روايات

رواية صرخات أنثى الفصل الثاني والثمانون 82 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى الفصل الثاني والثمانون 82 بقلم آية محمد رفعت

رواية صرخات أنثى البارت الثاني والثمانون

رواية صرخات أنثى الجزء الثاني والثمانون

صرخات أنثى
صرخات أنثى

رواية صرخات أنثى الحلقة الثانية والثمانون

مازال يتمسك بساقيه ودموعه تنهمر بضعفٍ، جعل “آيوب” متخبطًا فيما سيفعله، أعماه غضبه وجعله قاس القلب، كان ليدفعه عنه وكأنه بقعة ستلوث جسده، فمال برأسه للأعلى يستمد نفسًا ثقيلًا، فاختلج بصره صورة تتوسط حائط الردهة لآدهم، ذاك الصديق الرائع الذي سانده دومًا ، ولم يتخلى عنه أبدًا، كل ظرف أحاطه الخطر به كان آدهم المغوار المخلص له، فإن ابتغى قلبه بظلام ما فعل مصطفى به، هل يستحق آدهم ذلك؟
وهل جزاء الاحسان الا الاحسان؟!
أسمى ما زرعه الشيخ مهران داخله، لن يستطيع تخطي ما نشأ عليه منذ الصغر، انطوى جفنيه يعتصر دموع وجعًا يعصف به، لزم استحضار ثباته القوي؛ لينحني إلى ذلك الذي يميل على ساقيه، يعيق حركة جسده، سانده “آيوب” وجذب المقعد المتحرك يضعه من فوقه، وسقط على المقعد من خلفه فاقد الطاقة والقدرة على تحريك جسده حتى أصغر اصبعيه.
تحرك مصطفى بمقعده المتحرك تجاه محل جلوسه، أمسك يده الملقاة على ذراع المقعد، وردد ببكاء:
_سامحني يا آيوب، سامحني عشان أرتاح من العذاب الا أنا فيه.
سحب يده بعنفٍ عن يده، وطالعه بنظرة منفرة من بين حمرة عينيه الدموية، هاتفًا بحشرجة ذبحت حلقه:
_إنت ليك عين تطالبني بالسماح؟ أنا لو بكرمك دلوقتي فده عشان ديون آدهم اللي للاسف مش هقدر أكون موجود بعد كده عشان أردها.
جحظت عين مصطفى هلعًا من تفسير مبطن كلماته، فأستطرد يوضح له:
_أنا مش عايز أشوفك تاني في حياتي، لا إنت ولا آدهم سامع.
ونهض عن المقعد كأنه مسه جان، بل هرع بخطواته للخروج من هذا المنزل، حرر الباب العملاق وأسرع يتخطى حديقة المنزل الصغيرة، وما أن وصل للبوابة الحديدية الخارجية حتى تفاجئ بعُمران ينتظره، مستندًا على مقدمة سيارته، ويديه مدسوسة بجيوب جاكيته الاسود الطويل، وما أن رأه حتى هم للقائه، والحزن والوجع يختمان رماديتياه بشكلٍ ملحوظ، جعل آيوب يبتسم وهو يهتف بسخرية مؤلمة:
_الظاهر إن أنا الوحيد اللي مكنتش عارف الحقيقة.
رد عليه بثبات يليق بشخصيته القوية:
_الحقيقة لو مش باختيارك عمرها ما تكون مفروضة عليك، إختيارك هو اللي هيريحك وهيخليك تتغاضى عن أي كلام هيتقالك.
تهاوت دمعة من عينيه رغم ثبات بسمته، وسأله باستهزاء:
_وأيه اللي المفروض أختاره؟
رد عليه “عُمران” بحنان:
_الشيخ مهران اختيارك، عشان كده هتكمل معاه وانت رامي وراك أي حقايق ممكن تشوش على اختيارك ده.
تقلصت ابتسامته لوجع منطوق بلسانه:
_ازاي بعد ما آ..
قاطع حديثه متعصبًا:
_بعد ما أيه؟!! معقول حاجة زي دي تخليك تبعد عن الراجل اللي رباك، الشيخ مهران هو أبوك يا آيوب، حتى لو اسمه إتشال من ورا إسمك.
هز رأسه معترضًا على حديثه، وقال بتيهةٍ:
_مبقاش ينفع خلاص يا عُمران، مش هقدر آآ… أنا مشتت ومش عارف مكاني فين! ، آآآ.. أنا كنت لما بتوجع من حاجه بروحله وبترمي في حضنه، عُمري ما حسيت بالراحة دي غير معاه، فجأة يطلع مش أبويا!! طيب ازاي وأنا ما حستش ولو مرة إنه مش أبويا!!
واستطرد وهو يشير على منزل آدهم من خلفه بتعبٍ نفسي لمسه عُمران منه:
_طيب وأسامح إزاي!! ، هبعد إزاي؟؟؟ ده آدهم يا عُمران ، آدهم اللي فداني بروحه أكتر من مرة، قولي هعاقب أبوه على اللي عمله معايا ازاي؟؟ أبوه اللي المفروض أبويا، وآدهم آآ… إدهم أخويا!! أنا.. أنا مش عايز الحقيقة المرة دي، أنا عايز أنسى اليوم ده وأشطبه من حياتي كلها، مش هقدر أتحمل الوجع ده، آآ.. أنا مش عايز غير مكان صغير في بيت الشيخ مهران يا عُمران، مش عايز غير حضن أمي ومحبتها ليا، إزاي هيحرموني من كل ده… لا يا عُمران لأ.. مصطفى الرشيدي أناني، وآدهم كمان أناني يا عُمـــــران، دمروني دمــــــروني!
قالها واستند على السيارة، ينهار باكيًا، يبكي دون توقف كالطفل الصغير، ولجواره تنهمر دموع عُمران متأثرًا به، يحيطه ذكرى يومًا شبيهًا بيوم آيوب، يوم إنهار مثله تمامًا، ولكنه وبفضل الله عز وجل وحبه إليه منحه أخًا عظيم مثل أخيه “علي”، ومؤكدًا من على آيوب بوجوده بذلك الوقت، لذا سيكون خير الداعم إليه.
اقترب عُمران منه بعدما أزاح دموعه بجدارة، استند على السيارة جواره، وقال بصوتٍ يحتبس فيه دموعه:
_مفيش حاجة اتدمرت ولا حاجة يا آيوب، مكانك في بيتك وفي قلب الشيخ مهران محفوظ، حتى الحاجة رقية هتفضل عمرها كله تعاملك إنك ابنها، الحقيقة اللي عرفتها النهاردة دي مش هتفرق معاهم في حاجة، بدليل انهم عرفينها من وقت رجوعك لمصر ومع ذلك إنت محستش منهم بأي تغير.
واستطرد وهو يتعمق فيه:
_بالعكس الخوف ده عندهم هما لتختار بيت مصطفى الرشيدي وتبعد عنهم.
رفع عينيه الباكية لمن يجاوره، وقال بألمٍ:
_يوم ما أختاره هيكون أخر يوم في عمري، أنا كرهته وكرهت آ..
ابتلع باقي جملته داخله، ودفنها داخل دموعه، وهمس من بين شهقاته الضعيفة:
_لأ… آدهم لأ… مش قادر ولا هقدر أكرهه.
والتفت إليه من جديد يبكي:
_أنا موجوع أوي يا عُمران، حاسس إني تايه ومش عارف أروح فين؟
تدفق الدمع على وجه عُمران، فأخفض وجهه يزيحها سريعًا ثم استدار إليه يلكزه بمرح:
_بقى أنا بقالي ساعة مرمي جنبك وفي الآخر تقولي تايه ومحتار أروح فين؟ طيب قولي أتعامل معاك إزاي دلوقتي بروح أمك!!
أزاح آيوب دموعه ولم تزوره حتى ابتسامة غافلة، فعاد عُمران يشاكسه:
_بذمتك ده كلام، حضن صاحبك وبيته مفتوحلك في أي وقت، بس مش في التوقيت الحالي للاسف.
وتابع وهو يحيط كتفه ليحركه إلى السيارة:
_لاني هوديك المكان اللي تستحق تكون فيه.
انتصب بوقفته انصياعًا لدفعة عُمران، وسأله بارهاق:
_هنروح فين؟
اجابه بهدوء ماكر:
_مكان هترتاح فيه.
وفتح باب السيارة يشير له بسخرية:
_مش عارف مودك قافش ازاي وعُمران سالم الغرباوي بيفتحلك باب عربيته بنفسه!!
صعد ببطءٍ تام، وكأنه لا يستطيع تحريك جسده، إتجه عُمران لمقعده وتحرك على الفور لمحله المنشود.
****
صعد لشقته بخطواتٍ هزيلة، أخرج مفتاحها ليحرر بابه، ولكنه تفاجئ به مفتوحًا، ومواربًا، ولج للداخل والقلق قد ضمه بعناقٍ على صغيره، ولج غرفته القريبة من باب الخروج يناديه بلهفةٍ:
_فــــارس!
هرول لغرفته حينما لم يجده بالغرفة المخصصة للأطفال، إلتفت تجاه الصالون الذي يتوسط الردهة، فتوقف محله يبتسم تلقائيًا حينما رأها تغفو على الأريكة وهي تحمل صغيرها فوق ساقيها، على ما يبدو بأنه استفاق من نومه وحينما لم يجده انتابته نوبة من البكاء.
اقترب يونس منهما يتأملها بعشقٍ لا تقبل كلمات وصفه، يحاول بشتى الطرق منع عينيه أن تحتضن ملامح وجهها البادية من أسفل نقابها المرفوع، ولكن اشتياقه قتل عقله اليقظ، بقى أمامها ساكنًا كسكون الموج بمنتصف المياه، يتمنى لو أنها كانت زوجته بتلك اللحظة، يتمنى لو كانت تحل له فيستطيع أن يمس خصلتها المتمردة من أسفل حجابها بحريةٍ، ولكنه حتى لا يمتلك حق التطلع إليها.
أخفض يونس عينيه أرضًا، ثم عاد يتطلع لها، هاتفًا بتمني ومحبة:
_اللهم قربني منها، وإجعلها قرة عيني.. زوجتي وحبيبتي، اللهم ردها لي بقلبٍ محتفظ بحبها وعشقها لي، وإن كانت بعد المسافات خففت رباط محبتنا فسبحانك القادر على مد الوصال بيننا!
لفظها بعاطفته وتمنى لو أن دعوته لا ترد، جلس على حافة المقعد وأخذ يراقبهما قدر المستطاع، يتساءل إن لم ينجح ذلك السفيه بفعلته ولم يتمكن من التفرقة بينه وبين أعز ما أمتلك، كيف سيكون مسار حياتهم دون ما تعرضا لهما معًا؟!
استعاذ بالله من شيطانه الحاضر وهمس بصوتٍ خافت:
_اللهم لا إعتراض على قضائك، الحمد لله على كل حال.
مال رأس خديجة، فاعتدلت بجلستها المؤلمة، انتبهت لمن يجلس قبالتها يتأملها بنظرةٍ حنونة، وضعت صغيرها على الأريكة المذهبة، ونهضت تخفض نقابها، هاتفة بارتباكٍ:
_يونس إنت رجعت أمته؟!
نصب عوده يجيبها:
_لسه حالا.
هزت رأسها وقالت تبرر وجودها بهذا التوقيت:
_فارس لما فاق من النوم وملقكش موجود، كان بيعيط ورفض يطلع ينام عندي فوق، عشان كده اضطريت انزل معاه لحد ما ترجع من بره.
وأضافت بتوترٍ طفيف:
_إنت اتاخرت ليه كده في صلاة الفجر؟
رد عليها بابتسامته الخافتة:
_نورتي بيتك يا ست البنات.
ضمت يدها تفركهما خجلًا، واتجهت للخروج قائلة على استحياء:
_انقل فارس أوضته وغطيه من البرد، تصبح على خير.
رنا إليها يوقفها عن الفرار:
_وبعدين يا خديجة، هنفضل على الوضع ده كتير!
قضمت شفتيها بارتباكٍ، واستدارت تدعي عدم استيعابها لحديثه:
_كده ازاي؟!
تغاضى عن الدور الذي تجيده الآن، وقال بشكلٍ مباشر:
_أظن إن عدتك خلاص خلصت، يعني البعد والانفصال المفروض ده مبقاش له داعي، خديجة أنا مش متحمل فكرة عيشة كل واحد مننا في شقة دي، من بكره هكلم عمي ونكتب الكتاب.
اقتحم أفكارها صور بائسة من حياتها الزوجية السابقة، وكأنها تساق لنفس المصير، فرددت بتلعثم:
_مش هينفع دلوقتي يا يونس.
وبتوتر قالت:
_قولتلك قبل كده إني محتاجة وقت!
حدجها بنظرةٍ خاوية، وصاح بخشونة:
_هو العمر فيه وقت أد أيه عشان تاخدي المدة دي، المفترض مدة الفراق تبقى كام سنة من وجهة نظرك؟!
أحكم الكماشة حول حججها المنصوبة، فباتت لا تجد ما تحكيه، لذا وبكل وضوح هتفت:
_يونس أنا مش معترضة على جوازنا وأنت عارف ده، بس أنا مش جاهزة دلوقتي .
أسبلت غضبه المكبوت عن جدارة، فزوى حاجبيه وهو يطعنها بنظرة ساخرة:
_وست الحسن هتكون جاهزة أمته؟
لم تستطيع ابتلاع اهانته وقالت تصارحه بمنتهى الصدق:
_انا مش بتدلل عليك، أنا متحددلي عملية تجملية هعملها عند دكتور نازل مصر بعد شهرين، الدكتورة اللي بتابع معاها أخدت منه المعاد وبتجهزني.
توسعت حدقتيه بشكلٍ مرعب، حتى بات وكأنه سيتحول بين لحظة وآخرى، وكلما دعست قدميه بخطاها، تراجعت خديجة تبتلع ريقه الهادر بهلعٍ، فاذا به يصرخ بوجهها بجنون:
_عملية أيــــــه!! إنتِ اتجننتِ ولا السلوك لمست عندك!! عايزة تكشفي نفسك على دكتور!!! لأ وما شاء الله مقررة ومقتنعة بقرارك وواقفة قدامي بتتكلمي بكل بجاحة !
ارتابت حتى قحل ريقها، فانخفض صوتها المرتعب:
_أنا قولتلك قبل كده أني بقيت مشوهة! و مش هقدر أبدأ حياتي معاك من غير ما اتخلص من الماضي اللي عشته، وده جزء من ذكرياته اللي مش هيسيبني أبدًا.
وأضافت والدموع تكتظ عينيها:
_أكيد يعني قرار زي ده مخدوتش بالساهل، وخصوصًا لما الدكتورة بلغتني أنها مش هتقدر تعملي العملية، وإن ليها دكتور متخصص، بس هعمل أيه أنا مجبورة يا يونس!
تقسم أنها بتلك اللحظة تستمع لصوت أسنانه تصحك، وكأنها تتهشم تباعًا، تلاقى ظهرها حائط الردهة ومازال يدنو منها، حتى لطم الحائط بيده، بدى يحارب شيئًا يود التحرر عن لسانه ومازال لا يرغب بقوله، جاهد ليهدأ من انفعالاته وقال هامسًا بأنفاسه الثقيلة:
_متحلميش إني هقبل إنك تتكشفي على حد حتى لو كانت دكتورة، كفايا الوجع اللي أتعايشت معاه طول الفترة اللي فاتت، وسبق وقولتلك قبل كده أن عيني دايمًا شايفاكي ست البنات كلها.
تهاوت دموعها واعترضت بصوتها المبحوح:
_مش هقدر آآ..
أوقفها ينهي نقاشهما الذي بدأ ينبش بزقاق الماض:
_خديجة أنا مش هرغي كتير في حوار أخدت فيه قرار، خلصت وانتهينا.
تلاقت الآن عينيها به منذ بداية حوارهما، فلمس فيها انكسار أنثى تجاهد لم بقاياها، انكسر ضلع من أضلعه وتلاه صوت حطام قلبه، وخاصة حينما إنسحبت من النقاش بخيبة أمل، فاتجهت لتخرج من المنزل باستسلامٍ.
حررت الباب على أخره وما كادت بالخروج منه حتى قال لها:
_الآثار اللي فاكراها تشويه دي أكتر حاجة ممكن تريح أي وجع جوايا لحظة ما أتخيلك في يوم مع القذر اللي عيشتي معاه، دي الدليل الوحيد على حبك ليا يا خديجة!
وأضاف بحزمٍ:
_أول ما عمي يروق من اللي بيمر بيه هنكتب الكتاب، جهزي نفسك يا ست البنات.
اكتفت بهز رأسها وغادرت بعدها على الفور، بينما يتابع ظلها المبتعد بنظرة حزينة، أتجه يونس لابنه يحمله لغرفته، وتمدد جواره على الفراش يحتضنه بقوة، يشم ريحه عساه يتنعم براحة فقدها منذ اختفاء آيوب، ورؤية الشيخ مهران بتلك الحالة دونه.
******
توقفت سيارة “عُمران” بعد فترة من القيادة، مما دفع ذلك الذي يغفو جواره على الافاقة، اعتدل بجلسته يفتح جفونه الثقيلة، ويتأمل المكان المحيط به باهتمام، فتفاجئ به يصف السيارة أمام بناية الشيخ مهران.
استدار تجاهه وبكل حدة سأله:
_إنت جايبني هنا ليه يا عُمران؟!
أجابه ورماديته ساكنة على لافتة الحارة التي تحمل اسم الشيخ مهران:
_قولتلك هخدك على أكتر مكان هترتاح فيه.
تبسم ساخرًا،وقال:
_وأنا قولتلك انه مبقاش مكاني خلاص.
استدار إليه عُمران يحيطه بنظرة طويلة، ثم قال بهدوءٍ:
_ده أول مكان فكرت فيه أول ما قولتلك هاخدك مكان هترتاح فيه، متكبرش يا آيوب، أنت متقدرش تبعد عن الشيخ مهران ولا الحاجة رقية، مش هتقدر زي ما هما كمان ميقدروش يبعدوا.
وتابع وهو يشير باصبعيه على باب العمارة:
_بمجرد ما هتدخل من الباب ده هتلاقي راحتك وأمانك، وهتعرف إنك مخسرتش أي مكانة كانت ليك عندهم زي ما انت فاكر، بالعكس أنا واثق أنهم بيتألموا أكتر منك وخوفهم من فقدانك أكتر شيء مسيطر عليهم.
أخفض آيوب رأسه وافرج عن دموعه، وبقهر قال:
_مش هقدر أواجهه يا عُمران.
مال يرفع ذقنه للأعلى، وبعصبية هدر فيه:
_بقولك أيه انا مبصحبش العيال الفرفير، ومع ذلك ضميتك لشلة المقاطيع عشان استرجلتك، هتنخ وتعملي فيها سوسن من أول مشكلة هتقابلك في حياتك هشد عليك وهغيرلك قطع غيار، استجمد كده ومتشدش عرق العصبية عندي، عشان لو طلع هيبهدل أمك!
وتابع وهو يفتح باب السيارة الكترونيًا:
_انزل قابل أمك وأبوك بالحضن، وتقف واقفة أسد راجع مكانه ودايس كل حاجة وراه، ولحظة ما تنخ وتحس نفسك هتقلب على قطة بلدي أفتكر إن ليك صاحب إسمه عُمران سالم الغرباوي، ويا بخت الا أنا في حياته، أمه أكيد دعياله في ليلة مفترجة!
ضحك رغمًا عنه، وهتف بحنقٍ:
_عُمران إنت مغرور أوي!
عدل من جاكيته على كتفه بعنجهية:
_يا بختك عشان أنا في حياتك يابن الشيخ مهران.
لمست كلماته الاخيرة وجعه الغائر، فعبث مرددًا:
_ابن الشيخ مهران!
اكد عليه بقوة:
_ابنه ونور عينه وإنت عارف كده كويس.
ودفعه خارج السيارة بعنف مرح:
_ويالا بقى متقرفناش، شاقطك من خامسة الصبح ولحد دلوقتي لسه مكتئب، إنزل
فلقت دماغ أمي بروح أمك!
تعالت ضحكات آيوب بصخب، ومال على نافذة السيارة يشاكسه:
_بقى دي أخرتها، بتبعني يا خواجة!
ارتدى نظارته بغرورٍ طاووسه الوقح، ونطق:
_تلاشاني عشان متعضش إيدك ندمًا يا بشمهندس.
قهقه ضاحكًا وصاح:
_أنت اتخلقت عشان غيرك يتلاشاك أساسًا.
هدأت ضحكات عُمران وبجدية قال:
_ارجع مكانك وبيتك يا آيوب، وأوعا تسمح لأي حاجة مهما كانت صعوبتها تفرقك عن أهلك وناسك، اتواجع وحلها وإنت معاهم ووسطهم، احسبها بعقلك وشوف ربنا من عليك بأيه، في البداية هتكون صعبة بس بعد كده هتشوفها من جانب تاني.
وأضاف بحزن:
_مهما كان غلطة مصطفى الرشيدي متغتفرش بس كفايا إن ليك أخ زي آدهم، ومن ناحية تانية علاقة جديدة هتضيفلك ناس ساندة ضهرك، عوض ربنا ليك إن ليك أب زي الشيخ مهران وأب تاني مش هتقدر تبص على مميزاته دلوقتي، غيرك اتحرم من النعمة دي ومقدرها جدًا، الخلاصة إنت مش هتأخد قرار سليم وإنت عقلك مش فيك، فخدلك هدنة تقرر فيها القرار الصح اللي متبقاش ندمان عليه، فهمت ولا عقلك في غفلة يابن الشيخ مهران؟
ابتسامته الجذابة ازدادت وقوله يسبقها:
_فهمت يا بشمهندس.
شغل محرك السيارة وأشار له:
_اتصل بيا وقت ما تحتاجني مع أني متأكد أنك هتعملها قبل خروجي من الحارة، فياريت تخلي عندك دم وتكلمني بعد ما أخد بريك يفكني من الكآبة اللي جتني من خلقة أمك دي!
ضحك بصوته المسموع وقال:
_ودي تيجي يا خواجة، مقدرش أستغنى.
رد يشاكسه:
_لا استغنى وغني بعيد عني يا حبيبي، ومن غير سلامات.
وتحرك بسيارته على الفور، بينما صعد آيوب للاعلى بخطوات مترددة، أبقته أمام باب الشيخ مهران ثلاثون دقيقة، حتى استجابت يده للطرق الخافت، فمازالت الساعة السابعة صباحًا، يعلم ان أبيه يعود بعد صلاة الفجر ويغفو هو ووالدته بذلك الوقت، ولكنه تفاجئ باستماعه للطرق الخافت وكأنه كان يجلس خلف الباب، يقابله بابتسامة ودموع ورمت جفونه، وصوت متقطع يناديه:
_آيوب، ابني!!
وجذبه يحتضنه بقوةٍ، بينما الآخر يفك تجمد جسده تدريجيًا ويشدد من احتضانه، محررًا دموعه هو الآخر.
عاتبه الشيخ مهران ومازال يضمه بقوة:
_قفلت موبايلك ومشيت من قبل حتى ما تسمعني، وراجع وش الصبح، هونت عليك تعيشني في القلق ده يا آيوب، هونت عليك!
مال على كتفه دون أن يتفوه بأي كلمة، فربت الشيخ على ظهره وهو يدعو له بصوت كان مسموعًا له، خرجت الحاجة رقية تناديه ببكاء وتهرع إليه هي الاخرة، تلقفته من زوجها تنزوي بأحضانه وهي تبكي بانهيار وتردد:
_كنت عارفة أن امك مش هتهون عليك يا آيوب، كنت عارفة إنك مش هتبعد.
أحاطها ومازال يبكي بوجعٍ، لا يرضا عن حالة والدته التي تسبب بها، رعشتها وانقباض قلبها بدى مفسرًا عن حالاتها دون أي توضيح.
ربت عليها بكل حنان، ومن امام بصره تطل زوجتت الباكية هي الاخرى، تقف على أعتاب غرفتها تراقبه بكل اهتمام، بينما هو يتطلع لها ويده تربت على ظهر والدته، وأمام اصرارها لحق بها لغرفتها، وغفى برأسه على ساقها، بينما تمرر يدها بحنان فوق رأسه، ومازالت تقرأ الرقية الشرعية عليه، ومن جوارها الشيخ مهران يراقب حالته بقلق، فاطمئن حينما غفى آيوب سريعًا على ساق رقية التي تقبل رأسه بين الحين والآخر ودموعها تنهمر فوق جبين آيوب الذي يشعر بها، ويئن وجعًا على ما خاضته وتخوضه الآن، وخاصة من حديثها عن ثقتها بما زرعته بتربيته وها قد حصدته حينما عاد إليهما في نفس لحظة افتراقه عنهما، هو فعليًا لا يستطيع الافتراق عنهما أبدًا!
******
واصل آدهم وشمس الخطى فوق الرمال، للوصول لجناحهما الذي بدى بعيدًا ومرهقًا لشمس بعد رحلة سفرها، حتى أنها حملت حذائها ذو الكعب المرتفع، وباتت تفتقد كل التعليمات الأرستقراطية التي تلقتها على يد فريدة هانم.
ألقت الحذاء أرضًا ونادت من يسبقها بخطوتين:
_آدهم.
توقف عن اتباع العامل واستدار لها، فوجدها تجلس على الرمال بتعبٍ، كبت ضحكته وانحنى إليها يهتف بسخرية:
_الرحلة لسه مبتدش شمس هانم!
احاطته بنظرة تقيمية، وكأنها تقيم قدرته الجسدية، وفجأته حينما قالت ببساطة:
_هو أنت ينفع تشيلني بدل الشنطة دي؟
راقب الحقيبة التي يحملها على كتفه، وعاد يتطلع لها قائلًا بتسلية:
_لا طبعًا الشنطة أخف منك بكتير، وبعدين إنتِ عايزة تكسري ضهري وأنا عريس جديد، ترضهالي يا شمس؟!
كشرت عن أنيابها وصاحت بضيق:
_نعم!! أمال أيه جو ظابط المهمات المستحيلة، وسفاح المعادي اللي عايشهم دول، والعضلات اللي مربيها دي لزمتها أيه لو مش قادر تشيلني معلش!!
واضافت وهي تربع يدها أمام صدرها بغيظٍ:
_بص يا آدهم يا تشيلني وتدلعني زي ما عمران وعلي كانوا بيعملوا وقت ما بتعب يا ترجعني ليهم، انا أساسًا مش مصدقة إني بعدت عنهم!!
أفزعها حينما ألقى الحقيبة عن كتفه، وفرد ذراعيه قائلًا بسخرية:
_دراعاتي بانتظارك شمس هانم.
توسعت ابتسامتها بسعادة، فحملت حذائها الثمين، وهرولت إليه تقفز لطول ذراعيه، ضحك رغمًا عنه، وانحنى يلتقط الحقيبة على ظهره، ثم تحرك بها بخفة وكأنها لا تزن شيئًا بين يديه.
تطلعت له شمس بهيامٍ، وقالت تشاغبه من جديد:
_كابتن، ممكن أريح شوية هنا؟
قالت وهي تشير على كتفه، فردد مازحًا:
_استوليتي على دراعي، مجتش على كتفي يعني، أقولك اعتبريني ملكية خاصة لحد ما نوصل الجناح بس.
مالت إليه تحيط كتفه بابتسامة واسعة، فمال يهمس لها بخبث:
_اتمنى تفضلي بالقرب ده بره وجوه الجناح.
ابتعدت عنه تطالعه بريبة، وبغضب قالت:
_متحلمش كتير يا كابتن!
ضحك بصوته الرجولي، وغمز لها:
_تعليماتك أوامر شمس هانم.
ولج بها للجناح المزين بالورود خصيصًا لاستقبال العروسين، فوضعها على الفراش بين باقة الزهور، واشكال المنشفة المحاطة بها، تلمست شمس بتلات الزهور من حولها بفرحة، ودارت بها تلقاها لاعلى وهي تردد:
_ريحتها تحفة بجد.
راقبها بابتسامة جذابة، وأخذ يراقبها وهي تحمل بعضًا منها وتلقاها من فوقها، صوت ضحكاتها ينعشه، عقله لا يفكر سوى باستغلال كل لحظة ستجمعه بها، وكأنها لحظاته الاخيرة بالحياة!!
جلس آدهم على طرف الفراش يراقبها بابتسامة هادئة، بينما تقفز هي فوق الفراش بجنون، حتى تهاوت جواره من فرط حركاتها، فوجدته ينحني إليها، يحرر حجابها الذي بدأ يتدلى باهمال من فرط حركاتها.
تهاوى انذار الخطر داخلها، وخاصة مع رؤية نظراته التي ملأتها عاطفة عشقه لها، وهمسه الذي بدى كجرعة مخدر سارية عليها لأول مرة:
_اتحقق حلمي وبقينا مع بعض.
ابتلعت ريقها بتوتر وهو توزع نظراتها بين نطق كلماته وعينيه التي لا تفارقها، تجده يدنو وهو يحمل اصرار اللقاء، وما أن اجتمع بها حتى ابتعدت تردد بارتباكٍ:
_آآ.. أنا.. هأخد شاور..
وتركته وهرولت إلى الحمام، فزفر وهو يلقي بجسده على الفراش ناطقًا بضيق ساخر:
_من أولها محاولة هروب!
*****
كاد عُمران أن يحطم هاتفه الذي يحاول الوصول به لآدهم لمرته الثلاثون، وكالعادة لا يستمع الا ان الهاتف مغلق، حرر وضع التسجيل وهدر بانفعال
«لو إنت فاكر إنك لما تقفل موبيلك أنا مش هعرف أوصلك تبقى متعرفش انت مناسب مين يا حضرة الظابط، لينا حساب طويل أوي، وبدايته سفرك المفاجئ من غير علمنا، وتانيه تسرعك ومواجهتك مع آيوب في وقت إنت مش موجود فيه، عقلك فقد ذكائه بمهمة من مهماتك العبقرية أكيد، ودلوقتي زي الشاطر كده هتفتح موبيلك وهتكلمني أول ما هتسمع رسالتي والا وقسمًا بالله هتلاقيني في وشك، ولو جيتلك ديتك معايا يومين تلاتة وهجمعك بيها في محكمة الاسرة، وأنت عارف ان عمران الغرباوي أد كلمته، إعقلها كده ومتخلنيش أخرج شياطيني عليك، أنت عارف اننا مرتبطين بشمس جدا ومع ذلك مخليها قافلة الموبيل وانت كمان قافل موبيلك، فبلاش ندخلها حرب ونخلصها بدري كده، إعقلها بعقلك اللي شاكك بوجوده حاليًا»
ألقى الهاتف على مقعد السيارة الذي يجاوره، والعصبية تتمكن منه، يطرق بأصابعه على المقود، فاذا بهاتفه ينير من جديد، حمله وكله أمل لسماع صوت شقيقته، ولكن آماله قد خابت حينما وجدها رسالة من علي، تحمل موقع لاحدى الاماكن، حرر الاتصال به وما أن أجاب قال:
_ده أيه؟
اتاه صوته الغامض يخبره:
_موقع مكان هتجيني فيه، ولا فاكر أن مسموحلك إنت بس تبعتلي مواقع أجيلك فيها.
وأضاف قبل أن يغلق الهاتف بوجهه:
_لما تتغر وتحس إن مفيش منك اتنين أفتكر إن أنا البابا!
برقت رمادية عُمران بصدمة، فأخذ يراقب الهاتف برقم أخيه بدهشة، هادرًا بعدم تصديق:
_كملت!
أعاد تشغيل هاتفه وأتبع الموقع بضجرٍ، فاستمرت قيادته لخمسة وعشرون دقيقة حتى وصل لمحل سيارة أخيه، هبط من السيارة ينزع نظارته السوداء، ويلتفت متفحصًا المكان بتركيزٍ، فوجده يصف السيارة جوار، محل بسيط للكشري المصري، وينتظره جالسًا فوق سطح سيارته، ومن جواره يضع طبقين من الكشري الساخن، ويحمل بيده طبقًا إضافيًا على ما يبدو أنه كان يلتهمه للتو.
صعد عُمران لجواره على سطح السيارة، وتنهد بضيق، هاتفًا:
_خير يا بابا علي!
وضع الطبق عن يده وقال مبتسمًا:
_مزاجي رايق وقولت أروقك معايا يا حبيب بابا، سمي الله وكل بايدك اللمين، وبلاش توسخ هدومك عشان أجبلك كاندي كتير.
احتقنت رماديته وبالكد منع لسانه السليط عن إخراج ما لا يحمد، اكتفى بتأمل الطعام وعاد يتساءل ساخطًا:
_فين الـ Healthy food يا دكتور؟
أجابه وهو يلتهم الملعقة بتلذذ:
_في أجازة مؤقتة.
وأشار للاطباق بينهما:
_مد إيدك.
تنهد بارهاقٍ تسلل إليه، فاسند ظهره لزجاج السيارة والتقط إحدى الاطباق يشرع بتناولها، وبين الحين والآخر يتفحص هاتفه بلهفة، راقبه علي من طرف عينيه بمكرٍ، اتبع نبرته:
_سيب العرسان يتهنوا بشهر العسل، متبقاش خنيق!
رفع عينيه المحتقنة إليه، وصاح متعصبًا:
_خنيق!! البيه ضحك علينا وقال هيسافر بليل واخدها ومشى من ورانا وإنت عادي عندك كده!!
ترك الطبق عن يده، وجذب المنديل يمسح فمه، ثم قال بمنطقية:
_شمس بقى ليها زوج مسؤولة منه يا عُمران، مبقاش لينا تحكمات عليها زي الاول، وحتى لو عملناها فمن حقها تعيش حياة طبيعية مع جوزها زي أي بنت.
صاح بعنف:
_لا طبعًا، مش من حقه ولا من حقها، شمس ملزومة مني ومنك لحد أخر يوم في عمرها، إنت إزاي أصلًا تتكلم كده!
زفر بيأسٍ منه، وهدر:
_شكلي محتاج لدكتور نفسي، وأنا خارج نطاق الخدمة اليومين دول.
واسترسل بسخرية:
_ربنا ينجدنا منك ومتكنش مايا حامل في بنت، لو حصل حياتي هتتقلب قلبة من الطراز الفريد.
وعاد يخبره بابتسامة زائفة:
_يعدي شهر العسل ونشوف حوارك اتفقنا؟
صاح بعصبية:
_ليك نفس تهزر يا علي!!
أجابه باستهزاء:
_واعمل أيه عشان أرضي جنابك، أنتحر من برج إيفل ولا أكهربلك نفسي!!
عاد يتناول طعامه هادرًا بغضب:
_لا دي ولا دي، أنا مستغناش عنك أنت كمان، أنا السبب في كل ده، المفروض مكنتش جوزتهم أصلًا ولا قبلت بالمهزلة دي!
زوى علي حاجبيه بدهشة:
_هما مين دول؟
اجابه بتلقائية أبادت علي:
_أمك وأختك!
وتابع بعينٍ ماكرة:
_بس عندي أمل يرفعوا قواضي خلع ونخلص منهم إن شاء الله.
أوشك علي باصابته بذبحة صدرية، ومع ذلك قال:
_وفاطيما مصيرها معاك أيه عشان متفاجئش بس؟
استدار يتعمق بنظرة له، وقال:
_لا فاطمة ميتخافش منها، مش من النوع الزنان اللي تزن على فراق بيت العيلة، بالك لو كانت فريدة هانم نجحت تطفشها من البيت كنت طفشتها من الجوازة كلها، لاني ببساطة مقدرش أخليك تبعد عني، إنت فاهمني مش كده!
رمش علي بصدمة، وضم شفتيه في حسرة بينما يهمس:
_أنا داير أعالج في خلق الله وأخويا الأحق، لازم أحجزله أوضة بالمركز، بس هعالجه ولا أربيه الأول؟!
ناداه عمران باستغراب:
_علــــــــي! بتكلم نفسك!!
رسم ابتسامة واسعة:
_لا متخدش في بالك، كمل يا حبيب قلب بابا، كمل!
منحه نظرة ساخرة واستكمل تناول طعامه، ثم قال:
_روح هاتلي قهوة مظبوطة تخدر كلابي الصعرانة دي، أصلهم لو اتسابوا عليك هيقطعوك وإنت غالي عليا يا علي!
منحه نظرة نارية، فردد ببراءة لا تعهد اي طريق لوقاحته:
_سهران من امبارح ومحتاج قهوة أنا!
ترك ما بيده واتجه لاقرب مقهى، بينما يتناول عُمران طعامه بغيظٍ حتى أتاه رنين هاتفه برقم آدهم، فأسرع يجيبه بغضب:
_شمس فيــــــن؟
=طيب قول ازيك، عامل أيه، مش داخل دخلة عديم الذوق اللي متلقش بيك دي؟
_أنا معنديش المقدرة أتنافس معاك بالكلام الفاضي حاليًا، عايز أسمع صوت شمس وحالا.
=شمس في الحمام وخارجة، المهم طمني على آيوب يا عُمران؟
_مش قبل ما أطمن على أختي الأول.
=ليه هو أنا خاطفها!
_كلامي سمعته كويس، ومعنديش مانع أعيده تاني وعاشر، ادي الفون لشمس وحالًا.
=عُمران هو إنت بتتكلم جد!
_انا مبهزرش، عايز أسمع صوت شمس، أنا قلبي مقبوض عليها بشكل غريب، فياريت تحترم ده وتديها الفون.
انقبض قلب آدهم سماعه تلك الكلمات التي دفعته لتذكر مهمته، فنهض يتجه لحمام الغرفة، يطرق بابه وهو يناديها:
_شمس.
أتاه صوتها تجيبه على استحياء:
_شوية وخارجة يا آدهم.
قال برفق:
_خدي راحتك يا حبيبتي، بس خدي الموبيل مني كلمي عمران .
هرولت تقف خلف الباب تتساءل بلهفة:
_بجد!
مدت ذراعها تلتقط الفون، وأسرعت بغلق الباب بوجهه بعنف جعله يكبت ضحكاته بصعوبة، بينما بالداخل تتقهقهر لابعد نقطة بالحمام حتى لا يستمع لصوتها، بينما تهمس بصوت منخفض:
_عُمران.
اتاها صوته المتلهف:
_شمس طمنيني عنك يا حبيبتي، عاملة أيه؟
ردت عليه بفرحة:
_أنا كويسة وبخير.
تساءل بريبة:
_ليه بتوطي صوتك كده! انتِ كويسة يا شمس!
اجابته بارتباك وحرج:
_انا كويسة، بس مترددة ومرتبكة ومش عارفة أعمل أيه؟
ضيق رماديته بدهشة:
_تعملي أيه في أيه؟!
امتقع وجهه بحمرة طاغية، وخطت ذهابًا وايابًا وهو تحيط وجهها الاحمر، ناطقة بتردد:
_أنا مش عارفة المفروض اكلم مين، فريدة هانم مستحيل تسمعني وعلي بتكسف منه جدا جدا مفيش قدامي غيرك بس للاسف إنت راجل وأنا المفروض اتكسف منك وكده، عشان كده ممكن تكون اختي لخمس دقايق!
ضحك رغمًا عنه وقد تفسر له الموقف، وبصعوبة نطق من بين ضحكاته:
_أنتِ هربانه في الحمام يا شمس!!!!
صاحت بانفعال:
_عُمران متضحكش، هقفل المكالمة على فكرة.
تعالت ضحكاته مجددًا وقال:
_أنا فخور بيكِ لمية سنة قدام، وراضي عنك جدًا جدًا.
عادت تصيح بانفعال:
_هقفل سامع؟
هدأت ضحكاته وقال:
_خلاص خلاص سكت اهو، بس خدي بالك بالرغم من فرحتي بموقفك الا إن في حتة يمين عندي بتقولي أنك مينفعش تعملي كده والحتة الشمال بتقولك كملي وإدبيه.
تشوش عقلها مما تستمع اليه، وبتوتر قالت:
_يعني اعمل أيه؟!
تلاشت ضحكاته، وأخذ يحدثها برفقٍ:
_شمس إنتِ ليه مرتبكة كده، مفيش حاجة تستدعي الخوف والتوتر اللي انتِ فيه ده، مش ده آدهم اللي انتي اختارتيه من ما بين بلطجية.راكان كلهم ، فمالك بقى؟!
وجدت أنها تتجه لمنعطف مخجل لا ينبغي التطرف إليه، فاخذت تهزي:
_ما انت السبب، منعتني من الخروج معاه الا بحدود رغم اننا كنا كاتبين الكتاب، فمخدتش عليه بالشكل الكافي.
سخر من حجتها الباطلة:
_عُمران الغرباوي شماعة رمي المصايب، مبقتش اتفاجئ من أي حاجة بتحصل في العيلة دي.
زفرت بضجر:
_عُمران ممكن تساعدني بدون ما تشتكي من طريقة كلامي، بقولك أعمل انك اختي الكبيرة!
هتف مستهزئًا:
_مش عايزاني بيبي سنتر لاولادك أنتِ والبلطجي اللي عندك بالمرة.
=هقفل المكالمة صدقني!
تنهد بيأسٍ من حجب لسانه السليط، وقال بثبات دون أن يتطرق لحديث يخجلها أو يحرج لجوئها إليه بوقت كذلك:
_شمس انا أوقات بكون ضد آدهم أو بكل الاوقات what ever يعني، بس مقدرش أكون ظالم، آدهم بيحبك ومستحيل يأخد خطوة وهو حاسس إنك مش مستعدة ليها، خليكِ واثقة فيه وفي حبك وهو هيقدر ده ومش هيخذلك.
وتابع بمحبة وحنان:
_المشاعر بين الزوجين بتتراضى بالقليل لو كان في حب بينهم، وانتوا بتحبوا بعض، فاطمني، كل اللي أنتي فيه ده طبيعي ومرت بيه أي بنت، اللي ناقصك بس أنك تطمني وتثقي أنه بيحبك.
ارتضت ملامحها وتلاشى عنها أي خوف، ظنونها بمساعدته الكاملة قد تمت على أكمل وجه، فقالت براحةٍ:
_مش بقولك أعظم اخ.
ضحك وقال باستهزاء:
_أخت، أم، أخ مش هتفرق كتير، المهم إنك متفضحناش وتفضلي عندك كتير.
ومازحها بضحك:
_الظاهر إني ظلمت الكابتن وشادد عليه حيلي في حين إنك انتي اللي عايزة الشد.
هتفت بضيق:
_لا شد ولا جذب، سلام يا باشا.
اغلق الهاتف وابتسامته تتسع على وجهه بوضوحٍ، استدار ليعود لمقدمة السيارة فوجد علي ينتظره بالقهوة وأخبره:
_وشك نور ببقى كلمتها.
صعد علي لمقدمة السيارة، بينما انحنى عمران يجذب شيئا ما من السيارة ثم اتجه اليه، ارتشف قهوته على رشفتين، ثم قدم له كتاب يحمله، فتساءل علي بدهشة:
_ده أيه؟
أجابه بمنتهى الهدوء وهو يزيح الاطباق ويغفو فوق قدمه:
_كتاب نتشته من عربيتك، وواضح من العلامة انك لسه في أوله، كمل قراية لحد ما أغطسلي ساعة كده وفوقني.
التقط منه الكتاب وقال بانزعاج:
_كتاب أيه؟ انا نازل اتمم على الاجهزة، يوسف مستنيني.
نهض يتعمق بعينيه بنظرة درامية اتبعت قوله:
_اخوك ولا الاجهزة يا علي؟
ضحك وهو يخبره:
_الاجهزة طبعًا يا حبيبي!
تمدد على ساقه وهو يهدر بضحك:
_كنت عارف إن هتختارني، تصبح على خير يا دوك.
راقب الطريق من حوله وصاح:
_هتنام في الشارع!!!!
لم يجد أي رد منه فقد غفاه النوم سريعًا بشكل جعل علي يشفق عليه، فسحب كوب قهوته ومضي يقرأ كتابه في صمتٍ.
*****
بالمركز الطبي.
التقطت اذن يوسف صوت ضجيج من غرفة الكشف التي ستخصص لعلاج الاطفال، وما أن ولج للداخل حتى تفاجئ بسيف يهرول بالغرفة كالمجنون ومن خلفه تهرول زينب وهي تصيح بصدمة:
_سيف بطل رخامه وخليني أسحب منك عينة دم، مش قادرة أفسر موقفك الغريب ده!
هرول تجاه أخيه يصرخ بهلع:
_االحقني يا يوســـــف، ابعدها عني بالبتاع اللي في ايدها ده.
كبت يوسف ضحكاته بصعوبة وقال:
_دكتورة زينب معلش سيفو عنده عقدة من الحقن.
جحظت عينيها في صدمة وقالت:
_نعم!
قال يجاريها مازحًا:
_دي الحقيقة اللي خبناها عنك ولو عايزة تطلقي أنا أعرف مأذون كويس أوي ومبياخدش أتعاب، شغال يخلص البشرية لوجه الله!
******
تعطل حاسوب فاطمة عن العمل بشكلٍ مفاجئ، ولم يتبقى على اجتماعها الالكتروني الا خمسة عشر دقيقة، فلم تجد حلًا بديلًا الا الاستعانة بحاسوب زوجها.
بحثت عنه بحقيبته السوداء حتى عثرت عليه، جلست تفتحه وتعيد فتح حساباتها الشخصية عليه، لتبدأ اجتماعها بمهارة عالية، وثقة باتت تمتلكها بعد معاناة وتقدم هائل بعلاجها، وما ان انتهت حتى نزعت حجابها وجلست تستريح بتعب، وترتشف من كوب عصير البرتقال خاصتها.
صفقت عينيها بصورة علي الموضوعة خلفية على الحاسوب، كانت له وهو يجلس على مقعده يتأمل باحد الكتب ويده تعبث بنظارته، كان وسيمًا لدرجة سحرت أعينها وجعلتها تميل على يديها، تتأمله لوقتٍ لم تمل به، وفجأة وجدت يدها تفتح الاستديو الخاص به، تتفنن بالتطلع لكل صورة يحتفظ بها، سواء صورته بمفرده او يشاركه بها أحد من افراد عائلته، حتى صورها القليلة برفقته كان يحتفظ بها.
ابتسامتها تزداد تعمقًا مع كل صورة، حتى انتهت من رؤيتها بالكامل، فاغلقتها وكادت بالخروج لولا أن لفت انتباهها ملف موضوع من فوفه اسم #فطيمة.
فتحته فاطمة والدهشة تحيط بملامح وجهها، فوجدتها مذكرات مدونه من علي، وما صدمها لم تكن بداية ما قرأته ولكن ما كل سطر تتعمق به، لتصيبها صدمات متتالية، ودموع لا حصى لها، يقص بقصته مراحل تطور علاجها، بداية من قصة حبه ونهاية باقتراح عمران المدبر لها بالعمل برفقته.
كل نجاح أحرزته طوال فترة عملها كان مسجلًا، كل شيء بحياتها مسجل، حتى امتناعها عن الحمل، تعاملها مع الرجال الذي بات طبيعيًا عن بدايته، كل شيء يحرزه كنجاحه كطبيب متخصص بعلاج حالة كانت لا تحمل أي آمال للشفاء، وكأنها كانت مجرد حالة استكشافية له!! كل سطر أهانها وأوجعها بطريقة قاسية، لدرجة أنها كانت تخشى أن يكون أحدًا برفقتها فيقرأ ما تقرأه، تخشى أن يتطلع أحدًا على حياتها المطروحة أمامها بملف على حاسوب زوجها، عذرًا لم يكن زوجًا كان مجرد طبيبًا مستغلًا كما تراه الإن وفي تلك اللحظة!!!!!!

يتبع…

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية صرخات أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *