روايات

رواية امرأة العقاب الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل الثالث والخمسون 53 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت الثالث والخمسون

رواية امرأة العقاب الجزء الثالث والخمسون

رواية امرأة العقاب الحلقة الثالثة والخمسون

حالة من الذهول تمكنت منه وخلقت سكونًا تامًا على الأجواء .. أذناه لا تستوعب ما سمعته للتو .. لم يكن يتوقع أبدًا أن يسمع اعترافها بموقف كهذا ! .
لم يبدي أي ردة فعل وآثر الصمت وهي بين ذراعيه لكن تدريجيًا ارتفعت البسمة السعيدة فوق ثغره .. قلبه يدق بعنف في مسكنه وروحه العبثية سكنت بسعادة غامرة .
ابتعدت عنه ببطء وتطلعت إليه بحيرة ثم همست بشبة ابتسامة :
_ عدنان !!
طالت نظراته الذائبة لها وكأنه مُسكر ثم خرج صوته الخافت يقول :
_ قولتي إيه !
ابتسمت بدلال وغمغمت :
_ إنت مسمعتش يعني أنا قولت إيه !
نفى بهز رأسه وهمس بصوت متلهف :
_ تؤتؤ .. عايز اسمع تاني
ضمت شفتيها في ابتسامة ود ورقة ثم تطلعت بعيناه في ثبات وتمتمت بمشاعر صادقة :
_ بحبك يا عدنان
رأته يبتسم ببلاهة وسعادة كطفل صغير ! .. وبعد ثلاث ثواني بالضبط وجدته يقترب منها أكثر ويميل عليها هامسًا برجاء :
_ كمان مرة
ضحكت بخفة وغنج إنوثي مثير ثم دنت هي الأخرى منه ولفت ذراعيها حول رقبته هامسة برقة ودلال جعلته ذائب كقطعة الثلج فوق النيران :
_ بــحــبـك
مال برأسه للخلف يهتف بنبرة نابعة من صميمه :
_ آااه ياني ياما
قهقهت بقوة بينما هو فعاد يتطلع بها مرة أخرى ويقول باسمًا بغرام :
_ آخر مرة
رفعت حاجبها وردت ضاحكة :
_ الله بقى !
عدنان بهيام متوسلًا :
_ عشان خاطر أبو بنتك حبيبك .. ده أنا غلبان
تنهدت مغلوبة وردت بضحكة خافتة وهي تقترب وتطبع قبلة رقيقة فوق وجنته :
_ بحبك
تمتم بابتسامة لعوب ونظرة عبثية :
_ وضيفي لغلبان كمان واحدة مسكين والدنيا جاية أوي عليه
فهمت تلمحياته الماكرة فضحكت ونكزته في كتفه هاتفة :
_ عدنان !!!
دنى منها ووزع قبلاته على وجهها كله من بين همساته العاشقة :
_ ياعيون وروح وقلب عدنان
لم تجيب واكتفت بابتسامتها الساحرة ونظراتها العاطفية .. أثارت غريزته وشوقه فمد يده للخلف لا إراديًا وأطفأ الضوء !! ….
                                   ***
بكاء عنيف من فوزية وسط كلماتها الغير مفهومة بسبب حدة عويلها .. وبجانبها تجلس سهيلة تحاول تهدئتها وعلى الجانب الآخر كانت تجلس والدة سهيلة وهي أيضًا بدورها تلطف على فوزية بالكلمات لتهدأ من زعرها على حفيدتها ! .
هتفت فوزية من وسط بكائها :
_ أنا عايزة بنتي .. مهرة مش حفيدتي دي بنتي وبنت الغالي .. هي اللي فضلالي من بعد أبوها ده أنا لولاها كنت مت من قهرني وحسرتي على ابني
سهيلة بنبرة رزينة على عكس الرعب الذي يستحوذ عليها من الداخل :
_ يا خالتي فوزية اهدي ابوس إيدك .. بإذن الله هيلاقوها وهترجع زي الفل وسالمة
ردت والدة سهيلة بإشفاق :
_ أيوة يافوزية خلي عندك ثقة في ربنا ومهرة في حفظه ورعايته .. وهترجعلك سالمة
كأنها لم تسمع أي كلمة منهم وكانت تفكر بشيء مختلف حيث تطلعت بسهولة في قوة وقالت :
_ هو مش اللي اسمه آدم ده هو اللي كلمك ياسهيلة .. اتصلي بيه وخليني أكلمه أنا هروحله وادور على بنتي
أنهت عباراتها واستقامت واقفة تهم بارتداء حذائها حتى تغادر لكنهم أمسكوا بها ومنعوها من الخروج بلطف لتقول سهيلة :
_ تروحي فين بس .. إنتي لسا تعبانة ومش هتستحملي ياخالتي .. أنا هخليكي تكلميه بس اقعدي وحياة حبيبك النبي لاحسن تتعبي بزيادة
عادت لبكائها ونواحها من جديد بينما سهيلة فابتعدت قليلًا عنهم مسامعهم وأجرت اتصال بآدم الذي أجابها بعد عدة رنات :
_ الو
سهيلة بلهفة وصوت مرتعد :
_ عرفت حاجة عنها ولا لسا يا آدم ؟
آدم بخنق :
_ لا لسا ياسهيلة .. بس هلاقيها أكيد إن شاء الله
_ طيب خالتي فوزية مصممة تجيلك لما عرفت إن إنت اللي اتصلت بيا وبتدور علي مهرة .. وحالتها تصعب على الكافر مش مبطلة عياط .. هفتحلك الميكرفون اللي في الفون وكلمها هديها شوية بالله عليك
_ طيب ادهاني ياسهيلة
عادت لهم بسرعة وقالت لفوزية بعد أن ضغطت على مكبر الصوت في الهاتف :
_ أهو آدم ياخالتي كلميه
فوزية بصوت مرتفع من أثر البكاء العنيف :
_ بنتي فين معرفتوش حاجة عنها ؟
خرج صوت آدم الرخيم والرجولي :
_ لسا للأسف .. بس متقلقيش والله .. أنا مش هرجع بيتي إلا لما الاقيها واطمن عليها واسلمهالك بإيدي كمان .. اهدي إنتي بس ياست الكل عشان صحتك ومهرة ان شاء الله هتكون بخير .. أنا مش هسمح إن حاجة تأذيها أبدًا واعتبريه وعد مني
كتمت فوزية صوت بكائها بصعوبة بعد عباراته .. لا تستطيع إنكار أن كلماته ونبرة الصدق والرجولة التي لمستها في صوته هدأت من روعها قليلًا لكن لم تطفأ نار الخوف واللهفة على حفيدتها ! .
                                  ***
بغرفة زينة ……..
جالسة فوق مقعدها الهزاز وبيدها الهاتف تحدق في شاشته بيأس .. لم تتوقف عن محاولاتها للاتصال به منذ رحيله لكن باءت كل محاولاتها بالفشل .
لا تتمكن من حجب دموعها كلما تتذكر كلمات ألاء لها .. هل حقًا سيتخلى عنها ويتركها .. هي عاجزة أمام قلبها السخيف الذي يقودها للهاوية بكل مرة .
تشعر بوغزة مؤلمة في قلبها حين تتخيل احتمالية حدوث ما قالته شقيقته حول سفره و زواجه .. لا تفهم سبب ضيقها لكن كل ما تدركه الآن أنها تريده .. تريده معها .. ستعتذر منه عن ما سببته له من ألم دون علمها .. ستسأله عن فرصة أخرى لهم .. ستفعل كل ما بوسعها .
 أن كان هناك أحد يستحق شوقها وخوفها من خسارته فسيكون هشام بالتأكيد .. لذلك لن تسمح له بمفارقتها ! .
استقامت من مقعدها وتحرك باتجاه الشرفة لتدخل وتقف  عاقدة ذراعيها أسفل صدرها .. مائلة برأسها للخلف تتأمل السماء بوجه مهموم وتتنفس الصعداء ببؤس .
بعد دقيقة انزل رأسها ووقعت عيناها الشارع بالأسفل في تلقائية .. فشعرت بتوقف نبضات قلبها للحظة حين رأت سيارته بالأسفل .. ظنت أنها تتوهم أو قد تكون شبهت السيارة لكنها دققت النظر لوقت ونجحت بصعوبة في اختراق الزجاج بنظرها لترى ظلًا وجسد رجل بداخلها يشبهه تمامًا .. إن كان هناك احتمالية في اختلاق شكل سيارته عليها فحتمًا لن تخطأ به هو .
تهللت أساريها ولمعت عيناها المنطفئة منذ رحيله بنور السعادة واللهفة مرة أخرى .. لتستدير وتعود للداخل راكضة صائحة على أمها بسعادة :
_ مــامــا هشام رجع
انتفضت ميرڤت على أثر جملتها وهبت واقفة بفرحة تقول :
_ رجع إزاي .. هو فين ؟!
زينة بتلهف وهي ترتدي حذائها بجانب الباب على عجلة وتقول :
_ تحت أنا هنزله
لم تمنعها بل تركتها تهرول له .. لأول مرة ترى ابنتها متلهفة وسعيدة لرؤية أحد بهذه الطريقة .. بينما هي فأسرعت إلى النافذة لكي تنظر منها وتراه .
لم تستقل بالمصعد الكهربائي للبناية بسبب تعجلها ولهفتها لمقابلته بعد غياب أيام ! ، ونزلت الدرج من الطابق الرابع ركضًا .
وصلت أخيرًا للطابق الأرضي واكملت ركضها للخارج بسعادة لكن لهفتها لم ترى الضوء ودفنت سعادتها في التراب قبل أن تكتمل .. عندما توقفت وراحت تتلفت حولها بصدمة بحثًا عنه وعن السيارة التي لم يعد لها وجود واختفت تمامًا .. هي لا تتوهم بل على يقين أنها رأته بداخل سيارته .. كان هو ! .
عبس وجهها وانطفأ لمعان عيناها البندقية بأسى وألم .. ثم حاولت مواساة قلبها المسكين بأنه حتى لو لم يسمح لها برؤيته فيكفيها أنها تأكدت من عدم سفره ! .
                                      ***
بعد ساعات طويلة من محاولاتها للنهوض من الفراش أخيرًا تمكنت من الوقوف على قدميها بصعوبة .. يبدو أن مفعول ذلك الشيء المجهول الذي أجبرها على شربه قد بدأ يزول .
تحركت بخطواتها المتعثرة إلى باب الغرفة وحين وصلت استندت عليه وراحت تضرب بكفيها على الباب بعنف وتصرخ عليه :
_ افتح الباب ياعامر .. ورحمة أمي وأبويا ما هخليك تنفد بعملتك المرة دي ياحيوان يامريض
استمرت في الضرب على الباب دون ملل وسط صياحها عليه بالسباب والشتائم متوعدة له بالعقاب على يفعله بها .
فجأة سمعت صوت المفتاح في القفل وبعدها انفتح الباب فارتدت للخلف ولحسن الحظ أن اصطدمت بالحائط ولم تسقط .. بينما هو ففتح الباب ودخل وهو يبتسم بنفس الابتسامة المستفزة .. اغلق الباب خلفه وتقدم منهم بتريث وبيده ورقة وقلم .. اخفضت نظرها إلى يده وسألته بقلق :
_ إيه الورقة دي !
وقف أمامها مباشرة وهمس باسمًا بنظرات مريبة :
_ هنتجوز ياحبيبتي .. دي ورقة جواز عرفي مؤقتة لغاية ما نتجوز رسمي
اتسعت عيناها بذهول وتسارعت نبضات قلبها فأخذت تنقل نظرها بينه وبين الورقة بصدمة ثم صاحت به :
_ إنت مريض وعايز تتعالج .. لو إنت آخر راجل في الدنيا لا يمكن اقبل اتجوزك ياقذر
أظلمت نظراته واختفت البسمة من فوق ثغره ليحل محلها الشراسة والغضب وهو يجيبها بخفوت مرعب :
_ هتوافقي وهتمضي يامهرة .. وإلا إنتي عارفة أنا ممكن أعمل إيه .. لو خايفة على جدتك وعايزاها تعيش يبقى هتمضي وإلا ……….
دفعته بكلا ذراعيها بعيدًا عنها وصرخت منفعلة تمنعه من استرسال حديثه :
_ جدتي لو قربت منها أنا اللي هقتلك فاهم ولا لا
ابتسم ببرود وقال في خبث وهو يضع القلم في يدها عنوة بنظرات تحذيرية :
_ يبقى نجيبها من قصيرها وتمضي ياحبيبتي بالذوق بدل ما تمضي غصب .. امــضـــي يلا
ألقت بالقلم وصاحت به في شراسة :
_ مش همضي وابعد الورقة دي عن وشي بدل ما اقطعها خالص
أثارت جنونه فقبض على ذراعها وجذبها إليه ثم أخرج هاتفه وفتح بعض الصور الذي قام بالتقاطها لجدتها وهي نائمة من داخل منزلهم بالضبط ثم قال بنظرة شيطانية :
_ شايفة الصور دي .. النهارده روحت بيتكم ودخلته كمان وجدتك كانت نايمة وكان معاها سهيلة في البيت .. المرة دي دخلت ومعملتش حاجة بس المرة الجاية مش هخرج زي ما دخلت .. تحبي اعمل كدا ولا تمضي بالذوق ومن غير شوشرة يامهرتي
انقبض قلبها وارتجفت أوصالها خوفًا على جدتها من ذلك المعتوه الذي بإمكانه أذيتها بالفعل إذا رفضت .. استمرت في الحديث بالصور بخوف وتردد بينما هو فمال وهمس بأذنها متلذذًا بخضوعها له :
_ هااا قولتي إيه يازوجتي المستقبلية نمضي علطول ولا لسا هنماطل اكتر
رمقته شزرًا بعجز ليعود ويضع القلم في يدها باستمتاع ويعطيها الورقة هامسًا :
_ يلا ياحبيبتي امضي
راحت تنقل نظرها بين الورقة وبينه بحيرة وارتيعاد .. لا يمكنها فعلها وبنفس اللحظة لا تستطيع المخاطرة بحياة جدتها بسبب ذلك المعتوه .
اتخذت قرارها بالاستسلام المؤقت .. فحتى إذا فعلتها سيظل زواجًا باطلًا وليس حقيقيًا ولن تصبح زوجته أبدًا .. لكنها فقط ستنفذ نفسها وجدتها من بين براثينه .
مدت يدها المرتعشة للورقة وسالت دموعها الحارقة والعاجزة وهي تخط بالقلم فوق تلك الورقة الباطلة  .. وفور انتهائها جذب الورقة من يدها وانفرجت شفتيه في ابتسامة عريضة وهو يقول بملامح وجه غريبة مختلفة تمامًا عن التي كانت منذ لحظات :
_ مبروك ياحبيبتي .. بقيتي مراتي يامهرة خلاص ياااه إنتي مش متخيلة أنا كنت منتظر اللحظة دي من إمتى
حدقته بذهول وخشيته حقًا بهذه اللحظة .. فهذا الرجل لا يمكن أن يكون طبيعيًا أبدًا .. بل مريضًا ويحتاج للعلاج النفسي .
تقهقرت للخلف بخوف من أن يحاول الاقتراب منها ولمسها لكنه فاجأها بجملته الحانية :
_ متخافيش ياحبيبتي أنا مش هقربلك الليلة دي .. إنتي تعبانة ومرهقة بس بكرا هتكون ليلتنا
لم تجيبه وظلت تتطلعه بنفس النظرات وهي تبتعد فقط عنه .. لا ترغب بشيء آخر في هذه اللحظة سوى مغادرته .. وبالفعل بعد لحظة استدار وانصرف فتنهدت الصعداء براحة .. ثم فورًا راحت تتجول بنظرها في أرجاء الغرفة تبحث عن أي ثغرة تمكنها من الهروب أو حتى شيء يساعدها على طلب المساعدة من أحد ! …….
                                     ***
على الجانب الآخر في إيطاليا ……
غادرت الصغيرة غرفتها بعد استيقاظها من النوم وقادت خطواتها الرقيقة تجاه غرفة والديها وهي تفرك عيناها من أثر النعاس .
وقفت أمام الباب ورفعت قامتها الضئيلة لتتعلق بالمقبض وتفتحه ثم تدخل وتتحرك بقدم غير متزنة إلى فراشهم .
كان عدنان يلف ذراعه حول خصر جلنار من الخلف يحتضنها بحنو أثناء نومهم .. حتى شعر باليد الصغيرة التي تجلس خلفه على الفراش وتهزه من كتفه بإلحاح ثم سمع صوت ابنته وهي تقول متذمرة :
_ بابي .. بابي اصحى .. اصحى
فتح عيناه بخمول ثم التفت برأسه لها وطالعها بعين نصف مفتوحة هاتفًا :
_ إيه اللي مصحيكي لغاية دلوقتي ياهنا
ردت بعبوس طفولي :
_ مش عارفة أنام .. تعالى نام معايا يا بابي
فرك عيناه بنعاس وقال بخفوت :
_ روحي ياحبيبتي وغمضي عينك وهتنامي
حين رأته يغمض عيناه لا إراديًا مجددًا فهزته وقالت ملحة بضيق :
_ بابي متنامش يلا تعالى معايا .. كدا هزعل منك .. بـــابـــي
فتح عيناه مجبرًا وزفر بنفاذ صبر ثم اعتدل في نومته واستقام جالسًا يجيبها مغلوبًا :
_ خلاص صحيت .. تعالى يلا لما نشوف اخرتها معاكي يا هنا هانم
نزلت من الفراش وحدقته بحب وسعادة غامرة ثم فردت ذراعيها وقالت بدلال طفولي :
_ شيلني يلا
هب واقفًا من الفراش ورمقها باستنكار ليقول :
_ كمان !!
زمت شفتيها بعبوس تستعطفه بذكائها الطفولي .. وبالفعل نجحت حيث ضعف من مجرد نظرة وانحنى يحملها فوق ذراعيها ويقول :
_ اديني شلتك أهو .. أي طلبات تاني ياسموك
ضحكت بصمت خشية من استيقاظ والدتها ثم مالت على وجنة أبيها وثباته برقة خامسة في صدق :
_ بحبك أوي يا بابي
ابتسم لها بحنو أبوي ثم مال ولثم شعرها وجبهتها بعشق متمتمًا :
_ وأنا كمان بحبك ياروح بابي
أسندت برأسها على كتفه في راحة بينما هو فألقى نظرة على جلنار النائمة قبل أن يغادر بابنته ويتجه بها إلى غرفتها .
 فتح الباب ودخل ليقترب من فراشها الصغير ويضعها برفق فوقه ثم ينضم بجوارها ويضمها لصدره متمتمًا بدفء :
_ يلا نامي بقى .. أنا جمبك أهو
رفعت رأسها عن صدره وحدقته بحماس هاتفة :
_ احكيلي حدوتة يا بابي
أشار على نفسه بسبابته في دهشة مردفًا :
_ أنا احكيلك !!!
أماءت برأسها في إيجاب ثم راحت تتطلع إليه ببراءة تنتظره أن يسرد لها حكاية ما قبل النوم .. بقى يحدثها بصمت وتفكير حتى تحدث بالأخير ليسرد لها أول قصة قذفت بذهنه وبدأ سرد بالجملة المشهورة ( كان يا مكان ياسعد يا إكرام ) .
ثم رمقها بتدقيق وقال باسمًا :
_ مش هما بيقولوا كدا برضوا !
هزت بالإيجاب وهي تضحك ليميل عليها ويلثم رأسها بحنو ثم يكمل القصة ويسردها لها بصوت رخيم وأنامله تعبث في خصلات شعرها برقة تثير الاسترخاء في الجسد .. وبالفعل لم ينتهي من سرد القصة حتى وجدها أغمضت عيناها وغطت في ثبات عميق بين ذراعيه .. فابتسم بحب وقبَّلها ثم مدد جسده على الفراش بجوارها جيدًا وسحب الغطاء عليهم ليغمض هو الآخر عيناه .
تقلبت جلنار بالفراش وحين شعرت بالفراغ خلفها وكأنه ظهرها عاري ففتحت عيناها فجأة وحدقت بجانب الفراش الفارغ باستغراب .
تلفتت حولها وهتفت منادية عليه بصوت ناعم :
_ عدنان .. عدنان !
حين لم تسمع إجابة منه تأكدت أنه ليس بالحمام فاستقامت من الفراش واقفة وغادرت الغرفة وتحولت بالمنزل بحثًا عنه .. لكن لا أثر له .. انتابها شعور بالقلق للحظة لكن سرعان ما اختفى حين فتحت باب غرفة صغيرتها ودخلت لتجده نائم بجوارها وهي بين ذراعيه .
ارتفعت البسمة العاشقة والحانية لشفتيها عندما رأتهم هكذا ثم تحركت ببطء شديد إليهم وانحنت عليهم تدثرهم بالغطاء جيدًا .. ثم مالت على ابنتها ولثمت رأسها بحب وانتقلت بشفتيها إليه تطبع قبلتها الرقيقة فوق وجنته .. ثم تستقيم في وقفتها وتستدير لتنصرف وتعود لغرفتها مرة أخرى حتى تكمل نومها ! .
                                      ***
بصباح اليوم التالي ……….
كانت نادين بطريقها لغرفتها بالأعلى وهي ممسكة بهاتفها تتصفحه بتركيز غير منتبهة بأى شيء من حولها حتى أنها لم تلاحظ وقوفه أمام باب غرفته ! .
وصلت إلى غرفتها ودخلت ثم اقتربت من الفراش وقبل أن تهم بالجلوس فوقه تسمرت مكانها حين رأت فستان الزفاف المفرود فوق الفراش بأكمله .. أصيبت بالذهول للحظة وظلت تحدق به بعدم استيعاب حتى شعرت بذراعيه تطوقانها من الخلف ويهمس بجانب أذنها في غرام :
_ إيه رأيك ، عجبك ؟
التفتت له وقالت بسعادة وعينان لامعة :
_ كتييير حلو يا حاتم .. ما توقعت إنو إنت ياللي تفاجئني وتجيب فستان العرس
حاتم بنظرات ماكرة  مبتسمًا :
_ عقبال الليلة الكبيرة ياحبيبتي
ابتسمت بخجل وردت في خفوت :
_ متبقي يومين بس على العرس
_ أنا بقى اليومين دول بنسبالي سنتين .. صدقيني عايز اعمل الفرح النهارده قبل بكرا
احتضنت كفه الضخم بين كفها الناعم واقتربت لتطلع قبلة فوق وجنته هامسة :
_ وأنا متلك متحمسة ياحبيبي .. هانت خلاص
انحرفت نظراته على الفستان وقال بعبث :
_ بقولك إيه ما تقسيه خليني اشوفه عليكي
ضحكت وردت بالنفي التام :
_ تؤتؤ ما بيصير .. راح تشوفني بيه يوم العرس
_ أه شغل suspense يعني وكدا !
نادين ضاحكة :
_ بالضبط .. قلي صحيح شو أخبار المشروع ؟
حاتم بنبرة رزين :
_ تمام كل حاجة زي الفل الحمدلله
طالعه مطولًا ثم سألت بترقب :
_ وعلاقتك إنت وعدنان شو وضعها .. لحد هلأ لسا في مشاكل ما بينكم
تنهد بقوة ثم قال في إيجاز :
_ لا يا نادين أنا وعدنان مفيش بينا غير الشغل حاليًا وأنا مش عايز يكون في أكتر من كدا وهو كذلك
رفعت كفها وملست على لحيته برفق مردفة :
_ براحتك ياحبيبتي المهم تكون مرتاح
اقترب ولثم جبهتها بقبلة مطولة ثم ضمها لصدره في لحظات عاطفية يسرقونها من الزمن ! …….
                                  ***
في إيطاليا …….
تعلقت هنا بيد أبيها وسألته بفضول طفولي :
_ بابي احنا رايحين فين ؟
_ هتعرفي دلوقتي ياحبيبتي
كانت تسير جلنار بجوارهم في صمتت وتتحول بنظرها في كل شيء من حولها بإعجاب وابتسامة رقيقة .. وحين وجدته يتجه بهم إلى مرسى المراكب  توقعت نوع الرحلة هذه المرة ماذا ستكون .. التفتت له وابتسمت بصمت .
وبالفعل بعد دقيقة من السير توقفوا أمام يخت مائي متوسط الحجم لكنه فخم وجميل وصعد هو أولًا بابنته ولحقت هي بهم .
جلست على الأريكة البنية الوثيرة وظلت تحدق أمامها بصمت حتى لفت نظرها الطاولة الممتلئة بمختلف المأكولات البحرية المفضلة لها ولصغيرتها .. فضحكت واستقامت واقفة لتقترب منه وتهتف :
_ وياترى بقى ناوي تخلينا نقعد قد إيه في اليخت هنا ؟!
غمز لها بخبث وتمتم :
_ زي ما تحبي .. لو عايزة نقضي الليلة هنا إنتي تؤمري بس
لفت ذراعها حول رقبته وبأنامل يدها الأخرى راحت تعبث بقمصيه في غنج هامسة :
_ أنا عايزاك إنت وبس
دنى منها وقال بنظرة راغبة وهائمة :
_ وأنا ليكي يا رمانتي
حين شعرت بأنها سيتمادي فمالت برأسها للخلف وصاحت على ابنتها ضاحكة :
_ ياهنا خلي بالك ياحبيبتي لتقعي
سمعت صوتها البعيد نسبيًا وهي ترد بانصياع :
_ حاضر يا مامي
ضحك عليها مغلوبًا ثم هتف بدون مقدمات وهي يرمقها بثبات :
_ اطلبي اللي تحبيه ياجلنار وأنا انفذ .. كفاية إنك تغمضي عينك وتتمني بس وكل أمنياتك تتحقق فورًا
ابتسمت له بود ثم رفعت أناملها تملس فوق لحيته الكثيفة بغرام متمتمة :
_ كفاية إن أنت وبنتي جمبي وبخير ياعدنان .. ده كافي بنسبالي
التقط أناملها وهبط بهم إلى شفتيه يلثمهم ويتمتم بعينان تحمل الوعود الصادقة :
_ وأنا جمبك ولا يمكن اسيبك ياحبيبتي
اقتربت وعانقته بحميمة وهي تتشبث بملابسه كأنها ملجأها الوحيد مغلقة عيناها بهيام !! ………..
                                   ***
_ ألو يا آدم بيه
آدم بصوت غليظ :
_ هاا يامحمد عملت إيه ؟!
_ عرفت ياباشا مكان اللي خطف آنسة مهرة
انتفض آدم واقفًا وقال بلهفة :
_ فين انطق اخلص
سكن وهو يستمع له يسرد له العنوان بالتفصيل وفور انتهائه خرج مسرعًا واستقل بسيارته ثم انطلق بها بسرعة البرق .
وصل أخيرًا بعد دقائق طويلة وترجل من السيارة ثم هرول ركضًا لداخل البناية واسرع ركضًا يصعد درجات السلم حتى وصل للطابق المقصود .. راح يطرق على الباب بعنف ويصيح من الخارج مناديًا عليها .. ولحسن الحظ أنها سمعته فأجابت فورًا بتلهف .
لم يلبث للحظة أخرى بعد سماعه صوتها حيث راح يبتعد بخطوات للخلف ثم يندفع للباب يدفعه بجسده في قوة وبعد عدة دفعات تمكن من كسره .. فدخل وصاح عليها بقلق :
_ مهرة إنتي فين ؟
صاحت عليه من داخل الغرفة :
_ أنا هنا يا آدم
تتبع صوتها ووصل للغرفة فحاول كسر بابها أيضًا ونجح بعد برهة من الوقت .. بمجرد ما رأته هرولت إليه وارتمت بين ذراعيه تجهش في البكاء بقوة هاتفة :
_ خدني من هنا يا آدم بسرعة أبوس إيدك
أبعدها عنه برفق وتفحص ملامحها باهتمام وقلق مردفًا :
_ هاخدك طبعًا يامهرة .. إنتي كويسة الأول
_ كويسة كويسة
جذبها من ذراعها معه للخارج حتى يغادر بها لكن اعترى طريقهم فور خروجهم من الغرفة عامر وهو يمسك بيده سلاحًا ويصوبه تجاه آدم هاتفًا بلهجة تهديدية :
_ ابعد عنها
تشبثت مهرة بملابسه في رعب وقالت :
_ آدم ابعد ده مجنون وممكن يأذيك
تصرف بذكاء وتريث تام حيث راح يبتعد عنها ببطء حتى يقنعه باستسلامه له وهو يهتف :
_ طيب طيب هبعد .. نزل المسدس ده
ارتخت يد عامر حين رآه يبتعد لكن آدم باغته بحركة مفاجأة وغار عليه ثم أسقطه فوق الأرض وجعل يصوب له اللكمات المتتالية بغضب وغل .
كانت تقف تشاهدهم برعب وخوف عليه .. وباللحظة التي كانت تحاول فيها التدخل حتى لا تسمح له بأذية آدم ، لا تعرف متى وكيف حدث حتى لكن بين شجارهم انطلقت رصاصة من السلاح واستقرت بجسد أحدهم !!! ……….
يتبع…..
لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية امرأة العقاب)

اترك رد

error: Content is protected !!