رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الستون 68 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الثامن و الستون 68 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الثامن و الستون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الثامن و الستون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الثامنة و الستون
~.. قسم ..~
كان يعاتبها ولكنه ليس عتابا على قدر محبته …
فأخيرًا حاوط وجيه كتفيها بذراعيه وقال بدفء:
_ أكتر شيء ريحني في الموضوع ده أنك اتخلصتي من خوفك منه، تجاوزيه يا ليلى وأنسيه … البداية الحقيقية لعلاجك من هنا …
مسحت ليلى عينيها الباكيتان اطمئنان وراحة بال وأجابته:
_ عندك حق … دلوقتي بس أقدر أنسى … واكون خطيت في علاجي أول خطوة بنجاح الحمد لله ..
وتذكرت فجأة أمر طبيب العيون فقالت ببعض التوتر وكأن الفرصة لم تسنح لها مجددًا:
_ الدكتور اللي كان ….
هز وجيه رأسه وقال مقاطعا بعدما ادرك سبب قلقها:
_ ما تقلقيش … بسبب تأخيري عن ميعادنا الميعاد اتأجل لبكرة، كل تأخيرة وفيها خيرة … وكلها كام ساعة وبكرا يجي ونعرض البنت عليه ..
تقبلت ليلى الخبر بهدوء، فلم يكن سبب كافِ للاستعجال، فهي متوقعة قراره مثله مثل غيره من أطباء العيون.
حتى نظر لها وجيه بنظرة عميقة تفصح عن رغبة شديدة في البقاء معها هذه الليلة … ولكن الليلة من نصيب جيهان ! … فقال بتنهيدة:
_ مش عايز أمشي واسيبك يا ليلى، عايز أبقى معاكي شوية .. ساعات كتير ببقى نفسي أقولك كلام كتير … بس لما ببقى معاكي بنسي كل شيء … وببصلك وكأني مش مصدق أنك أخيرًا معايا !
ابتلعت ليلى ريقها بمرارة، فبماذا تجيبه !! … لو فسرت عن رغبتها التي أشد منه في بقائه لأثرت عليه وجعلته يمكث … وسيسيّئ ذلك جيهان، ولها الحق وقتها بكل ما ستشعر به من ضغينة ! … قالت متظاهرة بالثبات :
_ لأ لازم ترجع البيت يا وجيه، عشان جيهان ما تزعلش وماتحصلش مشاكل ..
أخذها مرة أخرى بتنهيدة يملؤها الاشتياق الذي سبق خطوات الابتعاد والمغادرة …. ثم قبّل رأسها وقال :
_ لحد ما أشوفك بكرة مش هتغيبي عن بالي لحظة … وللحقيقة أنتي مش بتغيبي عن بالي خالص !
ابتسمت وهي تصر النظر بعينيه وقالت:
_ خليك كده على طول … يمكن هكون أنانية في احساسي ده، بس دي الحاجة الوحيدة اللي مابحسش بالذنب فيها … أني شاغلة تفكيرك حتى في غيابي ..
افتر ثغره عن ابتسامة وقال بتعجب:
_ السنين اللي فاتت ما اثبتتلكيش ده !! ….
خيم الصمت مع نظراتهما العاشقة ثم غادر دون كلمة .. ولكن ابتسامته كانت كافية لتنتظر حتى يصبح الصبح القريب …
********
بعد أكثر من ساعة في سير بالسيارة بلا وجهة محددة …. وقف جاسر بسيارته بأحد شوارع القاهرة … ثم تسللت نظرته جانبًا حيث جميلة تجلس باسترخاء وقال بمشاكسة :
_ عملت اللي عايزاه وبقالنا ساعة بنلف بالعربية، ده غير عنادك واصرارك بعد ما فطرنا أنك هتروحي الشغل وأنتي مش قادرة تتحركي اصلا !! …. ممكن أعرف تفسير لطلباتك دي ؟!
ابتسم جميلة ثم حرحت رأسها اتجاهه وقالت بصدق:
_ بصنع ذكريات حلوة ما بينا، عايزة أفتكر أنك مكنتش بترفضلي طلب حتى لو مش على مزاجك … قبل ما ندخل قفص الجواز بكل مسؤولياته… وكمان احنا مافيش بينا غير ذكريات كلها مستفزة !
ابتسم وأعجبه حديثها، ريثما أنها بحديثها هذا تأكد أنها تفكر في أمر زواجهما جديًا وترغب في انجاحه وتحسين علاقتهما للأفضل …. فقال مبتسما بمرح:
_ ساعات بحس أنك فرحانة فعلا بجوازنا …. وساعات بقلق منك وبحس أنك هتنتقمي مني ! …
اتسعت ابتسامة جميلة وما كانت تظن أن الاجابة الصادقة ستخرج من بين شفتيها بتلك البساطة :
_ بصراحة كنت بفكر كده في الأول مش هكدب عليك …
ضيق عينيه بمكر وقال مبتسما:
_ وإيه اللي غير رأيك ؟!
نظرت جميلة أمامها ونظرت للطريق بنظرة عميقة واعترفت:
_ لما بسمع أمي بتتكلم عن أبويا وعن فترة جوازهم بستصغر نفسي !، وبحس أن الجواز ده حاجة أكبر بكتير أننا نضيعه في النكد والانتقام وكل الحاجات دي … وبعدين طالما أنت بتحاول تثبتلي أنك اتظلمت في موضوع رعد فأنا بدأت أصدقك ..
ظل جاسر على ابتسامته، ثم تاه للبعيد شاردًا للحظات وقال :
_ أنا بقا مكنتش بشوف الحب والتفاهم بالشكل الكافي بين أمي وأبويا … يمكن ماكنوش بيتخانقوا كتير، ولا حتى بيختلفوا كتير ….لكن مكنش بينهم برضو لهفة الحب دي … يمكن عشان هي كانت انجليزية وثقافتها ومجتماعها غير مجتماعنا … مفهموش بعض يمكن!
قالت جميلة بجدية:
_ كلمني عنها يا جاسر لو سمحت … أنا شوفتها زمان لكن مش فكراها أوي.
ابتسم جاسر وهو يسترجع ذكرياته وقال:
_ أمي كانت جميلة بشكل مش طبيعي … بس تقريبًا ده مكنش كفاية بالنسبة لأبويا … كنت بحس أن في فجوة مابينهم مش فاهمها … عمري ما نسيتها … تعرفي ياجميلة أنا ماشوفتش حد في جمالها لحد دلوقتي … ومش عارف ليه أبويا مكنش مستريح معاها بدرجة كافية!!!
نظرت له جميلة بدقة وقالت بضحكة ومشاكسة:
_ وأنا أول ما شوفتك بحسبك أجنبي !! …
ضحكا معا ثم قال بخبث:
_ ما هو أنا شبه أمي أوي، أكتر من يوسف أخويا كمان ….
مطت شفتيها بسخرية وقالت:
_ لا ما تتغرش أوي كده !! ….
غمز لها بضحكة واستفزها … ثم قال :
_ بقولك إيه أنتي جعانة ؟
هزت جميلة رأسها بقوة وقالت:
_ جدااااا
ترجل جاسر من السيارة عندما لمح أحد فروع لمطعم شهير وقال لها:
_ طب دقايق وراجعلك … عازمك على العشا في العربية …
وغادرها بضحكة أسرتها … وقالت مبتسمة بمحبة ومرح:
_ اخيرا عرفت هو طلع قمر كده لمين ! … خمسة في عنيا .. هتحسدي جوزك يا هبلة !!
وضحكت على نفسها وانتظرت مجيئه … حتى أتى بعد خمسة عشر دقيقة وهو محمل بكيسين ورقيان من الطعام ….
جلس جاسر بمقعد القيادة وهو يبتسم لها ثم بدأ يخرج لفائف ورقية بداخلها “ساندويتشات” تفوح منها الرائحة الشهية …. وتشاركا الطعام وهما يتجاذبان أطراف الحديث والمزاح ….
*******
خرج آخر عميل بمكتب زايد … وخرج وهو يضغط على عكازه ليسرع خطواته … حتى وجد فرحة تضع رأسها على يدها مغمضة العينان ويبدو أنها نامت بالفعل …. ابتسم بحنان وهو ينظر لها … ويبدو أن نومها خفيف جدًا حتى شعرت به ونهضت واقفة بخجل …. قال وهو يود الابتسامة بقوة:
_ أسف على التأخير، أنا عارف أنك كان لازم تمشي من ساعة وأكتر …. بس العميل ده رغاي أوي واسئلته كتيرة وخد الميعاد وقت أكتر من اللازم …
تظاهرت فرحة بالبحث عن حقيبتها وقالت :
_ مافيش مشكلة، كده كده حسام أخويا عنده جلسة علاج طبيعي النهاردة ومش موجود في البيت … مش هيحس أني اتأخرت .
أشار لها اتجاه الباب وقال:
_ هوصلك زي امبارح، في تاكسي …
رفضت واعترضت بشدة وقالت:
_ مش لازم … هوقف تاكسي وأقل من ساعة وأكون في البيت ..
قال لها بنظرة متمعنة كأنه يؤكد لها مسؤوليته الكاملة عنها:
_ أسف … طالما كنت سبب تأخيرك يبقى لازم أطمن عليكي لحد ما تروحي …. وبعدين عشان اريحك اتفقت مع سواق تاكسي يوصلك كل يوم … رايح وجاي … حد مضمون يعني .
وللحقيقة لم تضيق من الأمر، فهي بالفعل تقلق من جلوسها مع سائق غريب كل يوم …. وقالت :
_ طيب تمام … بعد أذنك ..
حملت فرحة حقيبتها على كتفها وتحركت لتخرج من المكتب … ولكن التمع ذهنها شيء فاستدارت اتجاه المكتبة ونظرت بدقة فيها …. فلمح زايد نظرتها وقال بتساؤل:
_ في حاجة ولا إيه ؟!
ترددت في الطلب، ولكن قد اغرتها تلك العناوين للروايات والكتب لأسماء أدباء كبار … فقالت بحرج:
_ ممكن استعير كتب من هنا وارجعها بعد ما أقراها ؟ … صدقني مش هبدلهم … هرجعهم زي ما خدتهم ….
نظر زايد للمكتبة بغرابة، فقد ظن أنها ستطلب شيء اصعب من ذلك تحقيقه فقال ببساطة:
_ طب وإيه المشكلة ؟!
قالت فرحة بصراحة:
_ أصل ديمة قالتلي أن الكتب دي خاصة بسكرتيرك … فقادرة أفهم حد بيحب القراءة والكتب أزاي هيخاف على كتب أشتراها بنفسه …
رد زايد متعجبا بما قالته ديمة عن الكتب وقال:
_ السكرتير بتاعي هو اللي جاب الكتب دي فعلا، بس للجميع مش ليه لوحده! .. وإلا مكنش سابهم هنا ! … ديمة بتكره تقرأ
…
وتلهفت فرحة لمعرفة مدى حبه للقراءة … ولكنها كتمت ذلك السؤال ولم تتفوه به، حتى أخبرها ما يلتمع بعينيها وهو يبتسم وتظهر غمازتيه الذي تحمر خجلا عندما تراهما:
_ أنا زيك بحب القراءة .. بس للأسف وقتي مشغول جدًا …. كل الكتب اللي عايزاها تقدري تاخديها ليكي وهبعت أجيب نسخ غيرهم …
ابتسمت بحياء وقالت وهي تهم بأخذ ثلاثة كتب:
_ لأ هقراهم وارجعهم تاني … ما تتعبش نفسك …
أخذت فرحة الثلاث كتب واستدارت له، فاقترب منها خطوتين ونظر للكتب جيدًا … ثم استأذن منها ليراهم سريعا فمدت يدها بهم دون تردد …..
قلّب زايد الكتب الثلاث أمام عينيه ودقق في عناوينهم وأسماء المؤلفين .. ثم رفع نظراته لها قائلا بابتسامة وهو يعطيهم لها مجددًا:
_ طب تمام ..
وأخذتهم فرحة على استحياء وبعدها غادرت المكتب … ولكي لا يسبب لها حرجا أمر سائقه أن يتبع سير السيارة الأجرة التي تجلس بداخلها فرحة …
وظل طوال الطريق شاردا بابتسامة … وسؤال يتردد بداخله في دهشة …. منذ متى وهو يحب القراءة !!
يبدو أن عشقه للقراءة أتى فجأة منذ دقائق … يدغدغ مشاعره شعورا جميلًا … مثل حبات السكر بعد كثير من مذاق المر !
*******
علمت الطبيبة مروة بمغادرة وجيه للمشفى … واشتد خوفها واسرعت لغرفة ليلى …
وما سمرها مكانها عندما فتحت لها ليلى باب غرفتها هو ذلك العناق الطويل المحمل بالاعتذار والابتسامة المشرقة على وجهها!!
فقالت ليلى بندم امتزج معه شعور واضح بالسعادة:
_ سامحيني … ما تزعليش مني، عارفة أني زعلتك ودعيت عليكي و…
قاطعتها مروة وهي تغلق الباب بابتسامة واسعة :
_ لا بقا استني … عايزة اعرف التفاصيل يا ليلى … وإلا هعضك !
وضحكا بصوتٍ عال، وبعدها جلسا على الفراش وبدأت ليلى تسرد لها ما مر بتلك الدقائق الفائتة، والمواجهة كاملةً..!
فتنهدت مروة تنهيدة اخرجت فيها كامل قلقها وتوترها الناجم عن المشادة بينهما والخوف من ردة فعل وجيه … وقالت:
_ كده الحمد لله … أنا كنت حاسة أني عكيت وبهدلت الدنيا والمفروض أنا اللي بحاول اصلح !
ربتت ليلى على يدها بابتسامة شكر وامتنان قائلة:
_ مش عارفة أشكرك أزاي … ما تتخيليش اللي حصل ده فرق معايا قد إيه ! … كنت حاسة أني شايلة حمل كبير وأخيرا اتخلصت منه ..
نظرت مروة لها بتأمل، وفكرت هل تخبرها عن جيهان أم تؤجل الأمر ! …. ولكن طالما جيهان علمت فلابد أن تعرف ليلى كل شيء … ربما هذا يطرق على الأبواب المحجوبة بداخلها ويساعدها أن تصل لأسرار الماضي … فقالت :
_ أنا عرفت سبب رجوع نوبة الصرع ليكي يا ليلى … كنت بفكر ااجل الموضوع ده بس حاسة أن ده هيساعدك أكتر …
صدمت ليلى من حديث مروة وقالت بلهفة :
_ ايه اللي حصل وعمل فيا كده قوليلي ؟!
أخرجت مروة هاتفها من حقيبتها، ثم بحثت عن الرسالة الصوتية وضغطت لتشغيلها …. ومع كل ثانية تسمع فيها ليلى صوتها وهي تنتحب وتبك من الرسالة تضيق عينيها وهي ترى اشباح سوداء تطل بعقلها …. أشباح غير واضحة تمامًا …ولكنها ثارت أخيرًا … هزت ليلى رأسها بصدمة :
_ جيهان هددتني ؟!!! … طب عرفت منين اصلا؟!
أجابت مروة وهي تدرس ردود فعل ليلى :
_ سمعتنا وأحنا بنتكلم يوم كتب كتابك على دكتور وجيه، جيهان اعترفتلي بنفسها لما اتصلت بيها وقررت أواجهها … بس هي اعترفتلي قبل أي مناقشة ما بينا وندمانة جدًا على اللي عملته …. وعايزاكي تسامحيها يا ليلى …
التمعت الدموع بعين ليلى وقالت برفض قاطع:
_ اسامحها أزاي وهي استغلت خوفي وحاجة أنا بريئة منها عشان انفذ كلامها !! …. ندمها ده مش أكتر من خوف أني اكشف حقيقتها لوجيه !!
قالت مروة بتنهيدة:
_ طب لو قولتك أنها مش طالبة ده وسيبالك القرار تقولي أو لأ ؟ …. كل اللي هي عايزاه منك أنك تسامحيها، ويا ليلى هي لو كانت عايزة تقول لدكتور وجيه مكنتش استنت كل ده ! …. جيهان في حالة نفسية صعبة جدًا … شرحتلي ظروفها بالكامل .. وللأسف في حاجات مقدرش أقولهالك … لكن اللي أقدر أقولهولك أن جيهان طيبة … وبتعترف بغلطها بمنتهى السهولة …
قالت ليلى باكية بعتاب:
_ صدقتي كذبها ؟! …. طب ده أكتر شيء يخليني اتأكد أن قلبها اسود هو انها خليتك أنتي تصدقيها وبقيتي في صفها !! …. خايفة اكشفها قدام وجيه فقالت تكسبك عشان تأثري عليا !
اوضحت مروة وقالت:
_ مين اللي قالك أن ده مش احتمال من ضمن احتمالات كتير جت في دماغي ! …. لكن فضلت اسمعلها وفهمت وضعها بالكامل …. هي مضحكتش عليا … جيهان فعلا في وضع صعب … صعب جدًا كمان …. عشان خاطري اديها فرصة تانية ومتحكيش لدكتور وجيه حاجة …
مسحت ليلى دموعها وقالت :
_ هي عارفة أني مش هحكي لأني مابحبش اتسبب في أذى حد … بس مش هقدر اسامحها ووصليلها كده …
قالت مروة بصدق:
_ ليه يا ليلى ماتعتبريش أن اللي حصل ده في مصلحتك !
ابتلعت ليلى ريقها المرير بالدموع ونظرت لمروة بغرابة… فأكدت مروة قائلة بحماس:
_ لما سمعتي الرسالة اكيد حسيتي بحاجة، أو افتكرتي ولو شيء بسيط من الموقف ده ! … الرسالة دي حركت شيء في عقلك مافيش أي علاج كان ممكن يحركه …. تأثير الرسالة دي مش نص الكلام نفسه … دي لحظة مهمة من ماضي انتي نستيه اصلا … والرسالة دي بتنورلك الطريق اللي بقالي كتير بحاول اوصل ليه في عقلك … فكري فيها كده يا ليلى … وحاولي تنسي اللي جيهان عملته ونركز في المهم ..
اطرفت ليلى أهدابها وبالفعل قد شعرت بعودة أطياف معتمة من ذلك المشهد … وتأكدت مروة من ظنها في صمت ليلى وقالت مبتسمة:
_ أنا مبسوطة يا ليلى … لأول مرة يحصل انتكاسة وابقى مبسوطة بيها كده … الزقة اللي رجعتنا لورا .. رجعتنا عشان نمشي صح من البداية … وعايزاكي لما تحصل أي حاجة تزعلك تبعتيلي رسالة زي دي … بس الأفضل تكون صوت وصورة … واكتبي كمان … هاتي دفتر وقلم واكتبي اللي يخطر على بالك … نشطي عقلك دايمًا …
بدأت ليلى تسير في نظرتها لما تراه طبيبتها … فقل بعض غضبها من جيهان، ولكن بالنهاية المسامحة الفعلية صعبة عليها بهذا الوقت !.
********
سارت رضوى من الممر المؤدي للحديقة …. حتى وجدت يد تجذبها اتجاه أحدى الأشجار!!
لهثت بذعر للحظات حتى وجدت رعد متمسكا بها وبعينيه المكر يسرد حكاياه !
دفعته بعصبية وقالت:
_ إيه الأسلوب المستفز ده ؟!
جذبها رعد اليه أكثر وهو يهمس تحت دفعات يدها على صدره العريض القوي:
_ بتهربي مني … وبصراحة بتوحشيني أوي ..
ابتلعت ريقها من تأثرها بنظرات عينيها وتظاهرت بعدم الاكتراث وقالت بحدة:
_ غير اسلوبك معايا لأني مش بحب كده !
قال هامسا عند أذنها:
_ يعني ما وحشكيش اسلوبي المستفز ده ؟! … طب أحلفي !
نظرت له بنظرة منفعلة وقالت بغيظ:
_ لو فاكر أنك هتكسبني بأسلوبك وبطريقتك تبقى غلطان !! … لو عايز فعلًا تكسبني اكسبني بأسلوبي أنا واللي يعجبني ! …. أنا مش تحت أمرك عشان أمشي على هواك ! …
لم يؤثر فيه حديثها وقال وهو يدقق النظر بعينيها:
_ زي ما أكون شايف رضوى تانية غير اللي عرفتها قبل كده !! …. تخيلي كده يا رضوى لو محصلش كل اللي حصل ده واتكتب كتابنا من غير أي مشاكل … تفتكري كان هيبقى ده رعد فعلك دلوقتي ؟!
نظرت له بنظرة عتاب طويلة وقالت وعينيها البندقيتان يلتمعان بالدموع:
_ يمكن اللي حصل ده خلاني اكتشف أن ليا رأي وشخصية ورحمني من سيطرتك اللي كنت هتفرضها عليا بشكل كامل، وأنا كنت عبيطة وكنت هفرح تخيل !! …. أنت اللي زيك يا رعد مش عايز واحدة تطاوعك … أنت عايز اللي تقف قصادك وتتحداك عشان تعرف قيمتها وتتمسك بيها !….
قلبي حطيته في مكانة عالية أوي … اتعب بقا عشان توصله.
قال رعد بيأس :
_ كل ما بفتكر أنك بتنسي بكتشف أنك مابتنسيش !
ولصدمته رفعت أناملها لجانب وجهه برقة وقالت وعينيها مليئة بالحب رغم عنف قولها:
_ بيقولوا الحب الأول وجعه مابيتنسيش ! … وأنا اتوجعت وجع خلاني احلف أني ادوقك منه … وبعدها ممكن ارجع زي الأول واحسن كمان … ارجع الطيبة … استحمل بقا اللي بتنتقم لحد ما ترجع الطيبة من تاني … هرجع بمزاجي … لأني مش تحت أمرك.
وكانت أناملها بنعومة الحرير على بشرة وجهه وأثرت بمشاعره بشدة… وكان حديثها مثل الصفعة الذي غلفها عناق طويل مفعم بالعاطفة! …
وتركته مسمرًا بمكانه … منبهرا بقوتها … وبضعفها أيضاً… !
ولكنه لحقها وجذبها مجددًا اليه من معصم يدها وهمس لها بتأكيد وعينيه تصدران كثير من المكر والابتسامة:
_ أنتي مش ادي يا رضوى، عنادك ده مش هياخد معايا أكتر من يومين بعد جوازنا…
ابتسمت بسخرية وقالت:
_ ما قولتلك أنسى رضوى القديمة!! ….. ده التحديث الجديد مني … انا هخليك تحلم بيا حتى وأنت صاحي…
وضحكت وهي تبتعد .. كأنها تذكرت أنها لديها ارث الكيد من أنوثتها….
ونظر لها وهي تبتعد مذهولا….ومعجبا أيضا..!… وقال بابتسامة خبيثة:
_ كلها كام يوم.. ونشوف مين اللي هيكسب فينا!
*******
كانت ليلى تاهت بالتفكير حتى غلبها النوم وثقلت جفونها …. نظرت لصغيرتها النلئمة بجانبها في حنان … ثم مدت يدها لتُغلق زر الاضاءة …حتى تفاجأت بفتح الباب يطلّ منه وجيه مبتسما …. هرب النوم من جفونها وهي تعتدل مبتسمة له بغرابة وسألت:
_ رجعت أزاي ؟!
خلع وجيه معطفه وهو يجيبها مبتسما:
_ كنت في الطريق للبيت، بس جيهان اتصلت بيا واستأذنت مني تبات في بيت والدها ليومين … لفيت ورجعت لهنا جري بالعربية …
شردت ليلى في موقف جيهان، وشعرت أنها بدأت تقدم التنازلات بهدف الاعتذار والسماح، فهمت موقفها، ولكن وجيه لا يعرف … ولا داعي أن يعرف ويتعكر مزاجه … فنظرت له مبتسمة بصدق وقالت:
_ مبسوط أنك رجعت ؟
نظر لها بمكر وجذبها واقفا وقال:
_ أنتي شايفة ايه ؟
نظرت له وهي تتسع ابتسامتها بالتدريج، ثم نظرت لاتجاه آخر بحياء … وكان يعشق تلك الحمرة بخديها عندما تستحي منه ….
وقد اقترب الوقت لمنتصف الليل ….ختمت سما القرآن الكريم قراءة للمرة الثانية منذ أن أتت لبيت جدها … وكانت لا تزال تجلس على سجادة الصلاة بعدما أدت صلاة العشاء منذ فترة كبيرة … جلست بعد القراءة تسبح وبعدها شرد بها الفكر …..
لاحظت أمها الصمت الذي خيم على أبنتها بعدما كانت ترتل الآيات، فصوبت بصرها اتجاه الارض وانتبهت لعينيّ سما الشاردتان للبعيد … فسألت:
_ مالك يا سمكة …؟!
تنهدت سما بعمق ثم تحركت وطويت سجادة الصلاة ووضعتها على ظهر مقعد بقرب باب الشرفة … وأجابت باختصار:
_ مافيش يمّه, أنتي عارفة أني ساعات بسرح كده في حاجات كتير .. مش حاجة معينة يعني.
ضيقت وداد عينيها صوب أبنتها دلالاة أنها تشك بإجابتها … وقالت :
_ طب عيني في عينك كده ..!
اطلقت سما تنهيدة غارقة بالحيرة ثم جلست قرب أمها وقالت معترفة:
_ مش بعرف أخبي عنك حاجة وحتى مش عايزة أخبي، بس يمّه آسر محيرني أوي ! … مش عارفة أفهمه خالص !
قالت وداد باهتمام :
_ أزاي قوليلي يمكن افهم وافهمك !
زمت سما شفتيها ببعض الضيق ثم وضحت قائلة:
_ يعني شوية الاقيه مهتم بيا وعنيه مليانة لهفة يشوفني، ويرجع تاني بعيد ومتجنبني خالص وكأني ولا على باله !! …. ببقى خلاص بفكر اراجع حساباتي وانسى اللي فات … بس تجاهله ليا بيرجعني لنقطة الصفر من تاني !
سألت الأم بتفكير :
_ طب أنتي لما بيهتم بيكي بيكون رد فعلك إيه ؟ … في الغالب يعني بتعملي إيه ؟
نظرت سما ببعض الحرج لأمها وأجابت بحياء:
_ بصراحة أول رد فعل ليا بكون عايزة أجري من قدامه، بس لما بقف مابعرفش اتكلم وبتكسف …. ولو اتكلمت بتكلم كلام عادي يأما بغير الموضوع كله.
ابتسمت وداد بسخرية وقالت:
_ ومستغربة أنه بيتجاهلك !! … يابت ده مابقاش خطيبك ! … وبرضو مش جوزك أوي يعني …
قالت سما بتعجب :
_ إيه الحيرة دي !! .. اومال هو بقا إيه ؟!
ضحكت وداد للحظات ثم قالت :
_ هو كاتب كتابك … يعني يقولك كلمة حلوة مافيش مانع تردي برضو بكلمة حلوة، ضحكة حلوة، نظرة حلوة … خلي عندك دم بقا ! … والله ما أنتي فالحة…!
وتابعت بسخرية :
_ مش تقوليلي أجري واغير الموضوع ! … طب ده أنا مخليتش ابوكي يعرف طعم النوم لما سلمت عليه وناديته باسمه وأنا بضحك كده بعد كتب الكتاب …
أجابت سما بغيظ :
_ ده مش أبويا يمّه … ده آسر ! … ضحكة إيه اللي هتسهره الليل دي ؟! … راعي يمّه أني خيبة وكار الدلع ده مش كاري ! … ارحمي خيبتي.
ضيق وداد عينيها وهمست بمكر:
_ طب دلعيه باسمه، يعني قوليله يا سي آسر و….
اغتاظت سما وقالت ساخرة مقاطعة:
_ ما أقوله يا تاج راسي بالمرة وارسم حسنة في خدي ! .. مالك يمّه في إيه ؟! …شوفيلي حاجة تانية ..
قالت وداد وهي تكتم ضحكتها:
_ قوليله يا سوكا .. لو اعتبره دلع خير وبركة، لو اتنرفز أهو تاخديلك كلمتين يستاهلوا غبائك.
رددت سما اللقب باهتمام وهي تبتسم … وتعجبت وداد من تفكيرها وقالت بتعجب:
_ إيه ده عجبك ؟!
رددت سما الاسم وهي تبتسم بمرح :
_ سوكا .. سوكا … حلو سوكا …
وانخرطت سما بعاصفة من الضحك وهي تتخيل ردة فعله من الغيظ والعصبية.
ثم قاطعهما رنين هاتفها الخاص، وظهر رقمه واسمه على الشاشة بوضوح ، فقالت مبتسمة :
_ أبن حلال وجيت في وقتك …
وأجابت عليه:
_ الو ؟
ابتسم آسر وهو يفتح باب غرفته ويستعد لنزول حديقة المنزل:
_ ممكن نتكلم شوية في الجنينة يا سمكة ؟
اجابت ببسمة ماكرة:
_ ماشي .. ١٠ دقايق وهنزل، مع السلامة يا سوكا ..
واغلقت الاتصال وهي تضحك ، وشاركتها أمها بدهشة من استجابة أبنتها لنصيحة هزلية لم تقدمها لتنفذ ! ….
******
نظر آسر للهاتف وهو يرفع حاجبيه بدهشة …. ثم قال بتأكيد :
_ لا اكيد سمعت غلط … آه غلط، اصل لو مش غلط أنا اللي هغلط ! ..
وانتقت سما من ملابسها أجملها، فستان طويل محتشم، ولا يخلو من طابع الأنوثة في تصميماته الرقيقة، كانت تحب ذلك الفستان كثيرًا ، لأنه كان هدية غالية من هدايا العم وجيه الذي قدمهم لها ولشقيقاتها قبل زفافه من ليلى بأيام قليلة …
وراقبتها الأم في تعجب، ابنتها وكأنها تستعد للذهاب لعطلة وليس مقابلة لا تخطو فيها إلا بضع خطوات لن يصلوا للمائة ! ..
واعتنت سما بمظهرها جيدًا وهي تبتسم لنفسها عبر المرآة بعدما انتهت من تهيئة مظهرها جيدًا، ثم استدارت لتنتقي حذاء مناسب …. ونظرت جيدًا وقالت بتبرم:
_ لازم بعد بكرة واحنا رايحين نجيب لبس الفرح املا دولابي هدوم وشنط وجزم بدل الدوخة والحيرة بتاعت كل يوم دي !!
قالت الأم بتعجب مع سمات نفاد الصبر:
_ عندك شبشبي خُديه، هو أنتي يعني خارجة ! …. صبرني يارب.
قالت سما مبتسمة بمكر وهي تضع خف أنيق بقدميها :
_ واحدة رايحة تقابل جوزها، المفروض تقابله بمريلة المطبخ يعني؟!
ضحكت وداد وتحدثت وكان حديثها يتضمن هُزءاً:
_ لا مايصحش طبعاً … روحي الكوافير وكملي شياكتك ..
ولم تكترث سما بسخرية أمها بل كتمت ضحكتها بالكاد وهي تفتح الباب وتخرج …
وفي أثناء مرورها من الدرج للأسفل وجدت الصبي نعناعة يمسك كتاب ويرفعه أمم عينيه وهو يكرر بعض الجمل لحفظها، حتى وجدها بهذا النظهر فضيق عينيه متسائلا بغرابة:
_ رايحة فين يابت السعادي ؟
قالت سما وهي تشير له بتحذير:
_ ما تقوليش يابت تاني، احترمني شوية قدام عيلة جوزي !
رفع الصبي نعناعة حاجبيه دهشة، ثم قال بعدما استفاق :
_ هي مش عيلة جوزك دي عيلتك ولا عقلك جاله حول ! …. ما تقولي رايحة فين وخلصيني !!
مطت سما شفتيها بثقة وقالت :
_ رايحة أقابل جوزي آسر في الجنينة …
قال الصبي بحدة:
_ نفسي اهزقك بس مش لاقي مبرر ! … القصد … روحي بس ما تتأخريش … أنا صاحي لحد الفجر ..
ابتسمت سما ساخرة ومرت حتى الطابق الأرضي ….
********
تسلل يوسف ببطء والشوكة الممزوجة بالحلوى داخل فمه إلى حديقة المنزل … وضيق عينيه وهو يتوجه صوب آسر الذي يحدث نفسه بتعجب ويردد :
_ لا أكيد ما تقصدنيش بسوكا ، دي معجم النكد اساسا ومالهاش في حاجة من بتاعت البنات دي!
همس يوسف وهو يقف خلفه ويبتلع ما بفمه من حلوى:
_ مين اللي خلاك سوكا يا آسر ؟!!
التفت آسر بدهشة له ثم قال بغيظ :
_ يا أخي كح أو صفر او اعمل أي حاجة هتصرعني !! … وبعدين أنتي بتيجي منين كده زي المصيبة اللي بطب على البني آدم؟!
عبس وجه يوسف وقال وهو يعطيه طبق حلوى بيده:
_ كنت بعمل حاجة حلوة لحميدة عشان زعلانة أن ريمو مش هنا، فكرت فيك لما لقيتك داخل الجنينة يا جاحد ! …. خد الكيكة دي اتنيل كُلها ..
نظر آسر للطبق الذي نهش أكثر من نصف ما فيه وقال ساخرا :
_ كيكة إيه ما أنت قمت بالواجب يا طفس وكلتها كلها ! …
واشتد عبوس يوسف حتى وضع الطبق بيد آسر وقال بحدة:
_ تصدق انك فعلا سوكا واللي قالك كده مكدبش ..!
وكاد آسر أن ينفعل على يوسف حتى لاحظ أتيان جاسر وهو مبتسما بهيام، ويمسك هاتفه ويأتي من اتجاه الباب المطل على صالة الرياضة …. واقترب منهما وكأنه بعالما آخر تغرد فيه العصافير وتعلو فيه أصوات تلاطم الأمواج ومعه حبيبته جميلة منسجمان …. فعقد آسر حاجبيه وقال بغيظ:
_ المقابلة دي مبصوص فيها … حضرتك بتعمل ايه في الجنينة أنت كمان؟!
همس يوسف ليغيظه :
_ بس يا سوكا !
وقف جاسر مبتسما بنظرات يملؤها العاطفة وقال برقة :
_ كنت بكلم القمر في التليفون، لسه سايبها بس وحشتني فروحت مكلمها … وبعيد عنك بقا لما اخوك تفيض بيه المشاعر بالشكل ده … حاسس أني بحب كل الناس … حاسس أني بدأت أحبكوا باين !
كتم آسر عصبيته وقال لهما:
_ طب بعد أذن مشاعرك الفياضة دي عايز أبقى لوحدي في الجنينة … لو مش هضايق مشاعرك يعني !
ضيق جاسر عينيه وعاد لسابق عهده من الخبث وقال:
_ هي شقيقة القمر مزعلاك ولا إيه؟! … قول ما تتكسفش ده أنا ممكن أوصي عليك أخليها تنزلك حالا ! … يابني أنا مسيطر !
رد آسر بسخرية:
_ آه واضح … ده أنا قولت أنت بالذات مافيش واحدة هتعرف توقعك، ولو حتى وقعت مش هتدلق كده ! … ده أنت اتاكل عقلك وانتوا لسه على البر !
ابتسم جاسر بخبث شديد وقال:
_ بالهنا والشفا لقلبها يا أخي… أنا يتاكل عقلي بس بمزاجي.
وافقه يوسف وقال:
_ عندك حق، دي جميلة فاضلها طقم حلل وتاخد اقامة في عقل جاسر !! … وعامل نفسه مسيطر ! … ده متسيطر عليه ومتسطر على شخصيته معاها بقلم حبر ومش عايز اتكلم بقا…
نظر له جاسر باستهزاء وقال:
_ أما نشوفك يا تنين عصرك !
ابتسم يوسف بثقة عالية وقال لهما :
_ أنا اسيطر على بلد بحالها … بس مدكن ! .. عارف أنت الذئب البشري لما يكون خلوق وابن ناس؟! … اهو ده أنا.
أتت سما وتعجبت من وجود جاسر ويوسف مع آسر …. فشرد بها آسر قليلا بابتسامة من طلتها الملفته … ثم قال للشباب بكل رقة :
_ بعد أذنكم غوروا دلوقتي ..
همس يوسف لجاسر:
_ هو ماله ؟!
جذبه جاسر وهو يكتم ضحكة وقال بسخرية:
_ تعالى نغور يمكن أبو الهول ينطق !! قال يعني أحنا اللي واقفين في زوره مش عارف يتكلم مننا !!
وابتعد جاسر ويوسف وهما يتشاركان المزاح … ثم وقفت سما مبتسمة أمام آسر وقد شتت انتباه اناقتها عن أي شيء آخر … حتى قال :
_ كنتي بتلبسي طرح في البلد جميلة أوي … كانت بتبقى مغطية لحد نص دراعك كده …
تبدلت ابتسامة سما للغيظ وقالت :
_ ولسه بلبسها عادي لما بخرج … بس وأنا في البيت بلبس حاجة أسرع منها شوية في اللف … وبعدين أنا كنت نازلة ليك يعني مكنتش عارفة أن في حد معاك … وكمان طرحتي دي برضو طويلة مش قصيرة !
عدل آسر قوله سريعا وقال:
_ لا لا مش اقصد ازعلك … أنا بس كنت بحب أوي النوع اللي كتتي بتلبسيه في البلد … فقولت اقولك لكن مش أقصد حاجة والله …
اجابت سما :
_ فهماك يا سوكا ..
رفع آسر حاجبه بحدة وقد تأكد من ظنه … فقال بغيظ:
_ إيه بقا سوكا دي ؟! …
ابتسمت سما وقالت بنظرة خبيثة :
_ قولت ادلعك … غلطانة يعني ؟!
استفز آسر هدوئها وقال:
_ يعني مالقيتيش غير سوكا ؟! …
قالت بلا اكتراث:
_ حاضر هدور على دلع غير سوكا .. ولحد ما الاقي هقولك يا سوكا …. سمكة مرات سوكا .. والله حلو ..
واطلقت ضحكة عالية فاغتاظ منها أكثر وقال :
_ لا مش حلو ومش عايز اسمعه تاني …
صمتت سما وعرفت كيف تستفزه عن طريق المزاح …. ثم قالت :
_ كنت عايز تتكلم معايا في إيه بقا ؟
تنفس آسر بهدوء ثم قال لها بنظرة مليئة بالاشتياق :
_ وحشني الكلام معاكي … عايز اتكلم وخلاص، هو عيب ؟!
هزت رأسها بالنفي وقالت بلطف:
_ لأ مش عيب … اتكلم ..
صدمها عندما أخذ يدها بقبضته وسارا جانبا لجنب … ولكنها لم تبعدها عن يده وسارت معه بأمان وهي تبتسم … ثم قال :
_ عارفة يا سما … أنا بفكر من دلوقتي يبقى لينا شقة مستقلة لوحدنا …
دهشت سما ووقفت قائلة باعتراض:
_ ونسيب أهلنا هنا ونمشي ؟! …. لا مش موافقة ، أنا مقدرش عنهم بعد ما اتجمعنا كلنا ! …
قال موضحاً رأيه:
_ لا مش أقصد اللي فهمتيه، اقصد أني اشتري شقة تبقى لينا .. يعني لو حبينا نقضي فيها كام يوم كده تمام … مش اقصد أننا نسيب العيلة تمامًا … جدي مش هيسمح بكده اصلًا وهيزعل جدًا ….
سارت بجانبه مجددًا وقد فهمت ما يدور بخلده فقالت:
_ لو كده مافيش مشكلة …
فسألها:
_ متمسكة بجو العيلة أنتي …. ده شيء جميل ..
تنهدت سما وقالت :
_ ما هو مش بعد ما اتحرم السنين اللي فاتت دي كلها من لمة العيلة ارجع ابعد عنهما تاني ؟! … خصوصا أن مافيش سبب يخليني أبعد … عمي وجدي وبيتمنوا لينا الرضا نرضى … وولاد عمامي بيعاملونا كويس جدًا وهيتجوزوا أخواتي … وأخواتي وأمي دول النفس اللي بتنفسه … يبقى بأي عقل ابعد عنهم عشان اروح اقعد بين اربع حيطان على ما ترجع من شغلك؟!
نظر لها بعمق وقال بصوتٍ هامس:
_ طب وأنا فين من حساباتك ؟! …. يعني لو جاتلي سفرية شغل برا هتنفعني في مستقبلي هترفضي تيجي معايا ؟!
ضاقت سما من دفة الحديث وأجابت بصراحة:
_ ساعتها مش هيبقى البعد بمزاجي .. هاجي معاك بس هتمنى كل يوم ارجع لعيلتي وافرح وسطيهم … بس بصراحة مش نعيش بعيد ..
وقف أمامها وقال بحنان:
_ وأنا من رأيك ومن نفسي عمري ما هختار ابعد عن عيلتي … يعني تفتكري بعد ما فهمنا جدنا واتصالحنا وكل شيء بقى تمام ممكن اختار أمشي وابعد عنهم كده بسهولة ؟! … كل الحكاية بس أني عايز يبقى لينا مساحة خاصة لوحدنا .. كل فترة كده أخدك ونقعد في شقتنا كام يوم … ونرجع تاني عادي خالص .
كانت تتأمله سما بابتسامة … ليس لشيء إلا أنه يجمعها بأحلامه … يمزجها معه في كل خططه الآتية … يريد أن ينفرد بها ولو لبعض الوقت … وهذا ما حلمت به طويلا … يبدو أن قلبه بدأ يدق لها وبها … أو ربما كان يطرق منذ مدة ولم تلحظ أو تنتبه في غفلة تحديهما بالأيام الماضية… فقالت بموافقة :
_ موافقة طبعا …
فاقترب منها وقبّل جبينها ولكنه تباطيء في الابتعاد وعينيه تطوفان على وجهها ببطء .. فابتعدت عنه عندما شعرت بالخطر ووجهها أصبح كتلة أحمرار من الحياء …. وخيم الصمت عليهما وهما يسيران مبتسمان بين الزهور والأشجار …
*********
وعند الساعة التاسعة صباحاً … كان قد استقبل وجيه الطبيب المتخصص في طب العيون في غرفة ليلى … ولم يخبرا الصغيرة أن هناك فحص سيحدث …
شحب وجه ليلى وهي تنظر لوجيه بخوف من معرفة قرار الطبيب … وصوب وجيه نظرات آمنة وحنونة لها كي تهدأ وتعتبر الأمر ليس إلا فحص روتيني ان لم يفيد فلن يضر أيضا ….
نظر الطبيب بابتسامة للصغيرة التي بالكاد استطاعت ليلى ايقاظها من النوم ولا زال يملأ جفونها النعاس … فقال لها برقة:
_ تعرفي أن بنوتي شبهك أوي .
ابتسمت الصغيرة لحديث الطبيب، حتى شاكسها الطبيب ومرر يده على رأسها وقال :
_ حتى شعرها لون شعرك بالضبط ..
قالت الصغيرة وقد تحمست :
_ بتعمل ضفيرة زيي كده ؟
أجاب الطبيب عليها مبتسما بحنان:
_ بتعمل ضفيرة زيك برضو … وريني لون عينك كده .. ؟
شدت الصغيرة جفنيها بأصبعيها كي يتأملهما ظنا منها ببراءة الطلب، ولكنه وضع جهاز به ضوء مشع اتجاه عينيها ودقق النظر
… وقال :
_ حركي عيني كده عشان اتأكد من اللون ؟.
حركت الصغيرة عينيها ولم تعتقد شيء آخر أكثر مما قاله الطبيب، ثم ابتعد وهو يقول لها :
_ نفس لون عينك برضو ، هبقى اجيبهالك تلعب معاكي … هتبقوا كأنكم أخوات توأم …
فرحت الصغيرة وقالت وهي تصفق بيديها :
_ أختي … جيبهالي النهاردة ..
فحص الطبيب تقارير الأشعة الماضية ، ثم دقق النظر في الأشعة الذي أجراها وجيه على الصغيرة منذ أيام بحيلة أخرى حتى لا تحزن بمعرفة أنها ستظل هكذا …
تنهد الطبيب بقوة ثم قال لها قبل أن يخرج :
_ حاضر هخلي مامتها تجيبها تقعد معاكي … هي اسمها أيسل ..
ونظر لوجيه قائلًا :
_ بعد أذنك يا دكتور ممكن نتكلم شوية ..
سقطت دمعة من عين ليلى وقد ادركت ما يخفيه الطبيب ….
وخرج وجيه معه خارج الغرفة …. حيث قال الطبيب بأسف :
_ كان المفروص الفحص يكون ادق من كده بس عشان نفسية البنت رضيت باقتراحك …بس كل الأشعة بتاعتها القديمة والجديدة ما تدنيش أي طريق لعلاجها … أنا اسف يا دكتور وجيه …. كان نفسي أطمنك بس الحالة فعلا ميئوس منها، وأي عمليات مش هيكون لها أي فايدة غير ارهاق البنت وخلاص … خصوصا أن اللي سبب فقدان بصرها تسمم اكسجيني في الحضانة بعد ولادتها مباشرةً، وفات كتير أوي على علاجها… أنا أسف …
ازدرد وجيه ريقه بمرارة ثم قال راضٍ بقضاء الله:
_ أنت عملت اللي عليك يا دكتور ما تتأسفش … ده قضاء ربنا وراضيين بيه الحمد لله ..
قال الطبيب بلطف:
_ فقدان البصر مش نهاية المطاف، في نماذج كتير جدًا ناجحين وعلماء وكتاب ومشهورين من فاقدي البصر … والأكيد أن الانسان بيبتلى ابتلاء مالوش يد فيه ربنا بيفتحله أبواب تانية يقدر يعيش منها وفيها .. مع كل إبتلاء منحة.
قال وجيه وقد لطف حديث الطبيب حدة المرارة :
_ ونعم بالله …
وعندما استدار الطبيب وابتعد انتبه وجيه أن ليلى تقف بمدخل الغرفة تنظر لهما في دموع صامته، تنهد وتوجه لها، ثم ودون أن يتحدث أخذها من يدها بلمسة حنونة وألقى نظرة سريعة على الصغيرة التي تاهت بالنوم مجددًا … ثم قال لليلى :
_ تعالي معايا المكتب بتاعي يا ليلى ..
واجهشت ليلى بالبكاء وهي تسير معه … فقد سمعت اعتذار الطبيب له ونظرات الأسف بعينيه … حتى دخل وجيه مكتبه وادخلها ثم اغلق الباب عليهما ….
ووقفت ليلى تضع يدها على فمها وتبكِ بعنف … فضمها بحنان مواسيًا :
_ ربنا موجود … يبقى دايمًا في أمل ..
قالت ليلى وهي تنخرط ببكاء شديد رغم توقعها النتيجة سابقا :
_ خايفة عليها من الناس والزمن، خايفة عليها اسيبها في يوم ومكنش موجودة … الناس مابترحمش يا وجيه وبنتي ضعيفة ..
رغم حنان لمسته لكنه قال بحدة معترضا على حديثها :
_ ريميه مش ضعيفة ولا هي لوحدها ولا هتكون لوحدها!! … ومش عايزك تتكلمي كده تاني يا ليلى … ريميه وسطنا كلنا .. كلنا بنموت في الهوا اللي بتتنفسه … ده حتى أبويا اتعلق بيها اكتر مني انا شخصياً … كلنا بنحبها وكلنا جنبها … الضعف بيبقى من شخصية الانسان وفكره مش من نظره أبدًا …
ونظر لعينيها الباكيتان وقال بحنان:
_ أنتي مريتي بالضعف رغم أن ربنا أنعم عليكي بالبصر ، وأنا مريت بنفس الضعف ده مقاومتهوش بالبصر يعني!… مسيرها تكبر وتتأكدي من كلامي … وتعرفي أن اللي كنتي فكراها ضعيفة دي هتبقى أقوى شخصية في عيلة الزيان بحالها … دي بنتي يا ليلى وانا مسؤول عنها وعن وعدي ده ليكي … وقريب أوي هقدملها في مدرسة خاصة اخترتها مخصوص بعد بحث كتير ..
نسم وعدها لطائف الأمن بداخلها .. ولو بعض الشيء ولكن قل خوفها .. وظلت تسند رأسها على صدره حتى هدأت تمامًا ..
*******
وعلى عكس الأمس …
أتت فرحة للعمل بهذا اليوم متأخرة ما يزيد عن الساعة والنصف … وحينما دخلت وجدت “ديمة” منكبة في عملها، ولكن عندما دخلت فرحة رفعت ديمة رأسها وقالت بسخرية:
_ ما بدري …؟!!
ابتلعت فرحة سخريتها بهدوء وقالت باعتذار:
_ معلش والله بس سهرت شوية امبارح ومكنتش عارفة أنام وصحيت متأخر غصب عني …
احتد صوت ديمة أكثر وقالت :
_ عارفة مستر زايد سأل عنك كام مرة وبسببك اتعصب عليا على الصبح ؟!
راق فرحة سؤال زايد عنها وأخفت ابتسامتها حتى قالت لديمة باعتذار حقيقي :
_ خلاص بقا أسفة حقك عليا يا ستي …
تنفست ديمة بعصبية ثم قالت بشيء من السخرية والاستهزاء وهي تعود للاوراق بيدها من جديد :
_ قال يعني بقيتي مهمة يا فرحة ! … اللي يشوف كده ما يقولش أن شغل امبارح اغلبه مستنيني أخلصه ! … يوم واحد بس غيبته الشغل اتعطل كله ! ..
وهنا بدأت فرحة تضيق من سرب الكلمات اللاذعة التي تصوبها ديمة بوجهها … أن تأخرت بعض الشيء فقد اعتذرت! ..
وحتى أن تأخرها وهي لا زالت تتدرب لن يضيق ديمة لهذا الأمر ..! .. وعصبية زايد عليها لن تصل ابدًا للأهانة فلما تفعل كل هذا؟! …
جلست وهي تزفر بحدة ، ثم تذكرت الكتب الثلاث وقررت وضع أحدهم في المكتب بعدما أتممته قراءة بالليلة الفائتة … وهذا ما جعلها تتأخر في النوم، ولكنها شعرت بالحرج بأن تفصح بذلك … وما أن كادت تنتهي من وضع الكتاب برف الكتب حتى فُتح باب مكتب زايد وهي تواليه ظهره …
وعلى قدر التوتر الذي اقتحمها الآن على قدر الابتسامة الواسعة التي ظهرت على ثغرها وحمدت وقفتها أمام المكتبة كي لا يرها أحد…
وسمعت أنفاسه المتسارعة دلالاة العصبية وكتم الغيظ، ولا تعرف لما أرادت أن تضحك بقوة !! …
وظلت واقفة تنظر بكتاب آخر ومتظاهرة بقراءة مقدمته حتى يذهب زايد داخل مكتبه ولا يتواجهان …
فسمعته يقول بنبرة صوت تخللها الغضب مع طيف سخرية :
_ ما صباح الخير يا سيادة المديرة؟! أسفين يعني لو كنا قلقناكي !
كتمت فرحة ضحكتها والتفتت عندما استطاعت التماسك وبيدها الكتاب تخفي نصف وجهها بيه .. وقالت وكأن ليس بالأمر شيء :
_ صباح النور يا مستر ..
وهنا رفعت نظرها له فوجدته يتطلع بها بغيظ شديد ويبدو أنه لاحظ ابتسامتها التي تخفي نوبة من الضحك …. فأشار لها بنظرة حادة تهديدية لكي تتبعه على المكتب … ودخل مكتبه تاركا الباب مفتوح قليلا … فدخلت فرحة بوجه لا تعابير له، وشعرت بوجوب عودتها لحدتها القديمة معه ..
وعندما شرعت بالدخول ووقفت أمامه لاحظت دخان السجائر المعبأ بالمكتب .. وهو يعود ويشعل سيجارة باسلوب عصبي ويضعها بفمه .. فقالت باستياء حقيقي :
_ أزاي قاعد والمكتب مليان دخان بالشكل ده !! … وبعدين هو أنت طلعت بتشرب سجاير ؟! مخدتش بالي قبل كده !
زم شفتيه بعصبية وهو ينظر لها ثم تحدث بغيظ شديد من بين اسنانه:
_ فكرت أنك مش جاية، لا اتصلتي ولا اعتذرتي … فكرتك سيبتي الشغل وصرفتي نظر! ..
وابتسمت سرًا لنفسها ولكنها ظهرت ثابته تنظر للكتاب بيدها … فقالت :
_ كنت مشغولة بكتاب من اللي خدتهم امبارح وسهرت عليه … قومت متأخر غصب عني أنا اسفة …
ضيق عينيه عليها بنظرة غاضبة ثم اطفأ السيجارة من يده وقال لها وهو يشير لمكتبة الكتب الخاصة بمكتبه:
_ طب بصي للمكتبة دي كده ..
التفتت فرحة للمكتبه فوجدت رزمة مصطفة ومرتفعة على بعضها … وتعجب قائلة :
_ دي كتب !
فقال بغيظ ولمحة من المزاح:
_ اومال ساندويتشات !
عبس هها بينما بداخلها كانت تنخرط بالضحك … فعاد قائلا باهتمام :
_ جبتلك كتب كتير ، لنفس الكتاب اللي بتقريلهم … شوفيهم كده وقوليلي رأيك ..
قالت باستفسار وتعجب:
_ اشتريتهم ليا أنا …؟!
هز رأسه بالايجاب دون أن ينطق … فقالت بحسم :
_ بس انا مش عايزة كتب .. ومش هاخدهم ..
عاد بظهره للمكتب باسترخاء وقال بمكر :
_ خلاص حطيهم في المكتبة اللي برا … مكتبتي مليانة ..
نظرت فرحة لكمية الكتب وقالت بضيق وعبوس :
_ هشيل كل ده ! ..
ابتسم رغما وقال :
_ هبعت حد يطلعهم … بس ما تتأخريش تاني ، ولو حصل اي ظرف اتصلي بيا طمنيني .. ومش هشرب سجاير وأنتي هنا …
قالت باستغراب ولكنها قصدت استفزازه:
_ واتصل بحضرتك ليه لما ممكن اتصل بـ ديمة ؟!
صمت وهو ينظر بحدة كأنه يكتم بداخله كلمات غاضبة … ثم قال :
_ تمام أنتي صح… فطرتي ولا نسيتي ؟!
اجابت فرحة دون أن تدرك :
_ طب وأنت مالك يا كابتن.. ؟!
وضعت يدها على فمها بعد ما قالته، ثم وجدت نفسها تكتم ضحكة ظهرت للتو ….. وركضت من المكتب بعد ذلك ….
ظل زايد ينظر لها بصمت حتى نظر للأوراق وانطلقت ضحكة على شفتيه ..
يتبع…
- لقراءة الفصل التالي: اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية قلبي و عيناك و الأيام)