Uncategorized

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى والعشرون 22 بقلم زيزي محمد

 رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى والعشرون 22 بقلم زيزي محمد
رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى والعشرون 22 بقلم زيزي محمد

رواية ندبات الفؤاد الفصل الثانى والعشرون 22 بقلم زيزي محمد

بعد مرور يومان..
تحركت ليال بجانب سيف في أرجاء معرض الأثاث لانتقاء قطع أثاث جديدة قد وضعتها في قائمة مطالبها التي لن تتنازل عنها تحت صدمته، لن تنسى كيف اخبرته بما خططت له بكل جرأة، ورغم أنه ادرك محاولاتها في الهرب منه إلا أنه لم يتركها إلا بعد أن….
***
أغلق سيف الباب بعد مغادرة الجميع، بقيت هي هادئة ساكنة وكأنه زعيم مافيا قرر الانتقام بصمته المرعب ذاك، و،هو لم يعتاد عليها بهذا الشكل الهادئ المثير لقلق اجتاح صدره وهو ينظر لها بتمعن محاولاً كشف غموضها البادي عليها!.
اقترب منها بخطوات هادئة كان قاصدًا إزاحة ثقتها جانبًا، لطالما كان يتمتع بمشاكستها وإخراج أسوأ ما لديها من انفعالات وهياج غاضب تهاجمه به، ورغم أن حبه لها بدا أحمق وغريب، ولكنه يتمتع به لاقصى درجة، ولن يفوت تلك الفرصة العظيمة التي أُتيحت له وهما وحدهما بعد أن أصبحت زوجته.
مازالت تلك البربرية تحتفظ بهدوئها، رغم العبث المسيطر على عينيه المتركزة عليها وكأنها هدف قرر إصابته فاقترب أكثر حتى أصبح يطالعها من أعلى، فرفعت بصرها نحوه ترمقه بملل:
– وبعدين في جو الرعب الهابط ده يا سيف.
ارتفع جانب شفتاه ببسمة ساخرة صغيرة، ودنى منها بجسده العلوي وهو يمرر اصابعه فوق بشرتها الناعمة بداية من وجنتيها حتى المساحة المحاطة لثغرها الملون بحمرة خفيفة أثارت زوبعة بمشاعره تطالبه باختطاف قبلة صغيرة يتذوق بها شهد شفتيها الذي طالما حلم به رغم محاولاته في نفضها من تفكيره، إلا أن القلب ليس عليه سلطان بل دفعه في قلعة العشق دون ساتر يحميه من تيارات الحب العاصفة!.
ارتشعت شفتاها اثر لمساته الرقيقة لها، وتمسكت بطرف بلوزتها البيضاء تشدد عليها بقوة، وكأنها هي وسيلة النجاة التي تنقذها من الوقوع في حبه أكثر، وتصبح خاضعة بنهاية المطاف لسلطة عينيه الطالبة بحقه بها!.
رفعت يدها بعد محاولات جاهدت فيها التمسك بثباتها المصاب بتصدعات قابلة للانهيار أمامه نظراته المُهلكة لها، وبنبرة صوت خافتة كانت تحاول إخراجها ثابته بقدر الثقة التي تسربت منها وذهبت إليه مستغلاً إياها بذكاء في هدم حصونها الوهمية.
– لو سمحت يا سيف…مينفعش كده.
قاطعها وهو يجذبها بقوة ارعبتها وجعلت بؤبؤ عيناها يتسع وهي تلتصق بصدره العريض، تقابل عيناه مباشرةً، فغاصت في لونهما الرمادي الذي جعلها تبتسم كالبلهاء وتهيم عشقًا بهما..
وكمحارب يملك قدر كافي من الدهاء استغل هدوء خصمه وسكينته وراح ينقض عليه يقتنص منه ما يريد، ولكن الوضع هنا مختلف فالاقتناص لذيذ للغاية، محبب لقلبه، مذهب لعقله، مثير لمشاعره…وذلك حينما التقط ثغرها في قبلة طويلة بث فيها مكنونات حبه لها والذي دفنه لأعوام منتظرًا تلك اللحظة الفريدة والتي لن يتخلى عنها ابدًا.
استكانت بل ضاعت…ودخلت في غابة عشقهما والتي كانت تكمن مفاتحيها في قبلتهما الاولى..حاولت دفعه ولكنها كانت دفعه بسيطة كانت تحارب بها عقلها المحاول بكل الطرق بإيقاظها…أي استيقاظ قد تطيعه بعدما دخلت الحب من أوسع ابوابه، تدور به كفراشة كانت سجينة أفكار وهواجس مخيفة، وبعد أن اطلق سراحها راحت تنتقل بحرية ترفرف بأجنحتها الرائعة في سماء الحب الصافية.
وبعد مدة لا تعلمها ثوان أم دقائق فقدت بها قدرتها على التركيز، ابتعد عنها سيف بتروٍ وهو يرى ملامحها التي كانت تغزوها حمرة طفيفة جعلتها كثمرة ناضجة يود أن يأكلها حتى يشبع غايته منها.
ولكن لا يريد أن يتركها طويلاً بحالة الخمول تلك، بل اشتاق لمشاكستها فراح يتحسس بشرتها مجددًا كي تستفيق وتفتح عيناها تطالعه عن قرب، تبادله مشاعره الثائرة بأنفاسهما الحارة التي كانت تلفح بشرتهما بضراوة أرهقت قلوبمها التي كانت في بداية طريق السكينة والاحتواء.
– ليال…
نطقه لاسمها كان بمثابة الشرارة التي الهبت تفكيرها الغامض، فابتعدت تطلب مساحتها الخاصة، والتي لم يتأخر لحظة في اعطائها إياها بكل صدر رحب.
– لو سمحت عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم.
رفع حاجبيه لها مذهولاً من قدرتها على التحول بتلك السرعة، منذ دقيقة واحد كانت تسكتين كقطة في أحضان صاحبها بعد اشتياقها له، والآن تقف بأنفع مرفوع تطلب منه أن يتحدثا بجدية، كمديرة أعمال مهمة قررت خوض اجتماع طارئ.
– اتفضلي يا مدام ليال أنا عنيا ليكي.
رمى إليها ذلك اللقب متأكدًا أنها ستثور رافضه اياه:
– أنا مش مدام..أنا انسه.
كان يهز رأسه متابعًا معها بجدية زائفة حتى ثارت أكثر قائلة:
– سيف متعصبنيش بجد هو ده وقته القاب ملهاش معنى!.
جلس أمامها وهو يقول بهدوء خبيث جعل فاها ينفتح بصدمه من وقاحته:
– عندك حق، ملهاش معنى دلوقتي، كمان شوية هنخليها ليها معنى وأثر ووجود وكل حاجة في الدنيا.
أنهى حديثه ببسمة سمجة، فرفعت أصابعها تشير له في حدة مضطربة:
– بقولك إيه، اوعى تكون فاكر بجوازك مني يبقى كده خلاص الدنيا ضحكتلك!.
– امال هتصوت على خيبتي!.
قالها بمزاح، فردت بعصبية مفرطة:
– اول قاعدة يا سيف ترقيتك عليا دي تمنعها خالص، تاني حاجة أنا لما بكون بتكلم بجد تسمعني فاهم ولا لأ.
توقعت محاولاته في تهدئتها ولكنها تفاجئت حينما رد باستفزاز:
– لا مش فاهم.
حقًا ودت الصراخ منه في تلك اللحظة، ولكنها تجاهلت وأكملت حديثها بجمل مترابطة انقطعت أنفاسها اثرها وكأنها تريد أن تلقي ثقل كان يتربع فوق صدرها:
– أنا عايزه فرح كبير، وكمان فرش جديد، وشبكة زي أي بنت وانا اللي اختار كل حاجة بنفسي زي أي بنت بردوا، ولا أنت فاكر عشان ماليش أهل هتتجوزني في سكات كده، لا بقولك إيه أنا بمية راجل واعمل اللي أنا عايزه.
ليست حقًا متطلبات بل اجتهاد منها حتى تحظى ببعض الوقت البسيط كي تعطي لنفسها فرصة في كيفية التأقلم معه وهو زوجها.
صمت أثار قلقها من رد فعله، تسرب الخوف لديها من تهور تفكيره ناحيتها ويظل فكرته القديمة عنها تترسخ بذهنه بعدما ثابرت أن تغيرها.
– موافق!.
خرجت كلمته بهدوء، فساءلت بحذر:
– موافق عليه إيه بالظبط؟!
– موافق على الشبكة والفرش لكن الفرح…
ثارت مجددًا تنظر له بتحذير:
– ماله الفرح ان شاء الله، لا بقا انا عايزة فرح وكبير اووي كمان.
– هعملك بس هتكون مفاجئتي ليكي، ما هو العريس لازم يفاجئ عروسته بحاجة.
كانت نبرته عادية ولكن ابتسامته لم تكن ذلك، غامضة، مخيفة وكأنه يخطط للانتقام منها مثلاً، لا، لن تترك نفسها لافكارها المظلمة مجددًا ستضع حدًا لذلك، يكفيها أنه موافقًا على متطلباتها دون تفكير.
**
أجفلت من شرودها على يده التي تمسكت بيدها تجذبها نحوه وهو يشير نحو غرفة ما، قائلاً بصوت هادئ:
– ايه رأيك في دي يا حبيبتي.
نعم…ماذا؟!، لِمَ انقطعت الأضواء فجأة؟!، أم أنها خيل لها هذا!، أم أنه يريد اصابتها بالجنون بسبب كلماته التي تذيب الجليد المتبقي بقلبها، لم تذيبه بحسب بل أنها ساعدت على انصهاره، طالبًا بقبلة شبيه لقبلتهما الاولى وعند هذا الحد صاحت بصوتها كالمذعورة وهي تشير نحو غرفة ما قائلة دون أن ترى الوانها..او سعرها مثلاً الذي جعل سيف مصدومًا قليلًا من ثمنها الباهظ ولكنه كتم انفعاله وأبدى لها عدم اكتراثه واقدم على شراءها.
***
راقبت شمس لهو صغيرها مع سليم في المحل الجديد من زجاج المكتبة الخارجي، حيث قرر شراءه فقط كي يحصارها في المنزل والمكتبة!، تعجبت لتعلق صغيرها بوالده الزائد عن حده، وما زاد من تعجبها هو أن سليم كان عاديًا، مرحبًا، مستقبلاً لمتطلبات ولده بصدر رحب، هل ابتعادها كان سبب في تغيره بهذا الشكل؟، أم انها كانت لا ترى جزء من شخصيته الدفينة!، أو أن الطريق الذي سلكته دون علمه أعماها عن زوجها لفترة كانت كفيلة لذلك البُعد الجافي بينهما.
اغلقت عيناها حينما روادها شعور احتاجت إليه الآن ويكمن في اللجوء لاحضانه وعودتها لحياتها السابقة بكل ما فيها، فوجوده بجانبها كان كفيلاً باطمئنان قلبها من أفكار أصبحت كالمخاوف تحاربها أثناء نومها ويقظتها.
فتحت عيناها مرة أخرى وهي تتنهد بعمق تحاول ترتيب أنفاسها والخروج من كنف الضياع الذي تملك منها مؤخرًا، كانت تسير بخطى جيدة ولكن انقلب الحال بوجوده، تساءلت بحيرة.. ماذا ستفعل معه؟!، لن يتركها بهذه السهولة إلى جانب أن قلبها ايضًا يتفق معه رافضًا افكارها تلك بكل ما فيها.
وقع بصرها عليه وهو يتجول أمام محله ذهابًا وإيابًا يتحدث بهاتفه وابتسامته الواسعه التي باتت تظهر مؤخرًا بسلاسة بعد أن كانت تتوق لها تنتظر أن يمن عليها ببسمة لطيفة تداعب يومها الطويل في انتظاره.
عبست بوجهها فمزال الشك يداهمها من حين لآخر، اعتدلت بجلستها وهي تركز أكثر على شفتيه تحاول أن تلتقط منهما أي كلمة ترضي فضولها.
وعلى الجانب الآخر كان يتحدث سليم مع سيف..
– اختارت الشبكة اللي هي عايزاه.
رد سيف بهدوء:
– ايوه بس محدش في المحل راضي يقولي سعرها.
هتف سليم بنبرته الرخيمة:
– دي هدية مني ليك.
أردف سيف برفض قاطع:
– لا يا سليم مينفعش الهدية تكون بالشكل ده، بص…
بتر سليم حديث صديقه الرافض لهديته بسبب عزة نفسه الشديدة والتي لن يتخل عنها أبدًا رغم صداقتهما المتينة.
– بص أنت واقعد ساكت خالص، هو أنا من امتى قولت كلمة ورجعت فيها يا سيف.
رد سيف بهجوم طفيف بعد إصرار صديقه:
– معلش وأنا رافض حاجة زي دي يا عم أنا حر.
وبعد هجومه ذاك، ابتسم سليم بثقه وهو يخبره:
– أنت كده بتدخلنا في صراع أنا اللي هكون كسبان فيه..اقبل الهديه وانت ساكت بلاش تقلب دماغنا بكلام تافه، خلينا في المهم.
استمع لزفير سيف الحانق لاصراره على قراره، تجاهله وقرر التحدث بما يثير صدره بفضول قلق:
– فاطمة عزمت شمس على الفرح!.
– ايوا امبارح بليل، وهي اتحججت كتير ومع اصرار فاطمة وافقت انها تيجي.
حاول إخفاءة نبرة السعادة حينما علم بموافقتها على المجيء للقاهرة لحضور زفاف سيف وليال:
– تمام انا هروح واتمم معها مش هو بعد يومين.
هز سيف رأسه بإيجاب وكأنه يراه، قائلاً بنبرة يتخللها الشفقة:
– ايوا، ربنا معاك على المهلبية اللي أنت فيها.
هز سليم رأسه موافقًا لتشبيه صديقه لحياته، التفت بجسده يأمر أنس بالجلوس مع العمال، ثم انطلق نحو شمس مقررًا التحدث معها والذي ما إن رآته يتقدم نحوها حتى تراجعت للخلف وأبدت اهتمامها بكتب الاطفال الموضوعه أمامها.
دخل المكتبة وبقي صامت ينظر لها، ولكنها تجاهلت وتجاهلت حتى ملت ونظرت له بعدما فشلت في محاولتها بتجاهله.
– مينفعش كل شوية تيجي وتكلمني في شغلي.
رد ببساطة:
– أنا جيت مرة واحدة بس.
صححت له بضيق:
– النهاردة مرة واحدة وامبارح تلات مرات واول امبارح مرتين..ومينفعش كده بجد المكتبة فيها كاميرات وأصحابها أكيد مراقبين الوضع ما بينا.
ارتفع حاجبيه سائلاً إياه بتعجب مستفز:
– بجد شايفنا دلوقتي.
وبيده لوح لكاميرا المثبته بأحد الاركان مبتسمًا باستفزاز مما جعلها تثور غاضبه:
– سليم انت اتجننت ايه اللي بتعمله ده.
– بكون السبب في رفدك علشان نخلص من الليلة دي بقا اصلها طولت وبوخت.
رد بنبرة حانقه، فقالت بعصبية:
– هو أيه اللي بوخ بجد، مشاعري بقت بايخة بالنسبالك ده من انهي تجاه، انت فاكر الموضوع كله بسبب طلاقك ليا، يبقى لاسف خانك ذكائك يا سليم باشا الموضوع اكبر من كده بكتير.
أشار بيده حينما وصل لمراده أخيرًا:
– خلاص نقعد ونتكلم واشوف ايه الموضوع ده، خدي بالك يا شمس أنا مش هفضل كتير اراضي فيكي.
وأنهى حديثه بنبرة تحذيريه خافته للغاية.
توسعت عيناه تسأله في ترقب وقلب ينفطر ألماً:
– مستحقش انك تراضيني وتتعب لغاية ما ارجعلك؟!
كانت تتساءل وتنتظر إجابه تشبه الماء البارد حينما يسكب فوق متعرق في فصل الصيف.
أجاب بثقة ممزوجة بالتحذير حيث فاض الكيل به:
– تستحقي فعلاً…تستحقي كل حاجة…بس حطي في دماغك انه لولا ده متعلق بيكي ولسه ليكي جوا مكان مكنتش هقف الوقفه دي ابدًا.
رغم صمته بعد حديثه إلا أن يده مازالت موضوعه فوق قلبه، ثم عاد واستكمل:
-ولولا ابنك اللي هناك ده واللي أنا بردوا مش عايزه يتأثر بمشاكلنا مكنتش هوافق على نفسي ان اخوض حالة رفضك ليا وانا عادي كده..انا بدوس على حاجات جوايا وبعدي وبكبر بس نصيحة مني بلاش طاقتي تخلص معاكي، علشان واقسم بالله فجأة هتلاقيني اختفيت عنك والخطوة اللي هقرر ابعد فيها لا يمكن ارجع فيها تاني.
الآن أصبح تهديده صريح قوي يحمل فترة عصيبة عاشها بكل تفاصيليها المظلمة!.
أشارت له بيدها تقول بضيق:
– بردوا بتهددني..
حاول توضيح وجهه نظره بوضوح اكثر:
– لا ابدا مفيش تهديد ولا حاجة، أنا بس بنورك عن الضلمه اللي انتي عايشه فيها، وبقولك مش سهل على راجل زي اقف كده واستنى اشوف رضاكي عليا…انتي مبسوطة وانا اتخنقت ولولا اني عارف انك لسه عايزني مكنتش هفضل ده كله سايب بيتي واهلي وشغلي وجاي هنا عشان خاطرك وعشان مش قادر اسيبك لوحدك.
اندفعت الكلمات من جوفها تحفزها على اخباره بما تكنه من مشاعر كانت ممزوجة بخيبة الأمل، ولكنها تراجعت لتعنته البادي على وجهه، وكأن الظلام الذي يتحدث عنه هو ضلاله هو..وليس هي..لأنه حتى الآن لم يدرك ما تشعر به وتريده منه، بل مازال يتصرف بعدوانية أحيانًا…وأحيانًا أخرى يتجاهل.
ومع صمتها الطويل وعدم مشاركته الحديث في أبسط الحلول لمساواة الوضع بينهما، جعله هو الآخر يصمت مفكرًا قليلاً باستياء بات واضحًا على وجهه:
– هسيبك وهفضل محافظ على الفترة اللي انا حددتها يا شمس، لما نشوف اخرتها إيه وتقدري امتى تيجي تتكلمي معايا، واتمنى وقتها تكوني عارفه غلطك.
أي خطأ يتحدث عنه، مازال العناد يتربص به يمثل حائلاً منيعًا بينه وبين النور الذي يبحث عنه، حتى أنه ينتظر قدومها إليه اولاً، مبديًا تذمره من محاولاتها في كسب بعض الغنج عليه كي يعلم قيمتها التي أضاعها بيده في لحظة تهور كان من المفترض أن يتحكم بنفسه بها!.
خرج من المكتبه بهدوء ينافي الثورة التي أشعلها، زمت شفتيها بضيق لقدرته العظيمة في قيادة الحديث بينهما لصالحه، وكأن له قوة خارقة كي يجعلها تصمت بهذه الطريقة التي تظهرها مظهر ضعيفة غبية لا تملك حق الدفاع عن نفسها.
***
كانت ليال تجلس أمام سيف في أحد الكافيهات تستمع لحديثه مع صديقه بعدم اكتراث وذلك لهياج مشاعرها الوقحة التي أصبحت تطالب بأمورًا غريبة عنها.
انتبهت لسيف حينما أنهى الاتصال، فسألته كمحاولة منها للخروج من عمق أفكارها الحمقاء:
– مين دي اللي فاطمة تعزمها على الفرح!.
– مرات واحد صاحبي، بينهم خلاف بسيط وهو عايز يحل الموضوع ده في فرحي.
– خلاف زي أيه؟!
– طلاق.
زمت شفتيها وكأنها تدرك أن كلمته التالية ستكون هي، فتلك هي نهاية الطريق لكل شيء سعيد وهادئ، نهاية تمثل جزءًا من هواجسها المخيفة.
– وأكيد هي رافضه الرجوع له أذاها كتير.
قالتها بتنهيدة حزينة جعلت سيف يركز ببصره عليها بتعجب حاول إخفائه:
– متتخيليش حاجات مش موجودة بدام معشتيش القصة.
ردت بثقة:
– مش محتاجة اتخيل يا سيف!، الكلام واضح قدامي.
أصر على رأيه قائلًا:
– لا مش واضح ممكن يحصل طلاق في لحظة تهور بس الطرفين لسه بيموتوا في بعض.
حركت رأسها برفض وهي تشرح وجهة نظرها:
– مش مبرر..الراجل اللي يوصل لمراته انها تطلب الطلاق أكيد هو الخلل..
قاطعها وهو يدافع عن صديقه بضيق:
– موصلهاش ومكنتش عايزة..هو اللي طلق لاسباب مش من فراغ أكيد.
سخرت قائلة:
– كمان هو اللي طلقها..
انفلت هدوئه وخرج عن هيكل ثباته قائلاً بعصبية طفيفة:
– أنا مش فاهم ايه سر اننا نقعد ندخل في مواضيع صاحبي ملهاش علاقة بينا.
نفت برأسها وهي تشير باصبعها نحو الطاولة بإصرار جعله يتعجب منها:
– ليها علاقة يا سيف..علشان ممكن توصل لنفس المرحلة دي، مرحلة ممكن متكنش شايف الا نفسك وترفض تسمعني… تفهمني، يكون ليا متطلبات ومعرفش اقولهالك.
كان يستمع بتركيز لها محاولاً تفهم مشاعرها، ولكنها ببساطة أعطت إجابة حازمة للحيرة التي يدور حولها صديقه..زوجته تحتاج لوقت كافي تسرد له ما تشعر به..ما تحتاجه منه، هذا العناد متولد من جفاء مشاعرهما الصامتة.
مد يده وأمسك يدها بقبضته قائلاً برازنة:
– حالة سليم وشمس غيري وغيرك، كل واحد فينا ردود افعاله بتختلف عن التاني، ادراكه للوضع اللي فيه ومدى تقبله بردوا بتختلف من واحد لتاني، علشان كده بقولك متحطيش نفسك في حالتهم.
وكأن سيف أدرك مكنونات مخاوفها سريعًا، فقالت بعدم اكتراث:
– أنا محطتش نفسي مكان حد، أنا معرفش حتى هما اطلقوا ليه!.
مزاحها كي ينهي ذلك الحوار المرهق لنفسيتها المضطربة..
– شوفتي يا نكدية متعرفيش سبب انفصالهم ونكدتي عليا، امال لو عرفتي كنتي رميتي الدبلة في وشي علشان حقوق المرأة.
فلتت ضحكة صغيرة منها وبدأت أصابعها في مداعبة الحلقة الذهيبة في حنو وسعادة بعدما افلتها هو من بين قبضته…تاركًا لها المساحة الكاملة في التأقلم مع مشاعرها الجديدة.
***
مساءًا…
وقف سيف يضع يده بجيب بنطاله يراقب النافذة بغضب جامح، منتظرًا مجيء فاطمه بعد تأخرها لهذه الساعة والخروج دون اذنه.
واخيرًا عادت مع جارتها ودخلت للبناية، تجهم وجهه مفكرًا في سبب عودتها المتأخرة الغريبة عنها، وما هي إلا ثوان حتى ظهرت من خلف الباب تدخل في إجهاد وارهاق.
– كنتي فين يا فاطمة؟!
كان يجاهد براكين الغضب المتأججة بداخله، لذا خرجت نبرته خافته تحتوي حروفها النارية على سهام الغضب التي أصابتها وجعلت من توترها مادة لاثاره غضبه اكثر:
– بقولك كنتي فين؟!
ردت بخوف منه لعلمها بمدى غضب أخيها:
– كنت بدور على شقة يا سيف.
– بتدوري على إيه!.
أجابت مجددًا بتوتر ممزوج بالحزن:
– بدور على شقة علشان انقل فيها أنا وتوته.
تقدم منها مختصرًا تلك المسافة يقبض على ذراعيها:
– ودوري ليه أصلاً؟!
ردت بحب وعفوية أخويه كانت تحافظ على سلام حياته الجديدة.
– علشانك يا حبيبي أنت هتبقى عريس وعايز خصوصية مينفعش أنا وتوته نقعد معاك.
أردف باستنكار غاضب:
– خلاص قررتي وخططتي وروحتي تشوفي شقة وانا اصلا لا يمكن اقبل انك تقعدي فيها وتسيبي بيت ابوكي.
حاولت تذكيره بأن ميراثها احتفظت به في البنك.
– انا اخدت نصيبي منها من زمان.
رد بإصرار عليها:
– هتفضل بيت ابوكي بردوا، وحتى لو مكنتش شقة ابونا..وكانت شقتي مش أنا الاخ اللي يسيب اخته وبنتها يقعدوا لوحدهم.
قالتها بضيق ممزوج بالخوف من رد فعل ليال والذي يبدو أنه خرج سهوًا منها وأخبرته به:
– يا سيف متخلنيش اندم ان اطلقت، وبعدين بصراحة ممكن ليال متحبش تقعد وتشارك حد بيتها ودي حياتكوا يا حبيبي…
قاطعها مزمجرًا:
– بلا حياة بلا زفت….انتي مكانك هنا قبلي وقبل ليال وقبل أي حد..حتى لو هي نفسها محبتش كده.
– وبعدين يا سيف هتهد حياتك علشان خاطر سبب تافه زي ده.
وبنبرة غامضة أخبرها:
– لو هي اختارت كده يبقى براحتها.
قالها وخرج من الباب مغلقًا إياه خلفه بقوة افزعتها، ترك نفسه لخوض تجربة قاسية أخرى لم يكن يدركها، ماذا سيفعل إن رفضت ليال وجود فاطمة؟!، ما هو قراره التالي، أي منهما سيختار؟، ليال زوجة تمنها بل سهر الليالي متيم بعشقها..وفاطمة أخته فلذة كبده…وصية والديه لن يستطع تركها وحدها بل من المستحيل أن يفعل بها هكذا!، وفي ظل شروده شعر بحاجته لها هي من ستقرر وتجزم ذلك الموضوع، صعد درجات السلم ببطء وخوف لأول مرة يخشى قرارتها..فالقرار هذه المرة مصيري، سيحكم على حياتهما بالاستمرارية أم الابتعاد مع سقوطها من تلك المكانة التي وضعها بها.
***
استغلت شمس وجود أنس مع سليم بأعلى وقررت الفرار لمكان أجلته لأيام عديدة، هبطت الدرج بسرعة رهيبة ومنها إلى الطريق حتى اوقفت سيارة أجرة واستقلتها بتوتر وهي تراقب البناية في قلق جامح..
ولم تعرف أن هناك رجلاً من رجاله يراقب أنفاسها وليست تحركاتها فقط ..استندت بإريحية على مقعد السيارة وراحت تراقب الطريق بتفكير وشرود في ما عزمت عليه مؤخرًا..
يتبع ……
لقراءة الفصل الثالث والعشرون : اضغط هنا
لقراءة باقى فصول الرواية : اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *