روايات

رواية في حي الزمالك الفصل التاسع و الثلاثون 39 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل التاسع و الثلاثون 39 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت التاسع و الثلاون

رواية في حي الزمالك الجزء التاسع و الثلاثون

رواية في حي الزمالك الحلقة التاسعة و الثلاثون

حَفْلٌ دِرَامِيٌّ🦋🤎✨

“طب بصي.. أيه رأيك في ده يا أفنان؟” سأل نوح بحماس شديد وهو يُشير إلى أحدى الآرائك، نظرت نحوه ميرال بجمود وهي تبتلع الغصة التي في حلقها ثم تُردف:

“أنا ميرال.. أنا ميرال يا نوح..”

طالعها نوح بذهول وثغر خاوي يكاد يصل إلى الأرض من شدة الصدمة، ازدرد ما في فمه بصعوبة وهي يدعو بداخله أن تنشق الأرض وتبتلعه.. هو لم يقصد حقًا، لم يقصد ذكر اسم أفنان ولم ينوي قط أن يُحزن ميرال.

“أنا.. احم.. أنا أسف جدًا، أنا اتلغبط بس عشان أنتِ كنتِ بتكلميني عن خطوبة أفنان من شوية ف..” كان يتحدث نوح بتلعثم شديد وهو لا يعلم ماذا عليه أن يقول لكي يُصلح ذلك الموقف فهذه المرة هو لن يستطيع ‘قلب الترابيزه’ كما يفعل في كل مرة.

“لا عادي حصل خير، بس لما تعرف أنت مع مين وبتكلم مين أبقى تعالى كلمني.” بصقت ميرال كلماتها بإنكسار شديد وهي تحاول مغادرة المكان سريعًا قبل أن تنهمر دموعها أمامه، وقف نوح مصدومًا لثوانٍ قبل أن يتبعها سريعًا وهو يحاول جذب ذراعها لكنها تصيح مُبتعدة عنه قائلة:

“متلمسنيش أنتَ اتجننت!”

“أنا أسف.. أنا أسف مش قصدي، ميرال أنتِ بجد هتسبيني وتمشي عشان ذلة لسان؟ قولتلك مكنش قصدي اتلغبطت! وبعدين أنا مقولتش اسم حد غريب ولا اسم بنت بكلمها عليكي مثلًا! ده اسم أفنان أختك.. اللي هي بنت خالتي، ما أنا ساعات بتلغبط وبقولك يا مريم، أيه اللي حصل المرة دي يعني؟”

“أنتَ عارف الفرق كويس يا نوح، بطل تستغباني ها!” علقت ميرال وهي تبتسم بإنكسار، احكم نوح قبضة يده وأمتعضت تعابير وجهه وهو يُلقي باللوم عليها قائلًا:

“وأنتِ بطلي تكبري المواضيع.”

“طيب روحني من فضلك.”

“لا يا ميرال مفيش مرواح، أحنا هنكمل اليوم عادي.”

“كمله مع نفسك بقى.” تمتمت وهي تُشير إلى سيارة أجرى وتدلف بداخلها سريعًا تحت أنظار نوح المندهشة، لعن أسفل أنفاسه بغضب وهو يسب حظه السيء ويسب اليوم الذي قرر فيه أن يتقدم لخطبها وسب أفنان التي من وجهة نظره هي سببًا لكل المتاعب التي يعيشها.

عادت ميرال إلى المنزل باكرًا عما توقعوا، كان ثلاثتهم يتناولون الطعام حينما جائت هي.. ألقت التحية على والديها وشقيقتها بهدوء شديد قبل أن تدلف إلى كهفها أو بمعنى آخر حجرتها هي وأفنان دون أن تتفوه بحرفًا آخر.

“أفنان.. قومي شوفي أختك فيها أيه.”

“حاضر يا ماما.”

استقامت أفنان من مقعدها واتجهت نحو الغرفة وقبل حتى أن تدلف إلى الداخل استطاعت سماع صوت شهقات ميرال المكتومة، كما توقعت تمامًا فالطالما كانت ميرال تفعل ذلك من الصغر، كلما أحزنها أحد عادت إلى الحجرة وأخفت وجهها في الوسادة سامحه لعبراتها بالهطول ومحاولة إخفاء صوت نحيبها بواسطة الوسادة.

“ميرو.. أيه اللي حصل؟ أنتِ كويسة؟ قوليلي مين زعلك وأنا أكسرهولك.” سألت أفنان وهي تقترب من شقيقتها بهدوء قبل أن تجذبها لترفعها عن الوسادة كي ترى وجهها، أعين ووجه مُحمر ودموع تنهمر بغزارة، بمجرد أن رأت أفنان شقيقتها على هذا الحال جذبتها في عناقًا قوي وهي تشعر بقلبها يحترق من أجل شقيقتها الوحيدة.

“بس يا حبيبتي اهدي.. كل حاجة هتبقى كويسة، أنا هجبلك حقك من اللي زعلك.. حقك عليا أنا.” كانت تتمتم أفنان بتلك الكلمات بصدق شديد فهي لن تتردد في تحطيم من قام بإيصال شقيقتها إلى تلك الحالة والتي لم تبذل مجهودًا لتعرف من هو.

“نوح زعلك في أيه؟ قوليلي بس وأنا هخلي بابا يمرمط بكرامته البلاط.”

“مفيش.. احنا بس شدينا مع بعض، أنا بس اتحسست زيادة عن اللزوم وهو اتضايق..”

“ميرال للمرة المليون أنا بقولك مفيش أي حاجة تجبرك تكملي في علاقة زي دي ولكن خدي بالك يا ميرال لو كملتي فأنتِ المسئولة مترجعيش تشتكي لما تنفصلوا ويبقى بينكوا عيل ولا اتنين.”

صقت أفنان كلماتها والتي قد تبدو قاسية ولكنها فعالة، فوضع ميرال يحتاج إلى الحزم وليس الحنان، ساد الصمت لبعض الوقت بينما تُفكر ميرال فيما قالته أفنان.. فعلى هذه الحال ستعود ميرال إلى منزل والديها غاضبة كل بضعة أيام وماذا إن حظت بطفلًا منه؟ كيف سيكون وضعه حينما يرى شجار والديه المستمر ولكن في الوقت ذاته هي لا تستطيع تخيل حياتها بدون نوح.. لا يمكنها تخيل زوجًا آخر مكانه..

“أنا هنام شوية، لو ماما وبابا سألوكي قوليلهم شديت مع نوح عادي.”

“حاضر.” تمتمت أفنان وهي تُقبل شقيقتها ومن ثم تتجه نحو الخارج، كان القلق باديًا على وجه والديها منحتهم هي ابتسامة صغيرة وهي تطمئنهم لكن لم يبدو على والدها الإقتناع بما تقول لذا بمجرد انتهائهم من العشاء طلب منها والد أن تعد له قدحًا من الشاي وأن تجلس مع بالشرفة.

“أيه اللي حصل مع ميرال؟ أنا عارف أنك مش عايزة تحكي قدام ماما.”

“بص يا بابا بصراحة نوح بيزعل ميرال كتير أوي وهي بتخبي عليكوا.”

“بيزعلها ازاي؟ وأيه اللي مخليها تخبي علينا أصلًا؟” سأل والدها بقلق حقيقي، لتبتلع أفنان الغصة التي في حلقها وهي تُجيبه مُردفة:

“عشان هي بتحبه يا بابا.. عشان هي كبرت مشافتش غيره قدامها.”

“أنا هتكلم معاها، أنتِ عارفة أني عمري ما أجبرت واحدة فيكوا على حاجة.. أنا هنصحها وهي حرة.”

“لا يا بابا! أجبرها.. أجبرها تسيبه.. أنا مش هينفع أشوفها بتدمر حياتها واسكت.. لو حضرتك مش هتاخد ردة فعل أنا هضطر اتصرف.” بإنفعال شديد قالت أفنان كلماتها قبل أن تستقيم تاركة المكان ومتجهة نحو حجرتها تحت أنظار والدها المستاءة.

في صباح اليوم التالي توجهت أفنان إلى الجامعة لإنهاء بعض الأوراق والإستفسار عن موعد ظهور نتيجة الفصل الدراسي الثاني وفي أثناء زيارتها للجامعة توجهت إلى المكتب حيث يجلس نوح ولحسن الحظ كان نوح فقط من يجلس في الداخل لذا استطاعت توبيخه كما يحلو لها وبمجرد أن رأت وجهه اقتربت قليلًا وهي تصيح:

“أنت يا بني آدم أنت! لو مبطلتش تزعل أختي هتشوف مني وش عمرك ما شوفته يا نوح.. هدمرك! صدقني هعمل أي حاجة ممكن اعملها وهخلي حياتك سواد.”

“أيه الجنان ده يا أفنان؟! أحنا في الكلية!” أردف نوح بحنق وبصوت منخفض نسبيًا وهو يستقيم ليغلق الباب، تنظر نحوه بوعيد وهي تُردف مستنكرة:

“هو أنت لسه شوفت جنان؟”

“هو في أيه بس اهدي عليا! هي ميرال حكيتلك أيه بالضبط؟” سألها ببرود نسبي وهو يحاول امتصاص غضبها لكن ذلك لم يفيد في أي شيء بل جعلها تغضب أكثر لتُعلق قائلة:

“مش هتفرق، أنا وصلتلك الرسالة.. أحسنلك تفسخ الخطوبة دي يا نوح وتريح وتستريح.”

“أنا بحب ميرال ومش هسيبها.” أردف نوح بحزم متعمدًا إثارة غيرة أفنان وبالطبع لم ينجح فلقد أثار غيظها وليس غيرتها، فأفنان لا تهتم بنوح بتاتًا بل كل ما يهمها هو شقيقتها الوحيدة.

“أنتَ كداب! أنتَ مبتحبش ميرال ولا حتى بتحبني.. أنتَ مبتحبش غير نفسك يا نوح، أنا ماشية” بصقت أفنان كلماتها القاسية والصادقة في الوقت ذاته قبل أن تذهب تاركة نوح يصرخ بحنق موبخًا إياها.

عادت أفنان إلى المنزل وقد أحضرت أنواع مختلفة من الحلوى من أجل شقيقتها ولكن بمجرد أن دلفت استقامت ميرال من مقعدها بإستياء وقد عقدت كلتا ذراعيها أمام صدرها.

“مالك يا ميرال في أيه؟”

“أنتِ روحتي لنوح الكلية؟” سألت ميرال بنبرة أشبه بالتحقيق لتتنهد أفنان ثم تُردف ساخرة:

“كنت رايحة اخلص ورق وعديت عليه اه، هو لحق حكالك.”

“أفنان أنتِ روحتي تتخانقي مع ابن خالتك في الجامعة قدام الناس؟ أنا مش متخيلة قلة الأدب توصل بيكي لكده!” وبختها والدتها لتتسع أعين أفنان بينما تُطالع والدتها وشقيقتها بصدمة كبيرة ثم تقول بإستياء:

“ماما ده كداب! مكنش في حد غيرنا أصلًا! أحنا كنا في المكتب.. مكتب بيبقى فيه أكتر من معيد مع بعض وأحنا اتخانقنا اه بس مكنش في حد.”

“يعني كنتي قاعدة معاه لوحدك؟”

“شوفي أنا بتكلم في أيه وأنتِ بتتكلمي في أيه؟! مالك يا ميرال أنا أفنان.. أختك.. فوقي!”

“أختي اللي بتحاول تفرق بيني وبين الشخص اللي بحبه؟” بصقت ميرال كلماتها الصادمة والتي سقطت كالصاعقة على رأس أفنان، شعرت الأخيرة بالمكان يدور من حولها.. نبضات قلبها تتسارع وتشعر بالغضب يحتل كيانها كاملًا.

“أنا يا ميرال؟ أنا! حرام عليكي والله العظيم.. حرام عليكي.. من النهاردة أنا مليش علاقة بنوح ولا بعلاقتكوا ببعض.. أولعوا ببعض يا ميرال.”

قالت أفنان بنبرة يفوح منها الخذلان وهي تقذف بحقيبة الحلوى على الأريكة بينما امتلئت عيناها للدموع وهو شيء ليس بالهين فليس من عادة أفنان البكاء أثناء الشجار..

دلفت أفنان إلى الحجرة ودفنت وجهها بالوسادة مُطلقة العنان لشهقاتها، لقد استطاع ذلك الوغد التفرقة بينها وبين شقيقتها! وليس ذلك فحسب بل استطاع معرفة الطرق التي تناسب ميرال ليُقنعها بوجهة نظره وليُشعرها بالذنب بل ويقلبها ضد أفنان! لا تدري كيف فعل ذلك بهذه السرعة والإحترافية؟ لقد استطاع جعل ميرال تنقلب ضدها في ثوانٍ وليست ميرال فقط بل ووالدتها كذلك..

لم تُغادر أفنان حجرتها في ذلك اليوم، لم تتناول الطعام ولم تستقم من سريرها سوى لأداء الفروض والذهاب لدورة المياه.. ولسوء الحظ قد تأخر والدها في العمل ومن ثم ذهب للمتجر لذا عاد متأخرًا فلم يدرِ بما حدث.

في مساء اليوم التالي جاء رحيم لإصطحاب أفنان ووالدها وميرال للذهاب لرؤية أحدى المقاهي التي تطل على نهر النيل والتي قاموا بحجزها مُسبقًا لإقامة حفل الخطبة، كان المكان متوسط المساحة ولكنه يكفي لعائلة أفنان والتي ليست بكبيرة وعائلة رحيم التي لن يأتي معظمها.. منذ أن رأى رحيم أفنان شعر بأنها ليست على ما يرام ولكنه لم ينبس بحرفًا لوجود والدها وميرال.

“أفي بصي.. هما عايزين ال.. اسمها أيه اللي بنقعد عليها.”

“الكوشة؟”

“اه، نحطها هنا عشان كل الناس يبقوا شايفنا وكده.” أردف رحيم وهو يُشير إلى منطقة ما، لتُتمتم أفنان بذهن شارد:

“اه حلو..”

“أنتِ مش مركزة معايا خالص..”

“متخانقة مع نوح وميرال.”

“البني آدم ده لو زعلك تاني ولا جيه جنبك أنا بجد هزعله.” قال رحيم بنبرة حادة وقد تجهم وجهه لتنظر نحوه أفنان بأعين متسعة وهي تُعلق بسخرية:

“يا ماما أنتَ هتتحول ولا أيه؟”

“أنا عملت أيه؟”

“تعبيرات وشك كده وأنتَ بتتكلم عن نوح، المهم خلينا في اللي أحنا فيه.. المكان هنا هيكفي صح؟”

“أفي Baby ‘حبيبتي’ أنا معظم صحابي في England ‘إنجلترا’ مش هيقدروا يحضروا وعائلتي كمان معظمها مش هنا فالمكان هيكفينا متقلقيش.”

“تمام.. حلو أوي.”

بعد مرور ساعة تقريبًا انتهى رحيم وأفنان من الترتيبات وذهبوا جميعًا لتناول الطعام في أحدى مطاعم الوجبات السريعة.

“الأكل على حسابي يا رحيم عشان أنا في مقام بابا ها.”

“مش هقدر اكسر لحضرتك كلمة يا Uncle ‘عمو’.” أردف رحيم بلطف مع ابتسامة صغيرة، ساد الصمت لثوانٍ قبل أن يقطعه صوت حمحمت ميرال ومن ثم قالت:

“عن أذنكوا أنا هخرج اتكلم في التليفون.”

“خديني معاكي يا ميرال اقوم اطلب الأكل.”

بعد ابتعاد كلاهما وجه رحيم نظره لأفنان وهو يسألها بنبرة هادئة ولكن لا تخلو من بعض الحماس:

“أفي أحنا هننزل نجيب الفستان أمتى؟”

“مين أحنا؟ أنا هنزل مع ميرال ومريم.” أجابته ببساطة وهي تضحك فلم تتوقع قط أن يطلب منها رحيم مرافقتها لشراء الفستان.

“مينفعش أجي معاكي؟”

“ينفع بس كنت عايزاك تتفاجئ.”

“ما أنا هتفاجئ برضوا بس عايز اختار معاكي الفستان برضوا.. وبعدين على الأقل اقابلك اديلك ال Credit card ‘البطاقة الإئتمانية’ بتاعتي تجيبي اللي أنتِ نفسك فيه.”

“شكرًا يا رحيم بس كل حاجة في الخطوبة المفروض عالعروسة أنت عارف.”

“اه أنا عارف بس خدي بالك بقى أنا سألت وعرفت إن عادي اجيبلك أنا الفستان كهدية يعني.”

“ربنا يخليك ليا، بس الفكرة أني مش هبقى مرتاحة وأنتَ كل شوية تكلف نفسك عشاني وتدفع في آلافات.. وبعدين أنا في المقابل مش هعرف اعمل معاك نفس الحاجة.”

أردفت أفنان بصدق شديد وهي تعبث في أصابعها، كانت تتحاشى النظر إلى رحيم ولكن بعد أن انهت جملتها رفعت عيناها لتُقابل خاصته، توترت معالمها بينما نبس هو بلطف:

“قولي تاني كده..”

“هنهزر؟! اعيد الجملة كلها من الأول؟” أردفت أفنان بحنق شديد ليقهقه رحيم ثم يوضح مقصده قائلًا:

“لا، أول تلات كلمات بس.”

“يا رحيم مش وقته.. ربنا يخليك ليا مبسوط كده؟”

“أهو أنا كده مبسوط أكتر من مليون هدية، المهم مقولتيش برضوا هننزل أمتى؟”

“بص هو نوح جايلنا يوم الخميس وأنا مش طايقه أشوف وشه اساسًا فممكن ننزل الخميس.”

“طب ما كده ميرال مش هتعرف تيجي معانا.”

“لا ما هو بص أنا هاخد مريم.. أخت نوح وميرال تيجي معانا شوية ولما البيه يشرف تبقى تروح.”

“متأكدة أنك هتبقي مرتاحة كده؟ مش عايز العلاقة بينك أنتِ وميرال تتوتر أكتر.”

“متقلقش يا رحيم الإخوات مهما زعلوا من بعض بيرجعوا تاني.. ده الناس الطبيعية يعني.”

“خلاص على راحتك، بس لو البتاع ده زعلك تاني أنا مش هسكتله.”

في مساء تلك الليلة وبعد أن عادوا إلى المنزل، جلست أفنان تعبث في الحاسوب المتنقل خاصتها متجاهلة ميرال تمامًا كما فعلت طوال اليوم وبالأمس ايضًا، كادت ميرال تنفجر من شدة الإستياء والغيظ.. فلم تعتاد هي الخصام مع أفنان لتلك المدة والتي أجل ليست بطويلة لكن بالنسبة إليهم إنها كذلك، ففي كل الشجارات السابقة كان ينتهي الأمر بينهم في خلال سويعات.

“هتفضلي مخصماني لحد أمتى؟”

“أيه مخصماكي دي؟ هو أحنا في تالتة أول ولا أيه؟!”

“بلاش استظراف بقى، أنا مش فاهمة مين اللي المفروض يبقى زعلان من مين بصراحة؟!!”

“ميرال حلي عن دماغي أنا مشغولة بترتيبات الخطوبة دلوقتي.” تمتمت أفنان بلا مُبالاة دون حتى أن ترفع عيناها عن الحاسوب، ساد الصمت لبرهة قبل أن تسألها ميرال الآتي:

“طيب أحنا هننزل نجيب الفستان أمتى؟”

“الخميس إن شاء الله، وعشان تبقي عارفة أنا اتفقت مع رحيم عالميعاد ده ومش هغيره.

“ازاي؟ ما أنتِ عارفة إن نوح بيجي الخميس يا أفنان.. ولا أنتِ يعني بتقوليلي مجيش معاكي بس بالذوق؟”

“تفتكري؟ أنا لو مش عايزاكي تيجي هقولك متجيش يا ميرال.. أنا بقولك أحنا اتفقنا عالميعاد وهنتقابل عالساعة خمسة إن شاء الله يعني قبل ما الشملول ما يجي.”

“طيب يا أفنان، وعلى فكرة أنا لسه زعلانة منك.”

“ازعلي.” قالت أفنان بلا مُبالة وهي تستقيم من مقعدها تاركة الغرفة وذاهبه للجلوس في مكانًا آخر.

في مغرب يوم الخميس احضر رحيم سيارة لتصطحب أفنان وميرال ومريم، بعد ساعة ونصف تقريبًا كانت السيارة قد توقفت داخل مرأب ٱحدى المجمعات التجارية ‘Mall’ والذي اعتادت أفنان على التسكع فيه برفقة شقيقتها أو أصدقائها القدامى لكنها لم تكن قط تشتري أي ثياب منه وبالطبع لم تشتري فساتين السهرة والتي بالطبع سعرها يبلغ أضعاف الثياب العادية.

“تعالى المكان ده في Dresses ‘فساتين’ حلوة أوي، أنا شوفت ال Collection ‘مجموعة التصاميم’ قبل ما أجي.”

“بجد؟ مقولتش يعني.”

“مش لازم أقول كل حاجة، المهم يلا نبدأ بقى ولا أيه؟”

“يلا بينا.” تمتمت أفنان بحماس شديد بينما لمعت عيناها وهي تتأمل الفساتين الكثيرة التي أمامها، كلها باهظة الثمن.. أغلبها ذو ذوقًا رفيع، ألوانًا مُبهجة.. بعد مرور بضع دقائق من التأمل وجدت أفنان ثلاثة فساتين قد أعجبوها لذا أشارت لرحيم كي يقف إلى جانبها ليساعدها في الإختيار.

“أيه رأيك في ده؟ أو ده؟”

“كلهم حلويين.. كلهم هيبقوا حلويين عليكي.. ممكن تشوفي ال pink ‘زهري’ ده؟”

“تمام.”

بعد خمسة دقائق تقريبًا توجهت أفنان نحو الخارج وهي ترتدي الفستان وقد وضعت وشاحها ليُغطي رقبتها وشعرها، نظر رحيم نحوها بإنبهار لبعض ثوانٍ فلقد كان الثوب جميلًا بحق لكن سرعان ما تبدلت معالم وجهه وهو يُردف:

“هو حلو أوي بس.. ممكن نشوف حاجة تانية.”

“ليه؟ ده عاجبني.”

سألته أفنان بعبوس ونبرة لا تخلو من التعجب وهي تنظر إلى انعكاسها في المرآة، جاءها رد رحيم سريعًا يحمل بي طياته نيران الغيرة ولكن في الوقت ذاته استطاع التحكم في نبرة صوته لتبدو هادئة قدر الإمكان مُردفًا:

“طيب وبالنسبة للحتة اللي باينه من رجلك دي أيه؟ مش من ضمن الحجاب يعني؟!”

“أيه ده مخدتش بالي.”

“بصي ممكن نشوف design ‘تصميم’ قريب منه بس يبقى ولا شفاف ولا قصير.” علق رحيم لتقلب أفنان عيناها ثم أردفت:

“دي حاجة صعب نلاقيها في المحلات اللي أنتَ مدخلهلنا دي يا رحيم.”

“ولا صعب ولا حاجة، أنتِ اقعدي زي ال princess ‘الأميرة’ كده وأنا هختار كام فستان وأخليهم يحطوهم في ال fitting room ‘غرفة القياس’.”

“تمام ماشي.” تمتمت أفنان ليمنحها رحيم ابتسامة صغيرة قبل أن يستقيم من مقعده، اقتربت منها مريم وهمست في أذنها بخبث:

“بقى ده اللي كنتي بتقولي أنا لما ارتبط لو قالي حاجة هتخانق معاه وعمري ما هسيبه يعلق على حاجة.”

“دي نقرة ودي نقرة يا مريوم، وبعدين الأسلوب بيفرق وكمان هو بيتكلم صح.. هو مش مُتحكم يعني أو قاصد يضايقني هو فعلًا الفستان مش مناسب لوحده محجبه.”

أجابتها أفنان بصدق وهي تضحك وبداخلها شعرت بسعادة كبيرة لا تدري سببها ربما لأنها لم ترى هذا الجانب الغيور من رحيم من قبل؟ ربما لكن هذا لا يهم المهم هو السعادة التي تشعر بها حينما تكون إلى جانبه بغض النظر عن السبب.

“ماشي ياختي.”

بعد مرور بضع دقائق أشار رحيم لأفنان أن تذهب إلى غرفة تبديل الملابس وبالفعل بدأت في تجربة الفساتين التي وقع عليها اختيار رحيم، ارتدت أفنان أحدى الفساتين واتجهت نحو الخارج لتسأل رحيم عن رأيه:

“رحيم بص ده؟”

“يا الله! You look like a princess ‘تبدين كالأميرة’.”

“بجد حلو؟ يعني مشوفش واحد تاني؟”

“براحتك طبعًا حتى لو هتجربي ال Store ‘المتجر’ كله، بس أنا شايف ده حلو أوي.”

“خلاص طالما عجبك يبقى نشتريه.. هو سعره كام؟”

“أفي Sweetie, don’t worry about this ‘حلوتي، لا تقلقِ بشأن هذا’.”

فور عودة رحيم إلى المنزل وجد أنس هناك جالسًا على سريره، اقترب منهم رحيم ليتمدد بجانبه وهو يسأله:

“أيه يا أنس كنت فين طول اليوم؟”

“كنت بعمل Shopping.”

“يا ندل نزلت تشتري ال Suit ‘البدلة’ من غيري؟”

“لا طبعًا، نزلت اجيب حاجة تانية.. بس مش هقولك أيه هي، هخليها مفاجأة.”

“لا قولي مفيش أسرار بينا.”

“يعني في أسرار بينك أنت وأفنان عادي وأنا وأنتَ لا؟” سخر منه أنس ليقلب رحيم عيناه بتملل، تنهد أنس قبل أن يُردف:

“طيب Fine ‘حسنًا’.. كنت بشتري فستان لأروى.”

“هي هتقدر تيجي؟”

“مش عارف.. لسه مقولتلهاش أصلًا مستني اتأكد من الدكتور.”

“هتبسط أوي لو جت بجد.. هحس إن كل حاجة رجعت زي زمان..”

“ما عدا إن طنط إيڤيلين هتخوفنا زي زمان عادي.” علق أنس ساخرًا ليقذفه رحيم بإحدى الوسادات.

مرت الأيام بسرعة لا تُصدق ولم تدرِ أفنان لما على اللحظات السعيدة أن تنقضي بهذه السرعة؟ فلقد كانت الأيام التي تسبق حفل الخطبة من أجمل الأيام التي مرت عليها من وقت ولادتها تقريبًا، بعيدًا عن ما حدث بينها وبين ميرال، وبعيدًا عن شجار أفنان مع والدتها وأختها وابنة خالتها كل خمس ثوانٍ لأسباب تافهة تعزي إلى التوتر والقلق من اليوم الموعود.

استيقظت أفنان في ذلك اليوم باكرًا عن المعتاد، هذا إذا افترضنا أن النوم لخمسة ساعات فقط يُحسب نومًا، كان اليوم هو يوم الجمعة.. غادرت أفنان حجرتها وذهبت إلى ‘الراديو’ لتقوم برفع صوت القرآن قليلًا والذي لم يكن صوته ينقطع من منزلهم من الأساس، أشعلت عودًا من ‘البخور’ وذهبت للجلوس في الشرفة لإحتساء كوبًا من الشاي ومحاولة تصفية ذهنها قليلًا.

“صباح الفل يا عروسة، ياخوفي بتاع الدي چي يشغل أغنية مش على هواكي تقومي تضربيه.”

“صباح الخير يا مامتي، وبعدين أيه الكلام ده؟ عيب كده.. من أمتى وأنا بتخانق مع الناس؟”

“لا طبعًا عمرك، ده أنتِ الهدوء والأدب كله فيكي، المهم عايزاكي النهاردة تبقي مبسوطة وتنسي أي حاجة وأي حد ممكن يزعلك سواء حد من عائلة أبوكي، مشاكلك مع نوح وميرال، حماتك.”

“حماتي؟ ده حماتي دي لوحدها كفيلة توتر وتضايق بلد، وبعدين أيه حماتي دي؟ تحسي الكلمة مش راكبة على طنط كاميرون دياز دي.”

“سيبيهالي أنا، خليكي في رحيم وأختك وصحابك.”

“حاضر.”

أردفت أفنان بإبتسامة صغيرة لتضمها والدها في حنان وهي تُقبل وجنتيها ورأسها قُبل مُتفرقة بينما تُتمتم:

“مش مصدقة أن كتكوتي الصغيرة كبرت وبقت عروسة، الحمدلله أني عيشت لحد أما شوفت اليوم ده.”

“حبيبتي يا مامتي ربنا يخليكي لينا يارب ويديلك الصحة وطول العمر وتشيلي ولاد ولادنا، وبعدين أيه يا حجة رانيا الأوفر ده هو أنتي عندك ٩٠ سنة؟”

“تصدقي الحق عليا أني بقولك حاجة.”

“خدي هنا يا ماما رايحة فين؟”

“هروح اصحي أحمد.” أجابتها والدتها لتومئ أفنان وتعاود تأمل السماء لولا أن قاطعها صوت إشعار من هاتفها مُعلنًا عن وصول رسالة على تطبيق ‘الواتساب’ وكما توقعت لقد كان المُرسل رحيم.

‘صباح الخير على عيون أحلى أفي الدنيا، نفسي الوقت يعدي بسرعة Cause i can’t wait to see you tonight ‘لأني ليس بوسعي الإنتظار كي اراكي الليلة’.’

قرأت أفنان الرسالة بإبتسامة واسعة زينت ثغرها بينما كانت نبضات قلبها تتسارع، كيف له أن يكون بهذا اللطف؟

‘صباح الفل، أنا كمان متحمسة جدًا لليوم، بس متوترة برضوا.. إن شاء الله اليوم يعدي كويس ونتبسط.’

أرسلت الرسالة ومن ثم تركت هاتفها وذهبت للبحث عن شيء تأكله مؤقتًا لحين عودة والدها من صلاة الجمعة كي يتناولوا الفطار جميعًا سويًا.

في تمام الساعة الرابعة والنصف، وقف رحيم أمام مرآة حجرته الكبيرة والتي تُعكس صورته كليًا أي يستطيع رؤية نفسه بشكل كامل من خلال وفي تلك اللحظة جاءه صوت طرقات على باب الحجرة.

“اتفضل يا أنس.”

“أنا مش أنس، ينفع اتفضل ولا مش هتسمحلي؟”

“اتفضلي طبعًا يا مامي.”

“تبدو وسيمًا للغاية ‘You look so handsome’، كان نفسي أكون مبسوطة في يوم زي ده أكتر من كده.”

“مامي حضرتك ممكن تبقي مبسوطة، وتحتفلي أن ابنك الوحيد found his soulmate ‘وجد توأم روحه’، لكن حضرتك مصممه تضايقي نفسك.” قال رحيم ببرود تام وهو يقوم بتعديل رابطة عنقه أمام المرآة.

“أنت شايف إن لما ابني الوحيد يعصى أمري ده شيء ميضايقش؟”

“لا يا مامي، عشان أنا مش باخد أوامر من حد، أنا كبير كفاية أني أخد قراراتي بنفسي من غير ما أرجع لحد.”

“أنتَ اتغيرت جدًا يا رحيم.” تفوهت والدته بحزن شديد ليسود الصمت لبعض الوقت قبل أن يُعلق رحيم على حديثها بشرود قائلًا:

“فعلًا، وأظن حضرتك المفروض تسألي نفسك مين السبب في ده، على أي حال هذا ليس الوقت المناسب لمثل هذه المحادثة Anyway that’s’ not the right time to have this conversationn’.”

“الليلة ليلة هنا وسرور.. وكوبيات في صواني بتدور..” صاح أنس بصوتٍ عالٍ وهو يُغني ألحان أغنية شعبية قديمة كانت تُنشد في الأفراح، ساد الصمت لبضع ثوانٍ.. تعبيرات أنس المصدومة وهو يحمحم بإحراج ونظرة والده رحيم المُندهشة ورحيم الذي يود صفع نفسه داخليًا من حماقة صديقه التي لا تناسب الأجواء المتوترة التي غلفت الأجواء قبل بضع ثوانٍ.

“أنا شكلي جيت في وقت غير ملائم.”

“تعالى يا أنس ادخل، في حاجة ولا أيه؟”

“لا كنت جاي أشوفك خلصت ولا لسه وأقولك أني جبت الورد وأروى ومستنيناك تحت.”

“تمام أنا خلصت ونازل حالًا.”

“تعالي يا إيڤيلين يا قمر أنتِ أقولك كلمتين.” أردف أنس وهو يصطحب والدة رحيم نحو الخارج ومن ثم يغمز لرحيم بإحدى عينيه بمعنى أنه سيتدبر أمرها.

بالإنتقال إلى منزل أفنان، ارتدت أفنان فستان الخطبة خاصتها والذي ابتاعه رحيم من أجلها، كان الفستان باللون ‘البيچ’ يُغطي ساقيها بالكامل وتكاد تصل إلى الأرضية ولكن بسبب الحذاء ذو الكعب العالي كان طول الفستان مناسبًا، كان الجزء السفلي من الفستان مصنوع من خامة ‘التُل’ والجزء العلوي من ‘الستان’ وقد زُين بتصميم لورود رقيقة بها لمعة بسيطة، جاءت صديقة مريم المُقربة والتي كانت خبيرة في وضع مساحيق التجميل لذا قامت بضبط وشاح أفنان ووضع مساحيق التجميل من أجلها مع حرصها على اختيار ‘لوك’ رقيق.

“شكلي حلو؟ حاسه شكلي غريب بالميك أب.”

“قمر يا روحي أنتي بس عشان مش متعودة.”

“ميرال أيه رأيك؟ أيه ده بتعيطي ليه؟”

“مش مصدقة أنك كبرتي وبقيتي عروسة.” أردفت ميرال من بين دموعها وهي تحاول كفكفتها سريعًا كي لا تُفسد مظهرها.

“يا روحي.. بس بقى الميك أب بتاعنا هيبوظ أحنا دافعين فلوس.”

“استني رحيم بعتلي مسدج.. بيقول أنه تحت البيت، يلاهوي أنا متوترة أوي بجد..”

“متتوتريش ياستي مفيش حاجة، أحنا هنركب معاكوا عشان ال photo session ‘جلسة التصوير’ صح؟”

“اه، بس مش هينفع أنتوا الإتنين تركبوا معانا.. أنس هيبقى قدام غالبًا وأنا ورحيم ورا فمش هينفع.”

“طب هقولك على حاجة حلوة، خليكي أنتِ مع رحيم وأنا ومريم هنركب مع نوح.”

“نوح هيجي معانا هناك ليه إن شاء الله؟”

“مش وقته سخافة على فكرة، هيجي عشان هو خطيبي وابن خالتنا مثلًا.”

“أوف.. اعملوا اللي تعملوه.” تذمرت أفنان وهي تُغادر الحجرة لتقابل والديها ليبدأ كلاهما بالثناء على مظهرها المُبهج واللطيف، لقد بدت وكأنها هاربة من أحدى الأفلام الكارتونية للأميرات.

“أفنان، مش محتاج أكرر التعليمات تاني أنتِ عارفة.”

“عارفة يا بابا يا حبيبي متقلقش، دي صور للخطوبة يعني لازم حدود لما نبقى نكتب الكتاب نبقى نتصور صور الفرح براحتنا.”

“براڤو عليكي.”

بمجرد أن غادرت أفنان مدخل العمارة ووسط أصوات الزغاريد التي أتت من المنزل وربما مجاملة من أحدى الجيران.. فُتح باب سيارة رحيم في الوقت ذاته فتح نوح باب سيارته، اقتربت أفنان بخطى متوترة من رحيم والذي عدل بذلته وأغلق أحدى أزرارها بينما ينظر نحوها بثغرٍ مفتوح وأعين مُنبهرة.. لم يكن يعلم أنه يمكن لبشرية أن تكون بمثل هذا الجمال والبهاء..

“أنتَ ساكت ليه؟ شكلي مش حلو ولا أيه؟”

“شش أفي، مش عايز أضيع اللحظات دي في الكلام، عايز اتأملك وبس.”

“يعم النحنوح هنتأخر والشمس هتروح مش هتلحق تتصور صور عدلة!”

“اه يلا فعلًا نتحرك.” أردفت أفنان وهي تنظر نحو نوح بإزدراء قبل أن تدلف إلى داخل سيارة رحيم لتكون تلك المرة الأولى تقريبًا التي تكون أفنان داخل سيارته، جلست بعيدًا عنه بمسافة كافية والفضل يعود للفستان خاصتها الذي شغل بعض المساحة.

“مرحبًا ‘Hello’ أنا أروى أخت أنس.”

“يا روحي عالقمر، أنا مكنتش أعرف إن أنس ليه أخت حلوة كده.. أصل أحنا بنصطبح بخلقته دي يعني على طول.”

“ومالها خلقتي ياختي؟ ما تلم خطيبتك يا رحيم.”

“أيه يلمني ده؟ شايفني متبعترة؟!”

“لا بص أنا ممكن أقلب العربية بينا عادي ولا يهمني.” صاح أنس متذمرًا بينما ضحك رحيم بخفة على العبث الذي يحدث، لكن وجه أروى قد تجهم قليلًا لما قاله أنس.

توقفت السيارة أمام أحدى القصور القديمة والتي تعد مزار سياحي وكان هذا المكان الذي وقع عليه اختيارهم لجلسة التصوير، دلف الجميع إلا الداخل وبدأ أفنان ورحيم في التجول برفقة المصورة لتلتقط لهم بضع صور.

“ما شاء الله مجايبك كلها بنات، مفيش فايدة.”

“هتتبسطي يعني لما يكون ولد اللي بيصورنا؟”

“أنا مقولتش كده، أنا بقول أن كل محيطك وكل حاجة بتعملها داخل فيها بنات.”

“مش لسه بدري على فقرة النكد دي ولا أيه يا حبايبي؟ افردوا وشكوا كده واتصوروا خلينا نخلص.” صاح نوح متذمرًا ليومئ كلاهما ويعاودوا الإبتسام، وبالإنتقال إلى وضعيات مختلفة من الصور والتي كانت في جميعها المسافة بين أفنان ورحيم كافية وبالطبع لم يلمسها فيها، أمسك رحيم يد أفنان وكان على وشك وضع يده الآخرى على كتفها لولا أن انتفضت هي مُبتعدة وهي تصيح:

“أيه ده أيه ده؟ بتعمل أيه؟ ايدك لتوحشك يا حبيبي!!”

“أيه يا أفي؟”

“أحنا مش اتفقنا مفيش لمس؟ اتصور من بعيد يا حبيبي مش لازم تلزيق عشان تبقى الصور حلوة.”

“تمام As you like ‘كما تُحبين’.”

وصل أفنان ورحيم إلى المكان المنشود، تتسارع نبضات قلبها وتُحكم قبضة يدها على ذراعه في توتر شديد، تشعر بأنها على وشك فقدان الوعي لكن رائحة رحيم الفواحة جعلتها تفيق، صوت الزغاريد مُختلطًا بصوت المُسيقى يتخلل أذنيها.. يقترب منهم الجميع ليُرحب بهم وتُسلم أفنان على الجميع ولكن بعقل نصف شارد.. بدا الأمر وكأنه حُلم، حُلمًا جميل تمنت أفنان ألا تستيقظ منه ابدًا.. لقد كان المكان مزدحم أكثر مما توقعت ولكن ذلك الأمر لم يُزعجها مطلقًا بل أسعدها لأن معظم أصدقاء طفولتها الذي قامت بدعوتهم قد حضروا وهذا ما لم تكن تتوقعه هي، بالإضافة إلى عدة أشخاص كان من السهل استنتاج أنهم من جهة رحيم.

بعد مرور بعض الوقت من الرقص واللهو جاء موعد ارتداء خواتم الخُطبة، كان الجميع متشوقون لرؤية ما ابتاعه رحيم لأفنان وبالطبع كانت نظرات الغيرة والحقد تشع من عمة أفنان وجدتها ناهيك عن ريماس التي كانت تحاول جاهدة أن تبدو سعيدة من أجل أفنان لكن بداخلها كانت تشعر ببعض الغيرة.

بأيد مُرتعشة قليلًا اخرج رحيم خاتم الزواج ليضعه بإصبع أفنان، تتلامس يداهم فترتجف يدها وقشعريرة تسري في سائر جسدها، تُبعد يدها قليلًا في توتر وهي تقوم بضبط الخاتم قبل أن تفعل المثل وتقوم بإلباسه خاتمه بأنامل مُتجمده وعلى وجهها ابتسامة واسعة وزوج من الأعين اللامعة ولكن قاطع هو ما تفعل وهو يُردف:

“أفي عايز أقولك على حاجة.”

“نعم؟ على صوتك شوية الدنيا دوشة.” صاحت أفنان وهي تقترب من رحيم قليلًا ليُعيد هو ما قاله مجددًا.

“بقولك عايز اقولك على حاجة مهمه..”

“وده وقته؟ قول يا سيدي.”

“بحبك.” تمتم رحيم ببطء وهو ينظر إلى داخل عين أفنان، ابتسمت هي بخجل شديد وهي تشعر بوجهها يشتعل وقد صُبغ بالحمرة، أخذت نفس عميق قبل أن تُردف:

“أنا كمان.. بحبك.”

“مبروك يا ولاد، ألف مبروك يا حبايبي.”

“الله يبارك في حضرتك يا عمو.”

“مُبارك ‘congratulations’ أفنان، أتمنى أنك تكوني كويسة في تقدير الفرص وتقدري تستغلي فرصة جوازك من رحيم كويس.”

“مامي!” همس رحيم من بين أسنانه لكن والدته تجاهلته وتابعت توجيه حديثها لأفنان مُردفة:

“احضرت هدية صغيرة من أجلكِ ‘i brought you a little giftt’.”

تفوهت والدة رحيم قبل أن تُشير إلى المُساعدة خاصتها التي ترافقها في معظم الأماكن، فهمت الفتاة مقصد والدة رحيم لتقترب منها وتُخرج عُلبة زرقاء من القطيفة من حقيبة صغيرة، تُمسك والدة رحيم العُلبة وتناولها لأفنان تحت أنظار الجميع.. بيد مُرتجفة أمسكت أفنان العُلبة، فتحتها ببطء لتجد بداخلها سلسال وسوار وخاتم من الذهب، فتحت أفنان ثغرها وهي تتأمل الهدية باهظة الثمن بدهشة شديدة.

“دي هدية مني ليكي، هدية صغيرة.. ‘أنا في العادة لا ارتدي أشياء مصنوعة من الذهب لكن الأشخاص مثلكِ في العادة يفعلون’ I don’t usually wear stuff that made of gold but people like you probably do.”

تحدثت والدة رحيم بثقة شديدة وبنظرات مُتحدية، ابتلعت أفنان الغصة التي في حلقها وهي تشكر والدة رحيم بتكلف قبل أن تمنح العُلبة لوالدتها كي تضعها في حقيبتها، حاول رحيم إخفاء ملامح الإستياء والغضب كي لا تتوتر الأجواء أكثر لكن بداخله كان ينوي الشجار مع والدته فور عودتهم إلى المنزل.

كان البعض يرمقون أفنان بحسد، انبهار ولربما تمنت فتاة أو اثنين أن يكونا في موضع أفنان لكن لم يدرِ أحد منهم حقيقة الوضع وكيف أن تلك الهدية ليست سوى للإهانة واستصغار أفنان..

“أفنان بقولك أيه.. قومي بقى نهيص شوية.. يلا يا رحيم.” أردفت مريم في محاولة منها لتلطيف الأجواء بعد ما فعلته والدة رحيم.

“لا هو غالبًا رحيم مش عارف الأغاني دي، أكيد أنس الصايع عارفهم.. إلا هو فين؟ وفين ميرال؟”

“معرفش هتلاقيهم جايين دلوقتي، قومي يلا.”

استقامت أفنان من المقعد المخصص لها هي ورحيم ليقترب منها صديقاتها ويبدأون في تحيتها ومن ثم سحبها لتشاركهم الرقص والإحتفال، كانت تعبيرات وجه أفنان ولغة جسدها تنم عن سعادة حقيقية، كان رحيم يراقبها بوجه مُبتسم سعيد وإن كان يشعر بالغيرة من فكرة رؤية أحدًا آخر لها وهي بهذه الحالة، ومن فكرة أن يراها أحد بنفس الجمال، أن ينظر نحوها شخصًا كنوح مثلًا كما يفعل الآن ليرمقه رحيم بحده فيلاحظ نوح فيمنح رحيم ابتسامة ساخرة قبل أن يُدير وجهه للجهة الآخرى.

“ألف مبروك يا حبيبة عمتو.” جاء هذا الصوت من وسط الفتيات، استطاعت أفنان تميز صاحبة الصوت بالفعل لذا ابتعدت قليلًا عن صديقاتها وهي تُعلق على حديث عمتها قائلة:

“الله يبارك فيكي يا عمتو، شكرًا.”

“عشت وشوفتك بتتخطبي يا أفنان، والله الواحد فرحان إن عدوة الرجالة وأم لسان طويل لقت راجل.. مبروك.” علقت جدة أفنان ساخرة لتبتسم أفنان ابتسامة مُزيفة وهي تُردف:

“الله يبارك في حضرتك يا تيتا، أهو النصيب لما بيجي الدنيا كلها بتمشي.”

“طب مش هيجي يسلم علينا والله ولا أنتي بقى مستعرة مننا؟”

“أيه يا عمتو الكلام ده ازاي يعني؟ ثواني.”

“رحيم.. تعالى سلم على عمتي وتيتا وبنت عمتي، عدي أي كومنت سخيف هيقولوه.” منحته أفنان التعليمات بينما يتوجهوا نحو عمتها وجدتها، رمقها رحيم بطرف عيناه وهو يسألها:

“حاضر، شكلك متضايقة.. بسبب مامي صح؟”

“لا أنا زي الفل، معكش بوق مايه ابلع الكلمتين السم اللي لسه سمعاهم؟” قهقه رحيم على حديثها الساخر وإن، كان شعر بالضيق لفكرة أن يُحزنها أحدهم بحديثه.

“مساء الخير، أهلًا بحضراتكوا.”

“أهلا يا حبيبي.. اسم الله، عريسك قمر يا أفنان.”

“شكرًا.. ده من ذوق حضرتك.”

“ألف مبروك يا ابني، هو ده بقى يا ست أفنان اللي كنتِ بترفضي العرسان عشانه؟”

“أحم.. اه يا تيته، رحيم.”

“مبروك يا أفنان فرحتلك أوي بجد، ربنا يتمم على خير.. مش هو ده اللي كان واقفلك في خطوبة مير..” لم تدعها أفنان تُكمل الجملة بل سحبتها في عناق قوي كي تجعلها تصمت، ضحك رحيم على ردة فعل أفنان وإن كان لم يسمع ما قالته الآخرى بشكل واضح.

“بقولك أيه يا ريماس تعالي كده نهيص كلنا ها واقفلي بوقك ده شوية.”

تمتمت أفنان وهي تسحبها بعيدًا، عادت أجواء الإحتفال كما كانت وسط سعادة الجميع لكن بعد مدة شعرت ميرال بالإرهاق لذا قررت أن تذهب إلى الخارج قليلًا وبعيدًا عن الجميع لتحدى بلحظة من الهدوء، بالفعل فعلت ذلك وفي طريقها قابلت أنس الذي وقف يُدخن لفافة تبغ.

“ازيك يا أنس عامل أيه دلوقتي؟” بمجرد أن جاءه صوت ميرال انتفض من مكانه، فلقد كان شاردًا وأفاق من شروده على صوتها، رفع عيناه نحوها بدهشة كبيرة وهو يُلقي بلفافة التبغ أرضًا ثم يجيب على سؤالها بسؤال لم يعقل كلماته:

“أنا؟ دلوقتي ولا قبل دقيقة؟”

“مالك يا ابني أنت تعبت تاني ولا أيه؟” سألته ميرال وهي تضحك على تعبيراته المُريبة وحديثه الغير مفهوم.

“أروى متعرفش بوفاة فريد.. بابا يعني فمتجبيش سيرة قدامها من فضلك.”

“ازاي يعني متعرفش؟”

“حالتها الصحية مكنتش تسمح أني أبلغها بخبر زي ده! أنا عارف أن الموضوع Weird ‘غريب’ بس..” قاطع حديث أنس صوت اصطدام الكرسي المتحرك بشيء ما يتبعه صوت شقيقته وهي تصيح مُردفة:

“أيه ده؟! Watch out ‘احترس’.”

“أنا أسف مخدتش بالي.” جاء صوت نوح مُعتذرًا محاولًا إعادة الكرسي لموضعه والتأكد من سلامة الفتاة الجالسة عليه لكن الآوان قد فات لذلك حيث هرول أنس نحوه وهو يقترب منه ويُطالعه بحده قائلًا:

“ما تفتح يا أعمى أنتَ!”

“ما تهدى على نفسك يا عم أنس قولنا مشوفتهاش!”

“لا أنت تتكلم معايا بإسلوب أحسن من كده بدل ما أطربق المكان كله على دماغك.”

“أتكلم على قدك يا بابا، مبقاش إلا عيل خرع زيك يكلمني كده!” تفوه نوح وهو يدفع أنس بعيدًا من صدره.

“خرع؟ لا بقولك أيه ميغركش البدلة النضيفة دي، أنا أساسًا شوارعي.”

“أنس بس خلاص محصلش حاجة..” نبست أروى محاولة إنهاء الشجار لكن لم ينتبه أنس لما تقوله فلقد أعماه غضبه.

“وأنتِ كنتِ واقفة معاه بتعملي أيه أنتِ كمان؟” صاح نوح مُتسائلًا موجهًا حديثه إلى ميرال والتي توترت ملامحها كثيرًا وهي تُجيبه بتلعثم قائلة:

“مفيش أصل..” تمتمت ميرال قبل أن تستدير وتبتعد عنه متجهة نحو الخارج لرؤية نوح بهذه الحالة قد دب الرعب في قلبها، فهي لم تراه بهذا الغضب من قبل.. اتجه نوح نحوها بخطى سريعة وهو يجذبها من ذراعها قائلًا بحده:

“خدي هنا.”

“سيب ايدي يا نوح أنت اتجننت ولا أيه؟”

“لا لا أنا تمام، أنتِ كويسة؟”

“أهو الحمدلله.. صحيح أنا عرفت أن ليك أخت، هي مجتش ولا أيه؟”

“لا لا جت، هجيبها وأجي ثواني.” نبس أنس بتوتر قبل أن يهرول نحو أروى ثم يُردف بحماس:

“أروى في حد عايز يسلم عليكي.”

“حد مين؟”

“أخت.. أخت أفنان.”

“قولتلي بقى، ماشي خدني ليها.” قالت أروى بحماس ليومئ أنس ويدفع الكرسي نحو ميرال والتي وقفت بإبتسامة واسعة تنتظر اقترابهم.

“ميرال دي أروى أختي، أروى دي ميرال أخت أفنان.”

“أهلًا بيكي يا قمر وألف سلامة عليكي.” تمتمت ميرال بلطف شديد، لتبتسم لها أروى وهي تقول:

“الله يسلمك تسلمي، ما شاء الله أنتي وأفنان زي القمر.. بس مش شبه بعض أوي.”

لكن سرعان ما تبدلت ملامح أروى وتلاشت ابتسامتها نسبيًا حينما لاحظت خاتم الخطبة في يد ميرال، هل فقد شقيقها عقله؟ يقع في حب فتاة على وشك الزواج من شخصًا آخر؟! على ما يبدو أنها قد غابت عنه لمدة طويلة تكفي لجعله لا يقوى على التفكير بشكل سليم.

“أنتي وأنس بقى نسخة من بعض.”

“كل الناس بيقولوا كده مع أني أكبر منه بشوية صغيرين كده يعني.”

“ربنا يخليكوا لبعض، مبسوطة أوي أني قابلتك بجد نورتينا والبقا..” كادت ميرال أن تتفوه بشيء لا يجب عليها التفوه به لذا قاطعها أنس على الفور وهو يطلب منها الآتي:

“بقولك أيه يا ميرال معلش ممكن أقولك كلمة؟”

“اه طبعًا.. بعد إذنك يا أروى.” استأذنت ميرال بآدب وهي تحاول اخفاء شعور القلق الذي تسرب إلى داخلها، وبمجرد أن ابتعدت بمسافة كافية هي وأنس عن أروى قام بشرح سبب فعلته تلك قائلًا:

“هو أنت محدش رباك أن ايدك متتمدش على واحدة وصوتك ميعلاش عليها؟” تسأل أنس ساخرًا وهو يجذب ذراع نوح بقوة ليُجبره على ترك ذراع ميرال.

“مبقاش إلا واحد صايع زيك ابن المدمن هو اللي هيعلمني الآدب.” بمجرد أن تخللت تلك الكلمات المُهينة أذن أنس هرول نحو نوح ولم يتمالك نفسه بل شرع يلكم نوح بقوة في وجهه ليسقط الآخر أرضًا على آثر تلك اللكمة، يقترب أنس من نوح الذي أمسك أنفه بألم وكاد أن يحاول التحرك لولا أنس الذي ركله في قدمه، أنحنى أنس على ركبتيه وهو يقترب من المدد أرضًا ليُباغته نوح بلكمه لم تكون قوية كفاية لكنها كانت كفيلة بجعل أنس يستشيط غضبًا ويلكمه مجددًا.

“أنس.. أنس Stop this shit please ‘أوقف هذا الهراء من فضلك’.” صاحت أروى في هلع حقيقي بينما اغرورقت عيناها بالدموع، لم يكن أنس يستمع لما تقوله من الأساس لكن ميرال اقتربت منه وجذبه من معطف بدلته وهي تصيح:

“أنس لا لا! بس كفاية!! خلاص سيبه.. نوح أنتَ كويس؟ حرام عليك يا أنس!”

“بجد والله؟ بتطمني عليه بعد كل اللي حصل؟ حرام عليا أنا؟ تصدق أنك تستاهلي فعلًا أنه يمشيكي في الشارع معيطة بسببه ويحرجك قدام الناس.” بصق أنس كلماته بحنق شديد قبل أن يُعيد خصلات شعره نحو الخلف ومن ثم يعيد ضبط ثيابه ويتوجه نحو الداخل وقد رسم ابتسامة زائفة على وجهه وكأن شيئًا لم يكن.

دفع أنس الكرسي بأروى وتوجه نحو الداخل برفقتها، كان الصمت سائدًا بينهما لم تنبس أروى ببنت شفه واكتفت بالبكاء أما أنس فقد أخفى مشاعره داخله كما يفعل دائمًا، لمحهم رحيم بطرف عيناه واستشعر بأن هناك شيء خاطئ.

“أفي ثواني وجاي.”

“في حاجة ولا أيه؟ وفين ميرال؟”

“مش عارف.. هروح أشوف في أيه.” تركها رحيم في حيرة واتجه نحو أنس وبمجرد أن اقترب ازداد قلقه وهو يسأل:

“أنس أنت كويس؟ أروى بتعيطي ليه؟ ‘هل أنتِ بخير’ Are you okay؟”

“اتخانق.. مع واحد برا وضربوا بعض..” همست أروى بضعف وضيق شديد ليقلب أنس عيناه، رمقه رحيم بصدمة وحِدة وقبل أن يتفوه رحيم بحرفًا واحد جاءه صوت أنثوى بالقرب من مدخل المكان ونظرًا لكون الموسيقى هادئة في تلك اللحظة كان الصوت مسموع نسبيًا:

“مُبارك لكَ عزيزي رحيم Congratulations Rahim, my darlingg.”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *