روايات

رواية الأربعيني الأعزب الفصل الخامس عشر 15 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب الفصل الخامس عشر 15 بقلم آية محمد رفعت

رواية الأربعيني الأعزب البارت الخامس عشر

رواية الأربعيني الأعزب الجزء الخامس عشر

الأربعيني الأعزب
الأربعيني الأعزب

رواية الأربعيني الأعزب الحلقة الخامسة عشر

إعتاد قصر الأربعيني الأعزب على وجود تلك الفتاة الفوضوية، فكانت أغراضها تعبئ القصر بأكمله ومع ذلك لم يشعر “عاصي” بالضجر أبدًا، فقد شعر أخيرًا بأن قصره عاد ليدب بالحياة في وجودها، بعدما كان كل شيئًا منظمًا، كسرت قواعد كثيرة أعظمها تشابه الأيام الروتنية بالنسبة إليه، فكل يوم كان مختلفًا بوجودها، مرحها وبهجتها صنعت منه شخصًا أخر بات يكتشفه من جديدٍ، فبات إنسانًا طبيعيًا، يستيقظ مرة بموعده المحدد ومرة أخرى يغلبه النوم بعدما قضى مسائه بصحبتها، ربما ببدايته كان شخصًا منظم لأنه يمتلك المزيد من الوقت الذي يقضيه بمفرده، لكن الآن بات بصحبتها أحدًا يملي وقته، اليوم يعد هامًا بالنسبةٍ إليه لأنه وأخيرًا سيقطع أجازته وسيعود للعمل، لذا تألق ببذلته السوداء ثم رتب أوراقه الهامة بحقيبته، وأسرع للأسفل لتناول طعامه قبل الذهاب لعمله، فوجدها تنتظره وهي ترتدي بذلة نسائية تشابه ما يرتديها، وتحمل نفس حقيبته، فردد في صدمةٍ:
_على فين إن شاء الله؟
أجابته بمنتهى الهدوء والإبتسامة ترتسم على وجهها:
_على الشركة يا حبيبي.
برقت عينيه في دهشةٍ من جرائتها بإتخاذٍ قرار هكذا، فقال بصوتٍ ضم السخرية بين أطيافه:
_وده بقرار مين؟
عدلت من ياقة بذلتها بغرورٍ:
_قراري أنا.
جذب مقعده ثم شرع بتناول طعامه وهو يشير لها باستهزاءٍ:
_روحي اقلعي مفيش حاجة من اللي في دماغك دي هتحصل، وخليكي هادية وراكزة كده بدل ما أقطع عليكي كل الخروجات.
احتدت نظراتها المشتعلة تجاه، فرددت بوعيدٍ:
_بقي كده؟
أومأ برأسه ببسمةٍ تعمد جعلها باردة لتستفزها، فغادرت من أمامه وهي تتوعد إليه:
_ماشي يا عاصي.
وادعت صعودها للأعلى ولكنها استغلت انشغاله بتناول الطعام وتركه للحقيبة على المقعد المجاور للدرج، فجذبتها بحرصٍ وعينيها تراقبه، ثم اتجهت لغرفة مكتبه الجانبية، ففتحت الحقيبة لتتفحص محتوياتها، ثم شرعت بتنفيذ مخططها،فحرصت على وضع ورقة من الأوراق التي صورتها على المكينة بكل ملف موجود بالحقيبة، وأسرعت بإعادتها لمحلها وهي تهمس بخبثٍ شيطاني:
_والله لأوريك يا عاصي.
*********
طوال تلك الفترة الماضية كان عبء العمل يقع على كتفي “غيث”، فكان يعمل جاهدًا ليسد غياب”عاصي”، وبناء على طلبه نظم لإجتماع هام ليناقش كيف كانت الأمور تجرى بدونه، وبالفعل ما أن وصل لمقر العمل حتى اجتمعوا جميعًا بغرفة الاجتماعات التي ترأسها”عاصي”، فأوضح له”غيث” أخر التطورات، وبعدما انتهى بدأ “عاصي” بالحديث عن أحد أهم الصَفَقَاتٌ التي ستجدد العمل بينهم وبين أسبانيا، ثم قدم بعض الملفات لأحد الموظفين وأمره بتوزيع النسخ على زملائه، بينما نهض هو ليقف أمام السبورة البيضاء، ثم جذب أحد الأقلام ليبدأ بشرح ما سيعم بالفائدة على الشركة من صفقات مثل تلك التي سيقدم على فعلها، مستعينًا بالملفات الموضوعة أمامهما، ولكنه لاحظ تبدل ملامح الجميع، ليبدوا أغلبهم يقرأ بتمعنٍ المكتوب أمامه، والأخر يعكس إنطباعًا غاضب، والأخير يبتسم فلم يستطيع السيطرة على ضحكاته، أما “غيث” فقرأ المدون بصدمةٍ
«السادة أعضاء الشركة الموقرين، إن هذا الرجل المدعو بعاصي سويلم قد تجرد من رداء الإنسانية حينما حرم امرأة من أبسط حقوقها، بتحقيق طموحاتها بالعمل، فقد يبدو للجميع رجلًا مثقفًا يحترم حقوق المرأة ويرى أن حقوقها مناصفة بالمجتمع وها هو يحرم زوجته من العمل بكل ذرة كبرياء امتلكها هذا المتعجرف، ومن مكاني هذا أناشدكم بشن حرب الثورة على هذا المغرور، ومطالبته بالسماح لي بالعمل بالشركة، حتى لا يقضى على حق المرأة في المساهمة برقي المحتمع.. ولكم مني كل السلام.. لوجين سويلم»
اتنقلت نظراته الحائرة تجاه “غيث” والذي بدوره نهض ليقدم له نسخة من الملف المطروح أمام موظفين شركته، فانكمشت تعابيره رويدًا رويدًا، لتحتد مع قراءة كل سطر يليه حتى وصل لذروة الغضب، فكمش الورق بين يديه وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه:
_لوجيــــــــــن.
شعر “غيث” بأنه سيفقد التحكم بأعصابه أمام موظفيه، لذا كان سريع بردة فعله حينما قال:
_مجرد سوء تفاهم، وهنأجل الاجتماع لبكره إن شاء الله.
غادر الجميع قاعة الاجتماعات، ليتبقى “غيث” بصحبته، فدنا منه بحذرٍ انتقاء كلماته هحاول أن يقلب الأمر مزحة:
_يعني أنت مشغل في الشركة عدد كبير من الستات وجيت على مراتك وتقولها لا؟
انتقلت نظراته الحادة تجاهه، فاستكمل بتحذيرٍ شمل أمر ونصيحة:
_أنا من رأيي تنزلها معاك الشغل بدل ما تفضحك على النت زي ما عملت دلوقتي، متنساش انها عندها صفحة معدية ال100الف متابع!
ألقى بالملف الذي يحمله أرضًا ليجيبه بشراسةٍ:
_أنا مبتلويش دراعي يا غيث وأنت عارف.
كبت ضحكاته بصعوبةٍ فما تفعله “لوجين” لا يحتمله العقل حتى يحتمله عاصي العاقل، فجاهد لجعل معالمه أكثر مرونة:
_ الوضع يفرق يا عم، لازم تسايس أمورك عشان المركب، انت بس عشان لسه متجوز قريب بس لما تدخلك في سنة ولا اتنين هتبتدي تتأقلم.
منحه نظرة مستنكرة:
_مين ده اللي بيتكلم!
تنحنح بحرجٍ، ثم قال:
_عارف إني متهور وعصبي وفيا العبر كلها بس بقدملك النصايح اللي اتقالتلي.
_وعملت بيها؟
_أبدًا.. بس ده ميمنعش اني بحاول.
ربت بيديه على كتفه بقسوةٍ:
_حاول مع نفسك بس أنا بقى مش هيمشي معايا الدور ده، عايزك في مكتبي زي ما أنت، أنا ولا كأني جيت.
ولوح له وهو يحمل حقيبته ليتجه للخروج:
_سلام يا مان.
اتبعه “غيث” وهو مشدوهًا من الصدمةٍ، فرفع صوته ليصل لمسمعه:
_لا كده مش هينفع، هنتأخر في حاجات كتير ارجع خلينا نشوف شغلنا وبلاش لعب العيال اللي مش هيأكل عيش بحلاوة ده!
لم يعيره انتباهًا وصعد لسيارته ليعود بسرعةٍ البرق للقصر، فوجد الخادمة تنظف الطابق السفلي، فما أن رأته حتى دنت منه تتساءل باستغرابٍ:
_حضرتك نسيت حاجة يا باشا؟
تجاهل سؤالها، وعينيه الصقرية تجوب المكان باحثًا عنها، وحينما لم تهتدي سألها بانفعالٍ:
_هي فين؟
ردت عليه بحيرةٍ وخوف من نبرته المتعصبة التي لا تنذر بالخير:
_هي مين! آه الهانم فوق في أوضتها بترتاح شوية.
تركها وانطلق للأعلى كالصاروخ المندفع، فقبض على مقبض الباب بقوةٍ كادت بخلعه، فوجدها تجلس على مقعد السراحة وتضع طلاء الأظافر على يدها، فمنحته نظرة ماكرة قبل أن تردد بصوتٍ ناعم:
_أنت جيت يا حبيبي، متأخرتش يعني!
أغلق الباب من خلفه بعنفٍ، ثم اقترب منها وهو يطالعها بانذارٍ خطر، فانحنى ليقابل نظراتها العنجهية بنبرته الخشنة:
_في أقل من الدقيقة تشرحيلي أيه الجنان اللي هببتيه ده؟
اكملت وضع الطلاء وهي تتساءل ببرودٍ:
_أيه اللي عملته؟
ألقى بالزجاجة الصغيرة أرضًا، فتناثرت محتوياتها على السجاد، فاستقامت بوقفتها وهي تصيح به:
_أنت مجنون أيه اللي عملته ده!
راق له تعصبها، فقال بنفس نبرتها الباردة:
_عشات تتأكدي إنك مش مجنونة لوحدك، أنا كمان ممكن أبقى مختل وأعمل اللي أكتر من كده.
ضيقت عينيها باستياءٍ، ثم دفعته بيدها وهي تخبره دوافعها تجاه ما فعلته:
_وأنت لسه شوفت حاجة، قابل مني اللي أكتر من كده طول ما أنت انسان حاقد وجاي على الغلبانة اللي اتجوزتها دي.
جحظت حدقتيه في صدمةٍ:
_مين دي اللي غلبانة! ده الغلب جنبك ملاك بجناحين.
وضعت يدها بمنتصف خصرها بعدما تدلى جزء من مئزرها:
_وأنت بقى أيه؟
اتجهت عينيه لما ترتديه أسفل مئزرها، فكانت ترتدي قميص أسود بحملات رفيعة، تتبعت عيناها ما ينظر إليه، فشهقت خجلًا وهي تخفي ما ترتديه، وأشارت له بأصابعها:
_شوفتك على فكرة.
ابتسم بانتصارٍ، ومن ثم سألها بخبث وهو يدنو منها:
_شوفتي أيه بالظبط!
بللت شفتيها بارتباكٍ وهي تراه يقترب منها، فاستدارت في نية لمغادرة الغرفة، والأخر يتبعها، فرغمًا عنه وضع قدميه على طرف مئزرها، لتتعركل قدميها فكاد بأن يساندها ولكن إختل توازنهما ليسقطوا معًا على الفراش، منحته نظرة متعصبة وهي تحاول دفعها بعيدًا عنها، فكان من السهل شل حركاتها لفرق قوته الذكورية على جسدها الضعيف، ثم تطلع لها وهو يحذرها بكلماته:
_دي أخر مرة هتحطيني في موقف محرج زي ده مع موظفيني يا لوجين، سامعة؟
أومأت برأسها عدة مرات، فارتسم على شفتيه ابتسامة رضا بما توصل إليه معها، فحرر أول يد لها فوضعتها على صدره لتدفعه مثلما اعتادت، ولكنها توقفت حينما شعرت لأول مرة بنبضات قلبه أسفل أصابعها، فاتجهت نظراتها لتعانق عينيه التي تنظران إليها بمشاعرٍ متخطبة، فالدقائق سئمت من وقتهما الذي طال بينهما، انخفضت عينيها لشفتيه التي تجاهد لقول شيئًا لم تستطيع فهمه، فبدى إليها حائرًا فيما سيقول، للحظة انقبض قلبها لشعورها بأنه ربما سيطلقها لجنونها حتمًا، فملامحه المرتبكة كانت موضع قلقها، ولكنه أعاد الخفق لقلبها البائس حينما رددت شفتيه:
_بأحبك.
أغلقت عينيها بقوةٍ وعدم تصديق لما استمعت إليه، وأخيرًا غسلت جوارحها بسماع تلك الكلمة، ففتحت عينيها على مهلٍ وهي تطالعه بدموعٍ فرحة ظهر بعينيها، قرب “عاصي” يديه من وجهها، فأزاح تلك الدمعات قبل أن تلوث وجهها الذي إعتاد رؤية البسمة به، ثم عاد ليهمس لها مجددًا، وكأن معسول كلماته ستشفي ما بداخلها:
_ من أول يوم شوفتك فيه وأنا كنت عارف إن اللحظة دي هتيجي، إنتي عوضتيني عن الماضي اللي عشت مدفون جواه ومكنتش قادر أخرج منه، أنا أحيانًا بحس بالندم إني قابلتك بعد المدة الكبيرة دي كلها، بأحبك ومش هحب غيرك.
اندثت بأحضانه ويدها تتشبث به، وكأنها تخبره بأنها تكن له حبًا يضاهي الذي يحمله لها، لذا سمح لرغباته المدفونة بداخله بأن تعبر لها ما تكنه من مشاعر صادقة لمعشوقة قلبه، فارغمها على التعايش معه قلبٍ وقالبًا، فانسجمت الأرواح في لقاء عابر، كان بالبداية شبه مستحيل بين أربعينيا أعزبًا وفتاة ساقها القدر إليه.
******
وعلى الرغم من إزدهار برعم الحب بينهما الا أن “لوجين” لم تفقد روحها المرحة التي تسللت لأعماق “عاصي” بعد، بل ظلت هكذا، تلاحقه أينما ذهب، وربحت حربها بموافقته على الذهاب معه للعمل، فكانت تشغل وقته بالمنزل والشركة وكل مكان كان يوجد هو به، وكأنها ظله الذي فقده لسنواتٍ، وربما عوض لتحمله ألم الفقدان لأعوام لن يحتمل أي رجلًا عاديًا خوض تلك التفاصيل القاسية، ومع ذلك أبت “لوجين” محو ذكرياته الخاصة، فتركت صور “هند” التي قد تشكل انذار خطر لأي امرأة أخرى، تركتها تملأ قصرها وبجوارها كانت تضع صورًا لها مع “عاصي” ، وكأنها تخبره بأن ماضيه ملكـًا له وحده..
الأيام تمضي، والشهور تمر والحياة تزال مستمرة، وها قد أتى الشهر المترقب إليها، فاليوم سيتم “عاصي” الحادي والأربعون من عمره، مازالت تذكر ما حدث في ذلك اليوم بالسنة الماضية، فكان ذكرى ميلاده الأربعون هو يوم التقى كلًا منهما معًا، ربما كان وحيدًا في ذلك اليوم، ولكنها الآن معه ولجواره، أعدت كل شيء بمساعدة “إيمان” و”عائشة” و”غيث” و”عمر”، فكان القصر مزخرفًا بطريقة غير مبالغة بها، وإسمه دونته بالزينة وأسفله بلون أبيض على شكل حروف عمره، وما أن أعلن بوق سيارته وصوله حتى إختبئ الجميع، فوقت دخوله لقاعة القصر كانت إشارة بالهجوم الجماعي، فانقضوا عليه جميعًا بالصواريخ والصابون والأشياء الطفولية التي حرصت “لوجين” على شرائها، حاول “عاصي” حماية وجهه وهو يصيح بهم بعصبيةٍ:
_أيه الجنان ده!
قال “عمر” بمزحٍ:
_عيد ميلاد سعيد يابو نسب، قولنا نفرحك أياكش يطمر فيك.
تعالت ضحكات “إيمان”، فقالت هي الأخرى وهي ترشه بالصابون:
_طبعًا يا عاصي انت مش هتزعل مني لإنك عارف أكيد مين صاحب الفكرة دي!
انتقلت نظراته لها، فضخت عليه بسلاحها وهي تخبره بابتسامةٍ واسعة:
_كل سنة وأنت طيب يا حبيبي.
كاد بأن يتخطاهم ليمسك بها، فأسرعت بخطاها لتقف خلف” عائشة”التي كان زوجها حماية لها، فوزع “عاصي” نظراته بينه وبين ما يحمله يين يديه، ثم قال بدهشةٍ:
_حتى أنت يا غيث!
ضخ عليه بما يحمله وهو يخبره بمرحٍ:
_ده احتفال قيم ولازم نحتفل بيه صح ولا أيه؟
ضحكت “عائشة” ثم قالت بحياديةٍ:
_كلهم رشوا عليك الا أنا يا عاصي عشان تعرف بس إني ماليش في الاذية.
منحها ابتسامة هادئة وهو يرد عليها:
_طول عمرك طيبة مش زي جوزك.
عاد ليرشه بالصابون وهو يخبره باستمتاعٍ:
_ماله جوزها يا عاصي بيه؟
كز على أسنانه بغضبٍ كاد بتدميرهما، ولكنه إختار الجلوس على الطاولة هادئًا لبعض الوقت، فوجدهم يجتمعون من حوله على المقاعد ليبدأ كلًا منهما بتقديم هداياه، وانتهت بلوجين التي وضعت من أمامه ثلاث علب مغلفة، فرفع حاجبيه وهو يتساءل باستغرابٍ:
_أيه ده؟
قالت بضحكة كانت مقلقة له:
_فيها هديتك دور عليها انت بقى.
فتح العلبة الموضوعة على الجهة المجاورة له، فما أن فتحها حتى تدفقت المياه بوجهه، فضحك الجميع على مظهره، بينما قدم له “عمر” المناديل الورقية وهو يشير إليه بحماسٍ:
_اجمد يا وحش.
احتدت نظراته التي وزعت بينهما جميعًا، وخاصة حينما قالت “لوجين” بغرورٍ:
_اضحك وإنت بتفتح هديتي أنا بالذات، عشان ميحصلكش زي اللي حصل ده.
تحكم بغضبه الذي سيفسد يومه هذا، ففتح العلبة التي تليها، فتعجب حينما وجد بها ساعته القديمة التي اهدته إليه “هند” في أخر عيد ميلاد حضرته معه، وكأن لوجين تتعمد أن يتذكرها في كل أوقاته، فيترحم عليها، وربما كانت اشارة للعلبة التي تليها، فما أن فض الشريط الموضوع عليها حتى تقوس جبينه بذهولٍ، فكانت تحوي شريطًا صغير ملفوف على شيئًا مبهمًا، فتحه “عاصي” ليتفاجأ باختبار حمل يحمل مؤشر بروحٍ أخرى قادمة لتنير حياته، رفع عينيه بصعوبةٍ عنها ليتطلع لمن تراقبه بنظراتٍ باكية، فنهض عن مقعده ثم أسرع تجاهها ليحملها بين ذراعيه هامسًا وهو يطوف بها بجنونٍ:
_بأحبك..
ابتسمت “لوجين” وهمست له بعشقٍ:
_وأنا بموت فيك.
التف الجميع من حولهما ليبارك هذا الخبر السعيد، من كان يصدق بأنه سيكسر قاعدة عزوبيته تلك ليصبح له زوجة وابن، من كان يصدق أن قلب الأربعيني الأعزب سيتمرد ليخضع لاختيار شريكته، وكأنه يشعر بها حتى وإن لم يعترف بحبها الذي حاربه واستسلم له بالنهاية، فماذا بعد اللقاء وكانت هي له قدرًا، ناداها بنبضه والوريد، فمسحت على قلبه بتعويذة، وبين ذراعيه كانت من الآمنين
وعلى جدار العابرين صنعا معًا من العشق تاريخًا..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية الأربعيني الأعزب)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *