روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الخامس والعشرون 25 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك البارت الخامس والعشرون

رواية أترصد عشقك الجزء الخامس والعشرون

رواية أترصد عشقك الحلقة الخامسة والعشرون

أن تواجهه أكبر مخاوفك أمام عينيك

هذا اما يكون شجاعة كبيرة .. أو جبن أكبر

الشجاعة لا تتمثل في الغضب والحنق ، وإظهار الكره المضمر في النفس

الشجاعة هي المواجهة

هي ضبط النفس

برودة أعصاب لأستفزاز الخصم

الشجاعة في نظرها هي

أن تقتل دون أن تتردد ، أن تتدمر حياة عائلة دون أدنى شعور بالذنب !!

أن تنظر الي ضحيتك بكلتا عينيك ولا تغلبك مشاعر حنين أو أسف  ، بل تقف بكل شموخ وجبروت وآنفة

اعتزاز وفخر بما حققته في ماضيك ، لتخبره حتى بعد مرور السنين أنه لم يولد بعد من يكسرني كما فعلت لك !!!

اشمئزت آسيا من رؤية ذلك العجوز الخرف وهي تراه ممسكا بالمصحف ، هل قرر أن يتوب هذا الخرف ؟!!

لاحت بسمة ساخرة علي شفتيها وهي تري جحوظ عينيه ، كأنه يعلمها أشد المعرفة ، ليس مستنكرا أو جاهلا

وهذا ما جعلها تستشيط غضبا ، ذلك الحقير العجوز يعلمها ، يعلمها جيدا ، حتي عمليات التجميل لم تقدر علي تغير ملامحها بالكامل ، رفعت رأسها حينما سمعت من زوجها يخبره انها حفيدته ، فقط !! هل يمزح هو الآخر !!

هل لو قالت انها زوجته سينفجر غاضبا ثم سيرتفع ضغط دمه فيموت !! ، الأمر كان محمسا بالنسبة لها وهي تقول بصوت ساخر

– ومراته !!

سقطت النظارة تزامنا من نبرتها الساخرة ، لتلمع زرقاوة عينيها بابتسامة ماكرة وهي ترى ذلك العجوز صيدا ليس صعبا بالمرة ، انفصلت بجسدها عن جسد زوجها وهي تقترب منه خطوة قائلة بأسف مصطنع

– هو البيه مقالكش  ، ياخساره .. وياتري كان هيبلغك لو فيه بيبي ولا عشان عارف انك هترفضني ويا عالم إذا قررت تعيد الماضي تاني ولا لأ فعشان كدا سكت

تضع كلاهما في لعبتها … في مواجهة بعضهما ، دون أن تتفوه بشيء ، كل شيء سيجري حسب انفعالهم تحت بند شروطها في اللعبة .. الجد محافظ علي صلابة وجهه وهو يحدق بها مليا ، يحاول أن يعرف دواخلها .. تلك الطاقة المندفعة بالغضب والكراهية والعدوانية الشديدة الموجهة له وحده

صاح  صوت لؤي المحذر بأسمها

– آسيا

نظر الجد الى اسيا وهو يرى لين ثم عاطفة دافئة اثلجت صدره وهو يراها تشرس ملامحها للعدائية لكن ليست بقوة كرهها له وهي تصرخ في وجه الجميع

– انت اللي اجبرتني اجي هنا ، والله لو اعرف مكنتش سمحتلك انك تجبني هنا

النظرات بين حفيديه جلبت بسمة لقلبه ، لن يكذب على نفسه ، لقد هرم ويريد أن يرى أحفاده سعداء في الحياة .. اطمئن علي صغيرته وجد لكنه ما زال قلقا ، قلقا من رد فعل جميلة ، ثم هذان الثنائي

لؤي الصخرة الذي يستند عليها ، الذي لم يقدر على إصدار  اعتراض واحد ، تحمل اعباء اعمالهم ولم يشتكي ، يراه الآن بصورة رجل عاشق ، رجل ردت إليه الحياة مرة اخري بعد سنين من تحوله لرجل عملي مغلق على نفسه من إظهار مشاعره ….

غمغم بصوت جاد

– خلصتي كلامك

دارت آسيا رأسها في حدة لتصيح قائلة بوقاحة

– ولو مخلصتش يا غالب هتعمل ايه

اتسعت عينا لؤي ثم انقبضت معالم وجهه وهو يضم قبضة يده علي وشك صفعها تلك الوقحة ، الا ان الجد صاح بثبات شديد

– لما تكلميني … تكلميني بأسلوب محترم يا بنت المالكي

اللقب بمثابة اضافة الزيت في النار ، تكاد تمسك زمام امورها بشق الانفس لترسم ابتسامة متهكمة وهي ترد بجفاء

– اصل للاسف بابا مكنش موجود عشان يربيني ويعلمني الأخلاق

صمت ، وغمر وجه الكهيل الحزن الشديد لفراق ابنه في عمر الشباب ، مات ابنه وانهار هو بعدها ، لم يعد غالب كما كان سابقا ، ولن تفهم تلك المعمية بالغضب وثأر تطالبه به أنه لم يعد ذلك الخصم ليتقارعا معا

ما زال مكبل بخيوط الماضي كحالها ، كلاهما يعاني من فقدان شخص ، هو بانانيته قادته إلى نهاية المطاف إلى الندم … وهي تقود نفس طريقه ، غير عالمة انها ستخسر أعز ما تملكه في الوقت الحالي .. الشحوب اعترى وجهه وهو يسأل بصوت خفيض

– اتجوزتوا امتي

الظفر هو كل ما تستطيع آسيا الشعور به ، الشعور بأنها على عتبة النجاح والظفر بـ انتقامها الذي يقدم على طبق من فضة ، لا تصدق ان ذلك الكهل هو من دمر حياتها ، ومن جعلها تعاني أعباء الحياة بعد موت والدها ، اشمئزت ملامحها نفورا

وومضات الماضي تضرب بقوة دون هوادة ، غير قادرة على الاسترخاء ولو لدقيقة ، غمغمت ببرود

– من 3 سنين

اتسعت عينا الجد بمفاجأة ليتمتم

– 3 سنين !!!!

اكتسي معالم وجه لؤي بالحرج ليخفض رأسه أرضا وهو يتمتم

– اقدر اوضحلك

لم يعجبها ان زوجها ينكس رأسه لذلك العجوز الخرف ، امتعض وجهها وهي تنظر بشر إلى ذلك العجوز الذي أشاح بيده قائلا بلا مبالاة

– مش عايز توضيح ، كل واحد فيكم حر في حياته وأدري بمصلحته

الحرب اصعب مما توقعت ، ذلك الخرف ليس سهلا كما ظنته ، كيف تنخدعين بتلك السهولة يا آسيا ؟!! ، منذ متى المظاهر تتركين المظاهر تخدعك

صاحت بحنق

– عايزة امشي

حدجها لؤي بنظرة نارية ليصيح صوت الجد قائلا بجمود

– محدش هيتحرك من مكانه ، بيت جوزك هنا وهتفضلي هنا في بيته

شهقت اسيا تزامنا مع أوامر العجوز ، هل تلك النبرة نبرة أمر ؟!! صاحت باعتراض

– وانا مش عايزة اقعد مع حد وخصوصا معاك

زفر غالب وهو يقول بنفاذ صبر لم يعد يتحمل تلك الوقحة الآن

– اعرفي بتتكلمي مع مين كويس يا آسيا

هسهست بجنون شديد متعمدة ذكر اسمه

– ما انا عارفة بتكلم مع مين يا غالب

ارتسمت ابتسامة جامدة علي شفتيه وهو يغمغم ببرود

– من الوقت ده هتقوليلي باشا لحد لما تهذبي تصرفاتك ووقتها اقدر اسمحلك تناديني بأسمي التاني

تقول له مثلا جدو ؟!! جدي ؟!! في احلام ذلك الخرف طبعا ، لن تنطقها ، نظرت اليه بسخرية شديدة لتهمس بتأكيد قاطع

– مش هيحصل

نظرات تلك العينين لا ترحمانه

تجلدناه وتعذبانه وتزيد رصيد عذابا فوق عذاب آخر ليتمتم بجمود

– تبقى تناديني بغالب باشا يا بنت

لمع زرقاوة عينيها بالخطر وهمت بالاقتراب ولمس ذلك المجنون وصفعه بل وقتله لتهسهس بجنون

– ومن هنا ورايح اسمك هيكون بنت لحد لما الاقي تطور في تحسين تصرفاتك يا بنت ادهم

ألم .. ألم عميق سكن تلك العينين العاصفتين ليشعر بنغزة قوية تلك المرة في صدره ، تحمل الألم وهو يراها تهتف بثورة

– متجبش سيرة بابا علي لسانك

رأي لؤي الصامت يحاول التدخل في الأمر وسحبها من أمام وجهه لينظر اليه بصرامة مما جعل لؤي يتردد لفترة لكن صمت تحت اصرار جده مع التحفز ان شعر بأي خطر محدق أو أن ساءت الامور  !! وكأن ما يحدث مجرد عبث ؟!!

صاح صوت غالب جهوريا تلك المرة

– حافظي علي لسانك يا اسيا ، شوفي انتي بتكلمي مين هنا … انتي دلوقتي في بيتي وارضي ، مش هسمحلك تدوسي علي طرف حد هنا في البيت

رسالة واضحة منه انه سيدافع عن أهل منزله وعائلته التي يفتخر بها ، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيها وهي تجيبه

– اشبع بيها براحتك ، وطز في كل حاجه ، اللي انت فرحان بيه بفلوسك ومكانتك مكان الناس ممكن في ثانية يختفي

هل تهدده

تجرأت تلك الصغيرة وتهدده في عقر داره !!!!

صاح غالب بحدة شديدة

– اسم العيلة معروف من عقود ، مفيش حاجة هتقدر تدمره

انفجرت اسيا تضحك علي سذاجة ذلك الرجل امامها ، ألا يعلم أن نصف ما يملكه حفيده بأسمها بجوار نصيبها هي وشقيقتها ، غمغمت بخبث

– تحب تجرب

لم يلقي لها بالا وهو يوجه نظراته لحفيده قائلا

– ياريت اسمع عن خبر حفيد قريب ، ويكون ولد عشان يقدر يكون الخليفة لاسم العيلة

صاحت باعتراض

– في احلامك

التفت لها قائلا بصلابة

– عيلة المالكي مقيدة بالواجب دايما ، وسعيد ان حفيدي اتجوزك وواثق فيه .. لكن انا مش واثق فيكي ، احفادي خط احمر يا آسيا ، وطول ما انتي بتنبذي نفسك من العيلة انا عمري ما هجبرك الا لما تيجي بارادتك ووقتها هفتحلك دراعي واقولك ابكي يا بنتي

تضرج وجهها من الحمرة من شدة الانفعال والغضب الذي بالكاد حاولت الحفاظ علي اعصابها كي لا تقوم بما لا تحمد فعله ، لتنفجر صائحة بغضب

-عارف ايه عيوبكم ، انكم لما بتغلطوا عمركم ما بتعترفوا بغلطكم ، لا دايما عندكم مبرر حتى لو كان الغلط راكبكم من راسكم لرجليكم

النغزة في صدره اقوي وهو يرى ذلك الغضب المشتعل والحرقة في نبرة صوتها ، ارتفاع في ضغط دمه سيكون على يديها تلك الغاضبة ، غمغم نبرة خاصة نحو لؤي

– مراتك مصرية يا لؤي لحد النخاع

اندفعت تقول بفخر واعتزاز شديد في صوتها الغاضب

– جنسية بابا وافتخر بيها ، ولغة اعدائي

ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي غالب ليغمغم بصرامة شديدة

– لو فخورة بجنسيتك ليه رفضتي تحطي اسم ابوكي لطاما انت فخورة بيه كدا

همت بالرد عليه واجحافه ، ذلك المتبجح العجوز يعلم عنها كثيرا وهي لا ، غمغمت بوقاحة

– دي حاجة متخصكش

انفجر لؤي غير متحكما في غضبه واصرار جده علي الصمت

– اسياااا

دارت آسيا بوجهها نحو لؤي لتصيح منفجرة بحدة

 – ايوا متخصهوش ، مش اعيش حياتي واجي الاقي نفسي فجأة قدام راجل اول مره يشوفني لا ويعلمني اتكلم معاه باحترام ، انا عمري ما هسامحك انك بعدتني من حضن بابا انا واختي ، سامعني كويس يا غالب … مش هسامحك ولو مت قدامي وطلبت مني اسامحك مش هسامحك

كانت تقترب من غالب وهو يقف امامها بثبات تحاول أن تمسكه من تلابيبه وتخنقه ، أن تنفذ أي فكرة شريرة راودتها وهي لسنين ظلت تحاول التفكير بأصعب طريقة للانتقام منه

لما هي الان عاجزة ؟!!!

شعرت بذراعين قويتين تمسكها من خصرها لتحاول التحرر منه قائلة بصراخ

– سبني يا لؤي

لم يبدي لؤي نية لافلاتها مما دفعها تنظر نحو غالب بغضب صارخة

– نفسي اشوفك وتدوق نفس الكاس اللي شربتني منه يا غالب ، بس اللى فاضلك من العمر هحوله لجحيم

شحب وجه غالب تماما ليسقط علي الكرسي الذي كان يجلس عليه قبل دقائق ، انفجر لؤي زاعقا في وجهها وهو ينظر بقلق نحو جده

– اخرسي يا آسيا

دارت آسيا وجهها بحدة صائحة

– انت بتزعقلي

صب جام غضبه وهو يضغط علي ذراعها لينفجر في وجهها

– قولتلك مش هسمحلك باهانة عيلتي اللي هي منك

صاحت باعتراض شديد ، لا تحب أن يلتصق اسمها بأسم تلك العائلة المشؤومة

– انا مش من العيله دي

هدر في وجهها بتصميم شديد ، يلصقها الصاقا ويدمغها لتلك العائلة

– لا منها

يسمع غالب همهماته وشحناتهم السلبية تملأ الغرفة .. اهتزت الرؤية مع شعور بالوهن والألم في أطراف جسده ، جاهد بإخراج صوته حازما

– سبها يا لؤي

فتح الباب فجأة لتقتحم وجد الغرفة وهي تنظر الى ابن عمها والمرأة التي يمسكها بطريقة بدت غريبة وغير مألوفة بالنسبة للؤي وهو يمسك ذراعيها بخشونة وغلظة والمرأة التي أمامه ساكنة ، وقعت انظارها على جدها الشاحب لتجري نحوه وهي تقول بقلق

– جدو فيه ايه

ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي غالب ليندفع نبرة ساخرة من آسيا وهي تحدق في تلك المرأة المفتقرة ملامح الانوثة بشكل واضح

– وانتي بقي اللي كانوا لازقينك لجوزي

تأوهت بصوت خفيض من ضغطه لؤي لذراعها لتراه يهسهس بغضب واضح

– كلمة تانية و متلوميش غير نفسك

صاحت بفظاظة شديدة

– دي غلطتك انك جبتني هنا

اتسعت عينا وجد بجحوظ وهي تنظر الي جدها ، هل قالت إنها متزوجة ؟!

هل ابن عمها تزوج ؟!! فعل كهذا لا يصدر من شخص كـ لؤي ، هي متأكدة من وجود حلقة فارغة وستكون نقطة الوصل لكل الأشياء المبهمة

– مين دي يا جدو

ارتسمت ابتسامة على شفتي غالب مجيبا ببساطة

– بنت عمك ادهم

وقع الخبر كالصاعقة على مسامع وجد ، هل ابن عمها متزوج من ابنة عمها ؟!!! ما ذلك الجنون الذي يحدث ، منذ متى لدى عمها المتوفى ابنه ؟!! رفعت رأسها لترى عينان زرقاوان ينظران اليها بغضب شديد وغيرة لا تعلمها وهي تقول ببساطة

– المنبوذة

سحب لؤي ذراع آسيا بحدة قائلا

– عن اذنكم نستأذنكم عشان تعبانة من السفر

فغرت شادية شفتيها بصدمة شديدة تزامنا مع احداث ذلك اليوم الصاخب ، عادت انظارها نحو جدها لتمتم بقلق مع رؤيتها لشحوب وجهه المخيف

– جدو انت كويس

طمئنها قائلا بابتسامة شاحبة وهو يحاول السيطرة على أعصابه ، برغم جموده الظاهر واللامبالاة التي حافظ عليها أمام تلك الغاضبة ، إلا أن داخه يكاد يموت ألف مرة ، أحس بشيء يجثم انفاسه و يكاد يلتقط أنفاسه بصعوبة ليقول بنبرة مختنقة

– كويس يا وجد

زاغت عيناه مما قفز في قلب وجد الرعب وهي تشعر بالعجز .. عجز مخيف ،انها غير قادرة علي مساعدته

– فين جميلة

سألها بصوت خافت لتجيبه ودموعها تنزلق من عينيها وهي تقترب منه هامسة بارتجاف

– مماه في الجمعية يا جدو ، عايز حاجه اساعدك بيها

هم بالتفوه إلا أنه صمت ، أغمض جفنيه عله ينشد بعض الراحة لتأخذه دوامة ساحبة إياه ببطء شديد والتي أمامه منشغلة برعبها الخاص بفقدانه وأمل كبير ببقائه بجوارها ، استقامت وجد برعب وهي تخرج هاتفها من جيب بنطالها تبحث عن رقم الطبيب غمغمت وجد بارتجاف شديد واناملها المرتجفة لا تساعدها اطلاقا على إيجاد رقم الطبيب

– شكلك تعبان يا جدو .. هكلم الدكتور

الصمت الذي غلفها جعلها تنظر الي جدها واغلاق جفنيه جعل قلبها يسقط بين قدميها انهارت علي قدميها وسقط الهاتف من يدها وهي تهز رأسها نافية ما يجول في عقلها من مغبة هي مقدمة عليه ، صاحت بانهيار تام مبددة ذلك سكون الغرفة المطبق على انفاسها

– جدوووووو

*****

مراقبا من على بعد ، يحتفظ بشكوكه لنفسه دون أن يتجرأ حتي علي سؤاله ، شقيقه يذبل كل يوم عن سابقه .. يرى شقيقه يعذب نفسه بل وعاجزا

ان كان فى موضعه لما صمت لليلة ، هو أدرى بنفسه جيدا ، لطالما كان هو الأكثر إثارة المشاكل وصخبا … وشقيقه الاصغر الهادئ المطيع لوالدته ، ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وعينيه تغيم بوعيد شديد إن كانت تلك الغبية تورطت في شئ ما

هي آخر من زارته ، يتذكر جيدا ذلك اليوم ، ارتباكها وخوفها وهرولتها لتخرج من المطعم بأسرع وقت ممكن ، كل تلك شكوك  تزيده يقينا أنها من زعزعت علاقة شقيقه بخطيبته

اقترب من شقيقه الساهم ، ناظرا نحو الفراغ ليضربه على كتفه قائلا بنبرة مازحة

– ولك حيوان شبك متغير صرلك فترة فهمني شبك شو صاير معك

اغمض نزار جفنيه بحدة ، محاولا السيطرة علي ذاته كي لا يصب جام غضبه عليه ليقول بتحذير

– غسان انقلع من وشي والله ماناقص ظرافتك

لف غسان ذراعه حول عنق نزار وسحبه بحدة قائلا بنبرة خشنة

– لك شو في،فهمني شو صاير معك؟؟

اغمض نزار جفنيه ، وهو يشعر بحاجته للحديث ، تلك المبتعدة عنه ، النائية بعيدة عنه لا ترغب بأي تواصل حقيقي بعد ذلك اليوم المشؤوم ليهمس بحنق

-لك اتخانقت انا ورهف ،عادي خناقة بتصير بين اي تنين

لكزه غسان في خاصرته قائلا بحدة

– ولااا جحش عم تاخدني عقد عقلي يعني ،لك انا خابزك وعاجنك فهمني شو عملت ؟؟

اطبق نزار شفتيه صامتا ليقول بنبرة باردة

– شغلة بيني وبينها يا غسان

زفر بحنق شديد ، ذلك صاحب الرأس اليابسة لن يتفوه بحرف ، يعلمه … عقد حاجبيه وسأله

– ليك ولك دب الشغلة مو بس بينك وبينها اكيد في طرف تالت بالئصة

عقد نزار حاجبيه بتعجب ليردد

– طرف تالت !!!

هم غسان بأن يخبره بشكوكه بطريقة غير مباشرة ، الا ان صوت ناعم اقتحم حديثهما مما جعله يرفع رأسه بحدة ناظرا اليها بحدة

– صباح الخير

ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي نزار قائلا بمودة اخوية

– اهلين بيسان ،صباح النور شو اخبارك

ارتبكت بيسان وهي تزدرد ريقها بتوتر ، رغم غيابها لأيام عديدة عن بيت خالتها خوفا من نزار ، بل خوفها الأكبر لرؤية شبح نزار وليس نزار المبتسم البشوش لتهمس بارتباك

– انا .. انا الحمدلله كويسه ، وانت عامل ايه يا نزار

قالتها بنبرة صادقة ، واحشائها تتمزق لما فعلته ، ربما اختارت أصعب طريقه لاخباره ، لكن تلك الفتاة التي يرتبط بها سمعتها سيئة ، تسمع الكثير من الإشاعات من حولها عن حياتها السابقة ، تلك الفتاة ستفسد سمعة ابن خالتها حتى وإن لم يرتبط بها ، يكفي ان يرتبط بسمعة فتاة حسنة وتليق بعائلتهم

– الحمدلله

زفر غسان بحنق ومقدار الغضب الذي يشعره يكاد يحرق تلك الهائمة بشقيقه ، ليقول بنبرة لاذعة

– اييي ياعيني وانا شفاف قدامك يعني

رفعت رأسها ترمقه بعينيها الدابحتين نظرات ضيق ، لتعود ملامحها للهدوء متسائلة

– خالتو جوا

هز نزار رأسه موافقا ، لتسمع زمجرة خشنة جعل جسدها تلقائيا يرتعد لتفر هاربة قبل ان ينقض عليها ذلك الوحش

– عن اذنكم

بطرف عينيه نظر نحو بيسان التي تتخذ طريقها نحو باب المنزل ليرتفع صوت غسان قائلا بصوت مسموع لتلك الغبية الهائمة بشقيقه

– ليش رفضتا ؟

توقفت بيسان عن السير والتفت برأسها تنظر الي الشقيقان المتشابهان بطريقة مرعبة في طولهم وحجم أجسادهم ، والسؤال بقدر ما كان مفاجئا لها .. كان مفاجئا لنزار الذي التفت إلى غسان بحدة ، وغسان يسترسل ببرود

– بيسان ، بنت خالتك ، ومن نفس عيلتك

ألن يتخلص ابدا من ذلك الأمر وينغلق نهائيا ، مد نزار بصره ليرى إن كانت تسمعهما إلا أنه لم يجدها ليزفر براحة ثم أجاب شقيقه بصراحة

– لاني مابحس بشي تجاها بحسا متل اختي

ابتسم غسان بظفر وهو ينظر إلى الشجرة المختبئة خلفها ليعيد نظره نحو شقيقه قائلا

– هه ضحكتني بس  هي مابتحس هيك تجاهك

اندلعت النيران في عيني نزار ليمسكه من تلابيب قميصه صارخا

– انت شووو عم تحكي لك غسان؟؟؟،اكيد انجنيت

ازاح غسان ذراعي نزار قائلا بنبرة ساخرة

– لك بدك تقنعني انك مو شايف كيف بتطلع عليك ،لك الأعمى عرف انو هالبنت بتموت فيك

احتدت عينيه واظلمت عيناه وهو يمد طرف بصره نحو الشجرة ليهجم عليه نزار صائحا

– لك اسكوووت بيسان بنت خالتي ومابسمحلك تحكي عليها فهمان

هل شقيقه يمثل دور الرجل المثالي ببراعة ؟ أم هو مثالي لدرجة مقززة !!!

اشمئزت ملامحه قائلا بنبرة حادة

-خلصت مثاليات نزااار ؟؟،لك مفكر حالك محامي دفاع عنها،لك شو نسيت انو كانو بدهن ياك تتزوجا

علا صوت نزار قائلا

– خلص غسااااان …بيكفي بئا ،هالشي ماضي وراح

ياليت كان الشئ في الماضي وانتهى ، ارتسمت ابتسامة متهكمة ليقول

– ماضي ؟؟؟لك على مين عم تضحك يانزار ااااه

شرست ملامح نزار ليقول بحدة

– أي الموضوع تسكر من زمان مافي شي بيني وبين بيسان هي متل اختي وبس

مثالي بدرجة مقززة ، شتم في خلجات عقله وهو يتمتم

– لك تضرب بشكلك أي لعيتلي قلبي بكلامك

صاح نزار قائلا بحدة

– الفرق بيني وبينك انو أنا متصالح مع حالي وانت ياغسان

شرست ملامحه ليقول بقسوة

– للاسف يلي آذاني رح آذيه على أد مآذاني

ثم اندفع بغضب ثائر نحو المختبئة خلف الشجرة ، سيقتلها بل سيعاقبها بقسوة اولا ثم يقتلها

يعاقبها على سذاجتها وغبائها لأن توقع بين شخصين وتدمر حياتهم آملة في عودة حبيبها

دون أدني تردد سحب ذراعها بحدة غير مكترثا لشهقتها المصدومة ، جرها خلفه وداخله يقسم انه سيعيد تربية تلك الوقحة

دفعها بعنف للجدار القاسي لتتأوه بألم وهي تنظر اليه بجنون وشراسة ، رفعت رأسها تهجم عليه بوابل من الشتائم المصرية الا أنه اخرسها قائلا بنبرة قاسية

– هه شبك فايتة ببعضك متل يلي قاتل قتيل

الجم علي لسانها الصمت وهي تمسد ذراعها لتهمس

– عديني بعد اذنك

اقترب خطوة وهو يميل برأسه قائلا

– انت شو جابك لهون اليوم بيسان ؟؟

صاحت بقسوة

– وانت مالك

انفلتت ضحكة قاسية ، خشنة وهو يقترب منها حتى ماعاد يفصلهم سوى انشات قصيرة ، قال بلهجة تهديدية

– ليكي بيسان حارتنا ضيقة وبنعرف بعض ،وبتعرفي انو مو هي اجابة سؤالي ،فجاوبي منيح احسنلك فهماااانة

ازدردت ريقها مستشعرة الخوف الذي تشعر به بجوار ذلك الشخص الذي من المفترض شقيق نزار ، لكن شتان بينهما ، زمت فمها لتقول

– تهديدك ده صدقني عمره ما هيخليني اترعب

فضحها صوتها المرتجف كحال جسدها المذعور من قربه ليميل برأسه هامسا

-لكن شبك عم ترجفي

هزت رأسها نافية ، لتزدرد ريقها وهي تجيبه

– انا … انا تمام اهو

زفر بحرارة لتلسعها حرارة انفاسه ، اتخذت عدة خطوات للخلف لتأمنه ، مرر يده على ذقنه قائلا

– اي واضح واضح ،لك ماعم تسمعي صوتك كيف عم يرج

عاد للاقتراب لترفع رأسها بحدة قائلة

– غسان

ابتسم بقسوة مجيبا بنبرة باردة

– شو

رفعت كف يدها بحذر قائلة

– ابعد .. اللي بتعمله ده ميصحش

لثواني ظن أنها بلا اخلاق ، تجهمت ملامح وجهه للغضب ، انفجر في وجهها قائلا

-اييي ويلي عملتيه بنزار صح مووو ياانسة يامحترمة

شهقت بذعر واتسعت عيناها هلعا لتهمس

– انت .. انت ازاي

لمعت عيناه بظفر ، كما توقع تماما هي من افسدت حياة شقيقه

– كنت متاكد الك ايد بالموضوع

نكست رأسها أرضا وهي تحاول ان تستجمع شجاعتها لتهمس بحدة

– وإن كان .. دي حاجه ملكش علاقة بيها

امسك ذراعها بقسوة لترفع رأسها وهي تري النيران المستعرة في عينيه ، ارتجف جسدها وهو يهدر في وجهها

– لك انت مجنووونة شي لك مو شايفة انو نزار شايفك اخته وبس ،وعقله وقلبه مع وحدة تانية، افهمي ياجدبة انت بس يلي رح تطلع خسرانة

اختض جسدها بعنف تزامنا مع ذراعيه القاسيتين التي تضغط على كلا مرفقيها ، تابع تقريعه وهو يهز جسدها بعنف بطريقة كادت تصيبها بالغثيان

– لك مخك انت اديش تخين اه  ،ماعم تفهمي انك برا حساباته ،لك انت مابتقدري تثيري رغباته فهمتي ولا عيييد

شهقت بذعر وارتفعت حاجبيها بصدمة ، فغرت فاها بصدمة وكلامه أوجع انوثتها بطريقة موجعة جعل غسان يبتسم بظفر وهو يهمس بتهكم

– شبك ؟؟؟استغربتي من صراحتي؟؟؟

تضرجت وجنتيها بحمرة لتهمس بتلعثم

– انت .. انت ازاي تكلمني بالطريقة دي

ابعد ذراعيه عنها ثم شملها بطريقة جعل جسدها يشتعل جراء نظراته المتلكئة عند بعض المناطق ، صاح بصوت بارد

– اممم بتعرفي معه حق ،انت اصلا مافيكي شي بيغريني انا شخصيا

لقد أذي انوثتها بطريقة مؤلمة ، لكن لم تسمح له لأن يشمت بها وهي تجيبه بجفاء

– في عيون غيرك بالنسبالهم انثى ومرغوبة

لمعت عيناه بالخطر ليجيبها بنبرة خشنة

– عم يرفعو معنوياتك بس ياعيني

زفرت بحنق قائلة

– خلصت تريقة

ابتسم بشر وهو يقول بنبرة آمرة

– ليكي ياعيني يلي عملتيه دايقني انا شخصيا ،لهيك متل الشاطرة غلطك بتصلحيه

عقدت ذراعيها قائلة بجفاء

– انا معملتش حاجه انت ليه مش فاهم ، لكن كون انها مخبية حاجه دي مشكلتها هي مش مشكلتي انا

اتسعت عيناه ذهولا ، من تلك ؟ حقا يود بأي طريقة تلك تفكر ؟ ألا تشعر بتأنيب ضمير انها افسدت حياة شخصين ؟!! انفجر هادرا في وجهها

– لك وبكل عين وقحة بتنكري غلطتك

رفعت رأسها لتقول بهدوء ناري

– اسمع ، انا بكلمك بهدوء لان حاطة اعتبار انك قريبي ، بس انا ميشرفنيش صلة القرابة  اللي بينا دي

نظر اليها مطولا ، فاصلا الخطوات التي بينهما ليقول بنبرة غامضة

– للاسف علاقتنا ، علاقة بالدم … ،مارح تنتهي غير بالدم

عقدت حاجبيها بعدم فهم ؟! ، هل هذا تهديد صريح بقتلها ؟! ، شهقت بذعر حينما استمعت الى صوت خالتها

– بيسان

توردت وجنتيها وهي تبتعد عدة خطوات ولا تعلم كيف ستفسر لخالتها التي تنظر اليهما بتشكك

– غسان !! في شي ؟؟

ابتسم غسان قائلا بلطف ونبرة ذات مغزى

– لا ياروحي انت مافي شي ماتشغلي بالك،بس كنت عم دردش انا وبيسان،دعواتك حبيبة ألبي

نقلت نظراتها بين ابنة شقيقتها ثم الي ابنها لترتسم على شفتيها ابتسامة ناعمة قائلة

-روووح ياعمري انت ،ربي يهدي بالك وييسر امورك ويجبر ألبك وخاطرك

ألقي غسان نظرة مميتة نحو بيسان التي ارتعدت فرائصها لتقترب من خالتها متلمسة الحماية منها ، ارتسمت علي شفتيه ابتسامة قاسية ، عينيه بهما وعيد خالصا

يخبرها بصراحة شديدة ” تحامى خلف من تريدين ، لكن بالنهاية مصيرك لا فكاك منه “

اجلت بيسان حلقها وهي تحاول السيطرة علي جسدها المرتجف لتزم شفتيها وهي تشيح وجهها للجهة الاخرى ، لن يخيفها ذلك الأحمق ، لن يقدر علي مس شعرة منها ، ما زالت الأيام بينهما طويلة وفوزه اليوم ما هي سوى جولة واحدة فى معركة دخلتها عنوة !!

*****

تحرك قدميها العاريتين في الرمال ، تستشعر نعومته المدغدغة لجسدها ، برغم ملامح وجهها الخالية من أي تعبير وسكونها الظاهري

الا أن كل هذا يخفي داخله صخب داخلي

الخوف يلازمها

ماذا إن عاد ؟

وكيف ستواجهه ؟! .. تحتفظ بأسوأ التوقعات ان وجدها قبل أن ترتب أفكارها المشتتة ، اقتربت من المياة الدافئة لترتسم ابتسامة ناعمة على شفتيها لتغمض جفنيها رافعة كلتا ذراعيها مستنشقة هواء الحرية التي تناشده

هل تلك الرائحة الحرية ؟! … ارتخت ملامح وجهها المتشنجة لتخفض ذراعيها أرضا وهي تقترب من حقيبتها الصغيرة لتعود الى شالية الخاص بعائلة السويسري …

لا تصدق كم خجلها وهي تحادث والد جيهان الذي تفهم بهدوء ، مخبرا اياها انها ضيفته ، ثم بعدها شدد من حماية الشالية الذي تمكث فيه رغم رفض جيهان قائلة انها هذا يدل على لفت الانظار ، لكن الأب كان له وجهة نظر اخرى ، دلفت الي الشاليه وهي تجلس علي الاريكة كعادتها كل يوم ، احست باهتزاز هاتفها لتلتقطه وهي تجيب على جيهان التي تسألها كل يوم عن حالها

زفرت فرح باختناق شديد هامسة

– تعبت يا جيهان من الحبسة والخوف

نظرت جيهان من علي بعد الى رواد النادي بملامح باردة ، نظرت إلى شاب مفتول العضلات باعجاب شديد وهو يسير مع صديقه ، هل هذا هادى ؟ نعم هذا هادي لكن من هذا مفتول العضلات ، احس الرجل بنظراتها الجريئة عليه ليتحول الرجل الي طاووس متفاخر بعضلات جسده ، يا لغباء الرجال !!

اجابت جيهان بهدوء شديد وهي تري هادي يميل إلى أذن صديقه وعينيه عليها

– فرح انا قررت اساعدك عشان تقدري تدي لنفسك فرصة تفكري بمنطقية شديدة لحياتك ، صدقيني مش كل اللي بنحتاجه بيتحقق في حياتنا

لا تتذكر أي فضيحة قامت بها لهذا الهادي لكن يبدو انه كان صعبا ليتحاشي النظر اليها ، هل كان وقتها يتحرش بها أم ضبطته في وضع مخل مع ابنة رجل أعمال ؟! ، لا تتذكر الذكور كثر في هذا النادي والرجال أصبحوا قليلين في ذلك النادي ، صرف ذلك الطاووس المغرور نظره عنها وانطلق مبتعدا لـ تلوي شفتيها بحنق ، لقد ضاعت تسليتها لليوم ، استمعت إلى سؤال فرح المتشكك

– انتي شايفة كده  !!!

جلست بحنق على طاولتها المميزة وهي تترصد الصادر والراحل من النادي ، لتسألها فرح بحنق

– يعني عايزة تقوليلي انك تقدري تنسي حب حياتك بالسهولة دي

مررت أناملها على خصلات شعرها المسترسلة ، تتذكر تعاليم مصفف شعرها الصارمة بعدم اللعب بشعرها للسنوات القادمة بأي صبغة ، ستخضع لعلاج مكثف ليعود شعرها صحيا ، ذلك الكاذب الحقير … تعلم انه يريد ان يضع الالافات في جيبه باهتمامه الزائف لشعرها ، أجابت ببرود

– لطالما واحد مش مقدرنى ادوس عليه بالجزمة ولا يهمني

انفجرت فرح ضاحكة لتقول

– بتتكلمي من ورا قلبك يا جيهان

اجابتها جيهان بفظاظة

– اومال اقولك ايه .. كملي واتهاني واضربي وخليه يمتص كل طاقتك وتندمي في الاخر

غلف الصمت من جهة فرح التي قالت بهدوء

– نضال بيعاني من الثقة ومن تعلقه بالناس

قلبت عينيها بملل قائلة

– دي مشكلة يقدر يصححها مع نفسه ، يعني عايزة تقوليلي انه لو شافك هياخدك بالاحضان

اجابتها فرح بصراحة وهي ترخي أجفانها بأرهاق

– مش بعيد يقتلني

أصدرت جيهان ضحكة ساخرة لتقول فرح بجدية

– بتكلم بجد يا جيهان مبهزرش ، انا بترعب من نضال .. ساعات بحسه مش انسان .. كائن مدمر بيدمر كل اللي بيقابلهم في حياته

صمتت فرح للحظات لتهمس

– فكرت كتير ، وانا ادتله فرص كتير .. بس مش هقدر ، انا من حقي احس اني مرغوبة واسمع كلام حلو

هي لا تريد الاستماع لكلام حلو ، بل تريد رجل أفعال ،شخص غير قادرا علي التحكم بأعصابه مثلها ، لوت شفتيها ساخرة من جموح عقلها لتقول

– لو عايزة تسمعي كلام حلو فده فيه منه كتير يا فرح ، خدي اللي يقدر يحميكى من نفسه وقت غضبه

انفجرت فرح تضحك دون مرح ، همست بألم

– مفيش النوع ده من الرجالة يا جيهان ، خلينا واقعيين .. كل واحد فينا عنده كبت وما بيصدق يتخانق عشان يطلعه

استقامت فرح من اريكتها وهي تتوجه نحو غرفتها لتقول بهدوء

– قررت اهتم بنفسي شوية ، احاول اصلح من نفسي واشجع نفسي اكون ناجحة في مجال دراستي وشغلي

ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتي جيهان قائلة

– برافو يا فرح .. دي حاجة تبسطني انك هتحققيها

عقدت جيهان حاجبيها وعينيها رصدت كتلة صاخبة تتقدم نحوها ، مالت برأسها وهي تري نظراته المثبتة عليها لتهمس لفرح

– واضح انه طلع اسرع مما تخيلت

استفسرت فرح عن ماذا تقصد الا انها تفاجئت باغلاق الاتصال الآمن بينهما ككل يوم ، خشية أن يتعقب مخترق فضولي لمعرفة موقع فرح ، وضعت جيهان ساق فوق الأخرى لترفع رأسها قائلة بابتسامة ناعمة

– صباح الخير يا نضال

توقف نضال امامها ليصدر ضحكة ساخرة وهو يفك زر سترته قبل أن يجلس على المقعد المقابل لها قائلا

– نضال !! ، ايه شيفاني كنت بلعب معاكي في النادي مثلا

لمعت الشقاوة في عينيها وهي تميل بجسدها باغواء شديد منه تدرس تفاصيل وجهه الشرسة ، لتهمس بنبرة مغوية

– لا وانت الادرى .. في الشارع زي الناس الطبيعين بتقولها ، النادي دي بتاعت العيال النايتي

تصلبت ملامح وجهه وهو ينظر دون تعابير اليها ثم تعمدها لأبراز انوثتها في ثيابها الأنثوية ليقول ببرود

– فينها

عقدت حاجبيها متصنعة الجهل قائلة

– فين ايه

جز نضال علي اسنانه وهو يغمغم بنبرة ماكرة

– طلعتي مش هينة اطلاقا يا جيهان

لم تتغير ملامح وجهها الهادئة وهي تنظر اليه ببرود شديد لتسمعه وهو يتابع بحدة

– بس اللعب معايا وحش ، وحش جدا و هتخسري كتير، صدقيني مبيهمنيش بستخدم اي سلاح قدام عدوي ، اهم حاجه عندي اني الاقيه ميت ، وانا مش عايز استخدم العنف

ببساطة شديدة رفعت هاتفها امام وجهه قائلة بهدوء شديد

– انت عارف التسجيل ده اقدر اوديه في اقرب قسم والسوشيال ميديا كلها تعرف ورا الواجهة النضيفة دي ، ده بعيد طبعا عن اسهم الفندق بتاعك اللي ماسكة وأسهم مؤسسة العيلة ، اكيد مش عايز تخسر قدام واحدة زيي

هاجت البراكين داخله ، هل تهدده تلك الغبية ؟!! ، نظر بلا مبالاة إلى هاتفها ولا الي تسجيلها المفتوح حتى الآن

– فينها

أغلقت جهيان هاتفها ووضعته في جيب بنطالها لتقول

– انا معرفش انت بتحكي عن ايه وصدقني انت بتضيع وقتي

استقامت من مجلسها وهي تأخذ تعلقاتها ما إن هم بأمساك رسغها تفاجئ بيد غليظة تمسكه بقوة على رسغه صائحا بنبرة مهددة

– اوعي تفكر تمد ايدك عليها

رفع نضال حاجبه وهو يرمق ذلك الأشقر الغيور ، ألقي نظرة نحو تلك اللامبالية التي تنظر بقلق لكلاهما وهي تهمس بحذر

– وسيم

اسمه وسيم !!!! ، اسم ناعم مثل الأحمق ناجي ، ارتسمت علي وجهه ابتسامة ساخرة وهو يقول بسخرية

– والوجه الناعم ده بقي وخداه صديق ولد ولا بنت

احتدت عينا وسيم الزرقاوان ليجيبه بعنف وهو يلكمه بكل غل في وجهه

– انا بقي هقولك يا روح *** ايه تحت الوش الناعم ده

شهقت جيهان برعب شديد وهي تصيح بذعر شديد

– وسيم

مسد نضال علي خده ليقول بنبرة ماكرة

– مطلعتيش ناعمة زي ما توقعت

هاجت شياطين وسيم وهو يكاد يفتك فتكا بذلك الحقير ، الا ان جيهان تمسكت بذراعه قائلة بخوف

– وسيم سيبه ده بيستفزك

هل تظنه ليس رجلا ؟!! حان وقت لتلك الصغيرة ان تري خلفية وجه وسيم الأخرى السيئة ، صاح بصرامة شديدة وهو ينزع ذراعه عن يدها

– متتدخليش ، واضح ان فيه واحد هنا مستغني عن عمره

اختنقت جيهان أنفاسها وهي تهمس بنفي

– وسيم ارجوك

صاح وسيم بنبرة ساخرة وهو يرى الدموع المتجمعة في مآقيها

– متقوليش انك خايفة … اااااه

تأوه بعنف حينما توجهت لكمة غادرة من طرف نضال الذي استغل انشغال ذلك الغيور لفتاته ليقول بنبرة متهكمة

– زمان كانوا بيستخدموا الوجه الحسن في الحرب لتشتيت تركيز الرجالة ، اقنعتني بجزء انك مش ست .. بس مين عارف مش ممكن تطلع خنثي

هاجت شياطين وسيم وهو يندفع للفتك بذلك الرجل ليسبه بشتيمة نابية جعل جيهان تتورد وجنتاها خجلا وهي تري وسيم آخر غير ذلك الرجل الذي تعلمه طوال سنوات عمرها

 – يا ***** قسما بالله مش سايبك

المعركة بين الرجلين حامية الوطيس ، كلاهما يندفعان ببدائية رجال الكهوف لإثبات ماذا ؟ هي حتى لا تعلم ، الدماء انبثقت من أنف وسيم لتصيح بهلع وهي تنظر إلى التجمهر من حولها بل وبعض المستفزين الذين يرفعون هواتفهم لتصوير ذلك الحدث الذي لا يحدث سوى لماما

– وسيم .. وسيم كفاية

استقام نضال وهو يتعمد التقليل من شأن ذلك الأشقر قائلا

– بلاش تفردي عضلاتك يا انسه ، مش حلو لتاخدي برد

بكل غل ضربه علي ساقه ليسقط ارضا ، هجم عليه وسيم صائحا بنبرة هادرة وهو يلكمه في وجهه عدة مرات محاولا ترميم رجولته الجريحة

– تصدق مش هيكفيني غير موتك يا ****

كان يسدد لكمة والاخري يتفاداها ، دفعه نضال ليسقطه أرضا ثم رفع بقامته ليلكمه محاولا التخلص من الكبت الذي بداخله  !!

تصرخ هي في وجه الجميع ، طالبة بأحد التدخل لإبعادهم الا ان احدا لم يتجرأ للاقتراب خطوة ، نظرت بأمل نحو أفراد الأمن الذين اقتحموا الدائرة فاصلين جسد الرجلين عن بعضها الا ان وسيم كان يحاول التخلص من الرجلين وهو ينفجر شاتما

-ابعدوا عن وشي خلوني اربي ال***** ده

أظلمت عينا نضال الا انه تمتم باسف

– تؤتؤتؤ مكنتش متوقع ان ابن الاكابر بيقول الفاظ مش محترمة قدام الناس ، الناس كلها تشهد مش هسكت الا لما نروح نعمل محضر

اندفع جسد وسيم للانقضاض عليه الا ان جسد الرجلين منعا التحام الغاضبين ليهدر وسيم بصراخ

– فاكرني هخاف منك ، تعالي وواجهني راجل لراجل زي ما انت بتقول ، ولا خفت … ولا شكلك طلعت مدام

استفزه ، نجح في استفزازه رغم في سابقة الأمر لم يقاوم الرجل، ببساطة دفع الرجل الذي يقيده ليتقدم نحو وسيم وهو يرفع قبضة يده يلكمه في وجهه مما دفع جسد وسيم للارتداد للخلف متأوها بصوت خفيض لاعنا اياه  ، صاح نضال بصوت جهوري وهو يستسلم لدفع الرجل نحو غرفة رئيس النادي

– نضال الغانم ملوش غبار عليه

اقتربت جيهان بقلق والدموع تتساقط من مقلتيها هامسة بذعر وهي تتشبث بقميصه

– وسيم وريني كده

صاح بفظاظة شديدة مبعدا إياها بخشونة عنه

– ابعدي

نظرت إلى رجل الامن بحدة حينما سمعته انه يجب عليه الذهاب لغرفة رئيس النادي ، زفرت بيأس قبل ان تبعد كفه عن وجهه قائلة بإصرار

– بطل عند بقي وخليني اشوف

تألمت حالما رأت اصابات وجهه و الكدمات المتفرقة على وجهه ، سحب رجل الأمن جسد وسيم الذي استسلم تلك المرة له لتسير جيهان بجواره بقلق وهي تخرج من حقيبتها منديل معطر لترفعها إلى وجهه ليلتقط وسيم منها المنديل بحدة رافضا مساعدتها قائلا

– ويا تري خوفك ده عشان اخوكي اضرب ولا عشان حبيبك اللي قررتي تنبذيه وتعاقبيه بسبب تافه

هل يجب أن يتفوه بتلك الاشياء الان ؟!! لما لا يصبر ؟!! ، همست بقلق شديد وهي تحاول أن تتفحصه بعينيها ان كان هناك شيء يستدعي القلق .. يجب ان يذهبا الى المشفى وعمل أشعة ، ستفعل حالما يخرجان من غرفة رئيس النادي

– وسيم انسي اي خلافات ارجوك

فتح رجال الأمن باب الغرفة ليجدا نضال الجالس علي المقعد بكل ثقة وهو يقول بهدوء شديد

– هو اللي بدأ يتهجم عليا واقدر اخلي الناس تشهد على ده

القي وسيم شتيمة نابية سمعتها جيهان التي رفعت عينيها تنظر اليه بعدم تصديق ، من أين تعلم تلك الألفاظ ؟ هل تعلم ذلك الرجل حقا ؟ أم أنها كانت غبية لادعائها بمعرفته ؟!!

تقدمت نحو رئيس النادي الذي ينظر بعجز شديد إلى ثلاث أسماء ثقيلة في مجتمعهم ، كل عائلة منهم قدمت اسهامات عديدة في النادي الخاص ، رفع بصره نحو مساعده الذي هز رأسه بيأس ليعود النظر نحو جيهان التي قالت بصراحة

– غلط ، هو اللي بدأ يستفزه وحاول يتعرضلي بإساءة فخطيبي جيه وحاول ينهي الموقف لكن الاستاذ ده أساء ليه واستفزه فاتخانقوا

ألقى رئيس النادي نظرة خاصة نحو مساعده الذي قال بابتسامة مقتضبة

– نقدر نحل المشكلة دي وديا يا اساتذة

شعرت بهمس خشن بجوار اذنها يهمس ساخرا

– خطيبك !!

رفعت رأسها بحدة تجيبه بهمس

– اكيد مش هقوله اخويا واسامينا مختلفة

اسودت معالم وجهه قتامة ليهسهس بغضب

– مش من حقك يا جيهان تقربيني منك وقت ما انتي عايزة وتبعديني وقت ما انتي عايزة

صاح صوت الرجل وهو يقول

– يا اساتذة اعتقد ان احنا في مشكلة اكبر من كدا ، تقدري يا انسة جيهان تتفضلي لحد ما اخلص كلامي معاهم

هزت رأسها يائسة وهي تخرج من الغرفة بحنق ، سبت الجميع بجميع الشتائم التي تعلمها لتنظر بترقب إلى الباب المغلق ، تعلم ان الرئيس سيكتفي فقط بتحذير لكليهما ، لكن ان يطردها ، رفعت رأسها حينما فتح الباب .. تعلقت عيناها بأمل ان كان وسيم من فتح الباب لكن سرعان ما تجهم وجهها حينما رات نضال يرفع ابتسامة نصر علي شفتيه وهو يقترب منها قائلا

– المشكلة اتحلت بس يا تري السوشيال ميديا هتسكت لما تشوف خناقة النجم اللامع في الاذاعة

تجمد وجهها وهي تري ذلك التهديد الذي صاحت في وجهه منذ عدة دقائق ، هو من نفذه وبل يهددها بنفس سلاحها الذي أشهرته في وجهه ، تدلي فكها ببلاهة شديدة ، تنظر إلى ذلك الداهية بحنق شديد

عبس وجهها لتقول

– عايز ايه

ابتسم نضال بجفاء شديد ليهمس

– اللي عايزه منك هاخده ، مش انتي لوحدك ملكة الأرض يا جيجي

التفت مغادرا تاركا اياها تلعنه وتسبه بجميع الشتائم التي تعلمها والتي لا تعلمها ، رفعت رأسها حينما استمعت الي نبرة خشنة من وسيم

– بيكلمك ليه

ارتبكت وارتجف جسدها وهي ترى عينيه المظلمتين وهيئته الشبيه بهيئة قطاع الطرق ، هبطت نظراتها نحو قميصه الغير مهندم لترفع رأسها نحو وجهه وملامح وجهه الصارمة لتهمس

– بيهددني

تنفس وسيم بحدة وهو يضم قبضة يده محاولا الحفاظ علي رشده قبل أن يفقده ، تفاجئ بانامل ناعمة تمر علي كدمة وجهه الكبيرة وصوتها الهامس

– حافظ على أعصابك ارجوك

اخفض نظراته الي عينيها المليئة بالخوف والقلق ، حافظ على ملامح وجهه المتصلبة لتسأله جيهان

– فيه حاجه بتوجعك يا وسيم

مال شفتيه مغمغما بسخرية

– مش اصعب من تعذيبك ليا يا جيهان

ازدردت ريقها وهي تمرر أناملها على وجهه قائلة

– انا اسفه

آلمها أن عينيه عبارة عن قطعتين من الصخر لم يكترث ولم يخرج أي تأثر مثلها لتمسكه من ساعده قائلة

– تعالا، عربيتي فيها علبة إسعاف عشان اعالجك قبل ما نروح المستشفي

استسلم ليدها وهو يغمغم بسخرية

– لو ناسية النادي في اوضة للاسعافات ودكاترة

توقفت عن التحرك وهي تقابله بجسدها قائلة بغيرة لم تحاول أن تخبئها

– الوقت ده فيه الحيوانة الشقرا ، وانا مش فايضة اشوف عرضها الرخيص وهي بتبين لحمها قدامك

اكتفي بابتسامة ساخرة مما جعلها تتميز حنقها منه ، ذلك القاسي البارد لم يكن باردا هكذا منذ دقائق قصيرة ، سارت تلك المرة متقدمة عنه بخطوات لتسمع صوته الاجش وهو يميل نحو اذنها

– طالما انتي غيرانة كدا ، بتعذبي نفسك وتعذبيني معاكي ليه

عضت طرف شفتها السفلى وهي تنظر اليه بعاطفة شديدة تطالبه بتلبيتها ، جز وسيم علي اسنانه وهو يسمعها تهمس برجاء

– متدخلش في اي خناقة ارجوك وبالذات مع الحيوان ده

علي رنين هاتفه ليستل هاتفه من جيب بنطاله وهو يرد علي الاتصال قائلا بنبرة غير مبالية

– ايوا

اتسعت عيناه بذعر ليتمتم في عجالة

– هاجي فورا

نظرت جيهان بقلق لتهمس باستفسار

– فيه ايه

مد يده قائلا بحدة

– هاتي المفاتيح

مدت يدها بمفاتيحها ليتوجه نحو سيارتها التي تبعد عدة خطوات ، جاورته في المقعد المجاور وهي تتمني أن الأمور تسير علي ما يرام ، الا انه تستطيع ان تستشف من ملامح وسيم المتوترة أن شيئا صعبا حدث .

*****

مدفوع بالغضب

مشحون بنيران الغدر ، والهجران

ذلك الهجران الذي يختبره لأول مرة

هجران نكهته مختلفة عن هجر أمه له تاركة إياه في بيت لم يرى من يعتني به سوى طفلة هي الأخرى لا تستطيع الاعتناء بذاتها …

هل ذلك كل انتقامها ؟ تريد اختباره في هجرانها له

هل تريد معرفة نتيجتها

نجحت قطته التي اعتني بها في منزله ، نجحت تلك صاحبة الملامح الملائكية بطريقة بعثت لقلبه السخرية ، منذ أول مرة لقائهم .. وجدها مختلفة هيئة وتفصيلا عن العاملات في المطعم ، يراقبها بنظراته الثاقبة لأنثى من نوع درجة مختلفة عن السابقات

في حين هو يختار الشقراوات شعرها الداكن هو ما لفت انتباه ،  وعيونها البنية الذي يسكن داخلهما نداء الحماية لبي ندائهما ، جرته لنقطه ضعفه الوحيدة التي لن يقدر على رفض طلبها ابدا

لكن هي من أرادت اللعب بالنيران ، ماذا ظنت ؟ حياة وردية ؟ ، الوحش يتحول لأمير مهذب .. في الحقيقة هو أبعد عن هذا ولن يتغير ولو أرادت .. لن يغير شيئا من تلقاء نفسه ارضاءا لشخص مهما كان درجة أهميته له ، مسد موضع فكه بألم

ذلك الجحش لم يكن انثي كما استفزه ، لكنه كان في حاجة لشئ يقدر على تنفيس غضبه المكبوت ، استل مفاتيحه من جيب بنطاله ليخرج من المصعد ثم رفع رأسه ليتفاجئ بمن أمامه

سرعان ما ارتسمت ابتسامة ساخرة رغم شعوره بالالم الا انه حارب أي ألم ولو جسدي بوجه ساخر

– مش تقولي انك جاية ، كنت عملت حسابي

اغتاظت ملامح مارية الناعمة لترفع رأسها نحو ماهر الذي تولى القيادة تلك المرة وهو يقول بنفاذ صبر بعد انتظاره لساعة ونصف كاملة أمام منزله المغلق ، لم يصدق أن المربية رفضت فتح الباب اصدار على أوامر رئيسها وقالت انه موعد عودته اقترب ، كان سيرحل بعد مرور عشر دقائق على عودته المرتقبة .. لكن الحاح مارية جعله يصمت

– اسمع يا استاذ ، الام جاية تشوف بنتها ، ملكش حق انك تمنعها

دس نضال المفتاح والتفت قائلا نحوه

– طبعا مليش حق اني امنعها

امتلئ قلب مارية فرحة لتميل برأسها نحو صدر ماهر تستند عليه في مبادرة شكر صامتة ، صاحت تسأله بتوتر

– هي فرح فين ، بتصل بيها مبتردش

انغلقت تعابير وجهه ليسودها السواد وهو يغمغم بنبرة خطيرة

– وده سؤال ، ولا جاية تشمتي فيا

عقدت مارية حاجبيها بعدم فهم ، همت بسؤاله الا ان نضال صاح بفظاظة شديدة وهو يفسح مجال لهما داخل الشقة لتندفع مارية تبحث عن مصدر صوت صغيرتها مع المربية التي تهدهدها ، لانت ملامح مارية واقتربت منها وشوقها يدفعها لاحتضانها لتسمع صوت نضال الصارم

– البنت تقعد مع مامتها ، بس لو فكرتي تاخديها وتطلعي بيها برا الشقة ، صدقيني هتندمي

رفعت رأسها بحدة تكاد تشتمه ، صاح صوت انثوي معاتب

– نضال

رفع نضال رأسه نحو مصدر الصوت ، حنين غمر وجهه الا انه عبس ما تذكر تلك الخائنة ما قامت به آخر مرة ، شهقت اسرار بقلق وهي تقطع المسافة بينهما غير ابهة بحملها لتقترب منه والقلق يعصف عينيها لتهمس

– نضال ، ايه اللي حصلك

ادار وجهه للجهة الأخرى ، معلنا تجاهله لها التام

– مفيش حاجه حصلت

رغم فظاظته إلا أنها لم تعبأ به مطلقا ، صاحت بتقريع

– انت هتفضل طول عمرك متهور كدا ، معندكش تفكير

سحبت يده امام انظار زوجين من العيون تطالعهم الاول بصدمة والأخرى بعدم تصديق … زفر نضال بتملل شديد كطفل في العاشرة لا يرغب في مذاكرة دروسه ، أجلسته على كرسي في الحمام ثم التفتت اليه قائلة بعتاب شديد

– بتعمل في نفسك كده ليه بس يا نضال

رفع رأسه قائلا بسخرية

– بعمل ايه يا اسرار

بحثت في الأعراض في الحمام بحثا عن أي مطهر وقطن ، ولم تجد سوي قطن فقط !! زفرت بحنق يجب أن تملأ تلك الخزانة الفارغة لأغراض طبية ، بللت القطنة بالماء ثم وضعتها على جرح شفته ليجفل جسد نضال ثانية قبل أن يأخذ منها القطنة ببعض الفظاظة الشديدة وهو يمررها على جرح شفتيه ، عقدت اسرار ساعديها على صدرها لتقول

– بتقتل نفسك وبتقتل اللي حواليك ، انت عايز تعمل ايه تاني ، مش كفاية اللي وصلناله

نكس نضال راسه ارضا ، شاعرا بتلك الدوامة التي تبلعه ، لكنه عالق .. عالق في المنتصف ، غير قادرا علي أن يصدر صوت طالبا بالنجاة حتى ، يشعر أن هناك ما يكمم فمه ، تفاجئ بشئ حارق علي وجنته ليرفع وجهه وهو يراها تضع كيس مملوء بمكعبات الثلج على وجهه ، نظر إليها بـ امتنان وشكر دون ان يتفوه بكلمة كعادته منذ صغره ثم مسد كدماته بهدوء وهو يغمغم بخشونة

– مش عارف اخرج يا أسرار ، مش عارف

تنهدت زافرة بحرارة وهي تقول

– لانك مش عايز ، مصمم تقعد في الدايرة دي .. اخرج منها يا نضال قبل فوات الاوان

اطبق شفتيه غير مصدرا صوتا علي كلامها ليقول بعدها بوجوم

– مش بأيدى يا اسرار .. مش بايدي

حفزته ببعض التشجيع قائلة

– بص علي النص الحلو اللي في حياتك ، عندك عيلة ليه عايز تخسرهم واحد ورا التاني

الا بعض جينات الغباء ما زالت مستحوذة عليه وهو يقول بثقة مفرطة

– شمس وجنبي وفرح …. هتيجي

رفعت حاجبها باستنكار شديد لتقول

– فرح مش هتقدر تجبرها تعيشها جنبك ، وشمس من حقها تقعد مع مامتها لفت برة من الوقت

أخرج ضحكة متهكمة وهو يرمي كيس الثلج أرضا ليرفع عينيه الذهبيتين قائلا

– مكنتش رمتهالي من سنة

اشاحت يدها بنفاذ صبر قائلة

– أي إن كان ، زي ما انت ليك الحق فيها ، هي كمان ليها الحق

صاح نضال بخشونة لتتحول ملامح وجهه الهادئة للغضب

– حقها فقدته لما سبتها لي ولفرح

السواد في عينيه لم يخيفها مما جعل اسرار تنظر اليه ببرود قائلة

– بطل شغل العناد ده ، لما تقعد يومين عند مامتها و…

قاطعها قائلا بنفي قاطع

– ابدا … شمس مش هتتحرك من هنا الا على جثتي

تأففت حانقة وهي تدير وجهها للجهة الأخرى ، ذلك الغبي … هل يفسد حياته بنفسه ثم يقول انه غير قادر وعاجز

هل هذا رجل عاجز ؟ هل هذا تعريف العاجز عنده ؟!! ، استمعت إلى سؤاله الفظ

– جيتي ليه

أجابته باقتضاب شديد وحنق من قلة لباقته

– عشان اطمن علي واحد ،واضح انه مش عايزني

انفجر يضحك ساخرا

– مستنية جوزك يطب علينا

لم تجاريه في مزاحه السخيف مثله لتقول ببرود

– سراج بس بغير منك ، وانت عارف كدا .. لانك اقرب شخص ليا في الدنيا دي

الا ان البرود في صوتها حاليا دافئا لدرجة اقشعر بها جسده ، هل تقيده تلك الأخرى بالواجب ، ما بال نساء تلك العائلة يقيدونه بحبال غير قادرا علي الفكاك منها ، بل ومرحبا بذلك السقوط

لكن صورة دفاعها وقربها من وقاص ونبذها له جعلت ملامحه تنظر إليها بتجهم وغضب

– واضح بعد ما حطيتي ايدك في ايد حامي العيلة

زفرت اسرار بيأس وهي تمتم

– مصلحة العيلة أهم ، والغلط مقدرش اسكت عنه يا نضا وانت عارف كدا

اندفع رنين هاتف اسرار في حقيبة يدها لتستل الهاتف وهي تنظر الى اسم المتصل ، ارتسمت ابتسامة هادئة على شفتيها قائلة

– اهو جيبنا في سيرته

ردت علي اتصاله قائلة بابتسامة لطيفة زادت من تجهم نضال وغضبه

– ايوا يا وقاص

عقدت اسرار حاجبيها وهي تغمغم بتعجب

– فريال .. ثواني انا مش فاهمة فيه ايه

اتسعت عيناها لتقع عيناها علي نضال الذي استشعر بخطر ما محدق ، وما ان نطقت اسم الصغيرة

– رهف !!!

هوى قلبه ما إن ذكر إسم صغيرته

حدسه يخبره أن الأيام القادمة لن تكون سهلة إطلاقا !!!

***

ما تخشاه يأتيك

ليبعثرك .. ليثبطك .. يقتلك ببطئ ساحبا روحك التائقة للحياة .

السكينة والهدوء لم تحظى بهما لفترة من الوقت ، تطاحن طواحين الهواء ، محاولة أن تعزز مكانها في الأرض ، الحياة لم تكن عادلة ، ولم تستطيع أن تحظي لا بحب ولا رجل تستطيع أن تطمئن جواره !!!!

وماذا عنه … استعادت صورته وحضوره المهيب ، بكل عبثه الواضح وعينيه المغازلتين إلا أنه كقنبلة موقوته ستنفجر أمام وجهها في أي لحظة !!

تكرهينه وتصبحين قريبة منه

تخبريه بنفورك منه وتستأنسي قربه

تخشينه وتبكين أمامه

ما ذلك التناقض الذي فعلته وتقوم بفعله ، هي لا تصدق انهما اصبحا صديقين

مسمى غير حقيقي لعلاقتهما البعيدة كل البعد عن الصداقة ، هي تعلم انه يكذب وان ما يرغبه شئ أكبر من هذا … لكنها مندفعة ، غبية ، متهورة

زفرت بحنق وهي تنظر الى الطريق الطويل الذي لم ينتهي ، هل يجب عليه أن يجلبها الى اماكن بعيدة عن تواجدها ؟!!! ، بالله كيف يعرف كل تلك المطاعم واماكنهم ، هي بعمرها الذي وصل للعقد الثالث لم تعلم قط بأسماء تلك الأماكن … رن هاتفها لتزفر بحنق ، هل سيتذمر الان ويخبرها انها متأخرة … نظرت الى اسم المتصل عبر شاشة سيارتها  لتتجهم ملامحها للغضب

ها هو الآخر الذي يلاحقها ، بالله متى ستنتهي منه ذلك الغبي ، ردت علي الاتصال لتسمع نبرته المهددة بلفه ناعمة

– متفتكريش يا شادية انك تمنعيني اني اقرب منك في شغلك دي هيمنعني عنك

تهدجت أنفاسها وهي تضغط بأصابعها على المقود ، كم تود قتله ذلك الأحمق … صاحت بعدائية شديدة

– اعلي ما في خيلك اركبه يا معاذ ، انت مجرد ماضي وانتهى في حياتي

جلل صوت ضحكته المقيتة سيارتها ، ليقشعر جسدها نفورا وغضبا منه ، هل يراها ما زالت غبية كما السابق ؟! ، كادت ان تغلق الاتصال إلا أنه اناملها توقفت حينما همس بلهجة خشنة

– بس انا لسه عايزك

انحرفت سيارتها عن الطريق وكادت أن تفقد سيطرتها على السيارة وهي تتذكر تلك الجملة ، هي .. تلك الجملة في ليلة الشؤم الذي أزال بها قناعه اللطيف الناعم  ، يوم ان اكتشفت انه يسكنه وحش في داخله … شهقت بذعر وهي تضغط على الفرامل فجأة غير مكترثة لأصوات الزمور ولا السباب للسائقين خلفها ، ارتجف جسدها والماضي يحاول يبتلعها في دوامة بالكاد خرجت منه

اراحت رأسها علي مسند المقعد ملتقطة انفاسها بصعوبة ، تحاول تهدأ روحها المذعورة وجسدها المرتجف دون أدنى فائدة ، نظرها مشوش والأصوات في الخارج كطنين في رأسها

حاولت ترطيب حلقها وهي تهمس بصوت متحشرج

– تقدر تروح وتشوفلك حد غيري تقدر تخدعها بكلامك الناعم ووشك اللطيف ، لان انا خط أحمر

علا صوتها تدريجيا وهي تتخيله امامها ، بملامحه الاستقراطية ووجه الوسيم وملابسه المهندمة ، انفجر ضاحكا وصدي ضحكته كأصوات بعث الاشباح من قبورها

– شادية انتي متعرفيش انا ممكن اعمل ايه

قالها بنبرة عبثية ، وتهديده استفزها بدرجة ترفع جسدها الخامل علي مقعدها لتنفجر صارخة

– اعتبره تهديد ده يا معاذ

بهدوءه المستفز قال بنبرة ناعمة

– اعتبريه يا حبي زي ما انتي عايزة ، بس صدقيني انتي كل اللي فيكي مبهر بطريقة خلتني مشتاق ليكي بجنون

جزت علي اسنانها ، الحقير وتلميحاته القذرة ، كادت تنفجر صارخة في وجهه الا انها رأت انه اغلق الاتصال ، ضربت على المقود بعنف شديد صارخة

– حقيييير

دموعها تستفزها بالخروج ، لكنها أبت أن تبكي … لم يرى بعد شادية السويسري ذلك القذر يريد اللعب بقذارة معها ، ستريه ذلك الحقير هو وعائلته … شغلت محرك سيارتها منطلقة بسيارتها نحو موعدها مع الأيطالي ، هو الوحيد الذي بطريقة ما يستطيع أن ينسيها تلك المكالمة القذرة

اصطفت بسيارتها الحمراء أمام المطعم ، ترجلت من سيارتها وهي تغلق باب سيارتها لترفع رأسها وهي تنظر الى الواجهة المقهى الزجاجية المطلة علي النيل ، ابتسمت بهدوء و كعب حذائها السميك يدق علي الأرضية المصقولة ، دفعت الباب الزجاجي وهي تبحث بعينيها عنه … ارتسمت ابتسامة هادئة دون إرادة منها وهي تراه يراقبها بتلك الطريقة المتأنية في تفحصها وتفحص ثيابها !!!!

ما الفرق بينهما يا شادية ؟ كلاهما متشابهان

شئ داخلي يخبرها انه مختلف ، يكفي صراحة هذا الرجل بعكس الأول، عينيه صريحين لدرجة تعلم ما يدور في خلده .. تورد طفيف نتيجة تفحصه لها وهي تقف امامه بثبات شديد ، نظف حلقه وهو يضع جهازه اللوحي جانبا ليقول بنبرة عابسة

–  لقد تأخرتي

جلست علي المقعد المقابل وهي تقول بنبرة باردة

– انا اسفه  … رغبت الانفراد بنفسي لعدة دقائق

هل كل يوم يجب أن تزداد فتنة عن اليوم الآخر ؟! ، متى قررت الاستغناء عن سراويلها الفضفاضة التي تنورة طويلة تصل إلى ما قبل كعبيها ، يلف جسدها بطريقة بارعة لم يخفي روعة ساقيها الممشوقتين وفوقه بلوزة وردية شاحبة مع سترة سوداء تضعها علي ذراعها ، بقدر ما كان عمله السابق في الازياء وتصوير العارضات ومنتجات تجميلية ، لكن شعوره السابق هو افتتان لملامح العارضات الفاتنة لكن تلك السمراء الجذابة

لديها مقومات تمكنها من إطاحة الجميع ، بداية من نظرته التي تركزت علي ساقيها ثم خصرها الدقيق الذي ابرزه بلوزتها الوردية ، ناهيك عن بعض مكامنها الأنثوية التي اظهرتها .. جال ببصره نحو الجميع ، متسائلا ببعض الغيرة المندفعة ، هل يرى أحد تلك الفتنة المتحركة علي قدمين غيره ، وجد رجلا عيناه لم ترفع عليها لتحتد نظراته وهو يرمقه بنظرات مشتعلة جعل الاخر يجفل

نظراته العدائية والمتملكة حول الأنثى التي تجلس في مقابلته كان رسالة تحذير لأي ذكر يقترب منها وهي داخل جدران مملكته ، لم تنتبه تلك الغافلة عن حرب الأعين التي تدور حولها وهي تخرج متعلقاتها ثم تملي طلبها من النادل عن وجبتها الصباحية المتأخرة ، رفعت رأسها وهي تنظر الي عينيه الداكنتين ، عقدت حاجبيها بريبة وهي ترى ملامحه متحفزة على الانقضاض ، سألته ببعض الريبة

– هل حدث شئ ؟

عاد أنظاره نحو فتنته ليرسم ابتسامة ناعمة على شفتيه قائلا بلطف

– لا شئ

صمت غلفهمها ، هو يدرسها وهي تتحاشى بنظرها مراقبة الأجواء من حولها ، ارتشف سرمد من كوبه الحراري وهو يدرس تلك الأنثى الخجولة امامه ؟!

تخشى من نظراته ولو علمت بما يجيش في صدره لفرت هاربة ، في تلك اللحظة يود تقبيلها معلنا ملكيته الخاصة

لكن تلك الأشياء هنا يقطع بها الرقاب ، يود حاليا الحفاظ على رقبته ، رفع نظراته النارية نحو النادل الذي يبتسم بسماجة مقدما طبقها وعصير طازج ، لتتجمد ملامح النادل وهو يرى ذلك الأسد المتحفز على الانقضاض ليضع الأطباق ثم فر هاربا مما دفع ابتسامة ناعمة الي شفتيه

تنهد وهو يمرر يده على خصلات شعره ليغمغم وهو يراها تتناول قطعة الكرواسون .. متذكرا المجنونة شقيقتها وما تتناوله في الصباح من سندوتشات فلافل وفول ليخرج ضحكة خافتة منه قائلا

– أتعلمين ، أشكر الرب ان جيجي ليست معي لتناول الافطار ، حينما اخبرتها اني جائع دعتني لرجل يقف على عربة كبدة وكثيرون يلتفون حوله بطريقة مرعبة ، ظننت اننا سنظل لساعات حتى نصل أمام العربة لكن ما أن رأى الفتى شقيقتك حتى سارع فورا للعربة ثم عاد ومعه اطباق بها سندوتشات كثيرة .. للحق كنت مذعور جدا من كهنه الشئ الذي اتناوله لكنه لم يكن سئ للغاية

ودت شكره حقا انه بدأ يتجاذب معها حديثا ، لوهلة ظنت أنه سيظل يتفحصها رغم اتفاقهم المبدئي بعدم التلميح لشئ وقح والا لغت صداقتهم المزعومة

علي من تكذب هي لا تعلم ، ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها قائلة

– جيجي مفعمة بالقوة والطاقة ، وانا عكسها تماما

لم يعجبه نبرتها البائسة ، قاطعها قائلا بثقة

– لا اعتقد .. انتي تحتاجين لحافز فقط لتنطلقي

هزت رأسها بيأس وهي ترفع شوكتها لتمضع قطعة الكرواسون  لتهمس

– لا اريد سوى أن أكون في منزلي فقط

هز رأسه بيأس ليرفع جهازه اللوحي وقد قرر أن يريها بعض الصور التي التقطها خلال فترة مكوثه هنا ، رغم أن ذلك الفعل يحدث لأول مرة أمام امرأة .. رغم أن شقيقتها تعتبر زميلة عمله ، لكن عمله شئ خاص به فقط

لكن بعض الاستثناءات التي يقدمها لن يشكل فارقا ، مد جهازه اللوحي نحوها قائلا

– ألقي نظرة على تلك الصور

تركت شوكتها والسكينة جانبا وهي تنظر إليه بذهول ، ترددت للحظات وهي لا تصدق ما يقدمه لها ، هذا شئ خاص صحيح ؟!

مثله كمشروب اللبن بالقرفة ، توردت وجنتيها وهي تلتقط الجهاز اللوحي تنظر الى الصور وتقلبها ، بعض الصور تعلمها ولكن التقاطه للصور بزاويا مختلفة جعلها تنبهر ، سمعته يغمغم بنبرة خشنة

– مبهرة ، أليس كذلك

رفعت رأسها تعقد حاجبيها قائلة  باستفسار

– قصر من هذا ؟

وجهت له الجهاز اللوحي نحو أحدي القصور التي التقط لها صورا ، القصر فخم ، بل مهيب من الخارج ، به لمسة اوربية صارخة تحديدا التماثيل المنتشرة بكثرة مما اثار انتباها ، ليقول بهدوء وهو يمرر أنامله في لحيته الكثيفة

– هذه واحدة من أفخم القصور في العصر الخديوي ” قصر السكاكيني ” تم بناؤه في أواخر القرن السابع عشر كما اتذكر

رمشت أهدابها عدة مرات ، لتعود النظر للصور وهي تري المبني الاثري لم تراه سابقا ، او رأته لكنه لم يلفت انتباهها لكن عدسته خطف انتباهها لتقول بصراحة

– انه مبهر سرمد  … بصمتك للصور مبهرة ، يعجبني التعديلات والتأثيرات التي تضعها تجعلها .. فخمة

ابتسم وهو يرى انبهار الفاتنة بأعماله ، رغم ثقته واعتزازه بعمله إلا أن نبرة الاعجاب لعمله زاده فخرا فوق فخره ، شعر بصدمتها لتشير إلى الصورة قائلة

– هل تلك الصورة حقيقة ؟

هز رأسه موافقا

– نعم في الإسكندرية .. انه مقهي أثري في الاسكندرية اسمه اسفل الصورة

عقدت شادية حاجبيها ، كيف السطح زجاج ؟! هل هذا مبني قديم منهار وقرروا إقامة قهوة جاعلين السقف من زجاج ؟! غمغمت اسم المقهي بتعجب

– علي الهندي !!!

هز رأسه وهو يقول بنبرة مشاكسة

– أشكر خبيرة السياحة جيجي على هذا

قلبت الصور بافتتان وفضول شديد لتقف على صورة لأكواخ أمام شاطئ ، هل يوجد منتجع ايضا ؟!! … هل هي مغيبة لتلك الدرجة ؟!! لما لم تري تلك الأشياء قبلا ؟!! ، والديها كانوا متزمتين بشدة ولم يسمحوا لها بالكثير قائلين انهما يخشون عليها ، وحينما توفيت والدتها انعزلت عن الجميع ، ولا ترتاد سوي الأماكن المعتادة عليها … المدرسة ثم البيت والنادي ،وحينما نضجت ما زالت على روتينها الجامعة الى المنزل ثم النادي في عطلة الأسابيع .. غمغمت بفضول

– أين هذا ؟

نظر الى الصورة ثم أجابها قائلا

– في سيوة … اسم الجزيرة اسفل الصور لانني لا اجد الصعوبة في تهجئته

عادت تنظر إلى اسم المكان المدون اسفل الصورة لتقول

– جزيرة فطناس ، لا اعلم انهم اقاموا مخيم هناك

رفعت يدها عن جهازه ثم مدته له قائلة

– إذا أين رحلتك التالية ؟

ارتسمت ابتسامة عابثة علي شفتيه ، وهو يقول بنبرة ماكرة

– الرحلة التالية ان احببتي القدوم معي لأنها قررت أن أجعلها مفاجئة

نظرت اليه بامتعاض شديد لتقول

– حقا !! أشعر بالفضول

هز رأسه بنفي قائلا

– لن اخبرك ، اسف يا شادياااه .. لكن يستحسن أن تأتي ، سيفوتك الكثير

بل ما فاتها الكثير .. تهدجت انفاسها وهي تمرر أناملها على خصلات شعرها تطمئن من عقدة شعرها ، لتبتعد عن اجابته وهي تسأله

– ماذا ستفعل بعد ان تلتقط تلك الصور

استجاب لسؤالها وهو يعلم انها تتجاهل الرد على دعوته ليقول

– هناك من دفع لي الكثير من النقود لأروج للمنطقة العربية سياحيا ، محاولا انعاش الدخل الاقتصادي لبعض الدول .. وجعل السياح الأجانب ينجذبون للذهاب الى المناطق العربية بدلا من الذهاب لأوروبا ومنهم من يغامر ويأتي لدول في جنوب شرق آسيا وبعض الجزر المشهورة لقضاء شهر عسل أو عطلة

هزت رأسها ثم عقدت حاجبيها ، هل هو مصور عالمى للزفاف أم رحالة ؟! ، سألته من باب الفضول

– ما هي محطتك التالية ؟

ابتسم وهو يميل راسه ليقول

– من الصعب جدا اكتشاف مناطق سياحية في دولة عاشت لآلاف السنوات بها حضارة عريقة أن تنتهي رحلتي بتلك السرعة ، بعد تصويري لمصر .. سآخذ قسطا من الراحة حتي استطيع العودة لإيطاليا وزيارة عائلتي

رفعت كأس عصيرها و ارتشفته ، هل يغيب عن عائلته كثيرا ؟ ، عرفت انه رحالة ومحب للسفر وعدم بقائه في دولة للكثير من الوقت

هل هي التي استعصيت عليه ؟! .. مما جعلها مرغوبة لديه اكثر ، شحب وجهها تزامنا مع ما توصلت إليه ، لتسأله

– كم طال غيابك ؟

اطبق شفتيه وهو يشعر بالحرج ليمرر انامله علي خصلات شعره قائلا بصوت خفيض

– عامان

اتسعت عيناها جحوظا لتهمس بعدم تصديق

– تمزح

هل أفسد الأمر .. لكن لك يعتاد علي المجاملة ليقول

-للأسف

وضعت يدها علي ثغرها ثم قالت باستنكار شديد

– لكن هذا كثير سرمد ، كثير جدا ، لا استطيع ان ابتعد عن عائلتي مهما كان أهمية عملي.. لكن عامان ؟!!  ، ألا تشتاق لهم ؟

نبرتها الناعمة لاسمه

متى أصبح اسمه ناعما ، ومغريا هكذا ؟

بل منذ متي يكبح رغبته في عناقها حتى تزهق أنفاسهم ، تهدجت انفاسه واسودت عيناه قتامة ليجيبها بنبرة مثخنة بالعاطفة

– أموت شوقا يا شاديااه

تغاضت عن نبرته التي ارجفت بدنها وهي تدع عقلها يتخذ الدفة تلك المرة للتفكير ، رفقته لها مؤقتة كما أكد لها حدسها ، لكن لما تشعر بالضيق ، ضيق يعتريها أن تلك اللقاءات ستكون مؤقتة .. هو سيعود لموطنه ثم سيقابل اوربيات وينشغل في عمله ، وهي  رباااه ،هي لن تنساه

ذلك الرجل ستتذكره دائما وهو سينساها ، انقبض قلبها وضيق بدأ يعتريها حالما توصلت انها ستكون مجرد اسم فى لوحة انجازاته وافتخاره الذكورى ، لما تتشبث به إذا ؟!

انغلقت معالم وجهها المليح لتقول بجدية

– ما الموعد لتسلم لهم اعمالهم ؟

عقد حاجبيه وهو يستشعر تغيرا بها ، ليجيبها بصراحة

– غير محدد ، البلدان كثر يا شاديااه وانا ارسل بعض الصور وهذا ما يجعلهم مطمئنين انني لست كسولا بجانب اعمالي في روما ومجلات الأزياء

الهدوء انقشع وحله التوترثم الضيق

هذا ما استشعره من تغير الذبذبات من حولهما ، لا يعلم ماذا اخطأ وهو لا يتعمد الغموض فى حديثه ، استشعر صوتها الغامض

– عمل كثير

سألها بعينيه .. لكنها أشاحت بعينيها وبدى جسدها المسترخي متحفز للقيام ، غمغم بنبرة هادئة

-لكنه ممتع ، لقد سأمت من مجلات الأزياء والعارضات وتصوير المنتج لساعات طويلة ، قررت أن اذهب لأشياء تبهجني ووجدت تصوير الزفاف لمعارفي هو ما يجعلني سعيدا هي والطبيعة ، اشياء بسيطة لكنني وجدت راحتي فيهما

زفرت بحدة وهي تمسد صدغها ، يجب أن ألا تتعلق به … تعلق ؟!!

ماذا دهاك يا شادية ؟ هل انتى مجنونة لتكرار التجربة مرة اخرى ، رفعت رأسها تغمغم بفضول

– وعملك الأساسي؟

هز رأسه قائلا بهدوء ولا مبالاة شديدة

– هناك رجال تستطيع القيام بتلك الأشياء الفارغة ، لكن ما أن يستدعيني احدا بالاسم ألبي النداء ، وهذا يعني من اتعاقد معهم ثم ما ان ينتهي العقد لا افكر مرتين وانا ارفض الارتباط بهم ثانية

توقفت عن تمسيد صدغها لتقول بصدمة

– لكن هذا ، سيجعلك تخسر الكثير

ابتسم بمكر شديد قائلا

– بل يجعلني مرغوب أكثر

رن هاتفها وقد اتخذته وسيلة كفاية للقيام رغم عدم معرفتها بهوية المتصل ، ابتعدت عدة خطوات عنه كفيلة وهي ترد ليفاجئها صوت المتصل

– مش تقولي يا حبي انك مع حد تاني ، بدل ما ترفضيني ، تحبي اجيلك واخدك من قدام اللي قاعدة معاه ، ويبقي شكلك مش لطيف قدام اللي قاعدة معاه ، انا مش مصدق ان ذوقك انحدر بالطريقة دى

تخشب جسدها وشحب وجهها تدريجيا لتهمس بذعر

– معاذ !!

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *