رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الستون 60 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام الفصل الستون 60 بقلم رحاب إبراهيم حسن
رواية قلبي و عيناك و الأيام البارت الستون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الجزء الستون
رواية قلبي و عيناك و الأيام الحلقة الستون
~… اتفاق على هدنة….~
نرى أن هناك نوع من الكلمات تستطع بكل سهولة أن تهزم كل ما شيدناه من قوة .. تضعف مقاومتنا وتكتب لقرار الفراق كلمة النهاية …
لم يكن ذلك الاعتراف بالحب أكثر قوة وتأثير من نظراته الملتمعة بالعاطفة الشديدة التي تتمناها أي أنثى بعينان من تحب.
ابتلعت رضوى ريقها بصعوبة وهي تخطف نظرها من اتجاه عينيه القريبة … وللحظة شعرت بالصدمة من نفسها أنها رضخت ووافقت بتلك البساطة !
ويبدو أنه فهم حديثها مع نفسها فهمس مجددًا وقال:
_ أنتي كده عملتي اللي عليكي … الخطوة الجاية بقا عليا …. لحد ما ترجعي رضوى بتاعت زمان …
دعمت نفسها وجرت أذيال الماضي بفكرها لتستطع مجابهة ثقته العالية بنفسه بهذا القدر المثير للغيظ … فقالت وهي ترفع رأسها مجددًا وتنظر له بتحد :
_ أنت عارف كويس سبب موافقتي …. ولو مكنش اللي حصل لجدي حصل مكنتش هتبقى أنت العريس الليلة !
مجرد الاشارة لهذا الأمر جعلته يشعر بالغضب ولكن ….!
مع كل ما تقوله فهي سعيدة باقترانها به …. متأكدا من ذلك ، وما تتفوه به مجرد كلمات من تردد صوت كبريائها التي تظن أنه طعن …
فقبل أن يتحدث قالت بسخرية:
_ وبعدين أنا عايزة أعرف حاجة محيراني ..!
أنت فضلت طول الفترة اللي فاتت تقول وتبرر أن سبب تصرفك هو جدي وتحكماته وأن هو اللي وصلك للي عملته …. ولما جدي تعب اعتذرت على اللي فات وكأن انت اللي غلطان في كل حاجة … ما اعتذرتش بس أنك عليت صوتك عليه وزعلته ! …. راح فين دفاعك عن نفسك ومبدئك ؟!
تطلع بها رعد بهدوء للحظات طوال …. ثم انسحبت نظراته لجهة أخرى وقال وعينيه تبدو بعيدتان عنها وعن كل شيء … كأنه
ينظر للماضي ! … وقال بنبرة غمر فيها الألم:
_ أمي وأبويا ماتوا في نفس اليوم … عارفة يعني إيه اخسرهم هما الأتنين مع بعض وفي نفس الوقت ؟! ….. بعدها خدنا جدي وبقى مسؤول عننا في كل حاجة …. أنا مكنتش بكره اختياره لينا … بس كنت بكره اجباره أننا ننفذ … لما كان بيقولي ذاكر دروسك ويجبرني اقعد أذاكر كنت بكره المذاكرة رغم أنه قبل ما يقولي كنت بذاكر بتركيز وحماس عالي …. !
وتنهد قليلا … ثم تابع بفيض من الشجن:
_ جدي لما وقع قدامي قلبي اتنفض … اترعبت، حسيت كأن أمي وأبويا بيموتوا تاني قدامي عيني … نسيت كل اللي فات في لحظة من رعبي أنه يسيبني … لو كرهت تحكمه ده مش معناه أني مش بحبه يا رضوى … جدي بالنسبالي هو كل حاجة ليا … كان المطلوب مني يعني أفضل اتحداه وأقف قصاده وهو في الحالة دي ؟! … سامحته لأن رغم تحكمه بس هو السبب بعد ربنا للي وصلتله … ما اخترليش حاجة تضرني بالعكس …. سامحته لأنه عمل كل ده عشان حبني أنا وأخواتي وخاف علينا … يمكن فهمت ده متأخر بس فهمت، زي ما أنا بطلب تسامحيني على اللي عملته لأن وراه حب بجد رغم
الطريقة الغلط …
سقطت دموع رضوى واعلنت ضعفها وهي تقول :
_ مش عارفة أنسى … أنا بتمنى أنسى عشان ارتاح، عارف أنا كنت عاملة زي الصفحة البيضا اللي مافيهاش أي كلمة … وأنت جيت كتبت كلام وجعني بقلم حبره مش بيتمسح … كل اللي بتقوله ده عبارة عن شخبطة …. مجرد شخبطة بتبني جوايا حواجز اكتر ! ….. ما تفتكرش أني مش عايزة اسامحك وأنسى وابدأ صفحة جديدة !!
وهنا كانت صادقة جدًا وهي تبكي وأضافت :
_ بس مش عارفة اتخطى الصفحة دي …!
رفع يديه لعينيها وهو يهمس قائلا ويكفكف دموعها بأنامله في رقة شديدة :
_ أنا فاهم اللي بتمري بيه … وطالما فهمت يبقى هصلح كل شيء … مسألة وقت صدقيني … ومن هنا لحد ما تقدري تاخدي معايا صفحة جديدة هكون جانبك …. بس بالشكل اللي يرضيني … واللي يرضيني أنك تكوني مراتي …
نظرت له مليًا كأنها لمحت شعاع أمل من بعيد يأتي إليها … وقالت وكأنها تريد أن تتأكد من شيء :
_ يعني هتصبر عليا ؟ …. مش هتجبرني على شيء ؟
ضيق رعد عينيه للحظات وحاول أن يسبر أغوار فكرها ويتأكد من ظنه …. ولكنه لم يسعه غير أن يقول :
_ مش عارف تقصدي إيه بالضبط، بس أنا آخر انسان يجبر حد على شيء …. مش هتصرف تصرف أنا بكره وضده … ومش هتصرف تصرف يقلل مني أو منك … أطمني.
بدت نظراتها بعد ذلك آمنة بعض الشيء ..ومسحت عينيها بهدوء مما جعله تبدو وكأنها على حافة أن تغلق عينيها وتنام !
فابتسم وقال والسعادة تملأ عينيه :
_ مش همنعك لو عايزة تكملي دراستك …. بالعكس هشجعك، بس مش شايفة أن موضوع الشغل ده هيبقى ضغط عليكي أوي ؟!
قالت رضوى ساخرة :
_ أنت مش وعدتني مش هتجبرني على شيء !
ضحك رعد بمرح وصحح :
_ أنا بناقشك يا رضوى مش بجبرك ! … وعمومًا زي ما تحبي، والجميل في الموضوع أنك هتكوني في المستشفى … يعني معايا وتحت عيني.
تلونت وجنتيها بالحياء وظل يراقب ارتباكها بتسلية وابتسامة ماكرة …
***********
قد أخذ آسر زوجته “سما” بأحد الزوايا المؤدية للمسبح …
وكان بُعد خطوة من أن يأخذها لصدره … ولكنها مكابرة وستعترض وتثور … رغم أن هذا أصبح من حقه الآن بعض الشيء …
ورغم كل شيء ابتسم ..!
ابتسم بسعادة حقيقية … لم يعهدها بأيامه من قبل !
لم يختبر طرفاتها ونسائمها على قلبه … فكان يسيران جنبا إلى جنب برواق طويل مستوي مُعبّد للسير فيه …
وكان الصمت هو الصوت السائد بينهما !!
وكأن أصبح للهواء نغمة طربية على سمعهما فظل يسيران بهدوء وبخطوات بطيئة تمنى كلا منهنا الا تنتهي !
وعلى حين غرة وجدت رضوى يد آسر تأخذ يدها في قبضة دافئة فنظرت جانبا له بدهشة ورجفة اجتاحت جسدها بعنف …. فوجدته يبتسم وهو يسير وينظر أمامه بمنتهى الهدوء !
ولأول مرة تعترف لنفسها أن الدقة الخفيفة من الحياء الذي يظهر بعينيه يأسرها ! …. والارتباك الذي ينتابه أحيانا يحمل قلبها لطواف الحنين إليه … ليته يحبها بتلك القوة التي تحبه بها .. وهذه الحقيقة المطلقة التي ترها فقط …
وبما أن لمسة يده الآن أصبحت متاحة له فتركت أناملها بسلام بقبضة يده …وتابعت سيرها ولم تعلق على الأمر …. حتى قال فجأة وهو على نفس ابتسامته لم ينفضها من شفتيه:
_ تعرفي يا سما … أنا أول مرة المس إيد بنت ! … بس الأجمل أن اللمسة دي حلال …. أظن دلوقتي تقدري تبصي في عنيا براحتك !
وازدردت سما ريقها بارتباك شديد …. يبدو أنه لاحظ أن نظراتها له خاطفة عدى وقت الشجار فكانت تتحداه بكل ما بها من قوة !
وتأكد من حدسه من رجفة يدها، فنظر جانبًا لها وشاهد موجات الحياء الشديد تتأرجح على تقاسيم وجهها ….
وشدد في قبضة يده على أنامله مما جعلها تنتفض ونتج ذلك تعثر قدميها والتواء كاحلها بداخل الحذاء ذو الكعب العالِ وسقطت أرضا وهي تتأوه بألم!
نظر لبرهة مصدوما من سقوطها المفاجئ ثم انحنى بلهفة متسائلا :
_ حصلك حاجة ؟!
حسست سما على كاهلها بألم وقالت :
_ رجلي اتلوت وبتوجعني أوي.
ذهبت عينيه لكاخلها لا اردايًا ثم دون تفكير حرك ذراعه ليزيح عن كاحلها الحذاء ويمسد الألتواء لتقل عنه الحدة فصرخت به معترضة وقالت بارتباك :
_ لأ استني ….
التفت لها وقال بغرابة :
_ استنى إيه ..؟!
اجابت وهي تتهرب من عينيه القريبة المحدقة بها :
_ هقلع الصندل …. ممكن تبعد شوية كده !
زم شفتيه بغيظ منها ولم يكترث لها وهو يهم بخلع الحذاء عن كاحلها، فتأوهت مرةً أخرى ووضعت رأسها على كتفه وهي تتألم … فكان الالتواء اقرب لتشخيص تمزق في أربطة كاحل القدم …. وكان لهمس صوتها تأثير شديد عليه ولكنه تجاهل منحنى تفكيره وفحص كاحل قدميها بدقة بعدما أبعد الحذاء عنه ….. وقال ووهو يمسد كاحلها بحذر :
_ هجيبلك چيل مسكن هيقلل الألم كتير … بس ما توقفيش على رجلك لحد ما أجيبه … دقيقة وراجعلك ..
وقف وكاد أن يتحرك فوجد أن من غير اللائق أنه يتركها جالسة على الأرض هكذا … وبينما سما مستغرقة بتمسيد كاحلها حتى وجدت نفسها تحمل على ذراعيه بعدما اسندها لتقف مستندة على ذراعه وحملها سريعا لأقرب مقعد …
تجمدت سما للحظات وهي تنظر لجانب وجهه القريب جدًا لها ولصدره الذي تسند رأسها عليه …. حتى اجلسها على مقعد بقرب المسبح وفر راكضا للداخل ليأتي بالدواء …
نظرت سما لخطواته المبتعدة في تيهة وشرود … وكانت تحتاج لأن يصفعها أحد لتتأكد أن ما يحدث الآن حقيقة وليس حلمٍ مثل أحلام كثر …
وبعد قليل أتى راكضا أيضا وانحنى حتى قدميها، حتى وضع القدم المصابة على ساقه لترتفع قليلا عن الأرض وبدأ يحرر من أنبوب الچيل بعضا منه ويضعه على منطقة الالتواء …
وراقبته سما في شرود تام … يتعامل برقة شديدة كأنه يتعامل مع طفل رضيع لا يتحمل أقل الم !
وعندما أنتهى وضع الأنبوب على منضدة بجانب المقعد الخشبي ورفع رأسه لها قائلًا بتأكيد :
_ دقيقتين بالضبط وهتحسي بالفرق … بس هتحسي بالألم شوية لما تمشي … وبكده هطلعك لأوضة والدتك بطريقتي بما أنكم هتقعدوا فيها كلكم …
كانت سما غفلت عن ما حدث لقدميها وخطفتها أحلامها برؤيته هكذا ! … وعندما لاحظ شرودها به ابتسم ببعض المكر وقال :
_ سرحانة في إيه ؟!
لملمت أفكارها وانضبطت … ثم أجابت بعبوس وحدة لكي لا يأخذه الغرور أكثر من ذلك :
_ هو أنت عرفت حد من زمايلك في المستشفى أن كتب كتابك النهاردة ؟
ضيق عينيه عليها وفهم ما تقصده فأجاب :
_ عزمت كتير منهم هو أنتي ما شوفتيهمش ! … بس لو تقصدي الدكتورة حبيبة فمعزمتهاش ولا يهمني حضورها … وده بالنسبالي … أنما بالنسبالك فحضورها كان هيضايقك اكيد … ومحبتش ازعلك في يوم زي ده.
ونمت رفة خفيفة من الابتسامة على ثغرها … فقال مبتسما لأنتصاره لأول مرة في الحديث معها :
_ ممكن نتفق اتفاق يا سما ؟
قالت بريبة :
_ اتفاق إيه ..؟!
كان هذا اتفاق فيه خطة للفوز بها … ودون أن يفقد كبريائه لو اعترف لها بحبه ورفضت كعادتها … فقال بمراوغة وخبث:
_ احنا دلوقتي خلاص ارتبطنا ببعض ، وفرحنا بعد شهر …. يعني الأفضل نفكر بجد أننا …. نفهم بعض ..
خذلها بختام حديثه … فقالت بتنهيدة وكأنها لا تفهم شيء :
_ عايز توصل لأيه مش فاهمة ..؟!
كان متأكد أنها تفهمه … ولكنه ليس متأكدا تمامًا أنها تحبه … بل أوقات كاد أن يقسم أنها لا تكره احدا سواه ! …. فتابع بنظرة متطلعة بدقة بعينيها وببعض الارتباك قال:
_ يعني اقصد أن لو حتى جوازنا عشان نرضي جدي فليه لأ ما نحاولش نخليه بجد …. ندي فرصة لنفسنا … مش يمكن !
ابتلعت ريقها بتوتر شديد وقالت وهي تنظر لجهة أخرى :
_ مش يمكن إيه ؟!
ادار وجهها له برفق وقال وعينيه تلتمع بشيء غامض :
_ يمكن نحب بعض وعلاقتنا تنجح … يمكن في بكرة يجمعنا ليه لأ !
ببعض المرات كان يشير لها بأنه يحبها … بل قال كان يصرح ببعض الكلمات التي تؤكد ذلك … لماذا الآن يقول ذلك ! … سيصبها بالجنون هذا الرجل !
وصمتت ولم تعرف بما تجيب …. وخشي آسر أن يعترف لها بما يكنه لها … فاليوم غير جميع الأيام الفائته … اليوم سيكن ثقيل عليه أن قابلته بالرفض كعادتها …. فراوغ حتى يصل لها دون أن يصفعه صدها وبعدها عنه …. حتى أجابت :
_ نجاح أي علاقة مش لازم يسبقه اتفاق معقود بين الطرفين …. نجاح الارتباط والجواز بيبقى مبني على حاجات كتير … منها الثقة والأمان والاحترام … والحب .
فأكيد لو لقينا ده مع بعض علاقتنا لوحدها هتنجح …. فلو عايز رد مني فالرد مش عندي …. الرد عند الأيام الجاية .. هي اللي هتقولك أن كنت واخد الموضوع بجد … ولا بتنسى حد بحد !
هربت من الإجابة المباشرة بذكاء اعجبه … فابتسم ناظرا لها للحظات …ثم قال :
_ لو بقربلك عشان أنسى بيكي واحدة تانية فهكون انسان غبي … وأنا مش غبي …. بس أنتي عندك حق ، الايام كفيلة تجاوبك على كل حاجة محيراكي … بس الأول لازم أقولك حاجة … لأ هما حاجتين بصراحة …
تساءلت باهتمام :
_ ايه هما ..؟!
اقترب منها بابتسمة شديدة المكر وهمس :
_ أول حاجة عايز أقولها أني معرفتش ابعد عنيا عنك النهاردة …. خطفتي عيوني من أول لحظة ظهرتي فيها ..
تصبخ وجهها بحمرة شديدة وابتسمت رغما عنها وهي تتظاهر بالنظر لكاحل قدميها … فرفع وجهها اليه مرة أخرى وتابع :
_ وتاني حاجة بقا …
وفجأة قبّل جبينها برقة وبعدها نظر لعينيها بمحبة شديدة وهمس:
_ تاني حاجة عايز أقولها أني مبسوط جدًا جدًا … يمكن أكتر يوم فرحت فيه في حياتي …
ها بقا انفع زوج رومانسي ؟
ارفق حديثه بضحكة مرحة ليزيح عنها هذا الحياء والخجل الشديد … فابتسمت وقالت بحياء:
_ تنفع …
***********
وفي زاوية بعيدة من غرفة صالون لا تستخدم الا نادرا ….
دفعت جميلة جاسر عنها وأشارت له بتحذير وهي على وشك الضحك من قوتها في دفعه ليجعله يكاد يسقط على ظهره :
_ ايدك دي شكلها هتوحشك قريب … عارف لو قربت ناحيتي تاني هعمل فيك إيه؟!
استقام جاسر وارتكز في وقفته وهو ينظر لها بغيظ وعصبية … ولكنه أذكى من أن ينفعل بذلك الوقت …بل ابتسم وهو يقترب مرة أخرى وقال بخبث :
_ هتعملي فيا ايه أكتر من اللي عملاه يا قادرة ؟! …. يا بيوتيفول أنتي بقيتي مراتي ! … عارفة يعني إيه ؟!
قالت جميلة بسخرية وأخفت ابتسامتها بالكاد :
_ يعني إيه ..؟!
غمز بعينيه بطريقة جعلتها تبتعد خطوات عنه وأشارت له مجددًا وهددته قائلة :
_ لو فضلت على أسلوبك ده هصوت وهلم عليك العيلة كلها وأقول اتهجم عليا …
قال ضاحكا :
_ حد بيتهجم على مراته برضو ! …. مش عارف أنتي ليه خايفة مني رغم أنك بتموتي موت فيا ….
سخرت بضحكة وقالت وهي تضرب كفا على كف :
_ اموت فيك أنت ! …. ده لولا مرض جدي …
قاطعها واكمل عنها قائلا :
_ مكنتش اتجوزتك ولا بصيت في وشك … مش كنتي هتقولي كده ؟! … احب أقولك بقا أن لسانك الطويل ده مش هينفع بعد النهاردة … وماتنسيش أني دلوقتي جوزك … يعني أي حاجة لازم نتكلم فيها ومحدش يعرفها ….
قالت جميلة بجدية :
_ بص يا جاسر … أنت آه بقيت جوزي دلوقتي ، بس أنسى اللي في دماغك ده دلوقتي ولحد الفرح مالكش عندي حاجة يا شبح …
صر جاسر على أسنانه من الغيظ وقال لها :
_ لا مكنتش هتخطى حدودي لأني وعدت عمي … وبحترم أهلك … بس الهوى غلاب يا بيوتيفول وبضعف.
ابتسمت سريعا ثم تظاهرت بالجدية وقالت :
_ غلاب يا دحلاب ! …. فكرك هتضحك على عقلي بكلمتين ! … ده أنا خبزاك وعجناك وعارفة خباياك ودواخلك السودا !
قال جاسر بغيظ :
_ كان نفسي اعيش لحظة رومانسية لكن البعيدة جبلة !
بت أنتي عدوة نفسك اقسم بالله .. ضيعتي حتة مشهد كنت راسمه في دماغي أنما رهيب …. منك لله .
ضحكت جميلة رغما عنها … ثم اقتربت له قائلة بابتسامة :
_ خلاص مش هعكنن عليك النهاردة … كفاية كده خناق ونتكلم جد وبهدوء شوية ….
همس جاسر لها بنظرة ماكرة وبشيء جعلها تبتعد عنه خطوتين … فارتبكت وهي تقول :
_ مش هسمحلك بأكتر من مسكة ايدي بما أنك بقيت جوزي يعني … اصلك مش مضمون بصراحة.
لوى جاسر شفتيه بسخرية وامسك يدها وخنق أناملها بقبضته حتى تألمت جميلة فضحك هو بقوة …. ثم رقت قبضته ورفع أناملها لشفتيه وقبّل كل أصبع فيهم ببطء … فارتجفت وسحبت يدها سريعا من قبضته … فضيق عينيه عليها وقال بخبث :
_ ده أنتي خايفة من نفسك مش خايفة مني بقا !
للدرجة دي بتحبيني يا بيوتيفول ؟
توترت جميلة بحياء شديد منه … وقالت وهي تهم بالركض :
_ هروح أجيب حاجة نشربها وجاية …
وعندما جذبها من معصم يدها لكي لا تبتعد دفعت بدون قصد على صدره …. فابتسم بمكر وقال :
_ شوفتي الصدف القمر ! ….
وعندما لاحظ رجفتها الشديدة مرر يده على رأسها برقة وهمس لها بصدق :
_ متخافيش مني يا جميلة … محدش بيأذي حد بيعشقه …
ابتعدت وهي تردد الكلمة الأخيرة … فقال بتأكيد :
_ ومايقدرش يعيش من غيره كمان … هو إيه الغريب أني أحبك للدرجة دي !
نظرت له بعتاب حقيقي وقالت :
_ اتخليت … ومشيت !
هز رأسه معترضا وقال :
_ مكنش بإيدي شيء غير أني اسافر … رعد نرفزه قرار جدي وخوفت يسيب البيت ويمشي واحنا مش موجودين … مكنش ينفع اسيبه لوحده صدقيني… بس مش هو ده بس اللي مخوفك مني ..
ابتلعت ريقها بقوة ولم تجيب … ولكنه فهم حيرتها وقالت :
_ أنا مكدبتش عليكي واعترفت أني كنت بعرف بنات قبلك ، بس بعدت واخترتك أنتي بس …
هزت جميلة رأسها بيأس وقالت :
_ الكلام لوحده مش كفاية يا جاسر … وإلا كنت صدقتك من زمان !
أخذ يديها بين راحتي يديه وقال بمحبة ظاهرة :
_ طب ما تخلينا كويسين مع بعض ولو شوفتي عليا حاجة ابقي اعملي اللي عايزاه …. ماينفعش نعيش حياتنا وأنا بثبتلك أني ماحبتش غيرك في حياتي ؟!
تركت جميلة اناملها بين قبضتيه وقالت بصدق :
_ محدش بيعرف يدي الأمان وهو مش مطمن … تصرفاتك واللي عرفته عنك غصب عني خلاني مش قادرة أثق فيك … خايفة تخذلني بعد ما اكون اديتك ثقتي كلها وتغدر بيا … ساعتها عمري ما هسامح نفسي أبدًا ..
قال لها بتأكيد صدقه :
_ طالما بقينا لبعض أنا متأكد أن كل شيء هيمشي زي ما بتمنى …. عن نفسي مش بفكر في اللي فات … أنا معاكي انتي وبس …
**********
وبغرفة الطعام الواسعة ….
اجلسها ثم ذهب لبغض الدقائق وأتى بعدة أطباق للطعام بها ما لذ وطاب من الحلوى …. فابتسمت حميدة وهي تراه يجلس بجانبها ويأخذ أحد الأطباق … ثم تفاجئت أنه يريد أن يطعمها !
فقالت بابتسامة خجولة :
_ مش جعانة …
فابتسم يوسف بسعادة وقال برجاء :
_ نفسي من زمان ااكلك … كلي الحتة دي بس ..
ابتسمت بحياء شديد وهي تتذوق من يده الحلوى ..ثم ابتلعتها بشهية عكس ما كانت تشعر به منذ قليل …. فوضع يوسف الطبق على المنضدة وقال بتنهيدة ارتياح :
_ الحمد لله … تعرفي يا حميدة أني من تاني مرة شوفتك فيها وكنت حاسس أن اليوم ده هيجي … أو يعني كنت بتمنى .
قالت حميدة بابتسامة بها طيف حياء :
_ طب وأول مرة شوفتني فيها ؟
نظر لها بمجبة وعاطفة وأجاب :
_ أول مرة شوفتك معرفتش انساكي … اوعي تفتكري أن الفطير وريحته اللي شدتني !! … أنا بحب الاكل بس مش للدرجة دي يعني ! …. أنا كنت ماشي بتفرج على البلد عادي لحد ما لمحتك من بعيد … كنت حاسس أني شوفتك قبل كده وفضلت أبصلك عشان أفتكر شوفتك فين …. بس بعد شوية معرفتش اشيل عنيا من عليكي …. عرفتي بقا أني بحبك اكتر من الفطير !
يتبع…
- لقراءة الفصل التالي: اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية قلبي و عيناك و الأيام)