روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الحادي والخمسون 51 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الحادي والخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء الحادي والخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة الحادية والخمسون

استمرت كلمة  ” سافر ” في التردد بأذنها بعدما أخبرتها للتو شقيقته بمغادرته !! .. هيمن عليها الذهول لوقت طويل وسط محاولاتها لاستيعاب ما سمعته .. لكن عقلها رفض بشكل قطعي تصديق تلك الكذبة السخيفة .. وهناك شعور قوي بثناياها يخبرها بالعكس تمامًا ! .
ابتسمت بدهشة وقالت نافية بثقة :
_ لا هشام مسافرش .. لا يمكن يسافر من غير ما يقولي
ردت ألاء بثبات تام :
_ سافر يازينة .. رجع لشغله وحياته اللي بناها هناك
لجم الذهول لسانها فبقت ساكنة دون حركة حتى وثبت واقفة من الفراش وسارت أمام الفراش أيابًا وذهابًا ثم ردت برجاء وصوت مرتعد وعابس :
_ ألاء بليز لو بتقوليلي كدا عشان متصلش بيه ولا اتكلم معاه .. ارجوكي بلاش وقوليلي هو فين أنا قلقانة عليه
ألاء بانزعاج ملحوظ في صوتها :
_ هشام مشي يا زينة افهمي خلاص .. هو حكالي على كل حاجة قبل ما يمشي .. واللي عمله صح .. كفاية أوي السنين اللي ضيعها من حياته وهو مستنيكي .. جه الوقت اللي يبص فيه لنفسه يمكن المرة دي لما سافر يلاقي البنت اللي تحبه بجد وتستاهله ويعيش حياته .. وإنتي كمان عيشي حياتك وانسيه عشان هو مش هيرجع تاني
وقعت أثر الكلمات على صدرها كالخنجر المسموم .. قلبها يؤلمها عليه .. وضميرها يقتلها بالبطيء .. مهما فعل أو قال آخر شيء كانت تريده هي أن تكون سببًا في انكسار قلبه !! .
لا أحد سيشعر بألمه الآن سواها .. هي وحدها ذاقت من الآم العشق ألوانًا وأشكالًا .
زينة بلوعة :
_ألاء ارجوكي
ألاء بجفاء مؤلم :
_ سلام يازينة .. تصبحي على خير
ارتفع صوت صافرة أنهاء المكالمة في أذنها فأنزلت الهاتف ببطء تمعن النظر في شاشته بعجز وأسى .. وثواني معدودة حتى تلألأت الدموع في عيناها وانهمرت فوق وجنتيها غزيرة .
تقهقهرت للخلف مسلوبة العقل وجلست فوق الفراش لتستمر دموعها في الانهمار بصمت .. فقد أدركت الآن أنها خسرته كصديق قبل أن يكون حبيبًا ! .. لم يمنحها الفرصة لإصلاح الموقف وآثر الفراق ! .
دفنت وجهها بين راحتي كفيها وراحت تبكي بحرقة هاتفة بألم :
_ ليه ياهشام لــيــه .. أنا مفضليش غيرك إنت وماما .. حتى إنت هتسيبني !
                                  ***
داخل منزل نشأت الرازي ……
ملأ المنزل صوت رنين جرس الباب فقادت منيرة خطواتها السريعة للباب حتى تفتح للطارق .. وعندما وصلت وامسكت بالمقبض لتديره وتفتح قابلت أمامها أسمهان .. اضطربت وتعجبت للحظة قبل أن تهتف بخفوت :
_ أهلًا وسهلأ يا أسمهان هانم
أسمهان بنظرة ثاقبة :
_ نشأت موجود في أوضته فوق ؟
ترددت الخادمة في باديء الأمر في الإجابة لكنها ردت بالأخير في إيجاب :
_ أيوة بس ……
لم تكمل جملتها حتى وجدت أسمهان تدفعها برفق من أمامها لتمر وتقود خطواتها السريعة للدرج قاصدة الطابق الثاني وتحديدًا غرفة نشأت .. فهرولت خلفها منيرة محاولة إيقافها وهي تهتف :
_ يا أسمهان هانم لحظة من فضلك مينفعش كدا .. نشأت بيه تعبان ونايم دلوقتي
توقفت أسمهان على حين غرة والتفتت لها برأسها تهتف في نظرات شرسة ومنذرة :
_ الأفضل ليكي إنك تنزلي وتكملي شغلك وملكيش دعوة .. ولو نشأت نايم أنا هصحيه
انكمش جسد منيرة خوفًا منها والتزمت الصمت ثم تابعتها بعيناها وهي تتجه إلى غرفة نشأت ثم تفتح الباب وتدخل دون أي استأذآن ! .. ظلت مكانها واقفة بدهشة من تصرفات تلك المرأة المعتوهة ولم تجد أمامها سوى حل واحد .. فاستدارت بجسدها وأسرعت إلى الدرج تنزل شبه ركضًا حتى تذهب للمطبخ وتأخذ هاتفها .
داخل الغرفة ……
تجولت أسمهان بنظرها بحثًا عنه في أرجاء الغرفة الضخمة لكن لا أثر له حتى سمعت صوت باب الحمام الملحق ينفتح ويخرج منه وهو يدفن وجهه بين منشفة بيضاء صغيرة يجفف بها وجهه ويرتدي بنطال وتيشرت منزلي لا يناسب عمره أبدًا ! .
حين رفع وجهه عن المنشفة ووقعت عيناه على تلك المتصلبة أمامه انتفض بزعر ولوهلة ظنها شبحًا متجسد بهيئتها .. لكن ارتخت عضلات وجهه المتشنجة بعد لحظات وحل محلها الحدة وهو يقول :
_ إنتي بتعملي إيه هنا وإزاي تدخلي الأوضة من غير أذن يا أسمهان
ابتسمت مغلوبة ثم تقدمت إليه بخطوات بطيئة متمتمة بسخرية :
_ رغم السنين ومرضك إلا إنك لسا زي ما أنت يا نشأت متعجرف ومغرور
نشأت بصرامة :
_ عرفتي بمرضي إزاي ؟!
ظلت تتطلع إليه مبتسمة ببرود حتى باغتها بصيحته العنيفة :
_ أسمهان عرفتي إزاي !!!
أجابت باستعلاء :
_ إنت مستهون بيا ولا إيه .. متنساش إني أسمهان الشافعي
هدر بنفاذ صبر وخنق :
_ عايزة إيه ؟
أسمهان مبتسمة ببساطة :
_ ولا حاجة جيت اطمن عليك بس
قهقه بقوة وقال مستنكرًا جملتها :
_ طيب قولي حتى سبب مقنع عشان يخيل عليا .. هو إنتي بيهمك حد غير نفسك يا أسمهان
_ يهمني طبعًا ولادي أهم حاجة عندي
ابتعد عنها وهو يضحك ليجلس فوق فراشه ويجيبها بقسوة :
_ أشك إنك بتحبيهم أساسًا .. أو تعرفي يعني أمومة
التهبت نظراتها من الغضب واندفعت نحوه ثائرة تصيح به :
_ ده جزاتي إني جيت اطمن عليك رغم كل اللي عملته معايا زمان
مد يده يلتقط وعاء المياه الزجاجي ويسكب في الكوب الصغير ثم يمسك بالكوب ويرفعه لشفتيه ليشربه كله دفعة واحدة وينزله ثم يهتف ببرود مستفز :
_ أنا معملتش حاجة إنتي اللي اخترتي الشافعي عشان الفلوس والمنصب
أسمهان بعصبية :
_ وإنت محاولتش تفهم مني أي حاجة وروحت واتجوزت
تطلع بعيناها في ثبات وقال باسمًا بصدق :
_ومندمتش للحظة إني اتجوزت ريهام .. ست فعلًا تستاهل الحب وكل حاجة عملتها عشانها وقدرت تخليني احبها بكل سهولة .. ولغاية دلوقتي فراقها صعب عليا ومش قادر اتقبله
ابتسمت تتصنع الازدراء وعدم المبالاة على عكس نيران الحقد والغل التي تملأ صدرها وفورًا تفاقم نقمها لجلنار أكثر حين تذكرت أنها ابنة تلك المرأة .. فرمقت نشأت بغل وقالت في تحذير :
_ ابعد بنتك عن ابني يا نشأت بدل ما أبعدها أنا بطريقتي
أظلمت عيناه وطال نظره المخيف إليها حتى وجدته يثب واقفًا ويثور عليها بعنف وقسوة ثم يقبض بيده على فكيها ويرمقها شزرًا هامسًا في لهجة مرعبة لا تحمل المزاح أبدًا :
_ بنتي خط أحمر يا أسمهان .. اقسم بالله لو لمستي شعرة واحدة بس منها هقتلك وادخل فيكي السجن .. وإنتي عارفة إني أعملها وعارفة نشأت الرازي لما يقول كلمة بينفذها ولا لا
للحظة خشيته قليلًا لكن سرعان ما استعادت شجاعتها ودفعته بعيدًا عنها بقوة تجيب ببأس وثبات :
_ وأنا مش بتهدد يا نشأت
أنهت عبارتها واندفعت لخارج الغرفة ورحلت تمامًا بينما هو فبقى يحدق بأثرها في قرف واشمئزاز ليلفظ من بين شفتيه لفظ بذيء وصفها بها فور مغادرتها !! ……
                                   ***
توقفت أمام الطائرة الصغيرة الخاصة به وراحت تنقل نظرها بينه وبين الطائرة ببعض الدهشة وعدم الفهم .. ثم هتفت بجدية :
_ عدنان اظن لغاية كدا وكفاية أوي .. ممكن تقولي بقى احنا هنروح فين ؟!
ابتسم لها بلطف وغمغم :
_ طيب اطلعي وهقولك فوق على الطيارة
أمسك بيد ابنته التي كانت تضحك بسعادة بعدما أدركت أنهم سيحظون برحلة مميزة وسارت مع أبيها تصعد معه درجات سلم الطائرة .. لكنه بالمنتصف توقف والتفت خلفه لجلنار التي مازالت تقف بالأسفل لا تتحرك وقال بلهجة جادة هذه المرة :
_ اطلعي يا جلنار يلا
تنهدت الصعداء بعدم حيلة ثم رفعت ثوبها الطويل وصعدت بحذر بسبب حذائها العالي حتى دخلت الطائرة وتحركت بخطواتها تجاه المقاعد الوثيرة والمعدودة لتجلس فوق واحد منهم ولم تلبس للحظات حتى سمعت صوت رنين هاتفها فأخرجته من حقيبتها وأجابت فورًا دون تفقد هوية المتصل أولًا .. ليأتيها صوت منيرة المرتبك وهي تقول :
_ الو ياجلنار هانم
توترت للحظة وظنت أن أبيها صابه مكروه فأجابتها مسرعة بارتيعاد :
_ في إيه يامنيرة ؟ .. بابا كويس ؟
منيرة بنبرة منخفضة :
_ كويس اطمني .. لكن أسمهان هانم كانت هنا عند البيه ومقدرتش امنعها وطلعت عنده في أوضته اخدت حوالي خمس دقايق وبعدين نزلت مشيت
التزمت جلنار الصمت واتسعت عيناها بدهشة ثم التفتت إلى عدنان تتفقد من ملاحظته لها أم لا فوجدته منشغل بالحديث ومشاكسة ابنته ، عادت تجيب على منيرة بصوت خافت :
_ جات ليه وكانت عايزة إيه ؟
_ معرفش ياست هانم هي دخلت غصب عني ولما حاولت امنعها هددتني وبعدين طلعت للبيه فوق
سكنت للحظة بتفكير واستغراب ثم ردت بخنق :
_ طيب يامنيرة اقفلي دلوقتي خلاص
أنهت الاتصال وانزلت الهاتف من فوق أذنها وعيناها شاردة في اللآشيء أمامها بتفكير .. سؤال واحد تردد بذهنها في تلك اللحظة ” ماذا يوجد بين أسمهان وأبي ؟ ” .. يبدو أن هناك خفايا مضمورة لا يعلمها أحد لكنها ستعرفها قريبًا ! .
استفاقت من شرودها على صوته الغليظ بجانب أذنها .. فاصابتها نفضة بسيطة ثم تطلعته مبتسمة وباللحظة التالية رأته يقترب ويجلس بجوارها ثم يميل عليها ويهمس بالقرب من أذنها في صوت عابث ودافيء :
_ إنتي كان نفسك تسافري فين يارمانتي !
جلنار بحيرة وعدم فهم :
_ فين ؟!
ضحك بخفة ثم مال أكثر حتى أصبحت شفتيه أمام أذنها بالضبط واردف بصوت انسدل كالحرير ناعمًا تملأه المشاعر :
_ المكان اللي قولتيلي قبل كدا إنك كان نفسك تروحيه وفي كل مرة كنتي قبل ما تسافري بتحصل حاجة تخليكي تلغي الرحلة
طالت نظراتها الحائرة إليه تحاول فهم مقصده حتى قذف بعقلها وتذكرت ما يقصده فاتسعت عيناها بصدمة وانفرجت شفتيها بابتسامة عريضة لتقول بعدم تصديق :
_ إيطاليا ! .. عدنان احنا رايحين إيطاليا بجد !!
هز رأسه بالإيجاب مبتسمًا بحب وهو يتأمل تعبيرات وجهها المذهولة والسعيدة .. لم يكن يتوقع ردة فعلها العفوية والجميلة هذه .. ولم يتخيل أنها ستفرح هكذا .
 فشل في إخفاء بسمته العاشقة والحانية عندما قابل تفاعلها من مفاجأته بهذا الشكل .. أدخلت السعادة على صدره بسعادتها ! .
ارتمت عليه نعاتقه بقوة من فرط فرحتها هامسة :
_ ياااه إنت لسا فاكر ياعدنان الكلام ده كان من سنتين وأكتر
ضمها إليه بذراعيه أكثر وتمتم بخفوت :
_ فاكر ياحبيبتي فاكر ومنسيتش
تشبثت به أكثر كتعبير عن امتنانها وحبها له وهو دفن وجهه بين شعرها ورقبته يتنفس رائحتها بهيام .
قطعت اللحظة الدافئة والغرامية بينهم الصغيرة التي ارتمت بالمنتصف بين والديها تنغرس بينهم لتبتعد جلنار ضاحكة ويبتسم هو بحنان ثم يحملها فوق فخذيه لاثمًا وجنتيها ويضمها لصدره فتميل جلنار عليهم ليمد هو ذراعه الآخر حول زوجته يقربها منهم في عناق عائلي دافيء وجميل ! ……
                                    ***
خرجت نادين من الحمام على أثر طرق الباب المستمر والقوي .. قادت خطواتها السريعة إلى الباب وهي مشتعلة من الغضب وتتوعد للطارق .
امسكت بالمقبض وإدارته ثم جذبت الباب إليها بعنف وقبل أن تصب جموحها كله على الطارق الذي توقعت هويته إما فرح أو هو وبالفعل كان هو .. لكنه لم يمهلها اللحظة حتى حيث غار عليها وحملها ليدور به في شكل دائري صائحًا بسعادة هستيريا وهو يضحك :
_ فرحنا الأسبوع الجاي يا نادين
ضحكت رغمًا عنها على جنانه وقالت صائحة وسط ضحكاتها :
_ لك بلا جنان يا حاتم واتركني .. يامجنون
تركها بعد لحظات ثم احتضن وجهها بين كفيه ومال عليها يلثم وجنتيها بقوة هاتفًا بثغر متسع :
_ أخيرًا بقى ده أنا استويت واتحمصت من كتر الانتظار .. خالك كلمني وقالي إنه جاي الأسبوع الجاي ده
 نادين بصدمة وتوتر :
_ الأسبوع الجاي ! .. طيب شو رأيك ننطر كمان شوية على العرس لبين ما استعد منيح
تقوست ملامح حاتم بغيظ وصاح في غضب :
_ نعم ياختي نـ إيه !! .. وماله ننطر يا حبيبتي بس متلومنيش بعد كدا بقى على اللي هعمله
_شو راح تعمُل ؟
دنى منها و لفحت أنفاسه الساخنة صفحة وجهها متمتمًا :
_فضيحة !
ارتبكت وخجلت من قربه فنكزته في صدره برفق ودفعته للخلف هاتفة بضحكة مغلوبة :
_ خلاص موافقة بنسوى العرس الأسبوع الجاي
حاتم باسمًا بلؤم :
_ حبيبتي إنتي سواء وافقتي ولا لا فرحنا كدا كدا هيكون الأسبوع الجاي
وصلت فاطمة على أثر صوتهم العالي ووقفت عند الباب تقول بتعجب :
_ في إيه بأولاد صوتكم عالي كدا ليه ؟!
التفت حاتم بجسده لها ولف ذراعه حول كتفي نادين وضمها إليه هاتفًا بسعادة :
_سمعينا زغروطة يافطوم .. فرح ابنك الأسبوع الجاي خلاص
فاطمة بصدمة وسعادة واضحة في نظراتها :
_ ده بجد يا حاتم ولا بتهزر !
_ وهو في هزار في الموضوع ده يا ست الكل
تللهت أسارير فاطمة وسرعان ما رفعت كفها لفوق شفتيها مصدرة زغرودة مصرية جلجلت بأرجاء المنزل بأكمله ليهتف بعدها حاتم ضاحكًا :
_أيوة بقى يا فطوم .. واحدة تاني كمان بالله عشان خاطر ابنك الغلبان
تعالت ضحكات نادين وفاطمة على سعادته الشديدة وتلقائيته فعادت فاطمة تلبي رغبته وتصدر زغرودة أخرى ملأت المنزل كله بالبهجة والسرور ……..
                                     ***
في مساء ذلك اليوم ………
طرقت ميرڤت الباب طرقة واحدة ثم دخلت .. توقفت عند عتبة الباب تتطلع بابنتها الكامنة في فراشها بصمت مريب وعابسة الوجه ثم تقدمت منها بخطوات هادئة حتى جلست بجوارها على الفراش ورفعت يدها تملس فوق ذراعها هامسة :
_ زينة ياحبيبتي !
سمعت همسة بائسة من زينة تسألها بيأس :
_ إنتي كنتي عارفة ياماما
ميرڤت بالنفي القاطع :
_ لا طبعًا يابنتي معرفش إنه هيسافر ومقاليش حاجة
تطلعت زينة إليها بقوة وأعادت سؤالها بصيغة أكثر وضوحًا :
_ كنتي عارفة إن هشام بيحبني ياماما ؟
سكتت للحظة ثم تنهدت وأماءت مجيبة :
_ أيوة قالي وطلب إيدك مني بس كان منتظر الوقت المناسب لغاية ما تفوقي وتستعيدي ذاتك من تاني بعد اللي حصل وكان هيقولك
ابتسمت بمرارة واشاحت بوجهها عن أمها تتمتم بأسى :
_ بحاول اتصل بيه كل دقيقة والنتيجة هي نفسها .. أنا مش عايزة اخسر هشام ياماما
صمتت ميرڤت لدقيقة ثم تبدلت ملامح وجهها وقالت بلهجة حازمة قليلًا :
_ إنتي فعلًا بتحبي آدم يا زينة ؟!!!!
رفعت أناملها لوجنتها تجفف دمعة مريرة سقطت ثم ردت :
_ لا .. كنت بحبه وجايز تكون في مشاعر  بسيطة في قلبي لسا ناحيته مش متأكدة .. بس اللي متأكدة منه إني مبقتش بحب آدم زي الأول ياماما والله صدقيني
ميرڤت بضيق وعتاب :
_ وليه محكتليش يازينة .. ليه مقولتيلش على حاجة زي كدا يابنتي واتكلمتي معايا
_ كنت خايفة ياماما تتعصبي وتلوميني لو عرفتي وأساسًا بنسبالي أنا شلت آدم من قلبي من بدري حتى لو لسا عقلي رافض إنه ينساه أو يشيله منه بس قلبي لا
توقفت للحظة ثم عادت تكمل بعبوس :
_ أنا مش عايزة اخسره ياماما إنتي عارفة إني بحب هشام أوي ومفضليش غيرك إنتي وهو دلوقتي .. ليه سابني ومشي .. قلقانة عليه ومضايقة أوي من نفسي إني السبب في كسرة قلبه  .. أنا لا يمكن اتمناله حاجة وحشة أو ابقى عايزة اكون سبب في زعله
تنفست ميرڤت الصعداء وقالت مبتسمة بحكمة :
_ إنتي مش بتحبي آدم يا زينة .. إنتي موهومة بحبك ليه يابنتي .. عقلك الباطن هو اللي مصورلك إنك بتحبيه أو لسا في مشاعر في قلبك تجاهُ .. متسمحيش لعقلك الباطن إنه يتحكم فيكي وشيليه من تفكيرك عشان ترتاحي .. أما بقى هشام أنا متأكدة إنه بيحبك بجد وأوي كمان .. جايز يكون سافر بسبب إنه مضايق دلوقتي ولما يهدى ويفوق أنا واثقة إنه هيرجع
 زينة بيأس وحزن :
_ مش هيرجع ياماما هشام قرر إنه يبعد عني خلاص .. ده لو مقررش إنه يكمل حياته هناك ويتجوز زي ما قالت ألاء فعلًا
ردت ميرڤت باسمة بحنو :
_ وإنتي زعلانة إنه مش هيرجع ولا إنه ممكن يتجوز
أجابت بدون تفكير في عينان دامعة :
_ الأتنين !
ثم ارتمت بين أحضان والدتها وقالت بصوت مبحوح :
_ هو أنا ليه بخسر كل الناس القريبين مني وبحبهم ياماما !
ملست ميرڤت على ظهرها برفق وتمتمت بحب :
_ ياحبيبتي إنتي مخسرتيش حد أنا جمبك ومش هسيبك أبدًا وهشام إن شاء الله هيرجع أنا واثقة
انهمرت دموعها فوق وجنتيها بصمت وهي بين ذراعين والدتها تتشبث بها كالغريق المتعلق بطوق النجاة الوحيد الذي لديه !!! .
                                  ***
على الجانب الآخر في إيطاليا ……
تقف بشرفة المنزل الصغير والفاخر تتأمل منظر المياه الطبيعي والخلاب أمامها .. ونسمات الهواء الباردة تلفح صفحة وجهها وتتطاير معها خصلات شعرها السوداء الحريرية .. وتزين شفتيها الناعمة ابتسامة رقيقة .
أحست بخطواته من خلفها حتى شعرت بذراعيه تمتدان لخصرها ويلفهم حولها بتحكم وحنو فاتسعت ابتسامتها ومالت برأسها للخلف لتستند فوق الجزء العلوي من صدره هامسة بخفوت جذاب :
_ الـ view جميل أوي من هنا
مال برأسه على رأسها ولثم شعرها بحب ثم رفع أنامله وراح يعبث بخصلات شعرها في رقة متمتمًا :
_ مبسوطة يا جلنار ؟
هزت رأسها بالإيجاب فوق صدره فابتسم بدفء وهمس من الخلف بجانب أذنها :
_ وأنا عايز اشوف ابتسامتك وسعادتك بس على وشك
ابتعدت عنه واستدارت ثم رمقته مطولًا وسألت بتدقيق :
_ اشمعنى دلوقتي قررت تاخدنا الرحلة دي .. يعني إيه اللي خلاها تيجي في دماغك فجأة كدا
ضحك وتمتم غامزًا :
_ حبيت اقضي وقت جميل ولطيف مع مراتي وبنتي بعيد عن ضغط الشغل .. والأهم اسعدكم واشوف الفرحة على وشكم والحمدلله نجحت المهمة
ابتسمت بنعومة ثم تقدمت خطوة واحدة إليه ولفت ذراعيها حول رقبته تهتف بدلال :
_ بس أنا عايز اروح كل مكان واتفرج على إيطاليا كلها يعني طالما جبتني بإرادتك هنا مش هنرجع إلى بإرادتي أنا وبعد ما ازهق وامل منها
قهقه بخفة ثم قال مداعبًا إياها بغمزة عابثة :
_ وافرجك العالم كله كمان يارمانة مش ايطاليا بس
تدللت أكثر وردت بغنج ورقة ساحرة أذابته تمامًا :
_ متقولش رمانة .. رمانتي احلى
رفع حاجبه مبتسمًا بدهشة بسيطة امتزجت بنظرته الغرامية ثم دنى منها وهمس بنبرة لها أثر سحري :
_ بس كدا من عنيا يا رمانتي
انفرجت شفتيها باتساع تتطلعه بعشق بينما هو فانحرفت نظراته وأخذت منحنى آخر تفهمه جيدًا وأكد شكوكها بغمزته الماكرة فابتعدت فورًا عنه واسرعت شبه راكضة للداخل ليضحك ويدخل خلفه ثم يغلق باب الشرف ويهتف مشاكسًا :
_ يعني هتهربي مني فين دي الشقة كلها اوضتين وصالة !
ضحكت بصمت ثم أسرعت إلى غرفتهم تنوي الاختباء بها لكنه كان اسرع منها حيث بخطوات معدودة فقط هرول خلفها والتقطها قبل أن تلوذ بالغرفة .. فاصدرت شهقة عالية وارتفعت بعدها صوت ضحكاتها وهي تحاول الفرار من بين يديه لكنها وجدته يكتم على فمها بكفه ويرمقها منذرًا بجدية ويهمس :
_ شششششش هنا هتصحى وطي صوتك
ردت ببرود متعمد :
_ وفيها إيه يعني !
انحنى وحملها على كتفه عنوة هاتفًا بغيظ :
_ هقولك فيها إيه
شهقت وهتفت برجاء وامتعاض  مزيف :
_ طيب خلاص نزلني والله ومش هطلع صوت تاني .. عدنان نزلني .. عــدنــان
لم يجيبها وفقط سمعت صوت ضحكته الرجولية الجذابة فلم تتمكن من منع ابتسامتها رغمًا عنها وبعد ثواني كان يدخل بها الغرفة ويغلق الباب خلفهم !! …..
                                    ***
عودة إلى مصر ……
نظرها كان عالق على ساعة يدها تتفقد الساعة التي تخطت الثانية عشر بعد منتصف الليل .. تأخرت بالعمل ولم تنتبه للوقت جيدًا .. والآن تقف تنتظر رؤية أي سيارة أجرة حتى تستقل بها .
ظلت تتلفت برأسها يمينًا ويسارًا على أمل رؤية أي سيارة بهذه المنطقة لكن طال انتظارها دون فائدة حتى بدأت تفقد الأمل وكانت على وشك أن تسير قدمًا لخارج هذه المنطقة حتى تستطيع العثور على سيارة تصل بها لمنزلها .. لكن عيناها التقطت على الجانب المقابل من الطريق ذلك الرجل وهو يقف ويتطلعها مبتسمًا بشيطانية ووعيد .. شعرت لوهلة بتوقف نبضات قلبها وأنها ستفقد وعيها فأسرعت وتلفتت حولها كالمجنونة بخوف بحثًا عن أي سيارة أو أحد لكن الطريق كان فارغ تمامًا .. وحين عادت بنظرها إليها رأته يقود خطواته السريعة إليها عابرًا الشارع .. ارتجفت قدماها وتصلبت بالأرض غير قادرة على الحركة وكأنها تقف منتظرة حتفها !!! ………..
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *