روايات

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السادس و الستون 66 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل السادس و الستون 66 بقلم رحاب إبراهيم حسن

رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت السادس و الستون

رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء السادس و الستون

قلبي و عيناك و الأيام
قلبي و عيناك و الأيام

رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة السادسة و الستون

~… بداية جديدة…~
سارت سما بجانب آسر جنبا إلى جنب في هدوء وصمت مفعم بالكثير من المشاعر المضطربة.
يود لو يخبرها شيء ! …. ولكنه لا يعرف ما هو هذا الشيء تحديدًا ! .. يريد أن يتحدث ويتحدث، يتشاركا الأحاديث والأفكار، ويهدم هذا الحاجز الفاصل بينهما.
قال مبتسما بلطف :
_ من وقت ما أشتغلتي في المستشفى مابقتش عارف اتكلم معاكي زي الأول !
كانت تلف يديها حولها من تسلل بعض البرودة إليها ولفح الهواء البارد على بشرتها، ثم أجابت بصوتٍ ثابت حاولت فيه أن تخفي بعض من توترها:
_ على ما برجع بكون صدعت من الطريق، ولما برجع ببقى عايزة أنام.
اقتنع آسر بإجابتها فسأل باهتمام واضح:
_ طب وبعد الفرح هتفضلي تشتغلي ؟؟
ورغم أتخاذها سابقا قرارًا بهذا الشأن ولكنها أرادت أن تختبره فقالت:
_ أنت رأيك إيه ؟!
كان يعرف أن بهذا المكان سيكون بعيد عن الأعين المتلصصة ، فوقف آسر وهي قبالته وقال صراحةً:
_ لو عايزة رأيي بجد فرأيي أن مافيش داعي للشغل خالص دلوقتي، على الأقل وأنتي لسه بتدرسي، ويستحسن بلاش شغل من الاساس.
قالت بشيء من الانفعال:
_ أفهم من كلامك أنك هتمنعني أشتغل وأثبت نفسي ؟! ده مكنش اتفاقنا !
تحلّى آسر بالصبر والهدوء، ريثما أنهما على خطا ثابته للتفهم وتقارب الأفكار فقال:
_ في فرق أني أقولك رأيي ورغبتي، وفرق أني أمنعك وأجبرك على شيء، أنا عمري ما هجبرك على حاجة … مش بس عشانك، عشان أنا مابحبش أحس أني تقيل على حد … أو بتقل على حد.
وعندما كان صوته هادئ وهو يحدثها، كانت عينيه فيها العتاب واللوم ينضجان، فقالت بطيف اعتذار صادق:
_ مش أقصد أزعلك.
ابتسم لها بعاطفة وشعر بصدق تلك الكلمات البسيطة التي دحضت ضيقه، فأخرج من جيبه علبة صغيرة قد أخفاها حتى وقتها المناسب … فراقبته بتعجب وهو يفتح العلبة ويرفع عنها قلادة رفيعة من الذهب الأبيض … وضع العلبة في جيبه مجددًا ثم نظر للقلادة بابتسامة وتفحص حرفي اسمها واسمه وقال:
_ أول حرف من اسمي واسمك، ممكن البسهالك ؟
نظرت سما للقلادة بأعجاب، فقد كانت شديدة الرقة في تصميمها المميز الراقِ، وبين حرفي اسمهما كانت توجد فراشة بها فص فضي يلتمع ببريق شديد … يبدو بخامته ولمعته تلك أكثر قيمة من الفضة … ولكنها استحيت أن تسأله فقالت:
_ هو لازم البسها دلوقتي ؟!
نظر لها بعتاب وكأن بترت ابتسامتها وتبدلت بالعبوس فقالت سريعا :
_ خلاص لبسهالي ما تزعلش.
استدارت سما ووالته ظهرها وارتسمت ابتسامة على شفتيها حمدت أنه لم يرها، ثم رفعت أطراف حجابها قليلًا من الخلف وبحركة بطيئة يبدو أنه تعمدها وضع القلادة حول عنقها، وارتبكت من حركة ذراعيه وهو يتتم وضع القلادة … وبعدها بدقيقة وضع آسر قبضتيه برقة على كتفها وهمس بأذنها:
_ خلاص …. عجبتك ؟
ازدردت سما ريقها بصعوبة وارتباك شديد واكتفت بهزة خفيفة من رأسها … فراقه ارتباكها الشديد هذا وهمس باسما :
_ بقت أجمل لما لبستيها يا سمكة.
وعندما أشتدت لمسته على اكتافها انتفضت وكادت أن تبتعد وتركض حتى قبض على معصمها واستوقفها.
وقفت وأنفاسها متسارعة من التوتر والحياء …. وعندما وقف قبالتها رفع وجهها اليه لتنظر له … وابتسم !!
ثم قبّل رأسها متمتما بشيء لم تفهمه، ولكنها تمنت أن يكن اعترافا ! … فنظر لها بنظرة عميقة من جديد وقال:
_ لو في قلبك شيء من ناحيتي ومضايقك مني قوليلي عليه ونتصافى، ما تخليش حاجة جواكي.
سألت فجأة :
_ لسه بتحب الدكتورة حبيبة ؟
نظر لها بعمق وتيقن امها تعرف جزء كبير من ماضيه … ولكنه اعترف بصدق:
_ كنت بحبها، أو بالأصح كنت واهم نفسي أني بحبها، حبيبة لا تمثلي أي شيء دلوقتي، ولما بتحاول تفكرني باللي فات بصدها …. لأني مش عايز أفتكر أني كنت واهم نفسي للدرجة دي!
اطرفت عينيها وظهرت طيف ابتسامة على ثغرها ويبدو أنها صدقته! … فشعر بانتصار وقال وهو يشبك اصابعه بأصابعها واكد مبتسما وهو يسير معها مجددا:
_ هي لو في دماغي كنت هبقى مبسوط بالشكل ده وأنا معاكي ؟!
ارتبكت ابتسامتها ورفعت رأسها وهي تنظر له جانبا …. فدهشت عندما غمز لها وأعقبها نظرة خبيثة وابتسامة متسعة !
يبدو أن آسر يحوي الكثير من الاشياء التي ستدهشها وليست متوقعة منه!

 

 

*******
انتهيا من العشاء الرومانسي ولحظاتٍ أخرى رادفت ذلك الجو الشاعري …. حتى نظر وجيه لها مليًا وهما يقفان ورأسها ملقى على صدره وهمس:
_ زي ما حسيت لقيت، نفسيتك هديت واعصابك ارتاحت مش كده ؟
هزت ليلى رأسها المسنودة على صدره العريض وقالت:
_ جدًا ، على أد فرحتي بحالة بابا اللي بقى قريب ويفوق، على اد ما التوتر لسه جوايا مقلش!
وابتعدت قليلا قائلة باعتذار وأسف:
_ أنا عارفة أني بنكد عليك بمشاكلي في كل لحظة حلوة … بس اللي ابويا فيه مش مخليني أفرح فرحة كاملة بأي حاجة …
هز وجيه رأسه بتفهم ولا زالت الابتسامة الدافئة على ثغره وقال وهو يتأملها بدقة:
_ تنكدي عليا !! …. أنتي مجرد وجودك جانبي كان حلم بالنسبالي يا ليلى ! … أنا بقيت أقوى من يوم ما رجعتيلي.
ثم قال :
_ ريميه هتتعرض على الدكتور بكرة بأذن الله، هو وصل النهاردة الحمد لله، وبأذن الله يكون في أمل.
التمعت عينيها بالدموع وقالت:
_ مش عايزة أعشم نفسي وارجع اتوجع، حالتها ميؤوس منها وكل الدكاترة قالولي كده.
ربت على رأسها برفق وقال بحنان:
_ يبقا ما خسرناش حاجة يا ليلى، نعمل اللي علينا في أي لحظة نحس أن ممكن يكون في امل في الشفا، أي كان اللي هيقولوا الدكتور لما يشوفها، هفضل جنبها وجانبك لآخر يوم في عمري …. واعتقد أنها متأقلمة على وضعها ومش بتتألم منه … الابتلاء دايمًا معاه الصبر والقوة … وبنتي قوية وهتفضل دايمًا كده.
ضمته ليلى وهي تتنهد بارتياح شديد وقالت:
_ كل شيء هيبقى بخير … أنا متفائلة.
ابتسم وهو يقبل رأسها وهمس:
_ بأذن الله …
وبعدها عادا إلى كلماته وهمساته الشاعرية التي خطفتها حتى من جمال المكان المحيط بها.
وقد استغل الوقت المتبقى من حجز ذلك المكان في تخييم جو العاطفة والذكريات الجميلة بينهما …. وقبل أن تنقضي الساعة المتبقية ويعودان إلى المشفى لقضاء يوم روتيني يتكرر …
********
جلست جميلة على مقعد وأخرجت الطعام بالكيس الاسود وبدأت تلتهمه من الجوع وما سببته التمرينات الرياضية …. فضحك جاسر وهو يضع أمامها كوب عصير طازج وقال:
_ براحة يا وحش الأكل مش هيطير !
رفعت جميلة رأسها له وفمها مملوء بالطعام وقالت بسخرية:
_ والله انا شاكة في شهادتك دي ! …. في دكتور بيتكلم زي ما بتتكلم كده ؟!
ضحك جاسر أكتر وقال وهو لس بجانبها:
_ أنا مكنتش عايز أبقى دكتور أصلا، وبعدين هما الدكاترة دول مش بني آدمين مابيهزروش ؟! مين الحمار اللي فهمك كده ؟؟
نظرت له جميلة بتعجب وقالت وهي تبتلع الطعام:
_ اومال كنت عايز تطلع ايه ؟
وضع جاسر ساقا على ساق وقال بثقة:
_ قبطان …. الله يسامحه جدي بقا.
قالت جميلة فجأة:
_ بتعرف تصطاد يعني؟!
نظر لها لدقيقة ثم اطلق ضحكة عالية على نظرتها البلهاء وقال:
_ كملي أكلك شكلك جعانة! …. نسخة من أخويا يوسف المفجوع ! ….
لم تكترث جميلة واستمرت تأكل في نهم حتى نفضت يدها وقامت لتتقدم للحمام وتبدل ملابسها …. ولكن بدأت تشعر بصقل في ساقيها فنهض جاسر وقال بشك :
_ حاسة بتعب ولا ايه ؟
نظرت له بتمرد وقالت وهي تسير أمامه متحاملة على ثقل قدميها :
_ أنا زي الحصان أهو !
فأطمئن جاسر وتركها تبدل ملابسها بالحمام المرفق بصالة الرياضة ….
*********
وقفت سيارة الأجرة قرب بيت فرحة …. فخرجت من السيارة وقبل أن تبتعد قال زايد لها :
_ السلام لحسام أمانة … لحد ما أشوفه.
لم تجيبه فرحة ولكن اكتفت بهزة خفيفة من رأسها وابتعدت عن السيارة وتوجهت لمنزلها والابتسامة الحالمة على وجهها ….
وحينما دخلت منزلها وجدت شقيقها يركض من الحمام وقدميه لا تساعدانه على تلك الحركة ابدا والمنشفة بيده … فتوترت فرحة وسألته بقلق :
_ بتجري كده ليه ؟!
نظر لها للحظات ثم قال بأسف شديد:
_ كنت مضبط المنبه على ساعة معينة أصحى واجيلك الشغل أخدك، بس للأسف راحت عليا نومة ولسه صاحي دلوقتي مخضوض ..
ابتسمت فرحة ابتسامة واسعة وهي تغلق الباب وقالت:
_ وتجيلي الشغل ليه هو أنا عيلة صغيرة هتوه !
قال حسام بتأكيد:
_ لأ … بس برضو لازم اطمن عليكي.
اكدت له فرحة كي يطمئن:
_ لأ أطمن عليا ، أنا مبسوطة بالشغل الجديد وفي مكان كويس جدًا …. لو تشوف بيتعاملوا معايا هناك أزاي هتتأكد من كلامي.
اعترف حسام بما يحمله من قلق:
_ بس برضو خايف عليكي يا فرحة، يمكن موقف زايد الفترة اللي فاتت خلاني أعرف عنه حاجات كتير … بس برضو خايف عليكي.
تقدمت فرحة منه وضمته مثلما كانت تفعل دائما كأنه صغيرها وقالت بحنان:
_ لا أطمن ومتخافش عليا ….مافيش أي حاجة تخليك تخاف عليا صدقني… وأنا لو كنت حسيت بأي قلق مكنتش كملت ساعة حتى ورجعت.
ربت شقيقها على كتفها بلطف ثم ابتسم وقال بحماس:
_ قبل ما أنام بقا عملت اكلة هتاكلي صوابعك وراها … تعالي معايا .
قالت فرحة بضحكة:
_ طب هاخد دش سريع كده أفوق واجي نحضر العشا وناكل …
وبعد دقائق خرجت فرحة من غرفتها متحمسة وذهبت مع شقيقها يحضران طعام العشاء الذي تخلله الضحكات والمزاح كعاداتهما.
**********
وعندما أصبح الصبح وأتى بيومٍ جديد بعد انقضاء ساعات الليل …..
تجمعت عائلة الزيان حول المائدة … باستثناء جميلة ، فسأل جاسر بشك :
_ هي جميلة فين يا حميدة؟
اجابت حميدة وهي تطعم الصغيرة :
_ نايمة تعبانة شوية ….. مش هتروح الشغل النهاردة …
نهض جاسر من مكانه وقال :
_ طب هطلع أشوفها واطمن عليها.
وصعد جاسر برشاقة عالية خطوات الدرج حتى وصل للغرفة المنشودة …. دق عليها باستأذان مرتين ولم يتلقى ردا …. ثم رغما عنه فتح الباب ببطء ولمح جميلة وهي مسطحة على فراشها ونائمة ….. والغرفة خالية منها تقريبا الا صوت مياه صادر من المرحاض …. ويبدو أنها والدتها ….
دلف جاسر للغرفة ببطء وفتحت جميلة عينيها على آخرهما عندما وجدته فتحركت تجذب الغطاء عليها أكثر ولكن صرخت بألم :
_ رجلــــــــي !!! …
اقترب منها سريعا وسأل بلهفة:
_ مالها رجلك !
تألمت جميلة وقالت:
_ وضهري كمان ! …. ودراعي ودراعي … آآآه
وقف جاسر ناظرا لها للحظات ثم انطلق بضحكات عالية وموجة ضحك عنيفة المت به…. وقال ساخرا :
_ وعاملة فيها الشبح وانا جامدة ومالكش دعوة وسيبني اتمرن !…. ده انتي باين حتى رموشك جالها شد عضل !
وانخرط مجددا في الضحك ورمقته جميلة بغيظ شديد فرفعت الوسادة التي كانت تنام عليها والقتها في وجهه …. التقطتها جاسر وهو يضحك ثم قال :
_ براحة طيب أنتي صحتك ما تسمحش !
هتفت جميلة به وقالت بتأكيد:
_ لأ ده مش شد، ده غيظ …. أنت اللي بتغيظني…!
أشار لها جاسر جاسر ودخل بموجات شديدة من الضحك مرة أخرى وهو يرها لا تستطيع حتى أن تتململ ….

 

 

مرر جاسر يده على شعره واستطاع بمجهود يُحسد عليه أن يمنع نفسه من الضحك مجددًا، ولكنها شعرت بالسخرية في عينيه فقالت بغيظ:
_ مش رايحة الشغل النهاردة، ريح نفسك بقا واتكل على الله.
ابتسم مانعا نوبة ضحك جديدة وقال بنظرة خبيثة:
_ ومين اللي هتتسندي عليه لحد ما تخفي من الشدة اللي انتي فيها دي؟ … مش المفروض أنا سندك وقرة عينك ؟!
لوت شفتيها بسخرية وقالت:
_ قرة عيني قال ! … وبعدين أنا لسه ما اتشلتش ! … النهاردة بس وبكرة بأذن الله هبقى حلوة.
اقترب لها بنظرة وابتسامة الماكرة تلك، ثم مرر أصابعه برقة على وجهها وهمس :
_ لأ أنتي بالفعل حلوة، حلوة حلاوة بلدي من اللي تدوخ دي …
ابتسمت لنفسها سرا بزهو ولكن تحكمت بنفسها تحت نظراته القريبة، وعندما اقترب بشكل خطر عضت أصبعه فتأوه وأبتعد بنظرات غيظ منها … فقهقهت جميلة بالضحك وتحدث هو من بين أسنانه بعصبية:
_ سنان دي ولا منشار ؟! …. كل قوتك في لسانك وسنانك !

 

قالت بثقة:
_ ما أنا حذرتك ! … عمومًا، أنا عايزة أفطر .. ومش هعرف أنزل كده ..
وضع يده بجيوب بنطاله وقال :
_ هبعتلك حميدة بالفطار .. تمام كده ؟
اومأت جميلة بالرفض ويبدو أن هذا ليس صوب هدفها، فأوضحت:
_ جيبلي أنت الفطار … هو أنا مش مراتك ؟!
رفع جاسر حاجبيه ونظر لها بعمق وادرك أنها تخطط للسيطرة عليه … فقال بمكر:
_ هو أنتي مش بتفتكري أنك مراتي غير لما تعوزي حاجة !
مطت جميلة شفتيها بعبوس وقالت بعتاب برزته بصوتٍ ناعم مدلل ومقصود:
_ خلاص يا جاسر مش عايزة أفطر، أنا يعني كنت عايزة أفطر معاك واستغل الفرصة نقعد لوحدنا ونتكلم شوية قبل ما تروح الشغل … بس طالما …
قاطعها بنظرة ماكرة وهو يقترب:
_ بس إيه يا شيخة ! …. مابسش خالص … عشر دقايق واجيبلك الفطار ونفطر مع بعض يا بيوتيفولي …
اسبلت عينيها وقالت بنعومة وبداخلها موجات ضحك عاصفة قد حجبتها عن ناظريه:
_ كتر بقا من المخلل.
كشر جاسر وقال باستفهام:
_ إيه …؟!
صححت جميلة سريعا وقالت بنعومة مرةً أخرى:
_ ما تتأخرش بقا … ماشي ؟
غمز لها بابتسامة خبيثة وقال:
_ أنا حاسس أن بينضحك عليا … بس أنا مبسوط جدًا ..
غادر الغرفة بخطوات بطيئة وظل ينظر لها بنظراته الخبيثة حتى خرج … فكتمت جميلة عاصفة من الضحك .. وخرجت أمها وكانت تبتسم بمرح…وقالت لها بنظرة ماكرة:
_ مين اللي علمك الخبث ده كله يابت ؟! …. بس ما تزوديهاش هو مجنون لوحده !
أجابت جميلة بعدما تحكمت بضحكاتها:
_ كلها كام يوم وهبدأ حياتي معاه، وبصراحة يمه أنا حباه أوي، وبما أن كتبنا الكتاب فقولت الين شوية في الكلام.
جلست الام بجانبها على الفراش وقالت بتحذير:
_ بس ما توزديش عن الكلام يا حبيبة أمك … أنا هنزل تحت اقعد مع جدك شوية وهسيبك …. بس هسيبك وأنا حاطة في بطني بطيخة صيفي … ولا ايه؟
قالت جميلة بثقة :
_ عيب يمه تقوليلي كده، أنا عارفة حدودي، بس هو يعني انتي مكنتيش بتتكلمي مع أبويا بعد كتب كتابكم كلام حلو ؟!
ابتسامة وداد ابتسامة ملؤها الحنين وقالت:
_ هو في زي مصطفى الله يرحمه، كان أخلاق ورجولة وشهامة، وكل ده كان معاه حنية الدنيا كلها .. تعرفي يا جميلة أنا اتكتب كتابي قبل الفرح بيومين … قعد معايا مرتين في اليومين دول، مقربش مني صحيح، بس كلامه لسه بيرن في وداني لحد دلوقتي ….يابنتي القرب مش بس باللمسة، دي ممكن كلمة واحدة تتقال تحضن قلبك العمر كله..!
ابتسمت جميلة بمحبة وقالت:
_ هو مين من الشباب اللي طالع لأبويا يمّه ؟ … أنتي نظرتك اصدق مني.
أجابت وداد بصدق:
_ ولا واحد فيهم … يمكن في الشكل كل واحد واخد من عمه شوية، أنما في الطبع محدش منهم واخد من ابوكي حاجة، يمكن عمك وجيه فيه كتير منه.
تقبلت جميلة القول وسألت مجددا:
_ اللي بعمله مع جاسر غلط ولا صح من رأيك ؟ … أو يعني اللي بدأت اعمله.
أجابت الأم قائلة:
_ لو هتكتفي بالكلام الحلو فأنتي صح … لو هتزودي يبقى هتغلطي في حق نفسك … الفاكهة اللي بتتقطف قبل آوانها محدش بيحس بطعمها وهي قطمة وبتترمي.
وبعدها غادرت وداد الغرفة بخطواتها البطيئة، ورفضت أن تمد ابنتها لها يد المساعدة، ريثما وهي بهذه الحالة البائسة إثر تمارين الأمس..!
وعاد جاسر بعد دقائق بعدما تلقى من السخرية ما جعله يكظم غيظه والا يدفع حذائه بوجه يوسف الذي غرق سخرية عليه وضحكات عالية ….. وضع الطعام أمام جميلة وجلس … ثم بدأ يطعمها بحذر وكأنه يجري عملية جراحية !
فكتمت جميلة ضحكتها وقالت:
_ لساني مافيهوش شد عضل متخافش ! …
قال ساخرا:
_ متأكد من الموضوع ده، ما هو لولا لسانك ده كان زمان معانا منه وحسام ! … عيالي وحشوني من قبل ما أشوفهم !
قالت جميلة بسخرية ثم ضحكت رغما عنها:
_ يا مسكين !
وتشاركا المزاح والمرح بعد ذلك …. ورأى جاسر أنهما بدأ يسيران في الاتجاه الصحيح … ولأول مرة يشعر برضا تام بوجوده مع أنثى .. مكتفيًا بها عن الكثيرات من بنات جنسها.
*******
كأنها تتململ على صفحة المياه وأصوات الموج المتلاطم، أشرقت عينيها على هالة بيضاء عالية … وكان هذا سقف الغرفة المطلة على النيل!
حركت ليلى رأسها بكسل واطرفت عينيها عدة مرات لتستجمع ذاكرتها … حتى رأت وجيه ممدد بجانبها وناظرًا لها بابتسامة صباحية مشرقة … اعتدلت وابتسمت وهي تنظر له .. فقال بهمس مرح:
_ أنتي نسيتي أننا حجزنا جناح هنا امبارح لليلة واحدة؟ …
وضعت ليلى يدها على رأسها واتسعت ابتسامتها وقالت :
_ لأ افتكرت … امبارح كنت حاسة أنه حلم … أحلى أحلامي معاك مكنتش بالجمال ده !
رفع أصابعها لفمه وقبلها ثم قال بلمعة دافئة بعينيه:
_ هنفطر في نفس المكان بتاع امبارح، أحلى حاجة في المكان ده أنه مش بس مطعم … فندق صغير كمان .
ابتسمت ليلى بمحبة حتى وقعت عينيها على ساعة الحائط فوجدتها الثامنة صباحا ! … اعتدلت بسرعة وقالت:
_ الساعة ٨ …. كده هتتأخر على الشغل!
نهض وجيه من الفراش ولم يبدو عليه أدنى اكتراث للتأخير وقال بابتسامة هادئة:
_ مضبط مواعيدي … نجهز نفسنا بقا عشان هنفطر ونمشي على طول.
وقبل أن يتوجه لحمام الغرفة أوقفته بلهفة طلت من عينيها:
_ هنيجي هنا تاني مش كده ؟
استدار لها بابتسامة وقال:
_ عجبك المكان ؟
نظرت ليلى للغرفة باعجاب شديد رغم بساطتها وقالت بتأكيد:
_ فوق ما تتخيل … كان نفسي أكون معاك في مكان زي ده من زمان، بس مكنتش فاكرة أنه موجود بجد !
عقد ذراعيه أمامه وأردف:
_ كل اسبوعين نقضي يوم كامل هنا …. إيه رأيك ؟
نظرت له بمحبة شديدة وقالت:
_ رأيي أني أخيرًا رجعلي الأمان … أنا هخف يا وجيه وهرجع ليلى بتاعت زمان … أنا متأكدة.
اقترب وجيه من الفراش وجذبها من يدها لتنهض وترتمي بين ذراعيه في ضمة يملؤها العاطفة … وهمس بحنان وهو يربت على رأسها:
_ وأنا كمان متأكد … بس متأكد أنك بس هتخفي، أنما أنتي ليلى بتاعت زمان ما اتغيرتيش يا ليلى … غير بس احلويتي زيادة !
شاكسها بكلماته فابتسمت وهي تضمه بكل قوتها … كأنها تضم السعادة بعد فراق طويل !
وعلى قدر بساطة الكلمات .. ولكنها تفعل بقلب الأنثى المعجزات !
******
وبالمشفى …
جلست الطبيبة مروة بكامل هدوئها لهذا اليوم … بعدما قررت قرار نهائي أن تبتعد عن قريبها أحمد وتنساه … ولا يبقى من قرابتهما سوى الصلة فقط …
وما أن جلست بدقائق وبدأت ترتشف فنجان قهوتها الصباحية بمكتبها الخاص …. حتى اقتحم المكتب شخص … وكان هذا الشخص من قررت الانفصال عنه …
دلف الضابط أحمد بوجه متجهم غاضب لأقصى حد، واغلق الباب خلفه حتى لا يتسنى لأحد التطفل … وقال بغضب :
_ بتصل بيكي ما بترديش وعملالي بلوك رسايل ومكالمات، وقافلة فيس وواتساب عشان ما تشوفيش رسايلي ! …. فهميني عايزة توصليني لحد فين يا مروة ؟!
تنفست مروة بعمق قبل أن تجيبه، ثم رفعت نظرتها له وقالت بثبات:
_لو سمحت يا أحمد … سبق وقولتلك كل شيء بينا أنتهى ، وأنت ….

 

قاطعها بنظرات شرسة :
_ أنا لسه بحبك وهفضل أحبك ! ….. غلطة واحدة غلطتها واعتذرت مليون مرة اعمل إيه تاني ؟!
زفرت مروة بقوة ثم قالت :
_ غلطة واحدة كسرت ثقتي فيك للأبد، قراري ده لمصلحتنا صدقني … أنا مش هقدر أنسى أنك خنتني ومع اعز صحابي وروحت خطبتها كمان… كسرتني وأنت عارف وقاصد أنك تكسرني … مش هعرف أنسى مهما اعتذرت …
اطرق أحمد على مكتبها بكل قوته وصاح بوجهها:
_ مش هسيبك تنفذي اللي في دماغك يا مروة !
قالت مروة بثقة عالية :
_ محدش هيقدر يمنعني … لا أحنا كنا مخطوبين قبل كده، ولا اللي أنت عملته يخلي حد يشفعلك عندي ! …. مشاعري من ناحيتك أنا بتخلص منها … لأني لو كملت معاك يبقى بحكم على نفسي وعليك بتجربة فاشلة !
إلا الخيانة … الخيانة بتحط مشاعر أي واحدة في تلاجة … والمشاعر لما بتتجمد بتموت … سيبني لأنسان يحفظ كرامتي وابدأ معاه من غير ذكريات توجعني وتنغص عليا حياتي…. أنا مابعرفش أنسى حاجة وجعتني للدرجة دي وسهرتني كتير ودموعي على خدي، كل شيء قسمة ونصيب وأنت مش قسمتي ولا نصيبي.
هز أحمد رأسه بصدمة، لأول مرة يراها اكيدة لهذه الدرجة وبهذا القرار المصيري … فقال بذهول لم يستطع تجاوزه:
_ أنا مش مصدق ومش متخيل أنك في يوم تكوني لراجل تاني غيري! ، يعني ممكن في يوم الاقي نفسي بحضر فرحك زيي زي الغريب ! …اسلمك بإيدي لواحد تاني عادي كده ؟! …. أنا من مجرد التخيل حسيت أني انتهيت ! …
تنفست مروة بغصة مريرة عالقة بحلقها وقالت:
_ انساني لأني بنساك، وده قراري النهائي بعد تفكير كتير وحيرة … ما تفتكرش أني خرجت قلبي برا حساباتي بالعكس … قلبي هو اللي اتوجع… وقلبي هو اللي قرر البعد …
بدأ احمد غير واعيًا لما يفعله من درجة الغضب الذي دفعه بها حديثها وبات يرمي كل شيء على الأرض بمكتبها… فصاحت به ليهدأ وهتفت برجاء:
_ ارجوك اهدى …
أصبح المكتب في فوضى عارمة حتى التقط هاتفها ووضعه أمام عينيها وهتف عاليًا، وما المها وازعجها أن دموعه بدأت تتساقط من عينيه والذي لأول مرة تراها:
_ شوفي رسايلي ليكي ، شوفي اتحايلت عليكي اد ايه عشان تفتحي واطمن عليكي ولو بكلمة تردي بيها! … شوفي كلامي كلمة كلمة وفكري كويس … حد ممكن يحبك للدرجة دي غيري ولا لأ ! … ما تحولنيش لمجنون ومجرم يا مروة !
أنا لو اتجننت هدمر أي بني آدم ممكن يقربلك ! … مش بس يفكر يرتبط بيكي …. أنتي كبرتي قدامي يوم بعد يوم، أنتي كبرتي جوايا أنا .. أنتي حبيبتي أنا ولا يمكن تكوني لحد تاني … لا مش هسمحلك معلش… وطالما المحايلة مش نافعة معاكي يبقى نجرب طريقة تانية …
ضيقت مروة عينيها بدهشة ثم هتفت غير مصدقة ما يقوله:
_ تقصد ايه ؟! … هتتجوزني بالعافية يعني ؟! أنت فعلا اتجننت وماتنساش أن وظيفتك حساسة وأي مشكلة هتضرك
انتفخت عروق عنقه وهو يُجيب بقوة :
_ أنتي عمرك ما هتضريني أنا متأكد، بس مش هسيب غلطة غبية عملتها في ساعة غضب تفرقنا… اسيبك تفكري وتتقلي عليا ماشي … أنما تبعدي وتبقي لحد تاني فأنا أسف … مش هسمحلك لو على جثتي.
هتفت مروة بعنف:
_ دي حياتي وأنا حرة فيها ، كل واحد يتحكم في حياته براحته! ..
امتلأت عينيها الدامعة بالعاطفة الجياشة وقال:
_ أنا بتحكم في حياتك … لأن أنتي وحياتك هما كل حياتي … أنا هكلم خالتي ونحدد ميعاد الخطوبة …
شهقت مروة بذهول ثم قالت بعصبية شديدة:
_ ماتوصلنيش أني اكرهك ! …. أنت اتخطيت حدودك !!
نظر لها بعمق للحظات … ثم قال بنظرات اضعفت مقاومتها:
_ يا مروة أنا حياتي ممكن تنتهي في أي مهمة من اللي بستلمها … ممكن اروح شغلي في مرة ما ارجعش ! …. احساسك هيكون ايه وانتي بتودعيني غصب عنك وقتها ؟! خليني أفرح مرة واحدة قبل العمر ما ينتهي وكفاية بقا أنا محتاجلك جانبي أكتر من أي وقت عدى!
زمت شفتيها بمرارة وامتلأت عينيها بالدموع وهي تنظر له بحدة وغضب شديد … وقد انشق قلبها لهذا الاحتمال بعدما كانت بالفعل قررت نسيانه دون أمل في الرجوع..!
ابتسم وقال لها بحنان:
_ جوازنا هيكون في أقرب وقت … وعمرك ما هتندمي أنك سامحتيني أبدًا … أوعدك.
وغادر المكتب وكأنه تمسّك بصمتها قبل أن تقابله بالرفض مجددا ، ولكنها لم تكن فاعلة، رغم قوة قرارها بالنسيان … ولكن خوفها من الفراق الابدي ارعبها أكثر ! … والحقيقة أنها لن تستطيع تحب رجلا آخر سواه !.
وعادت لمكتبها في صمتٍ مهيب وبدأت ترتب الأوراق مجددا، وتذكرت قوله بأمر الرسائل فقررت أن تفتح بيانات الهاتف لشبكة الانترنت …. وبدأ الهاتف يستقبل الكثير من الرسائل المحفوظة بسرعة عالية … وفتحت تطبيق (الواتساب) … وبغمر فكرها به لاحظت رسالة مرسلة من رقم ليلى !
ولكن ما استوقفها تاريخ الرسالة !
فهذا تقريبًا كان اليوم الذي مرضت فيه ليلى قبل مجيئها للمشفى ! … أخذها الفضول لتفتح الرسالة فدهشت أكثر عندما وجدتها رسالة صوتية !
فتحتها، ومع أول كلمات بصوت ليلى المنتحب اتسعت عين مروة بذهول وانتفضت واقفة بصدمة وهي تستمع…. وبدت عينيها تتحركان يمنة ويسرة وهي تستقبل الصدمة بما تقوله ليلى … واتممت حديثها بصمت وأنين ….. وادركت مروة أن النوبة الصرعية المت بها وقتذاك ! ….
وهذه المرة كانت الطرقة الغاضبة على المكتب بيد مروة الذي أطاح بها الغضب وهتفت :
_ جيهان الحقيرة !! …هي حصلت تهددها ؟! …
وذرعت مروة المكتب جيئة وذهابا والغضب يتملّكها … حتى قررت البحث عن رقم هاتف جيهان، وليس من الصعوبة أن تصل اليه ، لابد أن تواجهها أولًا …..ريثما أن الدليل معها …
وخرجت مروة من مكتبها وعادت بعد دقائق ورقم هاتف جيهان كان مدون على هاتفها، فقد استطاعت أخذه من أحدى الاطباء، ثم أجرت اتصال على هاتفها … وأجابت جيهان دون أن تعرف من المتصل:
_ الو … مين معايا ؟
هتفت مروة وقالت بعصبية:
_ مدام جيهان معايا ؟
ارتابت جيهان من عصبية المتصلة وردت :
_ ايوة أنا، مين بيكلمني ؟!
عرّفت مروة عن نفسها :
_ أنا الدكتورة مروة، المشرفة على حالة ليلى … عايزة أقابلك لو سمحتي ؟
جف ريق جيهان تقريبًا وشحب وجهها من القلق، ثم قالت وهي تنعطف بسيارتها متوجهة الى المشفى :
_ طب أنا جاية على المستشفى … أنا في الطريق، نص ساعة واكون عندك .
قالت مروة وهي تتحكم بأعصابها :
_ هستناكي.
وأنتهى الاتصال .. ووضعت مروة الهاتف وهي تفكر بشكل أكثر هدوء وتريث ، وقالت لنفسها :
_ أنا اتسرعت ولا ايه ؟! …. لأول مرة مابقاش عارفة أفكر ! … بس برضو قبل ما أقول لدكتور وجيه كل حاجة لازم أعرف منها هي الاول …. لو قولتله الأول ممكن توصل أنه يطلقها وأبقى أنا السبب ! …. لأ .. بما أن معايا دليل قاطع لازم اتكلم معاها هي الاول وأعرف منها كل حاجة.
*******
دخلت فرحة مكتب السكرتارية المؤدي لمكتب زايد … وتعجبت لعدم مجيء ديمة والساعة قد تخطت الثامنة صباحا !
أتى عامل البوفية وسألها لو كانت تريد أي مشروب ! … فطلبت فنجان قهوة .. ونظرت لمكتب زايد بارتباك … فهي لم تعرف أن كان أتى أم لم يأتي بعد … وشعرت بالحرج أن تسأل العامل ومن المفترض هو من يستفسر منها !
فغادر الرجل ملبيًا طلبها، ثم نهضت فرحة وتوجهت للمكتبة تسلي وقتها حتى تأتي ديمة…
وأخذت الكتاب التي كانت تقرأ فيه بالأمس حتى أتت اليها قهوتها وبدأت ترتشفها بهدوء … صدح صوت هاتف المكتب واحتارت أن تجيب عليه أم تتجاهله؟
ودق عدة مرات حتى قررت أن تجيب أخيرًا نظرا لتأخر ديمة لهذا الوقت … وصاح صوت زايد من مكتبه يقول:
_ بقالي نص ساعة مستني حضرتك تجبيلي مواعيد النهاردة والشغل !
المتها معدتها من العصبية التي كتمتها بالقوة، وقالت بصوتٍ يشوبه الرجفة:
_ ديمة اتأخرت بس هدور على دفتر المواعيد … أنا أسفة.
ولم تُعطِ له المساحة لأن يصحح لها سوء الفهم، فقد كان يظنها ديمة ! …. ابتلعت فرحة ريقها وبدا أن قرارها بالعمل هنا أكبر خطأ ارتكبته بعمرها …. ها هو يبدأ العصبية والله وحده يعلم ما ستؤول إليه الأمور بعد ذلك !
بحثت عن دفتر المواعيد الذي كانت تفره ديمة بالأمس مرارا وتكرارا … ولكنها لم تجده ! …. تنهدت بضيق شديد وخنقتها دمعة وقفت بعينيها من فرط الضيق التي تشعر به، حتى فُتح باب مكتب زايد …. وطلّ منه بطلة أبهى من الأمس !
حيث كان يرتدي حلّة مكونة من قميص أزرق وسترة كحلية أنيقة جدًا … وتهربت من نظرته حتى وقفت وهتفت بصوت مرتجف

 

 

:
_ مش لاقية الدفتر ومعرفش لسه الشغل عشان اضبطه واجيبهولك … أنا همشي.
وفرت دموع عينيها وهي تأخذ حقيبتها وتستدير متوجهة للخروج …. حتى وجدته يقف جهتها مقاطعا الطريق !
ينظر لها بهدوء ونظرة لو صح ظنها فهي نظرة أسف واعتذار ! …. وقال :
_ رايحة فين …؟!
نظرت فرحة للأسفل وهي تبتلع ريقها بصعوبة ودموعها وكأنها وجدت سبيل الحرية لتهرب من عينيها … وأجابت بصوت ينبأ بالبكاء:
_ همشي … أنا قولتلك مش هنفع ! … مش مضطر تستحملني لحد ما اتعلم !
وعلى رغم جميع توقعاتها وجدته يبتسم !!!!
نظرت له بدهشة أولا … ثم بغيظ وقالت:
_ بتضحك عليا !!
بدت عينيه ملتمعة بقوة وهو يجيبها، وقال بنفس الابتسامة التي اعترفت لنفسها بحياء أنها ابتسامة سرقت تركيزها كليًا:
_ مش بضحك عليكي … بس حسيت أن اللي واقف قدامي مش آنسة عدت العشرين ! … حسيتك طفلة مش عارفة تخلص واجبها فقامت مقطعة الكشاكيل! ….
وانفرجت شفتيه بابتسامة مرحة لأول مرة ترها هكذا! … وظهرت أسنانه اللامعة البيضاء بغمازتي خديه !! …
وانتزعت عينيها لجهة بعيدة عنه كي لا يساوره شك أنها تأثرت به، فعاد قائلا بأعتذار واضح وأن لم يكن مباشر:
_أنا كنت فاكر أن ديمة اللي بتكلمني مش أنتي خالص ! … اكيد مش هزعقلك على شغل أنتي لسه بتتعلميه ! …. ارجعي مكانك يا آنسة فرحة .. صدقيني مكنتش قاصدك أنتي.
شعرت بصدقه … وظهرت الحيرة بعينيها ثم قالت :
_ ديمة ممكن تتأخر عن كده، واحتمال ماتجيش النهاردة كمان، وللأسف مش معايا رقم تليفونها اسألها، هقعد اعمل إيه ؟!
قال بجدية:
_ تعالي ورايا المكتب ..
دخل مكتبه وبدت قدميه أخف حركة من ذي قبل، ثم تبعته وتركت الباب مفتوح …. ولم يغفل عنه تلك الاشارة ولكنه ترك الحرية لها في كل شيء…. ثم جلس على مقعده مجددا وبدا مهيمنا بشكل كامل على الموقف …. وأجرى اتصال على رقم ديمة وهو يشير لفرحة للجلوس … وبعدما انهى الاتصال بصوتٍ بدا حادًا مع ديمة، وضع الهاتف وقال بلطف وقد تحولت لهجته من جديد :
_ ديمة حصلها ظروف ومعرفتش تحضر، هتبعتلي المواعيد على الميل … بالنسبة للشغل الباقي أنا هقولك تعملي ايه …. وكده كده أنا قررت أأجل نص المواعيد دي لبكرة …
تعجبت فرحة وسألته:
_ هتأجل ؟!
رجع بظهره للمقعد في استرخاء وقال بثبات ونظرة واثقة:
_ إيه المشكلة !!…. هاخد بس المواعيد الضرورية النهاردة …
وبتلك اللحظة ارسلت ديمة رسالة بكشف المواعيد على الايميل الإلكتروني … فنظر زايد للحاسوب بدقة وقال :
_ فاضل ساعة ونص على أول ميعاد … تمام كده …
أخذ زايد أحد الملفات على مكتبه وبدأ يشرح لفرحة دورها في توظيف عدة ملفات بملف واحد نهائي بتقارير مفصلة عن كل شيء …. وبعد نصف ساعة تقريبًا توقف قائلًا :
_ كام دقيقة استراحة ….تشربي إيه ؟
تذكرت فرحة قهوتها التي تركتها … وهزت رأسها بالرفض وقالت:
_ لا مش عايزة أشرب حاجة .. شكرا ..
رفع زايد الهاتف الارضي وطلب رقم البوفية … ولم يكتفي بطلب مشروبات لها وله فقط! … بل طلب عدد متنوع من” السندويتشات” السريعة …. فدهشت فرحة منه فابتسم وهو يغلق الاتصال:
_ مش هفطر لوحدي !

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *