روايات

رواية امرأة العقاب الفصل السابع والستون 67 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب الفصل السابع والستون 67 بقلم ندى محمود توفيق

رواية امرأة العقاب البارت السابع والستون

رواية امرأة العقاب الجزء السابع والستون

رواية امرأة العقاب
رواية امرأة العقاب

رواية امرأة العقاب الحلقة السابعة والستون

تجمدت بأرضها وكأن دلو من المياه المثلجة سكب فوقها .. كلماته الأخيرة التي اخترقت أذنيها حول حقيقة زيارته الغامضة لزوجته السابقة جعلتها غارقة في مشاعرها ما بين الصدمة والندم والحزن .
هل تحولت الآن من المظلوم إلى الظالم .. أصبحت هي المخطئة وهي المتسببة بتدمير علاقتهم فقط لأجل اوهامها السخيفة التي اتضح أنها ليست لها معنى من الأساس .. لم تستمع له ولم تصدقه حين اقسم أنه يعشقها هي ولم يعد لتلك الخائنة مكانًا بقلبه .. رفضت جميع توسلاته ومحاولاته لإرضائها وتراجُعها عن قرار الطلاق .
كان هو القاسي ببداية الحكاية وفي نهايتها تجسدت هي دوره !!! .
انتفضت فزعًا على أثر صوت ابنتها ثم التفتت لها وطالعتها مطولًا بتفكير قبل أن تأخذ نفسًا عميقًا بأسى وتستدير متجهة للدرج مسرعة .. فلا تمتلك الشجاعة الكافية الآن للنظر بعينيه الثاقبة والتحدث معه حتى لو بكلمة واحدة تعبر عن أسفها ! .
أما في الداخل فاستقام عدنان واقفًا وهو يستشيط غضبًا بعدما سمع بالبداية جملة ابنته وبعدها سمع صوت خطواتها الراكضة للأعلى .. تطلع لنشأت وقال بصوت رجولي غليظ بعدما وجده يهم بالقيام ينوي الذهاب لابنته :
_ أنا هطلع اتكلم معاها يانشأت لو سمحت
لم يتمكن من معارضته بعد الحقائق التي كشفها للتو وجعلته هو أيضًا يعجز عن منعه أو الوقوف سدًا بينهم .. بالأخص بعدما أدرك أن ابنته هي المخطئة ! .
عاد لجلسته مرة أخرى على مقعده وهو يتنهد الصعداء بحزن وعدم حيلة ثم تابع ذلك الغاضب وهو يندفع للخارج يقود خطواته السريعة إليها بالأعلى .
***
هبت واقفة بفزع بسيط حين وجدت باب غرفتها ينفتح بقوة ويدخل هو ثم يغلقه خلفه .. ظلت تتطلع إليه بعينان ممتلئة بالأسف والحزن أما هو فراح يقترب منها بتريث وسط نظراته الغاضبة ليقف أمامها مباشرة ويحدق ببندقيتها مباشرة في قوة ليجدها تخفض نظرها أرضًا ! .
لاحت ابتسامة على ثغره تظهر خنقه الملحوظ ليهتف بشيء من الاستنكار :
_ إيه مش هتقولي حاجة بعد اللي سمعتيه !!
لأول مرة منذ زواجهم تعجز عن رفع عيناها بخاصته ومواجهته ولسانها يفقد القدرة على الرد بسبب انعدام الكلمات المناسبة لديها ! .
اشتعل لهيب غضبه أكثر عندما لم يحصل على رد منها .. فهو بتلك اللحظة لم يكن يرغب بشيء منها سوى باعتذار بسيط أو مجرد نظرة تظهر بها ندمها .. لو كانت فعلتها كانت ستتمكن بكل سهولة من إطفاء تلك النيران المشتعلة في صدره وستمتص غضبه وتحوله لحنو وفرحة .. لكنها لم تفعل !!! .
تلك الابتسامة التي كانت فوق وجهه عادت لتظهر من جديد لكن بقليل من الدهشة من صمتها بالفرصة المناسبة لها التي ستمكنها من إصلاح خطأها وعودة المياه لمجاريها بينهم أو حتى لإثبات حبها له !! .
خرج صوته المتحشرج بعد أن أبتعد عنها وهو يقول بعصبية :
_ بما إنك مش هتتكلمي يبقى اتكلم أنا بقى .. جايز تكون آخر مرة !
رفعت رأسها مصدومة بعد عبارته الغامضة وغير مفهومة ثم سمعته وهو يكمل منفعلًا بقسمات وجه متشنجة من فرط الغيظ وعينان كلها خزي وعتاب :
_ كنتي شاكة فيا وراقبتيني ولما شوفتيني داخل عندها محاولتيش تسأليني أو تواجهيني بعدها حتى وتسمعي ردي ومبرراتي .. كل اللي عملتيه إنك طلبتي الطلاق وصمتتي عليه والسبب إني مش بحبك ولسا بحبها ! ..
سيبتي البيت واخدتي بنتي ومشيتي بيها وحرمتيني منها للمرة التانية .. وليه عشان مجرد أوهام وشكوك **** ملهاش وجود أساسًا .. ترجيتك وأنا عمري ما تخيلت أن ممكن يجي يوم واترجى فيه أي ست .. قولتلك اديني فرصة كمان اثبتلك عكس اللي بتقوليه وإني بحبك إنتي لكن مفيش فايدة .. كنت باقي عليكي ومتمسك بيكي ياجلنار لآخر لحظة ومش قادر على فراقك وبعدك عني والدليل إني مقدرتش ورديتك لعصمتي .. لكن إنتي محاولتيش تتمسكي بيا للحظة واحدة .. ودي اكتر حاجة وجعتني

 

 

 

ردت أخيرًا بضيق وصوت مبحوح :
_ إنت كمان غلطان ياعدنان إنك مقولتليش ومشاركتنيش من البداية باللي ناوي تعمله .. وفضلت ساكت لغاية ما خليت الشك يتمكن مني !
ابتسم ساخرًا ثم أجابها بمرارة :
_ لو كنتي ادتيني الفرصة كنت هقولك لكن إنتي مدتنيش أي فرصة ورجعت لقيتك عند أبوكي وبتطلبي الطلاق
سكتت ولم تجد ما تجيب به عليه أما هو فتابع بنظرة كلها أسى وألم :
_ ترجيتك بلاش تعاقبيني العقاب القاسي ده .. ببعدكم عني وأنا في اكتر وقت محتاجك إنتي وبنتي تكونوا فيه جمبي وحواليا .. طول الفترة اللي فاتت أنا مكنتش قادر أقعد في البيت وانتوا مش فيه ولما كنت بضطر أنام فيه كنت بنام في الصالون .. عارفة ليه .. عشان كنت لما بدخل اوضتنا بشم ريحتك فيها ، بتخيلك في كل ركن فيها ..وبفتكر إننا اتطلقنا وجايز متكونيش جمبي تاني .. مقدرش اخدك في حضني واروي عطش شوقي ليكي أو حتى اشوفك بتتحركي قدامي زي الفراشة في البيت كله .. كل ده اقل ما يقال عنه إنه عذاب قاسي أوي وإنتي عرفتي تختاري الطريقة الصح اللي تعذبيني بيها
طالعته بعينان ممتلئة بالدموع اللامعة بعد عباراته لتجده يكمل بعدها بانفطار قلب لكنه يحاول اظهار العكس :
_ اللي بيحب بيسامح وبيدي أعذار وبيبقى باقي على الشخص اللي بيحبه لآخر لحظة .. لكن إنتي محبتنيش ياجلنار زي ما أنا بحبك .. زيها !
( زيها ! ) .. تلك الكلمة انغرست بثنايا قلبها وجعلته ينزف حزنًا .. هل يشبهها بها ويظنها لا تحبه .. كيف نطقها أساسًا وهو أكثر من مدرك لعشقها له ! .. حتى أنه لم يمهلها الوقت للرد عليه بل استدار وغادر وتركها .. لتبقى متصلبة مكانها كالصنم وعيناها تجمعت بهم العبارات حتى فاضت وسقطت فوق وجنتيها غزيرة .. جلست فوق الفراش وسط صدمتها التي دامت لدقائق حتى انهارت باكية بحرقة وراحت تلقي بجسدها كله فوق فراشها تدفن وجهها بين ثناياه وتبكي ! .
***
_ وصلنا للمكان اللي حضرتك طلبتيه يا أسمهان هانم
عبارة تفوه بها سائق السيارة محدثًا أسمهان التي تجلس بالمقعد الخلفي .. وبعد جملته نظرت من زجاج السيارة تتفحص المكان بعيناها من الداخل حتى تيقنت أنه هو بالفعل ففتحت الباب ونزلت بهدوء ثم التفتت للسائق وقالت بلهجة قوية :
_استناني هنا
_ حاضر ياست هانم
رفعت نظرها تدقق النظر بتلك المكتبة الضخمة من الخارج ثم تنفست الصعداء بعمق وقادت خطواتها للداخل .
كانت مهرة تقوم بترتيب الكتب فوق الرفوف غير منتبهة للخطوات التي اقتحمت المكان عليها فجأة .. وحين التفتت برأسها لكي تلتقط بقية الكتب لمحت أقدام تقف عن مسافة بعيدة نسبيًا عنها .. القدم كانت لامرأة ترتدي حذاء مرتفع وتقف بكل صلابة .. فرفعت مهرة رأسها تدريجيًا حتى تتضح صورة تلك المرأة كاملة أمامها وحين انتصبت في وقفتها ورأتها جيدًا تمكلتها الدهشة !! .
عم الصمت القاتل بينهم لوقت ليس بقليل حتى ابتسمت أسمهان بود وتمتمت :
_ ازيك يامهرة !
ردت مهرة باستغراب من زيارتها وتلك الابتسامة الغريبة :
_ كويسة
صمتت للحظات قبل أن تسألها بشيء من الضيق :
_ خير يا أسمهان هانم ؟!
تقدمت منها أسمهان ببطء وهي تعتلي وجهها ملامح صافية لأول مرة تراها ! .. ثم وقفت أمامها وتنهدت بعمق لتجيبها بلطف :
_ خير إن شاء الله أنا جيت اتكلم معاكي شوية .. ممكن ؟
غضنت حاجبيها بحيرة من طريقتها المختلفة وملامحها الودودة التي تعكس تمامًا شخصيتها الشريرة ! .. فردت عليها بخفوت وقد انتابها الفضول لمعرفة ما تنوي التكلم حوله وسبب تبدلها الجذري هذا :
_ اتفضلي
ثم ابتعدت عنها قليلًا وجذبت مقعد تقربه منها حتى تجلس عليه وهي تبتسم لها ابتسامة متكلفة لكن أسمهان صدمتها ببسمتها الممتنة !! …
فور جلوس مهرة على المقعد المقابل لها وجدت أسمهان ملامحها تتبدل من الود لأخرى كلها ندم وانكسار وهي تتمتم :
_ أنا آسفة لو ضايقتك في يوم بكلامي .. أنا جيت هنا عشان اعتذرلك واقولك إني ندمانه بجد على كل اللي قولته في حقك .. إنتي ملكيش ذنب في حاجة إن آدم بيحبك وإنتي بتحبيه .. أنا اللي كنت رافضة وخايفة عليه .. كنت شايفة إنك مش من مستوانا ولا تنفعي لابني وكنت خايفة تجرحيه وتأذيه زي ما عملت فريدة في عدنان .. بس بعدين أدركت غلطي وإني مهما كان مينفعش أتدخل في حياته .. آدم ناضج بما فيه الكفاية إنه يختار الشريكة اللي هيكمل معاها حياته ويحبها
ردت مهرة ببعض الاستنكار والخنق :
_ بس أنا مش فريدة يا أسمهان هانم ولا يمكن أكون زيها .. أنا بحب آدم بجد ومفيش حاجة تهمني غيره .. وعمري ما بصيت لفلوسه أو مكانته بالعكس أنا حتى لو اتجوزنا في اوضة واحدة مش هيفرق بنسبالي .. كفاية أنه هيكون معايا

 

 

 

ابتسمت أسمهان واجابتها بإيجاب وثقة وهي تمد يدها وتملس فوق ذراعها بلطف :
_ عارفة إنك بتحبيه بجد وإلا مكنتش جيتلك بنفسي واعتذرتلك .. اللي شوفته في المستشفى منك لما كان متصاب وبين الحيا والموت اثبتلي إنك فعلا بتحبيه وإني كنت غلطانة بس وقتها أنا كنت لسا مفوقتش ولما فوقت دلوقتي عرفت غلطي فعلًا
التزمت مهرة الصمت ولم تجيب فتابعت أسمهان بعذوبة وعينان دامعة :
_ أنا واثقة إنك هتسعديه وهتخلي بالك منه .. آدم بيحبك أوي إنتي مشوفتيش كان بيعمل معايا إيه لما كنت بضايقك أو بقوله إني مش هسمح إنه يتجوزك وإني هقف قصاده أو هأذيكي مثلًا .. تعرفي هو بيحبني جدًا هو وعدنان بس لما كان الموضوع بيبقى ليه علاقة بيكي أو بجلنار كنت بشوف شخصية تاني من ولادي .. ياريت يرجعوا ويتخانقوا معايا حتى لكن هما مش بيسمحولي اشوفهم بس
لمست نبرة الحرقة والألم في آخر عباراتها وهي تسرد لها كيف أن أولادها يحبوها .. كأنها تواسي نفسها بتلك الكلمات حتى لا تفقد عقلها من فراقهم .. وقبل أن تجيبها مهرة وجدتها تنهار باكية وهي تقول بمرارة :
_ عقابهم قاسي جدًا وأنا بموت من بعدهم عني .. وحشوني أوي
اشفقت مهرة عليها بشدة ومالت نحوه تهمس في هدوء مبتسمة :
_ أنا معرفش إيه اللي حصل وآدم محكليش حاجة .. بس صدقيني أنا متأكدة إنهم هيرجعولك ويسامحوكي .. مهما طول البعاد في زعلهم منك مش هيقدروا يفضلوا كتير مقاطعينك .. في الأول والآخر إنتي أمهم وزي ما قولتي هما بيحبوكي
رفعت أسمهان رأسها وطالعتها بعينان لامعة كطفل صغير تعلق بحبل رفيع من الأمل .. ثم قالت ببسمة فرحة :
_ تفتكري هيسامحوني !!
مهرة باسمة بدفء ونظرة مطمئنة :
_ هيسامحوكي .. بس الأهم إنك تكوني بجد ندمتي وتوبتي لأن ده مش عقاب منهم قد ما هو عقاب من ربنا على أخطائك
استمرت دموعها في السقوط بصمت ثم مدت يديها لكفي مهرة واحتضنتهم بقوة في حنو بين يديها وهي تبتسم لها بشكر وامتنان فبادلتها هي أخيرًا الابتسامة الودودة ! ……
***
بصباح اليوم التالي ……..
تجلس بغرفتها فوق مقعدها الهزاز وعيناها ثابتة على اللاشيء بشرود .. منذ أمس ولم تذق النوم ، قضت الليل بأكمله منخرطة في بكائها وشعور الندم الذي يقتلها .. حاول أبيها أكثر من مرة تهدأتها لكن دون فائدة وبالنهاية أخذ الصغيرة هنا لتقضي الليلة معه في غرفته بعيدًا عن أمها .. عباراته مازالت تدور في عقلها كحلقة لا نهائية .. وتلك الكلمة تستمر في التردد بشكل قاسي في ذهنها ، حين قال ( زيها ! ) .. هي لن تكون أبدًا مثلها في أي شيء مهما حدث .. لكن ما لا يعرفه أنه تفوه بكلمة جعلتها تمكث الليل كله في فراشها دون نوم وفقط تسمح لدموعها بمواساتها ! .
حاولت الوصول إليه ومحادثته كثيرًا لكنه كان يتجاهل جميع اتصالاتها ولا يجيب عليها .. مما زاد من حزنها وضيقها .. ولم يترك لها حلًا آخر لذلك قامت بإجراء اتصال سيفيدها قليلًا .. وانتظرت حتى تسمع الرد من الطرف الآخر وفور ردها هتفت :
_ أيوة يا ليلى
ليلى بلهجة مهذبة :
_ ازيك ياجلنار هانم ؟
جلنار بإيجاز :
_ أنا كويسة ياليلى .. عدنان موجود في الشركة ؟
اجابتها بتعجب من سؤالها :
_ أيوة موجود ، اااا…..
قاطعتها جلنار بصوت غريب بعدما حصلت على إجابة سؤالها :
_ تمام ياليلى شكرًا
وفور إنهاء عباراتها أنهت المكالمة وبقت جالسة مكانها لبرهة من الوقت تفكر بتردد لكنها حسمت قرارها بالنهاية .. ستذهب له وتعتذر منه ربما يلين لها قليلًا ويسامحها !! .
بعد ما يقارب الساعة والنصف توقفت جلنار بسيارتها أمام مقر شركة الشافعي .. ثم فتحت الباب ونزلت والقت نظرة مطولة على المبنى أولًا قبل أن تزفر بقوة وتتجه بخطواتها للداخل .
كالعادة حين تدخل الشركة جميع الأنظار تسلط عليها وحدها وتتابعها بتفحص حتى تختفي عن أنظارهم وتستقل بالمصعد الكهربائي ! .
لحظات معدودة وتوقف المصعد بالطابق المقصود حيث غرفة مكتبه الخاصة .. فخرجت منه وتحركت بثقة وثبات نحو غرفته .. توقفت أمام الباب ومدت يده للمقبض حتى تفتحه لكن الصوت الأنثوي من خلفها أوقفها :
_ جلنار هانم !! .. عدنان بيه مش في مكتبه
التفتت بجسدها للخلف وقابلت ليلى بقسمات وجهه متعجبة ثم سألتها :
_ أمال فين ؟!!
تنحنحت ليلى بارتباك بسيط وردت بصوت خفيض يسمع بصعوبة :
_ في غرفة الاجتماعات .. كان معاه اجتماع ودلوقتي هو ومروة شغالين هناك
غضنت حاجبيها بعدم فهم لكن غريزتها الفطرية كأنثى حدثتها أن هناك وضع لن يعجبها أبدًا مما جعلها تثور وتنفعل هاتفة :
_ على صوتك يا ليلى .. عدنان فين ؟

 

 

 

ازدردت ريقها وقالت مغلوبة :
_ في غرفة الاجتماعات مع مروة
تقسم أن معالم وجهها التي رأتها عليها بعد عباراتها .. أشبه بشبخ غاضب سيصب كل غضبه للانتقام .. وكأن تلك المرأة اللطيفة والناعمة أصبحت أخرى مفعمة بالشراسة والسخط .
أسرعت ليلى خلفها تحاول تدارك الموقف قبل أن تقع كارثة وهي تهتف :
_ جلنار هانم استنى من فضلك .. جلنار هانم !
خرج صوت مخيف منها وهي مندفعة نحو غرفة الاجتماعات دون أن تلتفت خلفها :
_ متدخليش يا ليلى احسلك
بعد تلك العبارة توقفت فورًا ليلى بأرضها وزفرت بخنق وعدم حيلة ثم اردفت بيأس :
_ يارتني ما قولتلها هتعمل مشكلة كبيرة أكيد دلوقتي .. ربنا يكون في عونك ياعدنان بيه !
توقفت جلنار أمام الباب لدقيقة كاملة تأخذ شهيقًا وزفيرًا لأكثر من عشر مرات متتالية .. في محاولات باتت شبه ناجحة في تمالك جموحها المدمر .. ستتصرف بذكاء ولن تسمح لتلك السخيفة بالاقتراب من زوجها .. عدوانتيها تجاهها لن تجدي بنفع ! .
وضعت كفها فوق المقبض وإدارته لتفتح الباب بكل هدوء وتدخل وهي ترسم فوق ثغرها ابتسامة عريضة متكلفة تملأ وجهها كله .. لم تعطيها أي اهتمام كأنها نكرة ليست موجودة وتقدمت تجاه عدنان بثغر مبتسم وعينان تفيض عشقًا وحنو .. كأي زوجين طبيعين لا توجد أي مشاكل بينهم .. ” هذا لا ينطبق عليهم بالتأكيد !! ” .. تجاهلت نظرته المدهوشة والمستنكرة من دخولها المفاجيء وابتسامتها الغريبة كأن ما حدث بالأمس بينهم لم يحدث ! .
عيناه لم تحيد عنها حتى وجدها تجلس بجواره وتقترب منه لتطبع قبلة ناعمة فوق وجنته .. وسط ذهوله الذي تحول لغضب بعد قبلتها ! .. تصنعت البراءة وتصرفت بمكر انوثي لتنظر لمروة وتفتح فمها مدهوشة لتقول باعتذار مزيف :
_ اوووه انتي موجودة يامروة !!! .. sorry مخدتش بالي منك
وجدت عدنان يميل عليها ويهمس في أذنها بغضب :
_ إيه اللي عملتيه ده وإيه اللي جابك !
اشتعلت غيظًا من الداخل بعد عباراته لكنها لن تترك الفرصة لصائدة الرجال تلك أن ترى خلافاتهم ومشاكلهم وتستغلها لصالحها حتى تقترب منه .. فابتسمت له ببرود استفزه وقالت بدلال وحب :
_وحشتني وجيت اشوفك ياحبيبي
رفع حاجبه بدهشة امتزجت بسخريته ثم التفت برأسه تجاه مروة التي تتابع ما يحدث بنظرات تظهر عليها الغيرة والخنق .. لينزل نظره أسفل ويزفر بسخط ثم يعود ويوجه حديثه لجلنار بصوت منخفض ولهجة حازمة :
_ روحي ياجلنار استنيني في المكتب وأنا هخلص واجي وراكي
اشتعلت من الغيرة والغضب فرمقته بنظرة نارية وقالت هامسة :
_ لا .. انتي عايزني امشي ليه !
عدنان بعصبية :
_ بشتغل .. زفت بشتغل ولا انتي مش شايفة الورق قدامي
لاحظت أن طريقته العدوانية تجاهها وانفعاله نابع من غضبه الأساسي منها .. فزمت شفتيها بيأس وحزن لتمد يدها أسفل الطاولة وتمسك بكفه الضخم تحتضنه وتهمس معتذرة بندم :
_ أنا آسفة !
رأت قسمات الثائرة والمتشنجة هدأت قليلًا بعد اعتذارها لكن غضبه لم يزل حيث سحب يده من قبضتها وقال بجفاء :
_ روحي استنيني في المكتب ياجلنار
استاءت وحزنت بنفس اللحظة من تجاهله لاعتذارها ثم ردت عليه بعناد :
_ هقعد هنا لغاية ما تخلص شغلك
اطال النظر إليها بغيظ فردت هي بكل بساطة وبرود أعصاب :
_ كمل شغلك هتفضل تبصلي كتير كدا
تأفف وهو يستغفر ربه ثم اعتدل في جلسته وعاد يكمل عمله مع مروة وهو يتحدث بكل جدية وحزم .. وجلنار تسلط نظراتها المشتعلة على مروة دون أن تحيد عنها للحظة واحدة .
لا تفهم متى أصبحت تعتليها مشاعر الغيرة الجنونية عليه بهذا الشكل .. لكنها لا تتمكن من التحكم بغيرتها عليه ! .

 

 

 

 

كان عدنان يتحدث ويشرح لها بعض الأمور الخاصة بالعمل في صرامة بينما هي فكانت نظراتها الهائمة ثابتة عليه وهو يتحدث .. تلك الوقحة أنتظر لزوجها بهذا الشكل وبوجودها !! .. اتلهبت جلنار كجمرة النيران وفورًا أصدرت صيحة مزيفة وهي تضع يدها فور بطنها فالتفت لها عدنان مفزوعًا وهي رأها تضع يدها فوق بطنها انتفض زعرًا واقترب بمقعده منها مسرعًا وحاوطها بذراعيه يهتف في صوت مرتعد :
_ مالك ياجلنار إنتي كويسة ؟
هزت رأسها بالنفي وهي تلقي نظرات مشتعلة خلسة على مروة لم يلاحظها هو لكن مروة لاحظتها .. ثم اجابته بألم متصنع :
_ حاسة بألم شديد ياعدنان
يده امتدت بتلقائية ليضعها فوق بطنها ويجيبها بقلق وخوف :
_ طيب قومي يلا هنروح للدكتورة
رفضت بلطف وقالت في صوت متعب :
_ لا مش مستاهلة أنا ممكن اكون أرهقت نفسي .. لو روحت البيت وارتحت هبقى كويسة
من فرط تلهفه وخوفها عليها لم ينتبه أنها تمثل واجابها بكل تلقائية وحنان جميل :
_ طيب يلا تعالي عشان اوديكي البيت
حصلت على مبتغاها بالنهاية وهو أن تبعده عن تلك الساقطة .. وفور أن تفوه بعباراته شعرت بأنها سترقص فرحًا على انتصارها لكنها تمالكت نفسها واماءت له بالموافقة ثم استقامت واقفة مساعدته وهو يحاوطها بذراع من الخلف على ظهرها والآخر فوق بطنها من الأمام .. كانت سعيدة حقًا باهتمامه ولهفته عليهل التي أنسته غضبه منها بلحظة وأصبحت هي وحدها شاغله الشاغل الآن .. مما دفعها للاستمرار بتلك المسرحية حتى تنعم بحبه واهتمامه التي كانت السبب في حرمان قلبها منه بسبب اوهامها وكبريائها السخيف .
بينما كانت تسير معه للخارج وهو يحاوطها بذراعيه ارسلت ابتسامة اصطحبتها بنظرة شيطانية كلها وعيد وتحذير على مروة قبل أن تغادر ! .
***
وصلا إلى المنزل ونزل هو أولًا من مقعده ثم التف حول السيارة ليفتح لها الباب ويمسك بيدها ليحاوطها بيديه من جديد ويسير معها لداخل المنزل وبينما هم بطريقتهم نظر لها وسألها بقلق :
_ بقيتي كويسة شوية ياجلنار ولا لسا .. لو لسا تعبانة متعانديش إنتي حامل وممكن تأذي نفسك والولد
نظرت له مبتسمة وهزت بالنفي متمتمة :
_ لا لا بقيت كويسة الحمدلله
تنهد بارتياح ثم أكمل خطواتهم معًا للداخل وبعد أن فتحت بدرية لهم الباب ورأت عدنان يحاوط جلنار بهذا الشكل فزعت وهتفت مرتعدة :
_ جلنار هانم إنتي كويسة ؟
جلنار بهدوء :
_ كويسة يا بدرية متقلقيش
هتف عدنان موجهًا حديثه لبدرية :
_ هاتيلها الغدا يابدرية على الأوضة فوق واعمليلها عصير معاه .. وطبق السلطة بالبنجر أهم حاجة
رمقته جلنار مبتسمة بحب بعدما سمعته تعليماته المهتمة لبدرية أما هو فكانت معالمه جامدة وسار معها حتى وصلوا للدرج فوجدته ينحني ويحملها فوق ذراعيه ويصعد به بحرص وهي تبتسم بسعادة .
وصل بها للغرفة وفتح الباب ثم انزلها فوق الفراش وقال بغصب بسيط :
_مينفعش تطلعي كتير من البيت وانتي الدكتورة قالتلك ترتاحي في البيت فترة الشهور الأولى كلها .. تقدري تفهميني إيه اللي وداكي الشركة !!

 

 

 

زمت شفتيها بأسى وقالت في شجن :
_ فضلت أرن عليك كتير من امبارح وإنت مش بترد عليا فرحتلك
عدنان بغضب :
_ إنتي عارفة أنا مش برد عليكي ليه
استقامت واقفة من فراشها واقتربت منه تقف أمامه لتطرق رأسها أيضًا وتهمس بأسف وندم حقيقي :
_ أنا آسفة ياعدنان
صمت للحظة ودار صراع بداخله صوت قلبه يصرخ عليه أن يجذبها لذراعيه ويعانقها ويقبلها ليرضى شوقه لها وصوت عقله يصرخ عليه بالعكس فهي أخطأت وتستحق عقابه قليلًا .. على الأقل حتى يهدأ غضبه منها ! .
أجابها بجفاء ومرارة يتجاهل اعتذارها للمرة الثانية :
_ ارتاحي في السرير لغاية ما بدرية تجبلك الأكل وكلي كويس واتغذي
ثم استدار وهم بالانصراف لكنها أسرعت وقبضت على ذراعه تمنعه من الذهاب هاتفة بعينان راجية :
_ عدنان ارجوك رد وقول أي حاجة
انخفض نظره على بطنها ثم رفعه إليها ورمقها بجمود مشاعر ليتمتم بخشونة :
_ خلي بالك من نفسك ومن ابني
ثم وجدته يسحب يده ببطء من قبضته ويغادر ليتركها مكانها حبيسة أحزانها وعيناها تمتلأ بالدموع !! ….
***
بعد مرور ثلاث أيام ………
كانت خطبة آدم ومهرة اليوم والجميع في جلبة من أمره منهم من يجهز فستانه الذي سيحضر به الحفلة ومنهم من كان برفقة العروس بصالون التجميل .. والبعض الآخر كان بعالم آخر .. رغم سعادة جلنار لآدم إلا أن محاولاتها الفاشلة منذ أيام في نيل مسامحة عدنان وجعله يلين لها كانت تعكر مزاجها كله وتزيد من شعورها بالندم والقاء اللوم على نفسها بأنها هي المتسببة بكل هذا منذ البداية ! .
وصلت لقاعة الحفل مع ابنتها كالعادة وكانت ترتدي فستان طويل أحمر اللون وبحمالات رفيعة تنحدر بفتحة مثلثية عند الصدر وتترك العنان لشعرها الأسود فوق كتفيها وظهرها .. وتزين وجهها ببعض مساحيق الجمال البسيطة .
فور دخولها الحفل راحت الصغيرة تبحث بنظرها عن أبيه وصاحت بحماس وفرحة عندما وقع نظرها عليه لتركص نحوه صائحة :
_ بابي
ابتسمت جلنار وتابعتها بنظرها حتى تأكدت أنها وصلت لأبيها فتحركت هي واقتربت من إحدى الطاولات لتجلس فوق المقعد وتتابع الحفل من حولها مبتسمة بسعادة وهي ترى مهرة بفستان خطبتها الهاديء والرائع وبجوارها آدم .. كيف يتحدثون ويضحكون مع بعضهم بانسجام .
وبينما كانت تتجول بنظرها بين ضيوف الحفل وقع نظرها على تلك الشمطاء .. ماذا تفعل هنا !! .. هل ستجدها بكل مكان تذهب إليه مثل الشبح المزعج ! .. كانت تنظر لشيء مجهول .. لكن حين تتبعت أثر سقوط انظارها وجدتها أنها على زوجها كما توقعت بالضبط .. فاشتعلت واستقامت واقفة فورًا لتتجه نحوه بخطواتها شبه السريعة حتى وقفت بجواره وانحنت على ابنتها تقبلها وتمزح معها وسط نظرته الدافئة وابتسامته التي سرعان ما اخفاها حين نظرت له .
كانت بين كل آن والآخر تخطف نظرة نارية على مروة وبتلك الأثناء ابتعد عدنان عنهم بسبب مكالمة هاتفية جاءت له فاضطر للابتعاد تمامًا عن الحفل حتى يتمكن من الرد وسماع الطرف الآخر .
لم تتابع زوجها لكنها تابعت مروة التي بعد ثواني كانت تتحرك تتبع خطوات عدنان وتذهب خلفه فنظرت جلنار لهنا وقالت بحزم بسيط :
_ هنا اقعدي على الكرسي هناك ياحبيبتي ومتتحركيش لغاية ما اجيلك
هنا بحماس طفولي :
_ طيب ممكن اروح لعمو آدم يامامي
رفعت جلنار نظرها لآدم ثم ردت عليها بالموافقة :
_ okay روحي بس متبعديش عنه ياحبيبتي لغاية ما اجيلك أنا مش هتأخر
_ حاضر يامامي
ركضت الصغيرة تجاه عمها بينما جلنار فأسرعت خلف مروة التي لحقت بزوجها وحين عثرت عليهم كان عدنان قد أنهى مكالمته وكان بطريقه للعودة للحفل والأخرى كانت تتصنع الذهاب للحمام وأثناء مرورها من جانبه .. سقطت فجأة نزيف التواء قدمها .
اقترب منها فورًا وانحنى عليها يهتف بلهجة قلقة بعدما سمع تأوهاتها المتألمة :
_ مروة انتي كويسة ؟
رفعت نظرها له وقالت بألم مزيف :
_ رجلي بتوجعني أوي شكلها اتلوت
ندى منها أكثر وكان على وشك أن يمد ذراعه لها حتى تستند عليه وتقف لكن جلنار كانت أسرع منه حيث قبضت على ذراعها بقوة وساعدتها في النهوض وهي تهتف بصوت مقتضب ويحمل الغيظ :
_ ألف سلامة عليكي يامروة
طالع عدنان جلنار باستغراب من ظهورها المفاجيء لكنه لم يشغل عقله كثيرًا بالتفكير وقال محدثًا مروة :
_ تحبي اخدك للدكتور يامروة ؟
لم تمهلها جلنار الفرصة لتجيب بل ردت هي على زوجها بنظرة مشتعلة وقالت بصوت محتقن :
_ دكتور ايه مش محتاجة هي كويسة .. مش كدا ولا إيه يامروة ؟
قالت عبارتها الاخيرة وهي تنظر لمروة بنظرة تتحداها من خلالها أن تقول عكس ما تقوله هي وبالفعل لم تتمكن من قولت الحقيقة فهزت رأسها على كلمات جلنار وردت بصوت خافت :
_ أنا كويسة شكرًا ياعدنان بيه ملوش لزمة اروح لدكتور على حاجة بسيطة زي دي
ابتسمت جلنار بمكر ثم نظرت لعدنان وقالت بلطف :
_ روح أنت ياعدنان عشان هنا وحدها برا وأنا هفضل مع مروة هنا لغاية ما رجلها تخف شوية وتقدر تقف وتمشي عليها

 

 

 

رد عدنان بإيجاب رغم تعجبه من الوضع الغريب بينهم وبالأخص وضع زوجته :
_ تمام لو احتجتوا حاجة كلميني
ودعته بابتسامة متصنعة وفور انصرافه التفتت جلنار وتطلعت لمروة بعصبية وحذبتها من ذراعها بعنف تصيح بها محذرة :
_ إنتي زودتيها أوي معايا وللأسف انتي متعرفيش عواقب أخطائك دي إيه
تأوهت مروة بألم ثم حاولت نزع يدها من قبضة جلنار هاتفية بغضب :
_سيبي ايدي ياجلنار
جلنار بلهجة تهديد ووعيد حقيقي :
_ ابعدي عن عدنان بالذوق وإلا صدقيني هندمك أوي وإنتي لسا متعرفيش مين جلنار الزاري
ضحكت الأخرى ساخرة وردت عليها بعدم مبالاة ونظرة كلها تحدي :
_ ومش مهتمة اعرفها أساسًا .. أعلى ما في خيلك اركبيه أنا محدش يعرف يهددني
ثم دفعتها بعيدًا عنها بعنف غير عابئة بوضعها الصحي وأنها حامل .. تداركت جلنار نفسها بصعوبة قبل أن تصتدم بالجدار أو تسقط وتابعتها بنظرها وهي تسير منصرفة .. ابتسمت بشيطانية وقد لمعت عيناها بوميض مخيف حقيقي ولأول مرة ستكشف عن جانبها المؤذي والشرس حيث قالت باسمة بخبث :
_ واضح إن الكلام بالذوق مش بيجب نتيجة معاكي .. وأنا عملت اللي عليا
***
بعد انتهاء الحفل تقريبًا ……
كان آدم يجلس مع مهرة بمفردهم بعد أن حصلوا على بعض الخصوصية بينهم أخيرًا اليوم .
مرت خمس دقائق والصمت يستحوذ عليهم .. هي تتفادى النظر إليه خجلًا على عكسه هو الذي لا يحيد بنظره عنه منذ بداية الحفل وحتى الآن .. يستمر في التطلع إليها بنفس النظرة الممتلئة بالعشق والإعجاب وعلى شفتيه ابتسامة ساحرة تذيب العقل .
خرج صوتها لتقطع الصمت المحرج بالنسبة لها وتقول بخجل مختلف يجعلها أكثر جمالًا :
_ آدم كفاية بقى كسفتني بجد !
كتم ضحكته بصعوبة ثم رد عليه بنبرة رائعة :
_ مبروووك يا عروسة
مهرة مبتسمة باستحياء :
_ الله يبارك فيك
لحظات أخرى من الصمت مجددًا ليقطعه هو هذه المرة وهو ينحني عليها ويهمس بهيام ونبرة صوت ذائبة بها :
_ إنتي جميلة أوي النهارده يامهرة .. مش قادر اشيل عيني عنك
تنحنحت بصوت مسموع من فرط خجلها تحاول التصرف بطبيعية حتى لا تظهر ارتعاشة يدها أمامه .. وردت عليه بنبرة خافتة دون أن تنظر له :
_ وإنت كمان
ابتسم بحب وسألها متعمدًا اخجالها أكثر :
_ أنا كمان إيه ؟!!
ارتبكت بشدة فرمقته طويلًا بصمت تبحث عن رد حتى ردت متلعثمة :
_ إنت .. إنت كمان زي ما قولتلي من شوية
كلمات غير مفهومة كالألغاز لكنه ضحك وأردف :
_ قولت إيه أنا !!
مهرة بضيق وخجل شديد :
_ آدم بلاش بياخة بقى ارجوك .. والله اقوم واسيبك
آدم ضاحكًا بقوة :
_ طيب قولي انا كمان إيه ووعد مش هقول اي حاجة تاني تكسفك
_ طيب ما أنت عارف !
غمز لها بحماس وغرام ثم هدر :
_ لا عايز اسمعها منك
علت ثغرها بسمة حياء ثم اجفلت نظرها أيضًا وهمست :
_ وإنت كمان وسيم جدًا النهارده
آدم بفتور :
_ بس كدا طب ما أنا عارف دي .. أنا قصدي كام كلمة حلوين كدة يا مهرتي
اغتاظت منه فردت بحدة :
_ لا .. يعني كمان بشكر فيك وإنت مغرور .. طب على فكرة بقى إنت ولا وسيم ولا حاجة أنا بجبر بخاطرك بس
_ نعم بتجبري بخاطري !! .. بعدين الوسامة دي بشهادة كل البنات فيا مش بشهادتك انتي بس ياحبيبتي .. هو إنتي مشوفتيش في الخطوبة النهارده كانوا بيبصولي ازاي ولا إيه
تحولت من اللطافة والخجل وخرجت عن إطار العروس الرقيقة .. ليصبح وجهها كله أحمر وعيناها تطلق شرارات ملتهبة من الغيرة ويجدها تدنو إليه فجأة تهتف بشراسة :
_ مين دول اللي كانوا بيبصوا ليك !
ارتعد قليلًا منها وقال ضاحكًا محاولا تدارك الموقف :
_ محدش أنا كنت بهزر انتي صدقتي ولا ايه .. اهدي بليز وارجعي للكسوف تاني كدا .. كنا حلوين اوي والله

 

 

 

رفعت سبابتها في وجهه تهدده صراحة بنظرات وحشية :
_ تعرف يا آدم لو فكرت بس تبص على واحدة غيري في يوم .. صدقيني هطلع عيونك الخضرا دي في إيدي
مال عليها ووسع بؤبؤي عيناه ليصبحوا واضحين أكثر لها وقال بثقة باسمًا :
_ واهون عليكي
مهرة بجفاء وغيظ :
_ تهون ونص كمان .. ومتبصليش كدا عشان انا بضعف ، ابعد !
سمعت قهقهته الرجولية العالية بعدما دفعته بعيدًا عنها حتى لا ينظر لها بعيناه الجميلة التي تحطم قلبها لأشلاء .
اقترب منها مجددًا وهمس بغمزة ماكرة ونبرة كان تثبت أن يعني ما يقوله حقًا :
_ بقولك إيه يامهرة .. ايه رأيك اروح اجيب المأذون ونخلي الخطوبة جواز .. بيني وبينك كدا انا مش قادر اصبر
رمقته بطرف عيناها مبتسمة في عدم حيلة منه وبعض الاستنكار ثم اعتدلت في جلستها وطالعته بثبات متمتمة في دلال يذيب جبل من الثلج :
_ أنا هعلمك الصبر يابيبي اطمن
آدم بنبرة ذائبة وعين تفيض عشقًا :
_ انا عندي استعداد اصبر بس بشرط يكون في كل يوم من بيبي دي
زمت شفتيها للأمام بجهل وأجابت ببرود :
_ والله هشوف .. اصل ده على حسب المود يعني
_ نعم ياختي !!!
ارتفعت قهقتها عاليًا بينما هو فتابعها بغيظ لكن الابتسامة شقت طريقها لثغرها بعدما رأى ضحكتها ! .
***
فور وصول جلنار للمنزل وحصولها على خصوصيتها الخاصة بغرفتها اخرجت هاتفها وأجرت اتصال بأحدهم …
ظلت تسمع صوت الرنين وتننظر الرد الذي فور أن حصلت عليه وسمعت صوته وهو يجيبها بلهجة مهذبة :
_ جلنار هانم ازي حضرتك ؟ .. إنتي كويسة ؟
جلنار بإيجاز :
_ أنا كويسة يامعتز .. أنت في الشركة ولا مشيت ؟
_ لا روحت البيت .. ليه حضرتك عايزة حاجة ؟
جلنار بنبرة قوية :
_ عايزة خدمة منك وأنا واثقة إنك مش هتخذلني
_ انا تحت امرك طبعًا اتفضلي
اردفت جلنار بلهجة مريبة :
_ طيب عايزاك ترجع الشركة دلوقتي وتنفذ كل اللي هقولك عليك بالحرف الواحد

يتبع..

اترك رد

error: Content is protected !!