روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الثامن والثمانون 88 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الثامن والثمانون 88 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى البارت الثامن والثمانون

رواية صرخات أنثى الجزء الثامن والثمانون

صرخات أنثى
صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الثامنة والثمانون

فزع بمنامته فور أن استمع لصوتها المنادي بإسمه، كاد قلبه أن يسقط في مقتلٍ، حينما ظن أن النوبات عادت لها بعدما تخلت عنها منذ فترة طويلة.
أحاط “علي” كتفيها، وهو يسأله بهلعٍ:
_مالك يا فطيمة؟ حاسه بأيه؟
نقلت بصرها عن الهاتف إليه، ورددت بشفتي مرتعشتان:
_عُمران يا علي.. عُمــران!
انقبض قلبه وهو يراها تتطلع للشاشة ودموعها تنهمر دون توقف، فسيطر على أعصابه بصعوبة، وردد باتزانٍ يتشبث به:
_ماله عُمران؟!
قدمت له الهاتف وهي تعيد خصلات شعرها القصير للخلف بارتباكٍ، بينما يقرأ علي محتوى رسالة التهديد بالقتل الموجهة بكل جراءة لأخيه.
رفع رأسه لها يسألها بغضب:
_مين الحقير ده؟ وبأي حق يهدد عُمران بالوقاحة دي؟
ضمت ساقيها إليها وقالت تجيبه ببكاء:
_دي شركة غريبة بتحاول بكل الطرق تخلي عُمران يوقف كل المشاريع اللي ابتدى فيهم في مصر، عايزينه يستثمر بره في لندن أو أي دولة من الدول الاوروبية، وكل ما كان بيرفض كان بيزودوا نسبة الأرباح لشراكة المفروض إنها هتم بينه وبينهم، وهما أصلًا شركة واهمية ملهاش وجود.
وتابعت وهي تشير على الهاتف بانهيار:
_ولما رفض زي ما أنت شايف بيهددوه بالقتل!
أحمرت رماديته غضبًا، وهدر بوعيدٍ قاطع:
_مفيش مخلوق هيمس من أخويا شعرة وأنا على وش الدنيا.
وقدم لها الهاتف، ثم جذب هاتفه:
_ابعتيلي اسكرينات بالمحادثة دي، أنا مش هسكت على الكلاب دول!
*****
السابعة صباحًا.
الرنين الثاني عشر للهاتف الذي لم يتوقف طوال الليل عن الرنين، مال آيوب بنومه على وجهه، واضعًا الوسادة فوق رأسه، في محاولةٍ بائسة للنوم، وحينما فشل تمتم بنعاسٍ:
_ سيف قوم رد يا تعمل أم التليفون ده صامت!
مال لجانبه يسترخي بنومته المريحة، وصوته المحتقن يخبره:
_رد إنت، قولهم الدكتور أجازة النهاردة، وشدد إن محدش يزعجني.
فتح فيروزته يطالعه بسخطٍ:
_دكتور أيه اللي أجازة، هو إنت لسه لحقت!! ده دكتور علي هيرزعك إستقالة رفد فورية متقربش بعدها لأي مستشفى!
ضم الوسادة إليه، غير عابئ بحديثه:
_رد أو ولع فيه، القرار ليك!
سحب ذراعه من أسفل الوسادة التي يضمها سيف، هادرًا بانزعاج:
_يا عم إيدي!!
وتابع بعصبية وهو يتفحص الفراش المجاور له:
_وبعدين أنت مش كنت نايم على السرير اللي جنبي، أيه اللي جابك هنا، أنا قايم مدغدغ من لزقتي في الحيطة!
سحب سيف الغطاء يداثر به رأسه، فهتف آيوب بسخرية:
_على الاساس إن صوتي كده مش هيوصلك يعني! ولا يكنش اللحاف بتاعنا كاتم للصوت!
اختنق من تجاهله التام لحديثه، ومال يسحب هاتفه المزعج بالنسبة له، حرر الاجابة ووضعه تلقائيًا على أذنيه ويده تفرك عينيه بنومٍ، كاد أن يطلق التحية المعتادة لاستقبال أي مكالمة، ولكنه فزع محله فور ان استمع لصوت الصراخ الهادر:
_واخا اسيف، ياك انا دير فيا كيما هاكا،
واخا!!! دابا بكل هدوء غدي تصيفط ليا بريتي و تطلقني من سكات، نلقاها على المكتب ديالي قبل ما نوصل لصونطر، و الا و الله العظيم حتى نفضحك في الصونطر كله
(بقى أنا تعمل فيا كده يا سيف، طيب بمنتهى الهدوء كده تبعتلي ورقة طلاقي، ألقيها على مكتبي قبل ما أوصل المركز، والا والله العظيم أفضحك في المركز كله.)
أغلقت الهاتف بوجهه، بينما يسحب “آيوب” الهاتف عن آذنيه مصعوقًا بما استمع إليه، ومال يجذب ذلك الذي يغفو بمنتهى السلام، كأنه لم يترك من خلفه تلك الأنثى الشرسة!
لكزه سيف بعنف وعاد يضم الوسادة من جديد، فركله آيوب عن الفراش ليفصل بينه وبين الوسادة هادرًا بعنف:
_سيب أم المخدة اللي مكلبش فيها دي وفوقلي، أقسم بالله عندها حق لما طلبت الطلاق، لانك تستاهلها وبالجامد.
جلس سيف على أرضية الرخام، يكبت فمه المتثأب، وسأله وهو يجاهد النوم:
_هي مين دي اللي طلبت الطلاق؟
أجابه بابتسامة واسعة:
_دكتورة زينب.
عبث بعينيه بصدمة:
_وإنت شوفت زينب فين؟
قذف الهاتف بوجهه، وهو يخبره:
_مش إنت اللي قولتلي رد قولهم الدكتور مش فاضي، لسه بفتح إنفجر في وشي كمية تعاويذ او طلاسم تقريبًا كانت بتعملك عمل تتسخط قرد أول ما تفتح الفون، بس يالا جيت من نصيبي والحمد لله قدر الله ما شاء فعل.
وسحب آيوب الوسادة ثم تمدد وهو يضمها مثلما كان يفعل سيف، انتفض الأخير يجذبه بهمجيةٍ:
_قوم يا بارد كلمني، قالتلك أيه؟
رد عليه بانزعاجٍ:
_ما انا قولتلك قالت كلام كتير ومفهمتش منه حرف أكتر من جملة طلقني من سكات!!
جلس جواره يحيط بذقنه بتفكيرٍ:
_ده كده الموضوع قلب جد!
أكد له آيوب وهو يسترخي بنومته من جديد:
_جد الجد، إلحق لمه بقى قبل ما يوسع منك، ووقتها هتخسر أخوك معاه، الراجل اتمرمط لحد ما لقى اللي تليق بيك.
سحب سيف هاتفه، فصعق وهو يتأمل عدد المكالمات والرسائل المرسلة إليه، وجميعها باللغة المغربية، التي تنم على عصبية زوجته البالغة، فحينما يحتد بينهما النقاش كانت تتحول نبرتها للمغربية تلقائيًا.
حرر زر الاتصال بها في محاولةٍ لانقاذ ما يمكن إنقاذه، فاذا به يبعد الهاتف عنه وهو يهتف في صدمة:
_بلكتني!
أتاته ضحكات آيوب تجلجل، وشماتة واضحة في جملته:
_تستاهل، عشان تجرب!
وختم قوله باستمتاعٍ:
_داين تدان يا مان!
ألقى سيف هاتفه، وانقض عليه يكيل له الضربات، بينما الاخير لا يستطيع الدفاع عن ذاته من فرط الضحك.
انفتح باب الغرفة وظهر “إيثان” من أمامهما، يلتهم قرص الفلافل وهو يتابعهما ببرودٍ تام، مال سيف جواره يتطلع له بازدراء، وكذلك آيوب الذي يتأفف بانزعاجٍ، قذف إيثان قطعة إضافية من الفلافل، ومازال يحمل الكيس البلاستيكي، وحينما وجدهما يتطلعان إليه، ردد باستغراب:
_وقفتوا ليه؟ خدوا راحتكم البيت بيتي بس مفيش فرق بينا!
مال سيف لآيوب يسأله بدهشة:
_مش دي شقة يونس ابن عمك؟
هز رأسه يؤكد له، بينما يسحب إيثان المقعد ويقربه منهما، واضعًا ساقًا فوق الآخرى،ويستكمل إلتهام الفلافل:
_لا مهو أي حاجة تخص المعلم يونس تخصني وش!
نهض آيوب يتجه له، وهدر من بين أسنانه بغيظٍ:
_هو إنت مش ناوي تحل عني يا إيثان؟
قذف قرص الفلافل وإلتقطه بفمه ببراعةٍ، وقال وهو يلوكه ببرودٍ:
_لأ.
طرق يُونس على باب الغرفة،وقال مبتسمًا:
_الفطار جاهز يا شباب، غيروا هدومكم بسرعة،عشان الشيخ مهران مستنينا تحت،هيجي معانا المستشفى، عايز يطمن على حضرة الظابط.
جذب سيف ملابسه من الحقيبة وأرشده آيوب للحمام، بينما دنا يُونس من إيثان يلتقط منه الكيس البلاستيكي، يتفحصه بصدمة:
_إنت أكلت الطعمية كلها؟
أجابه وهو يلوك أخر ما تبقى بتلذذٍ:
_آه.
دفعه للخلف وهو يصيح بانفعال:
_إنت عارف أنا وقفت في طابور عامل ازاي عشان أجبها!
رد عليه بابتسامة واسعة:
_فدايا.
احتقنت فيروزته غضبًا، فدفعه لباب الغرفة وهو يصدر أمره النافذ:
_ربع ساعة وألقيك قدامي بالطعمية ولو إتاخرت يا إيثان هخلي يومك شبه لبسك اللي مش باينله ملامح ده.
تفحص ملابسه التي كانت عبارة عن بنطال أسود قطني ، وتيشرت أسود فضفاض للغاية، بتبع موضة الشباب المنتشرة:
_ماله اللبس، ده أخر موديل، إيش فاهمك إنت في الموضة.
صرخ بوجهه بغضب:
_هات الطعمية وإطلـــع، غـــــــــور.
ارتمى لباب الغرفة بفزع منه، واستدار يخبره بضجرٍ:
_متزعقش، نازل أهو!
ربت آيوب على كتف يونس بفخر والفرحة تتراقص بعينيه:
_عاش يا يُونس، اديله على دماغه الرزل ده.
مال له يتفحص ما يرتديه بتفحصٍ:
_وجنابك ملبستش ليه؟ أنا قاعد هنا في حضانه، ما تنجز يالا!
كبت ضحكاته بصعوبة، وقال وهو يعيد خصلاته المنهمرة للامام:
_هنزل أغير وطالع، خد بالك من سيفو أما أجي.
همس بصوتٍ منخفض، وهو يراقب باب الحمام:
_متخافيش على ابنك في عنيا.
انفجر كلاهما من الضحك، وكلًا منهما يضرب الاخر بالكف، فإذا بذلك الصغير يفرقهما، وهو يهتف بانزعاج:
_انا مش عارف انام من صوتكم، أنا هطلع عند ماما فوق ومش هنام معاك تاني يا بابا يونس ولا معاك يا آيوب
وتركهما فارس وغادر بتأفف، فازدادت ضحكات كلًا منهما، وبالاخص حينما قال آيوب:
_حتى الواد طفش!
*****
انتهى “إيثان” من شراء الفلافل وبعض الاغراض التي شراها بمحبة لاستقبال صديق آيوب، واستدار ليعود لمنزل الشيخ مهران، فتفاجئ بخطيبته تقف مع شابٍ باحد الشوارع الجانبية، تبكي وهي تتمسك بيده، وعلى ما يبدو بأنها تتوسل إليه!!
جحظت مُقلتيه بشكلٍ جنوني، وحرر صوته المتحشرج يناديها:
_كريستيــــــــــــن!!
انتفضت بوقفتها بفزعٍ، بينما سحب هذا الشاب يده وهرول راكضًا، استغرق “إيثان” دقيقتين حتى تمكن من المرور من بين زحام المواصلات ليصل إليها.
تشبثت بحقيبة يدها بخوفٍ، والارتباك والتوتر كافيلان بقتلها في الحال، رنا إليها يتساءل بعصبية بالغة وهو يجذبها من مرفقها بعنف:
_مين الحقير اللي واقفه معاه وماسكة إيده بمتتهى البجاحة ده؟ ثم إنك بأي حق تخرجي بدون إذني.
ابتلعت ريقها الجاف بصعوبةٍ بالغة، وحينما استجمعت شتات ذاتها نطقت:
_ده.. آآ… ده.. آآ..
شدد من جذبها بعنفٍ، والغيرة تنهشه حيًا:
_ده أيـه، إنطقــــــــــي!!
أبعدت يديه عنها وهي توزع عينيها بين وجوه المارة الذين انتبهوا لصراخه:
_إيثان من فضلك سبني، الناس بتبص علينا.
زادت كلماتها من غضبه الهالك، فصاح ساخرًا:
_والناس مكنتش فارقة معاكي وإنتِ ماسكة ايد راجل غريب يا محترمة!
رفعت عينيها الباكية إليه، وقالت برجاء:
_عشان خاطري الناس بتتفرج علينا، أنا هحكيلك كل حاجة بس سيب ايدي.
تمعن بها لثوانٍ، ومن ثم سحب عنها يده، ووقف يسألها في هدوءٍ لم يصل لعينيه:
_مين ده؟
ازدردت حلقها بتوترٍ، وودت كأنها تبحث عن إجابة لسؤاله، وبعد صمتًا طال بها، قالت:
_ده أخو واحدة صاحبتي، مانعها تنزل الجامعة والامتحانات خلاص قربت، فكنت بترجاه إنه يسيبها تنزل، حرام يضيع عليها السنة.
منحها نظرة جامدة، وسكون كان مريبًا لها، فإذا به يشق الصمت بسؤاله :
_وأخو صاحبتك يهرب ليه بالطريقة دي لما يشوفني؟
عبثت بأصابعها بخوفٍ، وقالت بثباتٍ:
_وأنا أعرف منين، أنا اتفاجئت زيي زيك بالظبط!
أطبق بشفتيه ببعضهما على بعض، وأشار لها بعنف:
_هبلع اللي قولتليه مع إنه مش مهضوم، بس خروجك من غير إذني مش هعديهولك.
وتابع بحدة وحزم:
_امشي قدامي، هوصلك وليكِ روقة يا بنت إيفون!
****
انتهى عُمران من قراءة ورده المعتاد على هاتفه، بصوته العذب، فتسلل له صوت تأوُّهات “آدهم” الخافتة، نهض يحمل سجادة الصلاة، وضعها على الأريكة وإتجه لسريره، ينحني وهو يتفحصه، فوجده يغفو وملامحه يتشربها الألم.
هز كتفه برفقٍ وهو يناديه:
_آدهم، سامعني!!
فتح عينيه يحاول رؤيته من بين الظلام المفروض أمامه، لم يعتاد بعد عليه، رفع “عُمران” سنادة الفراش العلوي، ليتمكن من معاونته بالجلوس، فوجده يضم جانبه بألمٍ يعتصر وجهه.
سيطر القلق على عُمران حينما رأه هكذا، فقال وهو يستعد للخروج:
_هشوف الدكتور.
أوقفه وهو يتحكم بصوته المبحوح من فرط تألمه:
_استنى.
عاد يجاوره ، فوجده يسأله بلهفة:
_شمس فين؟
حانت منه نظرة لشقيقته، حيث تغفو محلها تلتحف بجاكيته الطويل، مثلما تركها، رد عليه يطمئنه:
_نايمه مكانها.
ضغط آدهم على جانبه يعتصره من شدة الألم، وتمتم:
_بلاش تنادي الدكتور مش عايز أقلقها، كفايا اللي شافته وأتعرضت ليه بسببي.
وتابع وهو يشير على أحد الأدراج التي تجاوره:
_في هنا حقنة مسكنة، سابتها الممرضة بليل احتياطي.
على الفور فتحه عُمران وبالفعل وجد آبرة طبية، يجاورها علبة زجاجية كبيرة، سحب محتوياتها بالآبرة الكبيرة، ومال جواره يسحب يده، يسكبها برفق وبحذر داخل الكانيولا، حتى انتهى منها.
سحب آدهم ذراعه ووضعه فوق عينيه، ثم مال يسترخي بجلسته، وهو يحارب كل وجع يعتصره، يحافظ على قوته قدر المستطاع، ليس رجلًا عاديًا لينازع أمام أحدٌ، لقد زرع فيه قائده شموخ لا يحنيه أحدٌ، حتى وإن زاد عليه التعب.
راقبه عُمران بحزنٍ مزق قلبه الحنون، من يعهد شخصية بقدره، ينسب لها القوة والقسوة، ولو قيل له أنه يمتلك قلبًا رقيق كالعصفور لم يصدق، ربما لذلك هو لغزًا متنقلًا، مهما تيقنت أنك جمعت أبوابه، ستفقد كل إرشاداتك فور دخولك إليه.
ترك له عُمران مساحة العشر دقائق، وحينما شعر بهدوء أنفاسه المتحشرجة بانفعالٍ، سأله برفقٍ:
_أحسن دلوقتي؟
أزاح يده وهو يجيبه بابتسامةٍ هادئة:
_الحمد لله أحسن، تسلم يا دكتور.
ابتسم عُمران وجلس جوار ساقيه، يمازحه بسخرية:
_والله ما أنا عارف أنا وظيفتي أيه في وسط الكوسة دي، بس عشان هبلعها.
ضحك آدهم وشكك بقوله:
_عشاني!! يعني مش عشان شمس!
رد عليه ورماديته تحيط موضع شقيقته بحنان:
_لأجلها تكرم ألف عين!
ابتسم آدهم وعلامات الانبهار تحتل ملامحه الوسيمة، لطالما كانت علاقة شمس بأشقائها تثير إعجابه، وبالأخص علاقتها بعمران، استدار تجاهه فلاحظ إبتسامته، ولا يعلم لما شعر بالضيق من نفسه، فرفع ساقيه يربعهما وهو يعتدل بجسده كليًا تجاهه، ثم قال بضيقٍ:
_آدهم أنا يوم ما كلمتك يوم فرحك مكنش تدخل مني في حياتك، أنا عارف أن إنت وشمس ليكم حياتكم الخاصة، اللي مينفعش لا أنا ولا غيري نكون فيها، بس اللي حصل كله قلقني.
وأضاف يوضح له عن سبب قلقه الصريح:
_لما صارحتني بحوار آيوب، إتفقنا أنا وإنت انك هتمهدله الموضوع واحدة واحدة وبعد كده أنا هكون معاه، وهفهمه، فجأة لقيتك باعتلي رسالة أنك قولتله كل حاجة!! وأتفاجئ إنك سفرت مرة واحدة!! التوقيت نفسه كان غريب، وسفرك أغرب لإنك مش من عادتك تهرب من المواجهة، كل ده قلقني وخلاني أشك إن في حاجة حاصلة معاك.
اتسعت إبتسامة “آدهم” لما يستمع إليه، فضيق الاخير عينيه وتساءل باستغراب:
_أيه اللي بيضحك في كلامي؟!
أجابه ومازال يحتفظ بابتسامته:
_شخصيتك غريبة بس تعجب الباشا.
واستطرد بمكرٍ:
_شكل كده هطلع من حوار تعبي ده بمصلحة، وأخيرًا الحرب بينا هتنتهي يا طاووس.
بدد أماله جميعها حينما قال:
_مش بالظبط، ما أنا قولتلك بتسلى!
قهقه ضاحكًا، وصاح يشاكسه:
_وماله اتسلى براحتك بس خد بالك أنا عندي صبر وعزيمة تتوب اليهود.
طرق على ساقه قائلًا بسخرية:
_كله هيبان مع اللي جاي يا حضرة الظابط.
ونهض عن الفراش، يتجه إلى شقيقته، يحاول أن يوقظها قبل أن يأتي أحد الاطباء، فإذا بها تبتسم وهي تردد بدلالٍ:
_آدهم!
أجابها عُمران ساخطًا وهو يستدير تجاه هذا الضاحك:
_حتى في الاحلام مش عاتقها، حل عن البنت أحسن ما أحلك أنا!
رفع يديه باستسلامٍ ومازال يتطلع أمامه:
_عملتلك أنا أيه دلوقتي، أنا أهو قدامك راقد على سرير في مستشفى! أعملك أيه تاني عشان توصل لمرحلة الارتياح؟ أكهربلك نفسي ولا أقطعلك شريان؟
ذم شفتيه ساخرًا:
_قال يعني هيقصر فيك! ده إنت سفاح يابا!
ازدادت ضحكات آدهم بلا توقف، وخاصة حينما سأله عُمران بجدية مضحكة:
_قال قولي يا آدهم هو إنت أيه اللي دشملك كده، كنت ناوي تقذف الرعب في أوراكهم فقذفوك هما من الدور العشرين، ولا إنت ملقتش تعمل النمرة؟
تعالت ضحكات آدهم حتى أدمعت عينيه، بل وأجابه بضحكة:
_لا قذفوني بصاروخ أربجي فجر العربية!
ضحك عُمران وعاد يحرك شقيقته، التي فتحت عينيها بابتسامة واسعة، تلاشت فور أن رأت من يقابلها، استندت على جذعيها ونهضت تردد بحرج:
_عُمران؟!
ربع يديه أمام صدره يطالعها بنظرة ساخرة:
_كنتِ متوقعة تشوفي مين غيري؟ اللي بتحلمي بيه مش قادر حتى يقوم يصحيكِ يا حبيبتي!
اعترض آدهم حديثه قائلًا بمشاكسة:
_بكره أصحيها وأعملها أحلى فطار بايدي، أنا تحت أمر شمس هانم.
احتقن وجه شمس من فرط خجلها، وابتسامة عشقها له تتربع بين مُقلتيها، ابتسم عُمران وهو يتابع فرحتها، وتنحنح ليلفت انتباهها بخشونة:
_ادخلي اعدلي طرحتك، الدكتور زمانه على وصول.
هزت رأسها في طاعةٍ، وولجت لحمام الغرفة ترتب حجابها بالكامل.
******
استند إيثان على سيارته ينتظر الشيخ مهران والشباب بالاسفل، كان شاردًا بذلك المشهد الذي أجج فيه النيران.
كان “يونس” أول من هبط إلى الأسفل، فأسرع إليه يعاتبه بضيق:
_مقعدتش تفطر معانا ليه؟ رميت الاكياس على السفرة وجريت زي العيل الصغير!
وقدم له كيس بلاستيكي صغير، وعلبة من العصير المعلب:
_عملتلك كام سندوتش من صنع إيديا، ألف هنا على قلبك يا إيثو.
أبعد يده عنه وهو يهتف بهدوء:
_مش جعان.
ضيق فيروزته بدهشةٍ، لحقت نبرته:
_مش جعان إزاي إنت مأكلتش حاجه من الصبح.
وعاد يقرب ما بيده له، فألقاه إيثان على مقدمة السيارة هادرًا بانفعالٍ:
_مقولتلتك مش متزفت يا يونس، متعصبنيش!
تفحصه يونس بنظرة دقيقة، كادت ان تتسلل لأعماقه، وبقلقٍ سأله:
_أيه اللي حصل؟
مال لمقدمة سيارته يضم ذراعيه أمام صدره الهابط بعنفوان من فرط تعصب أنفاسه، عبثت قدمه بالأرض، ومن ثم رفعها إليه:
_شوفت موقف مش مفهوم ولا داخل دماغي.
سأله بجدية واهتمام:
_موقف أيه ده؟
تنهد بتثاقلٍ، جعله مهمومًا:
_كريستيـن كانت واقفة مع شاب غريب وماسكه ايده، وكان باين أن بينهم حاجه مش عارف بالتحديد، بس لما قربت منهم الواد جري وهي كانت مرتبكة بشكل غريب.
تمعن بحديثه جيدًا، وطرح سؤالًا عقلاني:
_مسألتهاش مين ده؟
أجابه وفمه قد تقوس بعدم اقتناع:
_ألفت عليا حوار، فكسان ميدخلش مخ عيل صغير.
وتابع وهو يسحب نفسًا طويلًا:
_انا شاكك أن الموضوع ده فيه حاجة، وحاجة كبيرة كمان.
أراد أن يجاري عقله، فسأله بوضوح:
_قصدك إن في حاجة بينهم؟
هز رأسه معارضًا بشكلٍ نهائيًا لما يقول:
_لأ، كريستينا عمرها ما حبت غيري، إذا كان كانت مخلصة ليا وأنا مش شايلها من أرضها، هتيجي وأنا واقع في حبها وهتخون… لأ يا يونس الموضوع في حاجه مريبة، وكدبها عليا مزود شكوكي.
مال يستند جواره، يقدر حزنه وقلقه، ذلك المشاكس المبتسم بشكلٍ دائم، ما أن يسكن الهم وجهه، تجد عالم يونس بأكمله ينهار تدريجيًا!
بقى صامت لدقيقتين، ثم قال بثباتٍ عقلاني:
_حاول تتكلم معاها مرة تانية، تحسسها بالأمان، وإنها لو مخبية عنك شيء وفاكرة إن رد فعلك هيكون عنيف فده بالعكس تمامًا، والافضل متكلمهاش وهي ببيت والدتها، يمكن تتردد تتكلم لحد من أهلها يسمعها، خرجها خروجه حلوة وحاول تعرف منها تفاصيل أكتر عن الموضوع.
هز رأسه باقتناعٍ تام، وهمس بعزيمة:
_هعمل كده أكيد.
هبط الشيخ مهران برفقة سيف وآيوب، فصعد يونس برفقة إيثان بسيارته، وصعد آيوب والشيخ مهران بسيارة سيف التي أحضرها يوسف بالصباح لأخيه، واتجه بسيارة أجرة إلى المطار لاستقبال زوجته.
كان آيوب مهمومًا، منزعجًا من ذهابه إلى منزل مصطفى الرشيدي، ود لو أرسل أحد الشباب ولكنه الوحيد الذي سمح له آدهم بدخول منزله وغرفته الخاصة، حتى وقت زفافه كان يعاونه بكل مستلزماته الخاصة، فتثنى له رؤية خزانته وأغراضه الشخصية، لذا هو المناسب لجلب متعلقات أخيه.
توقف سيف خلف سيارة إيثان أمام منزل آدهم، ومع ذلك ظل آيوب محله مترددًا بالهبوط، حتى وضع الشيخ مهران يده على كتفه يحثه في همة:
_إنزل هات لاخوك اللي طلبه منك يا ابني.
لف رأسه لأبيه، وقال بصوتٍ متحشرج:
_مش عايز أشوفه.
همس الشيخ بحزنٍ:
_لا حول ولاقوة الابالله العلي العظيم.
وقال له بصوتٍ مسموع، بث فيه كل حنانه:
_إتكلمنا كتير في الموضوع ده يا آيوب، ولسه عايز تفتحه تاني يا ابني!
حزن سيف لاجل رفيقه، يقدر وجعه الملموس إليه، فأغلق مقود السيارة، وقال:
_يالا يا آيوب، أنا نازل معاك.
استمد آيوب قوته لمواجهة من لا يود اللقاء به نهائيًا، ورافق سيف لداخل المنزل، حتى فتح الممرض الخاص بمصطفى الباب، يتساءل عن هوية الطارق.
لزم آيوب الصمت، فتنحنح سيف يخبره:
_بلغه إن آيوب وصاحبه.
هز الممرض رأسه بخفة، وعاد للداخل يخبر سيده بالطارق، فإذا بمصطفى يتحرك بمقعده بكل سرعة، والسرور يحفل على وجهه، بستقبله بكل حب، ولهفة:
_آيـــــوب، إنت جيت يا حبيبي، ادخل إدخل واقف عندك كدليه، هو إنت غريب، ده بيتك يابني!
رفع عينيه إليه يطالعه بكرهٍ، ودون أن يطول بوقفه ولج يتخطاه وصعد للأعلى مباشرة، تألم قلب مصطفى وملأت الدموع عينيه، فاختزل شفقة سيف الذي انحنى إليه يخبره:
_متزعلش يا عمي، آيوب والله قلبه أبيض، هو بس محتاج وقت.
انتبه مصطفى لوجود هذا الشاب الغريب، فأزاح دموعه واستقبله بابتسامة:
_أنت صاحبه؟
هز رأسه بهدوء، فان سبق ورأه لم يكن ليتذكره، فقال مصطفى بتوسل:
_لو إنت قريب منه خليه يسامحني يابني، خليه يديني فرصة أقربه مني ويسمعني أرجوك.
ربت على كتفه وقال يوعده:
_هحاول بكل طاقتي والله.. اطمن.
منحه ابتسامة ممتنة، ولكن مازال هناك علامة استفهام لصعود آيوب لغرفة آدهم بتلك الطريقة، فتساءل مصطفى بقلق:
_هو ليه آيوب طلع على أوضة آدهم على طول، هو في حاجة ولا أيه؟
تلاشت ابتسامة سيف، ووقف متجمد كالعاجز، لا يعرف ماذا سيخبره؟ صمته قد زاد من قلق مصطفى، وخاصة حينما هبط آيوب يشير لسيف بضيقٍ:
_أنا جبت الهدوم، يالا يا سيف.
زوى حاجبيه بذهول:
_هدوم لمين؟ هو مش عمر مسافر؟
وزع نظراته بينهما في ريبة:
_ابني ماله؟؟؟؟؟؟
تجاهل آيوب حديثه، وحاول دفع سيف قائلًا:
_يالا يا سيف مش سامع!
لم يتحرك عن محله قنطرًا، بل انحنى يخبر مصطفى في آسف:
_آدهم في المستشفى اتعرض لاصابة في مهمة كان طالعها، بس اطمن هو كويس وحالته مستقرة جدًا دلوقتي.
اتسعت عيناه في صدمة، بل أنه شعر ببرودة مزقت ساقيه العاجزة عن الحركة، فردد بعدم استيعاب لثقل الكلمات:
_مستشفى أيه ومهمة أيه، أكيد في سوء تفاهم، آآ.. أنا ابني في شهر العسل هو وشمس مراته.
رد عليه سيف بشفقة:
_شمس معاه في المستشفى.
انسكبت دموعه كالدلو العتيق، واحتقنت أنفاسه بشكلٍ مقبض، جعل الممرض يهرع إليه، يحاول أن ينظم أنفاسه بالكبسولات المتاحة لديه، وجاهد سيف لمساندته حتى لا يسقط من المقعد، بينما يطالعه آيوب بنظراتٍ خاوية، وصاح غير مبالي به:
_يالا يا سيف هتيجي ولا أمشي؟
نصب سيف عوده واستدار يدفعه للحائط وهو يضرب صدره بعنفٍ:
_إنت أيه مبتحسش!! مش شايف الراجل قدامك مش قادر يأخد نفسه!! عمرك ما كنت بالقسوة والجبروت ده يا آيوب، خد بالك علاقتك بآدهم هتنتهي لو أبوه جراله حاجه بسببك!
منحه نظرة مشتعلة بغضبٍ مدفون داخله، ما بال الجميع لا يرون ما فعله هذا الرجل به، الجميع يشفقون عليه لمجرد أنه رجلًا مريضًا!
حانت منه نظرة سريعة لمصطفى الذي يلتقط أنفاسه المضطربة بالبخاخ الصغير الذي يحمله الممرض، ولوهلة أشفق على حاله البائس!
استند على الحائط من خلفه، وترك سيف والممرض يساعدوه حتى هدأ تمامًا، فأمسك يد سيف وقال باكيًا:
_خدني عند ابني ، وديني لعمر .
بدون أي كلمة دفع سيف المقعد للخارج، قاصدًا سيارته ويتبعه آيوب بغضب، فور أن رأه الشيخ مهران، هبط يعاون سيف حتى صعد بالمقعد الخلفي جوار الشيخ مهران الذي رحب به بطيبته وبشاشة وجهه.
صعد سيف لمقعده وفتح الباب المجاور له يشير لآيوب:
_إركب يالا يا آيوب.
أغلق آيوب الباب بعنف وهو يتطلع لابيه الذي يعاون مصطفى ويشد آزاره ليحتمل خبر اصابة ابنه، بل وقال بعدوان:
_اطلع إنت أنا هركب مع يونس وإيثان.
وبدون أي كلمة اخرى اتجه لسيارة إيثان يجلس بالخلف، مال مصطفى على النافذة، وهو يتمنى الموت من صمام قلبه، لربما حينها يتمكن آيوب من مسامحته!
ربت الشيخ مهران على كتفه وهو يقول بحكمته وتفائله:
_بكره هينسى وهيسامح.
أغلق عينيه يعتصر دموعه، هامسًا بتمني:
_يا رب.
***
رأها تسحب حقيبتها ويدها تضم بطنها الذي انتفخ قليلًا عن أخر مرة رأها بها، تقف بفستانها الابيض الفضفاض، تبحث عنه بعينين متلهفتين لرؤيته، وما أن رأته حتى اتسعت ابتسامتها ويدها تلوح له بفرحةٍ.
إقتحم “يوسف” الصفوف، ليقابلها بضمة غمرتها من فيض شوقه وعاطفته إليها، يردد بمشاعر:
_وحشتيني يا لوليتا، وحشتيني أوي!
انزوت بين أحضانه بسعادة، لم يكن مدة افتراقهما كبيرًا ومع ذلك يعبر عن افتقادها بكل حبًا وشغفًا، ردت عليه بعشقٍ يفوقه:
_وإنت كمان وحشتني يا يوسف، فراقك كان أصعب شيء مر عليا، بس الحمد لله اتجمعنا من تاني يا حبيبي
أبعدها يقبل جبينها، وهمس لها:
_يعيشلي الجميل اللي وحشته.
وتابع وهو يسحب عنها الحقيبة:
_عنك يا باشا، تشيل وأنا موجود طيب دي تيجي ازاي؟
ضحكت بخفة عليه، واستدارت تبحث من حوله، متسائلة بحيرة:
_أمال فين زينب وسيف؟
سحبها برفق للخارج، وقال بسخرية:
_سيف طفشان عند آيوب، وزينب في المركز بتدور على محامي كويس يرفعلها قضية خلع.
برقت بعينيها بصدمة:
_أيـــــــــــه؟!!
*****
اقتحم “علي” الغرفة، يبحث عن أخيه بلهفةٍ، تحررت على لسانه الناطق:
_عُمــــــــــران!!
تجمد يده الحامل لطاولة الطعام، يثبته حول آدهم بينما تقوم شمس بمعاونته على تناول طعامه، ترك عمران ما بيده واستدار يقابل اخيه، متسائلًا بدهشة:
_علي!
هرع إليه يتفحصه بقلقٍ، وبينما يحاول التحكم بذاته الا أنه فشل وبرز خوفه الصريح:
_طمني إنت كويس؟ فيك حاجه؟
رفع أحد حاجبيه بتهكمٍ:
_سلامة نظرك يا قلب أخوك! آدهم هو اللي مريض مش أنا!
ووضع يده على جبينه بدراما مضحكة:
_مفيش حرارة، الله أمال مالك يا علي؟!
دفع علي يده عنه، وجذب هاتفه يسلط الرسالة بوجه أخيه ويواجهه بغضب:
_في إن حياة حضرتك في خطر، وواقف تهزر ببرود قدامي!!
خطف نظرة سريعة لما يحمله، ثم قال بعدم مبالاة:
_إنت عامل كل ده عشان دي، فكك منهم دول عالم رايحة منهم، فاكرين إنهم هيختموني على قفايا، وأنا أختم قفا أمهم وبالجامد أوي!
استفزته كلماته بشكلٍ جعله يهدر بانفعال وعصبية:
_يعني أيه أفكني منهم، دول بيهددوك بالقتل!!
عاد يضع المنشفة حول رقبة آدهم الذي يستمع لكل ما يقال بتمعن:
_متكبرش الحوار يا علي، زي ما قولتلك دول أخرهم قفا معتبر مني وهيجيبوا ورا.
تحرر آدهم عن إنصاته، وتساءل باهتمام:
_في أيه يا علي؟ ومين اللي بيهدده؟
جلس علي قبالته يقص له بايجاز ما أخبرته به زوجته، فقال بعدما فرغ علي من حديثه:
_االموضوع ده ميتسكتش عليه يا عُمـــران، إصرار الناس دي إنك تسحب مشاريعك من هنا وراه شيء مريب.
وتابع بقلق وتوتر:
_ولو اللي في دماغي صح يبقى إنت في خطر كبير ولازم تأمن نفسك منه.
دنى إليه علي يسأله بخوف:
_أيه اللي في دماغك يا آدهم، قولي شاكك في أيه؟
اتبع محل صوت علي، وصمت قليلًا، لم يحبذ أن يزرع القلق إليه وإلى زوجته التي يشعر برعشة كفها بين كفه، لذا فاه بذكاء:
_ابعتلي الاسكرينات دي على تليفوني يا علي، وأنا هتصرف، لو طلع وراهم حاجه هوصل الموضوع لحد من القادة، متقلقش.
طرقتين متتاليتين لامست باب الغرفة، وبعدها انفتح الباب وولج منه شابًا وسيمًا للغاية، ابتسامته تحمل اشراقة حياة بأكملها، اجتمعت الجاذبية والقبول فيه بشكلٍ يأسر القلوب، ملابسه المكونة من بنطال رمادي وتيشرت أبيض ومن فوقه قميص رمادي مفتوح جعلته جاذبًا بالرغم من أنه يرتدي ملابس غير رسمية، وغير مبالغ بثمنها، رغم أنه ينحدر لعائلة من أغني عائلات الوطن العربي، عائلة #الجارحي!
دنى بخطواته الهادئة التي تعبر عن شخصه الهادئ، حتى توقف أمام فراش آدهم، اتسعت ابتسامته وقال بصوته الرخيم:
_صباح الخير يا حضرة الظابط، أنا الدكتور عمر الجارحي، طبعًا مش محتاج أقولك إني دكتور عيون شاطر ولا محتاج أعرفك أني هكون مسؤول عن حالتك بشكل كامل، لإن بمنتهى البساطة معاشر نسخة ميري في بيتي، ألا وهي أخويا التؤام، لذا أقدر أقولك بذكائي الخارق إنكم بتفهموها وهي على الشجرة من قبل ما توقع.
ابتسم آدهم ورفع يده يبحث عن يد عمر ليصافحه، فأمسك بها عمر، وصافحه بحرارة، بينما يرد آدهم باحترام:
_أهلًا بحضرتك يا دكتور، أعرفك ده دكتور علي الغرباوي وبشمهندس عُمران الغرباوي، نسايبي.
تبادل عمر السلام معهما، فأشار له عمران على المقعد القريب من ادهم:
_اتفضل يا دكتور.
جلس محل اشارته وهو يشكره بلباقة:
_شكرًا يا بشمهندس.
انسحب عمران برفقة شمس للخارج، وتبقى علي جوار آدهم، يتابع فحص عمر الكلي لعين آدهم، باستخدام أجهزة مختلفة، فعاد لمقعده يدون بعض الملاحظات، ثم قال ومازالت عسليته تتعلق بدفتره الخاص:
_واضح إن في شيء أذى عينك بشكل كبير، ولو هفترض إن وضعك ده نتيجة حادث فمستحيل يكون ده إزاز أو شيء حاد والا كانت هتكون الاصابة أخطر من كده.
ورفع عسليته له يمنحه بسمة خبيثة:
_اللي قولته سابقًا بحكم مهنتي، لكن بحكم آني وللاسف تؤام واحد منكم فأحب أقولك إنك زرعت شريحة أذيتك لطول الوقت اللي فضلت محتفظ بيها فيه.
اتسعت ابتسامة آدهم، وقال باعجاب:
_شكلهم مكدبوش لما قالوا عنك دكتور شاطر.
ضحك بصوته الجذاب، ومال يهمس له:
_لا ده أنا أعجبك أوي، مخابرات تلاقي، ادارة أعمال تلاقي، أي حاجه هتلاقيني ماشي فيها ببركة دعوات الوالدة، لكن الوالد دعواته مبتخرجش الا بتصاريح قومية!
ضحك آدهم وشاركه علي، الذي قال:
_المهم إن في أمل إنها بتطلع!
عاد يدون بعض الاشياء بدفتره وهو يمازحه:
_الأمل مفقود وملهوش وجود طول ما قدامه شخص زي ياسين الجارحي!
وتابع وهو يضحك:
_واللي يأكدلك أني بائس إني للاسف واقع مع نسخته واللي هو عدي أخويا، حضرتك أنا كنت في اسكندرية مع ولاد عمي بنقضي الاجازة بكل حب آسري، ألقيه باعتلي الساعة 1 بليل رسالة من كلمتين.
أحبه علي وارتاح للحديث برفقته، فسأله بفضول:
_أيه الرسالة؟
مزق عمر ورقة من دفتره، وقال وهو يدون الاخرى بمهارة:
_تسعة الصبح تكون في المستشفى العسكري، وبس يا باشا، تفتكر إني هحاول إني أعرف منه ليه مثلا؟ حضرتك أخويا ده لو تمثال رمسيس نطق شبيه ياسين الجارحي ده عمره ما هيقبل يقفل صفح التاريخ بكلمه يطلعها مفيدة، لذا أنا مبتعبش نفسي، جبت الشنطة وجيت.
وأضاف بجدية مضحكة:
_ وكده كده عندي نية المعالجة، سواء كان هو المصاب أو حد من اصحابه، طالما في نية كل الامور محلولة بأمر الله!
انفجر آدهم وعلي من الضحك، بينما ابتسم عمر بخفةٍ، ومزق الروشته وقدمها لعلي، ثم قال بحرافية تتناسب مع طبيب محترف مثله:
_بص يا حضرة الرائد، فقدان البصر اللي عندك ده مش مؤكد مؤقت ولا بشكل دائم، عشان كده محتاج تتابع معايا بشكل مستمر، هنعمل شوية فحوصات وهتابع معايا الفترة اللي جاية، عشان كده كتبتلك في الورقة اللي مع دكتور على عنوان المستشفى الخاص بتاعي، ورقمي الخاص.
وقدم الورقة الاخرى لعلي هادرًا:
_دي أدوية ومسكنات لحرقان وجروح عينك، لحد ما تهدى هنبدأ علاج على طول، وبناء على الفحوصات هقرر إذا كنت هتحتاج جراحه ولا لأ.
سأله علي باهتمام:
_يعني هو في مرحلة علاج ممكن تخليه ميخضعش لجراحه.
أكد له عمر بجدية تامة:
_بالظبط، همشيه على أدوية فعالة ونتايجها مضمونه بإذن الله، بس لما أبص على الفحوصات اللي هعملها بنفسي في المستشفى عشان احدد هبدأ معاه بأيه.
وبابتسامته البشوشة قال:
_وإن شاء الله الادوية تجيب بفايدة ومنحتاجش للجراحة دي.
رد عليه آدهم بامتنان:
_شكرًا يا دكتور.
اجابه عمر وهو يربت على يده:
_الشكر لله وحده يا آدهم باشا.
وتابع بمرح:
_شوفت منستش باشا ازاي، أصلي متعود اتفادى المخالفات مع سيادة العقيد، الموضوع بيقلب رعب لو ناديته باسمه كده عادي، مع أنه عمره ما احترمني وقالي يا دكتور!
ضحك آدهم وقال بثناء:
_عدي باشا من أكفئ ظباط الداخلية، صيته جايب ومسمع ما شاء الله، مكنش ليا الحظ إني أشوفه أو اتعرف عليه، بس ليا حظ اتعرف على حضرتك.
مازحه بعنجهية مصطنعة:
_الحمدلله انك مشفتهوش، وحظك الحلو وقعك فيا أنا!
ابتسم آدهم وقال بجدية:
_حظي حلو فعلا.
وأضاف بلطف:
_على فكرة أنا إسمي الحقيقي عمر.
صافح يده بقوة وقال بسعادة:
_وده تاني سبب أحبك عشانه، بعيدًا عن إنك ظابط لاني وللاسف عندي عقدة من كل الظباط والفضل لاخويا المعقد!
وسحب حقيبته مستأذنًا للمغادرة برقي:
_أنا اتشرفت بيك يا عمر، إن شاء الله ربنا يجعلني سبب ويسخرني لعلاجك.
وتابع وهو يربت على يده:
_هستناك في المستشفى، المعاد كتبتهولك على دهر الروشتة، حمدلله على سلامتك مرة تانية.
وغادر تاركًا الراحة تغمر قلب آدهم، تضخمت الآمال لديه وهمس بتفاؤل:
_تفتكر ممكن يكون فقدان البصر عندي مؤقت زي ما قال يا علي؟
انتبه له علي، فترك ما بيده ومال يخبره ببسمة هادئة:
_مفيش حاجه بعيدة عن ربنا سبحانه وتعالى يا آدهم، أنا واثق إنك مش هتحتاج للجراحه بإذن الله، انا متفائل جدا بالدكتور ده، شكله ابن ناس ومحترم جدا.
هز رأسه يؤكد له:
_باباه يبقى ياسين الجارحي، من أكبر وأهم رجال الاعمال في الشرق الاوسط، عيلته كلها تحت طوعه وراجل كلمته سيف على رقبة الكل، والداخلية بتعمله مليون حساب.
ابتسم علي وقال:
_بعيدًا عن كل ده فهو عرف يربي صح، لو مكنتش حكيتلي عنه كل ده مكنتش شكيت للحظة إن شخص زي دكتور عمر ده باباه بالنفوذ دي كلها، إنسان بسيط ومتواضع، حقيقي حبيته!
(القراء الجدد لمتابعة الرواية التي تضم عدي الجارحي، وعمر الجارحي اسمها #أحفاد_الجارحي..)
****
وصل الجميع للمشفى، واتجهوا لغرفة آدهم، الذي ما أن استمع لصوت أبيه حتى خشى أن يزداد بيه المرض لرؤيته هكذا.
عاونه سيف وايثان بدفع المقعد حتى فراش آدهم، فردد باكيًا:
_ طمني عليك يابني! أيه اللي حصل؟؟!
رفع آدهم يديه يبحث عن يد أبيه، يستكشف محله بالتحديد وهو يناديه بخفوت:
_بابا.
توسعت مُقلتي مصطفى بصدمة وهو يرى ابنه يبحث عنه وهو يجلس جواره، حركة يده وثبات عينيه دون حركة أفصحت بما فيه، فشقت صدره بقسوةٍ، وتحرر معه صوته الباكي ورفضه التام لاستقبال حقيقة أن فلذة كبده قد بات كفيفًا:
_عمـر!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *