روايات

رواية أترصد عشقك الفصل العشرون 20 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل العشرون 20 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك البارت العشرون

رواية أترصد عشقك الجزء العشرون

رواية أترصد عشقك الحلقة العشرون

ما هو الحب حقا ؟

أهو الألم

أم القهر

أم الحزن

لا أعلم هل الحب يجعلني أقف كمسخ أمام من أحبه

وأعشق التراب الذي يسير عليه

وأتمنى نظرة حانية من عينيه الجافئتين

أم ماذا ؟!!

ما هو الحب ، وما هو العشق ؟! وهل كذب السابقون وزرعوا بداخلنا كذبة كبيرة لنرتطم بصخرة الواقع !!!

إن أعطتني الحياة كل ذلك الألم ، لما لم تعطيني فرحة .. وكأنها تظن انه كثير علي

كثير علي أن أحظى بسعادة ولو ضئيلة ..

كل شخص يأخذها علي حين غرة ، منذ قدوم نضال الهائج الى مقر الشركة التي تعمل بها ، والاختيار الذي وقعت فيه لأن تختار بين  معذب القلب أم ذلك المسكين الذي تلقى ضربة من زوجها ..

إن كان زوجها يغار بشدة ، لما لا يريحها ، يطمئنها أن غيرته تلك تكمن من شدة خوفه عليه

هو يراها تخرج عن طوعه ،، تنبذ رداءه الذي يحجبها عن العالم الذي تود أن تكتشف مميزاته ..

لكن الاهتمام الغريب الذي ينطلي علي عيني ناجي ، كانت الضربة القاضية .. تخشى أن تفسر اهتمامه بشكل خاطئ .. ولا تريد أن تزيد الوضع سوء

تعلم أن ما فعلته لن يمرر علي خير وخصوصا نضال لن يتوارى على أخذ حقه كاملا

رفعت عيناها وأسوأ ما في مخيلتها يمر كشريط اسود امام عينيها ، وهوية المقتحم كانت

جيهان

صمت مهيب ابتلع ألسنتهم ، وعيون كل منهم تنظر للأخرى بالتساؤل والشك … كانت جيهان أول من سيطرت على اندفاع فضولها وهي تري ابتعاد فرح بجسدها عن ناجي الذي التمعت عيناه بنظرة غريبة … بدت غامضة لها

بل ناجي بكله غامض … كأنه ليس بصديق تعرفه !!!

زفرت جيهان بحده ، هذا ما ينقصها توتر آخر فوق توترها … منذ تلك الليلة التي صرخت فيها شادية انها اعلنت فسخ خطبتها على صفحة الانستجرام الخاصة بشقيقتها ، أعلنت الخصام والمقاطعة ووالدها ينتظر تقرير ما قامت بإفساده ..

تظن ان الايطالي قام بشئ جعل كل غضب شادية منه يصب فوق رأسها ، ما ذنبها هي إن ارادت أن تجمع بينهما … تراه مناسبا … بل شخص بعبثية وجديته المبهرين وكيف ينتقل كلاهما بين وقت العمل ووقت الراحة ابهرتها .. الرجل ليس سيئا لتلك الدرجة

والأهم من ذلك .. أنه رجل .. رجل بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ليس مثل ذلك النجس معاذ ، أو الغول بعضلات ضخمة لؤي

ان بحثت عن شخص يناسب شقيقتها ، فـ سرمد هو المترشح الأول بلا منازع .. قدمت إلى ناجي ليجد لها حلا … لكن منذ قدومها إلى الشركة ورؤية ثور يناطح الجميع بقرونه علمت أن السيدة فرح قامت بعمل عظيم أثار غيرة ذلك الهمجي !!!

استمع الجميع الى صوت نضال الصارخ وهو يلقي السباب في وجوه أفراد الأمن ، مالت جيهان برأسها تنظر الي شحوب فرح واهتزاز بدنها وهي تراها ساهمة في ملكوت آخر

– ممكن افهم ايه اللي بيحصل هنا

اخفضت فرح رأسها ، عضت على طرف شفتها السفلى والدموع تتخذ طريقها للانفجار

لما يجرحها ويهينها إلى تلك الدرجة ؟! لما يترك للجميع انطباع سئ عنها

ألا يحق لها الاختيار ؟! … أم هو الوحيد من له الحكم في التحكم بمقاليدها

شحوبها حاكي الموتى ، رفعت رأسها بتباطؤ لتهمس لجيهان وقلبها يدق طنين الموتى واشكة على أن تلقى حتفها لتهمس بصوت خاوي

– مفيش حاجه يا جيهان

رفعت جيهان حاجبها باستنكار لتلقي نظرة نحو ناجي بكدمة كبيرة حمراء على خده لتقول بحدة

– والله ، على أساس شايفني عيلة صغيرة تضحك عليها بكلمتين

ارهفت اذنيها السمع إلى سماعها لسباب ذلك الثور ، هل من حسن حظ فرح أنها من اقتحمت الباب اولا ؟!

صاحت بنفاذ صبر وهي تتطلع الي صمتهم الكئيب

– التور اللي برا ده بيعمل ايه

زفر ناجي بحدة قائلا

– جيهان

وقفت فرح متخشبة ، تستمع الي صوت الصخب الخارجي ، وكل زمجرة منه وسبة تقلل من قيمتها عنده

هل هي عبئ عليه ، أم يريها ما هي مكانتها عنده وأنها لا ترقي لشئ بجواره !!

بات صوت الموت أقرب إليها من انفاسها لتغمض جفنيها ودمعة تسللت من مآقيها تحفر في خدها … وصوت نضال الصارخ يطن في أذنيها

– وعزة جلالة الله ، لو محدش بعد من وشي هتندموا علي اليوم اللي وقفتوا فيه قدام نضال الغانم

تأففت جيهان بحده وهي لم تجد من يجيب على تساؤلها ، صاحت بنفاذ صبر

– هو ايه حصل

تطوع ناجي يقول بنبرة باردة وهو يلقي نظرة خاصة نحو فرح الفاقدة النطق

– البيه مضايق ان مراته هتطلع في فيديو كليب

اتسعت عينا جيهان باعجاب شديد لتصفق بيدها قائلة

– واوووو ، بتتكلم بجد ، مين المطرب جيل جديد ولا قديم

اكتفي ناجي بمراقبة فرح التي تنتظر أن تجر للمقصلة … لما تفعل ذلك بحياتها

ما ذلك الحب المريض ليجعلها تتعلق برجل مثله ، رجل لا يقدرها ولا يحترمها أمام الجميع

رجل يهينها ، ويتعمد جرح كرامتها وكأن زوجته تلك … جارية اشتراها بثمن بخس !!!

لا يعلم ما دافعه للدفاع المستميت للأخذ بحقها ، أو افاقة تلك الغبية الغارقة بيأس في حب مشبوب أهوج ، هو حاول أن يصمت وأن يتخذ درع اللامبالاة لكن لم يستطيع .. لم يتحمل أن يراها تقتل نفسها متعمدة … مرر أنامله على موضع الكدمة ليتأوه بخفوت

لا يريد أن يتصارع مع رجل يتخذ ذراعه لغة الحديث والمحاورة ، هو يأمن من شره فقط … منتظرا تلك الغائبة عن الحياة أن تفيق وتثأر !!!

اقتحم نضال المكتب الذي فضلته عليه هو

فرح التي كانت تهب نفسها له دائما فضلت ذلك المسخ عليه

كانت طعنة ، طعنة غادرة لن تبرأ أبدا … وهو يرى زوجته فضلت رجلا غريبا

رجلا يعلم ما يرغب من زوجته هي ، ملكه ويقسم أن من يقترب منها سيكون في عداد الموتى

لا أحد يعبث بأشيائه وأملاكه الخاصة ابدا …. عينيه محتقنة بشرر ورغبة دفينة للقتل صاح بنبرة هادرة في وجه التي ترتجف من رأسها لأخمص قدميها

– بدون كلمة يا فرح ، قدامي حالا

بغضبه الأهوج

ورعبها

برغبته الدفينة بقتلها

وقلقها

بغيرته العنيفة

وقلبها الواشك على الاحتضار ،،،

بعينيها الدامعتين

ونظرته المميتة

تلعثم الشفاة خوفها من بطشه

بنظرة الوعيد في عينيه

علمت أنها لن تقدر على أن تهدئته

همست بعذاب ونبرة مختنقة والعالم من حولها يتساقط كما تتساقط النجوم من فلكها

– نضال

زمجر بغضب وهو يرفع عينيه ينظر بنظرة مميتة لناجي ، أصبح هذا الرجل في عداد الموتى ، لن يتركه ولن يرحمه ابدا حتى يراه يلفظ انفاسه الاخيرة

– جنبي حالاااااااا ، والا قسما عظما لأسوي المخروبة دي في الارض

اتخذت جيهان الصمت والوضع المشاهد ، متعاطفة بأسف مع فرح التي تقف بتخشب تنظر إلى ذلك الجبار الغير متأثر بدموعها ولا خوفها … اتسعت عيناها بجحوظ حينما استمعت الي نبرة ناجي الجادة

– اتكلم على قدك

لوت جيهان شفتيها بملل ، هو من جلب لنفسه الموت .. ابتسم نضال بابتسامة شرسة وهو يدخل بهدوء إلى غرفة ذلك القذر .. صاح بنبرة ساخرة

– ايه ده .. انت طلعلك صوت تاني ، شكلك عايز تاخد علقة

سارعت جيهان بإغلاق الباب خلفها حتى لا يرى الموظفون موت رب العمل أمام زوج غيور ، صاح ناجي بحدة

– علي الاقل مش همجي وبتسخدم دارعي

نظر نضال بملامح حادة لينظر إلى ناجي بسخرية من رأسه إلى أسفل قدميه قائلا بتهكم

– هو انت عندك دراع اصلا ، ده انا اشك فيك اصلا

كادت ان تنفجر جيهان ضاحكة ، لتهز رأسها هامسة

– قصف جبهة

وضع نضال يديه في جيب بنطاله وصاح بلهجة آمرة في وجه ناجي المحتقن بحدة

– العقد يتفسخ

هم ناجي بالرد الا ان صوت فرح الجامد جعلت الرؤوس تلتفت نحوها

– مش هفسخ حاجه يا نضال ، ووريني هتعمل ايه

ازدادت شراسة عيني نضال ليزمجر بحدة ، كما لو انه ثور علي وشك أن ينطح صاحب الرقعة الحمراء ليخرج يديه من بنطاله قائلا بنبرة شرسة

– هعمل ايه  … وماله

ختم جملته بلكمة قوية في فك ناجي  الذي تفاجأ من هجومه المباغت ، تبعه لكمة أخرى في معدته لتتسع عينا جيهان بجحوظ وهي تحاول بأي وسيلة إنقاذ ناجي … رفعت هاتفها تتصل بالشرطة .. ووقفت فرح تنظر بجمود شديد الي كلاهما

كأنها غير معنية بالموضوع

تقف كمشاهد فقط دون الإتيان بحركة أو رد فعل

زمجر نضال بحدة وهو يميل برأسه هامسا بنبرة تحذيرية لناجي

– فكر بس تقرب وقسما بالله ما هيطلع عليك نهار

نظر نضال باشمئزاز وهو ينفض عنه ذلك الحقير ، ليتوجه بخطوات حازمة نحو فرح التي تنظر اليه بقلق

منتظرة صفعة أو تقريع منه

ثانية وانقلبت الدنيا رأسا علي عقب لتتفاجئ بنفسها محمولة على كتف نضال الذي خرج من الغرفة كما لو خرج من المعركة منتصرا بجائزته …. كسي وجهها الحرج والغضب لتهمس

– نضال ، انت اتجننت نزلني

الا ان نضال لم يكن يلقي لها بالا ، تابع سيره المختال أمام الجميع وهو حاملا زوجته .. لتشعيهما جيهان بغبطة وتحسر هامسة بلوع

– اووف ، حد زي كدا يا جدعان بدل ما انا سنجل

همت بالمغادرة الا انها استمعت الى صوت المسجي عليه ارضا يقول

– تعالي ساعديني

رفعت حاجبها بسخرية لتقول

– شغل دراعك يا نوجا

القي ناجي سبة ليعود غالقا جفنيه بألم بعد ثلاث ضربات التي كانت كل واحدة أشد من الثانية ، لهذا يرفض العمل مع نساء متزوجات .. كله بسبب تلك البلوة جيهان التي قدمتها له !!

……..

منذ حمله الاستعراضي من مقر الشركة حتي وصل إلي مقر مسكنهما كان ما زال يحملها بتلك الطريقة الهمجية ، البربرية ووضعها أرضا حينما وصل لحدود مملكته

بين جدار غرفة نومهما …

ازدردت ريقها بتوتر وهي تتخذ الصراخ حتى تخرج بعضا من ثورتها

– انت اتجننت ، اوعي تفتكر في يوم اني سيباك ت…

قاطعها قائلا بنبرة خاوية ونبرة بها بعض التشكك

– بتعملي معاه ايه في الاوضة لوحدكم

لم ترد ، ولم يكن لها النية للإجابة على سؤاله المتشكك ، اتسعت عيناها بجحوظ حينما وجدته ينزع حزام بنطاله … فغرت شفتيها والصدمة شلت تفكيرها

هل سيعاقبها ؟!

هل سيمارس بعض ساديته عليها … انتفضت بهلع حينما هوي بحزامه علي الارض لتنظر اليه جاحظة العينين واتبعه سؤالها المرتجف

– انن …انت بتعمل ايه

ابتسم نضال بشر وهو يلف حزام بنطاله حول راحة يده ليقول بتسلية ونظرات قاتمة يرى ضحيته الثانية

– اشوف المدام بتاعتي ، اللي مستغفلاني بتعمل ايه من ورايا

لم يعجبها جموح أفكاره ، وتشكيكه بها .. اغرورقت عينيها بالدموع وحاولت أن تقف كلبؤة جسورة وهي تصرخ في وجهه

– نبرة شك دي يا نضال

حل ازرار قميصه ببطئ وتروي ، يربك مشاعرها

توتر اعصابها

يتلف رباطة جأشها وشجاعتها الوليدة

حاولت أن تحتمي بجسدها عن نظراته النهمة علي جسدها لتسمع صوت الحزام الذي هوي للمرة الثانية في الهواء مصدرا صوتا مرعبا … اهتزت أطراف بدنها وهي تسمعه يهمس بشر

– كنت متساهل كتير معاكي يا فرح

رفعت رأسها وهي تحاول أن تنزع رداء الجبن الذي ارتدته سابقا

لسانها كان يتحرك بخوف وتلعثم وعينيها تنظر الي الحزام تارة ، ثم الي جذعه العاري تارة أخرى

متحاشية النظر إلى عينيه

كي لا تضعف

وتكتب هزيمة أخرى وتحقق انتصارات أخرى له

– عايز تضربني

لم تسأله .. بل كانت تسأله وهي تواجهه ببسالة شديدة ، وقوة وليدة انبثقت تخرج من جنبات ضلوعها

تتحداه

تتحدى تلك الغطرسة والغرور

– اضربني

رفع حاجبه الأيسر لأعلى وهو ينظر اليها بوجوم وغضب مستتر لتتابع تصيح بحدة وهي تضرب بقدمها على الأرض

-انت ليه مصمم تكسرني وتقل من قمتي قدام الناس

انفجر يضحك ساخرا وهو يرى تلك السذاجة التي تحدثه بها ، هوي بحزام بنطاله علي الأرض لتقشعر فرح مرتعدة خائفة ان تكون الضربة التالية علي جلدها ، صاح بشراسة ممزوجة بالقسوة

– أقل من قيمتك !! ، انتي عارفة انا مانع نفسي اني اقوم اكسر دماغك

ثم علا بصوته وبجبروته يعلن غيرته اللعينة ، غير معترفا بالحب كونه غير مصدقا له

– والله كنت رقدتك علي سرير المستشفي ، انتي عارفة مجرد بس تخيل انك مع النجس ده خلاني اروح بتفكيري في ايه

زمجرت هي الأخرى بغضب لتصرخ في وجهه بشراسة

– لان تفكيرك قذر

تبارت انفاسهما وبقي كلاهما يحدق في عيني الآخر ، لوي نضال شفتيه بسخرية قبل ان يجذب خصلات شعرها بعنف لتصرخ فرح متأوه بعذاب

– ااااااه

دفن نضال رأسه في اذنها هامسا بنبرة مزمجرة

– تفكيري قذر ، تشوف مراتي تسيبني وتروح لل*** ده يبقي تفكيري قذر ، الباب يتقفل عليكم وتفكيري قذر ليه شايفاني ****

انهمرت الدموع من مآقيها ، تشعر بذاتها رخيصة

رخيصة عنده لدرجة باتت تشمئز من نفسها

يقولون أن تأتي متأخرة أفضل من ألا تأتي

هي لم ترغب أن ترى صورتها عنده

حتى الصبر في قلبها قد بلغ منتهاه

والحب لم يكن سوى خدعة كبيرة !!!!

استكان جسدها وهي تردد تلك الكلمة لمرات عديدة ، لم تشعر بنضال وهو ينتزع يده من خصلات شعرها ، ولا به وهو يسحب قميصه .. كل ما انتبهت له

تلك الغشاوة التي انزاحت كليا لتنظر إلى نضال

ذلك الرجل الذي يبدو غريبا عن الذي تعرفه ، أو الشخص الذي تجاهلت معرفة حقيقته

انتبهت على صوته الحاد

– مفيش شغل تاني ، ورجلك مش هتعتب باب البيت

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها، هل يعيد عقاب عقيم كعقم تفكيره ، آخر ما تفكر به حاليا هو ذلك العقاب .. غمغمت بسخرية

– ولو موافقتش هتعمل ايه يا نضال

لم يلقي لها بالا بالرد عليها ، التفت مغادرا لتعالجه فرح وهي تعوق طريقه قائلة بنبرة جامدة

– هتطلقني مثلا

رفع نضال حاجبه ، آخر تفكيره أن يطلقها .. هل تتمنى ان تتخلص منه ؟!!

علي جثته ، لتقتله اولا كي تتخلص منه

اسودت عينيه قتامة وهو يراها تتابع بنفس النبرة الساخرة المستفزة

– هتضربني

ثم رفعت عيناها تقول بنبرة صريحة

– ولا تعذبني قولي

قبض علي عنقها وهو يتنفس بحدة ، عينيه بنيرانها المندلعة تكاد تحرقها من مكانها ، ازدردت ريقها بتوتر لتسمعه يجز على اسنانه بسخط .. كابحا تهوره ليقول

– متحاوليش تلعبي عليا يا فرح ، انتي اللي هتندمي .. عارف قلبك ده ليا لوحدي والا كنت دفنتك

غمغمت بصوت خاوي

– بتراهن على حاجه مبقتش ملكك يا نضال

ابتسم بشر وجمود ملامح وجهه جعلته ينظر إليها لفترة ، ود أن يلقنها درسا لن تنساه … يخبرها من هو الملك في تلك اللعبة ، لكن ليس الان ، ما لديه الآن هو أكبر لتلقين ذلك القذر درسا لتعديه ملكية غيره  … ثم يأتي عقاب تلك المتمردة ويثبت لها بالقول والفعل كيف هي ملكه !!

وقفت فرح وحيدة في غرفته ، كل ما هو هنا ملكه ، لا شئ هنا ملكها حتي بيته ملكه خاص ، جاءت بضاعة أو مزهرية انيقة لتزين طاولة سفرته .. توجعت وهي تنقص من نفسها … تشعر بالدونية وهي تحدق في كل ركن في اركان الغرفة ، انفجرت تبكي بمرارة شديدة

يخبرها هو عن وجعه

وهل ذاق هو وجعها أو حاول أن يخفف عنها !!

اصبح اناني حتى في غيرته ، ورصيدها نفذ وأصبحت لا تملك رصيدا إضافيا .. ما فعله اليوم كسرها .. كسرها حتى العمق .

****

في حي عاصي ،،

زفر عاصي ساخطا ، كان يعلم أن تلك الزيارة لن تمر على خير … كان متأكدا أن اندفاع جدته سيفسد كل تريثه في التعرف على وجد ..

هو حتى الآن غير مستوعب ان الاميرة زارته حيه ، بل وجلست وتناولت معهم .. لم يصدر علي ملامحها سوي ابتسامة راقية وهي تتسامر مع جدته ثم تتناول بنهم لذيذ  للطعام معربة عن حلاوته … لو تعلم أن الحلوي تسكن في شفتيها

والعذوبة تخرج من شفتيها

والرقة تنضح من عينيها

استند على عكازه زافرا بحرارة ، يشعر بالحرارة التي تضج كامل أوردة جسده كلما مر خاطر لتذكر أميرته ، ماذا فعلت هي بقلبه ؟!!

كيف أصبح سائرا في فلكها … هائما ، منتظرا أن تسمح له بالدخول الي عالمها الخاص !!!

تأففت توحة بحدة وهي تضرب بكلتا يديها علي فخذيها لتقول بنفاذ صبر

-يوووه رايح فين يا وااد

توقف عاصي عن السير ليدير علي عقبيه قائلا بنبرة يائسة

-ياتوحة الله يسترك شايفة طولي وسني ، تقولي عليا ولد

هل لأنه أطول وأعرض منها بعضلات يظن نفسه رجل ، هل تريد أن تفتح له البوم الفضائح لتجعله ناكس الرأس شاعرا بالخجل من نفسه ، هل يخجل من اللقب ؟!!!

استقامت من مجلسها بحدة وهي تقترب منه قائلة بانزعاج

-واقرصك من ودانك يا وااد ، اومال انتي فاكرني نايمة علي وداني .. تقدر تقولي مقولتيش عن البنت دي ليه عشان نخطبها

رفع عيناه للسقف لعدة ثواني ثم نظر اليها قائلا بنبرة ذات مغزى

-نخطب مين بس يا توحة ، انتي مش شيفاها من فين وانا من فين

ان كان يظن أنه يستطيع أن يكذب على الجميع فلن يقدر على الكذب أمامها ، ألم تجلس أمامهما وترى نظرات بعضهما البعض ، الاولي خجولة مترددة والثانية تحاول أن تتهذب كي لا تقتلع عينيه !!!

اشاحت يديها قائلة باستنكار واضح

– نعم نعم نعم نعم ، اومال الشهادات اللي معلقاها دي ليه ، والكلية اللي دخلتك فيها … وانا انا اللي سبت الدنيا اللي فوق وجيت عشت مع المعلم الله يرحمه واللي عمره ما خلاني اندم انى اتجوزه وبعتلي صفاء

تهدجت انفاسها والتمع الدموع في عينيها ، ليمر شريط الذكريات امام نصب عينيها … تحية الشوربجي ابنة الحسب والنسب ، التي تزوجت ابن معلم لحي شعبي ، تتذكر استنكار اقرنائها تاركة المتقدمون لها بالزواج لتختار الرجل الذي دق باب قلبها ، سنين مرت واتي بذرة  حبهم في طفلة سمتها صفاء ، تعرضت بعدها مشاكل في الرحم لم تقدر على جلب له الابن من صلبه ، كان هناك كثير من النساء اللاتي كن موافقات على منح له الابن ، لكنه رفض واكتفى فقط بها وبصغيرته … ثم كبرت الصغيرة وتزوجت زميل لها وسافرا إلى دول الخليج …. سنوات زواجهم مرت وهي تشعر بغياب ووحشة في المنزل لتستيقظ في يوم على خبر وفاة زوج ابنتها وعادت صغيرتها مع ابن لها رضيع رأته وارثا الكثير من ملامح زوجها الراحل ، لم تتحمل ابنتها فراق زوجها لتلاحقه وتترك الصغير بين ذراعيها ، لم تحرم حفيدها من أي شئ سواء من تعليم أو تلبية رغباته مع الحزم الشديد في التعامل كونه الولد … وحفيدها لم يكن عاصي بل مطيع لاقصي حد … اقترب عاصي بلهفة منها قائلا بجزع

– توحة

اختنقت انفاس توحة ، ليحاول عاصي الاستناد على عكازه بقوة متحملا وزن توحة الزائد فوق وزنه ويجلسها علي الاريكة ليسمعها تهمس

– الايام جرت بسرعة يا عاصي ، جرت بسرعة لدرجة انا خايفة اموت ومشوفش ابنك يا عاصي

التمعت عينا عاصي وهو ينظر بلهفة وخوف من فقدانه لأمه الثانية من الحياة ، مال مقبلا رأسها هامسا

– ربنا يديكي الصحة وطولة العمر يا رب يا امي

انفرطت توحة في البكاء أثر كلمة ” امي ” لا تعلم كيف تلك الكلمة تفعل الأفاعيل في قلبها وعاطفتها تستميل لسماع تلك الكلمة منه ، مررت يدها على وجهه .. تدعي له أن يحقق الله امنيتها وتراه متزوجا من التي ملكت قلبه ، وستكون شديدة الحرص علي أن تزوج حفيدها وابنها من تلك الرقيقة التي خطفت قلبها لأول مرة

– البنت شرياك .. اسمع مني ، فرح قلبي بقي

قالتها بيأس شديد وعاطفة مستجدية جعل عاصي يتأوه بعذاب ، كيف يتأكد فقط انها ملك له .. برغم انه يعلم ان جدته لن تبخل عليه بشئ ، لكن فارق المستوى بينهما لن ينساه .. هو يحاول جاهدا ان يكون مقبولا حينما يتقدم لها ، فلا شهادته ولا عمله سيكون شافع له إن لم يكن اسم عائلته له ثقل في البلد …. وخوفه الاكبر ان تكون هي لا تراه

بل تكون متأثره به فقط كرجل .. ثم ينطفئ الانبهار لتحرق قلبه !!

غمغم بنبرة جامدة وهو ينظر الى جدته

– خايف تشوفه مجرد شخص شيفاه صديق او دكتور نفساني تعالج جروح روحها

ثارت وهاجت توحة وهي ترى حفيدها ينتقص من نفسه ، الغبي ذلك الا يعلم ان ممتلكات عائلتها ما زالت تملك منها الكثير ، وقررت ان تجعله كمبلغ مالي ضخم له ولاطفاله في المستقبل … ثم من تلك العائلة التي سترفض رجلا كرجلها هي وأسدها ؟!!

صاحت مستنكرة تلوي شفتيها بنزق

– يعني عايز تقول انك لو قولتلها هتجوزك هتعترض

اغمض عاصي جفنيه ليسحب نفسا عميقا وقال بنبرة خاوية

– لو كانت هي النصيب يا توحة انا راضي ولو مش هي انا راضي

احتدت نظرات توحة لتقول بنبرة حادة

– يعني لو اتجوزت غيرك هتباركلها

غامت عينا عاصي الخضراوتين لتستحيل إلى بركتين سوداوين ، وخاطر وجود رجل يحوم حولها .. ازعجه بل أغضبه .. وجعله يغلي كمرجل … ارتسمت ابتسامة مطمئنة على شفتي توحة قائلة

– ايوا كدا .. اطلع عاصي اللي اعرفه .. روح يا بني ربنا ييسرلك احوالك

طبع قبلة على جبينها ثم استدار راحلا متوجها نحو المقهى ، لتعقد توحة ذراعيها على صدرها … كيف ستقرب بين ذلك الغبيين … التمع عقلها بفكرة .. اسماء ، تلك الغبية من ستساعدها … سارعت بالقيام من مجلسها بنشاط طفل ينقاض سنوات عمرها ممسكة بهاتفها ، تبحث من بين عدة أرقام عن رقمها الذي دونته منذ أن زارتها … ابتسمت بتشجيع شديد وهي تنتظر رد تلك الاميرة عليها وحالما فتح الخط قالت

– الوو

ارتسمت ابتسامة علي شفتيها ، ثم عادت تستنكر وهي تحدق في الساعة التي تخطت الثامنة صباحا ، هل ستكون زوجة كسولة ؟!!! … همست قائلة برقة شديدة

– معلش يا حبيبتي صحيتك من النوم  ، هزعجك لو ازور المحل بتاعتك النهاردة عندي زبونة ليكي عشان تصممي فستانها

تأثر قلبها لنبرة الاهتمام في صوت تلك الرقيقة وهي تعرض عليها أن تتصل بسائق ليكون في انتظارها أسفل عقار منزلها خوفا على صحتها ، همست بامتنان شديد لمبادرتها

– متقلقيش يا بنتي ، هيما هيركبني التاكسي .. اديني العنوان

دونت العنوان في أجندتها لتقول بابتسامة مودعة

– اقابلك علي خير

زفرت توحة بحدة ، لم تخرج من الحي لسنوات عديدة … لكن يبدو الاوان قد حان لتكسر بعض من قواعدها في سبيل سعادة حفيدها …

ارتسم الحنق على ملامح وجهها وهي تتذكر تلك التي ستجلبها معها ، لوت شفتيها ساخرة ، هذا ما ينقصها في هذا الصباح لترى الوان اسماء العجيبة الخارجة عن الموضة ، تمتمت بنبرة بائسة

-لولا اسماء متستاهلش ، بس كله عشان حبيب قلبي

*******

في قصر المالكي ،،

طار النعاس من عيني وجد لتنتفض من مضجعها راكضة نحو الحمام تستعد لبدأ يومها الجديد … رغم ذهابها الي المؤسسة كل يوم ، لكنها تعترف أن غيابه به وحشة شديدة لروحها ولقلبها الذي بات متعلق به ، ذهابها لمنزله كان درب من دروب الجنون ، لا تعلم كيف أقدمت وذهبت لترى جدته وتراه هو بنظرات عينيه الحانية وتكون على طاولة واحدة تتناول الطعام تتجاذب أطراف الحديث مع جدته ، وهو متخذ الصمت .. يسترق النظرات خلسة كما تفعل هي ، تورد وجنتيها لتنكس رأسها بخجل من خيالاتها الناعمة ..

هل سيكون تعلق جديد أم حب ؟!! ، دق قلبها بعنف شديد وهي تتذكر أنه أوصلها خصيصا مع سيارة اجرة لرجل يعلمه من أهل المنطقة ، طالبا من السائق أن يهاتفه ما إن يوصل الانسة إلى منزلها ، كانت تنظر اليه مشدوهه من تصرفاته ، هل لتلك الدرجة قلق ؟!! .. لما لم يطلب منها ان تتصل به وتهاتفه ، شعرت بحزن غلف قلبها لكن سرعان ما نحت أي أفكار سيئة .. بالطبع يوجد لديه مبرر لذلك وان كانت هي غافلة عنه …

هبطت من درجات السلم بسرعة وهي تشعر انها بالكاد تلامس قدميها الارض لتقترب نحو جدها الجالس على مقعده متصفحا الجرائد كعادة كل صباح ، صاحت بنبرة رقيقة وهي تطبع قبلة فى خده

-جدو

استشرقت معالم وجه غالب ليكسو وجهه الحنين وهو يتطلع الي ملامح وجد المشرقة المشبوبة ببعض الخجل ، وتلك اللمعة في عينيها الجديدة عليه جعل عينيه تضيق باستفهام !! .. هل تجاوزت صغيرته رفض لؤي لتسارع بالقاء نفسها لرجل آخر … انتفض قلبه بهلع لتلك النقطة .. لكن تراجع صامتا … ان كانت ستحظى صغيرته بالسعادة التي تستحقها لن يقف حائلا لسعادتها يكفي ما تعانيه عائلته ، ابتسم بتوتر وبعض الخوف عليها ليقول

– حبيبة جدو ، صباح النشاط

اغمضت وجد عينيها الداكنتين لتقول بسعادة متوهجة في ملامح وجهها

– حاسة اني مبسوطة اوي يا جدو

رقت ملامح وجه غالب ليقول

– ربنا يبسطك يا روح جدو كمان وكمان

قدمت عاصفة هوجاء متمثلة في جميلة التي قالت بنزق

– افتكرت انك نستينا ، ولا كأن فيه أهل هنا

ابتسمت وجد بهدوء شديد وهي تقترب تميل محتضنة اياها لتقول

– مقدرش يا مماه طبعا ، صباح الخير

نظرت جميلة نحوها ببعض البرود إلا أنها تضعف من أي ابتسامة لتلك الصغيرة لها ، جلست على المقعد المخصص لها واتعبهم صوت وسيم الذي يتثاءب ليقول بصوت خشن

– وأنا يعني مليش صباح الخير

هزت وجد رأسها في علامة للتحية اتبعها هو الجلوس على مقعده شارعا في تناول طعام الإفطار بنهم شديد … جزت جميلة على أسنانها بغيظ

حاولت أن تتصنع البرود اللامبالاة كوسيم وعمها

وان تكون غير مكترثة مثل وجد … لكن لم تستطيع ، ليلة رفض تلك المدعوة بجيجي شطرت كبريائها نصفين ، غمغمت ببعض الحدة

– انا مش حارق دمي غير بنت السويسري

القي غالب نظرة محذرة نحوها لتتسم جميلة الغيظ وهي تنظر الي وسيم الذي قال بشقاوة وهو يمضغ الطعام

– يا ماجي ده انتي القلب ، متشغليش بالك هتصرف

اشمئزت جميلة من رؤيته يخالف جميع القواعد لتقول بنبرة جادة

– مش ناوي تبطل شغل الإذاعة

هز وسيم رأسه نافيا وقال

– لا سايب كل حاجه للوحش لؤي ، انا مليش في الحاجات دي

توقفت وجد عن ارتشاف عصير البرتقال وظلت تحاول معرفة مدى شوق آثر اسم شخص عزيز على قلبها  … لكن لا شئ

العجيب في الأمر .. إنها تراه ابن عم لها فقط ، اذا ماذا كانت تلك السنوات السابقة ، ودوافعها المستميته لايقاعه في حبها ؟!!

انتبهت على صوت جدها من شرودها الزخم بالأفكار التي تقتات من روحها

– كلي يا وجد

ابتسمت ببعض التوتر وهي تستقيم من مجلسها لتقول بتعجل

– مش هقدر ، محتاجة تروح المحل وبعدين اروح المؤسسة

اتسعت عينا جميلة … صغيرتها اصبحت مبتعدة عنها وبدأت تتحجج بالكثير من الحجج والأعمال ، صاحت ببعض الغضب

– انتي كمان بطلتي التنس

هزت وجد رأسها نافية وقالت

– بعلم الأطفال يا مماة

قلب وسيم عينيه بملل ، الن تتوقف عن تلك الكلمة المائعة ، أصبح يتقزز منها بشكل انه اوشك على التقيؤ ، ودعتهم وجد بابتسامة ناعمة

– يلا اقابلكم بليل

استدارت وجد وقلبها يدق بعنف شديد ، ستقابل جدته … توردت وجنتيها وهي ترفع هاتفها تنظر اذا ما بعث لها رسالة ، لكن لا شئ !!

أصابها بعض الاحباط والحزن ليخيم عينيها ، لما هو يتعمد إبعادها عنه ، هل كان متضايقا لانها زارته ؟!!

تسائلت بريبة لكن سرعان ما هزت رأسها نافية .. قرأت في عينيه الخضراويين الامتنان والسعادة لدرجة شعرت بفراشات تداعب بطنها ، انتبهت علي صوت اجش

– صباح الخير يا وجد

شهقت وجد ترفع عينيها عن الهاتف لتنظر إلى كتلة عضلية لابن عمها لؤي ، دققت النظر في عينيه ثم بدأت تنتظر مشاعر تطفو فوق ملامحها .. لهفة ، اشتياق ، وحشة ؟!!!

لكن لا شئ !!!!!!!!

اتسعت عيناها بجحوظ مخيف وهي ترد بابتسامة مهتزة

– صباح الخير يا لؤي

توقف لؤي ناظرا الى ملامح وجه ابنة عمه ، يراها كيف بدت بعد حرصه لايام واسابيع علي الا يتقابلا أو يجتمعا في مجلس واحد ، هو ممتن لانها بدأت تكرس اعمالها وبدأت تعمل في مؤسسة خيرية كما سمع من جده …

لم يفته تلك اللمعة في عينيها ثم التورد الطاغي على وجنتيها لتستأذن قائلة بهمس

– مضطرة امشي

هز لؤي رأسه وازاح مسافة لها قائلا

– اتفضلي

ألقي نظرة نحو عائلته المتجمعة ونظرات جميلة المتفحصة لهما ليقول بنبرة اجشة

– انا ماشي

زفرت جميلة بحدة وهي تترك شوكتها علي الطاولة لتنظر الي عمها الذي يقرأ جريدته معلنا رفضه عن إبداء أي حديث ، لتنظر إلى وسيم وقالت بحدة

– انت قاعد ليه

اجابها بملء فيه قائلا

– جعاااان

تقززت وهي تراه يجيبها والطعام في فمه ، لتشيح برأسها تفكر في سمير وشهيناز … لم يطمئنها أحد منذ فترة ولا ترى أي تقدم في علاقتهما … تساءلت بهمس

– شهيناز مطمنتنيش ليه لحد دلوقتي ، ليكون غير رأيه واحرجت تبلغني

استمعت الى صوت غالب الخشن المحذر

– جميلة

ابتسمت جميلة بتوتر شديد ، وعقلها يعمل بلا هوادة … ماذا سيحدث ان رفض سمير ؟! ومن سيكون المرشح التالي .. غافلة عن وجد أصبح قلبها متعلق بصاحب العينين الخضراوين !!

***

هائمة في مضمار فلكها ، العقل يعمل كطاحونة والقلب وقف في منتصف الطريق ، ماذا جني لؤي من حبسها سوي من زعزعة سلامها النفسي ، لكي يسهل من عملية دخولها إلى مستشفى الأمراض العقلية …

من له الأحقية لدخولها .. ذلك العجوز الخرف ثم ذلك الهركليز ، هو ينتظر أن يبلغ صبرها منتهاه ولكنها صابرة ، صامتة ، تستفز غلاف قشرته الباردة …

رفعت عينيها الزرقاوين تحدق في أنحاء الغرفة بأثاثها البسيط ، لتميل شفتيها ساخرة تحدق في السقف … تنظر نحو الأفق وخيالها يصل لعنان السماء ، الثأر تغذي عليها وبات متصلا لا تقدر على إنهائه في يوم وليلة ..

إن كان سيظل لؤي علي غبائه ستعلن كفايتها وتخرج وتمارس لعبتها ، ربما إن وجدت العجوز الخرف مات قبل أن تمد انامل انتقامها يكون أفضل له من ويل ما سيتلقاه هو وتلك الحقيرة المدعوة بجميلة …

جميع العائلة يجب أن تحرقهم في أقرب نفاية حتما ، حتى تريح البشرية منهم … وقع اقدام مختلف ذو رنة مميزة خاصة بأنثي جعلها تنتبه من أفكارها الشريرة لتشم عبير عطر نسائي … هل المجنون أتي بامرأة أخرى هنا ليختبر غيرتها ؟!!

إن كان هذا اختبار غيرة ، فهو نجح بجدارة ، التفتت بحدة تنظر الى المرأة التي نادت اسمها بهدوء

-آسيا

نظرت آسيا من منابت رأسها إلى أسفل قدميها بسخرية لتقول بوقاحة متعمدة

– وانتي مين بقي

ارتسمت اغبي ابتسامة رأتها اسيا قبلا لتحتد عينيها وهي تجيبها بهدوء

-جاية اساعدك يا آسيا

انفجرت اسيا تضحك بهستيريا جعل المرأة تعقد حاجبيها بتوتر ، هي طبيبة نفسية نعم .. المرضى يأتون بملئ ارادتهم الحرة ، ولم تكن لتأتي لولا اصرار ذلك الرجل الضخم معرفا أن زوجته تمر في حالة سيئة للغاية وتحتاج لمن يضعها في بداية الطريق …

توقفت آسيا عن الضحك فجأة لتستقيم من جلستها وهي تصيح بشراسة

– لا ضحكتيني ، ضحكتيني ، قومي يا حلوة امشي من وشي

ثم علت بصوتها وهي تنفض الاتربة  العالقة في جلبابها العنابي لتقول

– وقولي اللي جايبك انا مش مجنونة عشان تجيلي واحدة مش عارفة تتكلم جملتين على بعض

رغم قسوة اسيا في الحديث الا أن الطبيبة هزت رأسها ببرود قائلة

– خلصتي

لمعت عينا آسيا بمكر وبعض الخطر الشيطاني ،تميل برأسها وهي تهمس بنبرة خطرة

– انتي عايزة تتهزقي بقي

ارتجف بدن الطبيبة ، وهي تشد من قامتها تقول بحدة وبعض الحزم

-ممكن تهدي وتبطلي دفاعتك ، انا مش همشي من مكاني

هذا ما جنته تلك المسكينة ، عقدت اسيا خصلات شعرها السوداء لتقول بنبرة هادئة

– وماله

اقتربت منها خطوة وقالت بشراسة تسكن زرقة عينيها الحالكة

– بس افتكري انتي اللي جتيلي برجلك

أقل من الثانية أمسكت اسيا خصلات شعر المرأة بعنف ، تجرها بعنف والمراة تصرخ باستجداء .. تحاول تارة أن تتخلص من براثن تلك المجنونة التي اخذتها على حين غرة ، تفاجئت بلكمة في وجهها ، لتصرخ بوجع .. جعل اسيا تتلذذ من سماع انينها وصراخها

تتخيل تلك الحقيرة جاءت مع هركليز ، اصطحبها وجلسا في مكان مغلق ، ثم هل ذلك الغبي يظنها مختلة ، لتريه الجنون علي أصوله .. لن تردعه .. الغضب تفشى في كل خلية من جسدها .. ولم تشعر سوى بذراع ضخمة احاطت خصرها ليبعدها عن متناول خصلات شعر تلك الحقيرة لكنها تشبثت بكل عنف في خصلات شعرها لتنفجر المرأة في بكاء موجع زادها نشوة

صاح لؤي بصرامة وهو ينظر اليها ، يحدجها بنظرات مميتة

– سبيها

نظرت اليه باستخفاف ونيران مندلعة في حدقتيها لتشد من خصلات شعرها بحزم جعل المرأة تصرخ بألم ، هدر لؤي في وجهها بقسوة

– سبيها يا آسيا

لم تتركها ، ولم يملك لؤي حل سوى أن بعض ذراعها بقوة جعل اسيا تفلت أسر خصلات تلك المجنونة ، لتتأوه بألم وهي ترفع عينيها المحتقنة بالغضب

– انا لا يمكن تقعد هنا ثانية

انتبهت علي صوت المرأة وهي تفر هاربة من الغرفة ، لتنظر اسيا بغضب وهي في اسر ذلك الضخم محاوطا بخصرها ملصقا جسدها بجذعه العضلي …

تنفست آسيا بهدر وهي تخدشه بأظافرها في عنقه ووجهه بعنف ، كقطة انقلبت علي صاحبها بعد أن منعتها من لعبتها

– شايفني مجنونة عشان تجبلي المجنونة دي

حاول أن يقيد كلا معصميها الا انها كانت كأفعى تتلوى بجسدها برشاقة وليونة شديدة ليصيح بحدة يكاد يفقد طور هدوءه

– آسيا

هجمت عليه ليختل بوزنه ويقع ارضا ساحبا اياها معه ، اغمضت اسيا جفنيها وهي تنكمش بوجهها في عنقه … متحملا بجسده الصلب السقطة … زفرت بحدة وراحة كونها لم تتوجع بشئ ، استلم بجسده الصلب لقاءه بالأرض

شهقت بذعر حينما بدل الأوضاع لتصبح في أسفله وهو مشرفا عليها بعلو

يكاد يبلغ ناطحة سحاب ، مالت برأسها وهي تري قناع برودة وجموده يتصدع

– فوقى بقى

رفعت حاجبها ساخرة وهي تجيبه بنبرة محتدة

– مش هفوق ، ملكش دعوة بيا .. سيبني بقي

زفرت بحدة وهي تشعر بأنامل قاسية تضغط على خصرها ، وانامله الغليظة تمسك برأسها ليقول بنبرة نافذة الصبر

-هتفوقي غصب عنك

زمت اسيا شفتيها بحنق لتصيح في وجهه بحدة

– مين دي اللي تجرأت ودخلتلي يا لؤي

نظر لؤي اليها مليا ، عيناه اشتاقت وقلبه يكاد يفتضح شوقه .. يعلم انها لن تنسى ولن تغفر وهو يحتجزها داخل أربعة جدران ، لكنه معلق بين أذيال الماضي وحاضر كئيب ومستقبل سوداوي

ربما لم تكن بداية خطيئته هو ، لكنه سار متجاهلا جرس تحذيرات عقله ليكون لقلبه صاحب السلطة العليا ، ثم ما الذي جناه ؟!

لا شئ تحديدا ، يحاول أن يمسك خيوط اللعبة في يده ، يعلم صمتها المريب واستسلامها ما هو سوى بداية لحرب شعواء لا تبقي شيئا ولا تذر

– فيه حاجه مهمة من عمي طالبني اني ادهالك وقت ما تكوني مستعدة

قالها مخرجا آخر ورقة في تلك الحرب التي لن تنتهي ، تلك ورقة نجاتها الاخيرة

أو نجاته هو منها !!!

طالعته آسيا بنظرة زائغة ، لينقشع ذلك الجمود وتظهر آسيا .. تلك الصغيرة المرتعدة حينما كانا يجمعهما سقف واحد ..

المتطلبة للمشاعر ، تلك الغيورة المحاربة بأستماته عن أرضها وأحقيتها به

تحشرج صوتها وهي تنظر الي عينيه تحاول ان تستشف صدقه من كذبه

-بابا

زفر لؤي متنهدا بيأس ليقول

-قولتي ايه ، ناوية تسيبي الانتقام اللي ملهوش طعم وتفوقي لحياتك

لم تكن اسيا منتبه وقد سلب حواسها وهي تتذكر ملامح أبيها المحافظة بذاكرتها رغم صغر سنها ، كان الوحيد الذي يدللها ، بل لم تذق الدلال سوي علي يده وأول ايام زواجها من لؤي .. همست بنبرة متلهفة

– بعت ايه

أزاح لؤي بجسده عنها ، يتعجب كيف اختل بتوازنه وسقط وهو بذلك الحجم !! ، ألقي نظرة نحو آسيا الغارقة في سحابة ذكرياتها ليمد يده مررا علي خصلات شعرها حتى وصل لوجنتيها ، ارتعش جسدها اثر لمسته لتنظر اليه بعينين ناعستين

طالبة وصاله

ازدرد ريقه وهو يسحب كفه ليقول بقسوة ، يعاقبها بكل حدة على خداعها تلك الفترة ، ما زال غير متقبلا فكرة أنها قدرت على خداعه كل تلك الفترة و تساومه بكل قذارة

– عارفة ، غريب جدا اني ملاقيش حد لغاية دلوقتي بيسأل عليكي طول الفترة دي .. ايه العلاقات الهايلة اللي كونتيها دي

ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها ، لتمد بيدها ترفع أطراف جلبابها النبيذي كاشفة عن ساقيها لتقول بمكر

– ملكش دعوة بيا ، انت بتيجي هنا ليه ها .. ولا عشان وحشاك

القي نظرة عارضة الي ما تعرضه عليه ، لينظر اليها بغضب

هل تعرض نفسها عليه ؟!! ابتسم بشراسة وهو عاقدا جبينه وملامح واجمة

– سيبك مني دلوقتي ، وميكنش ليه انتي اللي عايزاني

انتفضت آسيا تعتدل في جلستها لتقترب من لؤي قائلة بنبرة متملكة عنيفه وهي تسحب سترته باطراف اناملها لتقربه منها

– انت عارف لما بعوز حاجه بتاعتي باخدها من غير ما اطلبها

رأت اسيا العاطفة الكامنة في عينيه ، يكابر ولما ؟!

لا تعلم … يخشى منها أو يخشى أن تجرحه ، ستجرحه على ما فعله منذ قليل !

تمتمت بنبرة قاسية وهي تميل هامسة في اذنه

– وانت حقي انا يا لؤي

انتفض قلبه يد كطبول الحرب وهو ينظر الي عينيها الداهية والي ملامح وجهها الفاتن ، كيف يتحمل قلبه امرأة بكل ذلك الأغراء والفتنة ، بكل ذلك الحاد والعقل الشيطاني .. بكل تقلباتها من طفلة تائهة وحيدة إلي امرأة جلمود لا تنحني أمام ريح !!

-متحاوليش

يعجبه أنها تعلن حقها به ، رفع عينيه ينظر إليها بملامح خالية من التعابير

– فكري مرتين قبل ما تتكلمي

ضربته صدره الضخم بحدة لتقول بغيرة شرسة

– القمورة اللي جبتها دي .. جبتها ليه يا لؤي

سحبها بحدة لتسقط في احضانه ، احتضنها بقوة

محتاجا لذلك العناق ، محتاجا الشعور بها

أن تكون قريبة منه .. قريبة كما كانت سابقا

زفر وهو يشعر بتخشبها بين ذراعيه ، ليقول بصوت هادئ

– بتغيري يا آسيا

لم يكن يسأل ، بل كان تقرير منه .. رفعت اسيا عينيها وهو يري التخبط في زرقة عينيها لتجيب بحدة

– قولتلك انك حقي يا لؤي

اجاب ببساطة وهو يزيح بجسده عن جسدها ، مكتفيا بذلك القدر ليطفئ لهيب شوقه

– ملكيش أحقية يا آسيا بعد ما زورتي موتك وخبتي عليا كل السنين دي

زمجرت آسيا بجنون ، هاجت وماجت الشياطين لتضربه بكل غل في صدره لتصرخ في وجهه

– وانت كمان ملكش أحقية أنك تتصرف على مزاجك بعد ما خدعتني كل الفترة دي لحد ما اخدت اللي عاوزة مني

هل يخدعها ، يستدرجها بعاطفة ويخبرها عن وجود شئ لوالدها ثم تلك اللمسة والعناق اختبار منه لها ، رفعت رأسها بحدة حينما قال بنبرة متهكمة

– انتي متأكدة اني اخدت اللي عاوزه

رفعت حاجبها بتسلية لتجيبه بنبرة وقحة

– والايام اللي بينا دي كانت ايه يا هركليز

نفض لؤي الاتربة التي لوثت سترته ليقول بجفاء متعمد

– كنت علي استعداد اني اطلعك للنور ، بس واضح ان الضلمة عجباكي يا آسيا

استدار راحلا ليوقفه صوتها الهادر الملئ بالوعيد

– وحياة اغلى حاجة عندي لأندمك على الحبسة دي

ألقي نظرة ساخرة وهو يلفها بنظرة مستخفة ، عالما انها عقل داهية

– لما تطلعي يبقي نتكلم وقتها

جزت اسيا علي اسنانها بغل ، لقد نفذ صبرها كونها حبيسة بين أربعة جدران ، ستمزقه اربا وتمزق وجهه الساخر المستخف بها .

قالت …

أتدري يا عزيزي، لسن نساء ذكيات و لكننا أيضًا لسن غبيات ، بل ماكرات نتلاعب كيفما نشاء و نُلقي النرد فـ نخسر عن قصد، و الربح ما هو إلا حقيقة مؤكدة

سلاحنا ذو حدين و الجسد يملك السطوة الكُبرى فـ ما بالك إن أقرنت فتنتي بـ مكري، ألن أكون الصيد الأكثر ربحًا!

خاطرة بقلم الجميلة “اسراء علي “

*****

توقفت سيارة الأجرة أمام محل تجاري في إحدى المناطق الراقية ، نظرت توحة ببعض التعجب ثم الترقب لذلك الحي ، كانت تتذكر أن تلك المنطقة كانت صحراء .. كيف تحولت لمنطقة مليئة بالمتاجر والمباني الراقية ، ترجلت من سيارة الاجرة تبعتها اسماء ببنطلونها الرمادي الواسع فوقه تي شيرت رياضي احمر وسترة رياضية بيضاء مع وشاح أسود ملفوف حول رأسها ، تمتمت اسماء بتأفف شديد وهي تضع يديها على صدرها

– انتي جيباني هنا ليه يا توحة

امتعضت ملامح توحة وهي تقارن ثيابها وثياب شابة مارة بفستانها الربيعي لتشيح رأسها محاولة أن تعد للعاشرة ، يجب أن تتحملها ، يجب أن تتحملها كي تتخلص منها وتزوجها ، زمجرت بحدة

– اخرسي ، انتي يا بت مش طايقة اسمع صوتك بعد لبسك ده .. فين انسه محترمة خطوبتها اخر الاسبوع تعمل في نفسها كدا

نظرت اسماء بعدم فهم الي ملابسها الرياضية التي اشترتها منذ شهر ، يعتبر أكثر طقم رياضي حديث تملكه ، لتقول بتقزز وهي ترى فتاة مائعة تسير بتبختر أمامها

– يوووه يا توحة .. ماله شكلي ، وبعدين انتي عايزاني احط احمر واخضر واتمرقع قدامه وهو عارف مبحبش حركات المسهوكة دي

احتدت نظرات اسماء لترتعب الفتاة وهي تفر هاربة لتنظر إلى توحة بتعجب ، منذ متى توحة لم تخرج من المنطقة ، وطلبتها في عجالة لمشوار هام ، كادت توحة ان تلطم علي وجنتيها وهي تقول بسخط

– ما تسهوكي يا منيلة ، ما تسهوكي ، الرجالة بتحب ستاتهم تتسهوك عليهم

هزت اسماء رأسها نافية لتقول بكبرياء

– انا كده عاجبه عاجبه ، مش عاجبه نفضها سيرة

اخرجت توحة شهقة مصرية معتبرة ، تعلمتها بعد أن انغمست في المنطقة الشعبية لتقول

– والله العظيم لو مطواعتنيش لحد لما تتجوزي وتريحينا ، رجلك دي متعتبش عتبة باب بيتي وتنسي توحة

ارتبكت معالم وجه اسماء ، لتقترب منها وهي تقبل رأسها قائلة

– خلاص يا ست الكل ، هاتي راسك نبوسها .. بس انتي جيباني الحتة الهاي دي ليه

اجابتها توحة بصراحة متعمدة وهي تتوجه نحو اسم المحل التجاري تتبعها اسماء بتيه

– عشان تنضفي شوية وتبطلي القرف ده

تقدمت شابة بملابس عملية تنظر الي السيدة عجوز مرتدية عباءة تبدو ثمينة وبجوارها كارثة الوان ، فتاة قلبت موازين الموضة حرفيا بالوانها ، ارتسمت ابتسامة عملية لتقول

– مساء الخير .. تحب أخدم حضرتك بحاجة

فغرت اسماء فاها وهي تحدق في المرآة من منابت رأسها حتى أسفل قدميها ، المرأة تبدو خارجة من إحدى المسلسلات الدرامية ، شعرت بلكزة توحة على خاصرتها لتتأوه بتوجع وهي تسمع همس توحة المحذر

– اقفلي بقك ، شايفة البنات هنا … ليه حق حبيب امه يبص برا

اشتعلت اسماء تكاد تنفجر ساخطة ، لتقول

– يا توحة

ابتسمت توحة بحدة لتميل قائلة بتحذير

– اتكتمي خالص انتي ، ما هو لو ملقاش الحاجات دي في بيته ابقي انسي انه يبص في خلقتك

نظرت الفتاة بقلق بين المرأتين لتتسع عيناها بريبة حينما ابتسمت السيدة العجوز في وجهها قائلة بنبرة بشوشة

– اهلا يا بنتي ، انسه وجد موجودة

اشرقت ملامح توحة حينما تقدمت وجد بكل دلالها وغنج فطري متأصل بها تقول بنبرة ناعمة بها بعض الحزم

– روحي علي شغلك يا شيماء ، وخلي ال office boy  يبعت الضيافة

رفعت الفتاة رأسها بدهشة ، متعجبة ان رئيستها علي معرفة بهما ، هزت رأسها لكن الفضول جعلها تسير بتباطؤ لتسمع ترحيبها للمرأتين

– نورتيني يا توحة .. طمنيني عنك وصحتك اخبارها ايه

حدجتها اسماء بحدة وبعض الغيرة وهي ترى نظرة الاهتمام من عيني الفتاة الراقية التي تبدو خارجة من إحدى عروض الأزياء التي تشاهدها على التلفاز بتقزز ، ملابسها مكونة من بلوزة وردية هادئة اسفلها تنورة قصيرة من اللون الأسود … ثم ذلك الكعب الذي يجعل النساء ينافسن برج خليفة !! هي بقصر قامتها لا ترتديه وهي بطولها ماذا تحتاج من طول لترتديه !! ، استمعت إلى همس توحة

– شايفة يا اخرة صبري

ابتسمت توحة قائلة بنعومة

– بخير الحمدلله يا حبيبتي

وجهتهما وجد نحو غرفة مكتبها ، وقفت اسماء تشعر ببعض الغيرة الطفولية وهي تري انبهار توحة بتلك المرأة .. تبعتهما على مضض لتجلس على المقعد بلا مبالاة وهي تسمع توحة تقول

– بصي عشان مش عايزة اعطلك .. البنت دي اعتبريها زي بنتي .. انا اللي مربياها بالضبط زي عاصي حبيبي اسمالله ربنا يحفظه ويصونه

توردت وجنتي وجد حينما استمعت لاسم عاصي ، وددت أن تسألها عنه لكن خشيت أن تفهم استفسارها خطئا .. ألقت توحة نظرة زاجرة لتعبس اسماء شفتيها بملل لتقول توحة ببعض الحرج

– خطوبتها اخر الاسبوع ، وزي ما انتي شايفة مفيش حاجه عجباها وامها غلبت معاها .. فجيتلك وانا متأكدة انك تحولي دي لأنسة

شعرت اسماء بأن كرامتها أهينت لتصيح قائلة

– توحة

زجرتها توحة بنفاذ صبر

– اتكتمي خالص

نظرت وجد ببعض الحرج لتخرج جهازها اللوحي المحتفظة به تصاميمها لتقول بنبرة رقيقة

– طيب اسبوع ده مدة قليلة جدا يا توحة وخصوصا ان فيه حاجات كتير محتاجين نعلمها ، بس انا هوريكي مجموعة عملتها وهي تختار فستان يعجبها ونضبط الفستان علي مقاسها

أعطت جهازها اللوحي لأسماء التي كانت على وشك الرفض بوقاحة الا ان نظرة توحة الزاجرة جعلتها توافق على مضض وهي تقلب الفساتين بملل لتقول

– مش عاجبنى حاجه

استقامت توحة من مجلسها وهي تنظر بوعيد لها ، خطفت منها الجهاز اللوحي وقلبت في الصور حتى استقرت علي فستان وقالت بتحدي

– هناخد الأزرق الفاتح ده

عقدت اسماء حاجبيها لتجيب بنفي

– مش عاجبني دي خطوبة مش فرح ، كله ترتر

نظرت توحة نحو وجد بقلة حيلة ، لتتدخل  وهي تعرض عليها فستان هادئ ذو حمالات عريضة .. لتقول بابتسامة مشجعة

– طب ايه رأيك فى اللون ده

ألقت اسماء نظرة ممتعضة ، لا تنكر انه هادئ خصوصا انه ليس مبهرج لكن قالت باشمئزاز

– بصلي !!! لا طبعا وحش جدا

اتسعت وجد عينيها وهي تنظر الي لون الفستان السيموني ، لتقول مستنكرة

– بصلي !!!

افتعلت توحة ضحكة ممازحة لتقول بنبرة خشنة

– متأخذنيش .. هناخد البصلي وكلمة واحدة هكسر دماغك

نظرت وجد بتوتر وقالت

– ناخد رأي العروسة

هزت اسماء رأسها بعدم مبالاة

– مش بطال

ارتسمت ابتسامة متوترة على شفتي وجد لتقول

– طيب هبعت التصميم ده عشان نقفل الجزء اللي فوق ويناسبها مع الحجاب خلال يومين ويكون جهز .. الف مبروك

نظرت اليها اسماء بترفع قائلة

– شكرا

زمت شفتيها حينما رأت نظرة الشرر المتلألأة في عيني توحة ، لتقول ببعض الحدة والتوتر المصاحب لها

– متأخذنيش .. بس اول مرة هلبس فستان ومش عايزة حاجة مبهرجة ولا ترتر كتير

ابتسمت وجد بنعومة وهي تجيبها بهدوء

– متقلقيش … متأكدة انه هيعجبك لما يتضبط

هزت اسماء رأسها ثم قالت بنبرة هادئة

– مستنين نشوفك في خطوبتي اخر الاسبوع

ثم استأذنت بالمغادرة وهي لا تصدق ما فعلته توحة ، نظرت توحة الي وجد ببعض الحرج لتقول

– معلش هي كدا .. مغلبانا كلنا

ثم استرسلت توحة بنبرة هادئة

– بمناسبة سعر الفستان

سارعت وجد تقول بعفوية شديدة

– دي هدية مني ليها يا توحة .. متقلقيش

صاحت توحة في وجهها بحدة

– الفستان هدفع سعره ، شايفاني مش هقدر ادفع سعره يعني

تفاجأت وجد من هجومها المباغت لتتلعثم وجد قائلة بحرج

– مقصدش يا توحة .. انا بس حبيت افرحها

شمخت توحة رأسها بكبرياء لتقول

– هطلع برا وادفع مقدم للفستان .. وتنوريني في خطوبة اسماء .. ولا انتي شايفة ان الخطوبة مش من مقامك

رفرفت وجد أهدابها وهي تلعن غبائها ، ابتسمت وجد قائلة بحرج

– العفو يا توحة بس انا معرفش حد هناك ، هكون محرجة وانا الغريبة وسطكم

قالت توحة بنبرة مزمجرة

– لطالما من طرف توحة .. محدش هيفتح بقه بكلمة

هزت وجد راسها باستسلام لتلتفت توحة مغادرة إلا أنها سرعان ما عادت تقول بنبرة هادئة

– المنطقة هناك محافظة شوية يا بنتي ، مش عايزاكي تتضايقي من تعليق حد

عقدت وجد حاجبيها بعدم فهم لثواني ثم سرعان ما نظرت إلى ثيابها ثم إلي نظرة توحة الممتعضة بعض الشئ ، توردت وجنتاها بخجل قائلة

– حاضر يا توحة

انشرح قلبها من صوتها لتقول

– حضرلك الخير …. يلا هستأذن انا

اوصلتها وجد حتى باب المتجر وحينما همت ببعث سائق خاص لايصالهما ، رفضت اسماء بتهذيب شديد .. لكن العناد الاكبر لوجد التي طلبت منهما ان ينتظرن في غرفتها يتناولن ضيافتهم حتى يأتي سائق يوصلهم … ظلت توحة صامته طول الوقت وهي تشعر بالفخر لزوجة حفيدها المستقبلية ، كم أحسن حفيدها الاختيار حقا لأختيار زوجته ، صبر فنال .

******

في مقر الإذاعة ،،

توجهت جيهان بخطوات عاجلة تنظر الى ساعة يدها التي ستتجاوز الثامنة صباحا ، تعلم أن صاحب المحطة الإذاعية صديق لوالدها ، هي فقط ستطلب مهلة لدقائق معدودة تطلب من صاحب البرنامج الصباحي أن يعطيها وقتها لتحدث الجميع وتعتذر لشقيقتها التي رفعت جدار الصمت والخصومة بعد أن أعلنت فسخ الخطبة علي صفحة الانستجرام ، رغم انها تعلم ان شئ هذا ليس لتلك الدرجة يجلب الخصام … لكن ربما الايطالي فعل شئ ما أو خطيبها السابق منزعج كما أخبرتها شادية قبلا !!!

هزت رأسها بيأس وهي تفتح باب المكتب لتصيح بصخب

– يا صباح الخيرات

رفع صاحب محطة الإذاعة رأسه ليقول بتعجب

-جيجي !!، انتي بتعملي ايه هنا من الصبح

اقتربت منه تقول بنبرة متوسلة

– عشر دقايق يا كبير ، محتاجة ادي رسالة صباحية لحبيبة قلبي مضايقة مني شويتين

نظر صاحب المحطة بعينين مدققتين ثم نظر الى ساعة يده ، المذيع لم يأتي حتى الآن … ولا يوجد أحد يأتي في ذلك الوقت الباكر من الصباح خصوصا ان معظم برامج محطته بعد الظهر ، قال بنبرة متشككة

– البرنامج بعد عشر دقايق .. وحسام لسه مجاش .. هتعرفي تتصرفي لحد لما يجي

اتسعت عينا جيهان بانبهار ، هل يعطيها موافقة أن تذيع … هي درست الإعلام نعم في مرحلة الكلية وعملت لشهور متدربة في مكتب صديق والدها ، لكنها لم تجرب أن تكون مذيعة ، أحبت أن يعرفها الجميع بصوتها وشكلها  ….

ارتفع رأسها حين سماعها الي صوت أجش ، يبدو انه استيقظ من نومه للتو

– تتصرف في ايه

تعلقت عيناها لا اردايا به ، تشعر بالوحشة والاشتياق لتلك الايام التي لم تراه بها ، شعره استطال حتى ذقنه نمت بشعر اضافت بعض الجموح لمظهره البري ، أجلت حلقها وقلبها بدأ يستميل بضعف له لتهمس ببعض التوتر

– انت ايه اللي جابك بدري ، مش اذاعتك بليل

القي نظرة لائمة وقال بنبرة خشنة وهو يعبث بخصلات شعره

– لو انتي مهتمة كنتي عرفتي اني طول الليل قاعد في الإذاعة

اتسعت عينا جيهان بخوف وهلع وهي تطمئن عليه بعينيها لترفع عينيها عنه وهي تسمع فتاة شابة تنظر بانبهار إلى وسيم وهي تتمايع في صوتها

– حسام هيتأخر يا مستر رؤوف

ألقت جيهان إليها نظرة ساخرة ، وهي تكاد تتقيأ من ميوعتها ليقول رئيس المحطة

– شوفي مين من المذيعين يدخل مكانه لحد لما يجي حسام

أجاب وسيم بتثاؤب وهو يتوجه نحو غرفة التسجيل

– انا هدخل … حد يعملي فنجان قهوة

سارعت الفتاة تقول بنبرة متلهفة

– حاضر

قلبت جيهان عينيها بملل وهي تهمس بصوت متقزز

– شوف النحنحة بتاعت البنات دي

شعرت بلمسة عارضة توضع على كتفها لتلتفت برأسها وهي تري وسيم يهاجمها بزرقة عينيه الداكنة ليقول بنبرة خاصة

– لطالما غيرانة اووي كدا روحي اعمليلي

رفعت جيهان حاجبها لتجيبه بحدة

– ليه ناقصك ايد ولا رجل ، ولا اتشليت عشان اعملك

رفع وسيم كفه في وجهها ، يقرأ المعوذتين ثم غمز بمكر قائلا بنبرة ذات مغزى

– يعني مش هتطبخيلي

احتقن وجهها من الخجل لتجيبه بتوتر واندفاع

– واطبخلك علي بتاع ايه ان شاء الله

هز وسيم رأسه يائسا ليقول بنبرة آمرة وهو يتوجه نحو الاستوديو يتخذ مقعدا خاص له

– يلا يا جيجي

القت نظرة نحو مدير المحطة الذي حذرها بعينيه ان تفسد الامر ، اومأت رأسها وهي تلقي قبلة في الهواء جعل المدير يرفع حاجبين صارمين .. جعل جيهان تنفجر ضاحكة وهي تجلس على المقعد المجاور لـ وسيم الذي نظر بضيق الي ما حدث منذ قليل

هل تتغزل في الجميع هكذا ؟ّ!!!! ، انتبه علي وجود فتاة تضع له قهوته في كوب ورقي .. شكرها بلطف زائد وهو ينظر الى عيني جيهان التي اشتعلت بغيرة جعلت ابتسامة عابثة تزين شفتيه …

رفعت عينيها تنظر الى مدير المحطة الذي يعد العد التنازلي بأصابعه حتى صدرت الاشارة الحمراء لتندفع جيهان تقول بنبرة حماسية وهي تلاعب حاجبيها بمكر

– صباح الخير ، صباح التفاؤل والجمال ، صباح جميل الجو النهاردة حر شوية بس ده مش هيمنعنا اننا ننزل الشغل ، او نعتذر لحبايبنا اللي مزعلينهم امبارح .. معاكم جيجي السويسري في برنامجكم المعتاد كل صبح الساعة 8

هم وسيم بالتدخل الا أن جيهان قاطعته وهي تنفجر في ضحكة ناعمة ، جعل وسيم يضم قبضة يده بعنف .. تلك الغبية، الحمقاء المغفلة ، الفأرة الصغيرة .. هل تريده أن يفقد المتبقي من رشده !!!!

قالت جيهان بنبرة ممازحة

– واضح ان حسام اخدته نومة شوية وزحمة المرور هيأخره عنكم ، بس لازم نستقبل محطم قلوب العذاري اللي هيكون معاكم بليل .. وسيم المالكي

غمغم وسيم بنبرة ممازحة تحمل التهكم والسخرية في باطنها

– لثواني افتكرت اخدتي الإذاعة الصباحية ليكي

لم تلتفت ولم تعبأ كثيرا للرد عليه ، ولم تنظر حتى إلى الأوراق .. التفتت تسأله بصراحة

– وسيم بمناسبة الزحمة والخنقة منفكرش نعمل ليه زي دول أوروبا وندبل العربيات بالعجل

ثم استرسلت بهدوء ونبرة حماسية

– عايزين نسمع اقتراحتكم .. تقدروا تدخلوا على صفحة البرنامج وكل واحد يقول رأيه

ارتشف وسيم القهوة من كوبه وهو ينظر الى رئيس المحطة الذي لا يعجبه الوضع بالمرة ، هو المخطئ .. يشعر بنفسه هو الضيف وجيهان هي المذيعة ، يخشى أن يؤثر برنامج الصباح بالسلب على المحطة ليجيبها قائلا ببرود

– مجتمعنا مش متفتح زي ما انتي متخيلة يا جيجي ، الراجل عمره ما يقبل علي مراته تركب عجل

قلبت جيهان عينيها بملل وقالت بنبرة محتدة

– بتحب التفرقة العنصرية دي .. البنت متركبش عجل ، البنت متصاحبش .. البنت متتأخرش على البيت بعد 9 .. البت والبت ، كأن البنت دي عار او حاجه خايفين اننا نطلعها برا البيت

ارتشف من القهوة وهو ينظر اليها ببرود شديد ، يشعل غضبها ويحرقها بذلك الهدوء المحافظ عليه ، كادت أن تكسر الطاولة فوق رأسه وهو يجيبها بنبرة رخيمة

– وليه متقوليش ان الراجل خايف عليها من نظرة ، وشايفها جوهرة مش عايز غيره يشوفها

واجهته باتهام واضح وهي ترفع حاجبها بتحدي

– يعني انت ضد ركوب العجل

هز وسيم رأسه واجاب بهدوء قائلا

– مش ضد ، بس البنت لو حبت تركب عجل يكون جوا نطاق معروف ، يعني في النادي أو منطقة مخصصة تقدر تلعب فيها بحرية مع صحابتها .. لكن شارع صعب جدا .. محدش عارف ممكن تقابل مين وايه يجرالها او التعليقات اللي ممكن تسمعها وتجرحها

صمتت جيهان وهي لا تجد أي طرف لتمسكه بها ، رفعت عينيها لتنظر عبر الزجاج الي رئيس المحطة ، عابس الوجه ، مكفهر الملامح ، رفعت كلتا يديها معتذرة وهي تعود لسبب وجودها في ذلك الوقت الصباحي .. تعلم أن شادية ورثت الكثير من طباع والدتها رغم أنها هي التي ورثت ملامحها ، شادية تحب تلك الاشياء القديمة

من الاستماع عبر الراديو ، ومشاهدة الافلام القديمة ، واستماع الاغاني من الزمن الجميل .. لكنها على النقيض تماما !!

لم تكن لتأتي تقطع تلك المسافة من منزلها حتى المحطة الإذاعية لو لم تكن تعلم أن شقيقتها تستمع الى الاذاعة حين ذهابها للعمل ، حمحمت وهي تشعر ببعض الحرج وهي تعلم ان ذلك الاستوديو بل المحطة بأكملها لن تطأها مرة اخرى .. همست بنبرة معتذرة

– طيب عشان منبعدش اووي عن سبب وجودي هنا .. حبيت اوجه رسالة لاختي المقموصة حبتين مني واقولها كل سنة وانتي طيب يا احن اخت واعقل اخت في الدنيا ويصبرك انتي وبابا علي جناني

راقبها وسيم بنظرة خاصة جدا وهو يرتشف قهوته ، رغم كل عيوبها الظاهرة والسيئة

إلا أنه يعلم جوهر فأرته الصغيرة ، نقية … نقية للغاية يخشي هو أن يلوث صفاء نقائها

اتسعت ابتسامته وهو يراقبها بافتتان شديد ، كم اشتاق لها ، عاقبته الصغيرة .. عاقبته وبقسوة ببعدها عنه وتوقفها عن اقتحام حياته بصخبها المعتاد

– الاغنية الجاية دي مخصوص ليكي يا روحي ، انا عارفة انك بتسمعي الاذاعة الصبح

انساب عبر السماعة اغنية لمحمد عبد الوهاب

اخرتها ايه وياك ـ يا اللى أنت ناسينا

عهد الهوي صنته وعمري ـ ما خنته ولا بعت ايامه

فى حبي خبيته وبقلبي ـ غنيته وعشقت أنغامه

وقلت اغني ـ وياك يا قاسي

بعدت عني ـ وفضلت أقاسي

واحتار شبابي معاك ـ والوجد فاض بينا

صابر وباستناك ـ والصبر موش لينا

اخرتها ايه وياك ـ ياللي انت ناسينا

اهل الهوي مساكين صابرين ومُش صابرين وبيحسدوا الخالي

اصل الهوي غدار فيه القلوب تحتار ما للهوي وما لي

يا اللى بحبك ـ حيرت حبي

طاوعت قلبك ـ لاوعت قلبي

واحتار شبابي معاك ـ والوجد فاض بينا

صابر وباستناك ـ والصبر مش لينا

اخرتها ايه وياك ـ يا اللى انت ناسينا

عيني علي عيونك والرمش فى جفونك قادر وظالمني

عينيك بتتكلم والرمش بيسلم وانت مخاصمني

وفى كل نظرة ـ شايف غرامك

ولا قلت مرة ـ سبب خصامك

واحتار شبابي معاك ـ والوجد فاض بينا

صابر وباستناك ـ والصبر مُش لينا

اخرتها ايه وياك ـ يا اللى انت ناسينا

اغمض وسيم جفنيه ، اجادت تلك الفأرة الاغنية وضربته في مقتل ، اسبل أهدابه وهو يرى خصلاتها المجعدة ليزفر بحرارة محاولا طرد أي مشاعر تكالبت عليه ..

فلا خلاص له منها

ولا هي ستتوقف عن انتقامها الطفولي، لا يعلم كم الصبر الذي يكاد يحسد عليه ليتركها تعبر عن تمردها بصدر رحب

فبالنهاية هذا هو جزاء صنيعه ، لتمرح وتعبث قليلا حتى يضربها بضربته القاضية .

*****

تنهد سرمد زافرا بحرارة ، حرارة الشمس أصبحت عمودية على رأسه … القي نظرة سريعة إلى ما اشتراه من متجر الحيوانات الأليفة ….

بعمره لم يهادي شيئا بسيطا لأمرأة اسطورية مثلها ، شئ بسيط يظن أنه سيمثل السعادة لبرتقاليته الخاصة … ألقي نظرة نحو القطة الصغيرة بفروها الابيض الناعم المغري للمس .. متخيلا اصابعها السمراء النحيلة تمرر علي فرو القطة ،،،،

ابتسم والابتسامة تتسع وهو يهز رأسه بعدم تصديق ، هل جلب لأمرأة هدية في عيد ميلادها ؟!!

لولا جيهان التي سردت بعفوية أم بقصد منها أنها كانت تملك قطة لأحتار ليجلب لها هدية !!

ولما هي ؟! .. تلك الأنثي سائر عن جميع النساء اللاتي صاحبهن ؟!!

لانها تمتلك تأثيرا أكثر فتكا

وسلاح أشد إغراء

وعينين تقوده للخطيئة !!!

استمع الي مواء القطة الصغيرة التي حرص على جعلها تشبه التي فقدتها بفضل جيهان التي كانت تنظر اليه بمكر شديد ولمعة داهية .. لقد رفضت قطعا باتا وسألته

– ماذا تعني لك شقيقتي ، أقسم أي أجابة خاطئة ستنساها وتنساني وتعود بادراجك إلى موطنك

أغمض جفنيه وهو يمرر أنامله على فراء القطة المتمرغة في دلالة وهي تموء بصوت ناعم … ليعطيها الاجابة

– الأمر جدي ، لا يوجد به عبث يا جيهان … إن كنت حقا تريدين مساعدة شقيقتي .. مهدِ لي الطريق

وافقت وقتها علي مضض واعطته صورة قديمة لها ولقطتها .. لكن تلك الماكرة قصت الجزء الخاص ببرتقاليته ليبقي فقط صورة للقطة وهي تحملها على يديها النحيلتين

انتسل الهاتف من جيب بنطاله وهو يعبث بالأرقام ، هل يتصل بعائلته الآن .. بحياته لم يجازف في أي علاقة ليجلب لأمرأة هدية بمناسبة مولدها !!!

اتصل علي هاتف شقيقه سامر الذي أجاب بعد فترة وصاح بلهجة خشنة

– لا اصدق ان الاخ الوغد يتصل بي الان بعد فترة من الانقطاع

قلب سرمد عينيه بملل ، شقيقه الصغير وغد مثل صديقه ، صورة طبق الاصل من بعضهما ، غمغم بجدية

– توقف يا سامر واخبرني اين انت

انفجر سامر ضاحكا بسخرية وهو يجيبه بشقاوة

– في ايطاليا يا رجل وأين سأكون ، بالمناسبة والدتك تلك المرة لا ترغب بمكالمتك .. انها حزينة من أجل عدم اتصالك بها . أتصدق صديقك الوغد هذا يهاتفها يوميا وانت لا نسمع عنك خبرا

اتسعت عينا سرمد بجحوظ ، الوغد .. الوغد .. الحقير ، لما يتصل بوالدته !! ، تجهمت ملامحه وصاح بحدة

– سامر

أجابه سامر بنفس الشقاوة

– لا تحاول ، هي لا تريد سماعك

زفر سرمد بسخط شديد ليضع القطة داخل صندوقها الخاص بعد أن ألبسها طوق خاص … صاح بنفاذ صبر

– افتح مكبر الصوت لتسمعني

لم يأتيه رد سامر ليجلي سرمد حلقه وهو يفتح باب السيارة الخاصة التي طلبها عبر التطبيق ، ثم آمر السائق أن يذهب إلى وجهته المعلنة سابقا ،،

اخر لقاء بينهما كانت تنقص من رصيده ، كانت على شفا جرف من الانهيار ، تستجديه استرحامها ومن يرحمه هو من عذابها ؟!!

غمغم بنبرة ناعمة وهو يستشعر سماع والدته لصوته

– يا روح سرمد وفؤاده .. هل يقدر قلبك المسكين على  مخاصمتي ؟

جاء صوت شقيقه الساخر

– لن تفلح حركتك تلك معها

تأوه سامر بوجع لينفجر سرمد ضاحكا حينما أتى صوت والدته الحبيب

– اخرس يا غبي

غامت عينا سرمد بتأثر ولهفة الاشتياق استحوذت عواطفه ، همس بنبرة ممازحة

– حبيبتي … اعتقد انني أمر في حالة مريضة ، ابنك لم يعد كما كان

شهقت والدته بفزع لتهمس بقلق

– يا صغيري

لاحت علي شفتيه ابتسامة ناعمة ، مازالت والدته تناديه بذلك اللقب حتى بعد أن تجاوز الرابعة والثلاثون ، تنهد بحرارة وهو ينظر نحو النافذة بشرود ليستمع إلى صوت والدته القلق

– ما بك يا قلب والدتك

رد بنبرة هادئة

– لقد وقعت في المصيدة حبيبتي

ظهر بعض الاستنكار والتعجب في صوت والدته

– أي مصيدة حبيبي ؟! ، أخبرني ما بك؟ .. صديقك هذا يلمح لي كل يوم عن اشياء لكن لا اريد ان اجعل قلبي يتعلق بآمال مزيفة

نطقت اخر جملتها بحزم مما جعله ينظر نحو قفص القطة ليقول

– اشتريت لها قطة ، كانت تملك قطة في وقت مراهقتها ثم ماتت

سمع صوت شهقة والدته وصوت سباب شقيقه الذي صاح بحدة

– اللعين … سقط في العشق

زجرته والدته بحدة ثم التفتت تقول بنبرة حازمة ، تخاف أن تتعلق بآمال زائفة

– اشتريت قطة !! .. سرمد اقسم بعزة جلالة الله إن كان هناك عبث أو خدعة سأخاصمك والله سيحاسبني على قسمي هذا

أرخى رأسه على مسند المقعد ، ألم يكن منتظرا العشق ؟ّ!! إن كان هذا يسمى العشق فهو مرحب به … سيفتح كلتا ذراعيه مستقبلا سهامه وعذابه ثم حلاوته

– الأمر جدي يا حبيبتي.. لكنها تمنعني من الولوج إليها

استمع الى صراخ والدته الحاد

– هل تظن بنات موطني سيستسلمن من كلمات عابثة يا ايطالي الهوية مثل ابيك

انفجر سرمد ضاحكا ليهمس بمكر

– هل بدأنا الان نفصل الحدود الجغرافية ؟ .. ثم انتي من وافقتي للزواج بوالدي وهل يرفض أحد الزواج من عائلة النجم

استشعر ارتباك والدته ليقرر الصمت وهو يستمع الي توبيخها له

– اصمت .. أخبرني كيف هي ملامحها ؟

عينيها كهرمانيتين يداعب الشمس أطراف أهدابها باستحياء ، وبشرة اختبر نعومتها قبلا ، وقد رشيق يكاد يغويه لممارسة الخطيئة ، هذب من أفكاره الجامحة ليقول بصوت أجش

– عربية … ملامح شرقية خالصة .. يسكن في عينيها جوع العاطفة

انفجرت والدته تشتمه لتتسع عينيه بجحوظ ليقول بعبوس

– ما الداعي للشتيمة يا حبيبتي

زمجرت والدته بغيظ وهي يرهف السمع لصوت ضحكات شقيقه لتقول بنبرة زاجرة

– هل تقول مثل تلك الكلمات لوالدتك

استمع الى صوت تأوه شقيقه واتبع يقول بعبثية

– اراهنك يا أمي أن ذلك العابث لمسها .. انه لا يترك أي سيقان امرأة تعجبه

مرر سرمد أنامله يهذب من لحيته ليستمع إلى صوت والدته الجاد

– اسمع يا ولد … لطالما ترغبها سنقوم بالعادات العربية ونطلبها من عائلتها .. سأتي اليك انا وابيك

هز رأسه نافيا وقال بصوت جاد

– ليس الآن ، حينما اشعر انها تستميل لي .. ستأتين

تنهدت والدته بيأس ، ثم اتبعت قولها بتحذير

– لا تفسد الامر يا غبي ، وأزيل قناع العبثية والوقاحة أمام الفتاة

تراقصت عينيه السوداويين بمكر وقال بعبث

– لن أقدر على أن أعدك بشيء كهذا

قبل اغلاق المكالمة استمع الى صوت شقيقه الغارق في الضحك

– اخبرتك ذلك الماجن ، سيجعل الفتاة تزج بنفسها الى اقرب مشفى للأمراض العقلية للتخلص منه

هز رأسه يائسا وهو يغلق المكالمة ليعود فتح تطبيق ” الانستجرام ” ليري صورة جيجي وهي تلف ذراعها حول عنق برتقاليته متمنية ببعض العبارات الانجليزية عيد ميلاد سعيدا … اصبع السبابة لمست عبر الشاشة قد برتقاليته ليصبر نفسه .. ما تبقى له القليل فقط ..

هو عازم على هدم صومعتها التي تحتمي بها ، إن كان وصل لباب غرفتها هذا لا يمنع من وجود بعض العوائق التي فرضت عليه حتى تصبح في قبضة يده .

………

انفجرت شادية غارقة في الضحك وهي لا تصدق شقيقتها المجنونة ، اخذت الاذاعة الصباحية بسبب تأخير المذيع تعتذر امام الجميع ، بل عيدتها في عيد ميلادها الذي قبل أوانه بشهر !!

هزت رأسها يائسة ، رغم كل ما تفعله شقيقتها وجنونها ، والشجار بينهما بسبب انها اعلنت فسخ خطبتها على صفحة الانستجرام التابعة تحت ادارة تلك الماكرة ، لتهمس شادية بعدم تصديق

– مجنونة

ارتفع صوت جيهان وقالت بنبرة طفولية

– شايفة اعتذرت قدام الدنيا كلها متبقيش قموصة

زفرت شادية وهي تستقيم من مقعدها لتقول بنبرة جادة

– جيهان انتي غلطتي في حقي ، مش هعديلك الموضوع زي ما انتي متخيلة

عادت جيهان تغريها بما فعلته خلال تلك الأيام من الخصام الصامت بين الشقيقتين ، لتقول

– بابا عملك حفلة عيد ميلادك علي الباخرة ، اتبسطي لأنه رفض يعملي انا كمان

زمت شادية شفتيها لتقول بنبرة ممتعضة

– يعني علي اساس لما عمل الحفلة بتاعتك مكنتيش هتغرقي لولا ستر ربنا

زفرت جيهان بحنق ، هل تذكرها بحفلة عيد ميلادها السادس عشر ، لا تعلم كيف تعثرت وكادت أن تفقد توازنها وتسقط حتى أنقذها فارسها الهمام وسيم وهو يوبخها في وجهها بحدة ، كونها عمياء ، وغبية لا تستطيع أن تنظر ، وقلب حفلة مولدها إلى مأتم وأصدر ابيها فرمان بعدم إقامة أي حفلات في الباخرة … لكن وسيم ذو القلب الحنون ، اشمئزت ملامحها ساخرة حينما تذكرت مساء الليلة جلب لها قطعة كعك وشمعة صغيرة طالبا منها أن تتمنى امنية وهو سيحققها فورا ، اغمضت جيهان جفنيها وهي تتذكر أمنيتها

طلبت أن يكون بجوارها دائما وابدا ، ان يكون ملازما لها كظل ثاني ، لكن هل نفذ وعده !!!!

زفرت باختناق لتقول بنبرة جاهدت في جعلها مرحة

– المهم يا ستي … عايزاكي تكون انسة بتبرق بليل عشان بابا مسبش حد ومعزمهوش

هزت شادية رأسها يائسة لتقول

– بس عيد ميلادي مش النهاردة

انفجرت جيهان ساخطة

– عارفة انه بعد شهر ، بس مش هستني لشهر عشان تصالحيني

تفاجئت شادية من اغلاق المكالمة في وجهها ، انتبهت على صوت طرقات الباب لتدلف نجوى وهي تقول بتوتر

– شادية

عبست شادية ملامحها وهي تري ارتباك مساعدتها لتقول باهتمام

– نعم يا نجوى

أجلت نجوي حلقها ، لا تعلم كيف ستستقبل شادية ذلك الخبر خاصة وهي في مزاج رائق ، تلعثمت قائلة بتوتر

– فيه حد برا عايز يقابلك

هزت شادية رأسها نافية وقالت بصوت مرتفع ، كي يسمع الضيف أنه غير مرغوب في زيارته

– مش فاضية يا نجوى ، اعتذريله وخليه ياخد ميعاد من السكرتيرة

اغمضت نجوى جفنيها وهي تهمس بتوتر

– ما هو اصله

شمت شادية رائحة عطر قوية ، اشعرتها بالاختناق .. رائحة من دفاتر الذكريات القديمة ، وأدتها قديما ، رفعت رأسها لترى تلك النظرة الذئبية في عينيه كما حاصرها قبلا

لتنطق اسمه بتعثر

– م .. معاذ

التمعت عينيه باصرار وشغف ، لم يكن يصدق ان تلغي خطبتها كما هو افسخ زفافه ، يبدو ان القدر يلعب لعبته للمرة الثانية معه ، ليقول بنبرة واثقة

– وحشتيني يا شادية

هوي قلب شادية وهي تعود خطوة للخلف تحملق به بجحوظ وعدم تصديق … ما الذي أعاده … ماذا يريد بعد أن تلذذ بتعذبيها وسحقها بعنف وتركها أشلاء علي شاطئ الخذلان !!

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *