رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و العشرون 25 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و العشرون 25 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخامس و العشرون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخامس و العشرون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الخامسة و العشرون
وقف الشباب الأربعة ينظرون من بعيد للمنزل المتألق بسبب الاضواء ، والضجيج من الأصوات المتداخلة للنسوة والرجال …..
قال يوسف وهو لا زال يضع يديه في جيبي بنطاله القصير :
_ هندور عليهم أزاي ؟!
رد جاسر وهو ينظر بدقة اتجاه الرجال :
_ مش نعناعة اللي بيرقص هناك ده ؟ …..
أجاب يوسف وهو يدقق النظر أمامه :
_ مش باين من هنا ، تعالى نروح ونشوفه ، يمكن هو …..
استأنف الشباب سيرهم إلى العرس تحت جناح الليل الذي عكره الأضواء الصادرة من المصابيح ….
قد خرجت العروس عندما شاهدت زوجها والذي عُقد قرانهما بالأمس يرقص مع بعض الرجال ….. وتبعها الفتيات والسيدات في زاوية بعيدة عن الرجال خارج المنزل….. تعالت أصوات الزغاريد من أفواه بعضهن مع دوي الأكف بالتصفيق الحار ….
همس أحدهم للصبي نعناعة الذي وقف عندما شاهد الرجال يرقصون ببهجة وقال :
_ أنت عمال تتكلم وتتفشخر بنفسك وأنت بقالك خمس ساعات بتأجل …. أنت مكسوف ترقص بالعصا ولا مابتعرفش ولا إيه حكايتك ؟!
استند الصبي بيديه الأثنان على العصا بنظرة واثقة، وقال وهو يشير للرجال :
_ سيبتهم يفرحوا ….. كل ما أجي أبدأ الاقي ناس جاية فأبعد ، أنا لو رقصت هبهركم …. وكمان بدي للشباب فرصة يظهروا نفسهم …ماتبقاش أناني وغور بقا ….
مط الشاب الآخر شفتيه بسخرية ، حتى أنتهى مجموعة الرجال من الرقص بإنتهاء المقطوعة الغنائية …… قال الشاب للصبي مرةً أخرى بإستهزاء :
_ أهو كله خلص ، شكلك بوء وبس …..
ضيق الصبي عينيه بغيظ منه، حتى تقدم للساحة وهو يشعر أنه سيفشل …… نظر لمن حوله وشعر أن جميع العيون مسلطة عليه ….ابتلع ريقه بحرج و كاد أن يبدأ ، حتى وقعت عينيه على أربع أجواز من العيون على مسافة قريبة منه ، ومسلطة عليه بنظرات عصبية …..ابتهج الصبي فجأة وركض إليهم قائلًا :
_ أنا مش مصدق والله أنكم هنا ….تعالوا معايا ….
قال جاسر بغيظ شديد :
_ أنا مش قولتلك أني مستنيك العشا ؟! ….. الفجر قرب وأنت هنا !! …… منبه مخك مخرف ليه ؟!
قال نعناعة وضحك عاليًا :
_ هو أنا سندريلا يا دكتور !! …تعالوا بس عايزكم في طلعة …..
جذب جاسر من يده ثم رعد الذي كان يرميه بنظرات غاضبة ولكنه تحكم بأعصابه ، أما آسر ود لو يصفعه ثم يسأله عنها …..سأله يوسف بتعجب :
_ طلعت إيه ؟!
نظر الصبي ليوسف جيدًا من رأسه لأخمص قدميه، ثم ضحك …..اغتاظ يوسف منه وبدأ يشعر بالحرج مع بعض النظرات المصوبة عليه بسخرية …..فقال بعبوس :
_ مالحقتش أغير ….حتى اسألهم …. هو البرمودا قصير أوي يعني ؟
ضحك الصبي عاليًا وقال وهو يحاول التقاط أنفاسه من الضحك :
_ مش أوي يعني ….. بس شكلك حلو والله ….
ابتسم يوسف بثقة للحظة، ثم اجتاحه نوبة من البرد وارتجف جسده قليلًا…. فعبس وجهه..وقال :
_ أنا سقعان ….
رد عليه نعناعة وهو يكتم ضحكته :
_ اكيد من الشبشب …. شبشب الحمام ده ؟
نظر يوسف للشبشب الأخر وضحك فجأة على نفسه ثم قال :
_ هو بعينه ….
جذبه الصبي أيضا وقال له بحماس :
_ دلوقتي هتدفى …..تعالوا معايا ….
تمتم يوسف وقال بابتسامة :
_ يارب يكون قصده أكل …يارب …
أخذ الصبي الشباب الأربعة للمكان الذي كان يستعد للقرص فيه وقال لهم :
_ ارقصوا معايا وشرفوني ….. أنا اتبسط انكم جيتوا أوي ، أهو دلوقتي حاسس أني مش محروج من حد ……
وفي الزاوية المخصصة للنساء …حملق الفتيات الأربعة أعينهن بصدمة وجود الأطباء هنا !! …… ورويدًا تظللت على شفتي حميدة ابتسامة عندما رأت يوسف وكتمت ضحكتها على مظهره ، وخصوصا أنه يبدو عليه الحرج أيضا …..
واتسعت ابتسامة جميلة مع كل لحظة ، بفرحة لم تنكرها ، لوجودها التي تمنت ان يصبح حقيقة ، وتخيلته طيلة الساعات الماضية ، فأصبح حقيقة بين طرفة عين …..
أطرفت رضوى عينيها عدة مرات حتى تصدق أنه بالفعل عنها ، وأحمرت وجنتيها كالعادة بابتسامة خجولة وهي تحاول أن لا تنظر له ….ولكن قلبها يقفز سعادة ….
لم تكن سما تشبههم في الابتسامة ، بينما شعرت بمزيج غريب من المشاعر …. بالغبطة والنفور ، بالراحة والأرتباك ….. بأنها تريد أن تهرب منها للبعيد عنه، وتريد أن تهرب إليه ……
لم تبتسم ، ولم تحاول أن تترك خاطرها ينشغل كليًا به ، يكفي دقات قلبها العنيفة ….
ومعنى أن تحمد الله على أن مشاعرنا ليست بالشفافية التي تظهر للجميع ….. خصوصيتها نعمة ….خاصة بنا وبإختيارنا أن نعبر عنها أو نخفيها ….
ومن البعيد …ليس بُعد كافي لكي لا يرى أحد من الشباب الفتيات …..ابتسم رعد من البعيد وقد وجه ابتسامته لسمراء قلبه ….. نظرت رضوى للارض وابتسمت أكثر ، وخلصت عينيها من نظرته الماكرة …..
همس رعد لجاسر الذي يتحدث ويتجادل مع الصبي ويعترض على الرقص :
_ دول هناك اهم ، شايفينا كمان ….
اتجهت نظرة جاسر لذات العباءة السوداء التي كانت عينيها أكثر تمرد وأنوثة من طلتها الجذابة …..وابتسم بمكر وهو يضيق عينيه، حتى قال الصبي بضيق :
_ يعني هتسيبوني لوحدي ….عادي… ما أنا على طول لوحدي ….
خطف جاسر منه “النبّوت” وقال وعينيه تتسحب لعينيها بتحدي :
_ لا مش هسيبك لوحدك ….
قال يوسف بغرابة :
_ هترقص بالترنج الأبيض ده؟!
رد رعد بضحكة :
_ مش احسن ما يرقص بالبرمودا الأسود ده !! ….
نظر له يوسف بغيظ ….اعترض آسر قائلًا بحرج :
_ لا طبعا مش هرقص …. أنا مش بعرف أرقص …..
تحدث الصبي بمقت وقال بيأس :
_ طب نعملك إيه ؟!
نطق رعد بسخرية وهو يضحك :
_ شكلك مكسوف … اومال لو فيه رقاصة كنت عملت إيه ؟!
تنهد جاسر وقال بابتسامة خبيثة :
_ ياريت كان فيه …
تأفف الصبي وقال بإستياء :
_ هو أحنا هنفضل كده طول الليل ؟ ….. هو انتوا بتتفوا على رحلة ! …. ما يلا بقا أنا سقعت من الواقفة في طس الهوا كده !
رفع جاسر النبّوت بيده اليمنى وقال بنبرة قيادية:
_ اعملوا زيي وانتوا ساكتين …. ورايا يا رجالة …..
وافق يوسف وقال بضحكة :
_ ماشي …بس يارب تعرف ترقص صح ما تخليناش نقلدك وتطلع رقصة زومبا في الآخر ……
ابتعد آسر عنهم وقال بشكل نهائي :
_ لا معلش أنا هصقف بس ….. خليني بكرامتي احسن ….
أتى نعناعة بثلاث عصيان أخرى، حتى مد جاسر يده للأمام “بالنبوت” في شكل أفقي….سأله يوسف وهو ينظر لذراعه الممدودة بعينين متسعة وهو لا يفهم شيء :
_ إيه ده ؟ …… أنت هتتحول ولا إيه ؟
رد جاسر وهو ينظر أمامه في ثبات :
_ اتجاه الشمال ….. شمال شرق ، وشمال غرب ….. والعكس صحيح ……دي دراسة جدوى طارئة …. اتعلموا النظام بقا …..
فرد رعد ذراعه أمامه مثل جاسر وهو يكتم ضحكته وتمتم :
_ أهي دي الليلة اللي ضحك فيها القمر …. مش مهم شكلي المنيل ده …كفاية أنها ضحكت …..
كانت بالفعل رضوى في نوبة ضحك شديدة ، وهي تضع يدها على فمها لتكتم صوتها الضاحك…..وشاركها الفتيات كلهن في ذلك …فكان تعامد أذرع الشباب أمامهم مثير للضحك حقاً….
رفع جاسر يديه بالعصا ووضعها على رأسه بثبات ، وهذا كلها وقد مضى من المقطوعة ربع مدتها …..قلّده الشباب ولكن يوسف خبط رأسه بالخطأ فتأوه ……وقال بعصبية :
_ أخلص بقا أنا دوخت … وجوعت!
تعالى صوت الموسيقى وأصبح أكثر صخب، فبدأ جاسر يستدير بالعصا حوله وابتعد قليلًا عن البقية ….. وتمايل بخطوات راقصة وشفتيه منفرجتان بضحكة ….وتتسلل عينيه كل لحظات لذات الرداء الاسود بنظرة تحدِ واضحة….
ضحكت جميلة عليه وقالت لأشقائها :
_ عمود نور بيطّوح ! ده لو رفع النبوت هيخبط في فرع النور ربنا يستر ….. هو بيبصلي كده ليه ؟ …. كأنه بيغيظني يعني !…..
ردت حميدة بضحكات متتالية :
_ ولا يوسف ….. تحسي أنه في المولد ! ….. هو لابس كده ليه ؟ ….. بيفكرني بنفسي وأنا بغسل ….
انخرطا أشقائها بالضحك …..قالت رضوى بابتسامة مرحة لهنّ :
_ لا بس رعد واخد وضعه ، تقيل حتى وهو بيرقص ….. لا مش هبص …اتكسفت اتكسفت ….
ضحك الفتيات مرةً أخرى ….بينما كانت سما كأنها بعالم أخر بعيد عنهن …… وتختلس النظرات السريعة للذي يقف وابتسامته اندفعت لضحكات ، عندما بدأ الشباب بالرقص ودب التصفيق من الجميع بحماس ….
لأول مرة تره يضحك !! ….ظهرت أسنانه البيضاء الناصعة وبهجة تعابير وجهه الوسيمة وهو ينظر للشباب ويشجعهم بضحكاته، وبتصفيق حار من يديه…… تسللت لشفتيها ابتسامة رغمًا ….. لأجل ابتسامته ابتسمت…..حتى أنها لم تشعر بها إلا عندما وجدته ينظر لها فجأة …..!
تبدلت ابتسامتها للجمود في لحظة ، ويبدو أنه لاحظ ذلك !! …..فأصبحت عينيه أيضا تضحك …. لم تكن ضحكته ساخرة منها كما اعتقدت ….ولكنه ابتسم سرًا لنفسه بسعادة من شرودها به ….. كما كان هو منذ لحظات ….ولكنها لم تلاحظ !
أما عن الصبي فكاد أن يقفز من الحماس والضحك وهو يرقص …. وخالف اعتقاد الجميع أنه يفتخر بأحاديثه الصبيانية الكاذبة … وأنه صبي وسيظل كذلك ……
استندت العصيان الأربعة عاليًا على بعضهن بأيدي الشباب …. وكانت هذه ختام الرقصة ….
واختتم الشباب الأربعة الرقصة بضحكاتهم على ما يحدث ….. وخاصةً يوسف الذي شعر للحظات أنه عاد طفلًا يمرح دون توقف …..
تسلل شاب آخر اتجاه وقوف النسوة ، كان جريء حتى الوقحة في تصرفه هذا ….. ووقف قربهن في نظرات جانبية وجريئة لجميلة ….. رحلت الضحكات من وجه جميلة وتبدلت للغيظ والعصبية ….همست لها رضوى قائلة :
_ ده نبيل هنا يا جميلة ، يخربيت بجاحته وهو جاي يقف هنا كده ومش مكسوف من نفسه !
زفرت جميلة بعصبية وقالت :
_ لو زود هقل منه جامد والرجالة هنا هيعلقوه من الضرب لو لاحظوا حاجة ، بس في نفس الوقت مش عايزة اجيب لخالي مشاكل ….الواد ده صايع وبتاع لت وعجن وفضايح …..
قد سمعت حميدة حديثهم وقالت بحسم :
_ تعالوا نمشي قبل ما يقرب أكتر من كده …..
وافقتها سما وقالت وهي تتحرك مبتعدة:
_ بلاش مشاكل ، تعالوا نرجع البيت احسن ، أنا صدعت كمان …..
ودعت جميلة صديقتها بعناق دام للحظات، وتبعها الفتيات سريعًا ثم تسللوا للطريق ….أشارت حميدة للصبي حتى يأتي فاسرع الصبي لهنّ…..وكان نبيل يمضي أتجاه الطريق أيضًا بنظرات تتفحص جسد جميلة ووجهها بشهوة واضحة، وببطء متعمد أشعل غضب الفتيات …..
ضيق جاسر عينيه من بعيد، وقد لاحظ تصرفات ذلك الشخص الغريب ! …… اندلعت بعينيه نيران غاضبة عندما رأى أن جميلة تنظر للشاب بكراهية، ويبدو أنها على شفا حفرةً من العراك معه ….. فقد كانت نظراته تتحرش بطريقة قذرة بجسدها بشكل فاضح….
فقال بعصبية شديدة :
_ مين اللي ماشي وراهم ده ؟!
مط يوسف شفتيه بعدم معرفة وقال :
_ مش عارف …. بس حاسس أنه فاضله خطوة ويتحرش بيهم !!
تقدم جاسر ولا زال النبوت بيديه لم يتركه ……ركض خلفه الشباب ليمنعوه من تهوره …وخاصةً أن فهم الأمر خطأ ….
اقترب نبيل من الفتيات قبل الصبي وقال لجميلة متعمدًا، وتعمد أكثر أن يخطو مقتربًا إليها ، واستغل بُعد الفتيات عن أنظار الرجال في العرس وإلا ما كان يجرأ أن يتحدث معها :
_ جيت مخصوص عشان عارف أنك هتيجي …..
وجال بنظرة بتمعن على جسدها بنفس نظراته الوقحة المثيرة للأشمئزاز …وقال بخبث :
_ عقبال ما تبقي في بيتي وساعتها بقا…
لم يتابع حديثه حتى أتى الصبي نعناعة الذي تشاجر معه من قبل بسبب جميلة ويعرف أخلاقه الفاسدة :
_ ما تلم روحك يا صايع أنت وإلا المّك أنا ؟!
ابتسم نبيل له وحاول أن يكسب الصبي في صفه :
_ يابني أنا ما زعلتهاش في حاجة ….. بس أنت النهاردة كنت نمرة ….. لا بجد عجبتني ….
زمّ الصبي شفتيه بغيظ منه…. ثم صاح بوجهه في انفعال :
_ المرة اللي فاتت جميلة اتحايلت عليا ماجبش سيرة لبويا لما مشيت وراها طول الطريق لحد السوق وفضلت تعاكسها …. وهزقتك ومسحت بكرامتك الأرض ومافيش فايدة فيك …. بس اظاهر إنك محتاج تربية لأنك ما اتربتش …..
كبتَ نبيل موجة غضبه وتظاهر بالثبات ….حتى وقف أمامه ذلك الحائط البشري جاسر ….وقال لنعناعة وهو ينظر لنبيل بغضب:
_ بتزعق ليه يا نعناعة ؟ ….في حد مزعلك ؟
هتفت جميلة بعصبية في الصبي ونظرت له بتحذير :
_ يلا يابني بلاش فضايح !
نظر نبيل لجاسر بدقة وقال له :
_ وأنت مين بقا ؟!!
قال الصبي بغلظة له :
_ ده الدكتور جاسر … احترم نفسك وأنت بتكلمه ده صاحبي ….
مط نبيل شفتيه بسخرية، وقال بشيء من الاستهزاء بمن يقف أمامه :
_ آه قول كده ….. عمومًا أنا مكلم أبوك ومستني الرد ….مكنتش بعاكس ….بس حسبت أنهم هيرجعوا لوحدهم فكنت بسأل …..
أتى الشباب الثلاثة ووقفوا خلف جاسر ناظرين لنبيل بحدة …..تجولت نظرة نبيل عليهم بدقة وتفكير دام لحظات ، ثم قال بمواربة وشيء من التهديد :
_ ياريت ما يطلعش اللي في دماغي صح ….
هتف الصبي به بعصبية وأشار له بسبابته بتحذير :
_ صح ولا غلط أنت مالكش صالح ، عارف لو كلمت جميلة تاني ولا قربت منها ….هربطك في شجرة وأنزل فيك ضرب لحد ما يبانلك صاحب …..
وهنا غضب نبيل ووجد مبرر لإظهار غضبه حتى لا يلومه أحد لاحقًا ….فقال بعصبية :
_ لما تكلمني توطي صوتك أنا أكبر منك يا عيل !! هراجع العمدة في اللي بتقوله وفي اللي أنا شوفته ده …..
أشار برأسه للشباب الأربعة ، ففهم جاسر مقصده، ولم يستطع لجم غضبه أكثر من ذلك ….. لكمة واحدة في وجه نبيل جعلته يترنح متأوهاً من الألم …… التف الشباب الثلاثة حول جاسر وقال رعد له وهو يجذب ذراعه ليبتعد :
_ يلا يا جاسر بلاش تهور …. وكمان عشان شكله كده حواراته كتيرة …..
فهم رعد ما يهدد به نبيل وفي وجود الشباب الأربعة حول الصبي …..
استطاع نبيل أن يتمالك نفسه ويقف ناظرًا بنظرة عنيفة ، وقال بصياح :
_ أنا هخلي سيرتكم على لسان البلد بحالها …..
لم يستطع الصبي أن يمنع نفسه من قول الحقيقة الذي اكتشفها اليوم وهو ينظف المندرة ولم يفصح عنها ……فقد وجد البطاقة الشخصية لآسر وقرأ اسمه كاملًا ….صدم للحظات ولكنه ما استطاع أن يفصح لأبيه بعد موقفه اتجاه زواج سما …… ولم يفصح لآسر أيضا ، فقد قلق من الأمر خاصةً بمعرفته بخصام الفتيات للعائلة …… فقرر فهم الأمر من أبيه أولًا ….
هتف بوجه نبيل بتحدي :
_ الشباب دول يكونوا ولاد أخوات جوز عمتي وداد ….يعني هما وبنات عمتي ولاد عم …… يعني لو واحد فيهم مسكك وفلقك نصين محدش هيلومه ….. الدكتور جاسر بيدافع عن بنت عمه …ماتنساش تقول كده …. واساسا جميلة رفضاك من زمان ومش بطيقك …..
صدم الجميع وحدج الفتيات أعينهن بصدمة بوجه الصبي …..ظن الشباب أن الصبي لجأ لتلك الحيلة حتى يتفادى رجف أقوال ذلك المعتوه نبيل ….
بإستثناء يوسف الذي ابتسم بسعادة ، ونظر لحميدة وقال بفرحة واضحة :
_ الله ….بنت عمي … إيه ده أزاي ؟! …مش مهم ..أنا مبسوط …
انعقد صوت سما في حلقها من المفاجأة الصادمة ….. بينما ظلت جميلة تتسع عينيها كل لحظة من الصدمة ….. حلّق قلب رضوى وتوثقت عرى الأمل بقلبها أكثر …. قريب من القلب …ومن الدم أيضاً….يا لحظها !
اختلس رعد نظرة سريعة لرضوى ….وضاق للحظة من الأمر ، لم يروقه ولم يعرف لماذا …… ربما لأنه متأكدًا من ظنه بكذبة نعناعة …..
وعلى عكس المتوقع من آسر …..ظهر طيف ابتسامة على شفتيه ، وشعور بداخله يتمنى لو كان ذلك حقيقة …ولكنه أيضا اعتبر الأمر كذبة لأنقاذ الموقف …..
هتف جاسر مجددًا بنبيل الذي وكأنه أصابه الخرس :
_ عرفت بقا سبب وجدنا معاهم ولا تحب أعرفك بطريقتي ؟! …طريقتي عنيفة شوية …هتعملك عاهة مستديمة …..
وكأنه صدق الأمر وصاح مجددًا وبتوعد:
_ قسما بالله لو عرفت أنك بس بصيتلها هعمل زي ما نعناعة قالك كده ….هفلقك نصين ….واعتبر طلبك مرفوض ….أحنا مش بنجوز بناتنا لصيع زيك ……
صرّ نبيل على أسنانه بشراسة ، وان كان ما قاله الصبي صحيحا فقد أوقع نفسه في ورطة بالفعل …..قال بنظرة انتقامية :
_ أنا مستني الرد من العمدة مش منك ، لما أبقا اكلمك أبقا أرفض ….هستنى الرد من الكبير ….
ابتعد نبيل وجسده يترنح قليلًا من دوار رأسه إثر اللكمة …… اقتربت جميلة بغضب شرس من الصبي وقالت له وكأنها ستضربه :
_ حسابنا معاك بعدين يا غبي ….. وقعتني في مصيبة منك لله ….. عارف دلوقتي لما يتعرف أنك كداب هيحصل إيه ؟!
قال الصبي بضيق من تعنيفها وأكد :
_ أنا مش كداب ….هما ولاد عمامكم بجد ….. الدكتور آسر اسمه الرباعي آسر صلاح رشدي الزيان ….ونفس العنوان اللي أعرفه شوفته في بطاقته …هو مش أنتِ اسمك جميلة مصطفى رشدي الزيان ؟! …… واللي أعرفه برضوا أن عليتكم كلها دكاترة ….بس ما اكتشفتش القرابة غير النهاردة ، وبسبب اللي حصل مع أبويا النهاردة كنت هقوله …..
صدم الشباب فعليًا هذه المرة دون أي نقطة حيرة في الأمر ….ولم تأخذ الصدمة حيز كبير مع يوسف فقد أبتهج بأطمئنان هذه المرة …بينما الثلاث شباب حملقوا في الصبي بذهول …..
جف ريق جميلة للحظات وهي تلتفت وتنظر لجاسر ، وقد التفت هو أيضا بنفس الدقيقة ، وبعد ذلك تنهد بابتسامة ماكرة …ارتبكت وابتعدت عنه وأمرت الفتيات بالذهاب وساروا مبتعدين …..
خيم الصمت للحظات ، وتبدلت تعابير الشباب بين البهجة والصمت الغامض ….. كان رعد صاحب أكبر تعبير غامض للأمر ….. ابتسم جاسر وهو ينظر لجميلة التي تسير وكأنها تريد الركض :
_ تعالوا نرجع احنا كمان …ماينفعش نسيب بنات عمنا لوحدنا كده …..الدنيا برد ….
سارا الشباب خلف الفتيات … وقال الصبي ببهجة حقيقية :
_ انا مبسوط أوي من وقت ما عرفت ، مش هبقى لوحدي تاني …. هتبقوا صحابي وأخواتي …..
قال جاسر مبتسما بمكر وهو يسير ونظره للأمام :
_ طبعا يا نعناعة ، هنبقى صحاب وحبايب كمان ….. لو سقعان خد السويت شيرت بتاعي يدفيك ….. بس طالما بقينا قرايب بقا ، يبقى قبل ما تطلع للشارع تاخد أذني …. هتأمر براحتي …
ضحك بخبث … فرفعت جميلة حاجبيها بسخرية ثم ابتسمت !
قال يوسف بابتسامة واسعة :
_ عارفين احساس اللي واكل خروف مشوي مليان محشي ….. اهو نفس الاحساس كده ….
قال آسر وقد امتلأ صوته بالتحدي وشيء من البهجة يخفيها :
_ واضح أن مش هيتقالي مالكش دعوة تاني … أنا بقيت صاحب سُلطة ….. القراري قراري …ها
حاولت سما أن تضع العصبية بموضع البهجة …ولكنها لم تستطع فأبتسمت رغما عنها ….تمنّت حقا أن يكون صاحب قرار الرفض من الغريب…. وصاحب قرار القرب أيضا !
تعجبت رضوى من عدم رد فعل رعد وصمته !!، توقعت أن يسعده الأمر مثلما أسعدها …رغم كرهها لجدها ، ولكنّ الشباب ليس لهم ذنب بما حدث بالماضي ….أو ربما أستثنته من الخصام !
لم تبتسم …بل بدأت تقلق وهجم على قلبها العبوس …عبوس النبض! …… قلق مبهم …. وشعور غامر بالحيرة …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
جلس وجيه بسيارته وبجانبه جلست جيهان بعدما انهت حجز الفندق وقررت العودة للمنزل مع زوجها ….قالـت بغموض :
_ عايزة أرجع بيتي ….
لم يشعر وجيه في قولها بشيء غامض ، قاد سيارته في هدوء حتى نهبت سيارته الطريق بعد ذلك …..
قالت بعد لحظات صمت :
_ أنا بفكر أقعد من الشغل ، عايزة أتفرغ شوية لحياتي …..
بدأ يشك بالأمر عند قولها هذا ، ولكنه لم يجادل فهذه إرادتها بالأخير فتحدث بهدوء :
_ براحتك يا جيهان ، اللي شايفة فيه راحتك اعمليه ، أنا مش عايز أشوفك غير مرتاحة …..
قالت بمرارة بها بعض السخرية وهي تنظر إليه بحسرة :
_ ملاحظة أنك بقيت أحن من بعد قرارك بالجواز !! …. للدرجة دي صعبانة عليك ؟! …..
تنهد وجيه بضيق منها ومن محاولتها الدائمة لتجعله صاحب الذنب الوحيد لهذا الوضع !!….فقال بهدوء رغم عصبيته الغير معلنة بصوته:
_ صعبانة عليا معناها أني بعطف عليكِ …. ودي مش معاملة واحد لمراته ….كل الأمر أني مش عايز أحسسك أني هظلمك ….. ما تفتكريش الجواز التاني شيء سهل يا جيهان …. أنا لو معدلتش ما بينكم ربنا هيعاقبني ….زي ما الشرع حللي الجواز أكتر من واحدة …أمرني بالعدل برضو ….. زي ما ليا حقوق …ليكِ أنتِ كمان حقوق …. وهي أني ما اميزش ما بينكم وأظلم واحدة فيكم ….
نظرت له جيهان جانبًا بصمتٍ مطبق ، هي تعرف أنه يحاول بالفعل ، ولكن القلب ليس عليه سلطان ….. !!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
وصل الفتيات للمنزل فدخلت جميلة سريعا للداخل ، وتبعها حميدة وسما …بينما رضوى اختلست نظرة سريعة لتجد رعد يدخل المندرة دون أدنى اهتمام لها…… قطبت حاجبيها بضيق هجم على قلبها ….ليس كعادته معها !! ….يبدو أنها توهمت أكثر من اللازم !! …جرت مرارة بريقها ودخلت المنزل خلف الفتيات ……
وقف الصبي مع الشباب الثلاثة وقال لهم :
_ أنا هقول لبويا على الصدفة دي واكيد هيفرح أوي ….. وكلنا هنفرح بيكم …. تصبحوا على خير ….
تركهم الصبي ودخل للمنزل بابتسامة واسعة ، وكأنه وجد أخيرًا ونيسا له …… ضيق جاسر عينيه وقال بتعجب :
_ العمدة حظرني اقول اسمي كامل !! ….هو عرفه من أول يوم وصلت لهنا !! ….طب ليه مقاليش !!
رد عليه يوسف ببساطة :
_ اكيد عشان عارف موقف البنات من العيلة كلها ، خاف ليحصل صدام ما بينا …. سيبك أنت …أنا بجد فرحان انهم طلعوا بنات عمنا مصطفى الله يرحمه ….. عشان كده أول لما شوفت حميدة دخلت قلبي في لمحة …..احنا شوفنا البنات من سنين بس معرفناهمش لما شوفناهم تاني ….
قال جاسر بابتسامة ماكرة:
_ أصلها احلوت أوي بصراحة ….زمان كانت شبه رجل الكنبة !
ضحك آسر عليه ولم يعلق على الموضوع بحد ذاته …..لكي لا يكشف سعادته بالخبر ……
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دخل الفتيات غرفتهن مباشرةً…… شردت جميلة بابتسامة لم تخفيها …كأن القرابة كانت أسرع طريق لأعلان مشاعرها واضحة ….قالت لها حميدة بابتسامة خبيثة:
_ الدكتور واقع لشوشته ….. ده كل نبيل حتت قلم … خلى عنيه تتحول !!
ضحكت جميلة على المزحة وقالت بصدق :
_ مكار ومش سهل ….بس بصراحة مياله ليه ….. مبسوطة بالخبر …. واتصدمت من نفسي أني اتبسطت !!
قالت حميدة بابتسامة واسعة :
_ وأنا كمان ، يوسف شبه أبويا الله يرحمه بطيبته وبضحكته ، قلبي اتفتحله من أول ما شوفته …بس كنت مكسوفة أقول ….. وهو كمان عمال يضحك والفرحة باينة عليه ….أنا مبسوطة لأنه طلع من دمي ….. فيه من أبويا كتير ….
صمتت رضوى عن الحديث ، وشردت وبعينيها حزن واضح ….فسألتها حميدة بتعجب وقالت :
_ أنتِ زعلانة ولا إيه يا رضوى ؟!
نفت رضوى الأمر وقالت وهي تخفي حزنها :
_ ولا زعلانة ولا فرحانة ، انا مش ناسية اللي عملوه مع أبويا …افتكرته وزعلت …..
أخفت حزنها بتلك الكلمات …. وادمعت عينيها بعد ذلك ……ربتت سما على كتفها برفق وقالت بعقلانية :
_ هما مالهمش ذنب يا رضوى ، مش هما اللي رفضوا جواز أبويا من أمي !! ، لو جينا للحق…..هما مالهمش ذنب في حاجة …..
انفعلت رضوى وقالت لهنّ في بكاء :
_ ماشي ….أنا برضو زعلانة ومش عايزة اتكلم مع حد…
خرجت من الغرفة وصعدت كعادتهن جميعا للسطوح …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
خيم الصمت بين الشباب الأربعة منذ دخولهم للمندرة …..نظر جاسر بتعجب لرعد وقال له باستغراب :
_ أنا مش فاهمك !! ….. توقعت رد فعل تاني غير سكوتك ده !! …ده آسر منبع الكآبة اتبسط !
صدح صوت آسر وهو يأخذ حماما سريعا قبل أن يخلد للنوم :
_ سامعك وجايلك …..
أشار جاسر له بضحكة وقال لرعد :
_ شوفت ؟! ….الواد اتبدل !! ……قولي بقى مالك !!
زفر رعد بغيظ وقال بعصبية :
_ بقولك إيه …. مجينا هنا مش صدفة ! …وده واضح جدًا ….. لو اتأكدت من ظني هاخد شنطتي وهرجع القاهرة فورًا ….أنا مش لعبة في إيد جدك !!
عقد جاسر حاجبيه وقال بدهشة :
_ تقصد أنه متخطط ليه يعني ؟! ….لا ما اعتقدتش ….ما تنساش يا ذكي أن جدك أساسا واخد موقف شديد من مرات عمك مصطفى ….فمش معقول يعني يكون اللي جه في دماغك !! …… محدش كان باين عليه أنه يعرف اصلا ….حتى العمدة لما قولتله اسمي اتفاجئ شوية ! ….. وبرضو تصرفه طبيعي حتى لو وجودنا في المندرة مقصود ….فعشان عارف درجة القرابة ….
وافق يوسف على تفسير جاسر للأمر وقال :
_ أيوة فعلًا …. وبعدين هو جدك أصلًا يعرف منين أن مرات عمك وبناتها هنا عند العمدة !! ….أنا نفسي كنت فاكر أنهم في بيتهم لسه !
وقف رعد امامهما وقال بتحدي :
_ طب لو طلع كلامي هو الصح ، مش هرجع لوحدي …. واللي هيرجع في كلامه يبقى عيل……
وافق جاسر واقتنع أن الامر مجرد صدفة لا غير وقال :
_ موافق ….. وبأكدلك انها صدفة …. لكن لو اكتشفت أنها خطة من جدك هكون أول واحد يرجع معاك ……
عبس وجه يوسف ولم يريد أن يتفق على هذا اتفاق ….فهتف به رعد وقال :
_ لو حد تراجع مننا ده هيخلي جدي يفرض رأيه على الباقي وبالقوة ، ده بإفتراض يعني أن اللي بفكر فيه صح …..
قال يوسف على مضض وبضيق شديد :
_ خلاص موافق …وأن شالله صدفة ….أن شاء الله …
خرج آسر وقد استمع لأتفاقهم وقال :
_ أنا مش موافق …
صدم الشباب منه …حتى أوضح :
_ أوافق على إيه أصلًا !! ….. هتفرق إيه لو وجودنا هنا صدفة أو بخطة ؟! ….في كل الأحوال كان مسيرنا هنعرف بعض !
قال رعد بعصبية له :
_ بص يا آسر …أنا يمكن دكتور نفسي ….بس لحد دلوقتي مش قادر اتخلص من عقدة وحيدة في حياتي ….وهي سيطرة جدك على حياتنا كلها …..أنا راجل وأقدر أخد قراري بنفسي …ولما أقرر شيء يبقى بإرادتي ….. أنا لو اللي بفكر فيه صح وطاوعنا جدك هيفضل في حاجز بيني وبينها ….. مش هعرف أحس اني أخترتها …لأني مش متعود اخد قراري بسرعة …كنت مقرر أخد وقتي واتأكد من مشاعري ….أنما جدك هيحطنا قدام الأمر الواقع كالعادة …..ويا نوافق يامأ هيغضب علينا ….وده كفيل انه يكرهني فيها …..
قال له جاسر بغيظ :
_ ده أنت طلعت معقد أكتر من بوز الكآبة آسر !! …..بس بصراحة أنت صح …..أنا أقرر بنفسي … محدش يختارلي كمان العروسة !!
أراد آسر أن يهرب من الأتفاق فقال :
_ ننام دلوقتي والصباح رباح …… لما نبقا نتأكد نبقا نتكلم….
زفر رعد بضيق وقال :
_ أنا مخنوق ، هطلع اشم هوا …..
ترك الشباب بالمندرة ونظرًا للساعة الليلة لم يستطع التجول بالقرية …… صعد للسطوح فوجدها تجلس على الأريكة وتبكِ …..ارتبك بعض الشيء عندما رفعت رأسها ونظرت له سريعا بعتاب واخفضت رأسها للأسفل مرةً أخرى ……. كان يشعر أنها هنا …ولم يعرف لما صعد مع هذا الحس! ……
أراد لو يذهب إليها ويعتذر ولكنه هبط سريعًا للأسفل مرةً أخرى ……
صدمت رضوى للحظة من جفاءه هذا !!…..وندمت على ظهور ابتسامتها أمامه ولو لمرةً واحدة …..مسحت عينيها بعصبية وقالت :
_ وأنا اعيط عليك ليه ؟! ، تلاقيك كنت بتتسلى ولما عرفت أني بنت عمك ضميرك صحي ….أنا اللي غلطانة ….بس ملحوقة يا دكتور ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
طال الليل على الجميع ……وعند خيوط الصبح ذهب الصبي للحقل مبكرًا مثل العادة ……. وخجل الفتيات أن يتحدثن مع خالهم بالأمر ……وخشيا من غضب أمهم لو علمت … فتركوا تلك المهمة حتى عودت الصبي نعناعة …..
ذهب الشباب أيضا للعمل بهذا اليوم …على أتفاق العودة مبكرًا لأجل مشاهدة مباراة كرة القدم بأي طريقة ……
وحول مائدة الطعام ، لاحظ العمدة نظرات الفتيات الشاردة ، فسألهم في قلق :
_ مالكم يا بنات شاردين كده ؟! …..
ابتلعت زوجته الطعام بفمها وقالت :
_ عمالة اسألهم من الصبح محدش بيرد عليا !!
قالت جميلة لتنهي النقاش :
_ لا مافيش حاجة ، امبارح بس رجعنا مصدعين من الحنة ومعرفناش ننام كويس……
اقتنع خالهم بهذا المبرر واكمل طعامه ، ثم نهض وتوجه للحمام :
_أنا يمكن اتأخر النهاردة شوية …..
قالت حميدة بلهفة :
_ طب ما ترجع بدري يا خالي ….معلش ….
تعجب منها الرجل وشعر بأن هناك شيء خلف الأمر ….لم يسألهم طالما لم يتحدثوا فقال :
_ خلاص …هحاول ارجع بدري …أما أشوف حكايتكم إيه !
نظر الفتيات لبعضهن في نظرات ذات مغزى ، انتبهت زوجة العمدة لنظراتهمن وتأكدت بوجود شيء يخفوه …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
استعدت ليلى للخروج ….. وجهزت أبنتها أيضا التي كانت تضحك من السعادة مع قطتها الصغيرة ……
ثم عبست الطفلة فجأة ودون سبب لذلك ….رمقتها ليلى وهي تنظر للمرآة وتتأكد من مظهرها …..التفتت لها واقتربت منها ……ثم سألتها بقلق :
_ مالك يا حبيبتي ….كنتي بتضحكي من شوية ؟!
بحثت يد الصغيرة عن القطة ثم ضمتها بقوة وقالت بغموض :
_ هسيب القطة هنا ….
تعجبت ليلى من خوف الصغيرة وقالت :
_ ماينفعش نسيبها لوحدها هنا ويمكن نتأخر …… ناخدها معانا احسن …..
دفنت الصغيرة رأسعا بجسد القطة ، وراقبتها ليلى بتعجب ….ما تفعل صغيرتها ذلك إلا عندما تخاف من شيء ….أو تشعر بشيء ….!!
حملت ليلى أبنتها وحاولت أن تبث بها المرح وقالت :
_ شوفي القطة كشرت لما كشرتي أزاي ؟! ….أضحكي بقى ده أحنا رايحين عند جدو وبابا وجيه !!
ابتسمت الصغيرة ببطء ، واستسلمت لشعور الأمان هذا الذي تسلل من حديث أمها …..
تركت ليلى الفندق واوقفت عربة أجرة ……جلست بالعربة واجلست ابنتها بجانبها …..
تحركت السيارة حتى قالت الصغيرة ريميه :
_ ماما …أنا حلمت ببابا صالح امبارح …. كان بيضربنا ….
شحب وجه ليلى فجأة …حتى ربتت على أبنتها وقالت :
_ قولي أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لما تشوفي حلم وحش …. وكرريها ٣مرات….
كانت ليلى مشغولة مع ابنتها بالحديث ، ولم تنتبه أن السائق يأخذها لاتجاه آخر بعيدًا عن العنوان الذي أخبرته به !!
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
دقت الساعة الواحدة ظهرًا ، ومن المفترض أن ليلى كانت بالمشفى منذ ساعة على الأقل …..
قالت الدكتورة مروة وهي جالسة أمام وجيه بالمكتب وظهر عليها نفاد الصبر :
_ إيه يا دكتور ؟! …… هي مش جاية ولا إيه ؟!
زفر وجيه بقلق ورفع سماعة الهاتف للمرة الخامسة لكي يتصل بها ، ولكنها لم تجيب كالعادة …… وضع السماعة بحدة وقال بقلق :
_ بتصل بأوضتها مش بترد ، واتصلت بالأستقبال قالولي خرجت من ساعة ونص ! ….يعني المفروض كان بقالها ساعة هنا !
قطع حديثه صوت هاتفه الخاص بإتصال من رقم جد ليلى ، ففتح الأتصال بلهفة والقلق ينهش عينيه :
_ الو ؟!
رد الجد بصوت مبحوح من الصدمة والرعب :
_ صالح خطف ليلى وبنتها !! …..فلت من السوالم ولسه عايش ! …… أنا مش مصدق أنه قدر يهرب منهم !!
نهض وجيه من مكانه بنفضة ، واتسعت عينيه على آخرهما وقلبه كأنه اقتلع من صدره…… اقتحمت أحدى الممرضات مكتبه بذات الوقت بشسكل مفاجئ…. وقالت له بتلعثم :
_ المريض اللي وصيت عليه في العناية يا دكتور …….مات …
يتبع..
- لقراءة الفصل التالي: اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية قلبي و عيناك و الأيام)