روايات

رواية غير قابل للحب الفصل العاشر 10 بقلم منال سالم

رواية غير قابل للحب الفصل العاشر 10 بقلم منال سالم

رواية غير قابل للحب البارت العاشر

رواية غير قابل للحب الجزء العاشر

غير قابل للحب
غير قابل للحب

رواية غير قابل للحب الحلقة العاشرة

الموت، راحة من كل خبيث نفس، يعيثُ في الأرضِ الفســاد، ويدنس بشروره الأنقياء، برحيله قد نظن أنها النهاية، وانقضاء المآسي؛ لكنها فقط التمهيد لبداية أخرى للغوص في معاناة جديدة. إن طالعنا الأمر من المنظور العام، فسنرى المشهد كالتالي: قـــاتل قتــل قاتـــلاً مثله، وانتهى الأمر بالنسبة له، ذلك جيد، لكن إن ضاقت النظرة الواسعة، وانحصرت فيمن متواجد معه، إذًا أصبح الأمر متعلقًا بي كذلك، ماذا سيفعل معي؟
تسمرتُ في مكاني مشدوهة للحظات، وأنا أرى “رومير” الذي كان يُحادثني قبل دقيقة واحدة بقسوة وعنجهية، ينازع للإبقاء على حياته، لم يمهله “فيجو” الفرصة، وأجهز عليه بخنجره، ليسقط صريعًا عند قدميه، غارقًا في دمائه الملوثة بأطماعه. أفقت من صدمتي اللحظية لأصـــرخ في هياجٍ وجنون، لون الدمـــاء الداكن أصابني بالهلع، ومشهد جثمان خالي زاد من هذا الشعور المرعب، تراجعت ملتصقة بحافة سرير والدتي وكُلي يرتعد.
فكرت بغريزة البقاء في الهروب، والركض بعيدًا، لكن إلى أي مدى سأصل وأنا بين قبضتي هذا القــاتل فاقد الشعور؟ بالكاد إن بلغت باب هذه العيادة فسأكون محظوظة. أعصابي كانت مستهلكة، أطرافي غير قادرة على التحرك، تطلعت بعينين فزعتين إلى “فيجو” وهو يتقدم مني، أبصرتُ الخنجر في يده، وقطرات الدماء تلوث نصله، ظننت أنه سينحـــر عنقي، فَرُحتُ أصرخ بهيسترية:
-أنا لم أفعل شيئًا، لم أخن أحدًا.
واصل خطاه البطيئة ناحيتي، فانهرت جاثية على الأرضية الباردة، زاحفة بمرفقي للخلف، وعيناي لا تزال مثبتة على وجه “فيجو” الغائم، شعرت بتلاحق نبضاتي، بأن قلبي على وشك الانفجـــار بين ضلوعي جراء تسارع دقاته، صرخت به بجنونٍ وأنا أغطي وجهي:
-لا تقتلني، لا تفعل!
شعرت بقبضتيه تمسكان برسغي، تحاولان إبعادها عن وجهي، إنه يريدني أن أراه وهو يذبحني، من هذا الشيطـــان، لم أرَ في مثل وحشيته، تضاعف هياجي، وأصابتني لوثة عقلية، فلم أعد أرى أو أعي ما أفعل، صوتي كان هادرًا، مجلجلاً، يتوسله بنشيجٍ متقطع:
-لا تفعل، أرجوك، أنا بريئة.
واصلت الصـــراخ حتى انقطع صوتي، وسكن كل شيءٍ فجـــأة، فأصبح الصمت سائدًا بشكلٍ مُحير وعجيب، وأتبعه ظهور غمامة كبيرة حالكة، هبطت فوق نظري، وجعلتني أفقد كامل إدراكي، وقد كان ذلك في صالحي، فإن أقدم على قتلي، لن أشعر بأي ألم!
………………………………………………………..

 

 

 

 

وجدتُ نفسي في ناحية قاصية، غير مألوفة لي، أجوس على أرضها برشــاقةٍ، لا أحد من حولي، النقاء والجمــال يحاوطاني، تحولت خطواتي الرشيقة إلى قفزاتٍ خفيفة متباعدة، لأجد بعدها نفسي أحلق عاليًا في السماء الزرقاء بخفةٍ ومتعة، دون أن أملك جناحين، كدتُ ابتسم للمشهد الخلاب؛ لكن سرعان ما امتلأت السماء بالغيمات الرمادية، ليصدح بعدها أصوات قوية حولي، بدت أشبه بالرعدات المخيفة، ليتبع ذلك برقًا يخطف الأنفـــاس، حاولت الفكاك من الخطر المحيط بي، وجاهدت لأهبط للأسفل، فكان في انتظاري محيطًا أمواجه عاتية، تتلهف بترقبٍ لابتلاعي، وسحبي نحو أعماقها السحيقة، كنت فاقدة لقدرتي على التحكم بأي شيء، أردتُ التوقف فما استطعت، سقطت، وارتطمت بسطح المياه القاسي، وتحطمت ضلوعي وعظامي، لأغرق بعدها في الظلمات العميقة.
………………………………………………………
كما حل الظلام سريعًا انقشع عن فراغ عقلي، وبدأ يسطع فيه ذلك الضوء القوي، فأرغمني عن التنبه والاستيقاظ. صحوتُ من إغفاءة أخرى لازمتني، والصداع ينهش في رأسي، كنتُ أضعف من المواجهة، أو تحمل المزيد من المشاهد الدمـــوية، ارتعدت من معرفة الحقائق الصادمة، وما خضته طوال الأيام المنصرمة من أحداثٍ دامية، كان كفيلاً بالقضاء على أي عقلانية في شخصي، ودفعي في نفس الآن إلى حافة الانهيار.
قمتُ من رقدتي غير المريحة، لأجد نفسي ممددة على أريكةٍ جلدية في مكتبٍ غريب يخص أحدهم. لم أكن في الغرفة التي أفقتُ فيها سابقًا، وخمنت أنها إحدى غرف الأطباء المخصصة للكشف أو مناقشة المريض عن حالته في هذه العيادة المُريبة. في البداية توهمت أن ما عايشته كان كابوسًا مفزعًا انتهى باستفاقتي، ويا ليت ذلك حدث! انكمشت على نفسي في ارتعابٍ حقيقي، والتصقت بجانب الأريكة عندما رأيتُ “فيجو” متواجدًا معي في نفس المكان؛ لكنه كان يوليني ظهره، ويتطلع عبر النافذة للمشهد أمامه. شعر باستفاقتي فخاطبني دون تمهيدٍ:
-هل يمكننا التكلم الآن؟ بعد أن فرغتُ من الخائن “رومير”.
في هذه اللحظات الحرجة، تذكرتُ كل شيء، وتلاشى ما ظننته حلمًا عابرًا مضى كغيره، حيث استحضر ذهني مشهد إقدامه على ذبح خالي بكل برودٍ وقسوة، لم يبدُ نادمًا مُطلقًا على فعلته، وتعامل مع مسـألة زهق روحه ببساطةٍ تامة، وكأنه قد دعس بقدمه حشرةٍ حقيرة، لا قيمة لها! من هولي، لم أستطع التعليق عليه، لذتُ بالصمت، وظللت أتطلع إليه بعينين متسعتين في رعبٍ متزايد، كنت أخشى أي بادرة مفاجئة يقوم بها. لبضعة لحظاتٍ بقي متسمرًا في مكانه، لا يلتفت، ولا يبدي أي حركة، يداه موضوعتان داخل جيبي بنطـاله القماشي، وهامته منتصبة في شموخٍ طاغٍ.
دق قلبي في عنفٍ أكبر، متوقعة أن يفعل المثل معي، خاصة بعد أن تأكد من خيانة “رومير” له ولعائلته، والخيانة في تقاليد هذه الجماعات تعني القـــتل المباشر، والوصم بالخــزي لباقي أفراد العائلة.
كاد يتحدث بشيء؛ لكن ولج أحدهم للغرفة هاتفًا في توقيرٍ:
-أيها الزعيم…
التفت “فيجو” برأســه نصف التفاتة، لم ينظر ناحيتي؛ لكنه ركز بصره على القادم الذي تابع:
-لقد انتهى فريق التنظيف من عمله، وعاد كل شيءٍ كالسابق.
“فريق التنظيف”! رنت هذه الجملة الشـــاذة في عقلي منشطة ذاكرتي بالمغزى المتواري خلفها، فهذا المصطلح لم أسمعه منذ زمن، وقتئذ لم أكن قادرة على التفكير بتعمقٍ وتحليل المقصود منها، لكن تفقه ذهني بعد برهةٍ بأنه يتحدث عن أناسٍ مكلفين ومتخصصين في القيام بمهامٍ معينة، أهمها محو الآثار، والتغطية على الدلائل التي قد تُدين أحدهم، تغاضيت عن سبب حضورهم مرغمة، والشكوك تساورني أنهم قد جاءوا لأجل من يخصني. تابعته وهو يعقب بهدوءٍ شديد:
-جيد.

 

 

 

 

تحولت أنظاري نحو الرجل عندما سأله:
-أي أوامر أخرى سيدي؟
أكمل استدارته ليواجهني، فقفز قلبي بين ضلوعي فزعًا، وشحبت بشرتي أكثر، كان يُجيد بث الرعب في النفوس، وكنتُ قاب قوسين أو أدنى من الانهيار مرة ثانية. نطق وكامل نظراته مثبتة علي:
-لا، انصــرف.
غـــادر الرجل الغرفة، وأغلق الباب من خلفه، لأبقى مرة ثانية بمفردي معه! جف حلقي تمامًا، وحملقت فيه عاجزة عن الكلام أو الحركة. رمقني بهذه النظرة الطويلة الغامضة، كما لو كان يضعني تحت المجهر ليفحصني. لم يتحرك من موضعه، واستطرد بنفس الهدوء القـــاتل:
-ما فعله خالك آ…
هتفت أقاطعه في دفاعٍ مستميت:
-أنا لم أخن أحدًا، صدقني لم أعرف بنوايــاه، وأمي مثلي، إنها بريئة.
ظل وجهه جامدًا، لا يظهر أدنى ردة فعلٍ وهو يعقب:
-لو كنت أشكُ للحظة بأنكِ متورطة معه، لما كنتِ تحادثيني الآن.
صدمني تعليقه، وحدقت فيه بالمزيد من الذهول الذي يشوبه الخوف، ســار خطوتين ناحيتي، فتضاءل جسدي وارتعش، كم وددتُ لو تشق الأرض وتبتلعني، فلا يغدو قريبًا مني! واصل تقدمه في اتجاهي، ولم يكن لدي مهرب منه، كنتُ محاصرة في الأريكة، فقط أبقيت نظراتي المتوجسة عليه، أطل علي من الأعلى، وقال في ثقةٍ مختلطة بالغرور:
-كانت لدي شكوكي حوله، وكنت أتركه يظنُ في تصديقي إياه، وقدرته على خداعي؛ لكني لم أمسك بالدليل الملموس الذي يدينه بعد.
احترتُ فيما أخبره به، ولازمت السكوت، راح بنظراتٍ نافذة يطالعني قبل أن يضيف بوجهٍ قاسٍ:
-ومن مثل خالك، رغم حذره الشديد، سيخطئ، وقد حدث.
لمحت شبح ابتسامة مغترة على جانب فمه عندما أتم جملته:
-ونــال جزائه.
عند التطرق لهذه الجزئية فهمت ما يرمي إليه، يريدُ إرعابي، وبث الخوف في أعماقي، لم يكن بحاجة لأي مجهودٍ ليولد كل ذلك الرعب في قلبي، كنت بالفعل أموت في جلدي. ارتجف صوتي وأنا أسأله:
-ماذا ستفعل بي وبأمي؟
جلس إلى جواري على الأريكة، فانتفضت في توجسٍ شديد، وتزحفت بعيدًا عنه، حتى كدتُ أقفز من فوق مسندها لأهرب من محيطه، بالطبع لم أفعل ذلك، وبقيت منكمشة في بقعتي. رأيت “فيجو” وهو يضع ساقه فوق الأخرى، نظر إلي بترفع قبل أن يقول في غموضٍ ضاعف من حيرتي:
-سنكمل ما بدأناه معًا.
زويتُ ما بين حاجبي مرددة في صوتٍ مرتعش:
-لم .. أفهم.
أراح ذراعه على طول حافة الأريكة، فبلغ حينما فرده مكاني، مما جعلني أبعد جسدي عن ملمس أصابعه، لاحظ ما أفعله، ورمقني بهذه النظرة المليئة بالغموض، شتت نظراتي عن التحديق في يده القريبة مني عندما أضـــاف:
-سيتم الاتفاق.
نظرت إليه في حيرةٍ وأنا أسأله:
-أي اتفاق؟
أوضح بلا ابتسام بلهجةٍ حازمة لا رجعة فيها، وبما جعل دبيب قلبي يبلغ أقصاه في طرفة عينٍ:
-أعني بذلك زواجنا.
……………………………………………………….

 

 

 

 

مـــرت اللحظات ثقيلة بعد أن سمعت ما أملاه علي من قرارٍ غير قابل للنقاش، شعرت وكأن شمس اليوم قد غابت سريعًا، لأغرق ذهنيًا في ظلامٍ ممتد لا ضوء فيه! لون ثياب “فيجو” السوداء عزز من هذا الشعور الكئيب، فأحسست وكأن الظلام قد زاد ظلامًا. أبقى على وجهه الخالي من التعبيرات وهو يستطرد بازدراءٍ محسوسٍ في نبرته:
-ليس لأني مفتونٌ بكِ، فأنتِ في نهاية الأمر كما قــال .. الطعم الملائم لخداع الجميع.
كان وقحًا بشكلٍ فج، وصادم، مما يبدد مظاهر الخوف ويحولها إلى ضيقٍ وحنق، غامت قسمات وجهي من وصفه المستفز السمج، واحتدت نظراتي ناحيته، استمر على نظراته المحقرة من شأني قبل أن يضيف في جديةٍ:
-لا أحتاج للمزيد من النزاعات والصراعات الداخلية في هذا الوقت، أريد أن أفرض سطوتي على الساحل بأسره، وهذا الزواج سيضمن إكمال الاتحاد بين العائلتين، أما تأجيله أو كشف الحقائق فيعني حدوث التقسيم، وهذا لن يفيد أي أحد.
حاد بعينيه الخاليتين من الإشفاق بعيدًا عني ليتطلع أمامه، وتابع:
-سأمنحه شرفًا لا يستحقه.
حدجته بنظرة حادة غاضبة، فالتفت من جديد ناحيتي، وقال بجمودٍ:
-سأجعل منه شهيدًا لا خائنًا.
اتسعت عيناي في دهشةٍ وعقلي قد أخذ يفكر بتحيرٍ ليفسر مقصده المفعم بكل ما هو غامض، كيف يمكن أن يحول من غدر به إلى النقيض؟ أنا أعلم جيدًا أن الغفران غير موجودٍ بين هذا النمط من البشر، فهل من الممكن أن يعفو عنه ببساطة؟ بالطبع لا، هذا دربٌ من الجنون، أخرجني من سرحاني الخاطف بتحذيره الواضح لشخصي:
-ويجب عليكِ أن تؤدي دورك على أكمل وجه.
قطبت جبيني أكثر، فأكمل وهو يرفع ذراعه ليمس وجنتي بما بدا أشبه بقرصةٍ:
-وإلا ستتحملين العواقب بمفردك.
انتفضتُ من لمسته المباغتة، كأن عقربًا لدغني، وأبعدت رأسي بعيدًا عن مداه، ولدهشتي وجدته يسحب ذراعه إليه، كأنما يستعيده، واستأنف في نفس الصوت الهادئ:
-الجميع قد علم بمسألة اختطافك، وتعرضنا للاقتحام، سنكمل من عند هذه النقطة.
أبقى عينيه الثاقبتين على وجهي يراقب ردة فعلي، فكانت ملامحي تجمع كل أمارات الاندهـــاش، أراح “فيجو” ظهره للخلف، وراح يطالعني بنظراتٍ قوية قبل أن يكمل بعبوسٍ:
-سنقول أن الحقير “رومير” عرف مكان احتجازك، ووصل إليك…
ذكريات أخرى سقيمة اقتحمت عقلي، فقاومتها بكل طاقتي، لا أرغب في الغرق بداخل هذه الدوامات المهلكة للنفس، بالكاد كنت أتعافى من كبوة قاصمة للأظهر، لأجد نفسي عالقة في أخرى أشد وطــأة، كيف لي النجـــاة من هذا المستنقع؟!
رأيتُ “فيجو” يبتسم في استهجانٍ قبل أن يوضح لي:
-هو في الحقيقة لم يفعل، فقد كان شريكًا مع هؤلاء الأوغــاد؛ لكني وصلت إليكِ بطريقتي، ومن رجالي الذين يملأون الشوارع السفلية، الأعين الجساسة.

 

 

 

 

للمرة الثانية أكد لي أنه من أخرجني من جحيم الــروس المهلك، أما حديثه عن هذا النوع المذكور من الرجـــال فأرعبني إلى حدٍ ما، لكون هؤلاء منتشرين كالجرذان، ينقلون ويتناقلون فيما بينهم كل شـــاردة وواردة، عن طريقهم تستطيع معرفة ما قد يطرأ على بالك عن أي أمــر، فإن انتشر في الأوســاط مسألة ما بعينها، وجدتُ عندهم تفاصيلها. مرة أخرى عدتُ للتركيز مع كلامه عندما استطرد في نبرةٍ هازئة:
-وعندما وجدك لديهم، كأبٍ متعصبٍ، اندفع بغرائزه الأبوية ليدافع عنكِ، فتخلى عن حياته في سبيل إنقاذك.
احتقن وجهي من وصفه الساخر، وكظمت انزعاجي رغمًا عني. نهض “فيجو” من جواري، واستقام واقفًا وهو يخاطبني:
-سأحرص على أن يتباهي الكل بشجاعته الزائفة، وأنا لكوني الزعيم سأكمل ما بدأناه معًا احترامًا لذكراه.
الكذب في أبهى صوره كان واضحًا، ومرتبًا، بل وأنيقًا للغاية، يكاد يقنعك بحقيقة حدوثه إن لم تكن على درايةٍ بكافة الوقائع الأصلية. كنتُ أنظر له باندهاشٍ مذهول، لا مشكلة لديه إلا وكان يملك الحل لها مهما بلغت درجة تعقيدها. بلعت ريقي، وتطلعتُ إليه عندما واصل مُحادثتي بصرامةٍ صريحة:
-لذا مطلوبٌ منكِ إتمام الأمر في طاعة كاملة…
التوى ثغره في بسمة متهكمة وهو ينهي عبارته:
-وبكل إقناع، قطعة السكر!
تدليلي في هذا الموقف الحرج كان مغيظًا بشكلٍ مستفز، لهذا هتفتُ محتجة من فوري:
-لا تناديني بهذا اللقب.
زم شفتيه ببسمة صغيرة مقتضبة قبل أن يعلق:
-أحب أن تعود إليكِ الروح القتالية، لا تلك الضعيفة المتخاذلة، فأنتِ ستصبحين زوجة الزعيم!

 

 

 

 

ازداد وجيب قلبي بعد أن سمعت هذه العبارات منه، كما تسلل إلي شعور الرهبة من الخوض في مجهولٍ سأكون فيه شريكته، أفقت من شرودي اللحظي على صوته القائل:
-أرى أن تبدأي مهمتك مع أمك، فقد أفاقت قبل قليل.
انقبض فؤادي وانتفض، ورُحتُ أردد في لهفةٍ مشتاقة:
-أمي.
تحرك “فيجو” ناحية الباب؛ لكن قبل أن يتركني وينصــرف لأفكر بإمعانٍ فيما قاله، استدار ليكلمني بنبرة مهددة علنًا، لئلا أتردد في طاعته:
-إن أخفقتِ في إقناعها، فقد تلحق بشقيقها، وبدلاً من الترتيب لجنازة واحدة سنجعلها لاثنين!
بهتت ملامحي، وحملقت فيه بحاجبين مرفوعين للأعلى، لوح لي بإصبعيه، وغـــادر الغرفة، لتبقى نظراتي المشدوهة على سراب طيفه، قبل أن أدمدم مع نفسي بغليلٍ استعر في داخلي:
-اللعنة عليك.
بقيتُ مبهوتة لعدة دقائق يملأ رأسي الصخب والخوف، لم أنهض من موضعي، رغم شوقي الجارف لرؤية والدتي، ظللت ماكثة ويداي ترتعشان، همهمت في أنفاسٍ شبه متهدجة:
-أنت أسوأ مما ظننتُ بكثير …………………………………….. !!!

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *