روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخمسون 50 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخمسون 50 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخمسون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخمسون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الخمسون

~… رسالة الفجر …~
وأحيانا يكون من الصعب أن نبقى … والاصعب أن نبتعد !
شتان طرق لا يجتمعان إلا في ازمات القلوب.
وهناك لمسة للنظرات أرق من لمسة الأنامل ! ..
كانت تلك نظراته المعانقة لعينيها وهما ينظران لبعضهما للحظات في صمتٍ كان أكثر إثارة لأشتياقه إليها من أي حديث ! ..
يا نبض قلبه أن تحدثت … ويا ويل مشاعره أن صمتت .. حتى صمتها يشهد له قلبه بغزو أنوثتها الهادئة والغير مفهوم مصدر سحرها !
فإن قال أنها الاجمل بمعايير العصر كذب … ولكنها بعينيه هي الأجمل على الأطلاق … تلك الليلى التي أنارت عمر لياليه… والتي سرقت منه رغبته بأي امرأة أخرى سواها… كيف فعلت ذلك … لا يعرف؟!
وكانت كل لحظة تبتعد فيها ليلى عنه وكأنها تتركه بيديها بين براثن أنثى أخرى ! …. وهي تعلم أنه رغما عنه سينساها كليًا لبعض الوقت! … كيف تعطيه هذا التصريح ولو لثوانٍ ؟!
كيف ستستطيع التعود والتأقلم على هذه الشعور القاتل !
وكأن وجهها يحارب الشحوب بعد حمرة الخدين في القرب !
كأن مواسم الزمن تمر بتلك اللحظات على وجهها !
وابتعدت عنه وفلتت يدها من يديه التي كانت تقبض عليها بقوة وتمسّك … وأصبح قلبها كأنه بين قبضةً غليظة تعتصره عصراً دون رحمة.
وراقبها وجيه وهي تبتعد وتصعد السلم بنظرات اشتاقت واشتكت من البُعد قبل البُعد!
وتردد بخاطره أن يتبعها ويحملها إلى غرفتهما ليرضي قلبها ولو قليلًا ويعود لزوجته الأولى مرةً أخرى …. مجرد دقائق بسيطة سيصلها فقط للغرفة.
ولكنه عاد سريعا بالفكر واعترف لنفسه أن فعل فلن يعود للطابق الثاني حيث غرفة جيهان بهذه السهولة !.
وأن فعل سيبدأ بتلك الخطوة في طريق ظلم زوجته الأولى … وهو لا يريد ذلك مهما تحمل ضيق ومسؤولية مفروضة عليه.
زفر بحنق وهو يسلب نظراته لجهة أخرى مجتثً اشتياق عينيه الجامح، وتوجه لغرفة جيهان بطريقة آلية كأنه يسير لمهمة عمل ثقيلة ويشتاق العودة للديار.

 

*******
وبغرفة الفتيات ..
اجتمع الرباعي الفتيات بالغرفة وكان ثلاثة منهن يسلطن نظراتهن على رضوى بحدة … كأنهن يلومونها على ما تفعله وعنادها الغليظ هذا …. فقالت جميلة بغيظ :
_ لآخر مرة يا رضوى بقولك اللي أنتي بتعمليه ده غلط !
سحبت رضوى حجاب رأسها بهدوء .. وعلى عكس المتوقع بدت هادئة غير منفعلة، وهذا كان بحد ذاته يثير كثير من الشكوك حولها …. ريثما بعد ما فعلته مع رعد وعصبيتها وقتذاك..!
القت رضوى حجاب رأسها على ظهر مقعد المرآة وحررت شعرها ليسدل على كتفيها بتموج ليلي لامع …. وغضبت جميلة من تجاهلها للإجابة وعدم اكتراثها لأي شيء يحدث …فهتفت بها :
_ أنتي اظاهر عليكي محتاجة قلم يفوقك !
وهنا استدارت رضوى وتبدل تعابير وجهها الهادئة للغضب وقالت :
_ إيه يا جميلة عايزة تضربيني عشان بحافظ على كرامتي ؟!
لو ده يرضيكي تعالي اضربيني …. بس برضو مش هوافق عليه !
استنشقت جميلة بعض الهواء حتى تتمالك أعصابها أكثر من ذلك ، ثم لانت نظراتها الحادة وقالت بصوتٍ أقل انفعال :
_ لأ طبعا مش هضربك أنتي مش صغيرة ! …. ولا أنا بقولك وافقي على رعد اصلًا ! …. أنا بكلمك عن العريس وأنك محضرة الموافقة سواء كان كويس أو وحش …. !
اقتربت حميدة من شقيقتها رضوى وجذبتها لتجلس على الفراش بلطف .. ثم قالت بصوتٍ هادئ :
_ أنتي مش شايفة أن رعد ندمان فعلًا وبيحاول يصلح اللي عمله ؟! … طب على الأقل ما توافقيش على العريس اللي متقدم ده … أنتي بتحبي رعد ما تكدبيش على نفسك !
اطرفت عين رضوى وهي تهز رأسها بسخرية ونظرات يملأهما المرارة والغضب منهن …. وقالت وهي تنهض غاضبة :
_ سامحتوهم بالسرعة دي ؟! … مجرد ما قالوا كلمتين حلوين خلاص وقعوكوا تاني على وشكوا !
وعادت ضاحكة بمرارة والم :
_ صح … ما الكلام اللي اتقال كان عني في الأصل وانتوا بس مجرد تلميح ! …. اللي عاند ومشي وصمم يبعد وخد أخوه وولاد عمه ومشيوا مكنش يوسف ولا جاسر ولا آسر ! ….
هتفت جميلة بها بانفعال :
_ يابنتي كفاية بقا عناد ! …. أنتي مش مكفيكي اللي عمله النهاردة مع العريس ؟! …. وتصميمه عليكي مش كفاية كده ؟!
وتفاجئ الثلاث فتيات بدخول رضوى بعاصفة بكاء وهي تهتف :
_ لأ مش كفاية …. أنا هوجعه زي ما وجعني ، هخليه يحس أنه اقل انسان في الدنيا زي ما حسسني ، في عز تصميمه بيا هسيبه وابعد …. انتوا مافيش واحدة فيكوا حاسة بيا ولا بالنار اللي جوايا …. أنا عمري ما هقدر اسامحه بسهولة كده زي ما انتوا فاهمين ! …. وكل اللي بيعمله ده مايكفنيش ولا يرضيني … أنا مش هرتاح غير لما أشوف وجعه ودموعه قدامي .. وحسرته وكسرته على خسارته ليا …. وقتها بس هقدر أنسى اللي حصل.
هرعت سما إليها وضمتها برفق بين ذراعيها …. فأشتد بكاء رضوى بعنف وهي ترمي رأسها على كتف شقيقتها سما ، وبكت كأنها فتح لها الباب أخيرًا لتزيح هذا الألم من قلبها ببضع قطرات من الدموع…. حتى تنهدت جميلة وقالت بأسف :
_ يا رضوى أنا خايفة عليكي …. انتي بتقولي محدش حاسس بيكي! ، بس عشان احنا حاسين بيكي وعارفين اللي جواكي كويس بنحذرك …. أنتي مش هتعرفي تنسي رعد بسهولة … وأظن ماينفعش ترتبطي بحد وأنتي في قلبك حد تاني … بس أنا حاسة أنك مش هتعمليها .
********
بغرفة وداد التي كانت في الأصل غرفة زوجها الراحل ….. جلس الصبي يضيق عينيه بتعجب من ضحكة عمته وداد …. فقال باستغراب :
_ بتضحكي يا عمتي ؟! … بقولك كانت هتضربه بالقلم وسط العيلة كلها بعد اللي عمله !
تمالك وداد نفسها من الضحك وقالت بمكر :
_ اسكت خليها تربيه … ما هو برضو اللي عمله مش شوية ! … بس هما حطوا للعريس إيه المجانين دول ؟!
كتم الصبي ضحكته وقال بخفوت :
_ جاسر جاب برشامة من الممنوعات وكان هيحطها ، بس آسر بدلها وحط ملين ، فوائل ده شرب العصير من هنا ومابقاش على بعضه بعدها.
وأضاف بشك :
_ أنتي مش هتكلميها ولا إيه ؟ … أنا خايف لتوافق يا عمتي ! … والله رعد صعب عليا وهو بيحيكلي سبب اللي عمله في البلد …
ابتسمت وداد وقالت :
_ أنا مطمنة طول ما عمهم وجيه معاهم … وبيني وبينك أنا راضيني اللي بتعمله في رعد ، مش عايزاها تسامحه بسهولة غير لما يحفي وراها الأول عشان يعرف قيمتها ويندم بدل المرة الف …. وعشان مايفكرش يعايرها تاني أنها مش زيه في التعليم…. أنا عارفة أنها عمرها ما هتتجوز غير وهي فرحانة بعريسها …. مهما عندت مش هتكمل صدقني.
هز الصبي رأسه بفهم … ثم قال وهو يربط على يدها بأطمئنان:
_ وأنا يا عمتي معاهم … مش هسيبها تتجوز وهي مش راضية ، ما تقلقيش.
رفعت وداد يدها لكتفه بربته حنونة وقالت بمحبة :
_ تسلم يا حبيبي … والله من وقت ما جيت وأنا قلبي اتقفل واتحط فيه الأمان وسكن… قاعدة في أوضتي وبالي رايق ومطمنة اكتر بوجودك ، وكمان أنت عارف عمتك … طول ما انا في بيت مش بيتي مش بحب اتحرك كتير وبسيب أهل البيت

 

براحتهم .
ابتسم الصبي وشرد لبعض الوقت … فلاحظت عمته ذلك وتساءلت :
_ مالك يا نعناعة … روحت فين ؟!
نظر لها الصبي وقال ولمعة انبهار تمر بعينيه :
_ تعرفي يا عمتي … أنا نفسي لما أكبر شوية كمان أبقى زي عمي وجيه بالضبط …. في هيبته وشخصيته وعقله … بحس لما بيتكلم أنه واثق من كلامه كلمة كلمة … ولو وعد تبقي متأكدة أنه هينفذ ، نفسي تبقى شخصيتي زيه كده أوي….
ابتسمت وداد وقالت :
_ على فكرة يا نعناعة عمك مصطفى الله يرحمه كان بيقول نفس الكلام ….. رغم أنه اكبر منه بس الدكتور وجيه من صغره وهو يعتبر الكبير … رغم أنه اصغر واحد في أخواته!
تساءل الصبي بلهفة الإجابة:
_ تفتكري يا عمتي ممكن أبقى زيه كده في يوم من الأيام ؟
اومأت وداد بتأكيد وأجابت :
_ تقدر ونص ، بس بشهادتك ونجاحك …. عمرك ما هتكون زيه وأنت من غير شهادات وتعليم…. وتقدر تبقى احسن كمان.
وأضاف الصبي أخيرًا بشيء أثار دهشته منذ وصوله لهنا :
_ بس اللي صدمني أنه اتجوز اتنين ! … طب ليه ….
قاطعته وداد بتحذير بألا يتابع وقالت :
_ شيء ما يخصناش … مالناش دعوة بيه، كل واحد حر في حياته يا بني … احنا لينا معاملته معانا وبس.
وافقها الصبي وقال :
_ صح يا عمتي عندك حق ….. أنا رايح أوضتي بقا أنام ، اصل يوسف هياخدنا بكرة أنا والبنات عشان هنقدم أوراقنا …. أنا في المدرسة وهما في الجامعة المفتوحة.
رفعت وداد يدها بالدعاء لهم جميعا … وهكذا كان أفضل ختام للمساء …
**********
وبعدما استراحت عائلة عاصم بالفيلا الخاصة بهم، وأخذ وائل بعض الأقراص التي تهدأ من حالته …
جلس الجميع بالصالون ينظرون للجالس بهدوء غريب ناقض حالته منذ مجيئه تمامًا …. يبدو غارقا بالتفكير وكأنه يحيك أحدى الخطط بحرص شديد من أي ثغرة تسقطه بفخ.
قال عاصم بغرابة :
_ يبقى شكي كان في محله … أنت مكنتش بتتألم وده كله فلم من تأليفك وأخراجك ! ….. طب ليه ؟!
انتشل وائل من أفكاره صوت أبيه الحاد الذي يشير له بالاتهام … فابتسم وائل وقال بخبث:
_ لأ … نص اللي حصل كان بجد ، بس النص التاني تأليفي فعلًا .
قالت الأم بعصبية :
_ يعني خضتنا وكسفتنا قدام الناس وضيعت الليلة وتقولي تأليفي ؟! …. أنت اتجننت !
نظر شقيقان وائل إليه في صمتٍ تام كعادتهما … فهما ليس لهما رأي أو قرار في أي شيء ، اللهم إلا أنواع الطعام الذي يأكلونها كل يوم يبدون بعض الرأي فيها … حتى أوضح وائل قائلا :
_ هما حطولي ملين في العصير فعلا ودي مش محتاجة تأكيد …. أنما حواري أنا ووجعي الأوفر ده تأليفي …. رعد مكنش هيخليني اقعد مع رضوى وقالي كده بنفسه … وده يأكدلي أنه عينه منها زي ما قولت قبل كده واستعجلتكم في الخطوبة عشان كده …. فعملت الحوار ده عشان لو طلبت مقابلة تانية اقعد معاها براحتي ….
قالت الأم باستخفاف وهي تتنقل بنظراتها من ولدها إلى وجه زوجها :
_ ومين قالك أنهم مش هيكرروا عملتهم السودة دي ؟! … ما يمكن المرة الجاية تبقى أزيد !
هز وائل رأسه بابتسامة خبيثة وقال :
_ لأ … عمي وجيه مش غبي عشان يسيبهم يعملوا حاجة تاني معايا ! … أنا لو مكنتش عملت كده مكنتش هقعد معاها وغالبًا الموضوع كان هينتهي بالرفض ….. أنما دلوقتي لو طلبت مقابلة تانية هيوافقوا بدون تردد وهيترحب بيا كمان، ك رد واعتذار عن اللي حصل .. وعشان ما يبانش أن اللي حصل ده مقصود.
ضيق عاصم عينيه على ابنه بنظرة اعجاب وقال مبتسما :
_ طول عمرك ذكي زي أبوك … بس طالع شرير لأمك .
وضحك عاصم وهو ينظر لزوجته التي مطت شفتيها باستهزاء من مزحته …. حتى أضاف وائل وهو ينهض :
_ يومين كده ونبقى نكلمهم نطلب مقابلة تانية …
صعد بعدها وائل لغرفته وتشارك أفراد العائلة بعض الأحاديث حول هذا الأمر ….

 

 

*********
وبأحدى الاحياء الراقية بالقاهرة …
كانت هناك من تشعر وكأنها تسكن بداخل قبو مظلم لا سبيل فيه للحرية أو التنفس والراحة …. رغم المساحة الشاسعة للشقة الفخمة ذات الأثاث الراقي والتي لا يوجد انشا فيها لا يدل إلا على الثراء ….
كل شيء حولها يخنقها ويسكب على قلبها الوحدة والظلمة أكثر … حتى رائحة الأثاث الجديد كانت وكأنها رائحة جيفة متعفنة لا تطيق الاستنشاق ولا قادرة على التنفس بجوارها …
ولكن أين ستذهب ؟!
وكيف ستخرج من هنا دون أن يجدها ويجرها جرا إلى هنا مجددًا ؟!
وقفت سمر أمام مرآة غرفة نومها المكسوة بالأثاث الفخم والتي انبهرت بها حين النظرة الأولى …. وبعد تلك النظرة تسلل الخراب والدمار لحياتها … منذ ذلك اليوم التي زفت فيه لرجل لا يحمل أي من صفات الرجولة … وها هي هنا …. بعد زفافها ما يقرب للشهر تقريبًا لا زالت عذراء …!
ورجل كاذب مخادع كان يعرف ما به من ضعف، ورغم هذا تابع في ارتباطه بها بضمير لا روح فيه !
لتكن هي وجهة اجتماعية ليس اكثر، وتحميه من الظنون والاشاعات الجاثمة على رأسه من كل صوبٍ وحدبٍ !
وكل هذا مقابل حياة يظنها مرفهة وبضع جنيهات !
نظرت سمر لأنعكاس وجهها الشاحب من كثرة البكاء وهي تتمنى لو تعود بالزمن بضع أيام فقط !
هي المخطئة في اختيارها … لم يجبرها مخلوق .
وكانت تطرد وجه أمجد الذي يطل أمامها كل لحظة بنظراته العاتبة المحبة … وبأعمق قلبها كم تمنت أن تركض اليه ليحميها من الجميع … ولكن !
أنها لن تقابل الغدر بالغدر … ليس لأجل زوجها الحقير هذا … بل لأجل أن لا تكره نفسها أكثر من ذلك .
وخرجت من شرودها على صوت باب الشقة يُفتح ثم يقفل …. وانقبض قلبها كأن شبح مرعب قد أتى …. ركضت لباب الغرفة واغلقته عليها مثلما فعلت بالأيام السابقة … حذرا منه ومن أهانته لها دون حتى سبب …. والذي أنتهى بالمرات السابقة لأن تلقت ضربا مبرحا وكادت تتأذى بشكل عنيف عندما انهال عليها بالصفعات بعدما أخبرته أنها ستذهب لأحدى أقربائها بزيارة سريعة …
اغلقت الباب جيدًا وحمدت ربها أنه تجاهلها وذهب لغرفةً أخرى …. وجلست سمر على الفراش باكية وهي تنتفض بذعر وخوفٍ شديد …. ولا تدري لأي وقتٍ ستظل هكذا ؟!
ووقف تفكيرها عند شخص واحد …. أكثر شخص سيستطع مساعدتها دون خوف من زوجها…
وقالت بأمل رغم دموعها :
_ دكتور وجيه … هو اللي هيقدر يساعدني ، بس أزاي هشرحله اللي أنا فيه من غير ما أعرفه أني لسه …. ؟!
واظلم الأمل بعقلها وشعرت بكأبة ووحدة مخيفة …. وتضرعت لرب العالمين أن ينجدها من هذا المجرم المسمى زوجها.
**********
ومرت ساعاتٍ طوال … حتى عند الهزيع الآخير من الليل أشتد رطب الهواء الذي حرك زجاج النوافذ قليلًا.
فتح وجيه عينيه ونظر جانبًا لزوجته جيهان النائمة بهدوء تام …. والذي يرها الآن لا يرها عندما دخل الغرفة منذ ساعات … كانت متوترة وبحالة قاسية من الضيق والعصبية …. وعندما سألها حالها لم تجيب …أو بالأصح لم تجد إجابة واضحة بنفسها … فيبدو أن حتى الهواء الذي تتنفسه يخنقها !
وبصعوبة حتى جعلها تبتسم وسرق منها ولو بعض توترها ووهبها شيء من الأمان واللطف وحسن العشرة…
ولكن سرا يعترف أن قلبه غائبًا …. ليس هنا !
ولكنه لن يستطيع حتى أن يشير لها بذلك … لن يتحمل نظرات الاتهام بعينيها … تنهد وجيه بعمق ثم اعتدل ببطء شديد حتى لا تشعر جيهان ولا تحس به … وسحب هاتفه كاتبًا رسالة سريعة لليلى ….
كان على يقين أنها تتململ الآن وربما بكت كثيرًا …. بل متأكدًا من ذلك … ولن يصبر حتى الصباح ليتحدث معها.
ابتسم باشتياق وهو يكتب الكلمات على لوحة مفاتيح الهاتف …
” مش هقولك غير كلمة واحدة … وحشتيني “

 

وكان ظنه في محله …
بعد نوبة بكاء مدمرة وليلّ عاتٍ مظلم من الألم …وتململ بالفراش وكأن به شوك كحد السيوف خرجت ليلى للشرفة علها تستطيع طرد هذا الأختناق من صدرها…. كانت ستذهب لصغيرتها ولكن قلقت أن تزعجها بهذه الحالة المشتتة المُلمة بها، فتركتها مع حميدة بالغرفة.
نظرت للفراغ المظلم أمامها وتمتمت باكية :
_ حتى لما بقينا لبعض في حاجة بتفرقنا ؟! …. هو أنا مكتوب عليا الوجع حتى في فرحتي !
ولحظة وانتبهت لصوت الهاتف يُعلن بنغمة الرسائل قدوم رسالة نصية جديدة…. ومثل كثير من الرسائل الروتينية التي تصل من شركة الاتصالات ظنت ليلى ذلك فتجاهلتها ..
أما وجيه كان يتلهف لأي رد منها برسالة ولو قصيرة…. على رغم صعوبة التواصل بالرسائل في هذا الوقت الساكن من الليل بدون أن تشعر به جيهان ، ولكن كان يريد أن يتحدث معها ولو بالكلمات المقروءة …..
لا سبيل أن يتعجب من نفسه لهذا الشعور الجامح بالحب … شعور يشبه تهور المراهقين … والعواصف العالية للحب الناضج !
تلك هي التي حلم بها بكل ليلة في عشر سنوات مضت !
فكيف لا يعشقها هكذا ؟!
كانت كالمعجزة التي تحققت في عسر اليأس والوحدة …. وكالنبضة الحية التي وضعت الحياة بقلب كاد أن يتوقف عن الخفق.
كانت كعناق طويل محمل بالعودة بعد هجر سنوات.
كان بها جزءّ لم يتعرف عليه إلا بعد زواجه منها … جزء رقتها الحقيقية … لهمس كلماتها المحبة.
حتى في صمت الكلمات تستخدم عينيها في الحديث…!
وحتى حرية عينيها في اعلان الاشتياق واللهفة والقرب لها طابع خاص!…. ودفئها وأنوثتها الساحرة التي تشبه الكلمات المتقاطعة … لم يستطع فك أسرارها رغم كثر محاولاته!
هذا الجزء أغرقه في محيط حبها أكثر وأكثر … هذه المرأة لا تأتي بحياة رجل مرتين ! … وعندما تأتي تخطف صفحات قلبه لها وحدها … لا سبيل لأخرى ولا مكانً حتى !
وعادت ليلى لفراشها وهي تعرف أنها لن تغفو … ولكنها لم تنظر للهاتف ولم تفكر بأي شيء سواه هو ….
********
ومرت ساعاتٍ طوال حتى ظهر الصباح سابقا قرص الشمس الباهتة أشعته …. واقتحمت الغيوم سماء هذا الصباح ….
وتحت سقيفة المنزل الكبير تجمع الشباب كعادتهم حول مائدة الطعام بانتظار الافطار …. واليوم كان موعد ذهابهم للعمل بعد اجازة سريعة …. قال الجد لهم بتحذير :
_ مش عايز بقا لماضة وطولة لسان بعد كده …. خليهم يغيروا الفكرة المهببة اللي واخدينها عنكم بقا !
قال جاسر بجدية غير معتاد عليها :
_ عندك حق يا جدي … لازم نتغير بقا عشان كل واحد فينا يستقر ويشوف حياته.
نظر له آسر بغرابة وقال :
_ أنت هتتغير ؟! …. ما اصدقش !
قال جاسر بتأكيد بعدما ارتشف من كوب الحليب الدافئ:
_ لأ صدق … أنا عندي ٣١ سنة … هستنى إيه تاني عشان اقرر استقر يعني ؟! ….. وبعدين احنا حياتنا جافة أوي كلها مذاكرة ومستشفيات ومرضى …. عايزين حاجة طرية بقا تحلي الأيام .
ضحك الشباب عليه بينما هز الجد رأسه بيأس وقال :
_ مافيش فايدة فيك ….
همس جاسر لجده بابتسامة خبيثة وقال :
_ يا جدي ما هو أنا مش طالع لحد غريب …. أنا نسختك ماتنكرش … بذمتك مش بتشوف فيا شبابك وشقاوتك يا رشدي أباظة أنت .

 

ضحك الجد بقوة من مزحة جاسر ونظراته الخبيثة … حتى رتب الفتيات الاربعة أطباق الطعام على المائدة … وتجاهلن الشباب تمامًا … والغريب أن الشباب فعلوا ذلك أيضا باستثناء يوسف … الذي قال لهن :
_ تسلم ايديكم يا بنات عمي …. والله أنا ما بقيت احب اكل إلا من ايديكم … اكلكم عسل زيكم.
قالت رضوى بابتسامة صادقة له :
_ بالهنا والشفا يا يوسف … حميدة هتعمل النهاردة فطير ليك مخصوص ..
احمر وجنتي حميدة ونظرت لرضوى بغيظ من إفشاء الأمر هكذا …. فقال جاسر بضحكة خافته :
_ عقبالي أنا كمان والاقي االي يهتم بيا حتى لو اهتمامه صغيرة.
تجاهلت ما قاله جميلة …. حتى وجهت اسألتها ليوسف قائلة :
_ أنت هتروح الشغل النهاردة يا يوسف ولا هتيجي معانا ؟
رفع رعد رأسه وقال باهتمام واضح وهو ينظر لرضوى :
_ معانا ؟! …. انتوا رايحين فين ؟!
أجاب يوسف عندما اطبق الصمت على الجميع وتجاهلن الفتيات الإجابة بقصد ….وقال:
_ رايحين يقدموا ورقهم في الجامعة المفتوحة … أنا تابعت الموضوع الأيام اللي فاتت لحد ما باب التقديم اتفتح.
فهم رعد الأمر وصمت بعد ذلك ….. وبعد دقائق كان وجيه يهبط الدرجات مع زوجته جيهان التي بدت مبتسمة للجميع بهذا الصباح ….
همس وجيه لجيهان بعدما جلست :
_ هروح اشوف ليلى …. شكلها لسه ما صحيتش.
وعندما كادت جيهان أن تتحدث بغيظ تذكرت أنه فعل معها نفس الموقف بيوم صباحيته أيضا ! …. فصمتت وكظمت غيظها .
*********
وفي الحقيقة أنه انتظر الدقائق تمضي حتى طل الصباح أخيرًا …. وارتقى الدرج بسرعة ورشاقة ملحوظة حتى الطابق الثالث.
وعندما فتح الباب وجد ليلى تجفف وجهها وشعرها بالمنشفة ورائحة الصابون المعطر تفوح منها …. ابتسم بإشراقة وهو يغلق الباب وانتبهت له ليلى بارتباك …
ما كانت تحب أن يرها إلا بعدما تنتهي من استعدادها للنزول …. ريثما أن جيهان كعادتها ستبدو متألقة.
وقف ينظر لها بتأمل مبتسما …. حتى القت المنشفة بعصبية وقالت :
_ كنت نازلة .
كادت أن تبتعد حتى جذبها إليه وقال هامسا :
_ استنيت رد الرسالة … بس تقريبًا كنت نايمة .
رفعت ليلى عينيها له بتعجب وتساءلت :
_ رسالة إيه ؟!
اتضح لوجيه عدم معرفتها بالرسالة … فتوجه للفراش وأخذ هاتفها من عليه، ثم فتحها فتأكد أنها لم تفتح الرسالة ويبدو أنها لم تراها من الاساس.
فأشار لها بالهاتف قائلا :
_ أفتحي الرسالة كده .
تبدل عبوس ليلى قليلا ولكنها اجلت ابتسامتها لحين تأكيد ظنها …. وعندما قرأت الرسالة ابتسمت ببطء وكأن قلبها يشرق من جديد …. فأكد وجيه وقال :
_ اتأكدي من وقتها كده وشوفي بعتهالك أمتى ؟
نظرت ليلى بتدقيق في الوقت ، وتذكرت رنين هاتفها ليلا وتجاهلته ! …. ولكن رغم ذلك رفعت رأسها له بابتسامة شقت تعابيرها المنفعلة ودحضتها …. فقال هامسا لها من جديد :
_ مش قلبي بس اللي كان معاكي … عقلي كمان !
لم يزيد من محبته رمقة أخرى وقد ارتمت على صدره بضمة قوية وقالت :
_ أنا اسفة يا وجيه … أنا عارفة أنك مش عايز تظلمها ولا أنا والله عايزاك تظلمها أو تزعلها، بس غصب عني بموت لما بحس أنك مع غيري … أنا ما نمتش طول الليل ومش عارفة هستمر كده أزاي؟!
مرر يده بحنان على شعرها وهمس :
_ عايزك كل اللي تفكري فيه وتتأكدي منه أني بحبك فوق ما تتخيلي … أنا معرفتش أنام غير لما بعتلك رسالة عشان عارفك وعارف أنك مش هتبطلي عياط …. ده مش كفاية ؟
ابتعدت عنه قليلا وقالت بمحبة فائقة :
_ عمري ما كنت اتخيل أوافق بالوضع ده … بس بعد كل اللي شوفناه السنين اللي فاتت من عمرنا مقدرتش أبعد تاني … بتعذب ايوة … بس كنت هتعذب اكتر بكتير لو بعدت عنك تاني …. أنت كلمة السر لسعادتي وراحتي.
رتب وجيه خصلات شعرها المبعثرة على جبينها بابتسامة وقال :
_ وأنا مش عايز اشوف عينيكي فيها الم ووجع تاني … أنا لو فين …بكون معاكي أنتي وبس.
ابتسمت بسعادة حقيقية ورضا ثم قالت :
_ طب هغير هدومي عشان ننزل ….
وتركها وجيه تستعد مع نظراته التي لم تبتعد عنها لحظة واحدة …. نظرات عاشق مجنون بحب امرأة.

 

 

*********
عند الساعة السابعة تماما استيقظت فرحة بقصد ثقيل جدًا …. اعتدلت بفراشها وتعجبت من مدى ثقل جسدها وارتفاع درجة حراراتها بعض الشيء …..
نهضت بصعوبة وشعرت بارتخاء أطرافها بقوة كأنها مصابة بنوبة برد شديدة ….
وعندما اغتسلت وأخذت حمام دافئ لم تتحسن حالتها كثيرًا …. قالت وهي تستعد وترتدي ملابسها للذهاب للعمل :
_ شكلي داخلة على نوبة برد شديدة … ربنا يستر والله ما فايقالها ولا فاضية ليها !
وعندما ابتلعت قضمة صغيرة من خبز محشو بمربى التين شعرت بألم حاد بمعدتها واسرعت للمرحاض حتى تقيأت وافرغت كل ما اكلته بالأمس.
وارتجف جسدها بإعياء ومرض واضح …. غسلت وجهها سريعا ورغم حالة المرض التي بدأت تشعر بها بالفعل ولكن صممت على الذهاب للعمل …. فإذا سجلت غياب اليوم أيضا سيفكر الطبيب فعليًا بطردها من العمل .
وتحاملت على نفسها وذهبت للعمل، وقد بدت عينيها حمراء من ارتفاع درجة حراراتها …
********
نزلت ليلى مع وجيه على وجيهما ابتسامة متشاركة … فتجاهلت ذلك جيهان تمامًا … ولكنها تشتعل وتحترق دون أن يشعر بها احدًا ….
وعندما جلس وجيه وانبه ليلى وبدأ الجميع يتناولون طعامهم … أتى الصبي نعناعة بخجل وجلس بجانب الفتيات … فنظر له وجيه بابتسامة :
_ ده بيتك ، يعني مالوش داعي الكسوف ده !
ابتسم له الصبي وقال له بألفة :
_ شكرًا يا عمي يا وجيه …
قال وجيه بعدما ارتشف من كوب العصير الطازج :
_ على فكرة … هتابع دراستك بنفسي ، واسأل الدكاترة عني …في الجد مابهزرش …
فرح الصبي بغبطة وقال بعدم تصديق :
_ بجد يا عمي هتذاكرلي ! … ده انا كده هذاكر جامد بقا.
ابتسم له وجيه بمحبة صادقة وقال :
_ مش هذاكرلك بالضبط يعني … بس هتابعك من وقت للتاني ، وكلنا هنا لو احتجت أي شيء .
شعر الصبي بحماس شديد وفرحة حقيقية لهذا الدعم والمحبة من الجميع …. وللحظة أراد لو يركض ويمزق الكتب مذاكرة وتطبيق …
وقبل انتهاء وجبة الطعام أتى لجيهان اتصال من رقم غريب ، فنظر لها وجيه متسائلا :
_ مين يا جيهان ؟!
نظرت جيهان للهاتف باستفهام وقالت :
_ رقم غريب …. بعد اذنكم هروح أشوف مين ، اكيد واحدة من صحباتي غيرت رقمها.
وتركها وجيه تذهب مع بعض التعجب ….
وبعدما ابتعدت جيهان اجابت على الاتصال الغامض … حتى أتاها صوتٍ تألفه … وقالت سمر بصوتٍ يبدو باكي:
_ مدام جيهان معايا ؟!
اجابت جيهان بقلق :
_ ايوة أنا …مين معايا ؟!
اوضحت سمر هويتها وقالت :
_ أنا سمر الممرضة اللي كنت ممرضة والد دكتور وجيه …
قاطعتها جيهان بابتسامة وقالت بعدما عرفت من هي :
_ ايوة يا سمر عرفتك …. حمد الله على سلامتك والف مبروك … أنا عرفت انك في شهر العسل.
تألمت سمر وابتلعت مرارة بحلقها ثم قالت بدموع :
_ عايزة اتكلم مع حضرتك … أنا ماليش حد اتكلم معاه ويلحقني … فكرت اتصل بدكتور وجيه بس تراجعت … اللي هتكلم فيه ماينفعش حد يعرفه ….. معرفش أزاي لقيتك في بالي وخدت رقمك من زميلة ليا واتصلت بيكي من غير ما افكر … يارب ما اكونش ازعجتك بس.
ردت جيهان سريعا واجابت بصدق :
_ لا طبعا مافيش أي ازعاج يا سمر … أنا عارفة أنك بتعتبري وجيه أخوكي الكبير… بس ممكن تعتبريني أنا كمان أختك الكبيرة ؟

 

 

قالت سمر ببكاء :
_ ياريتك كنتي أختي بجد … أنا اكتر مرة حسيت فيها باليتم النهاردة … عايزة اتكلم مع حضرتك وياريت النهاردة .. ارجوكي.
قالت جيهان بقلق عليها :
_ طبعا …. قوليلي نتقابل فين واجيلك .
أخبرتها سمر عنوان جحيمها … عنوان شقة زوجها …
وقالت :
_ هو قافل الباب عليا بعد ما ضربني …. ومش بيجي غير بليل متأخر واكتر الأيام بيطبق في الشغل … يعني مش هيجي بالنهار.
تساءلت جيهان بقلق ودهشة :
_ طب لما اجيلك هتفتحيلي أزاي ؟!
مسحت سمر دموعها وقالت :
_ معايا نسخة تانية مخبياها … وهفهمك كل حاجة لما أشوفك… هستناكي.
تعجبت جيهان من الأمر ولكنها وافقت بالنهاية … فتلك الفتاة وجيه يعتبرها شقيقته الصغرى … ونظرا لأنها اتصلت بها بدلًا منه فالأمر يبدو شخصي جدًا …
عادت جيهان للمائدة وتفاجئت بأن وجيه غادر للعمل … ويبدو أن ليلى ذهبت معه لرؤية أبيها …. فقالت للجد بأستأذن :
_ بعد أذنك يا بابا في واحدة صاحبتي اتصلت بيا وعايزاني ضروري .
هز الجد رشدي رأسه بموافقة وقال :
_ روحي يابنتي … وخلي السواق يوصلك.
قالت جيهان سريعا :
_ لأ بحب اسوق عربيتي بنفسي…. بعد أذن حضرتك.
نهض الشباب من أماكنهم وقال يوسف للجد :
_ ساعة زمن وهرجع يا جدي .. هروح المستشفى وراجع على طول عشان اروح مع البنات للتقديم.
وافق الجد أيضا وغادر الشباب ليوم عمل جديد خلف عمهم وجيه …..
**********
وبمكتب د.أمجد ….
جلس حائرًا خلف مكتبه …. نادمًا على قراره المتسرع بخطوبته من فرحة …. أصبح يتهرب منها كلما لمحها ولو من بعيد …. يبتعد وكأن لدغه عقرب …
وتأكد أن مع وجود سمر حوله لن يستطيع نسيانها مهما حاول …. وسيظلم أي فتاة أخرى يفكر أن يدخل معها في ارتباط رسمي ….
وقراره الأكيد الآن هو اعتذاره لفرحة عن هذا الطلب حتى لا يتركها معلقة هكذا وهي لا تفهم موقفه بوضوح….
نهض من مقعده وقرر الذهاب لمقر عملها ….
وبعد دقائق كان أمام مكتبها الفارغ … انتظرها لدقائق أخرى حتى لمحها تأتي من الممر إليه… ولكن خطواتها بطيئة وغير متزنة تشبه السكارى !
ضيق عينيه عليها تعجبا وذهب إليها …حتى قال دون حتى مقدمات :
_ عايز اتكلم معاكي في موضوع مهم.
وكان تصميمه هذا استغلال لحماسه في إنهاء علاقته بها …. وكانت تقريبًا لا ترى شيء أمامها وتسمع الأصوات من بعيد …. فقالت ببطء :
_ موضوع إيه ؟!
رد أمجد سريعا وكأنه سينسى تلك الكلمات وقال :
_ الموضوع اللي اتكلمت معاكي فيه … خطوبتنا ، أنا بعتذرلك يا آنسة فرحة … مش عارف أقولك إيه بس مش هينفع ارتبط بيكي وأنا بحب واحدة تانية ….. أنا بعتذرلك وعايزك تسامحيني و….
وهنا سقطت فرحة مغشيًا عليها … وكلماته لم تصلها من الأساس …. ونظر لها أمجد للحظات محدقا عينيه بصدمة …
********
وقفت سيارة جيهان أمام مبنى راقي … وبعدما خرجت من السيارة وسألت البواب سريعا، أخبرها بما تريده وصعدت سريعا لشقة الطابق السادس.
وعندما وقفت أمام الشقة رقم ١٢ المدون عليها اسم زوج سمر الطبيب … ضغطت على جرس الباب ببعض القلق … وبعد لحظات فتحت لها سمر بوجه يملأه الكدمات الزرقاء وأثار الدموع الواضحة … وارتمت سمر على صدر جيهان ببكاء مرير ….
ربتت عليها جيهان بعطف وقالت :
_ طب أهدي الأول وبطلي عياط …
هدأت سمر قليلًا وبعدما دخلا للشقة واغلقت الباب جيدًا ، ثم جلسا بردهة واسعة …قالت سمر بحزن شديد:
_ أنا أسفة بس والله العظيم ما ليا حد غيركوا بعد ربنا …
ربتت جيهان على يدها برقة وقالت :
_ ولا يهمك … قوليلي إيه اللي مزعلك وليه مضروبة كده ؟!
بدأت سمر تقول كل شيء …. وترمي عن كالها هذا الألم ، كانت تتحدث ببكاء وقهر عما وصلت إليه … واستمعت جيهان بصدمة لما تقوله سمر ….. كانت تظن أنه مجرد شجار بين زوجين جدد مثلما يحدث احياناً….. ولكن ما قالته سمر جعلها تتجمد بصدمة للحظات …. واشفقت على ضعف الفتاة الذي يستقوى عليها مخلوق من أشباه الرجال ..
وختمت سمر قولها قائلة بألم :
_ ضربني الصبح بالشكل اللي أنتي شيفاه ده عشان صممت اروح الشغل ! … خايف لأكشف سره … ورافض يطلقني وخايف افضحه بعد الطلاق ! طب قوليلي اتخلص منه أزاي ؟! … أنا معايا المفتاح ومقدرتش أهرب ! … اترعبت منه ، ده لو لقاني ممكن يموتني !
ودخلت سمر في نوبة عاصفة من البكاء … بينما ما شعرت به جيهان هو اعصار من الغضب وهتفت :
_ تعالي معايا دلوقتي … لو هتضحي بحياتك مع حقير زي ده عشان خايفة من كلام الناس هتفضلي كده على طول …
هزت سمر رأسها برفض ورعب وقالت :
_ مش معقول اعرضك للمشاكل وللخطر انتي ما تعرفيهوش ! …. أنا عايزة اتطلق من غير مشاكل ، مش عايزة أفضحه ولا اتسبب له في أذى كفاية اللي هو فيه …. أنا مش عايزة شيء غير أنه يطلقني.
نهضت جيهان وهتفت بها بقوة :
_ قومي يا سمر ولمي هدومك وتعالي معايا … مين ده اللي أخاف منه أنتي اظاهر ماتعرفنيش! …. أنا عندي اللي ما يخليهوش يطلع من بيته اصلا وهو عارف كده وعارف مين هي جيهان الشيمي…. قومي وأنا هعملك اللي أنتي عايزاه بس مش هسيبك هنا وتتعرضي للضرب بالشكل ده تاني.
احتارت سمر فاكدت جيهان لها :
_ هتيجي معايا وهوديكي للفيلا بتاعت والدي الله يرحمه … هناك في حراسة محدش يقدر يقربلك …. سواء اتطلقتي دلوقتي أو استنيتي شوية عشان كلام الناس هتكوني بعيد وفي أمان … وأنا هتصرف معاه … متخافيش… بس لازم كشف طبي يثبت كلامك ..وكشف طبي عليه هو كمان… وساعتها هيطلقك غصب عنه وإلا هيتفضح

يتبع…

تعليق واحد

اترك رد

error: Content is protected !!