روايات

رواية أترصد عشقك الفصل الثاني 2 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل الثاني 2 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك البارت الثاني

رواية أترصد عشقك الجزء الثاني

رواية أترصد عشقك الحلقة الثانية

لا تسأل شخصا لماذا هو دونا عن الباقي

لأنه ببساطة وجد ما يبحث عنه

أو أردك أن الحياة بدونه لا شيء

أما عنه فهو منذ أوعت جعلوه زوجها المستقبلي

لذا أودعت كل مشاعرها الأنثوية الرقيقة حتي تندمج مع مشاعر رجولته الأجشة .

رفرفت وجد بأهدابها الكثيفة تتأمل ملامح وجهها الفاتن ، ترى ما العيب بها حتى لا يستطيع أن يراها ؟!

هل هي شفافة لتلك الدرجة ؟! … تري لما التجاهل والقرب فى ان واحد ؟!

لما يدعي عدم الاكتراث رغم انها شعرت به يكاد يجن ويدك عنقها حينما علم بخطبتها التى فسختها بعد أن علمت أن خطيبها يهيم بـ إمرأة عشقا !!

ترى هل كل ذلك بدافع أنه يهتم بها فقط .. بسبب علاقة القرابة ؟!

انقبض قلبها واستحال وجهها للشحوب حينما أوصلت أفكارها إلى تلك المنطقة .. منطقة تعتبر كحائط سد لا يوجد أمامها سوي حائط شاهق ومن المستحيل أن تعود بأدراجها بعد ما وصلت إليه ، رغم أن ما وصلت إليه لا شيء فى الحقيقة لكنها تشعر أنها حققت انجازا بماذا ؟!

حنقه وضيقه ولا يريد أن ينفرد بها في مكان واحد وكل ذلك حدث حينما خطبت فقط ، لكنها في الحقيقة لا تعتبرها خطبة .. فالخطيب كان يراها صديقة وهي لم تشعر بالضيق بل ساعدته للوصول واستدراج خطيبته إلى حفل خطبتها لتصبح هي الخطيبة بديلة عنها !!!!

انحدرت دمعة لا تعلم متى سمحت لها بالمغادرة لتشد من عزيمتها و شكيمتها المهتزة لتخرج من غرفة نومها .. لأنها ربما ولو بقت لعدة دقائق ستصاب بالجنون بسببه !!

هبطت من الدرج اللولبي وهي تتجه نحو الحديقة لتبصر جدها .. فخر عائلة المالكي وأعظم رجل قابلته فى الحياة ، هو أباها الفعلي حينما توفي أباها .. هو الذي أشعرها أنه السند الذي ترتكز عليه إن خذلتها الحياة والحب !!

اغرورقت عيناها بالدموع وقد استفحل الألم في قلبها .. أغمضت جفنيها وهي تسحب هواء عميق لتزفره على مهل وأصابعها المضطربة تنقرها علي حقيبة يدها وكأنها آلة بيانو تعزف عليه بأصابعها لينساب لحن عذب أدي إلي استرخاء أعصابها المتشنجة وطردت أي شحنة سلبية لتستقبل جدها ووالدتها بأجمل ابتسامة جاهدت شفتيها لإظهارها .. فهي ابنة مرهفة كما يحسدها الجميع ، من عائلة عريقة ، لم تشعر باليتم وجدها الذي قضي حياته ليربيها حتي غدت انثي جميلة ومنع أي رجل للظهور في حياتها حتي يأتي ابن العم ويقرر تزويجها .. هذا إن قرر سيادته سخرت من نفسها وهي تميل بجسدها لتقبل خد  جدها الذي ترك صحيفته على طاولة الطعام واستقبل قبلتها بأروع ابتسامة

– صباح الخير جدو

قبل غالب جبين حفيدته الغالية ، الحفيدة الوحيدة التي تربت بين ذكرين .. غمغم بابتسامة ناعمة

– صباح النور يا قلب جدو

ابتسمت بامتنان دائما معتادة عليه حينما تصبح عليه كل صباح ، وكأنه يخبرها أنه ينتظرها ما إن يطمئن قلبه علي من سيحتفظ به داخل عينيه ومن غيره بالطبع؟!! ….. ابن عمها الذي يتفنن في تعذيبها نفسيا .

طبعت قبلة في الهواء لأمها التي ربتها طوال عمرها قائلة

– صباح الخير مماه

تعلم أنها تكره القبلات والعناق وما شابهه ، تراه غير مقبول وسلوك استفزازي شاعري .. ابتسمت جميلة بعذوبة وهي تضع كوب عصيرها على الطاولة لتقول

– اقعدى يا حبيبتي ، افطري

جلست بجوار جدها وهي تغترف منه حبا يغدقه دائما لها ، تمسكت بذراعه بقوة وهو تفهم رسالتها الخفية الطالبة للدعم ليربت على كتفها … عبس وجهها حينما رأت المقعد المقابل لها فارغا لتتساءل

– وسيم مجاش ولا ايه ؟

هزت جميلة رأسها نافية وقالت بحنق لم تقدر على أن يتخلى نبرتها المنخفضة دائما

– وسيم فى فيلا الكومباوند قال هيجي على وقت الغدا ، انا مش عارفة ايه الفضايح اللي تلاحقنا فى كل حتة من ناحية انتى ومن ناحية تانية هو

عضت وجد على شفتيها تمنع ضحكة وهي تتذكر امس ماذا حدث لوسيم ابن عمها ، فبالنهاية هو يستحقها والفتاة التى تحدثت معه بجرأة يبدو أنها وقعت في حب رجل مشابه لوسيم أو وسيم هو نفسه !!!

حتى الان تتذكر تلك الحرقة في صوتها .. ضحكتها الساخرة النابعة من ألم عميق داخلي تعلمه جيدا فهي أصبحت خبيرة جدا أن تضحك في وجه من يؤذيها .. تشعر أن هناك بينهما رابط خفي ألا وهو حب من طرف واحد ، لم تقدر على كبح ابتسامتها التي زينت وجهها لتهمس بحرج

– مماه

وكأن الابتسامة جعلت جميلة تزيد من تقريعها الذي لن ينتهي

– وانتي فيه بنت عاقلة تخلى خطيبها يتجوز غيرها ، لا وانتى اللى بتسلميها ليه .. الناس فى النادى أكلت وشى

اضمحلت ابتسامتها وما تبقي فقط جسد ساكن وملامح غادرت صاحبتها لتبقي كما لو أنها امرأة فقدت ما تملكه في حياتها ، بكل عملية استقامت من المقعد وهي تعلم لو بقت لدقيقة لاستمرت في تقريعها عن كونها

كيف تترك خطيبها الكابتن الطيار .. بل كيف بغبائها تفسد العمل بين عائلتها وعائلة السويسري رغم علاقة الصداقة التي تربطهما وحينما قررا دمج العمل بصورة زواج أفسدته بغبائها كما تقول والدتها ، غبية حينما قررت عدم التشبث برجل ملك لأمرأة أخرى .. غبية لانهم جعلوها تقع في حب ابن عمها بل لم يحاولوا منعها وزجرها أن الطائر الحر لن يقع في عش الزواج .

بملامح وكأنها ملامح انثى ميتة ، مقلتيها تتشبث في عيني الجد تهمس له باستنجاء

– جدو .. كلمها من فضلك انا رايحة الشغل

شيعها غالب حتي غابت عن أنظاره والتفت بعينيه نحو ابنته ليغمغم بقسوة

– جميلة مكنش فيه داعي نرجع للماضى ، الموضوع اتقفل

ابتسمت جميلة بألم ، وماذا يواجه والدها من كلام الناس الذي لا ينتهي ، النساء ينهشن في لحمها ولحم ابنتها حية ومع ذلك يرسمن ابتسامة خبيثة ماكرة وحينما يملئون بطونهم الجائعة يرتسم الحزن على محياهن وينتهدن بحزن ثم يغادرن ليلقين على مسامع باقي نساء النادي الأخبار مع بهارات إضافية .. تنهدت زافرة بحدة وهي تمتم

– متقفلش .. مش انا اللى بواجه كلام الناس .. كتر خيره لؤى سند عيلتنا بجد

تجمدت ملامح الجد وهو يعود لالتقاط صحيفته .. يبحث عبثا عن أي أخبار تلفت انتباه بعيدا عن التفكير بحفيده البكر البعيد عن أرض الوطن وهو يوسع أعمال العائلة في الخارج .. لكن هناك شيء خاطئ في حفيده .. لا يعلم حتى الآن ما هو .. ولكن سيعلم آجلا أم عاجلا ويتمنى أن لا يحدث كارثة تزعزع من رابطة أسرته الذي جاهد بكل شيء وفعل كل شيء حتى يحافظ على أسرته تحت جناحه .. همس بنبرة ساخرة

– سند فعلا

عبست ملامح جميلة وهي تسمع همهمات غير مفهومة من والدها لتهمس بتساؤل

– بتقول حاجه يا بباه ؟

هز غالب رأسه نافيا

– كلى يا جميلة .. كلى

عاد غالب النظر لصحيفته مرة أخرى ،كوسيلة لجعل الذي أمامه يتوقف عن التحدث .. يعيد أوراقه ويراجعها مرة أخرى.. وسيم الذي يبتعد عن قصر العائلة ويتحجج بالعيش في منزل والديه المسافرين بالخارج للعمل يتذكر وقتها كان وسيم بالعاشرة كان والده قرر السفر للتدريس بالخارج لكنه رفض بإصرار عنيد مقررا منع إقلاع الغرسة التي نبتت في أرضه لتغرس في بلاد الغرب كوالدته الاجنبية ، ثم وجد صغيرته الناعمة التي  يحفظ جميع خلجاتها وما تخفيه فهو الذي رباها علي يده.. لو فقط طاوعه لؤي علي زواج ابنة عمه ، حتى لا يفقد صغيرته .. هز رأسه يائسا لاعنا لؤي من صلابة رأسه الشبيهة له.

****

حينما انهت رهف محاضراتها بكل هدوء سحبت كتبها وهي تخرج من قاعة المحاضرات ، عيناها تنظر بارتياب إذا علم أحد بهويتها .. أو عاد ينبش في ماضيها الذي تحاول جاهدة أن تتخلص منه.

الأمر شاق عليها بل مؤلم للغاية ، وقاص شقيقها يظن أنها تتدلل .. لكن في كل ركن من أركان الجامعة تتذكر

صديقتها نادية التي قتلت أمام عينيها بأبشع الطرق كانت ستقتل تلك الليلة لولا أن أخيها نضال قام بإنقاذها في آخر ثانية لربما لحقتها.. شعرت بالاختناق

وكأن هناك مئة أيد ملتفة حول عنقها  ليزهقوا روحها .. الدموع شوش بصرها عن الرؤية  ، مسحت دموعها باناملها وهي تطرق برأسها خشية أن ترى عيون الناس

..

ما زال هناك شعور يراودها بأن الجميع يراقبها .. بأنهم يرونها مذنبة في حق نفسها.. يظنونها مجنونة كونها خرجت من مصحة إدمانية ونفسية .. هي حقا لن يتبقى لها سوى رماد  .. رماد بعد الحريق الذي شب واندلع لتسقط ميتة … ميتة بلا شعور ،

حتى جاء نزار

وعلى ذكر اسمه ارتسمت ابتسامة ناعمة على شفتيها ، وبدأ قلبها  يدق بعنف وكأنه الشيء الوحيد الذي يدفعها لاستمرار حياتها البائسة .. تتذكر تفاصيل ملامحه الوسيمة .. طوله الفاره ، وعضلات ذراعيه القويتين وهو يحضر الطعام للزبائن ، حزمه وصرامته بل قسوته ايضا حينما عملت معه سابقا قبل أن تعود لدراستها التي انقطعت لعامان ، عينيه الراكدة اللتين تلمعان بوهج يسرق انفاسها ويتركها مقطوعة الأنفاس حينما يخصها بنظرة أو بكلمة ، ثم لهجته الشامية الخاصة ، ياويلها من نبرات صوته الاجشة حينما يتحدث معها بعاطفية تجعل مشاعرها تميل له بل ترتوي منه حتى تزهر انوثتها على يديه.

يراها أميرة وهي تراه الرجل الوحيد الذي جعل قلبها العتيد يمل له  ، كانت تعلم أن أنوثتها جائعة لاهتمام رجل .. رجل يرمم حطامها حتى تغدو انثى طبيعية تسعى قدما للحياة وتستقبلها فاردة كلتا ذراعيها قائلة لها ” أنــا أعيــش” .

لكن سرعان ما طفقت ذكريات لا تنسى ، عويل وصراخ نادية ما زال يرن أذنيها وهي مكبلة بحبال متينة تبكي بقهرعلى ضعفها وقلة حيلتها وحينما حاولت الثوران تفاجئت بصفعة من شخص ألقاها أرضا .. تشنج جسدها حينما بدأ العالم يدور من حولها وأصبحت تنظر بجنون في أعين الجميع ، كانت على وشك التعرض لنوبة بكاء حاد إلا أن صوت أجش منعها من السقوط في ذلك الدرك

-صباااح الهنا والحب لعيونك الحلوووين

مسحت دموعها وهي تلتفت اليه ، جاهدت لتبتسم في وجهه وهي تنظر الى ملامح وجهه الوسيمة ، همست بتساؤل

-صباح النور ، نزار انت بتعمل ايه هنا

هز نزار رأسه وهو يقترب منها ، آلمه قلبه من رؤية الحزن في عينيها ، هو لا يعلم عن ماضيها الكثير لكن هو صبور معها حتى يجعلها تضع ثقتها الكاملة به لتحكي عما يجيش بصدرها ، غمغم بنبرة دافئة وعيناه تتأمل كل تفصيلة في وجهها

-متل كل يوم اجيت شوف هالوش الحلو

احتقنت وجنتيها تحت وطء نظراته الجريئة رغم انها تعلم نزار لفت الانظار من قبل الفتيات ، انعقد لسانها وبدأ جسدها يرتجف من نظراته الحميمية لتوبخه بنبرة هامسة

-نزار..انت اللي بتعمله ده هياثر على سمعتي في الكلية

جز نزار علي اسنانه ، لوتعلم فقط تلك الهشة الحلوة صاحبة العينين الزرقاوين ما تثير به من مشاعر تملك عنيفة وعاطفة خشنة يكنه بداخله .. اقترب مائلا بوجهه نحوها ليهمس بحرارة

-يابنت الناس وافقي تتزوجيني

اجفلت حينما احست بزفيره الحار ويداه التي يقبضها على كفيه بسيطرة بالغة ، تلعثما قائلة وهي تتحاشى النظر الي عينيه

-انا …انا مقدرش لسه عندي سنة دراسية اخلصها …وقاص مش هيرحمني لو عرف اني هكسل على آخر سنتين

أميرته تتحجج .. أميرته اصبحت تتدلل عليه دلال مهلك لعقله ومميت لقلبه .. كظم غضبه من شقيقها الذي تركه عند مساعدة قائلا “إن كنت تحبها فأبذل كامل طاقتك لتجعلها زوجتك ” ، وها هو يقوم

بأقصى جهده .. يستميل قلبها الذي يميل اليه بضعف يشعل فؤاده ويجعله يود .. يود عناقها حتى تختنق أنفاسها

استغفر سريعا وهو يحوقل ليتمتم بمهادنة

-خلينا ننخطب والله بعينيبستناك لحتى تخلصي

هزت رأسها نافية عدة مرات

وهي تنظر الى يديها المتشابكتين

-مقدرش..اسفة..نزار بلغتك رفضي قبل كدا

همت بأن تبتعد عنه الا انه جذبها اليه بخشونة ورفع ذقنها لينظر الى عينيها المؤلمتين لقلبه ، هي الوحيدة التي تؤذيه وتطيب جراحه

تقتله وتحييه في آن واحد

استحكم الغضب به حتي اسودت عيناه قتامة وهو يصيح بحدة

-طيب ليش يارهف قليلي شو هو السبب

شحب وجهها وظهر الذعر في عينيها ، تنفست لعدة مرات وهي تحاول ان تظهر شجاعتها وصلابتها أمامه

-عشاان …عشان عيلتك عيلتك مش هتتقبلني …مش هتتقبلني يانزار لحد دلوقتي محدش بيرحمني

ختمت آخر جملتها بألم مس قلبه الذي انتفض بهلع لرؤية دموعها الماسية تبلل وجنتيها النضرتين ..

تهوره ازداد لحد الجنون

وهو معها يتخلى عن ثوب الحزم والصرامة

يتجرد عن كل شيء قد يمنعه عنها

اقترب منها بهلع وهو يحاول كبح يديه عن مسح دموعها ، غمغم بقلق

-طيب قليلي شو فيكي ، فضفضيلي يارهف

زاد بكاءها وزاد عذابه هو الاخر ، هزت رأسها نافية وهي تحاول ألا تضعف أمامه أكثر كي لا ترتمي في البكاء بين ذراعيه ، ستبكي بين أحضان شقيقها وحاميها ثم ستتحدث مع زوجة شقيقها فريال

لتقتبس منها بعض من الصبر ، أكثر ما يؤلمها انها تؤلم قلبه .. هو لا يستحق منها أن تقابل عطفه وحبه بالأذى دائما ، تريد ان تبتعد عنه لكنها لا تريد أن تتركه ؟!!

غمغمت بنبرة مختنقة

-مش هقدر …عن اذنك

بلغ الصبر عنده منتهاه

ليعيد جذبها اليه مرة اخرى واقترب منها يهمس بحدة

-اذا ماقلتيلي ليش عم ترفضيني والله ليجي يوم وقدام امة لا اله الا الله لبوسك واحضنك

اتسعت عيناها برعب للحظة ثم طفق حمرة الخجل تغزو وجنتيها وعينيها تنظر الي عينيه تنتظره أن يقول انه يمزح أو أي شيء

يدل علي مزاحه الجريء ، غير معقول أن يكون جديا لتلك الدرجة

ابتسامة خجولة زينت شفتيها لا تعلم كيف تبتسم  أمام ذلك الوقح ، همست بنبرة خفيضة

-وقح

اذا كانت هي مصدومة من ما قاله فهو يظن أن تحول لرجل عابث بلا أخلاق ، يا ويله إن سمعت والدته يتحدث بكل جراءة إلى امرأة بتلك الدرجة ، لكن قلبه ليس عليه بسلطان .. يخشى اقتحام تلك المستفزة جيهان الي حديثهما الآن ، تلك المستفزة أخذت تساومه على أشياء كثيرة حتى

يقدر أن يختلي برهف لبعض الوقت قبل أن تعيدها إلي منزلها ..

صاح بحرارة شديدة وهو يميل برأسه إليها

-وافقي يابنت الناس…انا مجنون ووالله العظيم بعملها

سؤالها كان أشد سؤال غبي

قد تفوهت به في حياتها أمامه

-يعني وسط الناس هتحضني وتبوسني

لمعت عينيه الراكدة ، واللون الأخضر يعصف بدون هوادة في قلبها ليهمس بنبرة جذابة

-لك احمديه لربك اني بس بدي بوسك من خدودك ، الا لو تفكيرك راح لبعيد

ختم جملته ببعض المكر

الذي جعل وجهها اصبح كثمرة طماطم ناضجة ، تمتمت بنزق وهي تبتعد عن عينيه الجريئتين التي تتأمل قدها

-قليل الادب

استمعت إلى نبرة جيهان الساخرة التي جاءت علي آخر جملة منه

-قليل الادب فعلا مترباش ابن الحاج عايشة

ظهر الغضب في عيني نزار واختفي من علي وجهه ملامح العاطفة ليقول بنزق

-جيهااان …شو عم تعملي هون

رفعت حاجبها الأيمن وقالت بوقاحة شديدة

-بعمل ايه ياعنيا …بجيب البنت لاحسن تتحرش بيها .. اسفه انت فعلا بتتحرش بيها

زم شفتيه بعبوس شديد ، لايعلم لما رهف تكون صديقة تلك المشاكسة بل هناك علاقة بين كلا العائلتين  .. الا يكفي انه يتحمل جيهان فقط بسبب كونه شريك شادية في مؤسستها لمنظمات الافراح ، قال بحدة طفيفة

-انا مو قلتلك تستنيني ربع ساعة

اقتربت منه وقالت ببرود غير عابئة بنظراته المشتعلة

-استنيتك اكتر من 17 دقيقة خليك فاكر لو قربت منها هبلغ الحاجة عايشة الطيبة تشوف ابنها المنحرف

غمغم بنبرة خفيضة مليئة بالوعيد

-ضبي لسانك جوا حلقك

ياجيهان ..وصدقيني لو شي وصل لامي رح خليكي تحلمي تشوفيها

هل يهددها ؟! هل يهددها ويمنع عنها رؤية والدته ، المرأة ذات الوجه البشوش ، المرأة التي كلما ذهبت إليها تذهلها باروع الاكلات والوجبات الدسمة تجعلها تقضي ساعات اضافية في النادي الرياضي للتخلص من الوزن الزائد ، صاحت بلا مبالاة وهي تشيح بيدها

-تمام شيف عشان بس انت عارف ان انا بحب حاجة عايشة ازاى  ، على العموم خف على البنت مش قدك ياابن

الشامي

بدي التجهم يغزو ملامح وجهه الوسيمة ، لتبتسم في وجهه بنعومة وهي تهمس بنبرة ذات اهتمام لأول مرة يسمعه

نزار منها

-اصبر..الصبر حلو ،رهف تحت حمايتي…اخوها مش هيرحمك لو عرف

سحبت ذراع رهف وهي تراقص حاجبيها بشقاوة نحو نزار الذي يكاد ينفجر غضبا

-يلا يا بيبي ورانا حفلة تجمع بنات

مرر نزار أنامله على خصلات شعره ، إلى متى سيصبر  .. إلى متى ؟ .. سيجن حتما إن لم تصبح تلك الأميرة زوجته الليلة قبل الغد .. زفر بحرارة شديد وهو يتحلي بالصبر قبل يشيع بعينيه نحو الفتاتين حتى غابا عن أنظاره .. وداخله يتردد سيهجم عليها .. سيستمر بالهجوم حتي ترضخ وترفع راية البيضاء قبل أن يتسلم هو حصونها و يغزوها بكل بطء .

سارت رهف بجوار جيهان لتغمغم بارتباك شديد

– تفتكري هيعملها ؟

ردت جيهان بجراءة

– يبوسك ؟!! أكيد هيعملها

انفجرت بعدها ضاحكة لتلكزها رهف وعلى وجهها أمارات الغضب لتصيح موبخة

– وقحة

لكن داخلها سعيد بل يرقص فرحا بما يحدث ، دعت الله من قلبها أن لا يحدث شيء يعكر من صفو علاقتهما .. فهي بالكاد تقف فكيف ستقدر على خوض الحرب مرة اخري بعد ان خرجت منه ناكسة رأسها للاسفل !!

****

تدلك جبينها المتيبس وهي واقفة أمام قاعة التي من المفترض نالت اعجاب العروس لكن يبدو أن للحماة أحبت أن تنكد علي حياة العروس الصغيرة ، لوت شفتيها بنزق وهي تراها تقف كتكوت صغير أمام ديكان كل شخص منهما يحاول أن يجعل رأيه فوق كلام الجميع ، حتي فوق العروس .. تأففت شادية شفتيها بنزق وهي تبصر جسد عاصي الضخم الذي يقف على مقربة منها.. واقفا كعمود لمدة خمس عشر دقائق لم يصدر منه تملل أو نزق وكأنه أفصل مشاعره بعيدة عن جسده وهي تشعر أنها ستنهار لو استمرت واقفة علي قدميها ..

حينما تلاقت أعينهما لم تشيح بعينيها عن عينيه كجبانة أو لصة تسترق النظرات كما ترى عاملات الفندق اللاتي  تنظرن نحوه بوله و زفرات حارة يكدن يخرجونها من أفواههن .. ابتسامة ساخرة زينت وجهها ليقابلها بايماءة من رأسه وهو ينظر نحو امرأة جميلة كانت تتابعه منذ مجيئه وقرر التعطف عليها بنظرة لتأتي المرأة تعطيه ما هو أكبر وأكثر متعة !!

تقسم أنها رأت المرأة تستدرجه لغرفتها .. اللعنة علي قلة حيائها ..وذلك اللعين لم يبتسم في وجهها بسماجة ؟!!

غير معقول أنه لم يفسر نظرات تلك الفاسقة اللعينة .. لم تعلم أن ملامح وجهها كانت غاضبة مشتعلة تكاد تخرج لهيبا من عينيها، وحينما أمسكها عاصي بملامحها الغاضبة ابتسم راضيا نحوها وهو يخصها بنظرة لم تحاول حتى أن تفسرها ليعيد نظره للأمام بملامح قد من حجر والمرأة بكل وسيلة تحاول لفت انتباهه إلا انه لم يعيرها أدنى نظرة لتغادر المرأة يائسة في نهاية الأمر…. وأكثر ما أذهلها حينما غادرت أختصها بغمزة ماكرة خاصة بها جعل شيء بداخلها يتحرك ، زمت شفتيها وهي تشيح بوجهها عنه …

أي مشاعر أنثوية راودتها وأدتها سريعا، فهي بنهاية الأمر انثى تتأثر رغما عنها برجل مثله بهيبته وملامح وجهه الصارمة .. مشاعر أنثوية عادية ستغادرها ما إن يبتعد وتعود هي لقوقعتها .. لكن ما السبيل لجعله  يبتعد هو تحديدا ؟!!

نظرت إلى ساعة معصمها وهي تري ما زال الديكان لم ينتهيا من اثبات ملكية ليست بملكيتهم ، الصداع بدأ يتأكل دماغها لتتوجه نحو العروس وهي تسحبها بكل حزم وقلة لباقة تعلم … لكن صبرها بلغ منتهاه .. تري القلق والهلع المرتسم علي ملامحها الناعمة، غمغمت بهدوء

– انسه صافى انا مش عايزة أقولك إن لو والدتك وحماتك هيدخلوا فى تفاصيل فرحك هيحصل ايه

زفرت صافي بحرارة وهي تري صراع والدتها وحماتها ولا تعلم متى ستنتهي تلك الحرب بينهما ، عضت على شفتيها وقد ندمت على جلب حماتها وهي تحاول أن تشاركها في مراسم الزواج لرأب الصدع بينهما ، لكن يبدو أن حماتها ستظل هكذا حتي يهديها الله ، تشكر شادية كثيرا انها سحبتها بعيدا عنهما لتهمس بتعب

– مش عارفة يا شادية بجد تعبت .. بحاول اسعدهم هما الاتنين

لم يكن جديدا لشادية أن ترى شجارات ومشاحنات بين أهل العريس والعروس ، عملها كمنظمة العرس أكسبها صفات كثيرة أهمها الصبر وثانيا وهو الجمود والعملية وعدم إشراك العواطف داخل عملها كي لا يفسد .. يكفي حينما ورطت عواطفها ليجعلها تخسر الكثير منذ أن تطلقت ، بملامح جامدة ونبرة عملية قالت

– أول قاعدة لما تيجي لمصممة افراح ، ابدا .. ابدا ما تجيبي ماما وحماتك

هزت صافي رأسها والحزن يغمرها ، لم ينتبها عليها حتى الآن وما زال يتشاجران .. ووالدتها تحملت ما يكفي من سلاطة لسانها لتنفجر في وجهها غير عابئة بالعاملين في الفندق ، تنهدت شادية وهي تشد بقامتها لتتابع بهدوء وهي تضع يدها علي كتف صافي المنكسة برأسه

– تانى قاعدة .. يوم فرحك يومك انتى مش يومهم ، كل واحدة فيهم عملت يوم فرحها على حسب ما تخيلته .. يجي يومك وتمشيه على مزاجهم .. هل هتكونى سعيدة يا صافى؟

– لأ .. للاسف

اختنق صوت صافي لترفع رأسها وتواجه تلك المرأة صاحبة ملامح سمراء ناعمة بل حينما تراها تقول انها ليست امراة قادرة على قيادة عمل وخصوصا رجال لكن وللعجب حينما رأتها أول مرة في قاعة لفرح صديقتها بدأت كوحش يكاد ينقض على من سيفسد عملها .. تقف لهم بالمرصاد .. كناظرة تمسك عصا التأديب إن رأت تلميذ مشاغب !!

هزت شادية رأسها وقالت بنعومة حتي تهدأ من مشاعر العروس

– تالت قاعدة .. تاخديهم هما الاتنين فى كافية وتقوليلهم يوم فرحك هتعمليه زي ما انت خططتيله .. لأنه يومك انتي

ابتسمت صافي وكأن شادية مدتها بثوب العزيمة لتهمس

– هعمل كدا يا شادية .. بجد انتى ملاكى

حركت بقدميها ناحية والدتها وحماتها إلا انها عادت وقالت بنبرة منخفضة

– بكرا هكلمك .. نضبط التفاصيل

هزت شادية رأسها بتفهم وهي تنظر نحو الديكان اللذان وللعجب لم يتراجع أحد منهما مقدار انشا لتقول

– وانا فى الانتظار

وضعت شادية نظارتها القاتمة على عينيها لـ تلتفت مغادرة لكن ما خشب جسدها وجود منافستها في المجال تتجه نحو السيدتين التي علي اثرها صمتا … جحظت عيناها حينما رحبت بها حماة صافي المستقبلية لتتوجه فورا نحوهما قائلة بنبرة جاهدت أن تجعلها عادية

– ايه دا .. انتي بتعملي ايه هنا

رفرفت نانسي وهي تلعب بخصلاتها الحمراء لتنظر نحو غريمتها لتقول بنبرة ناعمة

– شادية .. صدفنا كتير مش كده ولا ايه

ارتسمت ابتسامة صفراء على شفتي شادية وهي تقسم أنها ستنزع خصلات شعر تلك الحرباء الخبيثة ، ألا يكفي انها تلتصق بها تلك العلكة منذ المدرسة حتى الثانوية .. كانتا منافستين في الدراسة بل العمل ايضا ، حينما تطلقت من الحقير معاذ وبدأت في إنشاء مؤسسة لتنظيم الزواج حتى عادت العلكة لتنافسها ، مالت شادية برأسها لتهمس بحدة

– بتعملى ايه يا نانسي هنا .. الارض ارضي

هزت نانسي رأسها بلا مبالاة وداخلها يخفي حقدا ، لطالما كانت تلك السمراء مميزة في كل شيء .. لفتت إعجاب المعلمين بذكائها ثم في الجامعة كانت كفراشة ناعمة تسير في أروقة الجامعات حتي الشبان لم يقدرن سوي أن يعاملنها بلطف وكل لباقة رجل وكأنها أميرة .. بل حينما خطبت من رجل أعمال بلغ منها الحقد لمنتهاه وحينما سمعت بالطلاق لم تصدق ما حدث ليفسخ رجلا عقد قرانه من امرأة أحلام أي رجل كما سمعت شاب في الجامعة ، ربما لانها لفتت انتباه الجميع وقتها بحجابها الذي كان يزين رأسها لكن حتما لا تعلم ماذا حدث ليبدل تلك المرأة قبل ارتباطها بذلك الرجل لـ 180 درجة ، لكن لا يهم فهي أصبحت عادية بعد خلعها للحجاب بل وأقل من عادية .. هي أمامها أكثر جمالا ببشرتها البيضاء وخصلات شعرها الحمراء بل وجسدها أكثر أنثوية من التي أمامها بجسد مراهقة … ابتسمت ببرود وقالت بنبرة ناعمة تحافظ عليها أمام زبونتها

– والزبون زبونى .. معايا ميعاد هنا لعميلة

ابتسمت حماة صافي وهي تتنهد براحة قائلة

– نانسي .. كويس انك جيتي عشان انا تعبت بجد منهم

ابتسمت نانسي ابتسامة رائعة أنثوية أشعل شادية لتزم شفتيها وهي تضم قبضة يديها بقوة حتي لا تقوم بصفعها تلك الوقحة التي تجرأت وخطفت عميلة منها ، تعلم نانسي جيدا لا تلعب بشرف والدليل أنها الآن بكل بجاحة تسرق زبائنها تتحداها على التفوه بكلمة !!

رفعت نانسي ترسل نظرات متحدية نحو شادية التي تكاد تفقد أعصابها من الغضب والحنق لتهمس نانسي ببرودة أعصاب

– شوفتي .. عن اذنك بقي ورايا شغل

وجهت نظرها نحو صافي التي يبدو عليها الذهول هي الاخري من حماتها المستقبلية ، تستطيع شادية التنبؤ من الان أن الفرح لن يكتمل ، الغضب يكاد يفقد أعصابها لتقول بنبرة حادة نحو صافي

– اقدر افهم ايه اللي بيحصل هنا

بكل قلة تهذيب وذوق صفعتها الحماة بوقاحة

– شادية منكرش انك شاطرة فى شغلك لكن شغلك كلاسيكي وده عكس مخيلتى

رفعت شادية حاجبها وهي تهمس باستنكار

– افندم ؟؟!!

اقتربت المرأة من نانسي لتتعلق بها نانسي بكل نعومة وهي تبتسم بشماتة لتسمع رد المرأة

– نانسي شوفت شغلها فى open air .. حتى على الكروز وفيها لمسات حديثة وده اللي عايزاه فى فرح ابنى

لثواني رمقت نانسي من خلف نظارتها وهي تهز رأسها لتمسك بدفترها الخاص وهي تضعه في حقيبتها قائلة نحو صافي

– وقت ما توصلى لقرار يا انسه صافى بلغيني

غادرت القاعة بخطوات هادئة .. متريثة حتى غابت عن أنظارهم ، أما خارج القاعة كانت تدق بكعب حذائها على الأرضية المصقولة تخرج من الفندق ومن الخلف استمعت الى صوت عاصي يلحق خطواتها المهرولة وهو يتعجب كيف تهرول دون أن تشتكي قدميها من حذائها أو يعوقها عن الحركة بحرية ؟! لطالما قابل نساء لا يكدن يتحركن خطوتين بحذاء الكعب حتي يسقطن علي وجوههن أو يتعرضن لمواقف عنيفة قليلا ، قال بهدوء وهو يرى الطاقة السلبية تشع من جسدها

– هدى نفسك .. مش مستاهلة العصبية دي

التفتت شادية نحوه علي حين غرة وهي لا تجده سواه المتنفس أمامه ، صاحت بعلو صوتها وهما أمام بوابة الفندق

– ابعد من وشى دلوقتى عفاريت الدنيا بتتنطط فى وشى

كز عاصي علي أسنانه بغيظ شديد ، كم يكره حينما تفقد أعصابها لتصرخ هادرة في وجهه دائما لأنه سعيد الحظ الذي يمتص جميع طاقتها السلبية لكن هذا يؤجج غضبه .. وجانب شرير من داخله يجعله يود كسر عظامها اللينة حتي تخرس وتتعلم ألا ترفع صوتها عليه .. تفاجئ حينما ألقت في وجهه حقيبتها ليتلقاها وهو يقول تحت أسنانه بنبرة غاضبة

– شادية

حتى هو يريد أن يغضب والله لن يحدث همت بالشجار في وجهه إلا إنها لا تعلم متى أصبح أمام وجهها يميل برأسه حتى شعرت بلفحة حارة تخرج من شفتيه وهو يكاد يتحكم في أعصابه .. ارتجف جسدها حينما شعرت بكتلة عضلات تلف جسدها لتعود خطوة واحدة بلا إرادة من جسدها بل عقلها وهو يبتعد عن الخطر المحقق أمامه

همس عاصي بنبرة دافئة وللعنة مشاعرها الأنثوية تريد الاستيقاظ له

– متسمحيش لحد انه ياثر عليكي أو على شغلك ، خليكي واثقة دايما من نفسك.. العصبية عمرها ما بتيجي بفايدة

حمدت ربها أنها تنظر إليه خلف نظارتها القاتمة لا تعلم ماذا سيحدث إليها لو رآها أمامه معراة الروح ، لثواني تنظر إليه دون حركة واحدة لكن لا تعلم هل هي ضعيفة لتلك الدرجة لتتأثر به ؟! … هل هي علامات لعدم اختلاطها بالرجال لفترة من الوقت ؟! أشاحت بعينيها بعيدة عنه لتهمس بنبرة متهزة

– رجعنى للمكتب دلوقتي

– اتفضلي

لم تمهله لحظة وهي تخرج من الفندق لتتوجه خارجا ، هز رأسه يائسا وهو لا يصدق أن تلك المرأة التي كانت بالداخل امرأة متزنة أمام النساء بالداخل ، اشتعلت بالغضب حينما رأته ينظر لامرأة غيرها ، بل حافظت علي برودها حينما شعر بخطر من وجود امرأة ذات خصلات شعر حمراء تتقدم نحوهم .. يعلمها جيدا لطالما رأى حروب باردة تقوم بين المرأتين لكنه لم يهتم كثيرا ، لكن يبدو تلك المرأة ذو الخصلات الحمراء تريد تدمير تلك السمراء الغاضبة.

ما إن صعدت شادية السيارة حتى تصاعد رنين هاتفها ، انسلت الهاتف من حقيبتها لتصيح بنفاذ صبر إلى مساعدتها

– ياريت تجيبي كل الخير يا نجوى

أجلت نجوى حلقها وهي لا تعلم كيف تبلغها بالمصيبة التي حدثت ، وما جعلها تشعر بالتراجع نبرة شادية الغاضبة ، حفزت نفسها للتشجيع حتى تقر بسرعة كي لا يخذلها لسانها

– شادية امسكى اعصابك ، الأمير فسخ العقد بتاعه وقرر يروح لمنظمة تانية

أرخت شادية رأسها على المقعد لتغمض جفنيها وهي تهمس بسخرية

– والمنظمة التانية دي تبقى نانسي مش كدا؟

استمعت الي نبرة نجوي التي أكدت حديثها

– للاسف .. لكن فيه خبر حلو … من اخباري عرفت نانسي خسرت زبون مهم جدا .. وقدرت اديله الكارت بتاعنا

الصداع يكاد يفتك رأسها ، مسدت جبينها بإرهاق شديد وهي تبحث بيدها في الحقيبة عن أقراص الصداع .. وضعت البرشام في فمها وحينما همت بالبحث عن قنينة مياه وجدت عاصي يقدم يده بزجاجة مياه … لم تنظر له ولم تشكره ولكنها اخذته منه لتتجرع الماء وتنتظر حتى يبدأ مفعول الدواء ، بنبرة عديمة الحماس قالت

– مين الزبون ؟

سارعت نجوى مساعدتها تجيبها بكل حماس تختلقه في صوتها حتى تعوض خسارة الزبون الهام

– رجل أعمال مصري عايش في أمريكا .. قرر هو وخطيبته يتجوزوا فى مصر لكن ليه شروط غريبة.. بس هنسمعها وقت ما يجوا المكتب

بنبرة ساخرة علقت

– ايه ناوي يحتفل بجوازه تحت الماية مثلا،، انا كدا كدا في طريقي للمكتب ، يبقى نتقابل

أغلقت المكالمة دون أن تنتظر سماع الرد على مساعدتها ، تعلم أنها قليلة التهذيب اليوم مع الجميع .. لكن رؤية نانسي دائما تعكر صفو مزاجها اليومي ، انتبهت على صوت عاصي الحاد

– اضحكي

لوهلة ظنت أنها هلاوس سمعية وصوت جهوري داخل باطنها يأمرها بذلك إلا أن الصوت تكرر عدة مرات ، رفعت رأسها لتصطدم عيناها في المرأة الداخلية بعينيه وهو ينظر الى الطريق تارة واليها تارة أخرى

تحفزت ملامحها للانقضاض عليه وهي تهمس بحدة

– متامرنيش

بكل برودة أعصاب وابتسامة ماكرة قال

– ابتسمي متكشريش فى وشى

جحظت شادية عيناها وهي تفتح فمها ببلاهة ، إن كان للبجاحة حدود فذلك الوقح تعداها بكل صفاقة ووقاحة ، ابتسم عاصي ابتسامة ملتوية وهو يكاد يمنع نفسه من الضحك من منظرها يقسم لو رأت نفسها في المرأة لخبأت وجهها عنه لمدة لا تقل يوم .. يعلم انها تتحكم في أعصابها وتعود للامبالاتها في فترة قصيرة .. قال بحرج وهو يعود بعينيه نحو الطريق

– اقفلي بوقك يا استاذة

اعتصرت شادية قبضة يدها ، ألا يكفي عملها ليأتي ذلك السمج المثير للأعصاب حتى يلقي بكلمات مستفزة مثله في وجهها ، انفجرت في وجهه بنبرة حادة

– سوق وبص كويس مش عايزة اتعرض لحادثة بسببك

تنفست بهدر وصدرها يعلو ويهبط من الانفعال .. لن تنكر أن اختفاء تعابير التسلية من وجهه جعلها تتوجس خيفة منه .. كانت مرتعبة بالداخل ، تقسم أنها تتلو الشهادتين .. تعلم أنها تشد ذيل الأسد لكن لا تعلم لما تحب أن تشاكس الأسد بكل غباء منها ، وكلما تحاول أن تتجاهله يشاكسها هو

وكأن أصبح هناك طريقة خاصة بهما يتعاملان بها والتفكير بذلك يجعل الأمر حميمي وخاص جدا وهذا لا ترغبه ابدا

انتبهت إلى صوته الهادئ

– انت عارفة التكشير بتسرع من تجاعيد الوش

رفعت حاجبها استنكارا لردة فعله الباردة رغم انها تري الشرر المتراقص في مقلتيه وهو يحرقها بتلك النظرات حينما ينظر إليها عبر المرآة ، تنهدت بحرارة وهي تدلك عنقها لتهمس بنبرة متعبة

– عاصي

ارتفع عاصي عينيه نحو المرآة ليشفق عليها وهو يري تقاسيم وجهها السمراء الشاحبة ، غمغم بهدوء

– عيونه

تلون وجنتيها بالحمرة وهي تستمع الى ردة الذي يبدو خرج عفوي منه ، بللت طرف شفتيها وهي تنزع عيناها انتزاعها عن عينيه ليهمس بنبرة مرحة

– بريئة يا استاذة

رغما عنها ابتسمت وهي تشيح بعينيها نحو النافذة ، الضيق اختفي والصداع الذي يفتك برأسه يبدو أن الدواء يجري مفعوله حتي أصبحت تشعر براحة أكثر .. تعلم أن ما يحدث مع ذلك الحارس يرفضه عقلها تماما

ولا سؤال على القلب هنا … لأنه في وضع النوم

لكن تلك المشاعر الأنثوية اللعينة … تلك المشاعر المتحفزة بل تهفو لتلتقط كلمات عفوية منه ستقتلها حتما حتى تعود بكل راحة قبل وجوده ، رغم علمها قبل أن تراه أنها لم تعيش براحة  لكن هذا أفضل بكثير أن تعيش بلا مبالاة وبرود بدل التحفز والترقب طيلة الوقت .

***

حينما وجد من اعادة ترتيب الملابس التي وصلت خصيصا البارحة وقفت تنظر من علي بعد نحو نافذة المعروضات ، ابتسامة حزينة تزين شفتيها وقلبها يذهب نحو حبيب القلب لؤي ، فقط تريد أن تعلم لما ابتعد عنها لتلك الدرجة ، يتحاشى وجودها وأصبح دائم السفر وكأنه .. وكأنه لا يطيق وجودها في المنزل .. ربما لأنها فرضت عليهما .. فالنهاية والدتها تركتها في كنف عائلتها والتفتت الي حياتها ، أما عمتها جميلة التي تعتبرها أمها فـ أفنت عمرها في تربيتها وجدها هو صخرتها التي تستند عليها في الحياة.. فهما من رباها حتي اصبحت علي ما هي عليه الآن .

حينما قررت أن تسلك اتجاه اخر بعيد عن الاضواء والمكاتب .. قررت أن تفتح متجر خاص للنساء .. فـ الالوان والموضة هو الشيء الوحيد الذي تبرع فيه .. تحب  دائما أن تكون انيقة وجميلة في أعين الرجال .. إن كان الحبيب لا يراها فالمشكلة عنده وليست بها لانها تعلم انها تستطيع أن تسحر اي رجل ليس غرور منها لكن ثقة .. ثقتها بانوثتها لا يمكن التشكك فيه لكن لؤي يخرب لها كل موازين حساباتها .. انتبهت علي وجود زبونة شابة تدلف للمتجر لتشير بعينيها نحو الموظفة بأن تهتم بشيء آخر وهي من ستهتم بمساعدتها .

ابتسامة ناعمة زينت ثغر وجد وهي تقول بعملية مشوبة برقة

– مساء الخير نورتي

وكأن المرأة وجدت ضالتها لتتشبث بها بجنون غريب أثار في نفس وجد ، تمتمت المرأة قائلة

– وجد ؟ وجد المالكى مش كدا ؟

هزت وجد رأسها بحذر شديد وعينيها مترقبتين لما سيحدث بعد اجابتها ، اتسعت عينا المرأة بذهول وهي تمتم

– مش انتي اللي سلمتي خطيبك لحبيبته فى حفلة خطوبتك

هزت رأسها لثاني مرة وهي تهتف ببعض الحذر

– ايوا انا

أفلتت المرأة يدها من ذراع وجد لتنكمش وجد وهي تنظر الى شخص يقدر على مساعدتها ، ليست مستعدة هي لتشرح شيء كان من الماضي ، انتبهت على صوت المرأة

– لما سمعت الكلام من النادى مصدقتش .. قولت لازم اتأكد ، بجد ابهرتيني

استمرت المرأة تثرثر وقد تملكها ألم في الرأس من كثرة ثرثرتها ، همت بالاستئذان لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامة ناعمة حينما ابصرت وسيم يتجه نحو المرأة قائلا بصوته الجذاب القادر علي سرقة عقول النساء

– اقدر اخدمك يا انسه ؟

رفرفت المرأة عيناها .. من كان يصدق ان تري فردين يعتبر من أهم أقطاب عائلة المالكي ، وسيم هنا بذاته يبتسم امامها بجاذبية وبل ترك جميع النساء في المتجر واهتم بها ، صديقاتها سيصبن بالجنون حينما يعلمن أنها رأته شخصيا .. بل ستطالبه باخذ صورة معه كي تغيظ صديقاتها

– وسيييم ؟

هز وسيم رأسه وهو يقول بابتسامة رائقة

– عايزة اقولك فى شوية pieces جت مخصوص من إيطاليا .. تحبي تشوفيهم

هزت المرأة رأسها عدة مرات وهي تتوجه معه نحو احدى الاركان التي أشار إليها بيده

– واقدر اقول لأ

غمز وسيم نحو ابنة عمه بشقاوة ليلتفت نحو المرأة قائلا

– منا هنا يا انسه .. ومش عايزك تقلقي انتى جيتى للمكان الصح

راقبت وجد تصرفات وسيم وهو يعرض عليها قطع الملابس ، كانت ملامحه مسترخية للغاية وهو يحدث نحو المرأة التي تنظر نحوه بوله ، تقسم ان المرأة تطيل في حديثها معه وهي متمسكة كي لا يهرب منها ويذهب إلى نساء أخريات .. ترى من هي ذات الحظ التعس الذي ستتزوج بذلك الصنم .. لا تعلم لما جدها حتي الان لما لم يقوم بالتشدد عليه ..  بل هي اقرب سنا له للزواج به بدلا من عاصي … ابتسمت باقتضاب شديد وهي تقول .. عمتك هي التي قالت وليس جدك ، لذا لا تلوميه .. ففارق العمر بينهما فوق ١٥ عاما ، له الحق أن يراها صغيرة .

لا تعلم متى اقتربت هي من وسيم الذي تنهد زافرا بحرار لكن علامات وجهه مصطنعة وليست حقيقة ، تلك الضحكة المزيفة ليست بضحكته ولكن كيف ستري المراة ذلك وهي عمياء عن كل شيء فقط اسرها المظهر الخارجي به ووضعه المادي .. بالطبع يحتاج لإمرأة مميزة لكن فقط يتوقف عن البحث في الخارج وسيجد واحدة.. لكن كيف وذلك اليابس رفع شعار عازب للابد .

كانت المرأة كالعلقة لا تريد تركه ينعم بالراحة ولو لدقيقة ، يكفي مزاجه العكر منذ ليلة البارحة بل وما عظم من غضبه جارته الصغيرة ذو الخصلات الوردية والله اعلم ماذا ستسكب لون علي رأسها اخر الاسبوع ، وحينما اراد الذهاب الى ابنة عمه وجدها تريد اللوذ بالفرار من تلك العلكة .. المرأة ثرثارة من درجة أولي لا يتذكر كم صورة التقطها معها حتى ارتضت اخيرا بوضعية اعجبتها .. لكن كل شيء يهون إن كان سيظهر وسيما بقناعه الذهبي الذي يظهره للناس ويخفي مشاعره الحقيقة عن أعين الجميع الا ان وجد أحست به ، تنهد راسما ابتسامة حلوة مزيفة وقال

– اتمنى اشوفك مرة تانية يا انسة شاهندا

هزت المدعوة شاهندا رأسها وهي تتناول الحقيبة البلاستيكية منه قائلة

– اكيد يا وسيم هنتقابل

ما ان ودعها وسيم بابتسامة من الاذن للاذن وودع العاملات في المتجر ، سحب ذراع وجد ودلف بها إلى حجرة مكتبها … انغلقت تعابير وجهه واسودت عينيه قتامة وذكري الصباح لا يقدر علي نسيانها

إلى أي وضع تجرأت تلك الفأرة الصغيرة لتخرج من البيت بملابس عارية ، ابتسم ساخرا منذ أن رآها بفستانها الابيض العاري في حفلة خطبة شقيقها حتى اندلع حريق في داخله لا يخمد ، انتبه على صوت وجد الحانق

– هى الناس مش هتنسي ولا ايه ؟ الموضوع بقاله ٣ شهور

هز وسيم رأسه بلا مبالاة وقال

– سيبك منهم .. ما بيصدقوا يلاقوا حاجه يحكوا عنها

ثم ضيق عينيه وهو ينظر الى ابنه عمه ، غمغم متسائلا بتعجب

– قوليلي بقي مالك ؟ انتى ولؤى فيه ايه اللي بينكم

هل هو لاحظ ايضا ؟ هزت رأسها وقالت بنفي تام

– ولا حاجه .. ولا حاجه يا وسيم

رأت نظرة عدم التصديق في عينيه ، لكن ماذا تقول له انها لا تعلم ما الذي حدث له ليتبدل لرجل آخر لا تعلمه ، انهارت على مقعدها وهي تمتم بألم

– هو انا مش من حقى احب واتحب ؟

– طبعا

اطبق وسيم علي شفتيه بعد إجابته المقتضبة ، هل في كل حديث يتناوله مع أي شخص يتجه إلى نحو عاطفي دائما ، كل ذلك بسبب المخرج الغبي ومعد البرامج .. بل هو الغبي الأحمق الذي وافق علي أن يذيع كلام هو حتي الان يستنكره .. هو فقط على بضعة خطوات من تلك الفتاة الغامضة ،  ويا ويلها ان وقعت تحت قبضته .. انتبه على صوت اشعار رسالة من هاتفه ليفتحها وهو يري رسالة شامته الاربعون من جيهان ، جز على اسنانه حتى وقت يحاول فيها النسيان تأتي هي تذكره ..

لم ينتبه لملامح الألم والحزن الذي غمر وجد وهي على شفا حرف من الانهيار في البكاء

– طب ليه صعب ان حد يحبني .. هل انا وحشة للدرجة دي انى متحبش

اغلق وسيم هاتفه وهو ينتفض قائما ليقترب من مقعد وجد وهو يميل برأسه هامسا

– انتى اجمل بنت فى العيلة

ابتسمت نحوه بامتنان لتهمس

– طب ليه الحب صعب عليا ؟ ليه صعب يا وسيم

غمغم وسيم وهو للحظة يلعن لؤي علي تفريط فتاة مثل وجد

– مش كل حاجه بنفتكرها خير لينا يا وجد .. مين عارف مش ممكن يكون الحب ده مسموم

اصابها كلامه في مقتل .. أيعقل أنه حب مسموم ؟ .. كل المؤشرات تشير إليها … ازدردت ريقها بتوتر شديد وهي تغيرمجرى الحديث حتى لا تصيب بسهام وسيم التي تطعن قلبها ويقتل الأمل في ذاتها

– مسموم ؟! .. لا مش وقتك خالص .. كفاية فضيحتك امبارح

تمتم بوعيد شديد

– اوصلها بس

ابتسمت وجد وهي تغمغم بشقاوة

– عندك عداوة كبيرة مع البنات  للاسف

زفر بحدة وهو يخلل بأنامله خصلات شعره ، ليتمتم بحدة

– عرفتي ليه مش بحب اتورط مع بنات البلد ، مالهم الاجنبيات متفتحين اكتر ودراميتهم أقل

انفجرت وجد ضاحكة وهي تمتم بعفوية

– واضح ان فيه واحدة من بنت البلد شايلة منك كتير

عبست ملامح وسيم للحظات وهو يفكر متى صادق من نساء أهل بلده .. بل من هي التي تكن داخلها حقدا له ، كل السهام تشير إلي امراة واحدة فقط ، كاد ان يتحدث الا ان صوت اشعار من هاتفه جعله يقسم لو كانت تلك الحمقاء هي لانفجر يصب كل غضبه في وجهها .. اتسعت عيناه وهو يرى منظم سباق السيارات يخرج لائحة بأسماء المتسابقين ومن ضمنهم صاحبة الخصلات الملونة ، اعتصر الهاتف بقبضة يده ليقول بنبرة متسرعة

– صح نسيت ما اقولك لؤى راجع من السفر بكرا ، مضطر امشي بقي ورايا حاجه مهمه الحقها

استقامت وجد وهي تحاول أن تواكب ساقيه السرعتين لتقول

– فيه حاجه حصلت ؟

لم يعطيها ردا بل اختفى من أمامها كالزيبق ، تنهدت باستسلام وهي تعود إلى غرفتها تغلق الباب خلفها لتستند عليه بظهرها هامسه

– ياترى هتتجاهلني لحد امتي ؟

سؤال ألقته .. لكن الإجابة لن تعلمها سوى من صاحبه

***

ارتسمت رهف ابتسامة مشرقة على وجهها حينما اجتمعت مع “فريال” زوجة شقيقها وابنة خال فريال ” جيهان” ، تبقي فقط وجود شادية التي اعتذرت بسبب عملها وفرح زوجة أخيها نضال التي اختفت عن الأنظار بعد حفلة زفاف شقيق جيهان وشادية  .. لكن ليس مهما يكفي وجود فريال التي تبتسم باشراق وهي تخبرهم بانها حامل وتأكدت اليوم حينما ذهبت للطبيب ، لا تصدق انها ستصبح عمة لطفل صغير جدا وتعتني به وتدلله كثيرا ستدلله حتي الفساد ، ستطهو له الكثير من الطعام ولن يعترض أو يشكو منه كما يفعل الطباخ العظيم معها  ، ابتسمت بخجل حينما تذكرت حديثهم في الجامعة بل وحرصه كل صباح علي جلب علبة طعام يعدها خصيصا لها ، لقد لمس هذا الرجل شغاف قلبها المعطوب وحرص على أن يداويها بعنايته الخاصة الشامية .. انتبهت على صوت جيهان التي كانت تصفق بمرح

– متعرفيش قد ايه انا متحمسة عشان ابقى خالتو

ابتسمت رهف بخجلها الفطري لتقول بهمس خافت

– وانا هكون عمتو

انفجرت فريال ضاحكة لتربت علي بطنها وهي تنظر بحنين وشوق لتشعر بوجود الطفل وتستمع إلي نبضات قلبه ، تنتظر فقط وصول زوجها لتفاجئه بطريقتها الخاصة عن خبر حملها الذي انتظرته بصبر .. تمتمت برقة

– وانا هبقى ماما

عبثت جيهان بخصلات شعرها وهي تقترب من ابنة عمتها لتحتضنها قائلة بمشاكسة

– فريال وماما ؟!! الله يستر من البنت

وبختها فريال وهي تنظر اليها بعبوس شديد

– بطلى قلة ادب يا جيجي ، سواء بنت او ولد انا هقدر اسعده

لم تسلم فريال من مشاكسات جيهان الوقحة لتتدخل رهف قائلة

– هتبقى أعظم مامى يا فريال

وافقتها جيهان علي الفور وهي تنظر بتأثر الي ابنة عمتها التي حظت برجل رائع مثل وقاص ، هي تحملت كثيرا وصبرت حتى جاءها الرجل الذي أعاد فريال الي بهاءها من جديد

– اكيد

استقامت رهف من مقعدها لتهتف بحماس شديد

– هقوم اعمل كب كيك بالمناسبة دي ، استنوني

هزت فريال راسها بموافقة ، لتلتفت الي ابنة خالها التي تبتسم بزيف والتأثر طغي علي ملامحها ، امسكت فريال بكف جيهان لتربت عليها قائلة

– عملتى ايه لابن الجيران

تحدثت بسخرية قائلة

– عملت ايه ؟ .. ولا حاجه

تغضنت ملامح جيهان وبدأت الدموع تزحف تدريجيا الى مقلتيها .. لا تعلم اي غباء هي صنعته لتتحدث معه على برنامجها الإذاعي .. أرادته أن يشعر  .. أن يحس ذلك البارد صاحب العيون الباردة ،انتبهت على صوت فريال الموبخ

– تقومي تكشفى نفسك قدامه يا جيهان ؟ .. للدرجة دي ميؤوسة انه يلاحظك

وماذا ستفعل حينما تخبرها انها تبعث له رسالة كل خمس دقائق ضبطتها على تطبيق الرسائل تخبره بمدى فرحها وشماتتها به ، تعرف انها تكشف نفسها أمامه ، لكن ماذا عساها تفعل ؟!!

قلبها الضعيف هذا يخبرها اعطيه فرصة اخيرة ، اظهري علي حقيقتك أمامه ، إن كان يراك طفلة كوني أنثى أمامه ، إن رأيته يهتم باجساد العارضات الأجنبيات كوني انتي الأخرى عارضة أزياء ، اذا رأته يحب الشعر الاشقر اصبغي شعرك كل يوم لون بعيدا عن الاشقر حتى تريه انك بإمكانك أن تسعديه لكن …!!!

العقل تمرد وثار وبدأ يعلن العصيان للقلب الذي تحطم ، حسنا اذا لم يكن يراها انثى فالرجال الذين يتابعونها على صفحات التواصل الاجتماعي يرونها امرأة جذابة بل ساحقة ، مدمرة .. وإن كانت تصبغ خصلات شعرها لالوان عجيبة فأعجبها الأمر رغم أن مصفف الشعر أمرها بالتوقف عن الصبغ حتى يقدر على علاج شعرها قررت الاتجاه إلى الصبغ بالمكونات الطبيعية ، رغم تأثيره ضعيفا بعض الشيء ويزال بسهولة لكن افضل من لا شيء .. وعملها كعارضة هي سعيدة جدا .. جدا جدا ، حتي رحلات السفاري التي تقوم بها كل سنة وتجعل متابعيها يشاركونها وتجعلهم يعيشون تجربتها خلف الشاشات كل هذا استطاعت أن تحققه وهو .. منشغل مع نسائه الشقراوات !!

زفرت بحدة وهي تغمغم ببرود

– فقدت اعصابي تمام معاكي حق .. بس كان لازم اطوي الصفحة دي .. وسيم حساه بيقرب مني يا فريال .. انا حاسة بدا لكن بعد كدا بيبعد وانا تعبت من قربه الغريب وبعده اللي اتعودت عليه

لعنت لسانها الذي خانها في لحظة يأس كما يفعل قلبها الذي يستميل بضعف نحو اهتمامه وغضبه وغيرته التي لا تعلم مسماها .. لقد رأته بأم عينيها عينيه التي تقدحان شررا حينما جذبها واختلى بها في منطقة بعيدة عن أعين الجميع ليوبخها كطفلة صغيرة لكن عينيه كانت متوهجة رغم نبرته الحانقة .. عيناه تخونه وهو ينظر الي ثوبها ثم يزيد من جم غضبه ، نفضت تلك الذكرى البعيدة نسبيا حتى لا تضعف .. ضعفها الانثوي امامه كاد ان يفضحها تلك الليلة لكنها تحمد ربها انها تداركت نفسها اخيرا ..

غيرت دفة الحديث وقالت متسائلة

– فين فرح من وقت فرح ماهر اختفت

انقلبت تعابير وجه فريال للاسي .. لم تكن تظن ان ستكون ردة فعله عنيفة لتلك الدرجة ، يعلم الله انها تدخلت بين فرح ونضال حتى تقدر على إسعادهم ، تمتمت بأسى وهي تتذكر انهيار فرح في مكالمتها الاخيرة ليلة أمس .. تشكو منها من قسوة كلماته .. و ابتعاده التام عنها

– فرح  مبقتش فرح ..نضال بيموتها بالبطيء يا جيهان

تراقص الشرر في مقلتي جيهان لتنفجر هادرة بعنف

– طب وهى مبتبعدش ليه .. ليه ضعيفة للدرجة دي لطاما هو مش عايزها تسيبه

نظرت اليها فريال نظرة ذات مغزى جعل جيهان ترتبك وتغادر ساحة قتالها متقهقرة ، غمغمت فريال وهي تختصها بنظرة تعلمها

– لو كان سهل ان احنا ندوس على قلبنا ونموت كنا عملنا كدا ، مش كدا ولا ايه يا جيهان

تبرمت شفتي جيهان وهي تمتم بحدة

– دي مجنونة

– زيك

ردت فريال ببرود مماثل لتزم جيهان شفتيها بحنق ، لتستمع الي همس فريال المرتعب

– وقاص ساكت معرفش بيفكر فى ايه ، اتمني انه ينقذ فرح من جنان اخوه

جبناء .. ضعفاء .. عديمي المشاعر ، صاحت بها جيهان سرا وهي تلعن كل رجل سبب جرح في امراة ، ما الذي يجعلهم يرتعبون لتلك الدرجة من مسمى الحب ؟!

تساءلت بحيرة شديدة وهي تمسد عنقها المتشنج وران الصمت بينهما لكن ما في الداخل تساؤلات كثيرة ومشاعر جمة ما بين قلق، وحزن ، وغضب ، وحيرة ، ندم ..  وكل ذلك بسبب داء العشق !!!

****

ليس ذنبه أن طوال عمره عاش وحيدا منبوذ من جميع أفراد عائلته .. يهتم الآن بمن قربه .. شيء صعب عليه وكأن روحه تبلغ للحلقوم  .. هز نضال رأسه بأسي وهو يشرد في دخان سيجارته .. عينيه منطفئتين عن الحياة ، إن كانت تلك الماكرة تبكي فهو من الداخل تحطم

ببساطة انطفىء

لا يوجد شيء يدفعه للاستمرار في الحياة

ماذا يفعل الآن ؟!

هل يخنق المسماة بفرح ، هل يرونه لتلك الدرجة مريض لأنه غير متقبلا وجود فرح الكامل

يعلم أنه يؤذيها بالكلام .. لكن ماذا عساه أن يقول وهو يرى تلك القطة التي التقطها وراعها داخل منزله أصبحت تحيك أشياء من خلف ظهره وتطعن ظهره من الخلف .

تذهب من خلفه لبيت أخيه الغير شقيق وتتخذ زوجة أخيه منصحة لها حتى تقدر على أن توقعه في شباكها ، وقاص حامي عائلة الغانم وما زال حامي عائلته حتى بموت احد منهما  .. ابتسم بسخرية وهو كان مراقب صامتا .. متفاني لعائلته التي لم تعطيه حسنة واحدة منذ ان سحب من أحضان والدته وزرع بقسوة في أرض جرداء يعيش مع نباتات الشائكة .. دس عقب السيجارة في المنفضة وأشعل آخري ليسحب نفسا عميقا وهو يخرج الدخان الأبيض الكثيف من أنفه …

لتاتي نساءه السابقات الان ويرون حالته البائسة وهو غير قادرًا علي أن يؤذي المسمى بفرح جسديًا لكنه يدمرها نفسيا حتى تعود تلك القطة مطيعة مرة اخري ولا تتطلع الي حبه مرة اخرى ..

بالله هو اخبرها منذ ان تزوجها لأجل صغيرته شمس ، اخبرها ان لا تطمع به ، ولا تعبث به .. لكن ماذا فعلت ؟! .. هل رضخت اليه ؟!

لا لم تفعل .. لذا سيظل يقسو ويؤذي نفسه .. انتبه فجأة على صوت صغيرته تناديه برقتها وحلاوتها

– با…. با

راها تلمس قدميه ليرتسم ابتسامة متشنجة وهو يداعب وجنتيها قبل أن ينتبه انه في غرفته المشبعة برائحة التبغ سارع فجأة بدس السيجارة في المنفضة وفتح الشرفة وهو يجذبها إلى للشرفة لتستنشق الهواء النقي .. حملها على ذراعيه والصغيرة تعلقت معه بكل روعة وهي تضع رأسها على صدره .. تأوه نضال وهو يمسح على ظهرها .. يطلب منها ان تؤازره لا ان تقسو عليه حينما ينضج … فيكفيه هجرا وعذابا ونبذا .. يقسم ان نضجت تلك الصغيرة وتحاشت عنه ونبذته سيموت .. فهي الوحيدة القادرة على بقائه حيا في تلك الحياة.

غمغم نضال بألم من أعماق حطامه

– يا روح بابا يا شمس الغانم

الصغيرة كانت تهمس بكلمات لم ينتبه عليها وهو في خضم زخم أفكاره البشعة ، كانت الصغيرة تربت على صدره ويدها الاخرى تتعلق بعنقه بتشبث رافضة ان تبتعد عنه ، همس نضال بجزع

– صدقيني خايف انى مبقاش قد المسؤولية .. خايف انك تكرهيني لما تكبري وتشوفي اني وحش ، لكن انا مش وحش زي ما هما شايفيني يا شمس .. انا تعبان حاسس اني بموت كل يوم

معها يكون علي طبيعته مثل ابنه عمه أسرار التي أصبحت الان تراعي زوجها ، معها يتخلى عن رداء سخريته ، معها يصبح أمامه ذلك الطفل الصغير الذي جذبه والده واغراه بمظهر القصر الضخم الذي يعيش فيه .. كونه صغيرا وقتها اغراه الثراء واصبح يقارن بين ملابسه الرثة وبين ما سيصبح عليه بعد ان يعيش بين عائلة جديدة كما أخبره والده ليتفاجأ وقتها بصوت زوجة ابيه الانيقة تصيح هادرة وهي تضم ابنها وابنتها

– انت مجنون .. جايبلي ولد من الشارع وتقولى اربيه لا يمكن ده يدخل بيتي ، روح رجعه مكان ما جيبته

دمعة تسللت رغما عنه لتخرج من مقلتيه ، لماذا يريدون منه أن يعود إلى الحياة مرة أخرى ولقد قتلوه بسكين حاد ليعيش في غرفة رغم انها نظيفة الا انها غرفة خانقة لوحدته .. لم يحاول أحد ان يقترب منه حتى أخويه من جهة الأب تحاشوا وابتعدوا عنه إلا ابنة عمه التي اقتربت منه بكل لطف ورقة .. تهون عليه من كلمات زوجه ابيه السامة ، تذكر حينما استمع إلى محادثة بالصدفة بين والده وزوجته وهي تصرخ وقتها هادرة في وجه زوجها

– عايزني اعامله نفس ما بعامل ولادي ليه .. ابني ورميته فى الشارع زي ما عملت ، مهيب انت جبته من واحدة رخيصة يبقي انت تتصرف معاه انا مليش دعوة بيه .. مش كفاية كلام الناس ليا وهما بيقولوا ان جوزك خانك وشاف واحدة قذرة بتبيع جسمها عشان شوية فلوس .. انا ألفت بنت الحسب والنسب تحطني في موقف زي دا .. صدقني عمري ما هنسهالك ابدا

كل ذلك كان قاسيا لقلبه المتعطش للحب ليتركوه وحيدا دون احد خلفه أو سيهتم به إن مرض أو اصاب ، ابتسم بحسرة وهو يتذكر كلمات ألفت زوجه ابيه بل الكلمات اصبحت تتردد في عقله كثيرة .. كسم خبيث يتوغل في جسده يريد القضاء عليه

– فلوسي مش هتتصرف على الولد ده .. لا يمكن يبقي زي عيالى رجعه مكان ما جبته او ارميه لأي ميتم

أغمض جفنيه وهو يحاول ان يتناسى كلمات زوجه ابيه ، يبعدها بقسوة كأنه شبح مخيف يطارده في أحلامه .. اختل توازنه للحظة وهو يحاول أن يخرس تلك الأصوات اللعينة التي تزداد بكل ضراوة و تهاجمه من كل حدب وصوب.

كانت فرح تبحث عن شمس الصغيرة التي ذهبت الى ابيها ، تعلم أن وجودها محرم في غرفة نضال لذا الأسلم لها أن تتحاشى وتبتعد عنه ، لكن تأخر رجوع تلك الصغيرة جعلها تخشى أن أصابها أذى .. دلفت حجرة النوم وهي تسعل من رائحه التبغ التي ملأت الغرفة ، الاضاءة كانت معتمة وعدم وجود حركة في الغرفة جعلها تعود لملاذ غرفتها الأمن إلا أن حركة في الشرفة جذب انتباهها .. تسحبت وهي تسير دون ان تصدر صوتا ، اتسعت عيناها بهلع حينما شعرت ان الصغيرة ستسقط على الأرض وهو غير واعي لما يفعله ..  بسرعة اتجهت تسحب الصغيرة تضمها إلى حضنها مما جعل شمس تبكي بذعر من قوة شد فرح لها ، حاولت تهدئتها وهي تسمي كثيرا تمرر اصابعها بحنان على الصغيرة التي خفت بكاءها وعيناها تنظر الي نضال .. اقتربت منه بحذر وهي تراه يترنح أمامها لتهمس بضعف

– نضال .. نضال .. ارجوك متوجعش قلبي عليك

بيدها حاملة شمس والثانية تهز نضال بقوة وهي تصرخ في وجهه بخوف

– نضاااال

نظر نضال نحوها بتشوش ليبتسم بشرود بأعين زائغة ، وعقله بين غياهب الماضي .. يرى أسرار تنتشله دائما من أحزانه .. وها هو الآن سمعها تنادي اسمه باستغاثة ، تمتم بنبرة مهتزة قبل أن يخر ساقطا

– أسرار

اتسعت اعين فرح جحوظا وهو يطعنها الطعنة الاخيرة لفؤادها

من بين الجميع نداها .. حبيبة قلبه !!

ماتت فرح وسقط نضال غائبا عن الوعي .

يتبع..

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *