روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و الأربعون 47 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السابع و الأربعون 47 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السابع و الأربعون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السابع و الأربعون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السابعة و الأربعون

~… موافقة مع وقف التنفيذ…~
صوب الجميع أنظارهم فجأة اتجاه يوسف الذي بدوره اضيقت عينيه بنظرة سريعة على ياقة قميصه الذي ولسوء حظه كان لونه فاتح على غير العادة بهذا الطقس البارد..!
وعلى رغم أن ليزا لم تقصد بالفعل طبع هذا الاثر المثير للشك على ملابسه .. ولكن عندما انتهبت له منذ قليل لم تثير انتباهه بل حمدت تلك الصدفة التي أتت لها على طبق من ذهب دون مجهود !
هز يوسف رأسه برفض وكأنه وصم بوصمة عار ستلازمه صداها طويلا ، ثم نظر لليزا بنظرة ملتهبة وغاضبة يريد منها دفاع عنه وعنها أيضا !…. ولكن هيهات !
فقط رسمت الدهشة على وجهها ببراعة تُحسد عليها، واطبقت شفتيها على بعضهما بحرج وكأن الصدمة جمدتها حقاً!
وهرعت نظرته بعدها اتجاه حميدة …. التي سقطت دمعة من عينيها بنظرة قاتلة من العتاب والاحتقار … والصمت أيضاً!
فشعر بصمتها خطرًا أكثر من أي شعور آخر يلتمع بعينيها وهتف مدافعا بشراسة :
_ أنا ما عملتش حاجة ! …. أقسم بالله ما عملت حاجة !
فأوضحت ليزا وليتها ما فعلت :
_ أظن هذا أثر فمي عندما كنت أعانقك منذ قليل ! …. لا بأس تستطيع تبديل ملابسك سريعا وسأنظف هذا القميص بنفسي … لا تقلق .
عقد الجد حاجبيه بتقطيبة حادة ونظرات اتهامية عنيفة ليوسف …. فانتفضت حميدة واقفة قائلة بصوتٍ على شفير البكاء :
_ بعد أذنكوا … هفطر بعد شوية .
وتحركت خطوتين عن مقعدها حتى نهض شقائقها الفتيات خلفها دون كلمة …. فوقف يوسف قائلا بعصبية شديدة دون مواربة :
_ مش عايزك تظلميني يا حميدة …. اقسم بالله انا بريء من اللي في بالك … طب أزاي ده هيحصل وهي المفروض أصلا أنها أختي في الرضاعة ! …. هي بتتصرف كده بس أنا ماليش ذنب في طريقة تفكيرها …. أنا بحبك وبحترمك في وجودك وفي غيابك.
نظر له الجد بنظرة متسعة حادة انتبه لها يوسف سريعا وقال مؤكدًا للجميع وبجرأة :
_ ايوة يا جدي أنا مش هخبي تاني … وأنت عارف أني بحبها وطلبتها منك بدل المرة كتير ! … ولو حتى أنا خاين فمستحيل ابص لليزا بالذات ! ..
انتفض جسد حميدة وهي تقف موالية ظهرها له وشقيقاتها الثلاث يحاوطنها كأوراق الزهرة المحاطة بأمان……
نهضت ليزا بنظرة منفعلة ليوسف وتلفظت بعدة كلمات انجليزية بعصبية ، فهتف بها يوسف بنفاد صبر وقال :
_ دلوقتي بتتكلمي بغير العربي ! …. طالما وصلت لكده ومافيش فايدة فيكي يبقى لو هختار حد يبقى موجود هنا .. تبقى حميدة .
صدمت ليزا صدمة حقيقية لا زيف فيها وقالت بدموع :
_ جوزيف !
هز يوسف رأسه دلالاة اليأس منها ومن أفعالها السخيفة وقال :
_ لآخر وقت كنت بعاملك زي أختي ونيتي سليمة معاكي …. بس كفاية كده يا ليزا …. استحملتك كتير وفهمتك أكتر … وطالما مش شيفاني أخ يبقى لازم تعرفي أني مش شايفك ولا هشوفك أكتر من أخت ! ….

 

 

قال الجد مقاطعا بحزم :
_ روحي أوضتك يا ليزا دلوقتي … بعد أذنك.
ركضت ليزا كالأطفال وهي تنتحب وتبكي وتتمتم بالكلمات الغير مفهومة …. تحرك يوسف حتى وقوف حميدة التي لم ينكشف رد فعلها له بعدما قال …. حتى وقف أمامها بنظرة ضيقة من العتاب واللوم والرجاء أن تصدقه …. فقال :
_ لو مصدقتنيش دلوقتي هتثبتيلي أنك عمرك ما حسيتي بيا …أنا عملت عشان اكسبك حاجات كتير ومستعد اعمل أكتر … بس وأنتي واثقة فيا …. وهطلبك من عمي وجيه النهاردة تاني… ولو رفضتي يبقى أنتي اللي قررتي النهاية يا حميدة …. أنا مش هحارب لأرض مش ملكي !
كانت نظرتها ثابته بعيدًا عن عينيه… وبعدما اتمم حديثه بنظرات صامتة تطلعت بعينيه بنظرة لم يفهمها ….. لم يفهم أن كانت اقتنعت أم لا زالت على غضبها !
التمعت عين الجد بابتسامة … بينما نظر الفتيات لحميدة بنظرات بها بريق البهجة … وعلى مائدة الطعام رفع جاسر يده واسندها خلف رأسه بابتسامة واسعة صامته فهمس له رعد بمكر :
_ يوسف علم علينا كلنا وطلع الصايع اللي فينا بجد! … ده أنا نفسي حبيته !
رد جاسر بابتسامته التي يتلاعب بها المكر وقال هامسا :
_ المشكلة دلوقتي مش فيه هو … هو خرج نفسه زي الشعرة العجينة بكلمتين … المشكلة في اللي المفروض احنا نعمله دلوقتي ويكون مستوى وإداء أعلى من كده بالنسبة للي هببناه! …. اجيب ثبات عاطفي للموقف ده منين؟! … حاسس اننا محتاجين نتهزأ !
وافقه رعد باقتناع تام :
_ أنا برضو حاسس كده! ….
نهض آسر من مقعده ووقف بجانب يوسف وقال مؤكدا :
_ يوسف مش بتاع الكلام ده يا حميدة ! …. وهو فعلا من زمان بيحاول يفير تصرفات ليزا بس كل مرة بتبقى اسوأ من اللي قبلها ! …. وبعدين دي ماينفعش يبصلها حتى بصة مش تمام ! …. ليزا أخته في الرضاعة يعني المفروض أن ده يبقى واضح مايحتاجش تفسير كده !
هتفت سما بغيظ له :
_ أنت جاي تعكها تاني ولا إيه ؟! … ما صدقنا البت بطلت عياط !
وبعدين بصراحة يعني ما اتعودناش على التصرفات دي أحنا ! … فطبيعي تبقى غريبة عننا مهما كان فيه سبب ليها ! … وبعدين اخته أزاي وشفايفها طابعة لون على قميصه كده؟!
زم آسر شفتيه بنظرة غيظ صوبها وهتف :
_ مين اللي بيعك دلوقتي ! …. أنا ولا أنتي ؟!
تجاهل يوسف ما قالته سما رغم غيظه منها وقال لحميدة بقوة :
_ أنا وضحتلك كل حاجة …. وردك على طلبي هو اللي هيبقى الإجابة …. أنا مش عايز كلمة حلوة منك غير بالحلال لأنك ماتستحقيش غيره يا حميدة ..
همس جاسر بضحكة خافته لرعد :
_ اكتب يابني الكلمتين اللي في الآخر دول عندك … هنحتاجهم بعدين….. كلام من الأعماق كده !
كانت ليلى بعيدة جدًا عن ما يحدث … فقد شردت تمامًا في ما فعله وجيه اخيرا … واستطاع موقف بسيط أن ينتزعها من كل شيء حولها مهما كان بالأجواء توتر وحدة….. ولكن أنتشلها صوت صغيرتها وهي تأتي مع مدبرة المنزل العجوز بعدما استيقظت من النوم بغرفة حميدة …
وهتفت بلهفة وهي تمد ذراعيها للفراغ … وكانت على يقين أنها ستجد من تريد بانتظار يدها الممدودة وقالت بابتسامة بريئة :
_ يوسفي … يوسفي ..
استدار يوسف للصوت … حتى ابتسم بمحبة صادقة وهو يرها تتلهف لذراعيه ، فتوجه لها سريعا وحملها بخفة همسا لها بتحية الصباح …. فاتسعت ابتسامتها لا إراديًا .
فاقتربت ليلى لأبنتها وقالت بعتاب :
_ مافيش صباح الخير يا مامي ؟!
شهقت الصغيرة ووضعت يدها على فمها بدهشة …… ثم مالت بجسدها للأمام بلافته أن تأخذها أمها وكأنها بذلك تعتذر ..
أخذتها ليلى بضمة يملأها الحنان …. ثم جلست بمقعدها والتزمت الصمت تمامًا وعدم التدخل فيما يحدث …. فيبدو أن ما يحدث يُعد أمور خاصة لا يجب التدخل فيها، ريثما أنها فردا جديدًا بالعائلة ولا تحب أن يؤخذ عنها انطباع سيًئ بالحشرية.
كان آخر شيء قاله يوسف لحميدة قبل أن يغادر وكأنه بتلك النظرات يؤكد حديثه :
_ هستنى ردك يا حميدة …. ولو مكنتيش واثقة فيا ، أنا واثق فيكي.
وأرفق حديثه بابتسامة خاصها بها وحدها … فازدردت حميدة ريقها وحاولت أن تخفي ما شعرت به فتحلت بالجمود والثبات ….. ثم غادر يوسف من أمامها وبعدها أخذت أنفاسها بإرياحية وقالت لأشقائها :
_ هروح اقعد مع أمي شوية …
تركت الجميع وانطلقت نحو السلم اتجاه غرفة أمها مباشرةً…
قال الجد للفتيات الذي راقبوا حميدة وهي تصعد راكضة بابتسامة صادقة لما فعله يوسف من أجلها وأمام الجميع :
_ تعالوا يا بنات كملوا فطاركوا ….
رمى آسر نظرة عابسة نحو سما فتجاهلته الأخيرة تمامًا ….. تجاهل ليس عمدًا بل ببقعة مظلمة تنتظر شمس الشروق ..

 

******
خرجت جيهان من حمام الغرفة وهي ترتدي روبها الثقيل وشعرها مبلل بالماء …. ويبدو أن وجيه انتظرها حتى انتهت من الاستحمام الصباحي المنعش … تفاجئت جيهان عندما رأته جالسا على مقعد بقرب الشرفة وابتسم لها عندما وقعت عينيه عليها … وقال :
_ صباح الخير يا چي چي …
رفعت حاجبيها لهذا الدلال الذي نادرا جدًا ما كان يستخدمه … ولكن يبدو أن مزاجه جيد بدرجة مرتفعة هذا الصباح … فأخذت تجفف شعرها بالمنشفة وهي تعرف سبب ما خلف تلك السعادة الملتمعة بعينيه وقالت بجفاء :
_ صباح الخير.
تقدم منها ونظراته تختبر جمودها هذا وقال :
_ عرفت أنك روحتي لريميه أكتر من مرة … وكنت عارف أنك …
قاطعته جيهان بتأفف والتفتت له قائلة بحدة بعدما القت المنشفة لى الفراش بعصبية :
_ غلطت وبصلح غلطتي عادي يعني … مش عيب أننا ندرك غلطنا ! …. يمكن معرفتش اتكلم مع البنت بس حاولت على الأقل ….
وضع وجيه يديه على مرتفع كتفها وقال بلطف وبنظرة داعمة :
_ وأنا نسيت زعلي منك … وجيت عشان تنزلي معايا نفطر كلنا سوا … حضري نفسك بسرعة وتعالي معايا .
لم تصدق جيهان مدى الود والألفة الذي يتحدث بها ! …. لأول مرة تره يتحدث معها بتلك الرقة ! …. حتى أن ابتسامته كانت حقيقية ليست مصطنعة للمجاملة …. ترددت ابتسامة على شفتيها وقالت :
_ طب دقيقتين وأخلص … هتستناني ولا هتنزل ؟
هز رأسه بجدية وقال :
_ لأ هستناكي طبعا … طالما دقيقتين !
وابتسم ابتسامة واسعة جعلتها ترد عليه بمثلها وركضت ترتدي أجمل ما في خزانتها …. وعلى رغم أنه لم ينافق في لطفه معها … ولكن الحقيقة أن سعادته هذه خلفها ليلى فقط…. ولم تفي جيهان بعهدها وتأخرت اكثر بكثير مما قالت … ولكنه لم يتأفف وانتظرها حتى انتهت .
وانتهت جيهان أخيرا من ارتداء فستان طويل ولكنه يجسم تفاصيلها بعض الشيء …. ويبدو أنها لم ترتديه عبسا !
واطلقت خصلات شعرها الذهبية على كتفيها كالموجات المتلألأة … كأنها أحد خيوط الشمش بإشراقتها هذه المدهشة … وبدت كأنها ذاهبة لمناسبة وليس لفطور صباحي عائلي !
وتأبطت يده وهي تسير برفقته في الرواق وعلى شفتيها ابتسامة صافية، وتهمس بكلمات عشوائية من هنا وهناك… وشعر وجيه ببعض الغرابة من تصرفها … ولكنها تبدو متعمدة بكل هذه النظرات الشاعرية التي ترمقه بها … وبدأ يشعر بخيوط الكيد تلتف حوله ..
******
وعلى مائدة الأفطار خيم الصمت على الجميع بانتظار وجيه وجيهان …. وكان لهب مستعر يأكل قلب ليلى بكل لحظة وشيطانها يوسوس لها بأشياءً كانت توقد بقلبها الجمر … وأن استمرت تفكر هكذا سيقودها الأمر لأن تصعد وتذهب لغرفة جيهان بنفسها وتجرها غضبا..
حتى قالت سما بتمتمة :
_ عمي وجيه نزل .
فالتفتت ليلى سريعا نحو السلم لترى ما يؤكد كل ظنونها … فضاقت نظراتها عليه بعينيها التي تبرقان من الغضب الصامت … وتمادت جيهان في دلالها وهي متمسكة بذراع وجيه وتهمس له ضاحكة بنعومة وتعمد…. مظهرها وكأنها هي العروس ! … أو قصدت أن تبدو كذلك!
ابتلعت ليلى غصة حارقة بحلقها وابعدت عينيها عنهما … بينما وجيه عبس وجهه ولم يغفل عن نظرتها هذه …. وكتم تنهيدة ضائقة ..
القت جيهان بضحكة مستفزة تحية الصباح على الجميع ، ثم جلست بجانب الفتيات الثلاث وتحديدا بمقعد حميدة الفارغ وتركت المقعد الفارغ الذي يقرب لمقعد وجيه لليلى وقالت وهي تبتسم لها بخبث :
_ أنتي العروسة يا ليلى اقعدي جانبه النهاردة …
اجفل وجيه للحظة من مدى خبث جيهان والشك التي تلقيه برأس ليلى … وأن كان هذا الشك من أحد حقوقه ولكن لن تتفهم أنثى هذا الحق أبدًا ….
وجلس وجيه بقرب مقعد ليلى التي نظرت أمامها بجمود وعينيها تحبس فيهما عواصف من الغضب والدموع …. فتسحبت يده اليمنى لأسفل الطاولة ولمس يدها التي تسند ظهر صغيرتها … فدفعت يده بعيدًا بعصبية ولم تنظر له … وهنا نظر لها بنظرة ضيقة عصبية وتأكد من حدسه …
راقب الجد هذا بصمت وفهم ما يحدث فنظرة لوجيه نظرة ذات مغزى بأن يهدأ ويحاول وزن الأمور ولا يغضب….
زفر وجيه زفرة غاضبة ثم اخذه انتباهه بعد ذلك نظرات الشباب الثلاثة الشاردة …. فجاسر وكأنه بنظرته للكوب أمامه بشرود يقرأ كتاباً شيقا ويندمج كليًا …. ونظرة رعد وآسر لم تكن أقل منه ! …. فقال متسائلا :
_ في إيه مالكوا ساكتين كده ؟!
قال جاسر وخد خرج من شروده :
_ يوسف عايز يكلمك شوية بعد ما تفطر يا عمي … وأحنا كمان .
خمن وجيه لأي شيء سيتحدثون فيه ، فاختلس نظرة سريعة لوالده فهز الجد رأسه بأنه ذات الأمر …. ففهم وجيه المقدمة اقلا وقال بموافقة :
_ تمام … بعد الفطار نتكلم .
حاولت ليلى بعصبية أن تجعل الصغيرة تشرب الحليب الدافئ بعض الشيء … ولكن هتفت الصغيرة برفض ونفور قائلة :
_ مش عايزة أشرب لبن بقا مش عايزة ….
هتفت بها ليلى بعصبية رغما عنها :
_قولتلك اشربي اللبن ! …
وضعت الصغيرة يدها على عينيها بتذمر وهي تهز رأسها بالرفض …. فزفرت ليلى بحدة وغضب ، قال لها وجيه بنظرة دقيقة لمدى غضبها التي تصبه على الصغيرة :
_ براحة يا ليلى …. هاتي البنت.
قالت الصغيرة بتصميم :
_ عايزة بابا وجيه … مش عايزاكي أنتي .
أخذ وجيه منها الصغيرة ولمست يديه يدها قصدا لكي تهدأ …. ثم همس بأذن الصغيرة بكلمات جعلها تضحك بقهقة … ثم همست له بشيء أيضا جعله يكتم ضحكة.
فقالت الصغيرة بتصميم له:
_ قولها بقا ….
أشار وجيه لليلى لكوب الحليب وقال لها بنظرة مشاكسة :
_ أشربي اللبن الأول عشان ريميه تشربه هي كمان …. احنا اتفقنا.
اتسعت نظرة ليلى بصدمة ونظرت لكوب الحليب وكأنه ليس مشروب مفيد ولذيذ بل كأنها ستسير على الشوك …. وللتو علم وجيه أنها مثل صغيرتها لا تحب الحليب نهائيًا… وتأكد أنها بالغد كانت تشربه رغما عنها لكي لا يدرك الأمر ويسخر منها .
هزت ليلى رأسها برفض طفولي وابعدت كوب الحليب عنها :
_ لأ مش هشربه تاني بقا، كفاية امبارح شربته غصب عني …
دفنت الصغيرة رأسها بصدر وجيه وهي تنفجر بالضحك، واستقبلها وجيه بضمة وهو يضحك ويشاركها في المرح على تصرف ليلى الذي يشبه تصرفات الأطفال المتمردة… وتوجه الجميع بابتسامات نحو الصغيرة … حتى جيهان لم تستطع مقاومة ابتسامة وهي تنظر للصغيرة بعاطفة قوية …
اخفت ليلى ابتسامتها التي ظهرت عنوة عنها، ورسمت الغيظ على وجهها ثم قالت :
_ بتضحكي على مامي ؟!
هزت الصغيرة رأسها بالايجاب وقالت :
_ ايوة
وارتفعت ضحكاتها مرة أخرى …. تامل وجيه الصغيرة بمحبة شديدة وهي تضحك ثم قبل رأسها بحنان … وتلك اللافته كانت كفاية لإذابة غضب ليلى وتبدل ضيقها لابتسامة شقت ثغرها واستقرت.
********
كانت غرفة وداد بالمشفى رغم هدوئها الذي جعلها وكأنها تبدو بزاوية بعيدة عن جميع الغرف بالمشفى ….ولكنها امتلأت بشحنات من الارتباك والتوتر ….
وتأمل زايد وجه فرحة وراقب تعابيرها عله يستشف مدى موافقتها أو حتى رفضها …. فتساءل باهتمام شديد :
_ رأيك إيه في اللي قولته ؟
أومأت برأسها ساخرة وقالت :
_ أنت قولت إيه ؟! …. كلامك مافهمتش منه شيء غير أنك شايف يعني أني لو وافقت هيكون وضعي المادي أفضل !
ممكن أعرف أنت ليه مهتم كده بوضعي ؟! …. شايف إيه في شغلي يخليك تقول أنه مش مناسب ليا ؟!
ابعد زايد عينيه عنها ثم نهض وهو يستند على عكازه واستطاع بسرعة أن يتمالك ميل بسيط … ثم بخطوات بطيئة تبدو متعبة من صوت أنفاسه المسموع تقدم للنافذة ووالها ظهره … كأنه لا يريد أن ترى شيء على وجهه وهو يجيبها …. وقف أخيرا شاحبا …. وقال بنرفزة وعصبية :
_ بعد موقف أخوكي وتنازله عن المحضر نظرتي اتغيرت فيكم … أظن مش غريب اعرض عليكي أي عرض واحاول اسدد الدين ده …. واعتبري كمان أن دي كلمة اعتذار على اللي عملته معاكي قبل الحادثة… رغم أنك خدتي حقك وقتها وزيادة وسيبتك ومارضيتش أذيكي!
أشار بحديثه للجرح التي تسببت فيه لقدمه قبل الحادثة مباشرةً …. فقالت بثبات :
_ وأنا شايفة أن الموضوع خلاص أنتهى وأخويا اتنازل ومابقاش في شيء نتكلم فيه … وأنت مش مطالب بأي شيء، وأظن التنازل ده كان هدفك من البداية … وحصل ! ، عايز إيه تاني ؟!
كانت تشعر أن إجابته ليست مكتملة … وأن السبب الحقيقي لم يقال بعد … فالتفت لها بنظرات يتطاير منها الشرر والغضب قائلا :
_ مش عايزك تفضلي هنا … هنا مش أمان ..!
رفعت حاجبيها بدهشة وقالت بشيء من الاستهزاء :
_ يعني هنا مش أمان .. ولما اكون في شركتك وسط موظفين اغلبهم رجالة ساعتها هكون في أمان ؟! …
اسودت عينيه ونطق بنظرة شرسة، ولم يعرف كيف تستطع اشعال النار بداخله بتلك الدرجة … فقال بصرامة وشدة :
_ هي دي الحقيقة رغم أنك مش مصدقاها…. وبعدين محدش يجرأ يبصلك وأنتي معايا …
ابتعدت خطوة للخلف وتراجعت عندما هتف بغضب بهذا العنف… ورغم أنها بوضعها هذا أسرع حركة منه، ولكنه مع كل هذه القيود حوله يبدو خطرا بشكل مخيف !
قالت فرحة بارتباك شديد وخوف مجهول من شيء بعينيه يعثر كلماتها ويربكها :
_ لو حد المفروض ماكونش حتى قريبة منه يبقى أنت … مستحيل أوافق طبعا ! … لأن عمري ما هحس بأمان في مكان أنت موجود فيه .. وكمان بتملكه !
امتلأت عروقه بالدماء الحارة التي جعلته غير متحكم بأعصابه والقى ما عرفه عن أمجد بوجهها وقال :
_ لكن هتوافقي تتجوزي واحد بيستخدمك ضد واحدة تانية بيحبها ؟! …. مش بيحبك أنتي أفهمي بقا ! …ماتستغربيش أني عرفت ، أنا عرفت وعرفت عنه كل شيء ، في ساعة زمن تاريخ حياته كله كان عندي … ولو أنتي وافقتي بعد اللي قولتهولك ده تبقي غبية وعايزة صدمة اكبر عشان تفوقي !
تجمدت فرحة من الصدمة وتخشب جسدها تحت وقع كلماته على أذنيها ! ….. رفضت أن يكن هذا ما بنفس أمجد اتجاهها وصرخت رافضة …حتى طفرت دموع عينيها فجأة:
_ أنت كداب وبتألف قصة غبية زيك عشان توصل لهدفك !… ما تخيلتش أنك حقير للدرجة دي وممكن تعمل أي شيء عشان بس توصل للي عايزه ! .. حتى لو هتدمر حياة حد عادي المهم أنت وبس … أنت فعلا حقير ومش بني آدم..!
هز رأسه بيأس وسخرية مريرة وقال :
_ مش أنا اللي غبي ومش أنا اللي حقير … ورد فعلك كنت متوقعه ! …. لو الحب أعمى فأنتي مش بس مش شايفة عيوبه … أنتي مش شايفة حاجات كتير حواليكي !
والتمعت عينيه بشيء غامض ….فصرخت به مقاطعة بعنف ادهشه وصاحت وهي تبكي وتشير له بتحذير :
_ أنا مش هسمحلك تدخل في حياتي أكتر من كده … ولو حصل وطلبت من حد في الممرضات أني اجيلك أو وصلني أنك بتسأل في أي شيء يخصني مش هيعجبك رد فعلي وقتها …. أنت اكيد مريض نفسي … أنت لا يمكن تكون انسان طبيعي بتصرفاتك دي ! … ليه مهتم بحد بيكرهك ومش بيطيق يشوفك أبعد عني بقا !
اصبحت عينيه كالجمر المتقد، والتمع جبينه من حبيبات العرق كأنه ينبض بالحمى ! …. وبإشارة غير مقصودة اطرقت عقر أزمته النفسية التي لم تضمد جراحها للآن…. وصاح بعنف :
_ اطلعي برا … مش عايز أشوفك تاني…. أطلعي برا .
رمته بأقسى نظراتها قبل أن تفر هاربة من تلك الغرفة اللعينة هذه وصفقت الباب خلفها بعصبية … فتصاعدت دقات قلبه داخل صدره المرتفع صعودا وهبوطا … حتى أخرج هاتفه الخاص من جيبه وأجرى مكالمة سريعة على أحد رجاله وهتف به بنبرةً عنيفة الغضب :
_ ابعتلي عربية على المستشفى وابعتلي حد يخلص الحساب عشان هخرج النهاردة …
والقى أمر لا يقبل الجدال فيه وأغلق الأتصال بعدها …. ثم دفع الهاتف على الفراش بغضب وهو يتلفظ الشتائم من غبائها ومن قلبه الأغبى منها …. قلبه الذي خلف جميع هذا الأهتمام ! … وخلف هذه الرغبة النتوحشة بقربها.
********
ركضت فرحة بالرواق الطويل بالمشفى حتى وجدت غرفة فارغة من أي مخلوق …. فدخلتها وما أن جلست على أحد المقاعد حتى اطلقت لدموعها العنان ….
لا يمكن أن يفعل بها أمجد هذا ويستغلها لهذه الدرجة …… لو كانت مقتنعة بهذا لما الدموع الآن ؟!
أم أن حديث زايد أطرق بقسوة على أحد شكوكها بأمجد ؟!
حينما عرض عليها الزواج وبعدها بلحظة ارتبك لمعرفته بمجيء أحدى الممرضات من إجازتها !
لا يعقل أنه بلا ضمير لتلك الدرجة ويستغل أعجابها به ! …
وقفت فرحة تمسح عينيها وقالت داعمة نفسها بعدما استجمعت بعض قوتها :
_ لأ … مش هصدق أي كلام لحد ما اتأكد بنفسي … مستحيل أمجد يكون كده ويستغلني ضد واحدة تانية !
اقنعت نفسها بهذا المبرر وتأكدت أنها جففت عينيها جيدًا من الدموع قبل أن تخرج من الغرفة …..

 

********
شرحت حميدة لأمها كل شيء … وظلت الأم تستمع لها بصمت ولم يبدو على وجهها سوى بعض العصبية ببادئ الحديث فقط …..
وختمت حميدة شرحها بحيرة وقلق :
_ مش عارفة أعمل إيه يمه ؟! ….
ربتت الأم على يدها بابتسامة خبيثة وقالت :
_ صدقيه … واضح أنه مش كداب ، جدك كلمني امبارح عنه وجالي هنا مخصوص …. الواد ده اطيب واحد في ولاد عمامك ومالوش في اللف والدوران .. بس استني برضو ما تقوليش رأيك خالص دلوقتي ودوخيه شوية ….
وهنا كانت ستتحدث حميدة حتى انتبهت لطرق على الباب …. فاحكمت وداد حجابها على رأسها قبل ان تفتح حميدة الباب وتجد عمها وجيه يقف بوجه مبتسم أمامها ….. وقال باستأذان :
_ ممكن ادخل اتكلم معاكم شوية ؟
ارتبكت حميدة بعض الشيء وأجابت وداد عنها :
_ اتفضل ادخل يا دكتور وجيه .
دلف وجيه للغرفة وهو يقول لزوجة أخيه الراحل بلطف :
_ بلاش دكتور دي يا أم البنات … أنتي مرات أخويا الكبير الله يرحمه، يعني قوليلي وجيه على طول … أحنا أهل.
ابتسمت له وداد بمودة وأجابته :
_ ربنا يديم لمتكم يارب …. اتفضل اقعد متأخذنيش مش قادرة أقوم اسلم عليك .
رد عليها بابتسامة صادقة :
_ ولا يهمك …
جلس على مقعد قريب وأشار لحميدة أن تجلس بجانبه على مقعد آخر ….. وفعلت ذلك وبدا عليها الحرج الشديد …. ثم بدأ حديثه قائلا :
_ أنا عرفت أن يوسف عايز يكلمني بس بصراحة جيتلك أنتي الاول يا حميدة …. يوسف مش محتاج منه دفاع أو مبررات لأني حافظه وفاهمه … ده أبني … وتربيتي.
ارخت حميدة عينيها التي ظهر فيهما الدفء ، فتابع وجيه ولم يغفل عن نظراتها هذه واستبشر بها قائلا :
_ بس بالأمانة أنتي مصلحتك تهمني أكتر من محبتي ليه ….. ودي حقيقة مش قابلة للجدال أو الشك … عشان كده عايزك توافقي …. يوسف من غير مجاملة اصدق واحد في ولاد أخواتي … وعمره ما كدب عليا أو في أي شيء ….. وافقي وأنا ضامنهولك…
تسللت نظرة مشرقة من عينين وداد لأبنتها التي تخضب وجهها بالأحمر …. ارتبكت حميدة وقالت وهي تخفي ابتسامتها وتحاشت النظر لوجيه :
_ اديني وقت أفكر يا عمي … كام يوم كده وهقولك رأيي.
ابتسم وجيه بمكر وهو يرى ابتسامتها التي ترف على ثغرها وتحاول أخفائها بحياء …. فنهض وقال لوداد :
_ متخافيش على البنات ، أنا مش هقول كده غير وأنا واثق من رأيي … يوسف هيشيلها في عنيه وبكرة تتأكدي من كلامي.
قالت وداد له بابتسامة مشرقة من سعادتها :
_ أنا متأكدة … ومافيش كلام بعد كلامك … زي ما أنت واثق فيه احنا واثقين فيك وفي رأيك …
ابتسم وجيه لحميدة ورفع وجهها اليه المتورد بحياء وقال بمحبة :
_ شكلنا هنفرح قريب يا حبيبتي ….بس برضو هسيبك تفكري وتقوليلي رأيك .
ابتسمت حميدة بحياءًشديد وهي تنظر له ، فضمها وجيه بحنان ثم همس لها قائلا بضحكة ومشاكسة :
_ يوسف لو ما اتجوزكيش ممكن يمتنع عن الأكل وده بالنسباله كارثة … ارحمينا من زعله مابحبش أشوفه جعان !
ضحكت حميدة على هذه المزحة بينما قلبها وكأنه قفز فرحا، فضمها عمها وجيه اليه مربتا بمحبة وابتسامة واسعة … وبعدها خرج من الغرفة متوجها لجناحه الخاص بالطابق الثالث ….
وبعدما وصل لعند السلم وكاد أن يرتقي درجة واحدة أوقفه يوسف باعتذار وأردف بتوتر :
_ أنا أسف يا عمي …. بس محتاح اتكلم معاك شوية.
أخفى وجيه ابتسامته وقال بمراوغة :
_ قول عايز ايه ؟!
ومن لهفة يوسف للحديث لم ينتظر لذهابه بمكان مناسب للتحدث فيه عن هذا الممر العلوي من الطابق الثاني …. وقال

 

بجدية :
_ أنا عايز اتجوز حميدة بنت عمي …. واكيد انت عرفت اللي حصل مع ليزا النهاردة …. وبصراحة أنا مش عارف اقنعها أزاي ….. وعايزك تتكلم معاها وتطلبهالي يا عمي … أنت اكتر واحد يقدر يقنعها أني مش كداب، وأني…..
قاطعه وجيه وقال بابتسامة :
_ طلبتهالك يا يوسف … كلمتها دلوقتي واللي ربنا قدرني عليه قولته في حقك …
اتسعت عين يوسف بدهشة … ثم ابتسم وقال مذهولا وغير مصدقا :
_ وهي وافقت ؟
أجاب وجيه بصدق :
_ من حقها تاخد وقت تفكر ..
سأل يوسف بلهفة شديدة وقال :
_ ايوة صح … بس هي صدقت يعني أني بريء ؟ … حسيت يعني أنها هتوافق ؟
غمز وجيه له بابتسامة ماكرة وهو يضع يديه بجيوب بنطاله في ثقة عالية … فقفز يوسف هاتفا بسعادة كسعادة الصغار وارتمى عليه مقبلا رأسه ووجه وهو يهتف بسعادة :
_ بحبك يا عمي … بحبك، بحبك، بحبــــك …. أنا مش عارف اعملك ايه ؟! …. هبوسك تاني …
وقبله يوسف بضحكاته المرحة من خده ومن راسه ، فارتفعت ضحكة وجيه وهو يبعده قائلا بتهديد يتخلله المزاح :
_ بلاش غباوة يا يوسف …. كفايـــة !
نظر له يوسف وبالكاد توقف عن موجة الضحك وقال :
_ فرحان يا عمي والفرحة مش سيعاني …. ده جدي نفسه مقدرش يقنعها !! ….. أنت مش عارف الخبر ده فرحني أد ايه ؟! … أنا ما فرحتش كده في حياتي !
ضربه وجيه ضربة خفيفة مازحة على ذراعه وقال بابتسامة عريضة :
_ أنا عشان عارفك روحت كلمتها لأني متأكد أنك طيب وهتحافظ عليها وهتصونها … أوعى تقصر رقبتي بقا وإلا مش هرحمك !
هز يوسف رأسه بعدم تصديق وقال بصدق :
_ تعبت أوي على ما وصلتلها وطلعت عيني … وأنا والله كنت ناوي جد من أول مرة شوفتها فيها … ولما عرفت أنها بنت عمي فرحت بجد … بس الظروف هي اللي كانت ضدي أنما أنا شاريها من زمان والله العظيم.
كان وجيه يصدق أي شيء يقوله يوسف فهو لم يختبر كدبه أبدًا ولم يرى منه سوى الصدق دائمًا …. فقال مطمئنا:
_ مصدقك …. وأن شاء هنفرح بيكم قريب.
ضمه يوسف بمحبة شديدة … ثم توقف وقال :
_ طب وأخواتي يا عمي .. مش ها
قاطعه وجيه باعتراف :
_ مش هقدر اعمل معاهم اللي عملته معاك يا يوسف … هما اللي لازم ياخدوا الخطوة دي بنفسهم، لأني بصراحة مقدرش اضمنهم زيك …. بس ما تقلقش أنا ليا اساليب تانية أقدر اتدخل بيها في الوقت المناسب … بس لما اتأكد انهم جاديين ومصميين …. خلينا دلوقتي فيك أنت وحميدة … مبروك مقدمًا يا حبيبي .
كانت إجابة يوسف ضمة أخيرة وقوية قبل أن يذهب ليستعد للأحتفال …. وبالطبع الأحتفال الذي يقصده طبق حلوى متنوع …..
********
دخل وجيه غرفته بالطابق الثالث وعلى وجهه ابتسامة واسعة لم تختفي منذ أن راقب يوسف وهو يركض على الدرج ضاحكا مستبشرا وسعيدا بهذا الخبر…..
عقدت ليلى يديها حولها بعصبية وهي تجلس بمقعد في شرفة الغرفة وقالت بغيظ :
_ أنت كنت بتنبهها على الغدا ولا إيه ؟! …. زي ما عملت في الفطار كده !
تقدم وجيه نحوها بابتسامة ماكرة وبخطوات بطيئة …. ثم أوقفها وجذبها اليه بغتةً وهمس لها بتهديد خطر قائلا :
_ بقا أنا امسك ايدك وتبعديها ؟! … يتعمل معايا أنا كده ؟!
نظرت بغيظ وقالت بحدة :
_ اتأخرت على ما نزلت ليه ؟!
رفع وجيه حاجبيه تعجبا وقال :
_ وحتى لو اللي في دماغك دي مراتي ماتنسيش ! …. مع أنه محصلش وكنت مستنيها على ما تجهز …. بس آخر مرة تتكلمي بالشكل ده يا ليلى … أنا مكنتش هسمحلها تسألني سؤال شخصي زي ده !
قالت بعصبية وعينيها تلتمع كالهرة :
_ اومال سمحتلي ليه ! …. خلاص ماكونتش تقول !
اتسعت ابتسامته بخبث وهمس بأذنيها :
_ عشان عارفك عصبية ومجنونة … ومجنناني معاكي… بلاش تقلبيها نكد بقا واعقلي ..
ابتعدت عنها وارتفع غيظها منه وهي تقول :
_ آه ما اقلبهاش نكد …. عادي يعني ابقى عارفة أنك مع واحدة تانية وأفضل هادية….
قال وجيه بجدية :
_ ما هي الواحدة التانية دي مراتي مش من الشارع ! …. واحد وقاعد مع مراته شوية ايه اللي يزعل مراته التانية بقا ؟!
انتظر لحظة وهو يفكر فيما قاله، ثم انخرط بالضحك خاصةً عندما التفتت ليلى له وعينيها مليئة بالغضب .. فقال معتذرا وهو

 

 

يضحك :
_ لأ تزعل … أنا أسف.
ولأجل أن يصرف ذهنها ولو قليلًا عن هذا الغيظ …قال :
_ فرحت أوي أن ريميه بدأت تخرج من الحالة اللي هي فيها …. بس برضو حاسس أنها لسه خايفة .. لما بتقعد لوحدها بلاحظ أنها بيبان عليها الخوف والذعر من شيء مش قادر أفهمه.
تقبلت ليلى تغيير الحديث وأجابت عليه قائلة :
_ أنا برضو اخدت بالي من كده … بس مع الوقت بأذن الله هتطمن وتبطل تخاف …. ومبسوطة أنها بدأت ترجع تلعب تاني …
اقترب منها وجذبها مجددًا بلمسة رقيقة ثم قال مؤكدا بأطمئنان :
_ يمكن ده ساعدها فيه يوسف … هو بيبقى حنين أوي مع الأطفال وبيحبوه بسرعة …
قالت ليلى متذكرة ما حدث اثناء الطعام وقالت باهتمام :
_بمناسبة يوسف …. أنا ماحبتش اتدخل لما حصل اللي قولتلك عليه وقت الفطار … بس حاسة أنه مظلوم ، وبرضو حميدة عندها حق تزعل وتغير… أنا لو مكانها كنت اتجننت !
ضحك وجيه وهو يمرر يده على شعرها بمشاكسة وقال بتأكيد :
_ آه عارف ومجرب …. وفعلا هو مظلوم وليزا بتستعبط …. بس الحمد لله أن حميدة تفهمت الموقف وهنفرح بيهم قريب بأذن الله ….
ابتسمت ليلى بصدق لهذا الخبر السعيد …. ثم قالت بلهفة :
_ وجيه .. عايزة اروح أطمن على بابا … عايزة أشوفه .
نظر لها وجيه بنظرات بها محبة شديدة وقال موافقا :
_ حضري نفسك على ما استعد ونروح نزوره دلوقتي … بس على العموم جدك جانبه وحالته مستقرة وفي تحسن … أنا بطمن عليه على طول وبتوصلني أخباره بالتليفون …. واحتمال كبير يفوق قريب بأذن الله…
تنفست ليلى بتنهيدة اطمئنان وابتسامة .. وهمت راكضة لتعد نفسها للخروج …
*********
أعد يوسف طبق كبير من الحلوى … ولكي لا يكسب وزنا زائدًا ذهب ليتذوقه في قاعة الألات الرياضية ليبدأ بعض التمارين عقب فترة من الطعام …
وهناك كان يوجد الشباب الثلاث وكلا منهم يطلق لجام عصبيته في أحد التمارين ….. وجلس يوسف يتذوق الحلوى بشهية عالية … فاستدار إليه الشباب الثلاث في نظرات دهشة من استمتاعه وسعادته الظاهرة رغم ما حدث!! …. فقال جاسر باستغراب :
_ أنت ليك نفس تاكل ؟! …. فكرتك هتضرب عن الطعام !
وإثر حديث جاسر قال رعد بنظرة ضيقة ومتشككة :
_ هو في جديد أحنا ما نعرفهوش ولا إيه ؟!
رد آسر بابتسامة ماكرة :
_ واضح أن السناجل البؤساء اللي هما احنا هينقصوا واحد يا شباب …
رفع يوسف رأسه ونظر لهم الثلاث لبعض الوقت … ثم قال ليغيظهم :
_ عشان تعرفوا بس أن اللي ضميره سالك وماشي عدل ومش دبش الطرق بتتفتح قدامه …. عمي كلم حميدة وطلب ايديها ليا ….. وهي تقريبًا وافقت بس طلبت وقت تفكر … أنا متأكد أنها موافقة بس بتتقل عليا …. بس أنا راضي وعلى قلبي زي الكيكة اللي باكلها دي.
نظر الشباب الثلاث لبعضهم في نظرات ماكرة مبتسمة …. وقال رعد بنظرة انتصار :
_ بما أن جدي سافر البلد من شوية ومافيش غير عمي وجيه …..يبقى كده عرفنا الطريق اللي هنوصل منه ليهم …
قال يوسف وهو يبتلع ما في فمه :
_ ما انتوا لو كنتوا سمعتوا كلامي من البداية كان زمانا على الاقل مكتوب كتابنا دلوقتي …. يافقر منك له ، أنما الحمد لله أنا وصلت لبر الأمان بأصراري وسلكاني…. تلبس بس الدبلة وهمسك فيها بإيدي وسناني ..
قال جاسر بسخرية :
_ طب ما تنصحنا يمكن نلحقك لبر الأمان يا أخ يوسف ! …. على أخر الزمن الجأ لنصايح اعبط واحد فينا !
وهجم جاسر على يوسف متوعدا بتهديد :
_ عارف لو ما روحتش وكلمت عمي وجيه عشان يكلمهم ويعمل معانا زي ما عمل معاك هعمل فيك ايه ؟
سأل يوسف بفضول وهو يبتلع الحلوى غير مكترث :
_ ايوة هتعمل ايه بقا ؟
قال جاسر بابتسامة ماكرة وهو ينسخ كذبة في مخيلته سريعا ليهدد بها يوسف:
_ هروح أقول لحميدة أنك متجوز عرفي ومخلف اتنين وراميهم في ملجأ…. وهي هبلة وهتصدق.
اجابه يوسف مجابها تهديدا بتحدي وقال بضحكة :
_ لو عايزني اعترف بعيالي … روح هاتهم من الملجأ…!

يتبع….

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *