رواية فرحة لم تكتمل الفصل العاشر 10 بقلم رحمة ابراهيم
رواية فرحة لم تكتمل البارت العاشر
رواية فرحة لم تكتمل الجزء العاشر

رواية فرحة لم تكتمل الحلقة العاشرة
وهي بتكتب، فجأة… وجع حاد خبط في قلبها، حطت إيدها عليه بسرعة، شهقت، لكن مسحت دموعها، ورجعت تكتب:
“يرودني شعور منذ الصغر بأني سأموت في عمر صغير…
والآن، هذا الشعور يتعاظم بداخلي… كأنه يقول لي: اقتربي.”
فجأة، التليفون رن…
ردّت بابتسامة مهزوزة:
— “ألو… يا حبيبي.”
يوسف بصوته العادي اللي مفيهوش إحساس بيوم الفرح اللي جاي:
— “إيه يا قلبي؟ بقولك ما تيجي نخرج نتمشى شوية أو نتعشى بكرة.”
مريم باستغراب وهي بتضحك:
— “نتمشى؟! ده فرحنا بكره! المفروض نكون مش فاضيين نرتب نفسنا ونستحمى!”
يوسف ضحك:
— “أنا استحميت خلاص، عادي يعني.”
مريم ما قدرتش تمسك نفسها وضحكت ضحكة عالية من قلبها، فيها سخرية ودهشة:
— “ياااااه يا يوسف… إنت حاجة تانية بجد.”
قالها بنبرة جادة:
— “مش بهزر… هتنزلي ولا لأ؟”
مريم ردّت وهي بتقف:
— “هنزل… حاضر يا جوزي.”
سمعت صوته من التليفون بيهمس لها بابتسامة باينة:
— “يلا يا مراتي… مستنيكي تحت البيت.”
قفلت الموبايل، وقفت قدام المراية، وبصّت لنفسها…
وقالت بهمس:
— “يا رب… اليوم يعدي… والنهاية تكون بداية… مش وداع.”
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
كان الهوى بيلاعب طرحة مريم، وهي قاعدة جنب يوسف على دكّة بسيطة قدام النيل. الجو فيه ريحة مطر خفيفة، رغم إن السما صافية، وصوت الميّه بيخبط في السور الحديد بإيقاع هادي كأنها بتغني.
يوسف قاعد جنبها، بيقشّر لبّ بهدوء، ووشه مرتاح، كأنه مش فاضل يوم واحد على دخلة العمر.
مريم بصّت له، وعينيها فيها قلق مش طبيعي، وقالت بصوت واطي:
— “عارف؟ حاسه إن قلبي مش مستقر… كأني فرحانة وخايفة في نفس اللحظة.”
يوسف ضحك ضحكة صغيرة وهو بيبلع اللبّ:
— “عادي يا مريومة… اللي زيك لازم يحس كده. ده إنتي داخله على حياة جديدة.”
وهما قاعدين، عدّت ست كبيرة في السن، لابسة جلابية غامقة، وشايلة شنطة جلد صغيرة. كانت بتتكلم مع الناس وهي ماشية بصوت واضح:
— “أقرأ الكف، وأقولك نصيبك في الجواز والرزق… يا بنتي، تعالي يا أستاذ…”
يوسف ضحك وقال بمزاح:
— “تيجي؟ نقرأ بختنا؟”
مريم لفّت وشها بنفور بسيط وقالت:
— “أنا ما بآمنش بالحاجات دي، كلها تخريف.”
يوسف ضحك أكتر، وقال وهو بيرمي قشرة لبّ في الأرض وبيشاور للست:
— “ولا أنا… بس بنتسلى! يعني هنعمل إيه؟ نتفرج على المايه ساكتين؟”
الست قربت منهم، لكن وهي جاية… رجلها اتلوت، وقعت على الأرض، شنطتها وقعت، ووشها اتخبط في الرصيف.
مريم قامت بسرعة وقالت بقلق:
— “إنتي كويسة؟!”
الست قامت بصعوبة، مسحت وشها، وقالت بصوت متكسر:
— “خير… خير يا بنتي… تحبّي تشوفي إيه؟ كفك؟ ولا أقرالك البخت؟”
في اللحظة دي، موبايل يوسف رن… بصّ للشاشة وقال وهو بيقوم:
— “بعد إذنك، هرد على التليفون وأرجعلك.”
مريم هزت راسها بسكوت، وقعدت مكانها… والست وقفت قدامها وقالت تاني:
— “تحبّي أقرألك إيه؟ كفك؟ ولا البخت؟”
مريم، ولأول مرة، حست إنها عايزة تعرف، يمكن تضحك، يمكن تهوّي عن قلبها:
— “اقري البخت.”
الست مسكت إيدها، قعدت تبص فيها شوية، وشها اتبدّل، بقى عابس، وعنيها سوادها اتقل.
مريم حسّت بقشعريرة، وسألتها بقلق:
— “شفتي إيه؟”
الست رفعت عينيها، وقالت بصوت تقيل:
— “في شخص بيموت فيكي… وانتي كمان… بتحبيه موت.
بس يا خسارة… الفراق هيبقى تالتكم.”
مريم شهقت، وقالت بسرعة:
— “مستحيل… لأ طب اقريلي تاني… اقري البخت.”
الست خدت نفس وقالت بحزن:
— “والله يا بنيّتي… يوم النصيب يفرّق حبايب من حبيبهم.
ويا ويل الدنيا… لما تكره حد، تاخده من حضنك وتسيبك لوحدك.”
وفي اللحظة دي…
رجع يوسف، وعينيه فيها توتر من المكالمة.
بص لمريم، وقال:
— “مالك؟ وشك اتغير كده ليه؟”
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
مريم بصّت له وسكتت.
ولا قادرة تقول إنها، رغم كل الفرح… قلبها بدأ ينهار بصمت.
يوسف قعد جنب مريم تاني، وفضل يبصلها باستغراب:
— “فيه إيه؟ الست دي قالتلك حاجة زعلتك؟”
مريم ابتسمت ابتسامة باهتة، كأنها بتحاول تهرب من خوفها:
— “قالتلي كلام عبيط، بس مش مهم.”
يوسف ضحك وهو بيهز راسه:
— “أنا قلتلك كده من الأول… كل اللي بتقوله ده تخريف. إحنا خلاص هنبدأ حياة جديدة، وهنكون مبسوطين… مش كده؟”
مريم بصّت له… وسكتت.
جواها مليون صوت، وكلهم بيزعقوا، لكن صوتها هي ماتلعش.
اكتفت إنها تهز راسها بنعم… وابتسامتها كانت أضعف من الهوا.
﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎﹎
الهوى لسه بيعدّي على وش النيل، بس اللحظة ما بقتش هادية زي قبل كده.
مريم وقفت، عينيها فيها دموع مش نازلة، قلبها بيصرخ بصوت هي بس اللي سامعاه. بصّت
الهوى بقى تقيل فجأة كأن الدنيا حست باللي بينقال، والنيل قدامهم سكت، مابقاش بيخبط في السور زي الأول، كأن حتى المايه سمعت الكلام واتجمدت.
مريم وقفت، عنيها فيها لمعة دمعه محبوسة، قلبها بيصرخ بس صوتها كان ناعم، متكسر، مليان وجع:
— “عاوزه أروح للدكتور هشام يا يوسف… دلوقتي حالًا…
أنا تعبت من الخوف اللي جوّه الفرح…
أنا مش عايزه أدخل بيتك وأنا قلبي بيترعش…
أنا عايزه أطمن، أطمن إني هعيش، أطمن إني هكمل معاك.”
يوسف بصّ لها باندهاش، نبرة صوته اتهدت، بس الاستغراب ما فارقش ملامحه:
— “دلوقتي؟ دلوقتي يا مريم؟
إنتي كويسة؟
في حد ضايقك؟ حد قالك حاجه؟”
مريم هزّت راسها، عنيها ما فارقتش الأرض، وبصوت مهزوز قالت:
— “لا محدش قالي… بس أنا…
حاسه إني هموت يا يوسف… قريب.”
صوته ارتفع، بس الخوف كان باين أكتر من الغضب:
— “إيه الكلام ده؟ ليه بتقولي كده؟ ليه؟!”
مريم رفعت عنيها، وشها هادي بس مخضوض، وقالت:
— “حاسه من زمان إني مش هكمل…
حاسه إني همشي بدري، قبل كل الناس…
زي ما تكون دي نهايتي… وأنا عارفه ومش قادرة أقول.”
يوسف اتشد، خد خطوة ناحيتها، وشه اتغير، وصوته اتكسر رغم العصبية:
— “يا مريم، إحنا ساعات بنحس حاجات… بنخاف، بنتخيل…
بس ما بيحصلش حاجه.
دي أوهام، وساعات بتكون مجرد قلق.”
مريم قربت خطوة، وهمست:
— “أنت بتقول كده لأن إحساسك مش دايمًا بيطلع صح…
بس أنا…
إحساسي عمره ما خيب،
وكل مرة كنت بحس بحاجة… كانت بتحصل.”
يوسف مسك إيديها، صوته علي فجأة، بس عينه كانت بتدمع:
— “ما تجيبيش سيرة الموت دي تاني!
أنا مش ناقص…
أنا ممكن أموت بعدك انتي… فاهماني؟
أنا ما بستحملش فكرة إنك تختفي، حتى لو بالكلام…
ما تتكلميش كده، بالله عليكي، ما تتكلميش!”
مريم بصّت له، ولأول مرة، نزلت دمعة من غير ما تبل ريقها.
قالت بهدوء:
— “خدني للدكتور هشام يا يوسف…
مش عشان أطمن على جسمي…
أنا عايزه أطمن على قلبي.”
وساد بينهم صمت، غير صوت أنفاسهم، وسكون النيل…
وليل بيحضنهم بس مش دافي.
يوسف، من غير كلام تاني، مسك إيديها وودّاها للعربية.
نص ساعة كانت كافية توصل فيها مريم ويوسف قدام عيادة الدكتور هشام، بس ما كانتش كفاية تهدي العاصفة اللي جوا قلبها.
دخلت مريم العيادة وهي ماسكة إيد يوسف بإيد، وبقلبها ماسكة أمل صغير إنها تطلع مطمنة.
الممرضة ابتسمت بحذر، ويوسف قال كلمتين بلطافة، وبعد لحظات، هشام بنفسه فتح الباب.
ولما عينه وقعت على مريم، ملامحه اتغيرت كأنه حس بحاجة مش مفهومة.
دخلت القوضة، وسابت يوسف واقف برا، زي ظلها اللي مقدرش يدخل الوجع معاها.
قعدت قدامه، وقالت بصوت مكسور، واضح، مفهوش لف:
— “أنا هموت يا دكتور؟”
هشام شد جسمه القدام، وقال بهدوء بيخبّي قلقه:
— “ليه بتقولي كده يا مريم؟”
يتبع…..
لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فرحة لم تكتمل)