روايات

رواية لن أحررك الفصل الثامن عشر 18 بقلم دهب عطية

رواية لن أحررك الفصل الثامن عشر 18 بقلم دهب عطية

رواية لن أحررك البارت الثامن عشر

رواية لن أحررك الجزء الثامن عشر

لن أحررك
لن أحررك

رواية لن أحررك الحلقة الثامنة عشر

هتفت من خلفه وهي تركض معه بسرعة……
“أنت واخدني على فين ياجواد سيب أيدي…..”
اجابها بنبرة حازمة وهو يسحبها خلفه بقوة واصرار….
“مش هسبها…….ولازم تعرفي ان مينفعش اسبها لا دلوقتي ولا بعدين …..”
ركضت معه حيثُ مطبخ المطعم الكبير سارت معه
ركضاً في الرواق المؤدية لباب الخروج الجانبي….
“على فين ياحلوين….”
اوقفهم شخص مُلثم الوجه ضخم البنيه ، يشهر السلاح في وجه جواد …….
في لحظة تعد ثواني ألقى جواد على يد الرجل المصوب عليهم سلاحه قِدر من الزيت الساخن….
احترقت يدهُ فوراً واطلق صرخات متالمة ممسك يده وجالس على الأرض غير قادر على فعل أي شيء…..
سحب جواد بسمة للخارج….. ارتجف جسدها برعب
وهي ترى هذا المشهد ، تالم الرجل بصياح وعويل باكي أمامها كأن هذا المشهد كفيل بفقدانها الوعي ولكنها تحملت بصعوبة لتتخطى تلك المرحله معه للنهاية……..
“حاسب ياجواد….”
ضُربَ جواد على رأسه بشيء صلب جعله يفقد
توازنه جالساً على الأرض بعد أن أصيب بِعَيَاءٍ وبدأت الدماء تسيل من قمة رأسه و رؤية أصبحت ضبابية…
صرخت بسمة بخوف لتجد رجلاً مُلثم آخر يسحبها
عنوة عنها بعيداً عن جواد الجالس على الارض يحاول إعادة توازنه الذي اختل كلياًّ…..
“سبني بقولك….. سبني…. أبعد عني….”
“مش هينفع ياحلوة انتي مطلوبه بالاسم….”
هتف الرجل وهو يسحبها بقوة معه، لكنها كانت عنيدة ثقلت حركتها وثبتت بقدميها في الارض
اكثر وشرعت في البكاء صارخةٍ عليه بعنف …
“مش هروح معاكم في حته سبني..سبني بقولك ……. جـــواد….. فوق ياجـــواد عشان خاطري فوق بقه……… جـــواد”
صوتها اخترق حواسه بأكملها نهض ببطء ومزالت
ضربة رأسه تُترك آثار عليه…..
أقترب من الرجل ولكمه بقوة برغم من ترنح
جسده…
صدد له الرجل الضربات أكثر من الازم بافتراء
واضح على جسد جواد الذي يعاني من الام
حادة في رأسه وترنح كذلك !….
وقع جواد على الأرض تحت قدمي الرجل فاقد الوعي ….مسك الرجل قطعه مسطيلة حديديةٍ وكادَ
ان ينزل بها على راس جواد…..
طلق النار اخترق قدم الرجل…..
وقع على الارض مُتالم بصُراخ…..
القت بسمة السلاح تحت قدميها وهي تنظر الى دماء
الرجل بذهول…..

 

 

 

دماء…… طلقات نار …. منها هي……
وضعت يدها على وجهها واغمضت عينيها بعدم استيعاب وبدات بالبكاء بهيستريه وصدمة لعدة دقائق لكن اخترق الصمت مره اخرى طلقة رصاص جديده انتفض جسدها بقوة ناظرة أمامها بعيون زائغة ….
وجدت صديق جواد يقف بالقرب منها وقد صوب على الرجل المُصاب على رأسه……
نظرت بسمة له بصدمة وهتفت بدهشة….
“ليه عملت كده….”
أقترب منها عيسى اكثر وهو يقول بجدية….
“لو اتأخرت عن قتله دقيقه واحده كأن زمانك مكانه…..”
“ها….” فغرت شفتيها بعدم فهم…
“كأن هيضرب عليكي نار وانتي حطى إيدك على وشك وبتعيطي…..”
نظرت بسمة الى الرجل الملقي ارضاً لتجد بين يده
سلاح……
هتف عيسى بهدوء عكس تسارع انفاسه…
“بصي انا مقدر اللي انتي فيه بس انتي كنتي مضطره تدفعي عن نفسك وعن جوزك….وأنا كُنت مضطر أمسك الزفت ده عشانكم وعشاني…..”
نظر الى السلاح بين يده باستهجان…
ابتعدت عنه وهي تنزل دموعها مُقتربه من جواد الذي
فاقد للوعي ودماء تسيل منه ببطء….. مررت يدها
على وجهه بخوف لُطخت يدها بدمائه نظرت لها
وهي تبكي برعب عليه…..
“جواد……فوق……عشان خـ……”
“متقلقيش هيبقى كويس…..” قاطع عيسى حديثها
بهدوء وهو يبث لها الطمأنينة……
وضع عيسى يد جواد على كتفه محاول السير
به لسيارته……
في داخل السيارة
كأن جواد مُستلقي بالمقعد الخلفي وبسمة وعيسى
في الكرسي الأمامي…..
“إحنا لازم نروح المستشفى….. جواد حالته خطيره…”
“مينفعش يامدام بسمة….. جواد ليه إسمه في البلد
ولو حد من الصحافه شم خبر هيبقى فرح دا غير
تحقيقات الحكومة معانا…..” حاول عيسى اقنعها
ببعض المبراراة التي هي تراها تراهات فظه….
“اطلع على المستشفى لو سمحت…. أنا مش هستنى
لم يجراله حاجة بسبب الناس وكلمهم….”
نظرت وراها لتتفقده ملياً بخوف ، برهنت بحبه أحببته واعترفت وللأسف حب خاطئ في زمن خاطئ من شخص خاطئ وقلب أخطأ في إختيار عذاب حُبه !….
زفر عيسى وهو يقول بتصميم….
“معلش أنا بعمل الصح ولو كأن جواد فايق كأن
زمانه بيقول نفس الكلام…..”
“يعني ايه هتسيبُ يموت….”كانت نبرتها حادة ولم تهتم بأول لقاء لها مع هذا العيسى فهي لم تلاحظ
تصرفها معه وعصبيتها المفرطة عليه فقط خوفها على جواد جعلها تصب كل المشاعر عليه وإليه……
“أنا مقولتش كده دا مش بس صاحبي ده أخوي يامدام بسمة….وأنا بعتبرك زي أختي عشان كده
بعرفك أن خطر عليه موضوع المستشفى….أنا
هوديه شقته اللي في المعادي وهتصل بدكتور
دلوقتي عشان يحصلنا……”
اومات له على مضض وهي تترك العبرات تنحدر
على وجنتيها بصمت….
“تمام…..بس دوس بنزين شوية الله يخليك….”
أومأ لها عيسى وهو يرفع الهاتف على أذنيه مُحدث
الطبيب بلهفة لتلاحظ بسمة علامة الصليب على رسغه دُهشة قليلاً من كونه بهذا الوفاء وهو ينتمي
لطائفة آخرى….
اي صداقة جمعتهم ياترى ؟….
أعلم ان الصداقه ليست بشكل او من اي طائفة تنتمي
أعلم أن الصديق صديق الوفاء وصاحب الإخلاص
وسند بقربك والمدافع بغيابك !!…..
………………………………………………………………
صرخ رامي بحدة وغضب….
“يعني إيه هربوا منكم أمال أنتوا لهفين فلوس
عشان إيه يابهايم…..أخرس يابن الـ*****….. ااالو الو ياولاد الـ…. ”
انزل الهاتف بوجه أحمر وعينان تشتعل بهم للهيب
الشياطين…..
ضحك والده باستمتاع وهو يتشدق ساخراً….
“فشلت ياحليتها….فشلت يادكر……دفعت لشوية
العيال دول خمسين ألف جنيه عشان تتصل بيهم
يقفلو السكه في وشك ويستهيفوك ياغـبـي….”
صرخ رامي بجنون على والده….
“أنا مش غبي……كانوا هينفذو بس أبن الكلب هرب
وبسمة معاه ومحدش عرف يوصلهم….”
لوى عزيز فمه باستفزاز….
“لا بجد عجبتني حتى تبريرك فاشل زيك…..وأنت هتطلع لمين ما امك كانت زيك بظبط بومه ووشها يقطع الخميره من البيت وأنت طالع لها مش عارف استفيد منك بحاجة جتك داهية تاخدك و تريحني منك زي مارتحت من إللي جبتك……”خرج وهو يقذف في وجهه تلك الكلمات ظناً منه أنهُ يشعل
نيرانه ويزيد قوة انتقامه لدى تلك العائلة…..
ضرب رامي المكتب الخشبي أمامه بقوة وعصبية
اوصلت الى إلقاء كل ما على سطح المكتب تحت
قدميه….اوقع المقاعد الخشبية بضجر واضح….
وبعد مدة من الانفعال الزئد بسبب فشله الذريع
أمام والده وامام نفسه…….
كأن يود الاستمتاع بتلك الليلة في احضانها كان يتمنى تصوير فيلم من نوع خاص معها وارساله لبعض المواقع المشبوهة حتى يشوه ويلطخ
شرف العائلة عن طريق بسمة التي حين يطلقها جواد بعد فضيحتها معه سينال منها حق المنال ولا مانع للهو معها قليلاً قبل تركها للمره الاخيرة !!….
أهداف خبيثة لا تنم عن الحب الذي حدثها عنه
لكنها أصبحت مثلها مثل الباقيين بنسبه له
فهو ليس اول من يلمِسها وهذا يجعله يراها
أقل من مُناه السابق لها ، وبرغم هذا لا يمانع ببعض
التسلية قليلاً بها حتى أن كانت فقدت عذريتها
على يد رجل غيره اللهو معها في تلك الحالتين
مطلوب !!….
افرغ محتوى أبيض اللون على سطح المكتب أمامه
وبدأ باستنشاقه بتلذذ…..بعد أن إنتهى من إدمان
الموت نظر أمامه وتوسعت ابتسامته بزهو مريض..
“مش هسيبك غير لم تبقي في حضني يابسمة… ماهو مش رامي إللي يترفض برضه ….”
…………………………………………………………..

 

 

 

“جواد عامل إيه يادكتور….”ساله عيسى بلهف
ك
انت لهفت بسمة أشد واقوى….
“طمني عليه يادكتور هو كويس….”
“انتي أكيد بسمة صح…..”
اومات له بارتياب….
أبتسم الطبيب بمجامله وهو يقول….
“هو عايزك جوا…..وبلاش الخوف ده كله هو كويس
أنا خيط الجرح اللي في رأسه وعملت الازم ومع الأيام هيرجع زي الأول….. الحمد لله….”
“بـ……سـ…مـ…بـسـمـة….”نطق جواد إسمها وهو يفتح باب غرفته بتعب والممرضة من خلفه تصيح بقلق عليه….
“مينفعش كده ياجواد بيه الجرح…..”
اقتربت منه بسمة بقلق حقيقي وهي تتفقد التعب
والهزلاً البادي عليه بكثرة….
“جواد قومت ليه من مكانك أنت تعـ…..”
حين وقفت أمامه عانقها بقوة جعلت الكلمات تتبخر
على شفتيها…ضمها بقوة شعرت بخوفه بضعفه
بمشاعر صادقه ، رجولة وأمان داخل صدره الرحب
فقط بها….
نظر عيسى لهم بحرج…..ابتعد عنهم وهو يُحدث الطبيب بهدوء…..
“طب يادكتور طاهر…..تعالى اوصلك وبالمره تقولي
شقتك الدور الكام….”
نظر له الطبيب باستغرب….
أبتسم عيسى بمزاح وهو يسير مع الطبيب وبرفقتهم
الممرضة كذلك ……..
“وليه السؤال دا يابشمهندس …..”
“بشمهندس هو أنا لو بشمهندس هسألك على عنوان بيتك……… أنا حرامي…..”
“نعم……”
“ظابط بمسك ولاد الكلب الحرميه…”
أومأ الطبيب بتفهم وهو يضيف….
“ربنا يقويك ياحضرة الظابط وفعلاً عندك حق
دول ولاد حرام….”
“ياعم دول ولاد حلال بس الدنيا ملطشه معاهم…”
رد عيسى وهو يكبح ضحكته بصعوبة…..
……………………………………………………………
“أنتي كويسه يابسمة حد فيهم اتعرضلك…”
نزلت دموعها وهي داخل احضانه وردت عليه بنفي…
“أنا كويسه ياجواد متقلقش عيسى جه في الوقت
المناسب…. قبل مايضرب عليه نار….”
ابعدها عن احضانه وهو يعانق وجهها براحتي يداه
متفقد ملامحها و قال بلهف وخوف ….
“يعني إيه يعني كأن ممكن اخسرك زي مخسرتهم..”
“جواد ممكن تهدأ أنا لسه معاك وجمبك….”
اعادها الى احضانه وهو يقول بحدة واصرار…
“هدفعهم التمن هندمهم بس أعرف مين هما ولاد
الـ ***…”
“ان شاء الله هتعرف هما مين بس لما تقوم بسلامة
تعالى أرتاح……” حاولت مساعدته في السير حتى لا يُصاب بدوار…..
جلس على الفراش وهو ممسك يدها بقوة….
“راحا فين…. خليكي جمبي…..”
ترددت وهي تقول بحرج….
“أيوه بس صاحبك هنا و…..”
“عيسى زمانه مشيّ من ساعة ماخدتك في حضني …”
أحمرت وجنتيها وهي تقول بحرج…..
“شكلنا كأن وحش أوي قدمهم و….. ”
“بسمة…….”
رفعت عينيها عليه بانتظار …….
“أنا عارف أن لا وقته ولا مكانه….. بس أنا آسف على إللي حصل في المطعم آسف إني خبيت عليكي
حاجة ا……” زفر بستياء وحزن واضاف بتردد….
“أنا مش عارف أقولك إيه بس أنا آسف إني دخلتك حياتي من أولها بس صدقيني يابسمة أنا كُنت فاكر نفسي بحمي حياتك منهم طلعت أنا الخطر على حياتك كلها….. بس أوعدك اول ما عرف مين ورا إللي حصلنا النهاردة….. هطلقك على طول وكفايه لحد
كده أنا مش هسامح نفسي لو كُنت السبب في موتك….”
بلعت مابحلقها بجسد يرتجف رجفة خائف من القادم قالت بصوت خرج من أعماق الظلمات….
“قصدك إيه ياجواد…..”
رد وعيناه في عينيها بحزم….
“قصدي إني لازم اخرجك من حياتي عشان تبقي بنسبه ليهم كارت محروق مش هيضرهم ولا
هيفدهم في حاجة……”
“وأنت شايف أن الموضوع سـهـ….”
“سهل يابسمة وأحنا اتفقنا على كده من الأول…”
نظر لعيونها بحسم…..
اومات له بعيون لامعة تكاد تحارب عبراتها حتى لا تنزل أمامه وتفضحها……
نظرت وراها لتجد باب مغلق داخل الغرفة دلفت إليه
بدون تفكير للهروب إليه فهو الملجأ الوحيد من عينيه
القاسية…..
أغمض عينيه بعذاب وهو يرى عذابها بسبب أخطائه
فحين وافق على حمايتها بعقد زواج زائف كأن يظنها قوية ولن تتأثر بأي مشاعر خائنة ! فالحقيقة هي ضعيفة وهو أضعف منها فهو يحارب مشاعره ليبقى كالحجر أمامها ويجبرها بقسوته الحادة على تمثيل الصلابة أمامه لكنها تفشل بكل سهولة !!…..
لمعت عيناه بومض الحزن خوفاً من تكرر الفقدان مره
آخرى أمامه فإذا فقدها سيدفن بجوارها حياً فيكفي عذاب عشق تم الحكم عليه بالإعدام قبل خروجه
للنور !!…..
نزلت دموعها امام المرآة وهي تحدث نفسها أمامها بجمله واحدة….(عديمة الكرامة….)
بكت بحرارة حادة ….طعنت المشاعر صعب الاستهانة
بها ، هي القلب الغير مرغوب به….وهي التي وضعت قلبها في يد الشخص الخاطئ !….العقل له حسابات خاصة…. والابله له خفقات خاصة ولكل له رأي للاستمرار بطريقتهم الخاصة !….
“ياريتك عملت كده من الأول ياريتك مدخلتش حياتي….ياريتك قتلتني ياجواد ياريتك ريحتني
من العذاب ده…….”نزلت عبراتها أمام المرآة بياس
مُفكرة في القادم معه…..
بعد مدة طويلة من التفكير مسحت عبراتها وهي تقوي نفسها ببعض الكلمات…..
“كل هيعدي يابسمة هيعدي بكره تنسيه….بكره أن شاء الله ربنا هيقويكي وتنسيه….”عضت على شفتيها باستياء فسؤال هنا
هل الحب الأول يُنسى؟……..
وهل بدايتهم تُنسى ؟…..
……………………………………………………………
في اليوم الثاني……
يجلس على الفراش وضعت له الممرضة التي برفقته
منذ البارحة بعض العصير الطازج ودواء الخاص به…..
” هي بسمة فين يا فاتن؟……. “سألها جواد بلهفه حاول اخفائها…..
ردت المُمرضة فاتن بخفوت…
“في المطبخ بتحضر الغدا..”
زفر بحزن وهو شارد بها منذ المساء وآخر حديث بينهم عن اتمم أورق انفصالهم في اقرب وقت وهو
لم يراها ولم يسمع صوتها…. انعزلت بغرفة آخرى
للنوم بها وابعدت عيناها العسليتان عنه….يفتقد
اهتمامها وغيرتها المجنونة وثرثرتها التي تروقه
برغم أنهُ يكره كثرة الكلام ولكن( بسمة)استثناء
في كل شيء…….
“اتفضل ياجواد بيه الدواء……”

 

 

 

أخذ منها الدواء على مضض وهو يقول بهدوء…
“خدي أجازه النهارد يافاتن وعدي عليا بكره.. ومتقلقيش الدكتور طاهر مش هيعرف بموضوع الاجازة ده….. “أبتسم لها ابتسامة لم تصل لعيناه….
اومات له الممرضة بابتسامة شكر وقالت بتهذيب…..
“شكراً ياجواد بيه ربنا يباركلك………بعد اذن حضرتك….”
“استني خدي دول…..”مد يده ببعض الأموال
الذي كأن سبب تهلل السعادة المفرطة على وجه
تلك السيدة البسيطة ……
ابتسمت له بامتنان وبدأت بدعاء له بنبرة صادقه خافضة قبل أن تخرج……
ابتسم جواد بشرود وهو مُستغرب سعادتها الواضحة
بسبب بعض الاموال التي في نظرة ضئيلة جداً….
••••”قولي يابابا هو ليه ربنا مخلناش كلنا أغنيا ومعانا فلوس كتير…..”سأل جواد ذو
العشر سنوات بفضول طفولي ….
أبتسم سراج وهو يهمهم قبل الرد عليه بطريقة ُمُبسطه……
“طب قولي أنت ياجواد لو كلنا بقينا أغنيا ومعانا فلوس قد بعض إزاي الحياة هتمشي……”
“يعني إيه يابابا…..”تسأل جواد حائراً…..
“يعني هيبقى عندنا طموح هيبقى عندنا أحلام ، الدنيا هتمشي وناس هترجع تشتغل وتتعب وهما
كدا كده معهم فلوس…..”
“قصدك أن حياتنا هتوقف وهتبقى الفلوس عبارة
عن ورق ……”
“أكيد ما كلنا بقينا أغنيا وكلنا معانا إللي مكفينا لا هيبقى فيه صدقه ولا زكاة ولا حتى عبادة……”
صمت الصغير بحيرة ليحدث والده بستياء بريء..
“أنت تقصد يابابا ان كتر الفلوس وحش واننا هنتغير
للاسواء…..”
أبتسم سراج من ذكاء الصغير وقوة استيعابه للحديث فقال بتاكيد…
“الفلوس شهوة من شهوات الدنيا وشاطر ياحضرة الظابط هو إللي يعرف يستفيد منها صح ويعرف السعادة الحقيقة من وراها ……”
“واي هي السعادة الحقيقة يابابا…..”
“لم تساعد حد محتاج لأقل حاجه في جيبك لم تسند
مكسور الخاطر بكلمة طيبه…..”•••••
اغمض عيناه لتنزل دمعه مُنفرده حزينه على لحيته النابتة…نفض الأفكار وهو ينهض بضيق متوجه للمرحاض لغسل وجهه لعلهُ يقدر نسيان هذا الصغير الابله وذكرياته القاسية على روحُه…..
………………………………………………………….
تقف تقطع الفلفل الملون بشرود وعيناها غامت بحزن
تشتاق له وللعجب معها في نفس الشقة وتشتاق
لرؤية وجهه ولاطمئنان عليه…..هتفت بجنون حاد…
“اطلع من دماغي بقه….”
“مش لم تطلعي أنتي الأول……”
استدارت بجسديها كلياًّ خلفها لتحدج به بتمعن
وتدقق النظر له باشتياق وعيون لامعة لمعة
المُحب…..بلعت مابحلقها بتردد وعادت لم تفعله
بحرج مطصنعة عدم الإهتمام به….
“تحب أعملك حآجه……”
أطرق رأسه للأرض بضيق من نفسه وزفر وهو يحدثها بجدية…..
“كل إللي عايزه إنك تبصيلي وأنا بكلمك….”
اغمضت عينيها بتوتر محاولة الرفض للاستجابة له…
“أنا مش فاضية…… الأكل على النار……”
أقترب من الموقد واطفاء النار المشتعلة بهدوء وهو يقول بتصميم…..
“كده مبقاش في حاجة على النار تقدري تبصيلي بقه……”
اخرجت زفيرها بصوت عالٍ وقالت بعِناد……
“أنا مش فاضيه بعدين…..”
مط شفتيه بحنق واقترب منها عدة خطوات و ادارها أمام وجهه مدقق في وجهها الحزين والغاضب كذلك
سالها بصوت حاني…
“ليه التجاهل ده يابسمة……عايش معاكي في نفس
المكان ومشفتش وشك من إمبارح…..”
تخطيت مكانهم مُبتعده عنه نحو المبرد لاخذ بعد ثمرات الطماطم الطازجة…..وغيرت مجرى الحديث فقالت بفتور خالي من المرح ….
“بتعرف تعمل سلطه…..”
نظر لها بهدوء وقال بنفاذ صبر…..
“مش ده الرد على سؤالي …..”
“تعرف البواب طلع شاطر اوي جاب الخضار طازه
وحتى جاب اللحمه الاستيك طازه وحلوه اوي….
على فكره تقدر تستناني برا أن ساعة وهخلص الأكل …”أثناء حديثها كانت تشعل الموقد الكهربائيّ لإكمال طهي الطعام…..
أقترب منها بنفاذ صبر وهو يحيط كتفيها بكلتا يداه
مُحدثها بحنق…..
“ممكن تردي عليا عدل وبلاش ملوعه في كلام…”
نفضت يداه بحدة من على كتفيها… وحدجت به بعينتيها اللتين احمرّ عمقهم بحنق منه….
“عايز إيه مني ياجواد…… رد عليا عايز إيه…. ”
أغمض عينيه بقوة محاولة إمساك اعصابه أمام عصبيتها الفطرية دوماً معه ….
“مش كل ماكلمك تتزفتي تتعصبي عليا….” هتف
من تحت أسنانه…..
عقدة ساعديها وهي تقطم شفتيها بغضب مكتوم….
“طب تمام….. ممكن بقه تقولي عايز أي مني…”
“عايزك يابسمة….”
حدجت به وهي فارغة الفم وهتفت بذهول….
“أنت بجد مش طبيعي…. امبارح عايز تطلقني والنهارده جاي تقولي عايزك يابسمة…… تفتكر بسمة حمل كل ده….”
“رد عليا ساكت ليه…..”
رد بصدق وعيناه تأبى ان تحرر وجهها
“أنا بعمل ده كله عشانك….”
“أنا مش عايزه أتكلم في حاجه ياجواد…. أنت قررت وأنا وفقت يبقى خلاص خلينا نستحمل الفترة دي وأحنا بعيـ…..”
حدثها بنبرة حازم مُتملك…
“مش هنبعد يابسمة طالما لسه على ذمتي تنسي فكرة البعد دي وبذات واحنا لوحدنا…..”
“يعني إيه….”
“يعني هشوفك كل يوم وتشوفيني زي الأول وبلاش موضوع التجاهل والهروب مني عشان مش هينفع
معايا…”
هزت راسها بحيرة….
“أمرك غريب ياجواد ونفسي افهمك…”

 

 

 

بدأت بطهي لتشغل عقلها بعيداً عنه …
“هاتي بقيت الخضار أنا هعمل السلطه…..”
حدثها وهو يمسك السكينة وبدأ بغسل ثمرتي الطماطم….
نظرت له بدهشه وسألته بشك…
“متأكد…..”
“آآه…. ليه مالك قولت حاجه غريبه….هو أنتي
بتعملي أكل إيه صحيح؟ ”
أثناء حديثه أقترب من الموقد الكهربائيّ الواقفة أمامه وألصق جسده بها قليلاً بتلقائية……
توترت وهي تجيبه….
“بعمل استيك اللحمه ومكرونه…..”
“مم تمام…..تسلم إيدك …..”
“بس أنت لسه مكلتش…..”
“الريحه بدل على الطعم……”
بدأ بتقطيع الخضروات بصمت….
اختلست النظر له قليلاً قبل أن تسأله بتردد وخفوت….
“جواد هو أنت كويس…….”
رد بايجاز…
“كويس….”
“يعني الجرح اللي في رأسك لسه تعبك…”
كانت تحاول إلا تظهر اي مشاعر إهتمام أمامه لكن
غلبتها المشاعر للمرة المليون نحوه هو فقط….
“ممم لسه تعبني ….”رد وهو يكبح ضحكته فقد أشتاق لاهتمامها العفوي…..
اقتربت منه بلهفة فور إنتهاء جملته وقالت بقلق…
“ووقف على رجلك ياجواد….ادخل أرتاح وسيب
كل حاجة……. أنا هخلص كل حاجة وهاجي قعد جمبك….مـ”
مسك كف يدها وقبلها في راحته قبله طويلة بطيئةٍ عميقةٍ تحكي الكثير لها وحده ….رفع عينه بعد مدة وقال..
“أنا كويس يافرولتي متخفيش…..”نظر لعمق عينيها
بنظرة تحكي الاكثر والذي يصعب عليه خروجه من بين شفتيه….
نظرت له بوجه أحمر وقالت بارتباك بعض نظرت عينيه تلك …..
“الأكل………..الأكل هيتحرق…..”
أبتسم بيأس وهو يعود لما كان يفعله سابقاً…..
بعد مدة قصيرة حاول الحديث في اي شيء
حتى يبعد عنها الحرج….
“بسمة….قوليلي هو البواب جاب فاكهة…”
“ااه جاب فروله وموز وتفاح و…..”
“تمام اوي أنا هعمل عصير فروله أعملك معايا…”
اجابته بحرج وهي تقلب المكرونة…..
“لا مش عايزه….”
“برحتك بس افتكري إني عزمت عليكي….”
ضحكت بخفوت ولم تعقب على جملته….
غسل بعض حبات الفرولة الطازجة….. مسك بين يده
حبة منها…. وقربها من شفتها وهو خلفها مباشرةً
“خدي دوقي دي…..”
التفتت إليه بحرج ناظرة إليه بارتباك
وقالت بحرج….
“بس أنا قولتلك مش عـ….”
وضعها في فمها أثناء حديثها….
“واحده مش هتخسر…..”
همهمت بانزعاج طفولي ابتسم عليها وهو يضع حبة منها في فمه…..
اغلقت بسمة موقد النار وقالت لجواد الواقف
يصنع بعض العصير….
“الاكل خلص…. مش جعان….”
نظر لها والى جسدها من خلال هذا الفستان الأسود
الذي مزالت ترتديه منذ ليلة أمس وتتحرك به بحرية
تشعل لهيب فؤاده منذ الساعة ونصف الذي جلسهم برفقتها في هذا المطبخ بدون ان يمل او يشعر بمرور الوقت ….
“بصراحة جعان بس في طقوس بعمله قبل الاكل…”
اقتربت منه ببراءة وفضول….
“طقوس….. طقوس إيه دي !….”
حملها في ثواني ليضعها على (رخامة) المطبخ المستطيلة……
“يعني إني احلي قبل الاكل…..”
حدجت به بشك وتوترت وهي تعدل فستانها القصير قليلاً…..
“قصدك إيه إحنا اتفقنا أننا هنطـ…”
“خدي اشربي…..” مد يده لها بعصير الفراوله
الطازج….
“بس انا قولت اني مش عايزه…..”
“خدي يابسمة دوقيها بس وبعدين أنا هشرب
معاكي….”
“من نفس الكوبيه….” سألته بحرج…
“آآه….. ليه بتقرفي….”
قالت بانكار وعفوية…
“لا…….. منك انت لا…..”
قال جواد مداعباً…
“اي ده بجد…. يعني عادي لو تفيت فيها….”
“يعع بطل قرف…..” اطلقت ضحكة عالية عنوة عنها
وعلامات التقزز على وجهها….
“يخربيت ضحكتك…..”
سند بكلتا يداه على حافة الرخامة الجالسة عليها ليحاصرها بجسده بل مفر وهو يقرب وجهه
من وجهها….
شعرت بانفاسه تقترب منها ببطء وعيناه تشتعل بهم الرغبة ارتبكت محاولة أشغال عقله….
“جواد خد العصير اشربه عشان….” اخذ من بين
يدها العصير ووضعه بجانبها وهو يقول بخفوت…
“سيبك من العصير يابسمة وركزي معايا….”
“جواد عايز إيه…..”
“عايز اعيدها تاني يابسمة…… عايزك في حضني
تاني……”
“بس ياجواد…..”
“وحشتيني ياعيون جواد…..”اغمضت عينيها بضعف
مستقبله رائحة أنفاسه الرجولية بضعف
لثم عنقها ببطء وتروي في تلك الأوقات همست له بضعف وبدون شعور مما تتفوه به له قالت …..”بحبك…”
أغمض عينيه وهو يسمع كلمتها الخافته وتزايد نبض
قلبه فقد كانت لها طعم ومشاعر صعب وصفها بكلمات….مرر شفتيه على ملامح وجهها ببطء وقبلها من عينيها المغمضة وقال بخفوت حاني…..
“قوليها تاني…… ياحبيبتي….”
اقشعر جسدها تحت تلامس يداه الجريئة
وهمست بضعف…
“بحبك………. بحبك اوي ياجواد…..”
استلقى جسدها على الرخامة المستطيلة وهو يميل
عليها ليقطم شفتيها بين شفتيه طالت القبلة وطالت
همسات اعترافها باوامر منه لا ليست اومر بل رجاء
يتيم يشعر أن كلمات الحب منها الجنة بنسبة له
ولحظاتهم الحميمية الملاذ لكلاهما…..

 

 

 

لم يعرف يوماً ان لذة الحب وسط تلك اللحظات الحميمية أجمل مشاعر اختبرها في حياته…..
العلاقات المحرمة اللذة بها صنع إبليس…..
واللذة الحلال بين الزوجين نعمة يجهل معناها الكثيرون وهو كان اولهم جهلاً……
صدح الهاتف بجيبه أوقف أجمل الدقائق بينهم وبرغم من تصميمه في تجاهل الرنين إلا أن بسمة
كانت أكثر إستغلال لفرصة ابتعاده عنها….
“في حد يقفل القفله دي يابسمة….” أبعد وجهه عنها
ناظراً لها بعتاب طفيف…..
ابتسمت بحرج ناظرة له بخجل وقالت….
“رد على التلفون الأول…… وبعدين….”
“وبعدين إيه؟؟…..”
رطبت شفتيها بحرج….
“وبعدين نأكل يعني……. الأكل برد…”
همهم وهو يقول بعد تفكير….
“مش هضغط عليكي….. تمام هرد على التلفون
وناكل…..”مرر يده على شعرها بحنان ليقبلها قبله سطحية على شفتيها قبل خروجه من المطبخ…..
عدلت وضعيتها وفستناها القصير وعقلها لا يتوقف
عن تكراريّة لحظاتهم الحميمية…..
………………………………………………………….
دلف غرفته وغرز أصابعه في خصلات شعره بقوة
بعد معرفة هوية المتصل…
” ايوا يازهران بيه….”كانت نبرته لا تخلو من الجفاء…
“أنت فين ياجواد بايت برا البيت من إمبارح ومراتك
كمان….”
“وإيه الجديد مأنا طول عمري ببات برا البيت…”
“الجديد أن مراتك معاك وجدتك وبنت عمتك
واخوك بيساله عليك…..”
“غريبه…… انتَ سبب في كل ده وجاي تتصل بيا كأنك معملتش حاجة يعني…”
اعتدل زهران في جلسته محاولاً فهم مايعنيه…..
“قصدك إيه…. أنا السبب في إيه بظبط…..”
أبتسم جواد بتهكم وهو يقول ساخراً…
“آآه بدأنا…. هو مش انت اللي بعت رجالتك يضربه عليا نار انا وبسمة…..”
ه
تف زهران بانكار…….
“نار….. محصلش انا معملتش حاجة زي دي…”
دقق أكثر جواد في إنكار زهران للحادثة الذي
تعرضى لها…..
“يعني إيه…. لو مش أنت إللي عملتها هيكون مين…”
زفر زهران بغيظ من الناحية الاخرى…..
“قولتلك أكتر من مره حيات البت دي خطر علينا
وانت مصمم تهدم كل اللي اتبنى في ثواني …”
صاح جواد بحدة وانفعال…
“اسمعني كويس سوا أنت او غيرك لو بسمة جرالها
اي حاجة بسببي أنا هقلب كل حاجة على دماغكم
أنا معايا أورق توديكم في ستين داهيه ومن غير موسخ ايدي معاكم ……”
“انت بتهددني ياجواد….. انـ…”
قاطعه جواد بصرامة….
“أنا مش بهددك أنت عارف أني معايا إللي يوديك
ورا عين الشمس انتَ ولي معاك ويوم ماحس بالغدر منكم هقرأ الفاتحه عليكم ومن غير حتى موسخ ايدي في ناس زيكم …..”
هدده زهران بنبرة محتدة…
“بلاش تلعب بنار معايا ياجواد أنا بمكالمه واحده ممكن ا…”
“أنا إللي بمكالمه واحده هنهي تاريخك المشرف بأيدي يا…. ياعمي …..” حدثه ببرود….
ابتلع زهران مابحلقه بتردد وهو يحاول تهدئة الجو
المشحون بينهم فهو يحتاج جواد بجانبه في عمله المشبوه وفي ذات الوقت لن يسمح له بتدمير اسم (الغمري) ولن يصل بينهم الأمر بمعرفة الجميع بهوية هذا العمل، فسر يجب أن يظل سر مهمآ حدث !…..
“طب اهدى بس وسمعني أنا هحاول أعرف من الجماعه بتوعنا إذا كان في حد فيهم ليه دخل
في إللي حصل لمراتك وليك واول موصل لحاجة هكلمك…..”تحدث معه بليونةٍ سلسة….
جعلت جواد يصبر برهة قبل أن يقول بتصميم….
“تمام وانا هستنا مكالمتك….بس ده مش هيمنع إني
هدور على إللي عملها برضه بنفسي وساعتها مش هرحمه ….”
أغلق الهاتف وزفر بحنق وهو يغرز أصابعه في شعره
الكثيف بغضب وعقله لم يتوقف عن تفكير بمدبر الحادث المشئوم الذي لولا عيسى لكانا اصابها شيئاً
وهو فاقد الوعي بعد ضربت هذا الوغد الذي برحة
جسده أرضاً غير قادر على المواجهه وحمايتها
منهم…
صدح هاتفه منتشله من أفكاره…. نظر لشاشة الهاتف الذي تُنير بأسم عيسى…. فتح الخط وهو
يجيب بسرعة..
“ها…… ياعيسى عملت إيه…..”
صاح عيسى من الناحية الاخرى….
“يابني أهدى عليا طب قول الو الأول سلام كلام
اي حاجة بلاش دخلت التيران دي…..”
تافف جواد بانزعاج عبر الهاتف….
“مش وقت هزار ياعيسى رد عليا وصلت لحاجة…”
“لا لسه…..”
“وليه لسه…..”
زفر عيسى و رد عليه بسخط…..
“نقولهالك تاني…. اصبر ياجواد أنا مش مارد….وبعدين أنا بدور على العيال اللي عملوها واول موصل لهم هعرف منهم اسم اللي زقهم عليك ها اقول تاني….”
“ماشي…..”اكتفى بتلقى الكلمة وهو يمط شفتيه بامتعاض…..
“المهم انت عامل إيه وجرح رأسك…..”
أ

 

 

جابه بفتور….
“الحمدلله احسن من الاول….”
س
اله عيسى بنبرة عادية….
“نشكر الرب…..طب وبسمة عامله إيه….”
ضيق جواد عينيه وقال بحدة…
“وأنت مالك ومال بسمة….متخليك في حالك….”
احتدّ صوت عيسى وأجابه بعتاب طفيف….
“تصدق إنك حلوف…..دماغك شمال كده ليه انا
بطمن عليها بسبب إللي حصل إمبارح والرصاص اللي ضربتها على الراجل….”
“رصاص…….رصاص إيه؟….”
سرد عيسى تفصيل المشهد الذي رآه على مسامع جواد الذي أصابه الذهول من ما سمع ….
“أنا شوفت المشهد في آخره وهي بتضرب نار على واحد من ولاد الكلب اللي اتهجم عليك وكان ناوي وقتها يكمل عليك بزفته إللي في أيده…..وقتها
أنا وقفت مصدوم ومتحركتش بسبب عياطها
وانهيرها في الأرض و راجل إللي ضربة عليه نار
ده أصبته كانت في رجله قام وحاول يضرب
عليها نار بس الحمدلله خلصت عليه قبل مايرفع
سلاحه في وشها…..”
أغمض جواد عيناه بصدمة من ما تعرضت له وهو عاجز على إنقاذها وانقاذ نفسه…لكنه كان غاضب من نفسه بتلطيخ تلك اليدين بدماء الدنس ودخولها دائرةٍ سوداء ، الدئرة التي مزال يحاول الخروج منها
او يجهل طريق مخرجها !….هو لا يود أن تنحدر
نحو الهاوية مثله هي غيره هي ذات القلب النقي والشخصية النادرة هذان أكثر الاشياء انجذاب لها
أنها النقطة البيضاء في ظلمات حياته القاتمة….
…………………………………………………………..
رصت الأطباق الزجاجية على سفرة الطعام بتأني
وشرود وابتسامة هائمة تزين ثغرها الأحمر….
تنهدت بخجل….
“معقول سبت نفسي معاه لدرجادي….”أغمضت عينيها وهي تعيد اللحظات بقوة الى ذاكرتها ليخفق
قلبها مره آخرى كما لو أنها في احضانه الآن….
خرج جواد من رواق غرف النوم ليجدها أمامه مغمضت العين شاردة بهيام…..
وقف متاملها لعدة دقائق شارد بها وبتفاصيلها
وجهها جسدها الذي يثير جنونه من نظرة واحده له…. شعرها الأسود الطويل المتناغم على ظهرها بدلل
عينيها واهات منهم ومن كهرمانهم الخالص…..
” جواد…. أنت هنا من أمته…. ”
توقفت الكلمات بعقله بعد نداها المرتبك ونظرات الارتياب الموجها له بسبب ظهروه المفاجئ أمامها
وكذلك نظرت عيناه المثبت عليها كانت غريبة
ولم تعرف لها تفسير…..
بلع مابحلقه وحاول التريث برهة ومن ثم تقوس
فمه قليلاً وهو يسألها بتلقائية عادية …..
“حضرتي الأكل…..”
“آآه جاهز…. يلا قبل مايبرد….”
قالت حديثها وهي تعدل وضعية الأطباق
الزجاجية لتهرب من عيناه العابثة ….
جلس على المقعد وعقد حاجبيه بانزعاج محدج بها ينتظر جلوسها ……
“مش ناوي تأكلي ولا هتفضلي وقفه…..”
كان يجلس على راس الطاوله وجلست بسمة علي يمينه وهي تضع الطعام في طبقه وكذلك طبقها
بدأ جواد بتناول الطعام بهدوء وعقله يعيد حديث عيسى وانقاذ بسمة له وهو فاقد القدرة على الشعور بما يحدث حوله …..
كانت تقلب في طعامها بحرج… لم تفقد الشهي فهي
تتضهور جوعاً لكن خفقات قلبها ورجفت جسدها بالقرب منه تذكرها بذاك الإحساس وهي في
احضانه منذ دقائق !….
تحرك المقعد الجالسة عليه باتجاه جواد أي أمام وجهه مباشرةً تكاد لا تفصلهم إلا شعره واحده
توترت وهي تنظر ليده الذي تُمسك بمقعدها الخشبي…..
“سرحانه في إيه…..”
“لا مـ…. مش سرحانه مفيش حاجة…” تلعثمت وهي
تجيب بنفس ذات التردد…..
“لو مش سرحانه ومفيش حاجة مش بتكلي ليه…”
رطبت شفتيها أمام وجهه بعفوية وهي تقول بكذب..
“بالعكس أنا باكل و……”
“أفتحي بوقك…”
“ها….” فغرت شفتيها بعدم فهم ليحتل فمها قطعة من اللحم…. أغلقت فمها بحرج وهي تمضغ الطعام
على مضض….
وضع جواد قطعة من اللحم في فمه ومضغها بتأني
وقال بهدوء….
“تسلم إيدك يافراولتي على الأكل…”
لم تعقب على حديثه ولا للقبها بثمرة الفراولة
فهي تعلم مغزى هذا الإسم !…..
“يلا أفتحي بوقك….”
“جواد خلاص أنا هاكل لوحدي….”
“متأكده….”
“أيوه…. كُل انتَ عشان العلاج إللي بتاخده….”
كادت أن تبعد بمقعدها عنه قليلاً…..
“بتعملي إيه كلي وأنتي قعده في مكانك….”
مسك ذراعها بهدوء ممانع ابتعادها ولو
لسنتيمترات عنه…..
“إزاي هعرف اكل وأنا لزق فيك بشكل ده…..”
“خلاص أنا هاكلك….”
اغمضت عينيها بحزن وتاففت بانزعاج وهي تحاول الا تنهار أمامه مما يدور الآن في خلدها…..
“مالك يابسمة أنتي تعبانه…..”وضع يده على عنقها
متفحصها بقلق صادق…..
“كفاية ياجواد مش قادره….”قفزت في جلستها مُبتعده عنه بقوة ذهلته……
خطات عدة خطوات بعصبية…..
“بسمة استني……”
وقفت تنتظر باقية حديثه….أقترب منها بهدوء….مسك معصمها واخذ خطوة الى الإمام…..حدج بعينيها العسليتان وهو يسألها بتأني وتفحص شديد….
“مالك يابسمة….واي معنى كفاية دي كمان…”
برغم من ضعفها أمام مشاعر الحب بقربه…اجابته
بصوت حازم…..
“أنت عارف كويس أنا أقصد إيه ياجواد….”
اطرق وجهه قليلاً للأرض بحيرة وتريث برهة
وأحاط كتفيها بيداه وهو يرفع عيناه عليها قال
بصعوبة…..
“أنا عايزك يابسمة…..”
نظرت له لعدة ثواني قبل أن تضحك بتهكم وعدم تصديق…..
“عايزني؟…. عايزني إزاي…….عايز تعمل معايا علاقه وبعدين نطلق بعد فترة……”
“الموضوع مش موضوع جسم وسرير….. بسمة
أنا عمري ماشوفتك كده غير لما حسيت إني….”
صمت بتوتر وهو يبعد عيناه عن مرمى ابصارها
الثاقبة عليه…..

 

 

 

“لم حسيت إني بتجاوب معاك ومش ممانعه…
صح..”فهمت صمته وتوترها بشكل خاطئ، وكلماتها
كانت تلفظها في وجهه بعصبية وتسرع…..
” هو ده إللي قدرتي تفهميه من سكوتي إني عايزك
شوية وبعدين اطلقك….. ”
هتفت بجزع….
“أمال سكوتك معنى إيه جاوبني أنتَ….”
“مش هقدر….”
هتفت بسخط أمام رفضه….
“لدرجادى صعب تقول إللي جواك….”
“أصعب من ما تتخيلي……”
وضع يده على وجهها بحنان اقشعرّ بدنها من لمسة واحده منه ……
“بسمة….. أنا عارف إني صعب وصعب أقول إللي جوايا ويمكن تحللي دا غلط…. بس أنا بجد عايزك
جمبي وبلاش تطلبي مني سبب أكتر من كده عشان تفضلي معايا…”
نظرت له وهي تهتف باستنكار….
“بس العكس صحيح….. أنت إللي مش عايزني معاك
مش أنا….”
وضع كف يده الآخر على وجنتها الأخرى وقرب وجهها أكثر منه ليميل برأسه عليها لفرق الطول
بينهم، قبلها قبلة سطحية على شفتيها وقال
بصوت اجش…..
“أنا عايزك دايماً معايا…..”
“يعني إيه ؟….”
قبلها من قمة راسها وهو يقول بصوت حاني….
“يعني مش هحررك بسهولة إلا بقه لو أنتي إللي
طلبتي ده مني…..”
ابتسمت بسعادة وضعف فقد أضاء قلبها بحب المراهقة قبل الشباب….. رمت نفسها في احضانه
بتنهيدة حارة بالاشواق وهي تبوح بمشاعرها
بصدق….
“وأنا عمري ماهبعد عنك ولا هطلب كده…عارف ليه”
ثم إضافة بصوت هائم بحرارة المشاعر بينهم….
“عشان بحبك أوي….. وهستنى اليوم اللي تيجي تقولي فيه نفس الكلام…. بس تكون حاسس بكده
الأول…” وضعت كف يده نحو خفقات قلبها المُتسارعة ورفعت رأسها إليه لتهدية أجمل ابتسامة رقيقة يراها على وجهها الفاتن…..كانت عينيها تلمع بومض الحب الذي لم ترتشف منه بعد !…
اكتفى بضمها إليه في صمت عناقه كان كفيل بالاجابة
عليها ربما من وجهت نظرها كلماته كانت ستريح
قلبها أكثر !…..
صدح هاتفها على المنضدة الطعام ابتعدت عنه بحرج
وهي تتخطى عدة خطوات لترى هواية المتصل….
راقبها جواد بتأني وتفحص جريء كان يود حملها الآن على ذراعه لغرفة نومهم ليذيقها جنون كلماتها
المعسولة عن الحب ولاعتراف لو عليه لكان اعترف
بطريقته الخاصة التي يتقنها جيداً بل ومعها
ستكون الـ…..
“دي دعاء أختي…..أنا هدخل اكلمها جوا….”
قطع تفكيره الوقح ورغباته المكبوته بها صوتها
المتوتر قليلاً…… حاول عدم التسلط عليها
إذا كان الحديث يخص شقيقتها الكبرى…..
قال جواد بفتور….
“تمام خدي راحتك أنا رايح اعمل قهوه تحبي أعملك
معايا….”
هزت رأسها بنفي قائلة بتهذيب….
“لا شكراً…..”
ظلت واقفة مكانها مراقبة دخوله الى المطبخ وحين
اختفى عن ابصارها سارت بسرعة باتجاه غرفة النوم
أغلقت الباب عليها بالمفتاح وهي تجيب على الهاتف بتوتر وخوف ….
“أيوه يا اسر…..ااا…. انا في شقة المعادي….

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *