روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و العشرون 27 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و العشرون 27 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السابع و العشرون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السابع و العشرون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السابعة و العشرون

~…عودة حب…ورحيل آخر …~
بعد وقتٍ طويل في المحاولة للوصول لقلب أحدهم … أن لم نستطع لابد أن نتوقف ….الركض بالطريق الخطأ لن يفقدنا فقط ربح النهاية … يفقدنا قوتنا ولا نستطع حتى السير بالطريق الصحيح بعد ذلك…
شغف الحياة بعينيه أصبح مثل الزهرة الذابلة …جفنيه مسترخيان في فتور ووهن …. نثر خريف زهرة الأمل اليأس من كل شيء وهو ما زال بعنفوان شبابه….!!
بعد مرور الوقت بدوامه اليومي بالمشفى ….دخل د.أمجد مكتبه الذي يتشاركه مع بعض زمائله بهذا المشفى …
لم يكن هناك غيره بالمكتب وحمد انشغال البقية …. لنيل بعض العزلة …لإتاحة الفرصة لحزنه أن يظهر قليلًا ويتنفس ليهدأ ….
ذهن مشتت ، خواطر مبعثرة ، آمال محطمة ، نظرة يائسة لكل شيء …. اختصار بسيط نمر به بعد الفراق مباشرةً.
لأول مرة يعترف أنه فارقها !! ….. وكيف لا وهي ستتزوج بعد أيام قليلة ؟! …. بكل ما استطاع أن يفعله ..فعله !
ولكنها اختارت رجل آخر …حبيب آخر ، حياة بعيدة عنه تمامًا … وليت هذا الآخر يحافظ عليها ….مثلما كان سيفعل !
كان مكتبه قريب من الممر المؤدي لغرف العناية بهذا الطابق ….. أخرجه من شروده وتيهته هذه صوت يبكِ …. أضيق ما بين حاجبي أمجد بفضول ليعرف صاحب هذا الصوت ….. تحرك من مكتبه وهو يضبط إيطار نظارته على أنفه قليلًا …..
حتى فتح الباب ببطء واختلس نظرة للممر ….ليتفاجأ بفتاة تسند ظهرها على الحائط وتكتم فمها بيدها من شدة البكاء …..
آل السبب سريعاً لبكائها…بالتأكيد لها مريض بغرفة العناية …وربما بخطر أيضاً…. مشهد متكرر …ولكنه سيظل مؤلم لديه مهما رآه ….
كان سيعود ولكنه توقف عندما أشتد بكاء الفتاة …. ساقته قدميه لها دون إرادة منه فعليًا ….. ولكنه عطف عليها وخاصةً أنها بمفردها ……وقف جانبًا وعلى مسافة قصيرة منها وقال :
_ أنتِ ليكي حد في العناية ؟
كان السؤال ساذج بعض الشيء ولكنه مناسب للأستفسار عن حالتها هذه ….. نظرت له الفتاة وهي تبكِ بشدة ….هزت رأسها ثم أنزلت يدها من على فمها وقالت بصوتِ ضعيف من البكاء :
_ أخويا الصغير …. حالته ما تطمنش يا دكتور أمجد …
تفاجأ أمجد أنها تعرفه وتعرف اسمه !!! …… ونظر بعينيه عليها فشعر أنه رآها من قبل ……لاحظت الفتاة وقالت بنظرة غامضة له:
_ أنا بقالي ٣شهور بشتغل هنا في قسم الأشعة …. عشان كده أعرف حضرتك ….
هز أمجد رأسه واتضح أمامه الأمر ….رغم أنه بصعوبة حتى تذكر أنه لمحها من قبل …..فتساءل :

 

_ هو حصله إيه ؟!
بكت الفتاة بقوة مرة أخرى وقالت بألم :
_ نزل مع صحابه عشان يروحوا الكورسات ، اتلموا عليهم شوية شباب ما أتربوش واتخانقوا ….ولما أخويا وقف قصادهم ومحدش عرف يضربه …واحد فيهم معاه عربية خبطه وبعدين هرب …. وبقاله يومين حالته خطيرة …. دخل عمليات عشان عنده كسر في رجله ….. الزيارة ممنوعة ومش عارفة أطمن عليه …
قال أمجد برفق ليطمئنها :
_ أن شاء الله يقوم بالسلامة… الزيارة أكيد ممنوعة عشان ما ترهقوش بالكلام أو حالتك دي تأثر على نفسيته وهو دلوقتي محتاج يهدا… ممكن أعرف اسمك إيه وفي أي قسم للأشعة ؟
ازدردة الفتاة ريقها وهي تمسح عينيها وتنظر له بنظرات بها الغموض والتساؤل …فأوضح أمجد بصدق :
_ عشان هسأل عن حالته واجيلك أطمنك …..مش أكتر والله.
أجابت الفتاة وهي تطرف عينيها وتنظر لجهة أخرى بعيدًا عن نظراته المتوارية خلف زجاج عدسته الطبية …وقالت :
_ اسمي فرحة عبد الله ….. قسم الأشعة المقطعية ….
قال بهدوء :
_ تمام …. وطالما الزيارة ممنوعة حاليًا يبقى الأفضل تروحي بيتك أو ترجعي شغلك ، الواقفة هنا مافيهاش فايدة صدقيني ….
رفضت “فرحة” بتصميم وأنعقد حاجبيها بإنفعال وهي تجيب :
_ لأ …مش هتنقل من هنا غير لما يفوق ويكلمني ….ده أنا ماليش غيره ….اسيبه أزاي بس ؟!
لم يجادلها فالأمر بالآخير لا يخصه ….فقال :
_ براحتك …. بعد إذنك …
تحرك عائدًا لمكتبه ، بينما انتبه أنها عادت تبك من جديد ، والغريب بالأمر أنه لاحظ بنظراتها شيء غامض !! ….. أو ربما كان يتوهم …..دخل مكتبه مرةً أخرى وتركها بالخارج …..
توقفت فرحة عن البكاء بصوتٍ مسموع إلى بكاء صامت …..ليته ما أتى ولا تحدث معها ….. لأول وهلة صدمت من وقوفه أمامها وهي من كانت تحلم بذلك منذ أن أتت لهنا …..
منذ أن رآته وقد لفت أنتباهها …لتمر الأيام ويوما بعد يوم كانت تلمحه من بعيد …وتتعلق به أكثر ….في صمتها الأخرس ….. وحزنها من معرفة الحقيقة …أنه متيم بأخرى !
منذ أيام قليلة كانت تعاهدت مع نفسها بأن لا تفكر فيه لحظة أخرى …. وأنها لابد أن تخرجه من أفكارها …. أنه حتى لم يعرف أنها تعمل هنا !! ….فأي أمل بقلبه بعد ؟!
أصبح الم قلبها الضعف بعد هذه المحادثة السريعة معه ، ثم تنهدت فرحة بعمق …علها تطرد هذا الثقل والأختناق من أنفاسها ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
انشغل الفتيات بالعمل بالمنزل وتحضير الطعام …..وكل واحدة خاطرها شاردًا في حبيبًا مختلف…..
همست حميدة لجميلة وهما ينظفا المطبخ بعد الإنتهاء :
_ هو الواد نعناعة اتأخر كده ليه النهاردة ؟!
أجابت جميلة بسخرية ؛
_ عشان عايزينه …..بالك أنتِ لو مش محتاجينه في حاجة كان زمانه مرازينا من الصبحية ….
وضعت حميدة الأطباق النظيفة على حامل الأطباق المعدني وقالت بصوتٍ هامس خفيض :
_ أنا خايفة لما أمي تعرف …. خايفة تصمم تمشيهم أو نمشي احنا ونرجع لبيتنا تاني …. مش عايزة ارجع البيت يا جميلة ….. هشوف أبويا في كل ناحية فيه وقلبي هيوجعني ومش هبطل عياط …..
قالت جميلة بقلق وهي تمسح أرضية المطبخ بقطعة قماش جافة :
_ عندك حق والله ….. وأنا كمان مش عايزة ارجع رغم أن البيت وحشني ….. بس أن شاء الله تعدي على خير …خصوصاً يعني أنهم مالهمش ذنب في حاجة …. وأمك بنفسها قالت أن أبويا كان مسامح جدي قبل ما يموت ونفسه يرجع البيت الكبير من تاني واحنا معاه ….
ابتسمت حميدة بمكر وقالت لها بغمزة من عينيها :
_ أنا حاسة أننا سامحناهم عشان يعني …حبيناهم وكده ….
كتمت حميدة ضحكتها بعدما قالت ذلك ، فأقتربت منها جميلة هامسة بحذر لكي تصمت :
_ وطي صوتك يا غبية ! ….. قال حبيناهم قال !
ثم وضعت يديها حول خصرها وقالت بثقة :
_ هو يمكن آه عجبني بس مش للدرجادي يعني ! ……. وبعدين أنا بقلق منه بصراحة ….ده مية من تحت تبن ، خبيث ومكار وعنيه شكلها زايغة أوي…. وأنا عصبية ومش هستحمله ….

 

قالت حميدة بابتسامة واسعة:
_ ما هو محدش كامل من مجاميعه ، خديه مجنون وعقليه ….
مطت جميلة شفتيها بسخرية وقالت :
_ أخده ؟! ….قال يعني اتكلم عليا واتقدم عشان أبقى اعقله !!
اقسمت حميدة بتلك الابتسامة المتسعة على شفتيها وقالت :
_ والله ليتقدم قريب وبكرة تشوفي ….. ده كفاية غيرته عليكِ وده ومكنش لسه عرف كمان القرابة ما بينا ….أومال دلوقتي بقا ؟!
ابتسمت جميلة بخجل حتى هربت بنظراتها من حميدة وقالت بعجالة:
_ خلصي خلصي ….مش هنقعد طول النهار ننضف !
في ذلك الوقت قد أنتبها الفتيات لصوت الصبي بالخارج ….. وهذا يعني أن ساعة كشف الحقيقة اقتربت ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دلف الصبي للننزل بعد وضع حمولة الزرع بالحظيرة …..وتفاجئ الفتيات أن خالهم “العمدة” قد دلف خلفه وكأنهما كان سويًا بالحقول …..
نظر الصبي للفتيات الواقفن عند مدخل المطبخ وقال لهما:
_ قابلت أبويا في الغيط وقولتله ، كان مع الحاج عيسوي بعد ما خلصوا قعدت الصلح وراحوا الغيط بعديها ……
تنفست حميدة الصعداء، بينما نظرت جميلة لخالها بنظرة شك ….. ولكن على ما يبدو أن ظنها سيكن صحيح …. لأن ما كاد العمدة أن يدخل المنزل حتى توجه مباشرةً إلى غرفة شقيقته “وداد” ….. بينما دخل الصبي الحمام ليغتسل سريعا قبل تناول الغداء المتأخر ميعاده ……
قالت حميدة بإرتياح :
_ الحمد لله خالك عرف وهو هيتولى بقا المهمة دي بدالنا ….وهيقول لأمي وهيفهمها براحة من غير ما تتعصب ….
أطرفت جميلة عينيها بتفكير وشك ….ثم قالت بنظرة شاردة بعض الشيء :
_ مش عارفة …بس حاسة أنه عارف من الأول …. شكله مش متفاجئ خالص وعينيه بتهرب مننا !! ….. تفتكري أنه كان عارف أنهم ولاد عمامنا من يوم ما وصولوا ؟!
هزت حميدة كتفيها دلالة عدم المعرفة بالأمر …فقالت :
_ وحتى لو يعرف …. اللي يهمنا أن ما تحصلش مشكلة بينا وخلاص ، كفاية هم بقا ونبقى كويسين مع بعض!! …أظن كده أريح …
التفتت جميلة بنظرة ماكرة لحميدة، وقالت بابتسامة خبيثة :
_ عارفة ….. بأمارة يوسف !
ابتسمت حميدة بحياء ثم قالت :
_ وفيها إيه يعني ؟ ….. طالما ناويين على الحلال من غير لف ودوران …. هو صراحة ما كلمنيش لأني مش بديله فرصة أصلًا …. بس قلبي حاسس أننا على نفس الطريق …..
ربتت جميلة على كتف شقيقتها وقالت بمحبة :
_ ربنا يسعدك يا حبيبتي وأشوفك مبسوطة معاه قريب ….. شكله طيب زي أبويا الله يرحمه ….راجل بس جواه طفل طيب متمسك بوجوده حتى لو الشعر شاب … اللي زي ده بيعتبر مراته أمه وبنته كمان …..
وبغرفة ” وداد ” …….
حدقت عينيها بدهشة في وجه أخيها عندما أخبرها ما حدث ….فقالت بتوتر :
_ مقالوش ليا أي حاجة طول النهار وده شيء يقلق !! …… أنا خايفة يصمموا يمشوا من هنا ….. أنا فاكرة كويس لما سافرنا تاني يوم وفاة مصطفى الله يرحمه ومارضيوش يروحوا بيت العيلة ورفضوا ……
طمئنها شقيقها وقال بابتسامة :
_ بالعكس …..أنا كنت قلقان زيك كده ، بس اللي عرفته من الواد نعناعة أبني أنهم ما زعلوش خالص !! …. والشباب نفس الشيء كانوا بيهزروا ويضحكوا بعد ما عرفوا …… وكمان أنا مبسوط أن جاسر دافع عن جميلة ووقف في وش نبيل ووقفه عند حده …..

 

ابتسمت وداد على مهل ثم قالت :
_ يظهر أن جدهم كان عارفهم أكتر من أي حد ….ومجيتهم هنا كان لازم تحصل ….. عشان كمان البنات مايتحججوش ويرفضوا يقابلوهم أصلًا …..أهو كده كلهم عرفوا بعض من غير ضغط مني أو من جدهم …..
قال أخيها بتحذير:
_ اتعاملي مع البنات والشباب كأنك متفاجأة ، أوعي تبيني أنك كنتِ تعرفي حاجة ….. هبعت نعناعة دلوقتي يندهلهم عشان يتغدوا معانا بمناسبة الاكتشاف ده يعني …..
وافقت وداد دون تفكير …… ثم خرج العمدة من غرفة شقيقته وقابل بالصالة الفتيات يجلسن امام التلفاز ….كأنهن بأنتظاره ….
حاول أن يخفي ابتسامته وهن ينظرن إليه گ القطط الجائعة التي تنتظر أن يضع لهم احدًا الطعام …..
فقال لهنّ بمحبة وهو يجلس بقربهنّ :
_ أنا قولت لأمكم يا بنات …. ومتخافوش هي قبلت وجودهم ….لأنهم مالهمش ذنب في حاجة ….. بس اوعوا تكونوا أنتوا زعلانين ؟
قالت حميدة بابتسامة عريضة :
_ لا خالص يا خالي ….. نزعل ليه وهما عملوا فينا إيه ؟! ….. وبصراحة كفاية دفاعهم عننا امبارح …حتى اسأل نعناعة ….
أتى الصبي من غرفته بعدما بدل ملابسه بملابس نظيفة وقال وهو يرتدي حذائه الجلدي :
_ جاسر كان هيبلع نبيل …. ده لو اتساب عليه هيفرمه بس أنا حوشته …. ما انتوا عارفيني لما بتنرفز بعمل إيه !!
قالت رضوى وهي تكتم ضحكتها :
_ آه عارفين ….. رابح فين يا فرط البلح ؟
نظر لها بغيظ ثم قال :
_ رايح أشوف صحابي …..خليكي في حالك يام نص لسان ….
ضحك الفتيات عليها وشاركهم العمدة ….ثم تمتم قائلًا :
_ والله لمتكم هتوحشني يا بنات …. طلعتكم هتبقى صعب عليا …..
نظرت جميلة له بنظرة ضيقة واستفسرت قائلة :
_ بتقول إيه يا خالي ؟!
هز الرجل رأسه بنفي وادرك موقفه …فقال :
_ لا مابقولش ….. قوموا حضروا الأكل الشباب زمانهم جايين على هنا …..
نهض الفتيات سريعا إلى المطبخ وهم يتهامسون …..باستثناء رضوى التي اشتاقت أن تراه ….. ربما كان بالأمس في صدمة وسيعود لطبيعته الودودة …..ابتسمت لهذه الخاطرة ورسمت بعض الأمل …. فليس منطقي أن يضيق بهذه القرابة أن كان يميل إليها !!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
كان قد أتى الشباب الأربعة منذ نصف ساعة ……وتساءل جاسر وهو يرتدي ذاك الرداء الرياضي الذي كان يرتديه بالأمس في العرس …..فقال بابتسامة خبيثة :
_ حد يروح يستأذن من العمدة نسمع الماتش عنده …. يلا بقا الزمالك وحشني
نظر له يوسف بابتسامة سرعان ما تحولت لضحكة :
_ اشمعنى العمدة يعني ؟ ….ما أحنا عرفنا أن الفريق الطبي عندهم دش وتليفزيون عادي وممكن نتفرج معاهم…؟!
رد جاسر وهو يمرر يده على شعره بابتسامته الماكرة :
_ بتفائل بالعمدة ….. حاسس أني هركز أكتر لو شوفت الماتش عنده …… الراجل وشه بشوش بشبشة قمر …..
ضحك يوسف عاليًا …. وأوضح قائلًا :
_دي بنتك عمك خليك فاكر …..يعني مش للتسلية وتفكيرك الشمال ….أنسى جاسر القديم شوية …..
نظر له جاسر بضحكة ماكرة وقال :
_ فكرتني ….. ده زمان البنات اللي أعرفهم بيعدوا الأيام لحد ما ارجع ….. الشقاوة وحشتني ….. الواحد حاسس أنه في منفى ….
قال رعد بتعابير وجه لا زالت جامدة:
_ مش رايح معاكم ….
زمّ جاسر شفتيه بغيظ ثم أشار له بتهديد :
_ بقولك إيه أنا مش طالبة معايا كآبة !! …… ياشيخ بذمتك أنت مش نفسك تشوفها ؟! …… أنت عنيد ليه ؟ ….وليه مش طايق نفسك كده ؟!
نهض رعد وقال بغضب :
_ لأن دي الحاجة الوحيدة اللي كنت فاكر أني هختارها بنفسي وبإرادتي …..أنما في الآخر اكتشف أن جدك ليه صلة بالموضوع وده كله كان خطة يبقى آسف …… مش هسمحله المرادي ….. كفاية إجبار بقا …. تدخل جدك المرادي قادر يكرهني فيها بجد !
تنفس جاسر بغيظ وعصبية منه فقال :
_ لما نبقا نتأكد نبقى ناخد موقف ….. أنما تصرفاتك دي مالهاش معنى بصراحة في الوقت الحالي ……
هتف رعد فيهم بعصبية وقال :
_ انتوا مش فاهمين حاجة …..أنا متأكد من اللي بقوله لأني ربطت الخيوط ببعضها ….احتمال البنات كمان كانوا عارفين أننا ولاد عمهم وبيستعبطوا ! …..
لو ظني صح ووافقت وفرحت دلوقتي عمري ما هقدر تاني أقول لجدي لأ في أي شيء …..حياتي وحياتكم انتوا كمان هتبقى في إيديه بيحركها زي ما هو عايز من غير ما نقدر نعترض ولا ننطق حرف …..أنا من قبل ما أجي هنا وكنت مقرر قرار نهائي استقل بحياتي عنه …… والقافلة دي بالنسبالي آخر قرار هياخده بدالي ……
تنهد بضيق شديد ثم قال بعصبية :
_ أول مرة اكره تدخله بالشكل ده …. هو اللي وصلني أن أكره أي شيء بيختارهولي حتى لو بحبه …..وللأسف موافقة أي حد فينا هتضعف الموقف كله للباقي …… أنا ما نمتش من امبارح وراسي هتنفجر من التفكير …..
نظر له آسر وقال متفهما احساسه وقال بتأكيد :
_ عندك حق يا رعد ….أنا كمان كنت زيك مقرر كده ….. بس على الأقل احنا لحد دلوقتي معرفناش الحقيقة فين ….. ياريت نأجل أي قرار لحد ما نتأكد وبعديها نقرر ……
قال رعد بتصميم والعبوس يملأ وجهه :
_ ماليش مزاج للماتش …روحوا انتوا …..
زفر جاسر بلعصبية وهو يتمتم بغيظ …..ثم قال للشباب :
_ خلاص سيبوه هنا …. بائس وهيفضل طول عمره بائس ….. وأنا اللي كنت فاكره التونز بتاعي في الدماغ وفاهمني ….. أنا محاط بأخواتي المتخلفين !!
نظرا له يوسف وآسر بغيظ …..حتى انتبهوا لدق على باب المندرة …..توجه يوسف ليفتح الباب، فوجد الصبي ينظر له بصمتٍ لبرهة ….ثم قال ونظرة عينيه بها شيء غامض :
_ أنتوا معزومين على الغدا عندنا يا دكاترة …. تنورونا ….
ابتسم يوسف له ولم يلاحظ عبوس الصبي وتجهمه فقال :
_ أبن حلال يا نعناعة …كنا جاينلكم ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بأحد المستشفيات القريبة من مكان الأختطاف …تم نقل الطبيبة مروة ونقلت أيضا ليلى وأبنتها …..
تاهت ليلى في غفوتها ويدها معلقة بكانيولا لتوصيل محلول طبي لجسدها …..
كانت تتمتم ببعض الكلمات المتقطعة، وهي ممددة على فراش طبي بغرفة منفردة ….قد حجزها وجيه لها خصيصا حتى يتم نقلها بالمشفى الذي يملكه …..
لا زالت الصغيرة بين ذراعيه …رفضت رفض تام أن تبتعد عنه ولو لدقيقة واحدة ….ترفض حتى الغفوة !!
كأنها إذا اغمضت عينيها سترى ما حدث بأحلامها ….وهذا السبيل الوحيد التي ترى من خلاله ….بالأحلام …..
نطقت بصوتها الضعيف للمرة العاشرة منذ أن أتى لهنا :

 

_ بابا وجيه ؟
نظر وجيه للجسد الصغير المتشبث به بكل قوته …ورد بصوت يملأه الحنان :
_ ايوة يا حبيبتي …
ابتلعت الصغيرة ريقها وهدأت رجفتها قليلًا وصمتت …كأنها لم تكتفي بتمسكها به …بل تتأكد أنه هنا من صوته …..فهم وجيه حالة الذعر المُلمة بها فقال وهو يربط على رأسها برفق :
_ مش همشي ….ولو مشيت ….
اهتز جسد الصغيرة بشدة من كلمته الأخيرة وبدأت تبكِ ….فتابع سريعا ليوضح لها مراده :
_ هاخدك أنتِ وماما معايا ….. مش هسيبكم تاني أبدًا ….
هدأ بكاء الصغيرة ورويدًا عادة لسكونها الغامض …. بدأ يقلق بالفعل على نفسيتها وصمتها هذا …فقال ليحسها على الحديث :
_ اتكلمي …. قولي اللي أنتِ عايزاه وأنا اعملهولك …. هجيبلك اللي أنتِ عايزاه ….. اجيبلك إيه ؟
ادمعت عين الصغيرة بحزن بريء…. وقالت بوهن :
_ القطة
قال وجيه باقتراح :
_ هبعت اجيبهالك من الفندق ….
بكت الصغيرة وهي تلتقط أنفاسها بالكاد وقالت :
_ ماتت تاني ….
إلى الآن لم تدرك الصغيرة أنها اصبحت يتيمة ، ولا تدرك أن ابيها الذي ترجاها منذ ساعات أنتهى للأبد ، ضمها وجيه بتنهيدة وهو يتفهم كم الأمر مؤلم بالنسبة لطفلة بعمرها …فقال بحنان :
_ هجيبهالك تاني ….أوعدك …. لو مجبتش القطة ليكِ خاصميني ….. أنتِ عارفة أن بابا وجيه بيحبك صح ؟
هزت الصغيرة رأسها بالإيجاب وببطء ….فتابع وجيه بنظرة عطوفة :
_ يبقى صدقيني ….هجيبلك قطة شبهك بالضبط …. وجميلة أوي زيك كده …. أحلى قطة بالعالم لبنتي حبيبتي ….
مسحت الصغيرة عينيها بقبضة يدها، ثم اغمضت عينيها ورأسها على صدره ..ربت وجيه على رأسها بابتسامة حنونة …. وقلبه يقسم أنها ليست غريبة ….هذه أبنته وليست غريبة عن حنانه الأبوي …… وليست غريبة عن قلبه …
رددت ليلى اسم ابنتها …ثم ناشدت باسم وجيه ونزفت عينيها المغمضة دموع …..رغم تيهتها، فقال وجيه بهمس لها :
_ أنا معاكِ يا ليلى وبنتنا بأمان ….. أطمني وهفضل جانبك لحد ما تفوقي ….. مش هستنى تاني يا ليلى ….. أنا محتاجلك جانبي ….وأنتِ محتجالي وريميه محتجالنا أحنا الاتنين …… مجرد ما تقدري توقفي على رجليكي هنكتب كتابنا ….
هكون معاكِ خطوة بخطوة في العلاج بس وأنتِ معايا ….. كفاية عشر سنين فراق ووجع ووحدة …… أنا عارف إنك سمعاني …وعارف أن الكلام ده بيوصلك وبيطمنك ….هفضل اكلمك لحد ما تفوقي ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
رفع رعد هاتفه الخاص واجرى اتصال على رقم هاتف جده
“رشدي ” ……
أجاب رشدي على الهاتف سريعًا من فرط قلقه من تأخر وجيه واختفائه المفاجئ من المشفى …..وقال :
_ الو ؟!
رد رعد عليه بإجترار الحديث بهدوء تام لكي لا ينكشف أمره …فقال :
_ وحشتني جدًا يا جدي …… فاضل تقريبًا شهر وكام يوم لحد ما نرجع …….
تعجب رشدي من اتصال رعد المفاجئ ….فكان يتصل به يوسف وجاسر باستمرار …بينما رعد دائمًا كانت أحاديثه قليلة …..ولا يحب كثرة التحدث بالهاتف …..فقال بشوق حقيقي لحفيده :
_ وأنت كمان يا رعد وحشتني أوي …..
ظهر القلق بصوت الجد فسأله رعد :
_ صوتك ماله يا جدي أنت فيك حاجة ولا إيه ؟…. كام ساعة وتلاقيني عندك والله …
نفى الجد وقال بتأكيد :
_ لأ أنا كويس أوي والله ….بس وجيه مش في المستشفى واتأخر في ميعاده ….المفروض النهاردة هيجي بدري عن كده أنا عارف مواعيده ! ….وكمان تليفونه غير متاح …..
قال رعد بصدق ليطمئنه :
_ لا متقلقش …..ده كان بيحصل كتير قبل كده ، عمي بيروح مستشفيات تانية وعنده مرضى كتير مش في المستشفى عندنا ….. وأنت عارف أنه لما بيبقى مشغول بيقفل تليفونه …..
ارتاح الجد بعض الشيء وقال :
_ طمنتني شوية ….. ها بقا قولي ….الحو عندك عامل إيه ؟
وصل رعد لمبتغاه دون مجهود ….فقال بمراوغة :
_ هايل يا جدي ….بجد مرتاح جدًا هنا ، والعمدة هنا استقبلنا هو وأهله استقبال عظيم ….. محسسناش أننا أغراب هنا بالعكس …لدرجة أني اعتبرتهم أهلي خلاص وقررنا أنا والشباب نعمل مركز طبي هنا صغير كده لأهل البلد ……لو تشوف حبيناهم أزاي مش هتصدق ….
ابتسم الجد بإرتياح شديد وهبث مر بعينيه فقال :
_ طب الحمد لله ….دي أخبار جميلة جدًا ومبشرة …..
ابتسم رعد وبعينيه غيظ وغضب …فقال متظاهرًا بالمرح :
_ اللي فرحني بقا وصدمني كمان مش هتصدق …. أنا نفسي مصدوم لحد دلوقتي …..تخيل أن العمدة يبقى أخوا مرات عمي مصطفى !! ….. وهي هنا وبناتها هنا كمان …. بصراحة اتبسطت يعني مش هكدب عليك ….. وياريت ما تزعلش ….أنت من زمان نفسك تشوفهم ….
تفاجأ الجد رشدي من حديث رعد المرح وقال بدهشة :
_ يعني أنت شوفت البنات وهما عرفوا أنكم قرايب ؟
ضحك رعد متظاهرًا وقال :
_ آه عرفنا …وهما عرفوا كمان وكلنا اتبسطنا عادي ….. دول من دمنا برضو ولا إيه ؟!
قال الجد بقوة ولم يدرك أن حفيده يستدرجه :
_ طبعا من دمكم ومن لحمكم كمان …… اهو كده ارتحت الحمد لله ….
قال رعد وهو ينهض بحركة عصبية :
_ شكل هيبقى في نسب يا جدي لينا احنا الأربعة…وقعنا على ملا وشنا من غير ما نحس …. واهو نبقى لمينا الشمل …ولا إيه رأيك ؟
رد الجد كان تلقائي بفرحة شديدة وقال بتمني :
_ ده يبقى يوم المنى ….ده اللي اتمنيته من زمان يابني …… أنا قلبي بيتنطط من الفرحة …
قال رعد بثبات بعدما كتم غضبه :
_ أنت خططت صح بس بصراحة الخطة عجبتنا ودخلت دماغنا احنا الأربعة ….مبروك يا جدي يا لئيم …أنت كسبت زي كل مرة

 

….
ضحك الجد وظن أن رعد بالفعل يمزح معه، ولم يجد عائق أو ضرر في كشف الخطة….فالأمر قد تم دون تدخله كاملًا :
_ كانت نيتي خير والله …..مكنتوش هترضوا تسافروا لو كنت اقترحتوا عليكم عادي ….بس أهو ربنا سهل الحال وأنتوا اللي اختارتوا بنفسكم …عشان ما حدش يقول أني اجبرتكم …..
صرّ رعد على أسنانه بغضب وقال :
_ طب لو كنا رجعنا ومحدش قرر فينا يتجوز بنت عمه …كنت هتعمل إيه ؟
هرب الجد من الإجابة، وبدأ يشعر بتغيير في نبرة صوت حفيده متجهة للعصبية …فقال بمراوغة :
_ وليه أفكر في كده طالما ربنا سهل الحمد لله من غير إجبار مني !! ….. بس قولي …أنت اخترت أنهي واحدة فيهم ؟
قال رعد بحدة وقد اجتاحه الغضب :
_ لما اوصل القاهرة هقولك يا جدي …..
ضيق الجد رشدي عينيه بقلق ، قد اوضحت رنة صوت حفيده شعوره الحقيقي ….فقال له :
_ أنا هكون عندكم في خلال أيام …..نفسي أشوف البنات أوي …بقالي سنين ما شوفتهمش ….
قال رعد بهدوء ما قبل العاصفة :
_ توصل بالسلامة يا جدي ….. بعد أذنك …..
انتهى الأتصال بهدوء …..دفع رعد الهاتف وعينيه يتأجج منها الغضب ……نظر لخزانة ملابسه وقرر العودة للقاهرة على الفور ….
توجه بغضب إلى الخزانة وأنزل حقيبته الكبيرة ، ثم بدأ يلقي فيها الملابس بدفعات غاضبة من يديه …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
قدم الفتيات الطعام أمام الشباب …. مع نظرات جاسر المغازلة بصمتٍ ماكر …كانت تتهرب منه جميلة بابتسامة تخفيها بداخلها ….
بينما كان يأمل يوسف الطعام بنهم ويقول بقصد :
_ تسلم إيد اللي عملته والله …..
كان يشعر أنها على الأقل شاركت فيه ، وقصد أن يصلها صوته …فابتسمت حميدة وهي بالمطبخ …..
التزم آسر الصمت وهو يأكل بهدوء ، بينما عينيه كانت تنتفض بحثا عن سما ….التي منذ أن ظهرت أختفت بعدها …..ولكنهما تشاركا نظرة سريعة مبتسمة …. كانت كافية لأن تحيي فيهما الأمل من جديد ….وتمد صلة القرب…
هربت رضوى لغرفتها وظلت تبكِ ….. هي على يقين أنه قصد عدم المجيء ……الأمر ليس مصادفة هذه المرة ! …..
أنتهت فترة الطعام وتقدم جاسر ليغسل يديه بالحمام……
كان الحمام بجانب المطبخ ….وقف يغسل يديه وهو يقول مبتسما :
_ إيه الصابونة القمر دي …. هاخدها معايا وأنا مسافر …. جميلة جمال مالوش مثال ….
نظرت حميدة لجميلة التي تكتم ضحكتها في المطبخ …اقتربت لها وهمس بضحكة خافته وقالت :
_ بقيتي صابونة …
بعد دقائق مرت ….جلس الرجال أمام التلفاز بإنتظار المباراة ……
خرجت سما من أحدى الغرف وهي ترتدي عباءة سوداء للخروج …وقالت وهي تنظر بعيدًا عن الانظار الموجهة لها من الشباب :
_ هسأل جارتنا على حاجة يا خالي وجاية بسرعة …..
نظر آسر لساعته وقال للعمدة :
_ هي هتخرج بليل كده يا عمدة ؟! …..
أشار العمدة لسما وقال بأمر :
_ ادخلي دلوقتي يا سما وابقي اسأليها بكرة …..
ضغطت سما على أسنانها بغيظ وهي تنظر لابتسامته المنتصرة …. ولغمزة جاسر لآسر بمكر وابتسامة خبيثة وهذا ما استفزها أكثر …… بينما يوسف ك عادته ضحك عاليًا دون أن يعرف أحد سبب ضحكته تحديدًا ….
لمحته حميدة من المطبخ وكتمت ضحكتها وقالت لجميلة بهمس :
_ ضحكته بتخليني عايزة ارقع بالصوت من الضحك …. دمه خفيف حتى لو ما نطقش كلمة !!
دخلت سما لغرفة أمها عائدة بنظرات غيظ …… فاتسعت ابتسامة آسر وشعور المرح يغزو كيانه …..
بدأت المباراة وللعجب لم يكن الصبي متحمسا لها مثل السابق …بل وكأنه يفكر بشيء وشاردًا به كليًا ……
سرقت المباراة ذهن جاسر وبدأ يتحمس ويصيح كلما اقتربت الكرة للمرمى …. ولسوء الحظ دخل بمرمى ضد فريقه هدف صحيح ……فوجد يوسف لكمة على كتفه فجأة…. فتأوه بعصبية :
_ أنت غبي !!
عنفه جاسر بغيظ ..وصاح:
_ قوم من جانبي يا أهلاوي مش طايقك……أنت لابس شراب أحمر ليه ؟!
قال يوسف ليغيظه :
_ ولابس الساعة الحمرا كمان ….. مش عشان ده ماتش الزمالك يبقا أنسى أني أهلاوي ؟!
نظرت حميدة لجاسر بغيظ من بعيد ….وهمست :
_ تتضرب في ايدك يا جاسر !! …. ده أنت فعلًا غبي !
وضعت جميلة يدها حول خصرها ، وهي ترفع حاجبها وتقف بمنتصف المطبخ :
_ مين ده اللي ينضرب في ايده ياختي ؟!
استدارت حميدة وقالت بتضيقه من عينيها :
_ ابو طويلة اللي أطول من الباب …..يمد ايده على يوسف ليه ؟!
نظر الفتيات لبعضهن للحظات ثم انخرطا في الضحك على ما يفعلونه !
أتى هدف آخر بعد فترة ضد فريق جاسر …فلاحظ أن العمدة يبتسم ….فسأله جاسر بنظرة خادة :
_ أنا حاسس أنك أهلاوي يا عمدة ؟!
اتسعت ابتسامة العمدة وقال :
_ أومال بضحك ليه يابني !
انخرطا آسر ويوسف في نوبة من الضحك على نظرات جاسر النارية ……
حتى وجدوا باب المنزل يقرع بشدة …..
نهض الصبي ليفتح الباب فوجد رعد يقف وبيديه حقائبه ….نهض الشباب الثلاثة عندما رأوه هكذا ….ونظروا له مصدومين ….حتى قال رعد بصوتِ لا يقبل الجدال أو المناقشة :
_ أنا راجع القاهرة …….مسافر دلوقتي …..

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *