روايات

رواية منعطف خطر الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ملك ابراهيم

رواية منعطف خطر الفصل الحادي والثلاثون 31 بقلم ملك ابراهيم

رواية منعطف خطر البارت الحادي والثلاثون

رواية منعطف خطر الجزء الحادي والثلاثون

منعطف خطر
منعطف خطر

رواية منعطف خطر الحلقة الحادية والثلاثون

الشرقاوي كلمني وعزمنا على الفرح وطلب مني ان كارما تحضر.. والبنت دي هتبقى في بيته بصفتها مرات يحيى.
خالد حس ان قلبه هيقف من الصدمة وقرب منهم بخطوات تقيله وسألهم بدهشة: فرح مين؟
ردت كارما: فرح يحيي ابن عمي.. هيتجوز البنت اللي المفروض انها اختي.
خالد اتصدم واتجمد مكانه… همس بصوت مسموع: ياسمين ؟!
كلهم بصوا ل خالد بدهشة ، وجده اللوا وحيد كان متابع صدمته بغموض.
خالد وقف لحظات بيحاول يستوعب اللي سمعه ومش قادر يصدق ان ده حقيقي!
اتحرك بخطوات سريعه وخرج من البيت من غير ما يتكلم.
مامته اتوترت من رد فعل ابنها الغريب وخالته سألت بدهشة: هو خالد راح فين؟ ليه مشي بسرعه كده من غير ما يقول حاجة!
رد اللوا وحيد وهو بيبص قدامه بشرود: يمكن عنده شغل.
وبص ل كارما وقالها: المهم دلوقتي يا كارما.. جهزي نفسك عشان هتحضري فرح ابن عمك.
عبير مامت كارما أتكلمت بعصبيه: مستحيل يا بابا. انا مش موافقه ان بنتي تدخل بيت الشرقاوي طول ما الست دي وولادها هناك.
رد عليها اللوا وحيد بثقة: موضوع الست دي اتقفل خلاص يا عبير.. الشرقاوي قالي انه سفر ابنها عند عمه في امريكا ،وهيجوز البنت ل يحيي.. والست دي هيخرجها من بيته بس بعد ما يحيى يتجوز بنتها وتبقى تحت سيطرتهم..
يعني كل اللي انتي عايزاه حصل.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في بيت الشرقاوي،
في وقت متأخر من الليل.
كانت ياسمين لسه قاعدة على طرف السرير، ملامحها باهتة، ودموعها بتنزل في صمت موجع.
النهاردة عرفت قد إيه هي ضعيفة قدام جدها ويحيى…
انكسرت من أول مواجهة، مفيش عندها فرصة تقاوم.
كانت ماسكة صورها مع أخوها، عينيها بتغرق في ملامحه اللي وحشتها، بتحاول تطمن قلبها انه بخير.
بينها وبينه دلوقتي بلاد وبحور…
صعب توصله، وصعب ترجعه.
مفيش طريق غير إنها تنفذ اللي جدها بيطلبه…
حتى لو الثمن كان كسر قلبها.
كل ما تتخيل نفسها عروسة ليحيى، بتحس إن قلبها بيقف من كتر الألم…
إزاي ده هيحصل؟ إزاي الدنيا خذلتها بالشكل ده؟
قطع شرودها صوت دق خفيف على باب الأوضة.
رفعت راسها بتعب، وصوتها طالع مبحوح:
– مين؟
قامت تمشي بخطوات بطيئة وفتحت الباب…
ولقته قدامها.
يحيى واقف، بنفس الابتسامة الباردة اللي بتحسها خالية من أي مشاعر.
قال بسخرية ناعمة: خبطت على الباب المرة دي… عشان متزعليش.
مسحت دموعها بإيدها بسرعة، وقالت بغضب: عايز إيه يا يحيى؟
رد وهو بيبصلها بنظرة فيها شيء من التلذذ بحالتها المنكسرة: جاي أطمنك… أخوكي الحمد لله وصل أمريكا بالسلامة.
ومتقلقيش، أهلي هناك هيهتموا بيه لحد ما نعمل الفرح.
وممكن كمان نقضي شهر العسل هناك…
تشوفيه بنفسك، وتطمني عليه.
كلامه دخل زي السم في قلبها، وعيونها اشتعلت بالغضب.
بصتله وقالت بحدة: هتوافق تتجوز واحدة مش عايزاك؟
واحدة مجبورة تتجوزك عشان اخوها؟!
كأن كلمتها ضربت كبرياءه في مقتل…
وشه اتشد، ونظراته اتغيرت.
قرب منها فجأة، ومد إيده، مسك دراعها بعنف.
ضغط بقسوة، وقربها منه وهو بيقول بصوت مشحون بالغضب: وأنا كمان مش عايزك!
بس مجبر أتجوزك عشان جدي.
حاولت تبعده، ودفعت صدره بضعف واضح، وهي بتتألم من قوة قبضته على دراعها:
– ابعد إيدك عني!
دموعها نزلت من غير استئذان، وصوتها اتكسر وهي بتصرخ فيه: أنا بكرهك يا يحيى… بكرهك.
قرب منها وجذبها من شعرها وهو بيصرخ فيها بجنون: بتكرهيني انا وبتحبي حضرة الظابط صح؟.. هو فيه ايه احسن مني عشان تحبيه هو.
صرخت ياسمين وهو بيضغط على شعرها بقوة: انا مش بحب حد ابعد عني.
في اللحظة دي، خرجت سماح من أوضتها على صوت صرخة بنتها المليانة وجع.
قلبها انتفض من مكانه أول ما شافت يحيى ماسك ياسمين بعنف، وإيده مشدودة على شعرها.
قربت منهم بسرعة وهي بتصرخ بكل ما فيها:
– ابعد عن بنتي ملكش دعوة بيها!
وحاولت تفك بنتها من بين إيديه، لكنه دفعها بعيد عنه بقسوة سريعة، لدرجة إنها تهادت ووقعت على الأرض.
وعينه رجعت لياسمين، وصرخ فيها بجنون وهو بيشد شعرها: فاكرة نفسك مين عشان ترفضي جوازنا؟!
ياسمين صرخت من الألم، لكن كل ده اتحول لصرخة تانية لما شافت أمها واقعة، وإيديها على صدرها، وعنيها مفتوحة على وسعها ومابتتحركش.
– ماماااااااااا!!
دفعت يحيى بكل قوتها، جرت عليها، وقعدت على الأرض جنبها وهي بتصرخ:
– قومي يا ماما… بالله عليكي قومي!
في اللحظة دي، كان الحاج شرقاوي طالع من أوضة مكتبه على صوت الهلع اللي مالي البيت.
شاور بإيده للخدم يجيبوا الدكتور فورًا، ووقف يتفرج على المشهد قدامه من غير ما يرمش:
حفيده واقف متعصب، وياسمين منهارة على الأرض، وسماح ساكنة… مافيش نفس، مافيش حركة.
………
بعد شوية، الدكتور وصل.
ياسمين واقفة على جنب، عيونها متثبته على أمها، ودموعها بتنزل بغزارة وهي مش قادرة تنطق.
الدكتور قعد جنب سماح، بدأ يكشف، لكن ماكنش فيه حاجة تنقذها.
بعد دقيقة صمت خانقة، رفع الغطا وغطى بيه وشها.
سكت كل اللي في الاوضة ، إلا قلب ياسمين اللي بدأ يضرب بجنون.
قربت منه، صوتها بيرتجف:
– ليه غطيت وشها؟ ماما مش هتعرف تتنفس كده! شيل الغطا عنها، هي لسه صاحيه بس تعبانة شوية…
وبصت له برجاء:
– هننقلها المستشفى دلوقتي صح؟ هتلحقوها صح يا دكتور؟
الدكتور رد بصوت هادي وموجوع:
– أنا آسف يا آنسة… والدتك كانت مريضة قلب… واللي حصل ده سكتة مفاجئة… البقاء لله.
لحظة سكون قاتل…
وبعدها طلعت من ياسمين صرخة شقت سكون البيت، قبل ما تقع على الأرض فاقدة الوعي.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
تاني يوم – في المستشفى.
كانت ياسمين نايمة على السرير، عينيها مفتوحة ومثبتة في سقف الغرفة، والدموع بتنزل منها من غير صوت.
مافيش حركة، مافيش رد… كأنها انفصلت عن العالم.
برا الغرفة
الحاج شرقاوي قاعد على الكرسي، متكئ على عكازه، جنب يحيى اللي عينيه شاردة.
قال الحاج بصوت هادي لكنه حاد:
– ساكت ليه؟ عاجبك الحالة اللي وصلت ليها بنت عمك؟!
أنا مش فاهم انت كنت بتعمل إيه فوق عندها في ساعة زي دي، وإزاي تمد إيدك عليها؟
يحيى اتنهد بضيق:
– هي اللي استفزتني بكلامها، خلتني أفقد أعصابي… أنا كنت هعرف منين إن كل ده هيحصل؟
وأمها هي اللي ماستحملتش!
أنا مكنتش أعرف إن قلبها تعبان كده!
رد عليه جده بنظرة باردة: موت أمها مش فارق معايا كتير…
انا كنت بفكر في طريقة ابعدها عن حياتنا بعد ما تتجوز ياسمين
اهي جت من عند ربنا وماتت… الله يرحمها.. المهم عندي دلوقتي ان حالة ياسمين تتحسن عشان تكتب عليها ونقفل الموضوع ده خالص.
سأله يحيي بدهشة: وهي ياسمين هتوافق اتجوزها بعد اللي حصل ؟
رد جده بثقة: هتوافق غصب عنها.. متنساش ان أخوها لسه نقطة ضعفها اللي نقدر نضغط عليها بيها.
يحيى بصله وقال بصوت هادي بس وراه قلق:
يعني كل حاجة زي ما هي وهتجوز ياسمين ؟
الحاج شرقاوي هز راسه بتصميم:
– كل حاجة زي ما هي.. كام يوم بس تفوق من صدمتها في موت امها وانا هجوزهالك.
يحيى هز راسه باتفاق مع كلام جده وقال: ماشي يا جدي.. نستنى كام يوم مش مشكله.
جده قام وقف وقاله بتحذير: انا هرجع البيت ارتاح شوية.. متدخلش عليها الاوضه دلوقتي خالص يا يحيي.. هي محتاجة وقت تستوعب اللي حصل.. وبكره او بعده بالكتير هنرجعها البيت.
يحيى هز راسه بتفهم وسكت.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
في شقة مهاب.
فتح الباب بسرعة لمعتصم اللي دخل بخطوات سريعة وعلى وشه علامات القلق:
– في إيه يا مهاب؟
رد مهاب وهو بيقفل الباب:
– خالد عايز يروح المستشفى عند ياسمين بعد ما عرف إن أمها ماتت وإنها اتنقلت المستشفى…
وابن عمها ورجالة جدها مالين المستشفى هناك… لو راح واتشابك معاهم هتحصل كارثة .
معتصم دخل وبص لخالد، اللي كان قاعد على الكرسي بيهز رجله بعصبية، وعينه فيها نار مكبوتة.
قرب منه وسأله بهدوء:
– في إيه يا خالد؟ من إمتى وإحنا بنجري ورا مشاعرنا؟
دي مستشفى، والمكان هناك حساس جدًا، مش هينفع تروح وتسبب مشكلة.
خالد قام واقف، وصوته علي:
– هو إنتوا ليه مش حاسين بيا؟!
ياسمين تليفونها اتقفل فجأة، وبعدين عرفت إنها هتتجوز ابن عمها اللي الكل عارف إنه مجرم!
وتاني يوم… أمها تموت وهي تدخل المستشفى!!
إزاي بعد ده كله ومش عايزني أروح أشوفها؟!
مهاب قال بثبات:
– وهتشوفها بصفتك إيه؟
ده ابن عمها مجنون ومسلح برجالة جدها، تفتكر هيعديها كده؟
ولا هتدخل تتخانق معاه جوه المستشفى؟ وتتحول لقضية؟
خالد قال بعصبية:
– أنا هدخل واشوفها بأي طريقة… ومفيش حد هيمنعني.
معتصم سكت لحظة، وبص قدامه وكأنه بيرتب أفكاره: مهاب معاه حق يا خالد.. احنا لازم نلاقي طريقة تانيه تطمنك عليها من غير ما تروح وتعمل مشكله مع ابن عمها.
رد خالد بغضب وجنون: طريقة ايه يا معتصم.. مفيش طريقه غير ان انا اروح اشوفها واللي يحصل يحصل.
معتصم اتكلم بهدوء: اهدى يا خالد.. على الاقل عشانها هي.. اي مشكله هتعملها هناك ممكن تعرض حياتها وحياة الناس اللي في المستشفى للخطر..
انا فكرت في طريقة ممكن تطمنك عليها وتعرفنا ايه اللي بيحصل معاها بالظبط.
خالد ركّز معاه باهتمام، فقال معتصم:
– انا هاخد زينه ونروح المستشفى.. واخليها تدخل تقول انها صحبتها وجايه تزورها.. وتتكلم معاها وتفهم منها ايه اللي حصل.
مهاب سأل بتعجب: زينة مين؟
معتصم رد تلقائي: زينة مراتي.
مهاب ضحك وقال: ما انا عارف… بس كنت حابب أسمعها منك.
معتصم بص له بضيق: تصدق إنك تافه ومعندكش دم؟
مهاب ضحك أكتر: بهزر معاك يا عم…
الخطة تمام، وأنا موافق.
إنت رأيك إيه يا خالد؟
خالد كان واقف، قلبه مش مطمن، بس العقل بيقوله يستنى عشان ميعرضش حياتها لأي خطر.
قال بصوت غاضب: – موافق.
معتصم قام من مكانه:
– خلاص انا هتحرك دلوقتي … هاخد زينة وأوصلها المستشفى، وهفهمها كل حاجة في الطريق.
مهاب قال وهو بيضحك: ما تقول مراتي على طول ولا انت مكسوف مننا؟
معتصم بصله بحدة: طب ابعد عن وشي بدل ما ادخلك المستشفى ونيجي نزورك هناك.
خرج معتصم وهو متغاظ من مهاب.
مهاب بص ل خالد وقاله: معتصم بقى عصبي اوي بعد ما اتجوز.. شوفت الجواز بيعمل فينا ايه؟؟
خالد بص له بغضب وقال: عارف انا هعمل فيك ايه لو مسكتش دلوقتي؟
مهاب قلق وقال: انا بقول ادخل احضر حاجة ناكلها أحسن.
واتحرك مهاب من قدام خالد بسرعه.
خالد بص قدامه بشرود وهو بيفكر في ياسمين ونفسه يطمن عليها بجد.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
بعد ساعة قدام المستشفى.
معتصم كان قاعد في عربيته، عينيه على باب المستشفى، وزينة جنبه، متوترة، وعينيها بتتهرب من عينه.
بصّ لها معتصم بهدوء، وصوته خرج ناعم لكن جواه قلق واضح: فهمتي يا زينة هتعملي إيه؟
هزّت راسها بخفة وردّت بصوت ناعم فيه شوية رجفة: فهمت، متقلقش.
فضل ساكت لحظة، وبعدين بصّ لها بعمق كأنه بيحاول يطمنها ويطمن قلبه عليها:
– لو حسيتي بأي قلق، أو أي حد ضايقك جوّه، اتصلي بيا فورًا.. هتلاقيني قدامك.
زينة اكتفت بهزة بسيطة من راسها، كان فيها كلام كتير، ونزلت من العربية بخطوات مترددة.
معتصم فضل يراقبها وهي بتبعد، قلبه بيخبط في صدره بسرعة.. كان حاسس بإحساس غريب، مزيج بين القلق والحب.
من ساعة ما طلب منها تساعده في مشكلة خالد و ياسمين، وافقت من غير تردد، ولما حكى لها اللي حصل مع ياسمين عن موت والدتها المفاجئ اتعاطفت من قلبها..
اللحظة دي عرف قد إيه قلبها طيب وحنون.

دخلت زينة المستشفى، قلبها بيدق، سألت عن غرفة “ياسمين يحيى الشرقاوي”.
الممرضة اخدتها وفضلت ماشية جنبها لحد ما وصلوا للطابق المطلوب.
قدام الغرفة، كان يحيى قاعد، ملامحه مش واضحة، بس عينيه فيها حاجة مش مريحة.
أول ما شافها، وقف ووقفته كانت حادة، ونظرته فاحصة وهو بيسأل بجمود: خير؟ حضرتك عايزة مين؟
زينة بلعت ريقها وردّت بتوتر واضح: أنا صاحبة ياسمين.. وعرفت اللي حصل، وجيت أطمن عليها.
نظرته فضلت غامضة، وصوته طلع بارد كأنها دخيلة على مكان مش من حقها تدخله: بس للأسف.. ياسمين تعبانة والدكتور مانع الزيارة.
زينة حاولت تسيطر على توترها، وردّت بنبرة هادية فيها إصرار: أنا مش هتعبها في الكلام، بس عايزة أطمن إنها بخير.
يحيى سكت لحظة، باصص لها بتفكير.. في لحظة خطر في باله إنها ممكن تكون الفرصة اللي يستغلها علشان يتأكد إذا كانت ياسمين فعلاً فقدت النطق ولا لأ.
هزّ راسه وفتح لها الطريق:
– تمام.. اتفضلي شوفيها.
زينة دخلت بخطوات مترددة، وكل حواسها متحفزة.. قلبها مش مرتاح لنظراته ولا لهدوءه اللي كان يخوف.
فتحت الباب ببطء، ولما دخلت.. وقفت لحظة.
قدّامها بنت في نفس سنها تقريبًا، نايمة على السرير، ملامحها مرهقة، بشرتها شاحبة، وعيونها باين عليها إنها بكت كتير.. كتير أوي.
الهدوء في الغرفة كان تقيل، كأنه بيحكي حكاية ما بين الوجع والسكوت.
قربت زينة من السرير بخطوات بطيئة مترددة، وكل خطوة كانت تقيله كأنها شايلة هم الدنيا.
ياسمين كانت فاتحة عينيها، نظرتها متجمدة في السقف، وكأنها مش موجودة في المكان.. روحها في عالم تاني، بعيد.
وقفت زينة قدامها، وقالت بصوت هادي وحنون:
– إزيك يا ياسمين؟
مافيش رد.
السكوت كان خانق، وزينة حسّت بتوتر بدأ يزحف لقلبها، فعرّفت نفسها بسرعة، يمكن تكسر بيه الحاجز:
– أنا زينة.. مرات معتصم.. صاحب خالد.
مجرد ما خرج اسم “خالد” من بقها، عيون ياسمين اتحركت فجأة، وبصت لزينة.
في نظرتها كان في حزن غارق.. ودموع ساكنة نزلت في صمت، كأن قلبها هو اللي بيبكي مش عينيها.
حسّت زينة بقلبها بيتقطع، وقالت بصوت فيه رعشة:
– خالد قلقان عليكي.. وعايز يطمن إنك بخير.
لكن ياسمين فضلت ساكتة.
زينة قربت أكتر، وقعدت جنبها على طرف السرير، بإيدين مرتعشة مسكت إيد ياسمين..
كانت الإيد بردة، هزيلة، فيها وجع ملوش صوت.
بصّت لها زينة والدموع بتنزل من عينيها على الحالة الصعبة قدامها، وقالت بحزن:
– طب.. إنتي حاسة بإيه؟
ساعتها دموع ياسمين زادت، وبدأت تهتز وهي بتحط إيدها على صدرها، وبصوت ضعيف خرج كأنه بيتقطع من جوّاها:
– حاسة بنار هنا.. وجع جامد.. عمري ما حسّيته في حياتي.
الوجع اللي في صوتها خلّى زينة تنهار في البكاء، وقالت وهي بتحاول تمسك نفسها:
– معلش.. الوجع ده هيخف، بس إنتي لازم تجمدي.. لازم تقومي تاني عشان الناس اللي بيحبوكي.
بس ياسمين هزّت راسها بـ”لا” ضعيفة، وقالت بصوت مبحوح فيه كسر:
– مابقاش في حياتي ناس بيحبوني.. خلاص.. أنا اتحرمت منهم ومش هشوفهم تاني.
الكلمات دي خبطت في قلب زينة بقسوة، وخلّتها تبكي أكتر، مش قادرة ترد، مش عارفة تقول إيه يواسيها أو يرجّع لها الأمل.
وفجأة دخل الدكتور ومعاه الممرضة، يبصّوا على حالة ياسمين.
طلب من زينة تخرج علشان الكشف، ووقفت زينة بتتردد.
لكن في اللحظة دي، عيون ياسمين اتعلقت بعيونها..
نظرة غريبة، فيها ألف كلمة، كأن بينهم معرفة قديمة.. كأنهم مش اغراب عن بعض.
زينة خرجت من الأوضة وقلبها بيصرخ، والدموع مغرقة وشها.
ولما طلعت، شافها يحيى، استغرب من شكلها، بس فهم إنها قريبة لياسمين، ومجروحة من حالتها.
قرب منها وسأل بنبرة فيها ترقّب:
– ياسمين اتكلمت معاكي؟
زينة ماقدرتش تتكلم، بس هزّت راسها بـ”لا” وهي بتبكي، ومشيت بخطوات سريعة كأنها بتجري من الوجع اللي شافته.
كان معتصم واقف قدام عربيته، عينه ما فارقتش باب المستشفى، قلبه قلقان وكل دقيقة بتعدي كانت بتطول في نظره.
فجأة لمح زينة خارجة بسرعة، ووشها غرقان دموع، بتجري عليه بخطوات مرتبكة.
اتجمد لحظة من الصدمة، وبعدين قلبه اتخلع من مكانه وجري ناحيتها بسرعة.
قبل ما يلحق حتى يسأل، كانت رامت نفسها في حضنه بعفوية، دموعها بتغرق صدره، وبكاءها بيقطع القلب.
حضنها معتصم بقوة، إيده بتطمنها وصوته كله قلق:
– إيه اللي حصل؟ حد ضايقك جوه؟
ردّت بصوت مكسور من كتر البكاء:
– حالتها صعبة أوي.. مقدرتش أشوفها كده.. صعبت عليا.
حس بيها، حس بكل حرف نطقته، شدها لحضنه أكتر كأنه بيحاول يحميها من كل وجع شافته.
– طب اهدي، تعالي نرجع العربية.
فتح لها الباب بهدوء، وهي ركبت وهي لسه بتبكي زي طفلة، الدموع بتنزل من غير توقف، وكانت حاسة إن روحها بتنزف معاها.
ركب جنبها، وقلبه وجعه من منظرها، وبصّ لها بنظرة كلها خوف واهتمام:
– اهدي يا زينة.. وفهميني، هي قالتلك إيه بالظبط؟
مسحت دموعها بإيدها المرتعشة، وردّت ببكاء باين فيه العجز: قالتلي إن قلبها بيوجعها.. نار جوّاها.. وحالتها صعبة، ومقهورة على موت أمها.
سكت معتصم، وعينه اتثبتت قدامه، كأنه بيحاول يستوعب كل حاجة.
زينة كملت كلامها، وفي صوتها قلق واضح:
– وفي واحد واقف قدام أوضتها.. شكله مش مريح خالص، تقريبا ابن عمها اللي قولتلي عليه.. وكان بيمنع أي حد يدخل عندها.
معتصم هز راسه بتأكيد، وقال بهدوء وفي صوته نبرة أسف: طب اهدي يا زينة.. وأنا آسف إني حطيتك في موقف زي ده.
لكن زينة بصت له وهي بتعيط، وعيونها فيها صدق حقيقي : بالعكس.. هي صعبت عليا أوي.. ونفسي أعمل أي حاجة تساعدها تخرج من اللي هي فيه.
بصّ معتصم قدامه، وقال بنبرة فيها أمل وعزم:
– هتخرج.. إن شاء الله هتخرج.
شغّل العربية، وبدأ يتحرك بهدوء، وباله مشغول بالتفكير في كلام زينة عن حالة ياسمين.
وصل زينة البيت وبعد ما وصّلها، رجع على طول لخالد، علشان يحكي له اللي حصل ويفكروا مع بعض في طريقة ينقذوا بيها ياسمين من الضلمة اللي وقعت فيها.
رواية منعطف خطر بقلمي ملك إبراهيم.
الساعة اتنين بعد نص الليل.
سكون تقيل كان مخيم على المستشفى، ما بيتكسرش غير بصوت أجهزة الرعاية.
في غرفتها، كانت ياسمين نايمة تحت تأثير المهدئات والأدوية الثقيلة اللي بيكتبوها علشان “يريّحوها”.
ملامحها هادية، بس ملامح الوجع ما فارقتهاش.. كأنها بتحلم بكوابيس مش قادرة تصحي منها.
برّه أوضتها، كان واقف اتنين من رجالة الحاج شرقاوي، ثابتين في مكانهم، عيونهم بتتحرك في كل اتجاه، حذرين، ومركزين.
وفي الجناح المجاور، كان يحيى حجز غرفة مخصوص علشان يفضل قريب منها، وقال إنها “للراحة”، لكنه في الحقيقة كان بيحرص يفضل مسيطر.
وفجأة.. ظلام.
الكهربا انقطعت فجأة عن المستشفى كلها.
صوت الأجهزة فصل، والنور اختفى، والمكان كله غرق في عتمة خانقة.
وفي اللحظة دي بالظبط، دخلوا.
اتنين ملثمين، خطواتهم سريعة وواثقة، مفيش تردد فيها ولا ارتباك.
واضح إنهم عارفين الطريق.. والهدف.
واحد منهم طلع من جيبه بخاخ مخدّر، وثبّت الاتنين اللي واقفين قدام أوضة ياسمين في ثواني، ووقعوا من غير صوت.
والتاني دخل الأوضة بهدوء، بصّ بسرعة على البنت اللي نايمة، شالها بحذر، وخرج بيها كأنها ورقة في الهوا.
مفيش صوت، مفيش مقاومة، مفيش أي علامة على فوضى.
دقيقتين بس.. وكانت العملية انتهت.
خرجوا من باب الطوارئ وركبوا عربية كانت مستنياهم ولفّت بسرعة في الشارع المظلم، كأنها بتجري تسرق لحظة من الزمن.
وبعد ثواني، رجعت الكهربا.
رجع النور فجأة، والممرضين والناس بقوا يتحركوا بقلق وارتباك.. كله بيسأل:
“إيه اللي حصل؟!”
“في حد فصل الكهربا؟”
“اللي في الدور التاني شاف حاجة؟”
وفي وسط اللخبطة والدوشة دي، يحيى فتح باب أوضته بسرعة، وشه مرسوم عليه توتر غريب.
خرج وشاف المنظر اللي خبط قلبه..
رجالة جده الاتنين واقعين على الأرض، فاقدين الوعي.
وقف مكانه لحظة، والنار ولعت في قلبه..
فهم إن في حاجة خطيرة حصلت، بس لسه ما يعرفش حجمها..

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية منعطف خطر)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock