روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و العشرون 28 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و العشرون 28 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن و العشرون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن و العشرون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة و العشرون

~… مرحلة أخرى بينهما …~
قبل أن نترك قلوبنا تحب …لابد أن نستشير العقل ولو قليلًا.
اسمر خجول ، ذو نظارت طبية على يقين أنها تخفي خلفها عواصف من المشاعر التي تنتظر دقة قلب صادقة!
” فرحـــة ”
قالتها الممرضة التي خرجت للتو من قسم العناية بالمشفى ، وأشارت للغرفة قائلة لها :
_ الزيارة ممنوعة دلوقتي خالص للأسف ، ممكن بكرة أو بعده الدكتور يسمح بالزيارة لسه مش متأكدة … بأذن الله هيكون بخير.
اشتدت دموع عينيها بقوة وقالت بصوتٍ غمره الألم:
_ يارب سلم …أنا ماليش غيره.
قطع حديثها مع الممرضة مجيء رجلين يبدو عليهم الثراء الفاحش من مظهرهما الأنيق بحلى باهظة الثمن وعطر فواح … كان منهما رجلًا تخطى الخمسين من العمر .. والآخر كان شابًا في الثلاثين من العمر يشبه الاول في ملامحه ولكن بعمر أصغر بكثير.
وقفا الاثنان أمام ” فرحة ” بنظرات دقيقة واثقة …وقال الشاب الذي يدعى ” زايد” :
_ أنتِ الأنسة فرحة عبد الله ؟
انسحبت الممرضة من هذا اللقاء ، بينما نظرت فرحة لهما بتعجب وغرابة ثم قالت ببعض القلق :
_ ايوة أنا فرحة عبد الله … أنتوا مين ؟!
قبل أن يتحدث زايد أخذ نفسًا عميقًا بنظرة تفحصية بفرحة ، وتعجبت منه وغضبت ، لأن نظرته تبدو كتقييم لها كأنثى ! … فقال زايد ببعض العجرفة:
_ أنا أخوا فادي ، اللي ضرب أخوكي بالعربية وحضرتك عملتي محضر باللي حصل… احب بس أعرفك أن كل ده مالوش لازمة .. وده معناه أننا نتراضى بهدوء أحسن لأن المشاكل هتأذيكي أنتِ لوحدك …أو عشان اكون صريح ..هتأذيكي أنتِ وأخوكي.
صرّت فرحة على أسنانها بغضب شديد وودت لو تدث أظافرها بعنق ذلك الأحمق …وقالت بعصبية مجيبة على تهديده الصريح:
_ ولما هيا هتأذيني أنا لوحدي جاي لحد هنا ليه ؟! اللي يتكلم بالأسلوب ده ما استغربش ابدًا أنه يبقى عنده أخ مراهق زي المجرمين ! … ولعلمك …مش هسيب حق أخويا وهوديكم في داهية ، أنا جبت فيديو باللي حصل كله من أول الخناقة

 

…يعني ده معناه …
قاطعها زايد بعصبية :
_ معناه أنك لو بس فكرتي تقدميه أنتِ وأخوكي وعيلتك بحالها هتختفوا للأبد ..وأظن كلامي مفهموم ، أنا جاي أحلها ودي وده مش معناه أني خايف ولا أنا اللي ممكن أخاف من تافهة زيك ….. لكن بقدم الأول الحل الودي ..ولو ماجبش نتيجة يبقى أنتِ اللي أختارتي… مفهوم ؟!
قبل أن تصب فرحة غضبها عليه قال الرجل الثاني وهو والد زايد ” ممدوح سراج” :
_ استنى يا زايد … كلميني أنا يابنتي.
نظرت فرحة بغضب للرجل ، فتابع ممدوح بثبات :
_ بصرف النظر عن اللي قاله زايد أبني واللي عمله فادي ..أنا بعتذرلك … أنا عارف أن الاعتذار ده مش كفاية ، بس مجيتي هنا مش تهديد أبدًا … أنا جيتلك بنفسي عشان اتحمل نتيجة غلط أبني … وأخوكي هيتعالج على حسابي لحد ما يقوم ويبقى احسن من الأول … أحنا مش بتوع مشاكل ولا بنحب نيجي على حد.
هدا غضب فرحة بعض الشيء من لباقة الرجل الكبير في حديثه ، ول يخفى عنها نظرات ابنه زايد المصدومة الغاضبة منه ومنها …فقالت :
_ لو أخويا قام بالسلامة وقبل أعتذاركم … أنا معنديش مشكلة ، أنما لو اللي حصله سببله أي أذى يبقى ابنكم يتحمل نتيجة غلطه … وده آخر كلام عندي.
زفر زايد بعصبية مفرطة وقال لوالده بأنفعال:
_ الذوق مش بيجي مع الأشكال دي … وكل واحد يحاول يحل المشكلة بطريقته… وأنا ليا طريقتي اللي بتجيب من الآخر.
ترك زايد والده وتحرك مبتعدًا حتى أختفى تمامًا ، تنهد أبيه بقوة ثم قال لفرحة :
_ اكنك ماسمعتيش حاجة ، أنا دلوقتي هروح للدكتور المشرف على الحالة وهتكلم معاه ، ولو لزم حتى السفر برا هسفره في ٢٤ ساعة .. ما تقلقيش خالص.
أسلوب الرجل الذي بعمر والدها أجبرها أن تتعامل معه بأقل حدة ، خاصةً أن بالحقيقة أبنه المنحرف هو من زجه بهذه الورطة … ويبدو أن إبنه الآخر أكثر فسادًا من الصغير !
استندت فرحة على الحائط بحيرة شديدة بعدما غادر الرجل ، هل توافق أن تنسحب وتضيع حق أخيها قانونيًا ، أو تصمم وتدخل بحرب تعترف لنفسها أنها ليست متكافئة وغالبًا ستكن خاسرة بالنهاية.
الخيار الأول سيقدم لأخيها عناية طبية فائقة حتى يستطيع النهوض … رعاية طبية أكثر من استطاعتها على تحمل تكلفتها ! ، والأختيار الثاني مشقة من جميع الاتجاهات …
خرجت من شرودها بدهشة من ذلك المحدق بها بصمت وتفحص غامض ، كان هو ذلك الشاب الثلاثيني عاد مجددًا لا تعرف من أين ! …. تحدث بنظرة ثعلبية ماكرة :
_ طب لما أنتِ موافقة نتفاهم ودي ليه العصبية دي ؟!
أكثر شخص قابلته بحياتها استطاع ان يشعل الغضب فيها بلحظة وبرمقة عين …. اجابت بضيق :
_ ومين اللي قالك أني وافقت ؟! أنا بس احترمت والدك لأنه في سن والدي …وكمان اتكلم باحترام مش زيك ! … لكن ده مش معناه أني موافقة ! …وأظن ردي كان واضح !
رفع زايد حاجبيه بسخرية واستهزاء ثم قال بثقة:
_ كل حاجة تخص عيلتي بتلف تلف وترجعلي عشان أحلها ، يعني ما تثقيش أوي في الكلام …لأن الأمر كله في إيدي أنا … أنا ماليش علاقة أخوكي هيقوم ولا لأ … بس اللي ليكي عندي أني هدفع مصاريف علاجه مهما كانت …انما يخف أو ما يخفش دي مش مسؤوليتي أنا مش دكتور ! … وأنتِ بقى تلغي المحضر وتسمعي كلامي …. هو ده اللي عندي !
” هي مش تحت أمرك عشان تسمع كلامك ! ”
قالها ” أمجد” عندما كاد أن يخرج من المكتب وسمع بالصدفة تلك المحادثة كاملة منذ البداية ، التفت له فرحة وزايد بتعجب … اقترب أمجد من فرحة داعمًا ثم نظر لزايد بتحد واضح واضاف:
_ لما يكون اخوك غلطان يبقى لازم تعتذر وبعدين تحاول تحل المشكلة ! ، نبرتك وعجرفتك معاها غير مقبولة !
قال زايد باستخفاف:
_ وأنت مين بقى عشان تتكلم معايا كده ؟!
نظرت فرحة لأمجد بنظرة اطمئنان وابتسامة أخفتها سريعاً …. رفع أمجد نظارته الطبية على مرتفع أنفه وقال بجدية :
_ أنا قريبها ، ماتفتكرش أنها لوحدها .
ضيق زايد عينيه وتأرجحت نظراته بينهما في شك ، ثم قال بابتسامة ساخرة:
_ اوك … أنا قولت اللي عندي ….سلام
رماهما بنظراته المستهزءة ورحل …. نفخت فرحة بكره لهذا المتعجرف ، ثم تبدل تعابير وجهها وقالت بأمتنان لأمجد:
_ أنا متشكرة أوي يا دكتور ، أنا اطمنت لما شوفتك … بس كده ممكن تجيب لنفسك مشاكل؟!.
قال أمجد بهدوء :
_ أنا أسف لو تدخلت … بس بصراحة أسلوبه مستفز أجبرني على الرد … ولو على المشاكل فمعتقدش أنه في موضع قوة عشان يسببلك أي ضرر! … هما دلوقتي عايزين يكسبوكي بأي شكل .. ده واضح جدًا.
ردت فرحة بريبة وقلق:
_ طريقة والده حسستني بكده ، أنما ده هددني بشكل مباشر ، الناس دي مش محتاجين يكسبوني لأنهم ببساطة ممكن يطلعوا ابنهم براءة من الحكاية كلها غصب عني..!

 

قال أمجد بتوضيح :
_ في صحافة وسوشيال ميديا مابترحمش دلوقتي ، يعني خبر زي ده ممكن يقلب الدنيا عليهم ويخسرهم كتير … عرفتي هما خايفين ليه ؟!
هما أذكى من انهم يضروكي … بس هيحاولوا يكسبوكي بكل الطرق …خلي بالك من نفسك.
ابتلعت فرحة ريقها بخوف وقالت :
_ أنا كده خوفت أكتر … أنا لوحدي أنا وأخويا ومالناش حد ، يعني ….
قاطعها أمجد بحسم وتأكيد:
_ انا مش بقولك كده عشان أخوفك !، بس بنبهك مش أكتر ، وعمومًا أنا معاكِ ما تقلقيش …. وبأذن الله أخوكِ هيبقى تمام.
تنفست فرحة الصعداء بعض الشيء وقالت بابتسامة طفيفة :
_ بأذن الله.
******
وقف الثلاث شباب ينظرون لرعد بصدمة … ثم هتف يوسف بغيظ:
_ هتسافر دلوقتي ؟! …أنت اتجننت ؟!
وقفت رضوى من بعيد تنظر لرعد بحدة وبعذاب يملأ عينيها ودموع مختبأة ، بينما هو قد مرت نظرته عليها سريعة … كأنه لا يبالي بها وهو جدًا مشتاق ! .
تطلع به جاسر بغموض لبعض الوقت وكاد آسر أن يسأل رعد فقاطعه جاسر قائلًا بحدة:
_ أستنى يا آسر ، اكيد في حاجة في المستشفى في مصر ورعد مضطر للسفر … تعالوا معايا .
نظر له رعد وفهم ما خلف حديث جاسر …قال العمدة وهم يغادرون :
_ طب ابقوا طمنوني ..
فتحت وداد باب غرفتها وكانت تنتظر على نار لحظة المواجهة ، بينما لم ييسر الأمر …. تأففت بضيق شديد واغلقت بابها قائلة :
_ في حاجة غلط … كان نفسي نتكلم والبنات يتعرفوا عليهم أكتر …
رفعت يديها لربها وقالت :
_ يارب أنت الأعلم…. لو خير لبناتي يسرلهم الحال ، يارب طمني عليهم قبل ما أموت ..
انتبهت وداد لصوت قرع على الباب وسمحت بالدخول …دخلت رضوى بعد لحظات بوجه شاحب وعينين دامعتان …راقبتها وداد بقلق وتساءلت :
_ مالك ياعين أمك ؟!… شكلك باكية ليه ؟!
ارتمت رضوى على صدر أمها ببكاء ، وربتت وداد على رأسها بحنان قائلة بخوف :
_ طب فضفضيلي … قوليلي اللي مزعلك كده !
ابتعدت رضوى وهي لا زالت تنتفض من البكاء، ثم قالت بحزن شديد:
_ مش متعودة أخبي عنك حاجة … بس أنا قلبي مقبوض يمّه ، روحي كأنها متاخدة مني !
قالت وداد وهي تربت على يديها :
_ طب احكيلي وخرجي كل اللي مزعلك …
أخبرتها رضوى بكل شيء وهي تبكِ ، فنظرت لها وداد بوجه لا تعابير له … ثم قالت وتغاظت عن تظاهرها بعدم معرفة الخبر العائلي :
_ يعني لما عرف أنك بنت عمه اتغير ؟! أنتِ عارفة ده معناه إيه ؟!
قالت رضوى بأسى ودموع :
_ مالهوش تفسير غير أنه كان بيتسلى بيا ، ولما حس أنه ممكن يدخل في الجد بعد ! ، المشكلة أني ماحسيتش ولو لمرة أنه كداب ولا بيتسلى ! …
قالت وداد بقوة :
_ أوعي تكوني قابلتيه في حته ولا سمحتيله يقربلك ؟!
نظرت لها رضوى بصدمة ونفت الأمر قائلة:
_ ولا لمس شعرة فيا حتى وعمري ما قابلته في مكان ، كل اللي كان بينا سلام من بعيد وخلاص ، بس أنا حبيته وده اللي واجعني …. حسسني أني اقل من أني حتى أفكر فيه ! … ما هو أنا برضو …
أشارت وداد لأبنتها بعصبية كي تصمت ، وقالت بحدة:
_ أنت تستاهلي احسن منه يا خايبة ! ، قومي فرفشي وارمي من دماغك ولا يهمك … بكرة يجيلك ويترجاكي … وبما أن طلعتوا ولاد عم يبقى هتتقابلوا كتير الايام الجاية.
نظرت رضوى لأمها باستغراب وقالت :
_ يعني أنتِ مش هتزعلني لو اتصالحنا على جدنا ؟!
قالت وداد لأبنتها بتأكيد وبصدق:
_ وازعل ليه أذا كان أبوكي نَفسه كان نِفسه في كده ؟!… ياما بيحصل بين الأهل بس في النهاية مالناش غير بعض ، قومي اشطفي وشك وروقي … واللي فيه الخير ربنا هيقدمهولك يا ضنايا.
هدأت رضوى من حديث أمها وخرجت من غرفتها … فوجدت حميدة وجميلة يتهامسون في المطبخ …
حميدة بنظرة قلقة :
_ قلبي مش مطمن !
ردت جميلة بحيرة وهي تقف قبالتها :
_ ولا أنا … في شيء بيحصل احنا مش عارفينه ، والمنفوخ اللي اسمه رعد ده كمان مكنش كده ؟! ، هموت وأعرف في إيه ! ، مش مسألة المستشفى بتاعت مصر لأ ! ، يعني مستشفى فيها ١٠٠ دكتور غيره هيتصلوا بيه مخصوص عشان يحضر حالًا؟! …
ليه مجدي يعقوب !
تنهدت حميدة بقوة ثم قالت :
_ بقولك إيه احنا هنشغل بالنا ليه ! ، يا خبر النهاردة بفلوس بكرة يبقى ببلاش …
مرت رضوى دون تدخل في الحديث وتوجهت للمرحاض لتغسل وجهها … بينما كانت سما مقيمة بغرفتها وعزلتها المعتادة …
تفكر شاردة بابتسامة … مكره وحديثه المراوغ جعل قلبها يرق مرة أخرى … حتى أنها تجاهلت ما حدث … وتذكرت فقط نظراته وكلماته التي تحمل اكثر من معنى !
*****
وقف رعد بالمندرة امام الثلاث شباب الفاغرين أفواههم بصدمة … بعدما أخبرهم كشف الحقيقة…. وخرج جاسر سريعا من صدمته وقال بضيق :
_ جدي عمره ما هيسيبلنا الإختيار في أي حاجة ، أنا لأول مرة مابقاش عارف افكر ولا أقرر !
رد رعد بعصبية على ما قاله جاسر :
_ يعني إيه ؟! …. احنا مش اتفقنا لو اتأكدنا نرجع مصر ؟! اظاهر أن اللي اتفق معايا عيال مش رجالة !
اشار آسر لرعد بتحذير وقال بانفعال:
_ هعديهالك عشان عارف أنك مضايق ، بس اللي أنت مقرر تعمله ده اسمه هروب مش حل ! ، أنا مش شايف أن القرار الصح أننا نرجع ! ، بالعكس …كده جدك هيعاند وهيصمم وهيهد الدنيا على دماغنا كلنا لحد ما يجبرنا في النهاية ….
قال يوسف بموافقة على حديث آسر:
_ بالضبط … وبعدين البنات ذنبهم إيه في اللي بيحصل ؟! اكيد موقفهم زي موقفنا بالضبط … سفرنا هيحطهم في موقف زي الزفت بالذات لما يعرفوا أحنا سافرنا ليه … فكروا في غيركم شوية ماتبقوش بالأنانية دي !
أخذ جاسر تنهيدة حارة من رئتيه وقال بغيظ :
_ أنا قربت اكره حياتي بسبب تدخلات جدي وتدخله في كل شيء ! ، مكنش لازم يعمل كده المرادي بالذات … ولنفترض أنهم مكنوش عاجبنا !

 

هتف رعد برفض:
_ مين اللي عاجبنا ؟! … أنا ما عجبنيش حد اتكلم عن نفسك !
ضيق جاسر عينيه عليه بنظرة ماكرة وقال :
_ عيني في عينك كده ؟! ده أنت تلاقيك من جواك هتموت وتتجبر على الجوازة دي بس كبريائك الحمضان ده مانعك !
هز رعد رأسه بضيق شديد وقال :
_ محدش فاهمني فيكوا ولا حد هيفهمني … أنا ما اخترتش أي حاجة في حياتي ، لما حسيت بأعجاب من ناحيتها كنت مبسوط ومش متردد لحظة في ارتباطي بيها … حسيت فيها بحريتي واختياري … جدك بوظ كل حاجة باللي عمله ، نظرتي ليها اختلفت بعد اللي عرفته … وبدل ما كانت اختيار بقت اجبار ؟! … أنا مكنتش عايز كده !
قال آسر لهم بجدية:
_ ماينفعش نسافر في عز شغل القافلة ؟! … طب على الأقل نستنى لحد ما نتمم واجبنا الأول ! ، الشغل مالوش علاقة بحياتنا الخاصة والناس الغلابة دي محتاجة متابعة طبية وعلاج !.
قال رعد بضيق وعصبية:
_ يعني إيه ؟!
اوضح يوسف الأمر :
_ يعني من الآخر اكنهم مش موجودين ، تروح شغلك وترجع من سكات ، كام يوم كده وهنسافر …والله والله.
رفض رعد ببادئ الأمر واقنعه جاسر بصعوبة تامة … قال يوسف وهو يحسس على بطنه بألم :
_ مش عارف عندي وجع في معدتي ليه ؟! ، هروح اغسل وشي يمكن أفوق …
ابتعد يوسف عنهم ودلف للحمام ، ثم فتح صنبور المياه وتركه ….وأخرج هاتفه من جيب بنطاله وبعث لجده رسالة نصية …
” يا جدي …العيال هيبوظولك خططتك تعالى بسرعة ، لو مجيتش للأسف هتلاقينا عندك في ظرف يومين بالكتير … بحبك يا جدي يا لئيم … وطبعا مش محتاج أقولك تمسح الرسالة وإلا انت عارف اللي هيجرالي … بحبك تاني ”
ارسل يوسف ال سالة وهو يقول بضحكة ماكرة:
_ قال اسافر قال وأسيب حميدة ؟! …ده أنا اسيب جدي نفسه وما أسيبش حميدة !
******
بدأت مروة تستفيق من غشاوتها حتى فتحت عينيها ببطء شديد … لتجد نفسها مطروحة على سرير طبي بغرفة بأحد المستشفيات … نظرت حولها بدهشة وبدأت تستعيد ذكرى ما حدث أثناء القبض على طليق ليلى الذي لقى مصرعه ….
” أخيرًا فوقتي ”
التفتت مروة لصاحب الصوت لتجده أبن خالتها الضابط ” أحمد” ، الذي التفت يده بشاش أبيض إثر تعرضه لإصطدام حاد ليده بجسد السيارة التي حملت مروة للمشفى …. قالت مروة له بدهسة :
_ أنا بقالي هنا اد ايه ؟! … ليلى حصلها ايه ؟ ..
تأفف أحمد بعصبية منها وقال وهو يقترب لها :
_ ليلى في الاوضة اللي جانبك وبخير هي وبنتها ، اللي يهمني دلوقتي العنادية اللي قدامي …. حمد الله على سلامتك يا مروة ، أنا تفكيري اتشل لما شوفتك بتوقعي وأغمى عليكِ… بس الحمد لله جت سليمة.
حسست مروة على جرح برأسها سبب لها ثقل وبعض الألم ، وقالت :
_ الله يسلمك ، ممكن أشوفك ليلى … أنا خايفة حالتها تنتكس بسبب اللي حصل ! …
نهض أحمد بحركة عصبية غاضبة وهتف بها :
_ فكري في نفسك شوية بقى ! ، لحد أمتى شغلك هيكون رقم واحد في حياتك ؟!
نظرت له مروة بعصبية واجابت عليه :
_ لحد ما الاقي اللي يستاهل يكون رقم واحد في حياتي ! … مش الخاين اللي يجري على أول واحدة حلوة تقابله لمجرد أنه عايز يستفزني ! …وياريتك اخترت حد غريب ! …دي كانت صاحبتي!
أجابها بهتاف وضيق منها :
_ غلطت واعترفت واعتذرت وندمت ! … وعنادك ضيع مننا ٣سنين كان ممكن نعيش فيهم أحلى أيام !
قالت مروة بنظرات بعيدة عن اتجاهه:
_ أنساني يا أحمد …. أنا مش هعرف أنسى اللي عملته ولا قادرة اسامحك.
لانت نبرته وقال بيأس:
_ للأسف مش هعرف أنساكي … أنتِ كبرتي قدام عيني لحظة بلحظة ، كنت مستني اللحظة اللي هتقدملك فيها … بس للأسف الشيطان اتغلب عليا وزعلتك مني وكسرت صورتي في عنيكِ…. بس والله العظيم مافي غيرك وصلت لقلبي…
ابتلعت مروة مرارة متكورة بحلقها ونظرت بدموع للأسفل دون أن تجيبه ..
*****
و…وجيه !
رددتها ليلى مرارًا أثناء غفوتها ، كان وجيه يراقب كل رجفة جفن بعينيها ، والصغيرة ريميه تتمسك بملابسه ورأسها على صدره … وقلق عليها عندما شعر برجفة عنيفة تجتاح جسدها كل عدة دقائق …. ربت على رأسها بحنان وقال :
_ حبيبتي أنا معاكِ…
ف
انتفضت ليلى من فراشها كالمذعورة ونهصت صارخة :
_ بنتـــي …
انتفضات الصغيرة برعدة من صوت امها العالي بالصراخ ، وارتجفت على صدر وجيه وهي تبك بهلع …. نظرت ليلى امامها ووجهها تغرقه الدموع …. نهض وجيه من مقعده وشعر بانزعاج الصغيرة من ذلك … ولكنه احب أن يطمئن على ليلى …وقال بلهفة:
_ حمد الله على سلامتك يا ليلى ، أنتِ بخير أطمني …
نظرت له ليلى بغرابة وبعينيها صدمة شديدة ، عينيها تتجول حولها بالمكان كأنها تستكشف ما هو …وقالت :

 

_ أنا فين ؟! …وجيت هنا أزاي؟!
أجابها وجيه ولم يكتشف بعد حالتها :
_ لقيتك في المكان اللي بعتك ليه صالح … الحمد لله أنه مات وريح الكل منه …
اتسعت عين ليلى بذهول وقالت :
_ صالح مات ؟! …أمتى وأزاي ؟!
تطلع بها وجيه بشك للحظات …. ثم قال :
_ في ايه يا ليلى ؟! … صالح كان خاطفك !
سحب وجه ليلى وتساقطت الدموع من عينيها قائلة :
_ أنا مش فاكرة حاجة … مش فاكرة أي حاجة … أنا …
قاطعها وجيه بنظرة متألمة وقال ليطمئنها :
_ هتبقي بخير ما تقلقيش …. نامي وارتاحي والصبح نتكلم … ريميه معايا اطمني عليها …
نظرت ليلى لأبنتها ولملابسها المتسخة وقالت بلهفة :
_ عايزة بنتي …
هزت الصغيرة رأسها برفض حاد وقالت ببكاء :
_ لأ … لأ
صدمت ليلى من رفض أبنتها للقرب … وتجمد الحديث بحلقها …فقط عينيها تبكِ !
****
دلف الجد لغرفته بعدما يأس من عودة وجيه للمنزل …. وتوجه لفراشه ليغفو …. وبحركة اعتيادية تفحص الهاتف قبل النوم فوجد رسالة من حفيده يوسف ….
قرأ محتواها فأتسعت عينيه بدهشة …وقال :
_ يا ولاد ال ؟! ..بقى كنتوا بتستدرجوني ! …. طب أنا هطب على راسكم ويا انا يانتوا …. إلا أنت يا يوسف يا حبيبي …. حبيب جدوا أنت.
******
في غرفة الصبي “نعناعة” … وقف والده مدهوشاً بما سمعه من الصبي وقال:
_ يا واد أنت متأكد من اللي بتقوله وسمعته ده ؟! …يعني هما قرروا يسافروا لما عرفو نية جدهم ؟!
قال الصبي بعصبية وتأكيد :
_ اقسم بالله سمعت كلامهم كله وهو اللي قولتهولك ده ، لا ناقص كلمة ولا زايد ! ، أنت هترضى تجوزهم البنات وجدهم يغصب عليهم !
نفى العمدة مجرد الفكرة وقال :
_ لا طبعاً ، بنات أختي مش رمية ولا قليلين ، بس مقدرش أعمل حاجة دلوقتي غير أن البنات تتمنع حتى تكلمهم … وهنشوف لو فعلًا كلامك صحيح ولا لأ …. لو صح يبقوا هيسافروا دلوقتي زي ما اتفقوا …أو بكرة بالكتير..
قال الصبي بغيظ وتصميم :
_ أنا متأكد من كل كلمة … وهتشوف بنفسك!

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *