Uncategorized

رواية أنا والمجنونة الفصل السادس والأربعون 46 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

 رواية أنا والمجنونة الفصل السادس والأربعون 46 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل السادس والأربعون 46 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

رواية أنا والمجنونة الفصل السادس والأربعون 46 بقلم الكاتبة يمنى عبد المنعم

الحرمان
نزل خبر طلاق جلال ومهجة على جميع أفراد أسرته كالصاعقة… غير مصدقين ما استمعوا إليه من ولدهم جلال.
تطلع إليه والده بجزع…. ووقف في مواجهته قائلاً بعدم استيعاب: وطلجتها ليه جولنا…. تنهد جلال قائلاً بجمود: ده جرار أخدته ومش عايز حد يسألني عن السبب.
صدم والده من ردت فعله على تساؤله واستغرب من اسلوبه الحاد في الإجابة عن تساؤله قائلاً بحده: يعني إيــه حديتك دلوك يا عمدة ولا أجول يا سيادة المجدم جلال.
زفر بضيق وهو ينظر إلى الجميع… بوجه متجهم قائلاً بصرامة: يعني طلجتها النهاردة ومش هتحدت تاني في الموضوع ده…كان موضوع إكده وانتهينا منيه خلاص.
هزت والدته رأسها بحزن، حزينة من أجل ما فعله ولدها الكبير قائلة بجزع: وليه يا ولدي طلجتها بس… وابنك اللي لساته مجاش على الدنيا، مهمكش يبعد عنيك اكده بسهولة…. تنهد بغضب قائلاً لها باختصار غاضب: مهجة مكنتش حامل يا اماي.
اتسعت أعين الجميع بصدمة هائلة… وتهاوت والدته على الأريكة خلفها قائلة بعدم فهم: ليه يا ولدي بتجول اكده… هتف بها بضيق: لأنها الحجيجة يا اماي اللي لازم كلاتكم تعرفوها… ومحدش بعد اكده يبجيبلي سيرتها واصل… ثم تركهم وانصرف من أمامهم كالمتهم الهارب من جريمة شنيعة ارتكبها.
تنهد يحيى لا يعرف ماذا يقول بعدما نطقه جلال… تطلع إليه والده قائلاً بصدمة: شايف عمايل أخوك الكبير يا دكتور…. مش ده اللي آني جولتلك عليه جبل اكده إني مش مرتاح وحاسس ان فيه حاجه… وبالذات من ساعة ما أخد مرته وراح بيته التاني… علشان تبجى تصدجني.
أغمض يحيى عينيه بيأس لا يعرف إجابة كلمات والده قائلاً له بهدوء حذر: معلش يا ابوي أكيد في حاجه خلته يعمل اكده… قاطعه بحدة قائلاً بغضب: انت لساتك هتدافع عنيه…. وجولي اهنه يا دكتور واحنا من ميته واحنا بنظلموا الحريم عندينا وخصوصاً بنات الناس ولا يكون منصبه الجديد غيره وخلاه ميشوفش إلا نفسيه وبس.
زفر بحرارة لا يدري كيف يدافع عن شقيقه أمام والده قائلاً له بتردد: يا ابوي انت خابر العمدة أكيد فيه حاجه واعرة جوي خلته يعمل اكده….. ومش غرور منيه أكيد.
هبّ من مكانه غاضباً بقوله الحاد: واذا كانت الحكاية اكده زي ما بتجول… ليه مجلناش خلينا نهدى لكن لاه زي كل مرة يجولنا الكلمتين ويمشي واحنا نسكع راسنا في الحيط مش اكده.
اقتربت منه نور لتهدئته وأمسكت بذراعه قائلة بقلق: اهدى يا ابوي علشان… صحتك أرجوك.
جذب ذراعه بعبية من ابنته قائلاً بانفعال: جوليلي كيف أهدى جدام مصيبة أخوكي… أمال كان بيتجزوها ليه من البداية علشان يظلمها عاد مش اكده.
تطلعت إليه بارتباك لا تعرف إجابه لتساؤله…. تنفس يحيى بضيق قائلاً لوالده: طب اجعد دلوك يا ابوي وان شاء الله هنلاجي حل للموضوع ده.
هدر به قائلاً: آني مش هجعد ولا ههدى غير لما أشوف أخوك الكبير …. كبيرنا وكبير البلد ازاي يعمل اكده في بنات الناس.. واللي المفروض يكون جدوتنا كلاتنا يعمل اكده كيف.. ولا يكنش فاكر إن بنات الناس بجت لعبه بيده.
ثم تركهم وانصرف إلى غرفته هو الآخر… تاركاً خلفه قلوبٍ موجوعة على هذا الخبر المفجع بالنسبة لهم والغير متوقع والذي كان بمثابة مصيبة كبيرة وأحلت على رأس الجميع.
دخل جلال إلى منزله بالأعلى…. غاضباً من كل شيء حوله، لا يريد أن يفكر إلا في عمله فقط، حتى أنه أشاح بوجهه… بعيداً عن غرفة مهجة.
دخل إلى غرفته ليأخذ حماماً ويستبدل ثيابه بثياب المنزل العادية… إلى أن يأتيه مجدي سائقه ويسافر هو الآخر.
تمدد في فراشه شارد لا يريد التفكير بها ولا بما حدث… أفاق على صوت رنين هاتفه، فبادره شريف قائلاً: أيوة يا جلال هتيجي امتى النهاردة.
زفر بعمق قائلاً له: هاجي النهاردة بالليل بإذن الله، فقال له شريف: طب على العموم… حضرت اللواء كان عايزك ضروري الصبح بكرة ان شاء الله.
تنهد بضيق قائلاً له: حاضر من بكرة الصبح بإذن الله هكون في مكتبه.
عاد لشروده وغموضه من جديد… كان لديه شعور بأنه لا يريد أن يتحدث مع أي شخص … حتى لوكان من اقرباءه، لهذا قرر العودة إلى شغله والمكوث في فيلته الصغيرة الذي كان يعيش بها منذ أن عمل في الشرطة.
وفي المساء جاءه عاد إليه سائقه مجدي من القاهرة، حدجه جلال بتساؤل فقال له مجدي: أنا نفذت كل اللي طلبته مني بالحرف الواحد وآدي نسخة من المفاتيح بردو زي حضرتك ما طلبت.
تناول منه المفتاح مدقاً به قائلاً له بجمود: تمام إكده روح انت الأستراحة بتاعتك وآني هسافر الليلة… وابجى تعالى بكرة الصبح على الفيلا وانتظرني اهناك.
اومأ مجدي برأسه بالموافقة قائلاً: ماشي أي أوامر تانية…. هز رأسه بالرفض… فانصرف مجدي ملبياً لرغبته.
جهز جلال نفسه للعودة إلى القاهرة من جديد… والرجوع لحياته السابقة، وأبلغ والدته بذلك الأمر قبل والده.
فقالت له بحزن: طب واحنا مفكرتش فينا يا عمدة…. تنهد قائلاً لها: متجلجيش يا اماي ماني هبجى آجي وأجازاتي كلاتها هبجى أجضيها معاكم.
هزت رأسها بأسى قائلة له: ليه يا ولدي تعمل فينا اكده ده آني مصدجت ليه تكسرني وتكسر خاطر أهل البلد كلاتها.
أمسك جلال بيدها بين قبضتيه قائلاً برجاء: يا اماي آني شغلي اكده ووجت ما أهل بلدي يحتاجوني في أي حاجه آني موجود والعمدية جررت أتنازل عنيها لابوي علشان متطلعش براة العيلة…. قاطعه والده بغضب قائلاً له: مش عايزها وفرها على نفسيك.
إلتفت إليه بتردد قائلاً له: يا ابوي افهمني… طول عمرك خابر طبيعة شغلي، زفر ساخراً وقال له: أيوة خابر شغلك لكن اللي طلعت مخبراش عنيه حاجه انك بتكسر خواطر العالم وياك وده اللي مكنتش منتظره منيك يا سعات المجدم.
أغمض جلال عينيه واعتدل واقفاً أمام والده قائلاً بارتباك: يا ابوي افهمني زين آني خلاص راجع لحياتي من جديد…. وزي ما جولت جبل إكده… آني هبجى آجي في اجازتي وفي أي وجت  احتاجتوني فيه.
أولاه ظهره قائلاً بحدة: آني موافج انك تسافر وتشوف مستجبلك بس جبليها ترد مرتك اللي يعتبر كسرت بخاطرها أول واحدة.
قطب جلال حاجبيه بسخط قائلاً بعصبية: أهوه ده اللي لا يمكن يحصل يا ابوي آني نهيت الموضوع على اكده وكل واحد راح لحال سبيله.
إلتفت والده إليه بغضب قائلاً بنرفزة: شكلك اكده نسيت نفسيك وانت بتحدت ويا مين… زفر جلال بحرارة قائلاً له بارتباك: آني آسف يا ابوي… مجصدش انفعل عليك واصل بس بجد يا ابوي آني طلجتها ومش ناوي أرجعها واصل.
مط والده شفتيه بتفكير عميق قائلاً له بصرامة وحسم: طب طالما اكده يبجى ما شوفيش وشك إهنه واصل…. وارجع لشغلك وحياتك زي ما بتجول من تاني وده آخر حديت عندي.
اتسعت مقلتا جلال ووالدته بفزع صادم لقرار والده وقبل أن يتحدث جلال مرةً أخرى ليتفاوض معه…. قرر والده تركه وهكذا مغادراً غرفة المعيشة… حتى ينهي الحديث معه في ذلك الأمر.
بكت والدته وشقيقته وهو مسافر أمامهم وكانت سعاد تضع حقيبة ثيابه في عربته بانتظار سيدها لاستقلالها.
غادرهم بعد أن قال لوالته بحنان: كل يوم هحدتك بالتليفون متجلجيش عليّ وأكيد هبجى آجي بس لما ابوي يروج اكده من ناحيتي…. بس ابجى ادعيلي انت وكله هيبجى تمام.
اذرفت الكثير من الدموع قائلة له: دعيالك يا ولدي وابجى دايماً طمني عليك.
اومأ برأسه بالموافقة ثم رمق شقيقته قائلاً: ابجى خلي بالك من نفسيكِ وخلي بالك من ابوي وامي يا نور.
القت بنفسها باكية على صدره قائلاً: هتوحشنا كتير جوي يا اخوي…. فقال لها بهدوء ظاهري: وانتي كمان يا نور هبجى اتصل عليكي كل ما هبجى فاضي يالا بجى دلوك أحسن اتأخر.
ابتسمت بحزن قائلة له: مع السلامة يا اخوي خلي بالك من نفسك…. 
ودعهم واستقل سيارته عائداً إلى القاهرة مرةً أخرى…. على أمل أن يبتدأ حياته السابقة من جديد… لكن هل سيعود كل شيء مثل سابق عهده أم لا… فهذا هو السؤال الحائر والذي يحيره ويحير الجميع.
نادت والدة ياسين من المطبخ قائلة: نوال…. يا نوال… افتحي الباب… الباب بيخبط… شوفي مين.
فقالت لها: حاضر يا ماما هفتح… اتجهت نوال صوب الباب بهدوء ثم فتحته وهي تبتسم على أن القادمة مها من الخارج… لكن عينيها اتسعت بعدم تصديق وتيبست في مكانها لشدة ذهولها قائلة بصدمة كبيرة: مهههجة….!!!
تجمدت مهجة في مكانها، هي الأخرى  تطالع نوال بمزيد من المشاعر المختلفة مما جعل الأولى تركض نحوها غير مصدقة ما تراه إلى الآن فألقت مهجة نفسها بين ذراعي نوال.
فاحتضنتها نوال باشتياق كبير، وهي تذرف الكثير من الدموع والأخرى تبكي بصمت كبير… لا يستطيعوا هما الأثنان التعبير عنه بالكلمات…. لكن مهجة جسدها لم يستطع مقاومة كل هذه المعاناة التي عانتها اليوم…. فأغشي عليها بين ذراعي نوال.
التي صرخت باسمها بفزع كبير قائلة: مههههجة….!!! أفاقت مهجة من إغماءتها بعد حوالي نصف ساعة على صوت بكاء نوال، وحُزن والدة ياسين التي كانت تجلس بالقرب منها على الفراش…. قلقة عليها.
ابتسمت مهجة لنوال قائلة بضعف: لساتك زي ما انتي شكلك اكده مبطلتيش روايات بردك… انتحبت نوال والقت بنفسها على صدرها باكية قائلة : مهجة حبيبتي وحشتيني أوي أوي.
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تغمض عينيها تحاول البكاء دون شعوراً بالقهر أو الحرمان التي شعرت بهم اليوم طوال الطريق…. لكن مقاومتها للبكاء لم تستطيع منعها إلى الآن.
وبكت هي الأخرى بعذاب وحرمان لم ترى مثلهم في حياتها كأنها كانت في حلم وردي جميل وأفاقت منه على كابوس اسمه العذاب والحرمان.
تنهدت والدة ياسين وهي تحدق بالأثنان الذين يبكون إلى الآن قائلة بجزع: مش كفاية بقى انتم الأتنين ولا تحبوا تضربوا وتشوفوا أنا هعمل فيكم إيه.
مسحت نوال دموعها قائلة بانتحاب: غصب عني أنا كأني روحي رجعتلي من تاني يا ماما.
هزت رأسها بحنان قائلة لها: عارفه حبيبتي ربنا ما يحرمكم من بعض مرة تانية…. أنا هقوم أحضر لكم العشا هوه كده كده جاهز.
كانت مهجة ستعترض لكن والدة ياسين قالت لها: اوعي تتكلمي وترفضي انتي بنتي التالتة يا مهجة… والبيت كان وحش من غيرك.
تنهدت مهجة تنهيدة حارة قائلة لها: وآديني رجعت… هزت رأسها والدة ياسين رأسها بحنان وتركتهم لاعداد الطعام.
ابتسمت نوال لمهجة قائلة بحنان: وحشتيني يا مهجة أوي حياتي كانت وحشة أوي من غيرك وملهاش طعم، قوليلي كنتٍ فين كل ده.
وضعت مهجة يدها على بطنها هامسة: دي حكاية كبيرة جوي يا نوال… هحكيلك عنيها بعدين… لكن انتٍ طمنيني عنك.
تطلعت إليها بأعين حزينة قائلة : أنا حصلت معايا مواضيع كبيرة أوي يامهجة وياما احتجتك في حياتي ولغاية دلوقتي.
ابتسمت مهجة بسخرية وقالت لها: شكلنا احنا التنين كنا محتاجين بعض أكتر من أي وجت تاني.
عاد ياسين من عمله…. بعد نهار عمل شاق عقليأً وليس جسمانياً.
فقد أصبح الشرود والعصبية هما رفيقاه الوحيدان طوال اليوم…. فقد حاول أيضاً أن يُحدث نوال، لكنها مازالت تأبىَ ذلك.
أغمض عينيه بضيق… لا يدري كيفية السبيل للوصول إليها… فتح شرفة مسكنه متطلعاً بتفكير خارج الشرفه.
وبدأ نسيم الليل العليل…. يحرك من خصلات شعره الناعم… فأرجعه إلى الوراء من غير انتظام أو اهتمام.
واستند بكفيه على سور الشرفة قائلاً لنفسه بضيق: نوال…. ليه كل العذاب اللي أنا عايش في ده وبسبب واحدة غبية صدقتيها…. ومشيتي وراها من غير ما تعرفي الحقيقة كلها.
نوال خلاص أنا هتجنن نفسي أسمع صوتك… وأشوفك.. أرجوكِ ردي وخليني أفهمك على كل حاجه.
أغمض عينيه وهو يتذكر أن كل رسائله لا تقرأها واليوم كان طوال اليوم هاتفها مغلق…. منذ وأن علم بذلك.. ويكاد يُجن إنه لا يفكر إلا بها هذه الأيام…. 
ترك الشرفة وعاد إلى فراشه متطلعاً إلى الفراغ أمامه… تذكر والده فاليحاول معه كما يحاول مع مها… كي يحدثها.
قام بالاتصال عليه فلم يجيبه أول مرة فاستغرب ياسين… فعاد اتصاله مرةً أخرى.
أجابه هذه المرة قائلاً : ازيك يا ياسين يابني أول مرة تتصل عليه في وقت زي ده.
تنهد ياسين قائلاً له بيأس: أنا مش بنام يا بابا من كتر التفكير بنوال نفسي أكلمها.
صمت الأب طويلا هذه المرة…. فشعر ياسين بالقلق هذه المرة.
قائلاً له باضطراب: إيه يا بابا…. مالك مش بترد ليه… نوال جرالها حاجه وانا معرفش… قولي يا بابا أرجوك وطمني.
فقال له والده: لا يا بني بعد الشر عنها هيه بخير وكويسة الحمد لله بس تلاقيها زعلانه منك بسبب اللي عملته فيها.
هنا جاء ياسين دوره في الصمت فأردف والده قائلاً: ياسين انت معايا لسه…. فقال له بضيق: أيوة يا بابا معاك… طب حاول معاها انها تكلمني وترد عليه أرجوك.
يا بابا انت أكيد هتعذرني علشان نفسي اسمع صوتها… حتى لو اتخانقنا بس اسمعه…. مش كفاية عليه غربتي هيبقى حرمان منها كمان بسماع صوتها دي مراتي يا بابا… وليه حقوق عليها.
زفر الأب بحرارة قائلاً له باستسلام: خلاص يا ياسين أنا هحاول معاها بكره وان شاء الله خير.
فقال له بلهفة: وليه مش دلوقتي يا بابا… تنهد والده قائلاً: يا بني الوقت اتأخر وتلاقيها نامت دلوقتي كمان…. اصبر بس لبكرة بإذن الله وكل شيء هيتحل.
رمقته زوجته بضيق التي كانت قد استمعت إلى المحادثة فقال لها بحنق: شايفة آدي نتيجة عمايلك انتِ ومرات ابنك…. هيتجنن عليها.
تنهدت بسعادة قائلة: وده اللي انا عايزاه يا أبو ياسين…..
حدجها بنظرات غاضبة… قائلاً لها: ازاي يعني تعصيها على جوزها… وهوه ممكن كده يجراله حاجه في غربته بسببكم.
شردت قائلة بضيق: ياسين ابني زي ما هو ابنك ومحدش هيخاف عليه أدي لكن اللي حصل لنوال بسببه… مكنتش هتقبله على بنتك لولا قدر الله في مكانها.
صمت برهةً قائلاً لها بشرود: عارف كل ده بس على رأيه مش هيبقى غربة وحرمان حتى من مجرد سماع صوتها.
تنهدت بيأس قائلة: هوه اللي جابه لنفسه يبقى يتحمل بقى عواقب اللي عمله… قبل كده.
حدق بها كأنه أول مرة يراها قائلاً بتعجب: انا نفسي أعرف جيبتي كل القسوة دي منين… ده ياسين بالذات كنت بتنفذيله كل طلباته من وهوه صغير… اشمعنى دلوقتي.
لمعت عيناها بالدموع قائلة بتأثر: لانه كان لسه حنين ومش قاسي زي دلوقتي … غربته اللي انت وابنك بتتكلموا عليها دي… هيه اللي قسته وخلت قلبه زي الحجر على كل اللي حواليه…. يعني أنا دلوقتي بحصد تمن اننا ساعدناه على السفر… وانت عارف كويس أوي اننا بندفع الضريبة… دلوقتي من أعصابنا.
رق له قلبه فاحتضنها بين ذراعيه قائلاً بخفوت: طب اهدي خلاص ده كله جواكِ من ناحيته…. ازداد انهمار دموعها على صدره قائلة ببكاء: ياسين ابني ونفسي يبقى أحسن واحد في الدنيا كلها…. لكن مايظلمش بنات الناس معاه…. نوال مسكينة في الآخر ووثقت فينا واعتبرتنا أهلها يبقى نقف جنبها ولا نسيبها له يبهدل فيها زي ما هو عايز…. ولا كإنها خدامة عنده.
ربت على ظهرها قائلاً لها بحنان بالغ: خلاص يا حبيبتي أنا معاكي شوية كده بس تعلمه الأدب ويعرف قيمتها، بعدها تتكلمي معاها وتخليها تكلمه بقى وكفاياها عقاب ليه لدلوقتي.
فقالت له باستسلام: حاضر الأمر لله لما أشوف آخرتها…
وصل جلال إلى فيلته والذي كان بانتظاره خادمه الذي كان في أجازة منذ أن ترك الفيلا منذ عدة أشهر.
قائلاً له: حمدلله على سلامتك يا بيه فقال له بجدية: الله يسلمك أوام طلع شنطتي من العربية وهاتلي فنجان جهوة المكتب.
فقال له: حاضر يا بيه…. تركه الخادم وانصرف ثم دخل جلال إلى مكتبه مسرعاً.
بعد أن قضي به بعض الوقت وشرب قهوته، صعد إلى غرفته… وهو بالطريق لغرفته مر بالغرفة التي كانت بها مهجة من قبل… توقف أمامها لثوانٍ معدودة ثم استكمل طريقه بضيق.
في صباح اليوم التالي ارتدى ثيابه مستعداً للذهاب إلى عمله واستكمال باقي قضاياه والذي كان منشغلاً عنها طوال الفترة الماضية.
لكن ها هو يرتدي ثيابه ويقف أمام مرآته عازماً على المضي قدماً نحو مستقبله بصدر رحب…. دون تأثير شيء آخر على حياته.
وقف أمام مرآته يمشط شعره رامياً بالماضي وراء ظهره… كل شيء… كل شيء.
طرق عليه خادمه الباب قائلاً له: الفطار جاهز يا سعات البيه…. اومأ برأسه قائلاً له: ثواني ونازل…. ومتنساش جهوتي.
بعد أن تناول افطاره جاءه خادمه قائلاً: العربية جاهزة يا بيه… تنهد قائلاً له: طب روح انت.
رآه مجدي وهو مقبلاً نحوه قائلاً له: صباح الخير يا جلال بيه… فقال له: صباح الخير يا مجدي… امشي بينا بسرعة يالا.
استمع مجدي إلى اوامره وانصرف بسرعة مثلما أمره، وصل إلى مكتبه في أحد أقسام الشرطة استقبله شريف قائلاً: ازيك يا جلال نورت الشغل من جديد.
ابتسم بشرود قائلاً له: وأديني رجعت يا شريف من جديد ومش عايز غير اكده وبس.
تأمله شريف مبتسماً وقال له: أيوة كده ده جلال اللي اعرفه طول عمري… جلس خلف مكتبه قائلاً له: انت هتروح معاي لمكتب اللوا ولا هروح لوحدي المرادي.
ابتسم شريف قائلاً: لأ يا سيدي ده طالبك لوحديك النهاردة تنهد جلال قائلاً : تمام ربنا يستر.
دخل جلال برصانة أمام اللواء فقال له: اقعد يا جلال حمدلله على السلامة… نورت الشغل من تاني.
ابتسم بجمود قائلاً له: إيه المطلوب مني المرادي سعادتك تنهد اللواء وهو يعود بمقعده للخلف قائلاً له: المطلوب منك المرادي قضية كبيرة أوي لعصابة لبيع الأعضاء والسلاح…. وفيه منهم ناس كتير مهمة متورطة ومنهم ناس دكاترة كمان… وليهم اسمهم.
تنهد جلال باهتمام قائلاً له بجدية: طب فين ملف الجضية علشان أدرسه كويس.
اومأ الرجل برأسه قائلاً له: أهوه الملف…. تناوله جلال متمعناً به قائلاً له: عظيم هدرسه كويس وابجى آجي لحضرتك اهنه…. وأجولك رأيي.
فقال له: وده اللي منتظره منك يا جلال لأن الموضوع ده كبير فاخترتك انت بالذات وخصوصاً بعد نجاحك الكبير في قضية مصطفى محرم في الصعيد.
هبّ من مكانه بسرعه متجاهلاً العبارة الأخيرة فهو لا يريد ذكرها أمامه أبداً ولا أي شخص يأتي بسيرتها أمامه لقد ألقى بكل شيء وراء ظهره…. ولا ينوي الرجوع للماضي… ابداً.
عاد جلال متجهم الوجه إلى مكتبه من جديد وكان شريف بانتظاره قائلاً له: ها القضية إيه المرادي…. فقال له بشرود: عصابة كبيرة جوي لتجارة الأعضاء والسلاح… وطبعاً فيها ناس مهمين.
فأطلق شريف صفيره قائلاً له: وده الصنف اللي بتحبه…. فزفر قائلاً بجدية: مفرجتش كتير جوي، يا شريف.
تفحصه شريف مازحاً بقوله: بس طبعاً متجيش حاجه جنب قضية مصطفى محرم… قاطعه قائلاً بحدة: شريف روح على مكتبك وتاني مرة متجيبش سيرة الجضية دي تاني على لسانك واصل انساها زي ماني نسيتها.
تأمله بحزن فقال له بضيق: أنا آسف يا شريف بس بجد أنا خلاص رميت بكل حاجه ورا ضهري وكفاية الوجت اللي ضاع في الجضية دي ونخلي بالنا من شغلنا اللي جاي وبس.
تنهد شريف قائلاً له : اللي تشوفه يا جلال… عن اذنك، تأفف جلال بعد أن انصرافه قائلاً لنفسه بغضب: مصايبك لساتها بتحل على راسي يا مهجة…. يارتني ما شفتك في يوم من الأيام.
في صباح اليوم التالي قبيل الظهر دخلت مهجة إلى بناية مكونة من خمسة طوابق وبصحبتها نوال.
توقفت مهجة أمام باب منزلاٍ بالطابق الثالث تلتقط أنفاسها من صعود الدرج.
سألتها نوال باستفهام: مهجة شقة مين دي؟
فتحت الباب بالمفتاح قائلة لها: دي من امبارح وهيه شجتي…. قطبت حاجبيها باستغراب قائلة بدهشة: ازاي يعني…!!
تنهدت قائلة بضيق: ادخلي الأول وبعد اكده أنا هحكيلك على كل حاجه.
كان يحيى بانتظار مريم بسيارته أمام باب كليتها…. فأقبلت عليه بمزيداً من السعادة والخجل…. لاهتمامه بها طوال فترة الامتحانات.
وبالتحديد في ثاني يوم لها…. بالإمتحان ابتسم لها بإعجاب وهي تقترب منه.
كان بانتظارها خارج سيارته وهو مستنداً إليها بظهره وعندما وقفت بالقرب منه بادرها قائلاً بقلق: ها عملتي إيه بالإمتحان… اوعاك تجولي محلتيش وآني أزعل منيكِ.
ابتسمت له قائلة: لاه متزعلش واصل…. آني حليت حلو جوي جوي.
أحتضن يدها بين قبضته قائلاً لها: طب كويس داني كنت جلجان عليكِ جوي.
ابتسمت بخجل وهي ترى نظرات القلق والاهتمام في عينيه لأول مرة.
قائلة له:- لاه متخافش آني حليت كويس…. فأشار بحاجبه قائلاً لها: طب إيه رأيك اني مفضيلك نفسي النهاردة وهاخدك هفسحك على النيل…. إيه رأيك بجى…!!!
ارتجف قلبها من كل هذا قائلة له بعدم تصديق: صوح اللي جولته دلوك يا يحيى.
ابتسم بخبث محدقاً بعينيها الواسعة قائلاً لها: طب بذمتك ده منظر واحد بيهزر بردك.
وافقت مريم على اصطحابه لها لكن شقيقها حسين خشيت منه قائلة له: طب وحسين أخوي….. تنهد قائلاً له: متخافيش ان لزم الأمر هجوله…. ثم متنسيش إنك مرتي.
اصطبغ وجهها باللون الوردي قائلة له بحب: إللي تشوفه…. يا دكتور يحيى.
همس بنعومة قائلاً لها: اسمي يحيى بس بدون دكتور ماشي…. ارتعد قلبها من السعادة التي لاتصدقها… وتغييره هكذا وبسرعة.
اردف هامساً:- يالا بينا علشان نلحج نجعد مع بعضينا أكبر وجت.
اومأت برأسها بالموافقة واستقلت بجانبه داخل السيارة.
قاد يحيى سيارته بيدٍ واحدة والأخرى ممسكاً بكفها بقبضته… شعرت مريم بأنه بالفعل بدأ يحبها ويثق بها عكس المرات السابقة وهذا ما أسعدها كثيرا…. ودعت الله أن يظل هكذا في هذا التغيير.
فتحت مهجة الثلاجة وأتت ببعض الفاكهة… في أحد الأطباق وجلست هي ونوال معاً يتحدثون بعيونهم وقلوبهم قبل التحدث بلسانهم.
ابتسمت مهجة ابتسامة باهته وقالت لها بتساؤل حزين: احكيلي يا نوال الدنيا عملت معاكِ إيه بعد ما سيبتك.
طال صمت نوال ثم همست قائلة بمرارة: عملت كتير أوي أوي فيه يا مهجة….. ولو قعدنا للصبح مش هيكفي الوقت.
تنهدت مهجة وهي تتحسس بطنها بمرارة صامتة قائلة لها: طب احكي ليه يالا على كل حاجه وبالتفصيل.
هزت رأسها قائلة لها: هحكيلك بس عندي سؤال الأول…. فقالت لها مهجة بهدوء: إسألي يا نوال…. تمعنت في وجهها قائلة لها: انا حاسه انك متغيرة يا مهجة عن الأول بكتير.
صمتت تقاسي مع نفسها عذاب الحرمان من وجوده بحياتها وحياة جنينها قائلة بوجع: آني خلاص يا نوال مبجتش مهجة ست البنات زي الأول… آني حاسة اني بجيت واحدة تانية خالص.
قطبت حاجبيها قائلة بدهشة: ليه بتقولي كده وكمان اللهجة دي اللي بتتكلمي بيها من ساعة ما جيتي…. زي لهجة بلاد الصعيد اللي بنشوفها وبنسمعها في المسلسلات… جبتيها منين دي.
لمعت عينيها بالدموع متذكرة وجه من دمرها ونهى عليها بهذا الشكل قائلة بمرارة: خابرة اكده بس الأول احكي انتِ الأول عن حياتك وآني بعد اكده هحدتك عن اللي عيشته من غيرك.
بدأت بالفعل تروي نوال كل ما قاسته في بُعدها عنها…. ومعاناتها في حب معذبها الذي يفعل كل شيء معها بالقوة.
كانت تحكي ودموعها تنهمر من كثرة معاناتها معه والأخرى تربت على كتفها وتزيد من حزنها وقهرها.
وحاولت منع دموعها لكنها لم تستطع ذلك فألقت نوال بنفسها بين ذراعي مهجة باكية وجسدها يرتعد.
قائلة: ياما مرت عليه أيام وليال كنت محتاجاكِ أوي فيه يا مهجة… كان نفسي تكوني معايا يوم ما تم كتب كتابي بالغصب…. كان نفسي تكوني معايا يوم ما هربت ومعرفتش أروح فين… كان نفسي ألاقي حضنك يا مهجة زي ما كنت بلاقيه على طول من وانا صغيرة.
ضمتها مهجة باكية أكثر قائلة لها: وآدي حضني رجعلك من تاني يا نوال…. بس لسه بتحرجي الوكل بردك.
هزت رأسها قائلة: خلاص بطلت اقرأ روايات واحرق الأكل بسببها طلعت حياتي أقوى من أي رواية قرأتها يا مهجة.
تنهدت مهجة مبتسمة بيأس قائلة بمرارة: منا يا ما جولتك اكده…. احنا حياتنا غير يا نوال… فهمست لها نوال بعذاب: صح يا مهجة كان معاكِ حق… بس أعمل إيه في الروايات اللي كنت بقرأها… كنت غبية أحسب إن الحياة وردي كده.
رمقتها مهجة بنظرات متسائلة وقالت: طب عايزة اسألك سؤال… بس تجاوبيني بصراحة.
ابتسمت بحزن قائلة: إسألي طبعاً….!!!! فقالت لها بخفوت: انتِ حبيتي ياسين؟
أجابتها على هيئة دموع فربتت على يدها بحنان وإشفاق فأردفت قائلة بمزاح ساخر: يبجى كان معاي حج ساعة ما كنت بضربك بالشبشب مش اكده.
اومأت برأسها قائلة لها: والله وحشني القعدة معاكِ وضربك ليه ولحوده.
ابتسمت مهجة بتهكم بجانب شفتيها قائلة: لساته فاكرني يا نوال…. فهزت رأسها قائلة بحنان: تصدقي انه لسه سألني عليكِ النهاردة وانا في المحل…. تصدقي انه طلع أصيل وبيدور عليكِ لدلوقتي.
ضحكت بمرارة وهي تتذكر ما كانت تفعله به منذ زمن بعيد قائلة لها بسخرية: تصدجي ده اتحمل مني كتير…. بس نعمل إيه في الجلوب اللي خليتنا نحب ونعشج بني آدمين معندهمش لا جلوب زينا اكده…. ولا عندهم رحمة بينا.
تفحصتها نوال قائلة بأسى: تصدقي فعلاً معاكِ حق…. بس هنعمل إيه قدرنا كده…. انك بعدتي عني فجأة ونعيش تجارب عمرنا ما تخيلنا إننا هنعيشها في يوم من الأيام.
في المساء عاد جلال إلى فيلته مُنهك القوى من كثرة العمل الذي دفن نفسه به ليعود لطبيعته السابقة.
استقبله خادمه قائلاً له: أحضر لك الأكل يا سعات البيه… هز رأسه بالرفض قائلاً له: لاه مليش مزاج اعملي فنجان جهوة سادة وهاتهالي في أوضة تدريب السلاح.
أخذ حماماً ليشعر بأنه أنشط من زي قبل، وخرج يرتدي ثياب التدريب.
دخل إلى الغرفة فوجد القهوة بانتظاره… ارتشفها كلها ثم بدأ بتدريبه المعتاد والذي لم يمارسه منذ أن ترك فيلته وعاد إلى بلده.
أمسك بسلاحه وبدأ يطلق الرصاص على الهدف أمامه وكلما أطلق رصاصة تخيلها هي  الذي أمامه، بمصائبها الكثيرة إلى الآن.
أغمض عينيه بقوة شاعراً بروحها التي كانت تتغلغل بقلبه وهي بين ذراعيه يقوم بتدريبها على الرصاص…. نفض عن رأسه التفكير بها، وأخذت عصبيته تزداد، وتطلق الكثير من الأعيرة النارية على الهدف.
قائلاً لنفسه بقسوة: خلاص مبجاش ليكِ مكان في حياتي… اطلعي براها بجى.
شردت مهجة مع نفسها بحزن شديد بعد أن تناولت طعام العشاء بصحبة نوال… فسألتها قائلة بود: ها يا مهجة مش هتقوليلي كنتِ مختفية فين كل الوقت ده.
بلعت ريقها بصعوبة قائلة بألم: دي حكاية طويلة جوي يا نوال… آني نفسي حيرانة ابدأ هالك منين.
فكرت نوال قائلة: خلاص ابتديها من ساعة ما اختفيتي وكمان إنتِ لغاية دلوقتي مقولتليش شقة مين دي اللي احنا هنقعد فيها.
فقالت لها باستسلام: حاضر يا نوال هحكيلك كل حاجه….
انتهت من سرد حكايتها وعلامات الصدمات المتتالية بادية على وجه نوال التي كانت كلما بكت مهجة، تربت على كتفها لاستكمال باقي حكايتها. دون مقاطعتها… شاعرةً بكل ما مرت به من عذاب وقهر… معه.
إلى أن وصلت للركوب بسيارته في يوم طلاقها منه… وإيصال مجدي لها إلى مكانها المعروف بالحارة الشعبية التي كانت تقطن بها على السطوح… كما أخبرها جلال.
فقالت لها بضعف: بصراحة مجدي طلع شهم معاي أكتر من جلال… وجابني الشجة اهنه وجالي انها بتاعته ومش محتاجها وجالي كمان اني هكون في أمان أكتر اهنه… من الحارة علشان كلام الناس.
وبصراحة رفضت في البداية وكنت ناوية أرجع على إوضة السطوح عادي وارمي حديت الناس ورا ضهر… لكن هوه رفض وصمم وجالي اعتبريني أخوكِ الكبير… واسمعي الكلام…. وعطاني تليفون كمان.. بدل تليفوني وجبلته منيه بردك غصب عني.
صمتت برهة لتمسح دموعها مستطردة بعدها بقلب موجوع: وطبعاً اضطريت أوافج علشان كمان الظروف اللي بجيت فيها من حمل وأهل الشارع مش هيسكتوا… وهجيبوا في سيرتي… ومش هيرحموني…. ولما لجاني وافجت جابلي وكل كتير جوي وحاجات هحتاجها اهنه كمان.
ثم تنهدت لتلتقط أنفاسها وهمست مردفة:- شايفه يا نوال جوزي اتخلى عني كيف ورماني كيف الكلاب لا همه الناس هتنهش في عرضي ولا لاه، وسابني وآني في أشد احتياجي له مع طفل في بطني ذنبه الوحيد ان ابوه معندوش جلب يحس بيه، والراجل الغريب اللي ميعرفش عني حاجه واصل، هوه اللي يجف جنبي… ويجبلي سكن كمان.
لمعت الدموع في عيني نوال من أجلها قائلة بعطف: ياه يا مهجة ده انتِ عانيتي أكتر مني كتير أوي. 
اومأت برأسها قائلة لها بألم: يمكن يا نوال….يمكن وكل اللي بطلبه منك إنك متسبينيش أعيش لوحدي اهنه.
ابتسمت لها بحب: وده اللي أنا هعمله وعمري ما هسيبك ولا هتخلى عنك ابداً… دنا ما صدقت رجعتيلي من جديد…. وفهمت ماما كده النهاردة في التليفون…. وهبقى انزل افتح المحل بس شوية وأجيب أي حاجه تحتاجيها.
بادلتها الإبتسامة قائلة: خابرة انك مش هتخذليني واصل… وهتجفي جنبي ومش هتهمليني لحالي…. بس بكرة ما تروحيش المحل… علشان عايزة أكشف واطمن على الجنين الأول.
ربتت على يدها قائلة بحب: ما تقلقيش هروح معاكِ وان شاء الله هيكون كويس…. وانا هقوم دلوقتي هحضرلك كوباية لبن كبيرة علشانك وعلشان البيه اللي كمان شهر وهيشرفنا.
تنهدت قائلة بمزاح حزين: ماشي موافجة بس أهم حاجه اوعاكِ تحرجيه ويفور منيكِ.
ضحكت قائلة: لا ما تخافيش بطلت اقرأ روايات تاني.
انتِ طالج يا مهجة… سقطت هذه العبارة الصغيرة على سمع مهجة كالصاعقة التي تهبط من السماء… فاهتز قلبها غير مصدقة ما سمعته منه للتو وهي التي كانت ستخبره بحملها وتفرحه به مثلما فرحت هي…. وتساءلت أهذا هو رد الجميل…. أهذه مكافأته لها على نهاية مهمتها معه بالرغم من اتفاقه معها على ذلك… لكن ظنت أن الأيام الأخيرة والذي تغير بها كثيراً وجعلته يقترب منها ويتغير في معاملته لها أيضاً.
لكن كل أحلامها الوردية وجدتها سراباً، وظهرت على حقيقتها وما هي إلا أوهام…. عاشتها في خيالها هي فقط وأفاقت منه على كابوس الحقيقة القاسية الآن.
اتسعت عينيه بصدمة هائلة و هي تحدق به وهو يشيح بوجهه بعيداً عنها.
بمنتهى الغرور والكبر …. فأحست بغصةً شديدة داخل حلقها وأبت دموعها ألا تنهمر  هامسة له بمرارة: بجى هيه دي مكافأتك ليه يا باشا.
تجهم وجهه أكثر قائلاً بقسوة: أيوة هيه دي واحمدي ربك على الكام يوم اللي عيشتيهم اهنه واللي مكنتيش تحلمي بيهم كمان… وانتِ مش كنتِ طالبة مني تخرجي وتعيشيلك يومين ذكرى ليكِ… آديكِ عيشتيهم… فيه حاجه تاني…!!!
تطلعت إليه غير مصدقه أنه هو الذي ينطق بهذه الكلمات دون رحمة… أو شفقة.
فقالت له غاضبة: معنى جولك انك كنت بتضحك عليه مش اكده.
تنهد بحرارة قائلا بسخرية: جدعة أول مرة تفهميها لوحديكِ أهوه… ثم تناول من جيب بنطاله نقودا كثيرة وألقى بهم على الفراش مستكملاً قوله بقسوة: والفلوس دي هيه نهاية خدمتك اهنه.
هزت رأسها بانهيار قائلة بصوتٍ هادر: انت أحجر بني آدم شفته بحياتي…. قاطعها جلال بانفعال: مهجة التزمي حدودك بالحديت معاي وكفاياكِ غلط… بدل ما هعمل فيكِ حاجات أكتر من اكده.
ازاحته بيديها بعنف من صدره قائلة له بانهيار: اخرج بره يا مجرم…. اخرج بره يا حيوان… آني اللي استاهل اني سلمتك جلبي ونفسي…. آني استاهل أكتر من اكده جوي لا آني محتاجاك ولا محتاجه فلوسك.
فوجىء بألفاظها النابية فهدر بها بعنف: والله إنك فعلاً رباية حواري وشوارع.
فضحكت بهيستريا قائلة بغضب عارم: بنت الحواري والشوارع دي اللي بجت دلوك مش عجباك أشرف منيك يا جناب العمدة…. وهيه بذات نفسيها اللي هتنتجم منيك على كل اللي عملته فيها وهتخليك تجول حجي برجبتي.
ضيق عينيه مذهولاً من جرءتها عليه هكذا لأول مرة… وكاد يصفعها على وجهها.
لكنه تمالك أعصابه بقوة قائلاً لها: مش بجولك جليلة الرباية ومحدش عرف يربيكِ.
فسخرت منه قائلة له بتهكم غاضب: لاه وانت بصراحة كل اللي عملته معاي بيدل على انك المجدم والعمدة وكبير البلد صوح…  لاه وكمان حاجه وزينة الرجال، والرجل الصعيدي اللي مليان رجولة وشهامة مشفتش زييها واصل… مش اكده ياباشا.
تجمدت نظراته الشرسة على وجهها قائلاً باختصار قاسٍ: كلمة واحدة زيادة يا مصيبة إنتِ وهتلاجي نفسيكِ مرمية في السجن رمية الكلاب… ومحدش هيعرف عنيكِ حاجه واصل.
تحجرت نظراتها على محياه القاسي ثم تركها وغادر الحجرة… صافقاً الباب خلفه بعنف.
أتت إليها نعيمة وساعدتها على حمل أغراضها وصممت على ارتداء ثيابها التي كانت ترتديها عندما قام بخطفها عنداً به…. لكنها ارتدت فوق شعرها حجاباً كما اعتادت عليه وصممت على ارتداؤه لانها مقتنعة به وليس من أجله هو إنما طاعةً لربها فقط.
وجدت بالأسفل مجدي بانتظارها ونعيمة تحدق بها وتبكي فراقها فقالت لها بتأثر: هتوحشك كتير جوي يا نعيمة فاحتضنتها نعيمة قائلة لها: وانتِ أكتر يا ست هانم… آني مش هنساكِ واصل.
فهمست لها: ولا أني يا نعيمة خلي بالك من نفسيكِ زين… ومن البيه.
خرجت هذه الكلمة بعفوية ندمت عليها… وأسرعت تستقل العربة.
قاد مجدي السيارة وبادية على وجهه أمارات الحزن.. 
وخصوصاً عندما لمحها تبكي بكثرة قائلاً لها باحترام: متزعليش يا ست مهجة ربنا أكيد هيعوض عليكِ.
أغمضت عينيها بتعب قائلة له بخفوت: منيش زعلانة واصل آني اللي استاهل.
صمت مجدي لا يعلم كيف يواسيها سوى أنه قال لها: أنا هوصلك دلوقتي على شقتي فاتسعت عينيها بذهول فاستكمل يقول بجدية: دي شقة كده محدش عايش فيها منيش محتاجها خالص دلوقتي متقلقيش عندي غيرها عايش فيها بس يارب تعجبك.
فقالت له بدهشة: وانت ذنبك ايه تشيل وتحمي واحدة متعرفهاش.
ابتسم لها قائلاً: معرفكيش ازاي… مش فاكرة الشبشب اللي كنت عايزة تضربيني بيه.
زفرت بقوة قائلة باحراج: منا مكنتش أعرفك عاد… وجتها.
فقال لها مبتسماً: ولا يهمك… اعتبريني أخوكِ الكبير واسمعي الكلام بقى… اتفقنا.
اومأت برأسها بالموافقة وهي تحدق بالطريق أمامها…. لا تدري كيف ستبدأ حياتها من جديد. بعدها… تململت في فراشها وتصبب جبينها من العرق.
وأفاقت من نومها فزعة قبيل الفجر قائلة بصوتٍ عال: جلالالال… ليه بتسيبني ليه… انتبهت لما تقوله.
فأذرفت الدموع الغزيرة وهي تهب في فراشها قائلة بعذاب: ليه تسيبني وتتخلى عن ابنك اللي لسه مجاش وأني في أشد الحاجه ليك.
ليه يا جلال تعمل فيه اكده… وتندمني على اني اتجوزتك.
هرعت إليها نوال بجزع واحتضنتها قائلة: اهدي يا مهجة اهدي… انسيه يا مهجة انسيه.
فانهارت من البكاء قائلة بلوعة: صعب يا نوال صعب…. الحديت ساهل لكن العمل بيه أصعب جوي.. جوليلي ازاي انساه وهوه ساكن بجلبي وجوايا حته منيه كمان وهيكبر  مع الوجت وهيسألني عن أبوه…. تفتكري ساعتها هبجى اجوله ايه… أجوله ان ابوك غدر بيه بالرغم من حبي وعشجي له ورمانا احنا التنين ولا هجوله طلجني في يوم ما اتأكدت اني حامل بيك.
ربتت على ظهرها بحنان بالغ قائلة له: خلاص اهدي وانا واثقة انك أقوى من كده.
فمسحت دموعها قائلة: هحاول يا نوال هحاول… وكمان لازم أرجع لكُليتي السنة الجاية ان شاء الله… واستكمل تعليمي من جديد.
فابتسمت لها قائلة بثقة: أيوة كده هيه دي مهجة اللي عرفاها.
في صباح اليوم التالي ذهبت مهجة عند إحدى الطبيبات لفحصها هي وجنينها…. وبصحبتها نوال.
فحصتها الطبيبة قائلة لها: الحمل لسه في أول بس أهم حاجه تخلي بالك من صحتك وتتغذي كويس… وكمان هكتبلك شوية فيتامينات وحمض الفوليك لازم ليكِ أول تلات شهور وهكتبلك على تحليل تعمليه ضروري.
فقالت لها بقلق: طب وآكل إيه بالظبط …. تنهدت قائلة: هتاكلي أكل صحي وفيه خضار كتير أوي وتشربي لبن  مهم للكالسيوم وأكل فيه فيتامين… طبعا.
ابتسمت نوال ابتسامة تطمئنها حتى لا تقلق… عدلت مهجة من ثيابها وأخذت ورقة مكتوب عليها اسم التحليل التي ستجرية وورقة أخرى بها الدواء التي ستأتي به.
خرجت مهجة وهي غير قلقه على جنينها عكس ما كانت عليه قبل الفحص فقالت لها نوال: ها اطمنتي دلوقتي… فقالت لها بهدوء: الحمد لله كنت خايفة.
ابتسمت لها نوال قائلة: اتغيرتي خالص يا مهجة…. تنهدت بيأس قائلة بحزن: هوه السبب في اكده لدرجة اتعودت على لهجة الصعيد منيش جادرة أغيرها.
أمسكت نوال بيدها قائلة لها: معلش فترة وهتعدي يامهجة… قاطع كلماتها رنين هاتف نوال فوجدته ياسين.
تجمدت مكانها وعيناها على الهاتف بصدمة وقلق فسألتها مهجة قائلة لها باستغراب: مين اللي بيتصل ….؟ فقالت بقلق: ده ياسين وهوه بيتصل عليه ومش برد عليه…. انتِ عارفه وفتحت التليفون علشان ماما بس النهاردة.
تنهدت بشرود ثم  قالت بخبث: طب هاتيه كده فاستغربت نوال قائلة بدهشة:- ها تعملي إيه…!!!
فقالت لها بإصرار: هاتيه بس هفرجك دلوك…. وفتحت عليه الهاتف قائلة:-
يتبع..
لقراءة الفصل السابع والأربعون : اضغط هنا
لقراءة باقي حلقات الرواية : اضغط هنا
نرشح لك أيضاً رواية حبيبة بالخطأ للكاتبة سهير علي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *