روايات

رواية فتيات القصر الفصل العشرون 20 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر الفصل العشرون 20 بقلم اسماعيل موسى

رواية فتيات القصر البارت العشرون

رواية فتيات القصر الجزء العشرون

فتيات القصر
فتيات القصر

رواية فتيات القصر الحلقة العشرون

كانت الأمسية تقترب من خفوتها، حين دوّى صوت لارينا في صالة الخدم:
ــ اجمعوا الجميع… الآن.
اصطف الخدم في صمت مشوب بالحذر، ووقفت راما وحدها في المنتصف، شعرها معقوص بعنف، وثوبها الأبيض المتواضع يوحي بالبراءة أكثر مما ينبغي. أما عيناها… فكان فيهما تحدٍّ غامض.
اقتربت لارينا تحمل السوط المخصص للعقوبات الداخلية. رمقتها بنظرة كأنها تعلن موتًا مؤقتًا.
ــ راما خالفت قوانين القصر. ستنال جزاءها أمامكم.
دون تردد، هوى السوط على ظهر راما. صرخة خافتة خرجت منها، لكنها بقيت ثابتة.
ضربة ثانية.
ثالثة.
حتى بدت أنفاس الحاضرين تتقطع، وبدأت بعض الخادمات يرتجفن.
لكن قبل أن تهوي الضربة التالية، رفعت راما رأسها، وصاحت بنبرة أربكت الحضور:
ــ توقفي! لن أقبل هذا… السيد وحده من يقرر عقابي.
صمت مطبق خيّم على المكان. خرقت القوانين… جهرًا. لم يسبق لخادمة أن فعلت ذلك.
نظرت لها لارينا، ارتجف فكّها للحظة… لكنها تماسكت، ثم استدارت نحو الحارس:
ــ اذهب… أبلغ السيد أن راما رفضت العقوبة… وخرقت قوانين القصر.
بعد دقائق، جاء الرد سريعًا. بنبرة جامدة كأنها آتية من غرفة لا تعرف الرحمة:
ــ تُحضر راما إلى غرفتي. فورًا.
نظر الخدم إلى بعضهم في خوف، بينما ابتسمت راما ببطء، كأنها انتزعت شيئًا من المصير بيديها.
**
تقدّمت راما عبر الممر الطويل المؤدي إلى غرفة السيد. خطاها خفيفة كأنها تخشى أن توقظ شيئًا نائمًا بين الجدران. تحت ثوبها الأبيض الممزق عند الكتف، أخفت القارورة الصغيرة بين ضلوعها. قلبها ينبض، لكن ملامحها لم تشِ بشيء.
حين فُتح الباب، كان السيد جالسًا في مقعده الكبير. الظلال تتكثف خلفه. لم يرفع نظره فور دخولها. فقط أشار إلى الأرض أمامه.
ــ اجثي.
امتثلت. ركبتيها لامستا الأرض الباردة. رفعت عينيها إليه… وابتسمت.
ــ تعرفين ما أنتِ مدعوة من أجله؟
هزّت رأسها.
في لحظة واحدة، أمسكها من شعرها بعنف، جذبها نحوه.
ــ تجرؤين على مخالفة قوانيني أمام الخدم؟ أمام لارينا؟
لم تُجب. نظراتها ظلت معلّقة بعينيه.
ضربها بكفّه على وجنتها. صوت الصفعة ارتد في الغرفة. ثم أخرى.
أمرها:
ــ ضعي يديك على الطاولة.
امتثلت. جلدها العاري ممدود، وراح العقاب ينهمر: سوط جلدي عريض، ضربات منتظمة، تحفر خريطة ألم على ظهرها.
لكنها لم تصرخ.
حين أنهى، ظل واقفًا فوقها، يتأمل جسدها المرتجف.
عندها… بلطف متعمد، التفتت إليه. همست:
ــ سيدي… أرجوك… اسمح لي أن أصلح خطئي بطريقتي.
لم يمنعها.
اقتربت. جلست بخفة على ساقه. كتفها العاري لامس سترته الداكنة. نظرت إليه من أسفل رمشيها، شفتاها مرتجفتان، ثم أدارت وجهها إلى عنقه، تظاهرت كأنها تطلب الصفح. وفي تلك اللحظة… أخرجت القارورة من كمّ ثوبها، وبخفة أنثى تعرف مكرها، ضغطت رشّة خفيفة من العطر على ياقة سترته.
لم يلحظ شيئًا.
ثم تمادت… قطرة خلف أذنه.
أنفاسها تلامس جلده، وهمست:
ــ سامحني.
استنشق العطر… شيء غريب، لم يكن كأي شيء يعرفه. رائحة كثيفة خافتة تتسلل ببطء.
تركها على ساقه للحظة، نظراته شاردة.
أما راما… فابتسمت في قلبها.
**
عيناها لا تزالان معلّقتين به، وعلى زاوية شفتيها ظلال ابتسامة يصعب التمييز إن كانت خضوعًا أم سخرية. بقيت جالسة للحظة فوق ساقه، ساكنة، تسمح للعطر أن يتمادى ويتشبّث بملابسه وجلده.
ثم بحركة بطيئة، نهضت. يدها مرّت برفق على صدره، كأنها ترتّب ياقة سترته، تثبت العطر حيث أرادت.
قالت بصوت خافت:
ــ أشكرك، سيدي… على عدلك.
ثم تراجعت خطوتين للوراء. عينيها لا تزالان تلحقان نظرته التي بدت مشتتة للحظة، كأنه يطارد شيئًا خفيًا لا يُمسك.
انحنت أمامه، حركة طويلة مبالغ فيها، كأنها خادمة تلعب دور التوبة.
ثم استدارت. سارت بخطى واثقة نحو الباب، جسدها يئن من آثار السوط لكنه مستقيم. وقبل أن تغلق الباب خلفها، أرسلت نظرة خاطفة نحوه… كان لا يزال جالسًا، يستنشق أثر العطر دون أن يعي من أين بدأ.
أغلقت الباب بهدوء.
وانسحبت.
في الممر، لم تستطع كبح تلك الابتسامة الصغيرة.
عقاب؟
**
جلس السيد في غرفته، عيناه تُراقبان ببطء عبق العطر الذي بدأ ينتشر في الأجواء. تنفس بعمق، يحاول أن يضبط أعصابه، لكنه وجد نفسه يغوص في ذلك الإحساس الغريب الذي لا يقدر على تفسيره بسهولة. العطر لم يكن مجرد رائحة، بل كان يحمل رسالة خفية، تحديًا مستترًا من راما.
خارج الغرفة، في جناحها، دخلت راما متثاقلة الخطى، جسدها ما زال يعبّر عن ألم العقاب، لكن عينيها كانت تلمعان بثقة لا تهتز. التقت بنظرات لارينا التي كانت تنتظرها كالطائر الذى فقد جناحيه
قالت لارينا بصوت مرتعش
— لقد أخطأتِ يا سيدتى ،عاقبنى ، لم يكن على ان اطيع اوامرك بجلدك
ابتسمت راما بابتسامة هادئة، وأجابت:
— لا بأس لقد نفذتى الأوامر وتستحقى جائزتك
فتحت قنينة ألعطر وسمحت للارينا ان تستنشق الترياق الذى يمنحها السلام.

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية فتيات القصر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *