روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الرابع و العشرون 24 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الرابع و العشرون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الرابع و العشرون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الرابعة و العشرون

~… ورد …~
_ هتوافقي…؟!!
كلمــة واحدة استطاعت أن تجعلها تتجمد ، ريثما أنها تعرف من هو صاحب الصوت …. كانت على بُعد خطوات من السور القصير الفاصل ، تواليه ظهرها …. وتخبط فكرها بموج من الحيرة …. كيف علم الأمر ؟! ….ربما أخبره الصبي بعدما ترك المنزل منذ وقت وهو غاضب …ليس هناك تفسير آخر أكثر منطقية ….
هل تتجاهله و تمضي بسيرها ؟ …..أتذهب مبتعدة وتهبط للأسفل دون إجابة ؟ ….أم تستدير وترد عليه؟ …..كانت ستذهب مبتعدة حيث غرفتها بالطابق الأسفل ، حتى كرر سؤاله مرةً أخرى وبأكثر حدة :
_ بقولك هتوافقي ..؟! ….ما تردي عليـا !!
انعقد صوتها لبعض الوقت بدقات قلب تركض كالخيل ، حتى قررت أن تجيب باختصار ولكن إجابة گ سؤال تطرحه :
_ ليه ؟!
زمّ شفتيه بغيظ منها، تلعب معه لعبة القط والفأر ، الفتيات يتقنون هذه اللعبة كثيرًا ، هذا أكثر شيء يعرفه عنهنّ ….
قرر أن يتحدث بمظهر أكثر ثبات ، لكي لا تكتشف ما لا يبوح به حتى لنفسه …..تنفس جيدًا قبل أن يقول بشيء من الثبات الظاهري فقط :
_ لما عرفت الموضوع أضايقتلك ، بقى في واحدة ترجع لواحد كان بيهنها بالشكل ده ؟! ……
ضيقت سما عينيها بعصبية من تعابير وجهه المستفزة وهو يتحدث فقالت :
_ رغم أني معرفش عرفت أزاي بس مش هدخل مع واحد غريب في كلام خصوصا لو ميخصهوش ، أنما يعني السؤال المهم دلوقتي ….أنت مالـــك ؟ ….وبتسألني بصفتك إيه ؟!
صرّ آسر على أسنانه رغم أنه توقع تلك الإجابة ، أخفى عصبيته بأعجوبة وأجاب :
_ يمكن لأني جربت الموضوع ده بس بشكل مختلف ، أنسانة متختلفش كتير عن خطيبك السابق ….. وعارف كويس ده بيأثر أزاي على النفسية ….. تأثيره ممكن يقعد سنين ويعقد من تكرار التجربة …..
كان يحاول أن يتحدث بأي شيء ، يبرر سؤاله ولهفته عليها ، وربما غيرته أيضا رغم أنه كافح ليُخفيها ، ولكن زمام الأمر انفلت منه واوقعه بشرك المفاهيم الخاطئة والظنون ….
مؤلم أننا لا نستطيع صياغة ما نود قوله في كلمات، فنكبت فوهة الحديث بداخلنا… وأن تمت النجاة واستطعنا القول … تسير الكلمات بعكس معانيها، ولا ننجو من العواقب… ونضع أنفسنا بأكثر المواقف صعوبة ..!
التهب شيء بقلبها ، كانت تريد أن تخرس صوته كي لا يزيد النار أجيج ! ….. وبعض الأحاديث گ الحطب ، يقذف بكومة من ثورتنا وتشتتنا، فتستعر النيران بداخلنا ….
وحديثه كأنه يحمل الحطب لنيران قلبها ! …..فهتفت كأنها تود أن تصرخ ولا تستطيع :
_ شيء يخصني بتدخل فيه ليه ؟ ….ومين اللي قالك أن اللي حصلي هو اللي حصلك ؟ ….. أما أمرك غريب يا غريب ! …..
قصدت بكلمتها الأخيرة “غريب” وتكرارها أن تضعه في حدوده الطبيعية گ غريب عنها فعليًا ، وإلى هنا لم يستطع أن يخفي

 

غضبه فصدر صوته كصوت بالبداية گ زفير وهتف :
_ ما تقوليش أنك كنتِ بتحبيــه ؟! ….أو هو بعد اللي عرفته ده …..
قاطعته سما وبرقت عينيها من أنين الدموع وصاحت به ليصمت :
_ ده أنت أنسان قليل الذوق وحشري بصحيح !! ….لما أجي اتكلم معاك واسألك أبقى ادخل وقول رأيك اللي مالوش لازمة ده ، أنما من هنا ورايح لو اتعديت حدودك معايا ولو بالنظرة حتى مش هيعجبك رد فعلي ……
من تصاعد الغضب بداخله صوب سخريته الغير لائقة معها وقال :
_ نظرة!! ….ليه هو أنا ببصلك اصلًا ! ….أنتِ زي ما اتقال فعلًا… غلبانة …. وللأسف صعبتي عليا لبعض الوقت ….. أنما دلوقتي اتأكدت أنك تستاهلي واحد زي ده ….
صوبها بنظرة نارية بعد ذلك ، وضعت الغموض والحيرة بها ،بجانب المرارة التي تحصدها عند كل سخرية منها …. وبالأخص منه .. وبهذا الوقت ….
تركها واقفة وذهب من أمامها ، ترقرقت الدموع من عينيها واستدارت ببطء إلى الأريكة القديمة …..جلست بجسد ثقيل كأن الحزن يزيد العمر سنوات شيب …. نظرت للسماء بدموع متألمة،
وقالت بمناجاة وكم ودت لو تصرخ عاليًا :
_ يــارب ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ذرع المندرة ذهابًا وإيابًا ببعض التيهة والغضب الذي يحتد مع كل لحظة ، كيف قال ذلك ؟! كيف أعماه غضبه وجره لهذه الكلمات العنيفة على نفسيتها المتألمة الضعيفة؟!
يكفيها ما تمر به ، ويكفيها مرضها أيضاً ….
كانت إجابتها طبيعية ومتوقعة ، لم يكن بها بالشيء الصادم ليجعله يرد هكذا !! ….. كيف يصحح الخطأ بعدما قيل ؟!
دون أن ينهزم كبريائه ؟ ……قلبه گ الذي غرز فيه الأشواك بعد هذا اللقاء الحاد …..
تنفس بقوة… ليته يطرد هذا الضيق من أنفاسه ، طرحت أفكاره شيء ….فأمسك هاتفه وأجرى أتصال على شقيقه “رعد” ….أجاب رعد بعد قليل وصوته به كثير من القلق :
_ معاك يا آسر …طمني عليك ؟
ابتلع آسر ريقه وقال بضيق شديد :
_ عايز اتكلم معاك شوية ، لو تقدر تيجي دلوقتي تعالى ، بس ما تقولش لحد أنك جاي…..
تعجب رعد من الأمر ، ريثما أن صوت آسر لا ينذر أنه مريض ، بل به شيء يعكر صفو ذهنه وهدوئه …..قال :
_ خلاص أنا جاي ، أنا اصلًا ماليش لازمة في القافلة دي ، دقايق وهتلاقيني عندك …..
أنتهى الاتصال سريعا ، والقى آسر الهاتف على الأريكة بالقرب ، وعاد إلى تيهته وبنظرات عينيه الشاردة الضائعة …
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
ظلت وداد تنظر لشقيقها في عتاب صامت ، نظر أخيها للطعام المرتب أمامها في أطباق لامعة من الأستانلس ، وقال لها :
_ بقالي ربع ساعة بتحايل عليكِ تاكلي ، هنفضل كده للصبح ولا إيه ؟!
قالت وداد بعصبية :
_ نفسي اتسدت لما شوفتهم ، واتسدت أكتر بترحيبك بيهم !!
ما هي مش بنتك عشان تزعل عشانها !!
ضاق وجه أخيها وقال بعتاب شديد :
_ بقا كده يا وداد ؟! …أخص عليكِ ياختي، ده الأربعة غلاوتهم من غلاوتك ….. أنا قولتلك هفهمك …هتسمعيني من غير مقاطعة ولا بلاها كلام ووجع قلب على الفاضي ؟!

 

قالت وداد وشعرت أنها جرحت شقيقها بقولها المنفعل :
_ هسمعك …..قول اللي أنت عايزه ….
رضى الرجل بأول خطوات التفاهم بينهما ثم بدأ التوضيح بهدوء :
_ دي بنت يا وداد ، وأنا مسؤول عنها ، أنا عارف أن الناس دي ما يستاهلوش ، وكنا هنلبس في الحيط لو كانت الجوازة دي تمت ، بالك أنتِ أنا لو زعقت فيهم هيروحوا يقولوا إيه ؟!
ده بيوقف حال البنات ، والكلام هيكتر عن بناتك ومش هقدر امسك لسنتهم ، واللي هيتقال كتير وأنتِ عارفة الناس مالهاش غير الظاهر ….. لما نهيت الخطوبة دي زمان عرفتهم مقامهم في ساعتها ، أنما دلوقتي بعد ما فات أكتر من سنة ماينفعش يكون ده نفس رد فعلي حتى لو قراري ثابت ! ….
بدأت تقتنع وداد بحديث أخيها حتى تابع بتوضيح آخر :
_ ماتنسيش كمان موضوع جميلة واللي كل يوم بيزن عليا عشان يجي ويقرأ فاتحة ، المشكلة أن نبيل اللي عايز يتقدم لجميلة وخطيب سما الأولاني أوحش من بعض ولازم أحذر منهم لحد ما أبعدهم من غير قال وقولنا …..
وأضاف بلمحة حزن بعينيه :
_ أنتِ شايفة حالي ، أنا وحداني وماليش غير ولد واحد جبته بعد عذاب مع الدكاترة وصرفنا تقله فلوس ، آخر السنة دي هتخلص مدتي في العمدية ، يعني اكتر شيء كان بيخلي اللي زي نبيل ده يعملي حساب خلاص بينتهي ….. أنا ليا حسابات كتير محدش يعلم عنها حاجة …..
فاجأته وداد بقولها :
_ تقصد شباب عيلة الزيان ….الدكاترة اللي مقعدهم في المندرة !
صدم الرجل وحدج عينيه بها في ذهول …..فقالت وداد بابتسامة ونظرة عين شاردة :
_ الدكتور آسر فيه حاجة من المرحوم ، يمكن ده اللي خلى قلبي يتفتحله من لما شوفته ، لما اتكلمت معاه عرفت أنه من عيلة الزيان ، مرضيتش ابينله شيء ولا قولتله حاجة ، لأن واضح أنه هو نفسه مايعرفش أني مرات عمه مصطفى الله يرحمه ……بس ليه خبيت عليا ؟ ….وما تقولش أنك مكنتش تعرف !
على رغم دهشته وصدمته في كشفها للحقيقة بهذه البساطة ، ولكنه ارتاح إنها لم تغضب ….. فقال بصدق :
_ كنت عارف أن اليوم ده هيجي ، بس كنت فاكر أني أنا اللي هقولك !! ، أنا حذرت جاسر مايقولش اسم عيلته بس أظاهر مقالش لبقية الشباب ! …..
أخذ نفسا عميق واستطر قائلًا :
_ بصراحة بقا ، جد البنات كلمني من فترة ، واتفق معايا على موضوع القافلة ده ، وأنا اللي رتبت الصدفة بتاعت السكن عشان أجيبهم هنا ويشوفوا البنات …ده كله هو اللي خطط ليه مش أنا ….
تساءلت وداد وتمنت لو ما جال بخاطرها يكن صحيحا :
_ ليه ؟!
رد عليها شقيقها موضحا :
_ عايز يجوزهم لبعض ويلم شمل العيلة ، ما تنسيش أن هو ليه فيهم أكتر ما ليا أنا فيهم ، وأكتر واحد هيخاف على مصلحتهم ….
صمتت وداد للحظات ثم ابتسمت بسعادة ، دهش أخيها من فرحتها الواضحة هذه ثم قال باستغراب :
_ فكرتك هتزعلي مني وتتعصبي ! …عشان كده خبيت عليكِ ….
قالت وداد بتفس ابتسامتها :
_ يمكن كان زمان بزعل منه بسبب قسوته على مصطفى ، بس مصطفى الله يرحمه قبل ما يموت بأيام بسيطة لقيته بيقولي أنه مسامح أبوه ونفسه يرضى عنه ، زي ما يكون قلبه كان حاسس أنه هيموت …..قولت للبنات كده بس صدمة موت أبوهم خليتهم يكرهوا جدهم أكتر …..
ثم تابعت براحة ظهرت بعينيها الصافية :
_ أنا راضية بقراره ده ، أنا مش هعيشلهم ونفسي أطمن عليهم قبل ما أموت، الزعل على اللي فات نقصان من العقل، وهما لحمه ومن حقه يدور على مصلحتهم ، أنا شوفت واحد فيهم وأتمنيت ده في سري أنه يكون جوز بنتي ….وأهو ربنا حققلي منايا ….. أهو دول العرسان اللي يملوا العين بصحيح ….
ابتسم العمدة لشقيقته وقال براحة من سعادتها هذه :
_ الحمد لله بالي راق من ناحيتك ، فاضل سما وجميلة ، وبرضو هخيرهم ويختاروا ، عشان أكون عملت اللي عليا للآخر ….
قالت وداد بأسف واعتذار نابعاً بصدق من قلبها:
_ حقك عليا يا خويا ، أنا غلطانة أني ظنيت فيك …أنا محقوقالك ….
نهض الرجل وقبّل رأس شقيقته وقال برفق :
_ ده أنا ماليش غيرك يا وداد ، بقى تتحقيلي !! …. أنتِ تقولي اللي عايزاه وأنا هسمعك ……
ابتسمت له وهي تدعو ربها سرًا وعلانية ، ثم صمم أن تأكل وأطاعت أمره بترحاب ….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
بحثت جميلة عن سما بغرفتهم ولم تجدها ، فعلمت أنها كانت من الغضب الذي جعلها تصعد للسطوح مثل عادتها ….صعدت هي الأخرى وتركت رضوى وحميدة بالمطبخ ……
وبالمطبـخ ….
أنهى الفتاتان صينية من الطعام مرةً أخرى وقالت حميدة بإرهاق :
_ بقولك إيه بقى أنا تعبت ، حضرنا الغدا أهو للدكاترة ، شوفي نعناعة فين يوديه المندرة أنا رايحة استحمى وأنام شوية ،

 

محدش يصحيني ….حذرت أهو ….
ذهبت حميدة متوجهة خارج المطبخ ، حتى خرجت خلفها رضوى تبحث عن الصبي فلم تجده بالمنزل ……قررت أن تبحث عنه بالحظيرة في الخارج …..
خرجت وهي تحكم حجابها خشية أن يكون ظاهرًا ولو شيء بسيط من شعرها الأسود الكثيف ، جالت نظرتها حتى الطريق ولم تجده ….. نفخت بضيق واحتارت فيما تفعل ، قررت أن تخبر خالها العمدة بالأمر ويذهب به …..
كادت أن تمضي عائدة للمنزل حتى انتبهت لصوت يُلقي السلام :
_ مساء الخير يا آنسة رضوى …..
ابتسمت ابتسامة بسيطة وهي تواليه ظهرها ، يوم ونصف تقريبًا لم تره ، ولكنها شعرت أن هذا الوقت البسيط كان أطول من المعتاد !!
افتقدته حقا رغم أنها لا يلتقيا إلا بلحظاتٍ بسيطة ….أجابت وهي تستدير ببطء :
_ مساء النور يا دكتور ……
ابتسم رعد ابتسامة دافئة ، تعجبه بشدة هذه الفتاة بلمعتا عينيها الخجولة هذه ، واحمرار وجنتيها خصيصا عندما تراه ، يروقه أنه يؤثر عليها لهذا الحد ! …..قال :
_ واقفة برا ليـه ؟!
تعجبت من سؤاله ، ولكنها أحبت رنة المسؤولية بنبرته وعينيه ، أخفت ابتسامتها وهي تنظر باتجاه آخر بعيدًا عن عينيه الثاقبة النظرات :
_ كنت بدور على نعناعة ، عشان يوصلكم الغدا ، مايصحش يعني أدق على باب عزاب كده ….
هز رأسه بتفهم حتى قالت بحياء :
_ طالما أنت جيت يبقى تتغدا ،استناني اجيب الصينية ، الأكل محضراه وجاهز ….
قال بابتسامة شاكرة :
_ مش هكسفك ، وطالما أنتِ اللي محضراه يبقى هاكل منه لحد ما أشبع كمان …..
استدارت وابتعدت عنه بخطوات راكضة، ولم تمهله أن يتابع ، ولكنها كانت تبتسم بفرحة ، كل مرة تصدق هذا الشعور بداخلها أكثر …. أنهما ألتقيا گ غريبان حتى يصبحا واحدًا …..
دخلت المنزل وخرجت بعد لحظات وبيديها صينية الطعام ، وضعتها بين يديه في لحظة خاطفة ، وظل هو واقفا يحمل الصينية دون مبرر لوقوفه هذا ….تخضب وجهها بحياء وقالت :
_ بعد أذنك …..
وهذه المرة أيضا لم تمهله أن يعترض حتى أو يضيف كلمة واحدة ….ابتسم بغرابة من أمره وتسمره أمامها هكذا ، ثم دخل المندرة وبين يديه الطعام ……
كان آسر يُعد كوب من القهوة على موقد تقليدي صغير بالمندرة ، يقف أمام القهوة شاردًا ، بعيدًا عن مراقبة فورانها …..وضع رعد الطعام على منضدة خشبية بالقرب، ونظر لآسر وللقهوة التي تفور على الموقد !!
أقترب منه وأغلق النار سريعا ، التفت له آسر بتفاجئ وقال :
_ أنت جيت أمتى ؟!
قال رعد بسخرية:
_ بعد القهوة ما فارت ….. شكلك بيقول حصل حاجة جامدة ، بس تعالى نتغدا الأول أنا جوعت فجأة ، شوف باعتيلنا أكل ايه ؟ ….دي وليمة مش غدا !
رفض آسر قائلًا وهو ينظر للقهوة المتسربة من آنيتها :
_ مش جعان ، كان نفسي في فنجان قهوة وباظ ، وماليش مزاج أعمل غيره !
ترك رعد أمر الطعام ولاحظ عبوس آسر بهذا الضيق الواضح بعينيه ، قال باهتمام وجدية :
_ طب بلاش أكل دلوقتي ، تعالى احكيلي حصل إيه خلاك كده !!
جلس آسر على الأريكة بجانب منضدة الطعام، وقال بضيق وزفرات حانقة من أنفاسه :
_ مش عارف عملت كده ليه !!
قلق رعد وقال بشك :
_ أنت عملت إيه ؟!!
روى له آسر ما حدث منذ البداية ، أغتاظ رعد منه وهتف به :
_ ده أنا قولت عملت مصيبة !! …..
قال له آسر بعصبية من نبرة السخرية بحديث رعد :
_ تصدق أنا غلطان أني اخترتك انت بالذات احكيلك وأفضفضلك ! ……أنا كنت مع نفسي بفكر وبقرر ومش بتكلم مع حد ، مش عارف إيه اللي خلاني أتجنن واتكلم معاك !
ضحك رعد وقال باعتذار به بعض المرح :
_ طب خلاص ما تزعلش ….. ما هو برضو اي حد مكاني كان هيقلق ……بس خلينا في المهم ، والمهم أنك عكيت عك معتبر …..وأنا لو منها مش هبص في وشك تاني ….
عبس وجه آسر بضيق فتابع رعد :
_ بقا في واحد المفروض معجب بواحدة ولما الظروف تساعده ويكلمها يبقى غشيم كده ويتكلم عن حبيبته الاولانية !! ….. طب كنت لمحلها من بعيد حتى أنك معجب بيها بلاش تتقدم !
صدم آسر منه ونهض قائلا برفض :
_ أنت مجنون !! أتقدم ؟!! ….. ده أنا لحد دلوقتي محتار أن كنت معجب بيها ولا لأ وأنت تقولي أتقدم !!
نهض رعد هو الآخر وقال بنظرة جدية حاسمة للأمر :
_ بص يا آسر ، عايز بس أعرفك حاجة مهمة أنت مش واخد بالك منها ، البنات دول مش بتوع تعارف وكتر كلام ، دي تخطبها وتتعرف عليها وبحدود كمان ، يعني من الآخر كده لو حاسس بشيء من ناحيتها ومحتار يبقى الأفضل تخطبها …..
لأنها عمرها ما هترحب بأي ارتباط غير كده ….. اسمع كلامي قبل ما مدة القافلة تنتهي ونرجع ، وأنت لسه في حيرتك ومش

 

عارف تاخد قرار…..
هز آسر رأسه بعدم تصديق وبرفض تام للفكرة رغم ميل قلبه إليها:
_ مش معقول أكررالتجربة دي تانية ، مش معقول أدخل في ارتباط تاني ويكون فيه طرف تالت لأنسان كان في حياتها ولسه فكراه …مستحيل !
رد عليه رعد بتنهيدة :
_ أنا جيبتلك الخلاصة ، فكر كويس ، أنا نفسي رغم انجذابي لرضوى بس مدي لنفسي وقت كفاية للتفكير ، وأقرر أن كان فعلًا أعجاب مؤقت أو فعلا ده اللي بدور عليه …..
بس بصراحة لما بشوفها ببقا على يقين أني معجب بيها ، ولما بقعد مع نفسي برجع أفكر من تاني ….. مش فيها هي شخصيا لأنها بصراحة عجباني ، بس في حاجات ممكن تأثر على علاقتنا بعدين …. أنا مش ناسي كلامك ….
نظر له آسر وقال بتعجب :
_ أنت كمان محتار ، يمكن أكتر مني …..
رد رعد بابتسامة ساخرة :
_ هو أنا عشان دكتور نفسي أبقى مش بتردد أو بخاف أو بحتار !! ……. مش بسهر من الخنقة وبتوه وبتألم وأقول يارب في ضيقتي !
أنا أكتر واحد بيعرف يحل مشاكل غيره أكتر ما يعرف يحل مشاكله …… اللي بعيد عن الصورة شايف كل تفاصيلها أكتر من أصحاب الصورة نفسهم …..
اقتنع آسر بما قاله شقيقه حتى قال بطلب :
_ اللي اتكلمنا فيه ياريت محدش يعرفه نهائي ….خليه سر ما بينا …..
أكدّ رعد على ذلك ثم جذبه ليتناولا الطعام …..
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
في المشفى …….
دخلت الممرضة منى لمكتب وجيه وقالت :
_ في واحدة برا عايزة تدخل لحضرتك يا دكتور ، بتقول موضوع مهم …..
ترك وجيه بعض التقارير التي كانت بيده ويقرأها بتمعن ثم قال:
_ دخليها ….
خرجت الممرضة وبعد قليل دلفت فتاة أنيقة المظهر ، كانت نظرات عينيها بها عدة تسؤولات غامضة ….أشار لها وجيه أم تجلس ……جلست الطبيبة النفسية مروة ثم بدأت الحديث وقالت مباشرةً:
_ أنا جاية لحضرتك بخصوص” ورد ” ….مريضة نفسية كانت عندي واختفت …..
تعجب وجيه من الأمر وقال بصدق :
_ أنا مش فاهم بتتكلمي عن إيه ؟! ….مين ورد ؟!
اوضحت مروة أكثر :
_ أنا بقالي أكتر من شهر بدور عليها ، كانت تقريبًا في مرحلة الشفاء بعد وقت كبير جدًا قضيته معاها في المركز ، فجأة اختفت ، لحد ما عرفت أن والدها هنا بسبب حادثة وفي غيبوبة ….. اسمه عبد العزيز صادق ….
اتسعت عين وجيه بصدمة !

 

اضيقت عينيه بدهشة ، كيف أن تكون ليلى المقصودة ؟! …وما علاقتها بهذا الاسم ؟! …….
راقبت “مروة” أنفعالات وجهه بدراسة ، فقالـت لتنتشله من موجات التشتت هذا :

 

_ هي موجودة هنا أقدر أشوفها ؟
نظر لها وجيه بحيرة شديدة، وبدأ يشعر أن هناك الكثير لم يعرفه ، ليس بعض الأشياء مثلما كان يظن ! ….. فقال وقد أشتدت عروق رقبته من انفعال أعصابه الغير مدرج بصوته :
_ لو سمحتي فهميني الأول ….مين ورد ؟ ….اسم الأب اللي ذكرتيه موجود بالفعل عندي في المستشفى ، وفي حالة غيبوبة صعبة جدًا ، أنما اللي أعرفه أن معندوش بنات بالاسم ده !! ……
كانت تعرف مروة هذا الأمر ، وأنما عرفت تلك الفتاة بالماضي بهذا الاسم المستعار ، وكان من السرية معرفة تفاصيل هذه الفتاة مما أثار الشكوك حولها …..قالت مروة بصدق :
_ أنا عارفة يا دكتور …… اسم ورد كانت المريضة اللي أختفت بتردده دايمًا ، لأول مرة في المركز تدخل مريضة ومحدش يبقى عارف عنها أي شيء ، أنا حاولت أعرف اسمها الحقيقي مقدرتش ، والملف بتاعها مش موجود أصلًا ومالوش أثر ….
صمتت لبرهة…. وظهر بعينيه الدهشة لهذا الأمر ثم تابعت مروة :
_ الغموض اللي حواليها وحالتها الصعبة اللي اغلب الدكاترة اجزموا أن شفائها صعب خلاني اتمسك بيها أكتر ….ارجوك وصلني بيها ، لسه في مراحل علاج لازم تمر بيها وأعرف إيه اللي وصلها لكده ….
وقفت أمام عينيه شكوك كثيرة ثم قال باستفسار ليحاول فهم الأمر أكثر:
_ المريضة دي كانت بتشتكي من إيه ….ممكن أعرف ؟
وقبل أي شيء ….أتأكد أزاي انك فعلًا دكتورة وأنك ……
قاطعته مروة وهي تبتسم ، وقالت :
_ كنت عارفة أنك هتسأل السؤال ده ……
أخرجت من حقيبتها بطاقتها الشخصية وكارنيه يخص عملها بالمركز الطبي النفسي ، ثم وضعت أوراق الاثبات أمامه ، فحصهم وجيه بدقة ثم وضعهم امامها بهدوء …..وضعت مروة بحقيبتها مجددًا وقالت بثبات :
_ المريضة اللي بكلمك عنها كانت بتشتكي من PTSD ….أضطراب الكرب التالي للصدمة …… مع بوادر ظهور أمراض الصرع ، بس كنت قدرت في ٤أشهور اعالجها من أول ظهور مرض الصرع ….. كان بيسببلها إغماء ورعشة شديدة بمجرد أنها تفتكر شيء يزعلها أو يضايقها ….. وكنت في طريقي أني اعالجها من إضطراب الكرب ولكن للأسف الأمر كان صعب جدًا ……خصوصا أن ……
توقفت مروة عن المتابعة ، قال وجيه برغبة شديدة معرفة الأمر :
_ أن إيه ؟
قالت مروة بصدق وبعينيها بعض الضيق :
_ في تفاصيل شخصية للمريضة مش هينفع احكيها لحضرتك ، ولكن اللي أقدر أقوله أن برنامج العلاج من المرض ده أهم خطوة فيه أنها تحس فعلًا بالأمان وسط ناس بتحبهم وبتثق فيهم ….. المركز مكنش كافي لبرنامج العلاج بتاعي ، ولا أنا كطبيبة وجودي كافي لكل مراحل العلاج ….. أنا اللي عليا بعمل المستحيل عشان أنفذه ، ولكن في حالة مرضية زي ورد …كان صعب استقبال أشخاص جديدة في حياتها تقدر تثق فيهم …لازم أشخاص يكونوا بالفعل بتثق فيهم وبتطمن بوجودهم وده هيسرع مدة العلاج….
شردت عينيه للبعيد ، حيث يتذكر كل تفصيلة تخصها منذ أن رآها مجددًا ، وتذكر الأوراق التي وضعهم طليقها المجرم أمام عينيه ذات يوم ، وأخبره أنها كانت مدمنة عقاقير مخدرة! …….كل الشكوك تؤول إليها ! …… ولكنه للأسف لا يتذكر اسم المركز بالأوراق …..فقال للطبيبة الشابة بشك:
_ أنت مش شايفة أن من الغريب انك متقدريش تعرفي حتى اسم مريضة عندك !! …..
أجابت مروة بثقة :
_ دكتور وجيه …حضرتك دكتور وعارف نظام أي مستشفى أو مركز ، أنا اللي يهمني حالة المريض في المقام الأول …..وعارفة أن الأمر غريب فعلًا ولكن هو ده اللي حصل ….كل تفصيلة عن البنت دي كانت سرية وده عرفت أنه بطلب عليتها ….. لما كانت بتردد اسم ورد لما احاول اتكلم معاها فاعتقدت أنه اسمها ….. ولكن لما أختفت قدرت أعرف اسم والدها بأعجوبة وعنوانه ، وعرفت أنه مكنش عنده بنت اسمها ورد اصلا ، كان عنده بنتين واحدة اسمها صافية والتانية ليلى ….ولكن برضو للأسف هو كان عزل في مكان تاني وباع شقته ومعرفش راح فين ……لحد ما واحد قريبي قدر يوصل إنه عمل حادثة واتنقل لهنا ……
لم تخبره مروة أنها علمت بكل هذه الأمور بمساعدة أبن خالتها الضابط ، والذي لولاه بعد توفيق من رب العالمين لم تكن تعرف ولو معلومة واحدة مما عرفته مؤخرًا ……
بدأ يتضح الأمر أمامه شيئا فشيء …..فقال بجدية رغم التيهة بعينيه :
_ اقدر اديلك ميعاد بكرة أن شاء الله نتقابل ، وتكون موجودة ، لو هي هيكون ليا مقابلة تانية معاكِ على أنفراد …..عشان لازم أعرف منك حالتها بالضبط …..
احتارت مروة في طرح السؤال ، ولكنها عقدت النية أن تقوله باللحظة الأخيرة رغم معرفتها حقيقة الأمر :
_ هو حضرتك دكتور وجيه رشدي اللي اديتلها الكتاب ؟ …..
نظر لها بغرابة من معرفتها بهذا الأمر ثم أجاب :
_ مش فاهم…..بتسألي ليه ؟
قالت مروة وقد شعرت بالحرج :
_ بصراحة أنا مرة اديتلها ورقة قولتلها فيها اكتر شيء شايفة نفسك محتاجاه دلوقتي وهيريحك وهينقذك من اللي أنتِ فيه ….” كتبت دكتور وجيه ….. لن ابيع العمر “…… وبعد حيرة وأيام كتير حاولت فيهم أعرف معنى اللي قالته …..عرفت أن لن أبيع العمر ده ديوان شِعر …. جبتلها نسخة ورقية عشان أشوف رد فعلها ….. وكان رد الفعل غريب بصراحة …..
قال وبعينيه اشتياق لمعرفة مدى حنينها إليه بعدما تأكد أنها هي ليلته :
_ عملت إيه ؟
بخبرة مروة في الطب النفسي علمت منذ أن رآته وعلمت اسمه أنه هو الطبيب الذي تفوهت باسمه تلك الفتاة الغامضة وهي في أوج حالتها النفسية البائسة ….قالت وهي تشرح له ما رأته :
_ كان بقالها ٥شهور تقريبًا في المركز ….. ما اتكلمتش في الوقت ده أكتر من ساعة !! …..بتبكِ على طول ، نايمة اغلب الوقت ، ولما بتفوق يأما بتصرخ ويغمى عليها ، يأما تعيط وترفض أي كلام ، نادر جدًا لما كانت بترد عليا وبكلام لا يتعدى الخمس كلمات ……بس لما شافت النسخة اللي جبتهالها لقيتها انتفضت من مكانها ! …..خدتها وحضنتها وابتسمت ….ودي كانت أول مرة أشوفها بتبتسم المدة دي كلها ……
ابتسمت مروة عند تذكرها ذلك المشهد وقالت :
_ عرفت وقتها أن سبب ابتسامتها مش الكتاب بحد ذاته ، هي شافت حد فيه ، صاحب الكتاب نفسه ، ومن اللحظة دي بدأت تستجيب للعلاج ….. وشجعتها بحيلة أخترعتها بصراحة ….بس للعجب كانت حيلة سحرية …..شجعتها أنها تحكي قصص بطلها اسمه وجيه لبنتها لما كانت بتزورها ….. وبالفعل التحسن بدأ يبقى ملحوظ من بعد الأمر ده ….وبدأت تتكلم وتحكي …لكن للأسف أختفت فجأة ومعرفتش أوصلها غير دلوقتي …..
وهنا لم يكن هناك أدنى شك أنها ليست ليلى ، هل يعقل أنها كانت تعاني من هذا الإضطراب الخطير ؟!! …..فقال وجيه بتساؤل غامض :
_ يمكن أنا مش دكتور نفسي ، بس عندي خلفية عن الإضطراب ده ، أظن أنه مش بيظهر غير بعد فترة من الصدمة مش كده

 

؟ …..
وافقته مروة وقالت :
_ صحيح ….بس حسب حالة كل حالة ، في حالة المرض عندها بيظهر بسرعة وده غالبًا مشبتبقى الصدمة عندها مدمرة ولكنها هزته بالفعل …..ولكن الصدمة لما تكون كارثية بالنسبة لحد ويشوف شيء بعنيه مايقدرش حتى يشوفه فالأمر بيبقى معقد جدًا وخطير وبياخد وقت كبير جدًا مع أزمة نفسية شديدة خلال فترة ما قبل الأكتشاف …….يعني مثلًا هتلاقي في أعراض إغماء وتشوش كتير في الذاكرة مع النسيان لبعض المواقف …..
تنهدت مروة وقالت :
_ بس في حالة ورد بالذات الموضوع كان خطير جدًا خصوصا أن دخل معاه أعراض مرض الصرع ……يعني لو المريض أغمى عليه وفاق احتمال كبير ينسى اللي حصله كله قبل حالة الإغماء …. ده بالنسبة للصرع
دهش وجيه وقال :
_ ينسى كل حاجة في حياته ؟!!!
نفت مروة الأمر وقالت :
_ لأ مش أقصد كده ، ينسى اللي حصله مباشرةً قبل الإغماء ، وحالة فقدان الذاكرة لحدث معين وارد جدًا أنها تحصل بالنسبة لإضطراب الكرب التالي للصدمة المعقد ….. يعني هتلاقي في حاجات هي مش عارفة تفتكرها أصلًا ……بس ده كله ممكن يتعالج لو المريض اتحط في بيئة مؤهلة للعلاج …… الأمر مش صعب على أد ما صعب أن المريض يلاقي اللي بيحبوه ويقدموله الحب والدعم الحقيقي في الوقت ده لحد ما يتخطى الأمر …… الأمان أهم خطوة في علاج أي مرض نفسي …..
نهضت بعد ذلك وقالت بنفس ابتسامتها الهادئة :
_ هكون هنا بكرة بأذن الله في نفس الميعاد ده ، وبشكر حضرتك جدًا ، لمساعدتك ليا وليها قبل أي شيء…….
تعجب وجيها منها وقال باستغراب :
_ أنتِ متعودة تحكي التفاصيل دي كلها عن المرضى بتوعك ؟! ….بصفتي طبيب فأحب أقولك أن ده غلط ….. التفاصيل دي ما تتقالش غير لأهل المريض فقط …..
اتسعت ابتسامة مروة ثم أخرجت من حقيبتها شيء ……كان هذا الشيء ورقة بها خط متعرج وحروف اسمه مدونه عليها بخط يبدو أن كاتبه يتعثر في الكتابة …..نظر وجيه للورقة التي وضعت مروة أمامه ثم رفعها أمام عينيه بثبات…. فقالت مروة بإشارة من يدها إليه :
_ بص في ضهر الورقة يا دكتور ….هتعرف إجابة سؤالك …..
ضيق عينيه بتعجب حتى نظر للجهة الأخرى من الورقة ووجد خطوط مرسومة بإحترافية …..كانت الخطوط الرفيعة تجمع ملامحه بالقلم الرصاص …. تحدثت مروة بابتسامة :
_ طبعا لما عرفت اسمك شكيت ، بالذات لما قالولي أن المريض ده بالذات تبع دكتور وجيه ، لكن لما شوفتك اتأكدت أن أنت دكتور وجيه اللي ورد وصفته بالضبط ….. كانت مع كل كلمة بتعيط أكتر ….. وصورتك مكنتش بتفارقها ، ده برضو كان حيلة مني عشان اوجد أي ظل لأنسان هي محتجاله وأنا مكنتش عارفة أوصلك ولا حتى أعرفك…….اكيد مش هقولك كل المعلومات دي من غير سبب !
تطلع بها بإعجاب لذكائها وقال :
_ ذكية فعلًا ….. بخلاف أي شيء ، أنتِ دكتورة شاطرة جدًا في شغلك …برافوا …
قالت مروة بثقة عالية وابتسامة :
_ شكرًا يا دكتور …..ميعادنا بكرة بأذن الله ……
تركت الورقة معه وخرجت مروة من المكتب وتركته تائه الفكر ، كان يظن أنها اجبرت على الزواج من هذا الأحمق الكريه ، لكن أن يصل بها الأمر لهذا الأضطراب فهناك حلقة مفقودة لا يعرفها …..شيء خطير تخفيه عنه ، شيء لا تستطع قوله له أو ثقيل على نفسها لهذا الحد من المواربة والإخفاء…….
كثرت الأفكار بعقله وجميعها جعله يحترق غضب وانتقام من هذا المجرم طليقها ، الذي كان السبب الرئيسي في حالتها …..
ماذا فعل بها ؟! كلما توقع شيء كان يتنفس بصعوبة …..منع نفسه عن التفكير في صندوق الماضي الأسود الذي تغلقه بإحكام ، وتمنع أي مخلوق من الأقتراب …..
رفع سماعة الهاتف وأجرى اتصال على رقم غرفة الفندق الخاصة بها …..
ارتفع رنين الهاتف بغرفتها وأيقظها من غفوتها ……فتحت ليلى عينيها على صوت الهاتف وتوقعت أحد الطرفين …وجيه أو جدها ……نهضت من الفراش حتى اتجاه الهاتف وأجابت بعد لحظات :

 

_ الو ..؟
كان صوتها الكسول بنبرته هذه يتسلل اليه ويؤثر به ك رجل …..قال بجدية عندما رتب أفكاره بلحظة مشتته :
_ أنا وجيه يا ليلى ….. الدكتورة مروة عايزة تشوفك …….
انتفض جسد ليلى واتسعت عينيها بخوف ، صوته يوحي أنه علم شيء ما عن ماضيها ……قالت بتلعثم شديد :
_ هي ….قالتك حاجة ..؟
فكر لبرهة فيما خلف خوفها هذا الواضح بنبرتها ….فقال ليطمئنها ويبعد هذا الخوف منها :
_ ما تقلقيش يا ليلى ….أي كان اللي هعرفه ، أنا مش هبعد ….. مش هضيع اللي جاي عشان اللي فات !
التمعت عينيها بدموع خوف ، رغم كلامه الذي يبث فيها الأمان …… وسمع أنين صوتها بالدموع فقال بلطف :
_ أنا معرفتش حاجة غير مرضك بس ، معرفتش إيه اللي وصلك ليه ، لو كنت بالنسبالك الشخص الوحيد اللي افتكرتيه في أزمتك فأنا مش هخذلك أبدًا …….أوعدك ….
ابتلعت ليلى بصعوبة غصة متكورة بحلقها وقالت ببكاء :
_ أنا لسه مريضة يا وجيه ، يمكن أعراض النسيان قلت الفترة اللي فاتت بس ده مايمنعش أنها في لحظة ممكن ترجعلي …… ومش عارفة هترجعلي ووقتها هكون فكراك ولا لأ …..أو لو وافقت على طلب جيهان ….واتجوزنا …..هل في يوم ممكن أنسى أني مراتك أو شيء يخصك ؟ …..صعب عليا أوي أوي مجرد التخيل حتى ! …..
صدم وجيه وقال فجأة :
_ جيهان طلبت منك ايه مش فاهم ؟
ردت ليلى وهي تمسح عينيها من الدموع :
_ طلبت إيدي ليك …..جاتلي وعرضت عليا أني أوافق اتجوزك ……. وحاولت تقنعني كمان ……
اتسعت عين وجيه بدهشة !! ……لم يطرأ هذا الأمر بظنونه فيها مطلقا ! ……. لا يشعر أن طلبها هذا بريء من المكايد ! …..تنهد بقوة وقال :
_ يمكن سلّمت للأمر الواقع ، عمومًا أنا هتكلم معاها ، وبصراحة هي قصرت عليا مشوار طويل في الموضوع ده ……. أنتِ عارفة ومتأكدة أنا قلبي مع مين …..بس مقدرش أظلمها يا ليلى …… حياتنا احنا الأتنين صعبة وكلها تعقيدات …..بس المرادي احنا الاتنين لازم نتمسك وننسى اللي فات ….. ارجوكٍ ما تتخليش عني المرادي بسبب خوفك …..
صمتت وهي ترتجف من كل شيء ، فتابع بهدوء ورفق على حالتها :
_ زي دلوقتي بكرة أن شاء الله تكوني عندي في المستشفى ، هي جاية بكرة ….. هسيبكم تتكلموا براحتكم ….وماتنسيش تجيبي ريميه معاكِ ….. عشان اتكلمت مع دكتور بخصوصها …..استنيته مخصوص لما رجع من السفر …..
قالت ليلى بألم :
_ كل الدكاترة قالوا مستحيل تشوف تاني ….. مش عايزة احط أمل وارجع ايأس ! …..
اعترض قائلا بهدوء :
_ لازم نحاول حتى لو الأمل ضعيف ، مش هنخسر حاجة …..
وافقت ليلى رغم علمها بصعوبة الأمر ثم أنتهى الإتصال …..
جلست على المقعد القريب من الشرفة ونظرت أمامها بشرود وعينيها مليئة بالألم …….لما تستطيع أن تتذكره فيما حدث في العشر سنوات الماضية …….
➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖➖
أنتهى دوام العمل لأطباء القافلة ذو الفترة الصباحية …..وعاد يوسف وجاسر إلى المندرة وهما يتجاذبون أطراف الحديث، ويضحكون أثناء سيرهم بطريق الحقول والمراعي ……
ترامى على بصر جاسر من على بُعد أمتار ….فتاة ترتدي عباءة سوداء أنيقة للغاية وعليها حجاب كشمير ملفوف حول رأسها بعناية …..وبجانبها شاب أقصر منها بقليل ……
وعندما اقتربا الغريبان، ضيق جاسر عينيه عندما وجد تلك الفتاة والتي تسير بالطريق ببهاء ماهي إلا تلك المشاكسة “جميلة “ومعها الصبي نعناعة !! ……نظر لها بمكر وابتسامة معجبة من طلتها المحببة لأغوار اغلب رجال الشرق وقال بتمتمة :
_ حلوة أوي العباية السودا دي ….. مشاعري في أزمة عنيفة!
ضحك يوسف بخفوت عندما لمح نظرة جميلة المتهربة والصارمة بحد ذاتها لجاسر ، حتى أوقف جاسر الصبي نعناعة وعينيه تتسحب الى جميلة بابتسامته الخبيثة :
_ وحشتني يا نعناعة ….وحشتني أوي اوي يعني ….. من امبارح يا قاسي ما أشوفكش …ما وحشتكش ؟!
ضحك يوسف عاليًا فجأة ولم يستطع لجم ضحكته ، وفهم ما خلف مكر جاسر وما يقصده ……ونظرت جميلة لجهة جانبية وتكافه حتى لا تضحك على طريقته وهو يتحدث ……قال الصبي بابتسامة :
_ وأنت واحشني والله ….بس أنا لسه شايفك الصبح ؟؟ …. انت وغوشتني عليك ….زمايهر ده ؟!
وضعت جميلة يدها على فمها تكتم ضحكتها، وقالت بالكاد وهي تبتعد :
_ هقف بعيد يا نعناعة على ما تخلص كلامك …..
اغتاظ جاسر منها وقال للصبي بغيظ :
_ زمايهر !!! ….آه هو زمايهر …..بس معلش في السؤال يعني …..أنت رايح فين بالشياكة دي؟!
ابتسم الصبي بزهو وهو يدور بجلبابه الجديد الأزرق اللون ،ولم يظن أن هذا المدح موجه لجميلة فقال :
_ ايوة صح ….عندك حق …..أنا رايح حنة صاحبة جميلة بنت عمتي ….اومال أسيبها تروح لوحدها ؟!
زم جاسر شفتيها بعصبية للحظات ثم أشار للصبي وقال :
_ حنة بقى وأكيد فيه شباب وكده ….. وأنت قمور ويتخاف عليك ، ساعتين وترجع يا نعناعة ها …… يعني العشا كده ….. عشان عندي ليك مفاجأة ….

 

قال الصبي بحماس :
_ مفاجأة إيه يا دكتور فرحني ؟
قال جاسر بنظرة خبيثة :
_ لأ مش دلوقتي …..لو اتأخرت لبعد العشا انسى المفاجأة ….
هز الصبي رأسه بموافقة وقال :
_ ما تقلقش أنا اصلًا مكنتش هتأخر اكتر من كده ، بالإذن بقى ، رايح وهرجع فوريرة ……
ترك الصبي جاسر ويوسف يقفون ومضى اتجاه جميلة التي تقف بلا ادنى اهتمام لوجود جاسر ….لم تنظر حتى إليه وتواليه ظهرها ولكنه تبتسم دون صوت …..ولكن بشيء عذب يتسلل لقلبها …..ابتسامة من القلب …..

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *