روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الخمسون 55 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الخامس و الخمسون 55 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الخامس و الخمسون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الخامس و الخمسون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الخامسة و الخمسون

.. اقتراح عمل وخطوبة قريبة….؟!…~
ابتسمت ليلى بحنان ومحبة وهي تره يضحك عاليًا والصغيرة تتبعه في المرح بمنتهى العفوية …
يُصبح الصباح صباح الخير عندما نبدأه وبجانبنا الأقرب إلينا … الأقرب للقلب تحديدًا …
تنهدت براحة وملامحها تتنفس أشراقة صباحية ولون وردي سكن على بشرتها ببهاء .. حتى وضعت المنشفة على ظهر مقعد المرآة واقتربت إليهما هذان المشاكسان … المتربعان بأعلى منازل القلب.
وقبل الخطوة الاخيرة إليهما رفع وجيه ذراعه وقبض على معصمها جاذبًا إياها إليه في لهفةً واضحة، أكثر ما أوضحها قوة يديه لسرعة الاقتراب … حطت جالسة بجانبه في خطفةً من الزمن، ونظرت بعينيه للحظات طوال …. وكأن الثواني معه تعويضا مُرضي عن سنواتٍ من الألم!
وعلى رغم كل شيء حدث بالأمس وبالسنوات البعيدة الماضية … ألا أن قوة مشاعره اتجاهها لم تقلّ يومًا … كل مرة كان يرها فيها كان أول شيء يلتمع بخاطره هي كلمة “أحبك” … وأتى الفراق ومرت سنواتٍ ولم يتغير الحال سوى أنه أحبها أكثر !.. وانتظرها باشتياق كالأرض الصارخة العطش التي انتظرت عشر سنواتٍ عجاف.
لا زالت قبضته مُلتفة الأصابع حول معصمها … وتنقلت تلك اليد الخشنة القوية لتلمس أناملها بلمسة دافئة… وابتسمت ليلى برقة وعينيها تهربت من عينيه للحظاتٍ كانت فارقة جدًا معه …. ليتها تعلم أن بأقل لافته من البُعد الف دقة اشتياق ترهق قلبه!
وللحظة شعرت أنها تمتلك العالم بأسره بين يديها … ذلك الشعور الذي لم تخطئ فيه امرأة أبدًا …. شعور الوقوع كليًا في حب رجل ! …. أن تحبه كما هو به، وكما هو عليه … وأن يصبح جزءً منها وهي حتى لا تعرف متى بدأ قلبها الطريق إليه …
بينما نظراته كانت تهيم بها وجداً وحباً … شغفاً من نوعا نادر في الحب … لن يوجد بسهولة وأن وجد الحب كل يوم ! …
قالت الصغيرة بعفوية بعدما تأففت من الصمت الذي خيّم فجأة حولها:
_ عايزة قطتي كوكا يا بابا وجيه! …. انتوا سكتوا ليه ها ؟!
خرج وجيه من شروده بعدما فوجئ حقاً بصوت الصغيرة وقال كلمات منفصلة عن بعضها بشيء من الحرج يخفيه:

 

_ آه … هجيبهالك …. بعد ما ننزل …
وكتمت ليلى ضحكتها على طيف الحرج الذي مر بعينيه لثوانٍ وأنقطع بعدها وهاجر وظهر محله الجدية والحزم…. ثم توجه لها مرةً أخرى ولاحظ ضحكتها قبل أن تخفيها عن نظراته …..
وسأل برفة ابتسامة خبيثة تمر على سيماه:
_ أنتي هتنزلي كده ؟!
وكان يعرف الإجابة الطبيعية والمتوقعة بالرفض … ولكنه يشاكسها بمكر … فجابهت مكره وقالت بثقة وهي تمرر أناملها بخصلات شعرها في لافته تدلل ونعومة مقصودة :
_ وفيها إيه يعني ! … بصيت في المراية وشكلي عاجبني جدًا …. هو أنت معترض ولا تكون غيران !
ضيق عينيه بعض الشيء وهو يدرك أنها تحاوره بمكر الأنثى …. فسخر قائلًا :
_ وحجابك هتقوليله إيه ؟! …
وهنا لم تتماسك أكثر من ذلك ودخلت بنوبة ضحك استمرت لدقائق … وشاركها ومعه الصغيرة حتى ارتفعت صوت دق على باب الغرفة …. فنهض وجيه وهو يشاكس الصغيرة التي تبتسم وفتح الباب.
نظرت حميدة بتوتر واضح له، ومن بعده نظرت لليلى التي تجلس بإرياحية على الأريكة بالغرفة الواسعة الكبيرة ، فانتبه وجيه لتعابيرها المرتبكة والقلقة وقال بهدوء :
_ صباح الخير يا حميدة …
ابتلعت حميدة ريقها وتسلل إليها بعض الاطمئنان للمشهد الباعث للراحة بالنفس التي تراه، وقالت بقليل من التلعثم:
_ صباح النور يا عمي … أنا جيت أطمن على ريميه وكمان أقولكم أن الفطار فاضله دقايق ويجهز.
نهضت ليلى من مقعدها وأرادت الاعتذار لحميدة عن معاملتها الجافة بساعات الليل الفائتة، وتقدمت إليها ثم قالت بلطف :
_ تعالي يا حميدة.
نظرت حميدة لعمها التي لمحته يبتسم لها، وعلى حين غرة وجدته يجذب معصمها للداخل برفق ثم أغلق الباب عليهم …. وقبل أن تبدأ ليلى بالحديث أجهشت حميدة بالبكاء!، وكأنها كانت تكتم تلك الدمعات بالقوة والآن استطاعت تحريرهم وفك قيدهم أخيرًا ….
عبس وجه الصغيرة من صوت بكاء حميدة ففردت ذراعيه أمامها كي تستجيب حميدة وتأخذها …. وهذا بالفعل ما حدث في لحظاتٍ خاطفة، وضمتها حميدة برقة وهي تبكي وتقول بتحشرج صوتها من الدموع :
_ والله يا عمي ما حسيت نمت أزاي وما انتبهتش ليها خالص … شكلها مش راضي يروح من قدام عنيا … مش عايزاكم تزعلوا مني.
التف ذراعيّ الصغيرة حول عنق حميدة برقة شديدة وقالت هامسة لها بمواساة:
_ ما تعيطيش يا حميدة عشان خاطري بقا…
ضمتها حميدة بكل رقة حتى ربت وجيه على كتفها بحنان وقال مبتسما :
_ ما تعيطيش زي ما قالتلك ريمو … محصلش حاجة الحمد لله والبنت كويسة… مش كده يا ريمو ؟
هزت الصغيرة رأسها بتأكيد وقالت :
_ أيوة…
مسحت ليلى دمعة هربت من عينيها متأثرة ببكاء حميدة وقالت بألفة وابتسامة بسيطة:
_ حبيبتي محصلش حاجة الحمد لله … ريميه بقالها فترة بتشوف الكوابيس دي وبتأثر على نفسيتها لما بتصحى … بعدها بتبدأ ترجع لطبيعتها تاني … بس أن شاء الله قريب أوي هينتهي الموضوع ده …
أخذت حميدة أنفاسها أخيرا من البكاء واستطاعت التحكم قليلا .. ثم تحدثت بصوتٍ به بحة :
_ أن شاء الله …. المهم أنها بخير ..
كفكف وجيه دموع حميدة بأنامله في لمسة آمنة أبوية، ثم قال بنظرة مرحة ليبث بالأجواء بعض البهجة :
_ هتردي عليا في موضوع يوسف النهاردة … أظن اديتك وقتك !
اقتحمت الابتسامة وجه حميدة بعد الدموع … رغم أن امتزج بها نسمات الحياء الصافية … وتمتمت وهي تمسح ما تبقى من

 

دموعها :
_ بأذن الله …
وقد اتضح أن حميدة قد اتخذت قرارها أخيرًا ، أو ربما أخذته منذ وقت … ولكن في النهاية تبدو راضية تمامًا بما قررته .. وهذا الأهم.
واستأذنت حميدة من عمها وزوجته قائلة :
_ طب بعد أذنكم هاخد ريميه معايا وأنا نازلة …. أصل بيسألوا عليها كلهم تحت …
وترك وجيه القرار لليلى رغم أنه لم يكون مخطئ إذا وافق … فوافقت ليلى بابتسامة وقالت :
_ ماشي يا حميدة خديها، بس أستنيني دقيقتين أكون غسلتلها وشها وغيرتلها هدومها …
وأومأت حميدة بموافقة وترحاب …. وبعد تلك الدقائق قد جهزت ليلى صغيرتها تمامًا وأخذتها حميدة … فأوقفتها ليلى قائلة بنظرة جدية :
_ لو حبيتي تتكلمي يا حميدة مع حد فأنا موجودة …. ما تترديش أبدًا تجيلي في أي وقت.
نظرت لها حميدة بتعجب … وشعرت أن ليلى قرأت أفكارها بسهولة تحسد عليها! …. فقد كانت حميدة تطلع منذ أيام لأن تتحدث مع أحدا خارج محيط عائلتها الصغيرة المكونة من شقيقتها وأمها …. فابتسمت واكتفت بإيماءة موافقة من رأسها وأخذت الصغيرة وخرجت من الغرفة للطابق الأرضي.
وأغلق وجيه الباب ثم استدار لليلى التي توجهت لخزانة الملابس لتنتقي منها ما يلزم ….واقترب إليها بنظرة مبتسمة وماكرة … ثم همس بصوتٍ يعرف أنه يربكها وقال مقتربا لها :
_ مبسوط أنك قولتيلها كده … أنا حسيت أنها كان نفسها تتكلم معاكي …. هفرح لو صاحبتيهم كلهم …
التفتت ليلى له بابتسامة واثقة وقالت بصدق :
_ هي نفسها تتكلم مع حد برا عليتها …
تعجب وجيه وقال :
_ المفروض إنك من العيلة دلوقتي !
تنهدت ليلى وهي تنظر له وتجيب بجدية :
_ بس مش أختها، ولا أمها، مش في نفس الدايرة دي أقصد … فممكن اكون شايفة حاجة هما مش شايفنها …
قال وجيه مبتسما بخبث وهو يجذبها إليه :
_ أو يمكن عشان باين أنك المميزة عندي … وبعاملك بأسلوب خاص عن الجميع ! …
مطت شفتيها بسخرية وهي تكتم ضحكة :
_ المميزة عندك ! …. ليه هو أنت عندك كام واحدة !
ضيق وجيه عينيه بنظرة ماكرة خطيرة وقال :
_ ممكن يبقى عندي كتير على فكرة … ما تتحدنيش !
رفعت ليلى حاجبيها وقالت بنظرة تهديد :
_ لأ أتحداك …. وما تبدأش تستفزني عشان بترجع تزعل لما اتنرفز … قال كتير قال ! ، دي واحدة ومش عارفة أنام الليل بسببها تقوم تجيبلي تاني ! … يارب موت كل الحريم اللي في الدنيا … إلا أنا وبنتي.
وتخلصت من قبضته القوية ، واستدارت لخزانة الملابس بعصبية واضحة جعلت ابتسامته تتسع بتسلية … ومرةً أخرى جذبها

 

لتصبح قريبة منه … وهمس لعينيها :
_ ماهو لو مكنتيش عندتي معايا من الأول كان زمانك بقيتي لوحدك في حياتي … زي ما لوحدك جوايا ….
تذكرت لقاء أتى بعد عشر سنوات وما اندرج بعده من خلافات وعقبات بينهما …. وقالت بعتاب حقيقي :
_ مكنش لازم توجعني أوي كده يا وجيه وتتصرف بالشكل ده … يمكن كنت ببعدك عني ، بس كان غصب عني ! … أنت رجعتلها بعد ما اتقابلنا تاني !
أجاب بنظرات صادقة ونبرة معترفة بالخطأ :
_ بعترف أني غلطت واتسرعت … رغم أني مش متعود اسيب نفسي للعند والعصبية واتصرف من غير تفكير …. بس جت لحظة عليا كنت ممكن اعمل أي شيء عشان أنساكي وأوقف تفكير فيكي بأي طريقة .. يا ليلى أنتي حطيتي قدامي استحالة ارتباطنا … ووجودك بعد ما لقيتك بالنسبالي كان مسألة حياة أو موت … محدش قدر يوصلني للمرحلة دي غيرك أنتي.
وكانت ابتسامته التالية غريبة عن مجرى الحديث الجاد والذي فتح سجل ذكريات مؤلمة …. فهمس بدفء قاصدا التأكيد على نطق كل كلمة :
_ عمري ما حبيت أن يكون ليا نقطة ضعف … بس أنتي نقطة ضعفي … والغريبة أني مبسوط بيها أوي وراضي ! …. راضي وبعتبر نفسي محظوظ جدًا … محظوظ لأني لقيتك وحبيتك للدرجة الغريبة دي … ومحظوظ أكتر أنك بقيتي ليا حلال وحق.
تلونت بشرتها بالحمرة الشديدة، وأشرقت عينيها البندقية بلمعة يذوب فيها عشقا… كلما توهجت وكلما رآها …. ولم تستطع قول كلمة بعد ذلك.. رغم أن ما تريد قوله سرب طويل من الكلمات التي وأن كثرت فلن تكفي لشعورا واحد تكنّه لهذا الرجل !
*********
نامت سمر بمنزل عائلة جيهان وقضت ليلها في سهاد لجزءً كبيرا منه ، وبنفسها صراع عنيف رسم الأرق حول عينيها.
وبهذا الصباح أيضا فعلت جيهان ما فعلته بصباح الأمس ودخلت عليها بصينية الطعام …. وصممت أيضا أن يتشاركان في تناوله.
وكانت جيهان تريد منها أي فضفضة وثرثرة تنفض ولو قليل من هذا الألم المحتقن بعينيّ سمر…. ولكن الأخرى لم تستجيب لرغبة جيهان الخفية .. والواضحة في عينيها.
فقالت جيهان بلطف :
_ حاسة أن جواكي كلام كتير محتاجة تقوليه … بس مش قادرة دلوقتي … عموما في أي وقت تحتاجي تتكلمي هتلاقيني جانبك وهسمعلك.
تطلعت سمر بنظرات فيها أطياف شاسعة من الخواء ! …. نظرات خالية من شغف الحياة ذاتها ! …. كأنها فقدت كل ما يهمها أمره بالحياة ! …..وقالت بضعف:
_ أنا اللي جوايا مش كلام … جوايا صرخة مستنية تطلع وتفوقني لروحي …. جوايا حرمان للأمان حوجني لراجل كسرني أكتر من الوحدة واليتم … نفسي أفضل اعيط واصرخ في مكان لوحدي … محدش يسمعني فيه … ولا يبصلي بشفقة !
سقطت دموع جيهان وهي تنظر لسمر بكسرة … كأنها وصلت لعقر الألم الحقيقي بداخلها …. وللغرابة أن تلك نفس أمنيتها … أن تصرخ وتصرخ حتى تجد للراحة سبيلا.
وقالت جيهان بصوتٍ مرتجف من البكاء:
_ مش عارفة الظروف هي اللي بتوصلنا للضعف ده … ولا أحنا اصلا اللي كنا ضعاف ومش حاسين ! …. ليه فراق الأهل

 

 

بيكسرنا للدرجة دي !
انهمرت دموع سمر وقالت وعينيها لا زالت للبعيد:
_ الكسرة الحقيقية بتيجي من الناس بعد ما بتبقي لوحدك …. مش هتلاقي حد يحبك لوجه الله كده بسهولة ! … وهتكتر أوي الوشوش حواليكي … واللي مش هيلاقي عندك مصلحته يبقى كرم منه لو سابك في حالك ! …. هتتصدمي كتير أوي في أقرب الناس… وهتحتاجي للأمان أكتر من أي شيء … هتدوري عليه زي ما روحك بتدور على الهوا اللي بتتنفسه ….
وهيبقى الحب بالنسبالك مش أي شيء تاني غير الأمان !
وأضافت سمر ببكاء وحسرة :
_ ويا ويلك لو الاحتياج ده وقعك في طريق واحد ما يعرفش ربنا … وكان مسترخصك !
كانت سمر تتحدث عن نفسها كليًا … ولكن شرود جيهان ودموعها كأنها تتحدث بلسان حالها ! …. فنهضت جيهان واقفة بحركة خاطفة وقالت وهي تخفي دموعها جاهدة :
_ هروح اعمل تليفون ورجعالك … خلصي فطارك .
واستدارت جيهان شبه راكضة من الغرفة وهي توقف دموعها حتى تنفرد بنفسها لبعض الوقت ….
حتى دخلت غرفتها وارتمت على الفراش باكية ….. والشيء العجيب الذي من المفترض أنه آخر شيء تشعر به بعد تلك الكلمات المؤلمة هو شعورها الجارف الاشتياق لوجيه !
*********
وتجمعت عائلة الزيان حول المائدة … بشبابها وفتياتها …..
وقال الجد رشدي مستغلا هذا التجمع وبعدما أنتهى الجميع تقريبًا من تناول فطور الصباح :
_ بما أني مش لاقي وقت اكلمك فيه يا وجيه … فلازم اتكلم معاك دلوقتي قبل ما تروح المستشفى.
تمتم رعد بضيق وقال بصوتٍ خافت :
_ خير اللهم اجعله خير !
ولاحظ الجميع شرود رضوى … ولكنهم لم يعقبوا عليه وانتبه الجميع لحديث الجد حينما قال :
_ عاصم اتصل بيا امبارح وحدد ميعاد معايا … هيجوا تاني !
قال جاسر ساخرا :
_ كنت متأكد !
القى رعد ملعقة الشاي الصغيرة بعصبية بجانب الفنجان وبشكل لاحظه الجميع … أو ربما التفتوا إليه قبل أي رد فعل منه ! …. ابعد وجيه نظرته عن رعد وعاد قائلا لأبيه :
_ والميعاد ده أمتى ؟
أجاب الجد سريعا :

 

 

_ بكرة …
وهنا أطلق رعد زفرة حادة مسموعة لمن حوله كأنه يرغب بشدة أن يدخل شجار عنيف مع أي مخلوق !
ونظر الصبي نعناعة لرضوى لبعض الوقت ثم قال :
_ بصراحة يا جدي أنا مش مرتاح للي اسمه وائل ده …. المرة اللي فاتت راقبت كلامه ومحستش أنه ينفع رضوى خالص …
ابتسم رعد للصبي باستحسان ثم قال بتأكيد قوله :
_ والله ده رأينا كلنا … أنت طلعت بتفهم ولماح يا نعناعة … عقبال اللي في بالي !
شعرت ليلى بفضول أن ترى وجه رضوى … فوجدتها ترمق رعد بنظرات حادة … ولم تعرف لما كل هذا الشرخ بينهما ! …. فهي لم تتدخل بالأمور ولم تعرف السبب الحقيقي خلف الشجار الدائم بين الفتيات والشباب ….
ولكي يلطف وجيه الأجواء المتوترة حوله قال :
_ نتكلم في الموضوع ده لما ارجع بليل بأذن الله …. وكمان مستني رد حميدة النهاردة … وهسيبلها النهار بطوله تحسم أمرها وتقرر قرار نهائي.
ابتسم يوسف ابتسامة عريضة ظهرت فجأة على وجهه وقال بسعادة :
_ ما تاخد رأيها دلوقتي يا عمي … هو أنا هستنى لـ بليل !
قال جاسر بغمزة ليوسف وابتسامة واسعة:
_ متسهلالك ومفروشالك ورد يابن المحظوظة !
لكمه جده بضحكة وقال بنظرة ماكرة:
_ عشان عمره ما زعلني … ده رضايا عليه يا فاسد !
نظر جاسر لجميلة بابتسامة خبيثة وقال :
_ يا جدي أنا مش فاسد … أنا كلامي بيوحي بكده أنما أنا طيب …. طيب طيبة رهيبة ! … مش كده يا عمي ؟
كتم وجيه ضحكته وقال متظاهرا بالجدية :
_ آه طبعا …. والمستشفى كلها تشهد !
ضيقت جميلة عينيها بمكر وقالت لجدها وعينيها تخفي الكثير من المفاجآت :
_ بمناسبة المستشفى يا جدي … هو أنت قولت لعمي وجيه على اللي اتفقنا عليه ؟
رفع جاسر حاجبه الايمن بتحدي … ولاحظ أنها تخفي شيء بالطبع سيغضبه …. فقال الجد بجدية :
_ آه كلمته في الموضوع ده من كذا يوم واتفقنا …. صحيح يا وجيه عملت إيه في شغل البنات ؟
حملق جاسر عينيه بقوة وبدهشة …. وكذلك فعل الشباب باستثناء يوسف الذي كان يبتسم لحميدة ببلاهة ….. فأجاب وجيه بهدوء بعدما ارتشف من فنجان قهوته :
_ شوفتلهم شغل مؤقت في الادارة …. بس ده يعتبر فترة تدريب … أنما الشغل الأساسي هيكون بعد ما يخلصوا دراسة ويشتغلوا بشهادتهم الأساسية …. النظام نظام …. نبدأ بعد يومين بأذن الله على ما اخلص كل شيء في الموضوع ده.
ضرب جاسر يده على جبهته بصدمة ….. بينما شرد آسر بوجه متجمد لا تعابير له ….. والغريب أن رعد ابتهج فجأة للخبر وكان ابتهاجه ذلك محط سخرية بنظر رضوى !
وتذكرت موقف آخر من أيام مضت … تلقى خبر قرابته لها بشكل مؤسف …. واليوم يتلقى خبر صلة مشاركة أخرى بالترحاب والقبول ! ….
وعلى رغم غضبه الشديد من خبر عودة أمر عرض الخطوبة من ذلك السمج وائل … ولكنه استبشر خيرا من العمل معه بمكانٍ واحد ! …. وقربه منها بالعمل أيضا …
********
دخل وجيه سيارته استعدادًا للذهاب للمشفى …. وأتت خلفه ليلى ومعها هاتفه الذي تركه على مائدة الطعام بالخطأ.
ودقت بخفة على زجاج السيارة وهي تبتسم بمرح وتخفي الهاتف بيدها التي تواريها خلف ظهرها …. فخرج وجيه من السيارة وتوجه إليها مباشرة وبعينيه لمحة من المكر والابتسامة الخفيفة …… فقالت ليلى بمراوغة :
_ مش ناسي حاجة ؟
نظر حوله ليتفحص المكان بالمراج ولم يجد متلصص … فاقترب منها ببطء جعلها تبتسم بقوة … ثم فجأة جذب يدها التي تخفيها للأمام وقال بابتسامة واسعة وهو يفرد اصابع يدها عن هاتفه:
_ نسيت الموبايل !
عبست ليلى بغيظ ووضعت الهاتف بيده قائلة :
_ ربنا يخليهولك !
ووضعت الهاتف بيده وكادت أن تبتعد بعصبية … حتى جذبها إليه بضحكة وهمس بأذنها:
_ طب على فكرة … أنا ما نسيتهوش وسيبته مخصوص …
أخفت ابتسامتها لتظهر أكثر ثبات وقالت بقوة :

 

_ مش مصدقاك على فكرة ….
ومرت عليهما لحظاتٍ من الرومانسية، ثم ارتفع صوت الهاتف باتصال …. ابتعدت ليلى وخطفت الهاتف منه وهي تضحك بمرح …ولكن ضحكتها لم تدوم حينما رأت رقم جيهان هو المتصل …. فقالت وقد تبدلت ضحكتها للنقيض :
_ جيهان بتتصل .
أخذ وجيه منها الهاتف وهو ينظر لها بترقب تبدل مزاجها بلحظة ! …. وأجاب على الهاتف :
_ صباح الخير يا جيهان ….
احتدت أنفاس ليلى واصبحت مسموعة … فنظر لها بتوجس ثم ابتعد عدة خطوات عنها وتابع :
_ أنتي بخير ؟
ابتلعت جيهان شهقاتها الباكية وقالت بصوتٍ حزين :
_ وجيه أنا محتجالك …. أنا هفضل هنا في بيت بابا … بس أنت تجيلي هنا … ارجوك ما ترفضش…. أظن النهاردة من حقي … ومن حقي كمان اطلب منك تجيلي بيت والدي … هرتاح هنا أكتر لو قضيت فيه كام يوم.
قال وجيه بنفور من هذا الاقتراح :
_ تقصدي أبات في بيت والدك يعني النهاردة ؟! …. أنتي عارفة يا جيهان أني …
وقاطعته جيهان واعلنت بكائها قائلة برجاء:
_ ارجوك ما ترفضش ! ….
وكانت ليلى تأجج بداخلها الغضب عندما ادركت مغزى الحديث وتحركت مبتعدة عنه … فقبض وجيه على معصمها وأوقفه وعينيه عليها ونظراته تأمرها بالانتظار … ولكنه أجاب جيهان مضطرا :
_ طيب يا جيهان مافيش مشكلة … هجيلك بعد ما اخلص شغلي .
وكانت جيهان على وشك أن تشكره ! … ولكنها شعرت بسخافة الأمر …. فأنهت الأتصال دون أضافة كلمة أخرى ….
وهتف وجيه بليلى عندما اغلق الهاتف :
_ استني بقولك !
قالت ليلى بعصبية وهي تتهرب بعينيها الملتمعة بالدموع منه :
_ لو اتكلمت كلمة هتزعل مني زي العادة … ولما مشيت برضو زعلت ! …. اعملك إيه أنا ؟!
ربت وجيه على جانب وجهها برفق متفهما دموع عينيها المتلألئة وتتأهب للنزول :
_ جيهان بتتصل بيا وبتعيط يا ليلى … والطلب ده اللي هيريحها وأظن ده واجبي …
قالت ليلى بعصبية وانهمرت دموعها اخيرا :
_ يعني حتى مش هشوفك ولا هتبات في البيت ! …. هي طلبت كده وعارفة أني هزعل ! … ولو هي مكاني كانت هتزعل برضو ! ….
تحكم وجيه بأعصابه وقال :
_ ليلى هو أحنا هنفضل كده على طول ؟! …. أنا ليا شغلي اللي وأخد جزء كبير من تفكيري ووقتي ، يعني مش فاضي أراضي كل واحدة فيكم في اتفه المواقف بالشكل ده !
ده يومها يعني تقضيه معايا هنا أو في أي مكان في العالم هتفرق ايه ؟!
هز ليلى رأسها وهي تبكي :
_ لا مش هتفرق معايا طالما أنت شايف كده.
وعندما اقترب منها ليرضيها بطريقته ابتعدت وركضت للداخل وهي تبكي …. زفر بضيق شديد ولعن لحظة كانت أكثر لحظة شعر فيها بالغباء وذلك عندما وافق على عرض جيهان بالرجوع اليه.
ولم يكن متسع من الوقت ليعود ويتحدث معها …. ومع أسفه إنه مضطرا ومرغمًا للذهاب للعمل الآن.
********
وبغرفـــة زايد بالمشفى ….
بعدما أجبره الأطباء بالابتعاد عن محيط غرفة فرحة …. كي لا يعرض نفسه للإصابة بالعدوى …. يبدو الأمر خطيرا ، فقد راقبها لوقتً طويل ولاحظ شحوب وجهها وجفنيها الذي يتحرك ببطء شديد….
وضم الأختناق رئتيه بالألم فنهض مستندا على عكازه، وفتح نافذة الغرفة على مصراعيها … فمرت دمعة بعينيه لم تزره لسنواتٍ وسنوات، وقال متنهدا وهو يتوسل لرب العالمين :
_ بعد سنين العذاب دي كلها يارب أنا مش حمل عذاب تاني … وفراق تاني …. بعد ما لقيت فيها السكن والأمان … والانسانة اللي رسمتها في خيالي وافتكرت أنها مش موجودة في الحياة ! …. بس لقيتها صدفة … كل مشاعري اتحركت من ناحيتها بسرعة وغصب عني ، يمكن أنا نفسي مستغرب نفسي … خوفي ولهفتي عليها مش بتقول حاجة غير أني … بحبها !
أنا عايزها تقوم بالسلامة وتخف …. حتى لو هتبعد عني تاني بس تفضل عايشة ..
***********

يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *