روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و الأربعون 42 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثاني و الأربعون 42 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثاني و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثاني و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثانية و الأربعون

~… ليزا …~
لم تستطع فرحة منع فضولها من التوجه لغرفته، ليس شفقة أبدًا …بل ما يسيرها شيء غامض بهذا الشاب.
شيء يشعرها أن خلفه أشياءً كثيرة وأسرار هائلة يخفيها .. ونظرات عينيه تلفها أجنحة من الغموض والتشتت.
دقت دقة خفيفة على الباب كنوع من الاستئذان ولكن لم تسمع أي رد .. فحركت مقبض الباب وهي تزدري ريقها بتردد وبعض ومضات التراجع، ولكن فُتح الباب بيسر كأنه أنتظر لمسة بسيطة ويفتح على مصراعيه.
وقفت بمكانها تنظر لجسده الطويلة الممدد على السرير الطبي وعينيه المغلقتان في سباتٍ تام .. تبدو من تقطيبه ملامحه أنه قبل أن يخلد للنوم كان هناك أمرًا يزعجه بشدة.
ولمحت الستائر وهي تتطاير خلف نافذة نصفها مفتوح! .. لو تركتها ستتسرب البرودة لعظامه تحت وطأة طقس الليل البارد المائل للصقيع .. وهو أكثر من يحتاج للدفء بهذه الحالة الواهنة!
للحظة قررت أغلاق الباب والتراجع، ولكن قالت لنفسها
” وماذا فيها لو قدمت بعض العون لأنسان عاجز؟!”
مضت للنافذة وأغلقتها سريعاً ثم انتبهت لصوت د.أمجد من خلفها !!
التفتت له ببعض الارتباك حنى حدقها بنظرة حادة وقال:
_ انتبهت ليكي وأنتي داخلة هنا .. كنت جاي أقولك شيء.
نظرت بصمت له للحظات بمحاولة فهم ما سبب حدته هذه … فأجابت ببطء:
_ هو كان بيسأل عني فجيت أشوفه عايز إيه … لقيت الشباك مفتوح قولت أقفله… بس !
توترت عينا أمجد من شيء أبعد من ضيقه لوجودها هنا، شيء شعرت أنه يتهرب منه ويجاهد ليبعده عن نفسهِ .. كأنه مجرم يسابق شرطي ليهرب !
ابتلع ريقه بتوتر وقال :
_ ممكن نتكلم شوية ؟ … بس على انفراد.
تلونت وجنتي فرحة بالحرج والحياء … وأن يطلب منها هذا الطلب فهذا بالشيء العجيب الذي لابد أن خلفه شيئين لا ثالث لهما ….. إما ما تمنته لأشهر … أو كارثةً ما.
فترددت بالموافقة، مع شعورها بالميل والأعجاب لم تنسى أخلاقها وحدودها الطبيعية اتجاه أي رجل .. وأن رآهم أحدًا ربما تناثرت الأقاويل وأصبحت سيرتها علكة فأواه الجميع.
قالت بحيرة:
_ ماينفعش نتكلم أنا وحضرتك على انفراد يا دكتور … يعني أفرض حد شافنا يقول عليا إيه ؟! والناس ما بترحمش!
نظر لها أمجد والقى كلمات دون التفكير فيها:
_ طب ما أنتي هنا مع واحد غريب وجيت ولقيتك لوحدك !
تبدد الخجل منها واصبحت تنظر له بدهشة مع موجات الغضب ، كيف يتحدث ويقل ذلك ؟! …. فردت بعصبية:
_ أولًا ده مريض مش قادر حتى يوقف!، ثانيًا مافيش حد هيشوفني هنا وهيفهم غلط خصوصا أنه طلب يشوفني كذا مرة ، والكل عارف حكاية أخويا حسام وعلاقته بيه…. ثالثاً بقى أنا عارفة حدودي مع الكل وأظن حضرتك عمرك ما شوفتني واقفة مع أي دكتور أو حد بيشتغل هنا لسؤال خارج الشغل.
تراجع أمجد في حدته وقال بصوتٍ يرن فيه الاعتذار:
_ أنا أسف مش أقصد ….
وعاد متسائلا بنظرة غامضة:

 

_ هو طلب يشوفك ليه …؟!
تنهدت فرحة قبل أن تجيب .. ثم قالت ونظرتها على زايد النائم في سريره كالجثة الهامدة وقالت بحيرة حقيقية:
_ مش عارفة … الأنسان ده غريب، رغم كل أفعاله بس بحس أنه مش كده .. حتى والده لما كلمني لمحلي بكده …. من أول مرة شوفته وحسيت كأنه مريض نفسي ! … عصبيته وتهديده العنيف ده مخلنيش أخاف منه أد ما حسيت أنه غامض … أنا كنت بشتغل في عيادة دكتور نفسي سنتين قبل ما أجي هنا وفهمت حاجات كتير … يمكن ظني صح.
رد أمجد بعصبية:
_ ويمكن غلط ..
قالت بصدق :
_ يمكن …
وهنا خرجت من الغرفة واغلقت الباب دون أن تنتبه أنه لم يغلق تمامًا …. وقف أمجد أمام الغرفة قبالتها وقال وكأن القول ثقيل على نطقه:
_ بصراحة كده … عايز اتقدملك.
جحظت عينيها للحظة ثم حاولت ان تبدو طبيعية ولا يكسوها هذا التوتر والخجل والارتباك …. واخفت ابتسامتها وقد تلونت وجنتيها بحمرة شديدة من الحياء.
ولكن ما لمحته بعينيه التي شردت عقب تقدمه رسميا للخطبة ، هي تلك النظرة الحزينة التي طافت بمقلتيه ! …. كان لابد أن يبدو النقيض تمامًا ! …. وكأنه مجبر على ما قاله ! هذا الطبيب غريب الطباع … يمكن أنه يحيرها أكثر من ذلك الغامض زايد..!
تبددت فرحتها بعض الشيء وهي تنتظر منه أن يتابع ويقول المزيد .. علها تتأكد أنه قالها بالفعل وطلب منها الزواج !
ولكنه استأنف قوله بتنهيدة عميقه ثقيلة من الهم كأنه يتعارك مع الكلمات لتخرج … وقال بنظرة جدية لا سبيل فيها للعاطفة التي وجودها بهذه اللحظة أساسي ومهم .. وأضاف:
_ ده اللي كنت عايز اكلمك فيه … و …..
أتت أحدى الممرضات إليه في سرعة، وقالت وكأنها تزف إليه خبرًا هام :
_ سمر وصلت يا دكتور …. رجعت الشغل.
تجمد أمجد للحظات وهو ينظر للممرضة بذهول … خبر عودة حبيبته سمر كان يعرفه منذ صباح اليوم … ولكنه لم يعرف أنها ستأتي اليوم تحديدًا وتستأنف عملها … ريثما أن من المفترض أن إجازة شهر العسل لم تنقضي بعد !
تلعثم وهو يسأل الممرضة بلهفة واضحة:
_ سمر هنا ! …. هي مش كانت هتيجي بعد أسبوعين ؟!
تأرجح التلاعب بعين الممرضة وهي تخبره وكأنها تستمتع بوقع الخبر عليه وصدمته … فأجابت بابتسامة ماكرة:
_ مش عارفة والله … أنا عرفت أنها رجعت قولت أقولك.
توترت عينيه وتلاحقت أنفاسه بسرعة واضحة، كأنه يكبت شيء بداخله ويخفيه عن الأنظار … بدت فرحة كأنها لا شيء أمامه الآن …. عندما وقعت بالمقارنة بظهور حبيبته ..
مظهره المتوتر جعلها تشك بالأمر .. شعور الأنثى دقيق وشفاف لأقصى درجة، يستطع أن يغزو الصمت ورمقتا العين ويعرف ما خلفهما.
انصرفت الممرضة التي أرضت فضولها بردة فعله، ريثما أن اغلب من بالمشفى يعرف شعوره اتجاه الممرضة الفاتنة سمر.
قالت فرحة بحدة :
_ د.أمجد ..؟! … سرحت في إيه ؟!
ابتلع ريقة مرة أخرى بتوتر كبير وهو يرفع إطار نظارته الطبية على مرتفع أنفه… وتلعثم بالحديث وهو يرد:
_ لا … أبدًا ، بعد أذنك…
انسحب من أمامها وتركها تقف بذهول نظراته المتأملة في خطوات ابتعاده ! …. ماذا تعتبر عرضه للزواج إذن وهو حتى لم يعطيها فرصة للتفكير؟!، ولم يوضح لها شيء على الأطلاق ! …
ما كانت تظن أن هذه ستكن ظروف وقع الخبر على مسمعها! … فقد ظنت أنها ستقفز من الفرحة عندما ينطقها !
وربما ستوافق بنفس اللحظة …!
حمدت عدم تسرعها وتريثها بالأمر … وعادت للعمل بقسم الأشعة بعينا زائغتان شاردتان للبعيد … ووجه ممتقع شاحب بعض الشيء.

 

******
التفت زايد مستندًا على عكاز أتى به والده بصباح يوم أمس.. وجلس على فراشه بجسد ثقيل من جبيرة قدمه الممتدة على اعلى ركبته.
وتمدد على الفراش بألم يشد جسده حتى استطاع فعلها بعد لحظات من الألم …. ثم تاه بألم آخر يغزو قلبه وهو ينظر لسقف الغرفة بصمت …
يراها واهمة حائرة، والأمر أمام عينيها واضحا كبزوغ الشمس، أينما رجل يرتبك لمجرد اسم امرأة فإذن هي تزن بقلبه شيء !
مثلما يحدث معه تمامًا عندما ينطق احدهم اسمها ..
غيرة قاتلة تقتحم كيانه كاملًا .. ولكن هناك حد للمجازفة .. هناك خطوات لا يجب عليه اتخاذها … لو ما كانت هي الفاعلة ستبقى على ذكراه طوال العمر.
ابتلع ريقه بمرارة …. ونظر للنافذة التي أغلقتها بغرفته مشتاقا لعينيها …. ورغب لو يبعد بها عن الجميع، عن آلامه وما عذبه لسنواته … فهي الوحيدة التي خطفت انتباهه من الوهلة الأولى …ولم يكن الأمر أكثر من أنه انتبه لها، ولعينيها الثائرة بخوف دفين … ولاستقامتها وصدقها الذي هجر عالمه تمامًا.
وتذكر أنها بعد أن تركته يومًا بالسيارة في الطريق مع تحذير الا يراقبها مجددًا … أنه راقبها أكثر .. وفكر أكثر ، وهي تعتقد أنه رآها عدة مرات قليلة … بينما هي كانت تحت مراقبته الشخصية أينما ذهبت … ولم يستطع منع قلبه بالتعلق بعدها.
******
وضع يوسف ما أبتاعه من دمى والعاب وصندوق الهرة البيضاء بغرفة الصغيرة ريميه … حتى أتت المربية وبين يديها الصغيرة وقالت :
_ جبتهالك من عند أمها … بس خلي بالك منها.
ابتسم يوسف وهو يأخذ الصغيرة من يدها وقال :
_ متخافيش يا دادة … هتشوفي بنفسك هخليها تضحك أزاي.
فركت الصغيرة عينيها بقبضة يدها الرقيقة فابتسم يوسف لتلك الحركة الطفولية … وقال وهو يجلسها على الأرض برفق:
_ جبتلك بقى قطر بيمشي … وكمان جبتلك قطة جميلة أوي.
التمعت عينان الصغيرة بالدموع وتذكرت قطتها التي ماتت أثناء الاختطاف … ولم يفهم يوسف سببا لدموعها فعبس وجهه ..
أقترب منها وهمس بتساؤل :
_ أنا زعلتك في حاجة ؟!
شهقت الصغيرة وهي تبكي وقالت :
_ قطتي بسبوسة ماتت …
عطف يوسف على حالها ومرر يديه برقة على رأسها وقال بحنان :
_ طب هديكي القطة اللي جبتهالك وقولي رأيك فيها … مش أنتي بتحبي القطط ؟
هزت الصغيرة رأسها بالإيجاب وببطء … حتى أخرج يوسف القطة من صندوق خاص بالقطط يملأه الرمل الكربوني المعطر … قال بضحكة وهو ينظر للقطة التي ترمقه بتكشيرة :
_ القطة دي حاسس أنها لسه مطلقة من يومين ! …. هي كشرية كده ليه !
خرخر صوت القطة ولم يفهم يوسف ما تريده ، هربت من يده حتى وجدت طبق على منضدة قصيرة مليء بالكيك والحلوى.. فهجمت عليه وبدأت تلعق الحلوى بشهية …
صدم يوسف وهتف بغيظ :
_ يا مفجوعــــة ! …. دي بلعت الكيكة ! …. بس صاحب المحل قالي بلاش تأكلها حاجة فيها سكر !
بدا يوسف مترددًا في ابعادها عن الحلوى التي تأكلها وتصدر صوتً مضحك للغاية كأنها تلحن نغمة ترافقها تناولها للطعام …. ابتسمت الصغيرة وقالت ليوسف :
_ كنت عايز تاكل الكيكة ؟
قال يوسف بغيظ :
_ أيوة …
ضحكت الصغيرة بين دموعها فجأة … فألتفت إليها يوسف بتفاجئ ….وابتسم بدهشة …فلأول مرة يرها تضحك هكذا دون مجهود منه ليجعلها تبتسم !
فقال ليثير ضحكتها أكثر:
_ كلت الطبق كله وما سابتليش أي حاجة ! …. اجيبلها عصير كوكتيل تحلّي بالمرة !
ضحكت الصغيرة بقوة وقالت :
_ هات ليها تونة …
وضعت الصغيرة أصبعها بفمها وهي تضحك بعد ذلك وشاركها يوسف بذلك.
راقبتهما المربية بابتسامة ورغبة شديدة في النعاس من شدة الإرهاق بالعمل…. أتت جيهان ووقفت تطلع بهم في هدوء.
ويبدو أن الصغيرة شعرت بصوت خطوات خلفها فأشارت ليوسف أن ينظر ويرى من … فاستدار يوسف وتفاجئ بزوجة عمه تقف ناظرة لهما بتمعن … عاد يشارك الصغيرة المرح وتجاهل جيهان تمامًا مما جعلها تزداد حرجاً من وجودها فقالت :
_ ممكن أخد ريميه شوية ؟ …. هرجعها تاني.
وقفت الصغيرة وعقدت حاجبيها بعبوس، فقد ادركت صاحبة الصوت التي وبختها منذ قليل … فهمس لها يوسف بتساؤل:
_ تروحي معاها يا ريمو؟
اومأت الصغيرة رأسها بالرفض وأصبعها لا زال بفمها … فشحب وجه جيهان بحرج شديد وخرجت شبه راكضة من الغرفة.
وطافت كآبة على عينين الصغيرة فجأة، كأنها تذكرت ما قيل لها … جلست على الأرض وعينيها مصوبة للاشيء …
تأملها يوسف بوخزة ألم لأجلها، ثم أخذ القطة وقال هامسا بصوتٍ كأنه يتأوه للصغيرة والقطة بيده :
_ قطتك أفتكرتني زعلتك وبتضرب فيا …
وتظاهر أنه يتألم من صفعات القطة، وتسلل لثغر الصغيرة ابتسامة بسيطة جدًا …. لم تكن كافية أن تنسيها تلك الجملة التي ماكثة بعقلها كالإشارة الحمراء.
*******
جلست سمر التي ارتدت الزي الرسمي بممرضات المستشفى وتاهت نظراتها بعينا شاردتان يلتهب فيهما الحزن بأحد غرف المرضى الفارغة …. حتى أتت منى صديقتها إليها وجلست وهي تضع أمامها كوب كبير من عصير الليمون الطازج وقالت :
_ أشربي ده بقا وقوليلي … الجواز حلو ؟
ابتسمت منى ظنا منها أنها ستجد إجابة مبهجة مثل ما اعتقدت … ولكنها تلقت وجوم ودموع حبيسة في عيون سمر … فربتت منى على يد صديقتها سمر وقالت :
_ أظاهر مافيش حاجة حلوة في الدنيا دي يا منى !
تنهدت منى بقلق حتى وضعت مشروبها جانبها وتأملت بسمر قائلة :
_ في حاجة مزعلاكي ؟! …. أنا بصراحة استغربت أنك قطعتي شهر العسل وجيتي النهاردة … بس ماحبتش أضايقك بالسؤال.
جرت الدموع من عين سمر وشعرت برغبة هائلة في البوح ولو ببعض الأشياء لتنفض عن كاهلها هذا الحمل … فقالت معترفة

 

 

:
_ يوم الفرح كان قلبي بيدق خوف معرفش ليه، مش خوف زي ما كل البنات بتخاف اليوم ده لأ …. كنت خايفة من حاجة مش عارفة أعبر عنها … خايفة منه أوي … أول مرة أخاف منه كده !
ابتلعت ريقها المر وتابعت :
_ بعدها في صالون التجميل جاتلي واحدة ما ارتحتلهاش خالص …. قالتلي أن محمود واعدها بالجواز ومرتبط بيها من سنتين …. أنا اتصدمت وكأني اتضربت على دماغي … سنتين يعني معناه أنه كان خاطبني وهو بيكلمها وبيوعدها كمان وأنا ولا في اعتباره ! …. خاني ! ….
لم تصدم منى كثيرًا مما قالته سمر فالجميع يعرف مستوى أخلاق ذلك الرجل … فقالت بمواساة:
_ اتجوزك أنتي ….و
قاطعتها سمر ببكاء وغضب :
_ أنا بكرهه … دلوقتي بس عرفت أني عمري ما حبيته، أنا مش قادرة حتى أبص في وشه … أنا ندمانة وغلطانة.
لم تحب منى أن تعرف ما حدث بعد ذلك، فقالت لكي تهدأ سمر ولو قليلاً:
_ اهدي بس الأول … لازم تهدي، ويمكن ربنا يصلح حاله.
كانت سمر على أعتاب أن تتفوه بالحقيقة كاملة ولكنها أجهشت بالبكاء بدلًا عن ذلك …. ربتت منى على يدها لدقائق حتى شعرت بضرورة العودة لعملها … فنهضت قائلة بأسف:
_ معلش يا سمر لازم أقوم … وأنتي كمان لازم تبطلي عياط المفروض أنك عروسة وكله هيجي يباركلك دلوقتي … مش حلو يلاقوكي كده !
لم يتبدل حال سمر .. فنظرت لها منى بيأس وانصرفت عائدة لعملها مغلقة الباب خلفها ….. رفعت سمر رأسها ونظرت أمامها بحزن شديد …. ولا زالت الصدمات تمر أمام عينيها بأطياف سوداء …..
كانت وقت العرس عروس جميلة ترتدي فستانها الأبيض بانتظار الرجل الذي اختارته بإرادتها … حين أتت تلك الفتاة وأخبرتها ما أخبرتها ….. وهنا لم تستطع الاعتراف لصديقتها منى عن المزيد …. ولا الاعتراف أنها لا زالت بكر عذراء مع رجل كذب عليها وكان يعرف بمرضه سابقا ولم يخبرها ….
كل ما كان يفعله هو تعدد علاقاته السطحية مع النساء ليعوض هذا النقص فقط … وحينما واجهته بعد عدة أيام من العرس وبعدما ادركت الأمر واقترحت عليه اللجوء لطبيب …كانت إجابته صفعة غاشمة على وجهها قائلا بشراسة:
_ أنا مش مريض … أنتي اللي فيكي حاجة غلط، وأنتي اللي لازم تتعالجي …. وأظن يعني أن سبب جوازك مني من البداية مش حب فبا ! …. أنتي اتجوزتي فيلا وعربية وفلوس …. والفلوس أنتي غرقانة فيها والفيلا مستنياكي بعد شهر العسل والعربية في الكراچ… عايزة إيه تاني !
تحسست سمر موضع الصفعة بصدمة اجتاحت كامل عقلها … ثم قالت بعدم تصديق :
_ أنت ده كله وكنت فاكر أني اتجوزتك عشان كده ؟! … مستحيل ! … يعني فوق عذابي معاك المفروض مني أشوفك بتكلم بنات قدامي وبتهيني قدام الناس واسكت !
وقف أمامها بنظرة قاسية غليظة وقال :
_ هو ده اللي عندي … وبعدين موضوع كلامي مع البنات ده أنتي عارفاه والدنيا كلها عرفاه. .. مش جديد يعني ومتعمليش نفسك متفاجئة.
التهب الغضب بداخله والقت بحديثها بوجهه
دون مراعاة شعوره بالعجز وهتفت باكية وصارخة:
_ ولما أنت مريض بتعرف بنات ليه ؟! … واتجوزتني ليه ؟! … ليه خبيت عليا ! … كان حقي أعرف وأختار اكمل ولا لأ!
خطف معصم يدها ولواه خلف ظهرها فصرخت بألم، ثم همس بعنف جانب أذنها :
_ أنتي مالكيش عندي اختيار … ولو فكرتي تطلبي الطلاق هقول أني مش أول واحد في حياتك … وطبعا الكل هيصدقني أنا مهما قولتي ودافعتي عن نفسك …
وبعدها دفعها على الفراش بعنف ورمقها باحتقار قائلًا بتهديد:
_ لو مخلوق عرف باللي بينا ده ماتلوميش غير نفسك … لأني اكيد مش هختار سمعتك على حساب سمعتي وهدمرلك حياتك.
تركها تتخبط في الم قلبها والغد التي تراه حالك السواد وهي مع رجل ينقصه كل مواصفات الرجولة.
وعادت سمر من تلك الذكريات الفائته على صوت دموعها … حتى تفاجئت بدق على باب الغرفة، نهضت ومسحت عينيها سريعا كي لا يلمح أحد بكائها وتوجهت للباب بعدما استطاعت استعادة بعض هدوئها.
فتحت الباب ليدخل عدد من الممرضات وعاملات النظافة للمباركة والتهنئة .. وكانت تجيب بابتسامة مصطنعة زائفة رسمتها بالكاد ….. حتى قالت أحدى العاملات وهي ترى ثعبان ذهبي يلتف حول معصم سمر في فخامة وبهاء …. قالت وعينيها ستنقض عليه :
_ صبرتي ونولتي يا أستاذة سمر …. اوعدنا يارب.
ابتلعت سمر ريقها المريرة …ورغم أنها لا تحب تلك الفتاة إلا أنها تضرعت سرا أنا لا تتذوق تلك المرارة والألم مثلها بفيض رخيص من المجوهرات ….
كان الفتيات يتحدثن في أحاديث عدة أمامها وهي تهز رأسها ولا تسمع مع حديثهن كلمة …. عقلها أصبح كالمشوش لا يلتقط أدنى معلومة أو تلميح.
حتى انصرفوا من أمامها وعادت تلك الحزينة المكسورة بلحظة … ولم يدم وقت انفرادها كثيرًا، فقد وقف أمامها فجأة د.أمجد !
على بُعد خطوات منها …. ازدردت ريقها بغصة متكورة مُرة وتهربت من عينيه …. حتى اقترب خطوات بنظرات فيها حزن عظيم وقال ببطء:
_ مبروك رجوعك.
نظرت سمر لجهة أخرى وردت بحدة ليس لها مبرر ولا سبب:
_ شكرًا ….
تطلع بها أمجد للحظات ثم قال وبصوته قلق:
_ أنتي معيطة ليه ؟!
ضغطت على أسنانها بعنف، فقد كان كعادته يشعر بها ويلمح أدق المشاعر بعينيها …. فنظرت له بنظرة غاضبة وصاحت :
_ وأنت مالك بيا ؟! … ما تخليك في حالك !
ورمته بنظرات نارية وبعداء غير مفهوم سببه وغادرت من أمامه … ظل أمجد متخشباً للحظات بمكانه … وهو بين ضفتي الخوف عليها والقلق، وبين الغضب منها ومما فعلته بنفسها …
وهنا ظهرت أمام عينيه فرحة … وطلبه الزواج منها ! .. كيف سيفعل ويعقد قرانه على فتاة أبعد كثيرًا عن قلبه !
وقلبه لا زال معلقا بتلك الخائنة !
يبدو أن يد القرار لم تصبح معه … لا يستطع أخذ القرار بأي شيء …..
*******
بعد آذان الظهر تلقى الجد رشدي أتصال هاتفي من أحد أقارب العائلة…. ليخبره أنه سيزوره خلال ساعة تقريبًا.
أنهى الجد رشدي الأتصال متعجبًا وقال :
_ ياترى الزيارة الغريبة دي وراها إيه !
ومع طرف الخط الآخر أنتهى عاصم ن الاتصال مع الجد رشدي مبتسما لابنه قائلا:
_ خلاص اتصلت بيه وهزوره بعد ساعة ياعم المستعجل … بس كان الأفضل نستنى شوية وزي ما قالت والدتك … نعزمهم هنا الأول وتتعرف أنت والبنت على بعض وبعدين نكلم جدها وعمها… مش خبط لزق كده على طول !
قال وائل بنظرة ماكرة:
_ رعد حسيته عينه منها وده اللي خلاني استعجل، وبعدين مش فارقة كتير أحنا عيلة واحدة وبينا معرفة …. البنت يابابا بصراحة جميلة وخجولة كده مش زي البنات اللي بشوفها خالص !
وقف عاصم أمامه أبنه وقال بشك:
_ أنت عايز تخطبها عشان عجبتك … ولا بتعند مع رعد بسبب موضوع أختك ؟ …. لو بسبب سلمى أختك فهي خلاص اتخطبت وخلصنا .. مالوش داعي العند.
أجاب وائل عليه بعد ضحكة ونظرة متلاعبة:
_ مش هكدب وأقولك أن ده مش في دماغي … بس كمان البنت مُلفته وشدتني … وعجبتني أكتر لما لقيتها بتزعقله …. وبعدين خلينا نبص لقدام شوية …. عارف لو أنا وأخواتي الشباب الأتنين خطبنا ٣بنات من بنات عمي مصطفى الله يرحمه ده معناه إيه ؟ ….. معناه أن هيبقى لينا نصيب في كل حاجة عيلة الزيان تمتلكها … لأني متأكد أن جدي رشدي هيديلهم نصيب أبوهم كامل وعمي وجيه مش هيقبل ياخد منهم حاجة.
مط عاصم حاجبيه بلا اكتراث … ثم قال:
_ أنا مش محتاج فلوسهم في حاجة وعندي اللي يكفيني … بس مش عارف ليه والدتك زرعت في دماغك الطمع ده منهم! …. عمومًا أنا هعمل اللي أنت عايزه … بس مش عايز مشاكل معاهم وخاصةً عمهم وجيه … ده مابيهزرش!
قال وائل بتفائل:
_ مش هيكون في مشاكل بأذن الله … أطمن.
******
وبغرفة الصغيرة …
ظل يوسف يشاكسها ويضحكها حتى انتبه لمغادرة المربية دون أن يشعر … وبلحظة وجدها عائدة تجلس بتنهيدة أرهاق ..فقال:
_ محستش بيكي يا دادة لما خرجتي …
قالت المرأة العجوز وهي تبتسم للصغيرة :
_ كنت برتب غدا سريع كده للضيف اللي جاي … روحت أعملكم عصير لقيت جدك باعتلي وقالي أحضر غدا للضيف .
تعجب يوسف وتساءل:
_ ضيف مين اللي جاي ؟ … أحنا نادرًا لما بيجيلنا ضيوف !

 

 

أجابت السيدة بعفوية :
_ ده عمك عاصم … اتصل بجدك وقاله أنه جاي ..
رفع يوسف حاجبيه بدهشة … ثم جالت بخواطره شيء فضيق عينيه بشرود ….
نهض من مكانه وابتعد عن الصغيرة قليلا وتركها تلهو مع القطة وتلاعبها …. ثم رفع هاتفه باتصال سريع على هاتف رعد …
وأجاب الآخر وهو بمكتبه :
_ الو ..؟ عايز إيه يا يوسف وليه مجيتش المستشفى ؟!
رد يوسف بصوتٍ خافت :
_ مش مهم دلوقتي انا … بقولك إيه … عمك عاصم جاي لجدك بعد شوية … اتصل بيه وحدد ميعاد وجاي … وبصراحة شاكك في حاجة كده ويارب ما تطلع صح … أصلهم مش بيعرفونا غير لمصلحة وهدف !
انتفض رعد من مقعده بزمة من شفتيه غاضبة …. وقال بنظرة عنيفة :
_ لأ أنا كنت متأكد أنه مش هيفوت الفرصة دي …. بس مفكرتش أنه هيقرر بالسرعة دي! ….أقفل أنا جاي ..
قال يوسف بتحذير:
_ أي كان السبب اللي جاي عشانه … اتعامل بعقل وأهدى … وماتنساش أنك منيل الدنيا أصلًا ورضوى ممكن تتحداك …. اتعامل بهدوء وبلاش تقفيلة مخ!
هتف رعد وهو يطرق على المكتب بغضب :
_ دي مافيهاش تحدي… لو اللي في بالي صح وفكرت بس توافق أنا ساعتها مش عارف هعمل فيها إيه … أقفل دلوقتي أنا مش طايق حتى نفسي.
أغلق رعد الهاتف بنظرة ثائرة من الغضب، فدلف جاسر للمكتب وهو يتنفس بحدة من كثيرة الاشراف على حالات المرضى ..وقال :
_ هو مافيش دكتور نسا هنا غيري في المستشفى دي !
وقطع حديثه عندما وجد رعد يخلع معطفه الطبي بعصبية ويلقيه بدفعه وأهمال … فرمقه بقلق وقال:
_ مالك يابني في ايه ؟!
نظر رعد له وكأنه يريد الشجار مع أي مخلوق أمامه وهتف:
_ عم عاصم طلب ميعاد مع جدك …
رفع جاسر حاجبه بابتسامة ظهرت ببطء .. ثم صفر سريعا بإعجاب وقال :
_ والله وائل طلع بيفهم عنك …. شكلنا هنبارك قريب وهنبل الشربات.
غضب رعد أكثر من جاسر وأراد رد الضربة له بالحديث فقال :
_ طب خلي بالك بقى ليكون جاي يتقدم لجميلة … وهنبل الشربات برضو وكل حاجة ..
هز جاسر رأسه بابتسامة ماكرة وبثبات … ثم قال بهدوء مستفز :
_ لأ … البت دي شرسة ومحدش هيستحملها غيري وهي عارفة كده وجدك عارف كده … يابني دي ريميه نفسها بقت عارفة كده !
وارتفعت ضحكته عاليًا … فتطلع به رعد بغضب وقال :
_ انا راجع البيت … ويا ويلهم كلهم لو اللي في بالي صح …
التقط رعد مفاتيح سيارة وهاتفه سريعا، ثم غادر من المكتب …. فتنهد جاسر قائلا :
_ ربنا يستر وما يبوظش الدنيا أكتر …
******
انشغلت المربية العجوز مع باقي الخدم في المطبخ … حتى دق جرس الباب الكبير المنزل … خرجت حميدة من غرفتها لتجد الفتيات الثلاث خرجن أيضا فأشارت لهن قائلة:
_ أستنوا انا اللي هفتح الباب …
وتوجهت للباب بجلبابها الفضفاض المحتشم لتفتحه …حتى وجدت فتاة شقراء فاتنة ترتدي فستان أسود قصير جدًا وتدخل المنزل بخطوات سريعة بحذائها العالي…. ويبدو أنها اعتقد حميدة احدى الخادمات !
نظر الفتيات الأربعة لها بتفحص ودهشة … فقالت الفتاة الشقراء بلفة إنجليزية:
_ هالـــــوا
قطبت حميدة حاجبيها وهي تطلع بالفتاة في تفحص واقتربت منها …. وقالت بغيظ:
_ أنتي عايزة مين ياختي ؟!
همست سما لرضوى بضيق وقالت :
_ هي البت دي داخلة كده ليه؟! زي الديك الرومي اللي بيهرب من الدبح !
لم تعلق جميلة على ظهور الشقراء بل ظلت تنظر لها ببعض الشك في أن تكون صاحبة الأتصال الصباحي ….
كادت حميدة أن تسأل الفتاة حتى وجدت الفتاة تركض اتجاه السلم حيث صدف هبوط يوسف من الدرج وهتفت بسعادة:
_ جوزيــــــــف …
وارتقت الدرجات القليلة إليه ثم ارتمت على صدره بعناق حار … فقال يوسف بابتسامة :
_ ليزا …. حمد الله على سلامتك ، وصلتي مصر أمتى ؟!
همهمت الفتاة وهي معلقة يديها بعنقه بكلمات إنجليزية لم تفهمها أي من الفتيات … فهتفت حميدة بعصبية مفرطة فجأة :
_ يوســــــف !
نظر يوسف بأعين متسعة لحميدة … ثم ابعد الشقراء عنه في نظرات اعتذار لحميدة …. ولكن الفتاة الشقراء لم تمهله وعادت لصدره مجددًا دون أدنى شعور بالحرج أو الحياء!

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *