دامعتين هذه المرة بعد أن بدأت قو’اه تضـ.ـعف كُلّما تعـ.ـمقت الجلسة:
_أنا بكر’هه أوي، متخيلتش أكر’ه حد بالطريقة دي، ومش قا’در أرجع أحبُّه تاني.
جاوبه “مارتن” كذلك بقوله الهادئ:
_وانتَ مش مُطالب تحبه، انتَ مُطالب بس تلاقي نفسك بعيد عنُه.
ساد الصمت المكان بينهما، كُلّ ما كان يُسمع هو صوت عقا’رب الساعة، لحظة ونظر إليه “حليم” وسأله بنبرةٍ هادئة بقوله:
_لو لقيتني … أرجع أحكيلك.؟
أبتسم إليه “مارتن” وجاوبه بنبرةٍ هادئة بقوله:
_أنا هنا عشان أسمعك … كُلّ مرَّة.
خُطوة واحدة كان يجب أن يخطوها حتى لا يظل عا’لقًا في سجو’ن الماضي، أراد أن يكون جر’يئًا لخو’ض أول خطوة في طريق الشفاء، فبعد إلحا’ح “صلاح” وإصرار “ريم” خضـ.ـع هو لهما، حتى وإن أخرج جزءًا صغيرًا مِن معا’ناته فلا بأ’س، فقد بدأ الخـ.ـيل يتحر’ر مِن قيو’د الماضي ليمضي في الحاضر ويتطلع إلى المستقبل، فهذا ما يُريدون أن يصل هو إليه، وهو لأجل أحبائه سيفعل أيُ شيءٍ، مهما كانت الظروف ومهما كانت التحد’يات.
__________________________________

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية جعفر البلطجي 3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *