روايات

رواية يناديها عائش الفصل الثالث عشر 13 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الثالث عشر 13 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الثالث عشر

رواية يناديها عائش الجزء الثالث عشر

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الثالثة عشر

السعيد من راض نفسه على الواقع والتمس أسباب الرضا والقناعة بقضاء الله وقدره حيثما كان.
وبعد دقائق من الفحوصات،دونت الطبيبه”زهرة عواد” بعض الملاحظات عن الحاله ثم وضعت القلم من يدها لتصوب بصرها تجاه هاجر تتأملها قليلاً بحزن قبل أن تخبرها بالنتيجه
اختلست هاجر نظرات التوتر والإرتباك لوالدتها والطبيبه بين الحين والأخر، فشعرت من تغير وجه الطبيبه للحزن والإمتعاض، بأن نتيجة التحاليل ليست جيده.
بادرت والدة هاجر القول سريعًا بخيفةً والتباس
–خير يادكتوره.. التحاليل بتقول ايه؟
تنفست الطبيبه بعمق ثم ابتسمت نصف ابتسامه حزينه قبل أن تقول
— أنا عارفه إن هاجر بنت قويه ومتدينه وعلاقتها بربنا كويسه.. ومحدش عارف الخير فين.. بس احنا لازم نرضي باابتلاءات ربنا لينا ونكون اقوى منها ونتغلب عليها مهما كان
قاطعتها هاجر قائله بلهفه
— أنا راضيه بقضاء ربنا بس أرجوكِ قولي فيه ايه!؟
أجابت الطبيبه وهي تشير للتحاليل

— بصي ياهاجر.. كله بأمر ربنا.. انتي عملتي اللي عليكي واحنا عملنا اللي علينا والشفا بإيده وحده.. انتي في المراحل الأخيره من السرطان خلاص.. والعلاج مش بيجيب نتيجه..للأسف هضطر اقولك ان معدتش في ايدينا حاجه نقدر نقدمهالك.. ربنا معاكي..
ترنحت هاجر في صمت لدقائق مرت عليها كأنها حُقبه من الزمن، أما والدتها فقدت الوعي على الفور ولم تتحمل ماقالته الطبيبه..
أسرعت الطبيبه نحو والدة هاجر لتخرجها من حالة الإغماء، اخرج هاجر من شرودها صورة والدتها مغشية عليها أمامها، صرخت هاجر ببكاء
— ماامااا.. مامااا قوومي.. ماما بالله عليكِ متسبنيش… ياارب اناا وانتي لااء ياماماااا
طمأنتها الطبيبه قائله بنبره هادئه
— اهدي ياهاجر.. ماما بخير ياحبيبتي هي بس اغمي عليها وخلاص هفوقها اهو اهدي عشان ماما ما تشوفكيش بالحاله دى وتجيلها انهيار عصبي
مسحت هاجر دموعها بوهن متمتمه

— انا اسفه ياماما… سامحيني.. من صغري وانا تعباكم معايا بسبب مرضي.. بس خلاص.. هروح عند ربنا وهترتاحوا مني.. خلاص ياماما هريحكم خالص.. مش هيبقى فيه هاجر تاني.. وعرفي زياد ياماما.. انا متأكده انه هيفرح.. انا تعبته معايا كتير وهو من حقه يعيش حياته.. خلاص بح.. هاجر هتريحكم كلكم.. هاجر هتموت خلاص ياماما…
نهرتها الطبيبه بلطف قائله
— هااجر.. اهدي لو سمحتي.. بلاش الكلام ده.. ماما هتتعب اكتر لو سمعته.. ولا انتي مش خايفه على ماما!
هزت هاجر رأسها بعنف وأصبح بكاؤها بكاء الغريق في لُج بحر وقالت
— اناا.. انااا اسفه والله.. غصب عني… بس انا تعبت.. أنا يأست يادكتوره.. الموت ارحملي بجد
أدمعت عين الطبيبه رغمًا عنها ثم همست وهي تربت على ظهر والدتها بعد أن استرجعت وعيها
— انا حاسه بيكِ.. مرض السرطان مش سهل.. مش أي حد يتحمله.. بس انتي قويه ياهاجر.. وعشان كده ربنا ابتلاكي بيه.. والابتلاء محبه من الله سبحانه وتعالى ومتنسيش الأيه دي
ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) يوسف ٨٧.
أومأت هاجر ومسحت دموعهها بوهن ثم ارتمت في احضان والدتها دون أن تتفوه بشيء..
بعد نصف ساعه مرت، استعادت هاجر اتزانها وكذلك والدتها
قالت الأم بصوت متهدج حزين

–يارب الطف بينا يارب.. لاحول ولاقوة إلا بك
ثم ذهبت الاثنتين مستقلين سياره لتصلهم للبيت
هتفت هاجر بترجي
–ماما لو سمحتِ… متعرفيش حد بالنتيجه
أومأت والدتها في صمت ودموعهها على وشك الإنهيار..
أما هاجر شردت بذهنها فيما رأته منذ ساعات، عندما رأت زياد يتجه نحو بيت عائشه، فقد تأكل الشك منها، حتى ظنت أنه على علاقه بها، ولكن كيف وهي سترتبط بأخر!
شعرت هاجر بالتعب والدوار من كثرة التفكير والحيره التي تملكت قلبها، فنامت على كتف والدتها وهي تحبس الدموع بصعوبه حتى وصلا للبيت.
——————–

{‏إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}
لم تكن روان في غبطة وسعادة لتلك الدرجه إلا اليوم، لقد تاب قلبها توبة نصوحه واليوم سيكون الأول لها للمسيره في طريق الجنه..
أهلملها والديها ولم يعلماها تعاليم الإسلام ولم تترعرع على التقوى ومكارم الأخلاق، فما كان منها إلا الإقبال على عصيان الله والإسراف على الذنوب دون أن تدرك أنها بذلك تدفن نفسها حيه في طريق الهلاك، وكأن عيناها وقلبها أُحيطوا بغشاوة فمنعتها عن رؤية الصواب من الخطأ.
لولا مراجعة نفسها ومعاتبة ضميرها على ماارتكبته من اخطاء وذنوب لكانت الآن هُلكت بالفعل، ولكن تمنت الهدايا بقلب ذليل، فهداها الله ووضع في قلبها وبصرها نورًا، نور الحق ونعمة الرحمه والغفران.
وقفت روان أمام المرآه في غرفة روميساء، بينما الآخيره ذهبت لتحضر كوبين من القهوه المثلجه، امتدت يد روان لوشاح روميساء الموضوع على الفراش، ثم وضعته على شعرها القصير المسترسل بعد عدة محاولات فاشله أن تلفه كما تفعل الفتيات المحتشمات، ثم نظرت بتمعن لنفسها في المرآه، فاتسعت ابتسامتها الراضيه عن هيئتها الحسنه وقالت بلهجه مرحه

— قال بيقولوا الحجاب بيخفي جمال المرأه.. جمال ده يبقا جوز امك انتي وهي.. اغبيه والله.. ده انا طالعه قمر اربعتاشر اسم الله عليا
سمعتها روميساء وهي تدلف للغرفه، حامله بيدها كوبين القهوه، القت نظره على روان ثم ضحكت بشده حتى اهتزت القهوه من يدها وانسكب القليل منها على الكومود.. نظرت لها روان متعجبه من قهقهتها الشديده لتهتف متسائله
–بتضحكي على ايه ياست حلويات انتي؟؟
استطاعت روميساء ان تتوقف عن الضحك اخيرًا لتقول
— مش معنى انك اول مره تلبسي حجاب يبقا تلفيه بالشكل ده.. مش للدرجادي يالطفي
نظرت روان لنفسها في المرآه بدقه، فانتبهت لأذنيها ظاهرتين من الحجاب بشكل مضحك.. ولتلك العقده التي ربطتها فوق رأسها، كأنها تتهيء لنشر الملابس!
لم تتمالك روان نفسها فضحكت هي الأخرى وشاركتها روميساء الضحك حتى أدمعت عيناهم، وضعت روان يدها على قلبها وهي تحاول التوقف عن الضحك قائله
–خلاص ياام اربعه واربعين انتي.. مكنتش لفة طرحه.. وبعدين انا كنت بحاول اعملها عالموضه زي التربون كده
فتحت روميساء فمها على مصرعيه ثم حملقت بعينيها الكحيلتين بطريقه مضحكه ثم هتفت بغضب مصطنع
— تربوون!! يعني يوم ماربنا يتوب عليكي وتتحجبي تقولي هلبس تربون!
اجابت روان بلامبالاه وكأنها تقصد استفزاز روميساء
–مالو التربون.. ده حتى شيك وهيخليني مزه
صعقت روميساء من قولها فنهرتها قائله

— بت انتي.. هي مراره واحده.. قسما بالله العظيم انسر الشبشب دهو على وشك.. انتي عارفه ان التربون ده مش الحجاب الشرعي!.. اوعي تقوليلي مش عارفه، ده انا ازعل وماما وناهد تزعل ونجيب ناس تزعل
قالت روان ببلاهه
— ناهد مين!
–ناهد.. مين قال ناهد؟
قالتها روميساء بنبره ساخره وهي تدفع بكوب القهوه ليد روان هاتفه
— سمي الله واشربي ياختي.. واخلصي يلاا عشان نتوضا ونصلي العشا ونقعد نزاكر، مش كفايه مأجلين كمياء وفيزياء كمان هنشيل السنه.. اخلصي كفايا بشيل الشنطه مليانه كتب.. ورايحه فين.. رايحه الدرس.. جايه منين جايه من الدرس.. ولااحنا فاهمين ولااحنا نافعين.. بصي هي الواحده مننا ملهاش إلا بيت جوزها
قاطعتها روان وهي تضحك وتهوش بيدها امام فم روميساء
__باااس.. اقفلي بقك ده شويه.. يخربيت الرغي.. يابنتي انا واخداكي قدوه عشان تعلميني الدين صح.. لكن شغل مرات ابويا ده.. هجيبك من شعرك.. انتي لسه متعرفنيش على حقيقتي
اجابتها روميساء بسخريه وضحك

— معرفكيش على حقيقتك ازاي.. بيطلعلك جناحات بالليل ولا بتتحولي لشبشب في الضلمه
وضعت روان يدها على رأسها بتمثيل وهي تقول
— يااربي.. انا شكلي جيت للشخص الغلط ولاايه.. البت دي هتجبلي شلل
أحاطت روميساء كتف روان وهي تضحك بشده لتقول
–بعيد الشر عليكي ياروني.. انا بس بفرفشك.. المهم فرفشت يابللاوي!
فرفشت ياخاله نوسه اللي بعدوا
اجابتها روان وهي ترتشف القليل من القهوه بعد أن ذكرت اسم الله عليها..
انتهت الفتاتان من شرب القهوه ثم اتجهت روميساء للوضوء وتبعتها روان، لكي تتعلم كيفية الوضوء الصحيح..
قالت روميساء دعاء دخول بيت الخلاء قبل أن تضع قدميها فيه وهو
–أعوذ بالله من الخبث والخبائث..

ارادت روان الاستفسار عن هذا الدعاء ولكن اشارت لها روميساء بألا تسألها عن شيء حتى تخرج من المرحاض، كي لا تجبرها على الحديث وأن ذلك فى الحمام غير لائق، فالحمام هو مكان لقضاء الحاجة، وبالتالي لا ينبغي أن نطول فيه ولا نحكى فيه فهذا يأخذ حكم الكراهة وأنه خلاف الأصل لكنه ليس حرامًا.
توضأت روميساء على أكمل وجه بعد أن استحضرت نية الوضوء في قلبها، ثم فعلت مثلها روان ولم تخطئ في شيء، الأمر الذي جعل روميساء في أشد درجات سعادتها، سيكون لدى روميساء صديقه جديده تتسابقان على طاعة الله عز وجل..
انتهت روان من وضوءها ثم اتجهت الفتاتان لتقفان على سجادة الصلاة في اتجاه القبله وقبله أن تشرعنّ في الصلاه، التفت روميساء باابتسامه مشرقه لروان قائله

— عايزه تحسي ان ربنا قبل صلاتك وتخشعي فيها.. خدي نفس عميق وغمضي عينك دقيقه وتخيلي انك محاطه بنور ربنا، تخيلي ان ربنا حبيبك وملاذك الوحيد وانتي واقفه بين ايديه، اشتكي لحبيبك في سجودك من اي حاجه تعباكِ، كل الهموم ارميها ورا ضهرك وانتي بتقولي الله أكبر.. فكري في الكلمه.. “الله اكبر” يعني ربنا اكبر من همومك ومشاكل وكل شيء.. ربنا بيحبك عشان كده حط في قلبك الهدايا والتوبه، ربنا عارف ايه اللي جواكِ، عارف مين اللي مزعلك ومدايقك، بس هو عاوز يسمعك وانتي بتحكيله، روحيلو ياروان واشتكيله من كل حاجه مخوفاكِ، خدي الصلاة على انها مقابلة وقعده حلوه مع اعظم حد في الوجود، مش تقضية فرض وخلاص.. هتقولي يارب في سجودك وتهمسي في الأرض بااسمه، هيسمعك من فوق سبع سموات.. الصلاة نعمه وهديه من ربنا لينا، الصلاه مش تقضية واجب عشان ناخد جايزه، الصلاه هي
راحة و فرج و طوق نجاة.
تهللت اسارير وجه روان وشعرت بأن غمه ازالت عن قلبها، ورفرف وتينها بسعاده لم تكن في الحسبان.
كانت تظن أن الحياه مجرد لهو ومتعه فقط،ولكن الله لم يخلقنا عبثًا.
قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56].
……………..

عاهَدت نفسِي الا اشَتاق وهَا أنا اخُون العَهد .💔
….

بعد أن خرج كلاً من بدر وسيف من قسم الشرطه، اتجه كلاهما ليُصليان صلاة العشاء بعد أن أكل بدر بضعة تمرات كان في جيب بنطاله وارتشف الكثير من الماء كأنه على وشك الموت من الظمأ
سأله سيف متعجبّا وساخرًا
— تمر وميه!
ايه ياسطا احنا في رمضان ولاايه!
ابتسم بدر بعفويه قائلاً
–لا ياحبيب اخوك.. كل سنه وانت طيب احنا في العشر الاواخر من ذي الحجه وفطرت قبل مااجي القسم على تمر وجعت فباكل منه عادي.. تاخد؟
–تؤ

قالها سيف بعدم اهتمام، فربت بدر على ظهره ثم صلى العشاء وكانو هم الأثنين فقط، فقد تأخرا نصف ساعه عن الصلاة بسبب بعد المسافه بين المسجد والقسم..
جلس بدر يسبح الله بهمس، فبادره سيف متسائلا
— بقولك ايه يابدر.. ايه رأيك لو نبيع الورشه والبيت ونشوف بيت انضف بعيد عن الحاره المقرفه دي وتشوفلك شغلانه نضيفه بالمره
قطب بدر جبينه وانزعج من حديثه شقيقه، ولكنه لم يبدي انزعاجه وقرر أن يعامله كما لو أنه طفل صغير يحتاج للإمساك بيده ليرشده للصواب، على الرغم من أن بدر ظن أن سيف سيتعلم الدرس بعد ماحدث في القسم ولكنه كبح غيظه من استهتار شقيقه بالأمر والتعامل بوقاحه كأنه لم يفعل شيء..
قال بدر بهدوء وهو يهندم شعره المتدلي لبعد كتفيه
–دي الحاره اللي اتولدنا وعيشنا واتربينا فيها.. منقدرش نسيب اهلنا ونقعد في مكان تاني.. وبغض النظر عن كلامك على شغلي.. مش هقولك بقا ان الشغل ده هو اللي فاتح البيت والكلام اللي مبيأكلش عيش ده.. أنا عاوز اعرف.. ايه اللي مضايقك من شغلي اوي كده؟
توتر سيف قليلا ثم قال

–بصراحه يابدر.. احيانا بحس انك متستحقش المكانه اللي الناس حطاك فيها.. وانا اللي المفروض ابقى محط انظار الكل.. انا في كلية طب واشرف اي حد.. ومحدش بيهتم بيا.. لكن انت شغال في ورشه والكل بيعملك الف حساب
شعر بدر بالحزن في قلبه كثيرًا مما قاله شقيقه عنه، ولكنه استطاع بمهاره الا يبدي أي ردة فعل سلبيه كي يستطيع أن يكسب شقيقه ثانيةً..
قال بدر بعفويه
— مسألتش نفسك ليه الناس بتعملي ألف حساب؟
صمت سيف لبرهه، فااستطرد بدر حديثه مردفا
–أي حد ماشي في طريق ربنا وحاطط ربه قصاد عينه، يقدر يملك الدنيا كلها باايده.. الناس بتحترم اللي مش بيتكبر عليهم.. الناس بتحب المتواضع اللي مهما علا في شغله هيفضل يعامل الكل بالأدب والأخلاق اللي ورثناها عن سيدنا النبي.. أما بالنسبه لشغلي اللي حضرتك مستعر منه ده، فالنبي اللي انت على دينه كان راعي غنم وسموه الصادق الامين لحسن اخلاقه، سيدنا داوود عليه السلام كان شغال في الحداده، سيدنا الياس كان بيشتغل في الغزل والنسيج، سيدنا نوح كان نجار، سيدنا ادريس كان شغال في الخياطه..

صمت لوهله فوجد اخيه بدت عليه علامات الخجل من نفسه، تابع بدر قائلا باابتسامه حنونه
— بص ياسيف.. لو حبيت نفسك زي ماهي ورضيت باللي ربنا قسمهولك وحبيت اهلك بشغلهم، ربنا هيعلي من شأنك والناس كلها هتحترمك.. انت المفروض تفخر إن ليك اخ بيجيب اللقمه بعرق جبينه في زمن كتر فيه الحرام
أومأ سيف مبتسمًا بصعوبه، ولكن شيئًا في قلبه يخبره بأنه يستحق ان يكون الأعظم شأنًا من بدر، أو أنه لم يقتنع تماما بحديث شقيقه، أراد سيف النيل من بدر بااشعال غضبه أمام الغرباؤ عندما رأى فوج من الرجال المسافرين يدلفون للمسجد، حتى يتعمد اظهار شقيقه بصورة سيئه أمامهم، فأردف بسخريه قائًلا
–هو انت بجد بتحب عائشه بنت عمنا !؟
تأمله بدر للحظات بوجوم، فاارتبك سيف وتزحزح بعيدًا عنه حتى لا ينال قبضة مميته من يد بدر التي تشبه لاعبي الملاكمه بعروقها البارزه، ولكن بدر فاجأه بأن تنهد بحزن بعد أن هدأت ملامحه قائلاً بنبرة عشق
–كنت إمام في المسجد اللي كنت باخد جنبه درس وانا في الثانوي، و في كل صلاة بدعي ربنا أنه يجمعني بيها ، في مره سهوت وذكرت اسمها جهرًا فردد الجميع آمين

حملق سيف في شقيقه متعجبًا منه، وكأنه يقول لنفسه.. ماكل هذا العشق! أيعشق المرء لتلك الدرجة التي يعشق بدر بها عائش، يطلبها من الله في كل فرض وكل سجده يصليها دون أن يبوح لها بشيء، دون أن يخرج معها أو يحادثها في الهاتف ليلاً كما يفعل الكثير من شبان اليوم الغافلون عن طاعة الله !
قال سيف بتلقائيه
–للدرجادي بتحبها!
أومأ بدر دون أن يتكلم واكتفى بابتسامه مكسوره، فقال سيف
–طيب ماتقول لعمي محمود وانجز واتجوزها، بصراحه البت مكنه وممكن تتشقط منك
رمقه بدر بنظره جعلته يبتلع ريقه بخوف وقام من مجلسه على الفور مستعدًا للخروج من المسجد
قال بدر بحده
— الألفاظ البيئه دي مسمعهاش منك تاني، واياك تكلم عنها بالطريقه دي تاني.. هقطعلك لسانك ياسيف.. فاهم
أومأ سيف على الفور ولكنه اغتاظ كثيرًا في نفسه من تفضيل عائشه عليه.
خرج بدر بصحبة سيف من المسجد وبعد قليل احاطه من كتفه قائلاً بأسف
–أنا اسف ياسيف.. متزعلش مني.. بس مينفعش تتكلم بالأسلوب ده عنها أو عن أي بنت عمومًا، اللي مترضهوش لأمك ولأختك، مترضهوش لبنات الناس.

أومأ سيف بعدم اهتمام، فهو لايفكر حتى بأمر شقيقته ولاتعنيه في شيء، لقد كان هو وهاجر أكثر من أشقاء، بل لم يكن يشعر سيف بالراحه الا عندما يدخل للبيت ويجد شقيقته هاجر فيحكي لها كل شيء حدثه معه طوال اليوم، كان يعتبرها خير صديق له، لكن الآن منذ أن اصيبت بهذا المرض اللعين والجميع يهملونه ويهتمون بها، ليس الصبر وحب الآخرين من سمات سيف، فهو أناني بطبعه، يحب أن يكون محض أنظار الجميع وأولى اهتمامتهم.
أردف بدر قائلاً
–هتروح الكورس بكره امتى؟
قال سيف بتلقائيه
–عشره الصبح
–هوصلك
رمقه سيف بذهول مصحوب بتوتر هاتفًا
–لاا.. لاا انااا.. انا هروح لوحدي.. هو انا صغير
ضحك بدر بخفه قائلاً
–متخافش هلبس لبس شيك والمع العربيه عشان مااكسفكش قدام صحابك
ابتسم سيف بصعوبه مردفا
–ههه لاا مش قصدي.. بس الكورس في مكان بعيد وهتضطر تدخل من شوارع كتير عشان توصله و…
قاطعه بدر مصرًا

–هوصلك ياسيف.. انتهى
تأفف سيف ضجرًا ثم غمغم بكلمات غير مفهومه لبدر
–ايه القرف ده.. هو عافيه.. هتوصلني عافيه.. دي حاجه هباب.. طب اعمل ايه دلوقت… اووف.. ده انا كنت بربط ان اخرج انا والصايعه روان اللي بقالها كذا يوم معبرتنيش برنه ولا حتى كول مي بليز
أما بدر ظل يتمتم بذكر الله حتى وصلا للبيت بعد أن أخبر سيف في منتصف الطريق أن خطبة عائشه غدًا من زميلها بالجامعه أمير، وبالطبع صعق سيف من الأمر… وكيف لبدر أن يكون بكل هذا الهدوء والفتاه التي عشقها حتى بات متيمًا بها ستتزوج من آخر!
ولكن الحقيقه كان بدر يتظاهر باللامبالاه من الخارج فقط، أما في قلبه جمرًا مشتعلاً، لايستطيع أن يتخيل أن تكون لرجل غيره، هو وحده من يستحقها، هي فتاته وطفلته المتمرده وملاكه الصغير، هل سيتركها ترحل عن قلبه هكذا!
———–

أود أن أضع قلبي تحت صنبور مياه بارد.
….

ولج زياد لغرفته المظلمه بذنوبه التي يرتكبها ليلاً ويبكي عليها نهاراً، ألقي بجسده المنهك من التفكير على الفراش، ثم ركل بقدميه حقيبة اوراق المحاماه خاصته واستند برأسه على الوساده ورائه يفكر فيما قاله لعائشه.
حدث نفسه بصوت واضح موبخًا ذاته
— مش عارف تتوب من اللي بتعمله بسبب غبائك يازياد.. مالك انت ومال عائشه.. حاططها في دماغك ليه.. متلبس ضيق ولاتمشي عريانه!.. خليك في نفسك.. شوف نفسك بتعمل ايه، ملكش دعوه باللي الناس بتعمله، انت هتتحاسب لوحدك، بس عادي انا بنصحها.. لأ مليش حق.. لازم احاسب نفسي الأول قبل مااحاسب غيري
تنهد بحزن ويأس طويلاً مردفا في نفسه بخيبة أمل
— عامل زي اللي بيدور في متاهه مقفوله يازياد، لاهو عارف اخرها فين ولاعارف يخرج منها ازاي، ااه تعبت ياارب.. تعبت.. اعمل ايه.. اعمل اييه
فكر قليلاً في نفسه فلمعت برأسه فكره وهي أن يتخلى عن الإنترنت نهائيًا، حتى لو لم تكن خطوة صحيحه، فيكفي أنه لن يشاهد الأفلام الإباحيه مجددًا، ولن يقوم بفعل تلك العادة السريه التي جلبت عليه الفقر وغضب الله وأوشكت حياته على الانهيار بسببها، أراد أن يخبر بدر بما يفعله رغمًا عن نفسه ولا يستطيع التخلي عنه فربما يكون الحل عند بدر ابن عمه، ولكنه خاف أن تزول مكانته عند ابن عمه عندما يعلم بأفعاله الشنيعه، يدرك زياد جيدًا

أن الشخص هو من يختار طريقة موته، وكذلك مستقره بعد الموت في الجنة أم النار، وذلك بفعل الطاعات التي تُدخله الجنة، إن قبضت روحه أثناء قيامه بها، أو المعاصي ومن ثم جهنم، و أنه ينبغي على الشخص مراقبة الله في أفعاله وأعماله، بشكل دائم، فلا أحد يعرف متى يُقبض.
مسح زياد على وجهه بندم، ثم استغفر ربه مرارًا وقرر أن يتخلى عن اللاب توب خاصته وهاتفه الذكي ويستبدله بآخر صغير لايصله انترنت لمدة شهر يجاهد فيه في طاعة الله حتى يرجع لعقله ويستطيع التحكم في غرائزه.
اتجه زياد للمرحاض ليتوضأ ويصلي ركعتين توبه لله من ذنبه
فقد ثبت عن النبي ﷺ من حديث الصديق أنه قال: ما من عبد يذنب ذنبا ثم يتطهر فيحسن الطهور ثم يصلي ركعتين ثم يتوب لله من ذنبه، إلا تاب الله عليه.
————-

بعد أن وبخ زياد عائشه بتلك الكلمات المخزيه لها، انهارت على فراشهها وبكت كثيرًا حتى تورمت عيناها وجف الدمع منهما.
ثم تحول صوت بكائها لشهقات متتاليه، لتقوم بتعب وتأخذ صورة والدتها الموضوعه على الكومود وأخذت تحدثها بصوت متهدج كما لو أنها أمامها فقالت:
— ليه موتي بدري وسبتيني، ليه كل اصحابي عندهم امهات وأنا لأ!
انتي تعرفي ان بكره نفسي وبكره حياتي، أنا محدش بيحبني ياماما.. محدش طايقني.. يمكن عشان لبسي واسلوبي مش عاجبهم!
بس أنا ملقتش حد يعلمني الصح من الغلط، أنا محتاجه حد قريب مني علطول، حد حنين عليا ياماما، ياخدني في حضنه لما الدنيا تيجي عليا، وأنا الدنيا جات عليا كتير اوي ياماما، بابا نفسي احبه واحس إني منه، بس مش عارفه، حتى بدر الوحيد اللي كنت بطمن معاه وانا صغيره دلوقت مبقتش اطيقه، مش عارفه ليه ياماما، يمكن أنا اللي وحشه!
ايوه أنا اللي مش كويسه، أنا متحبش ياماما..
صمتت قليلاً تستجمع شتات نفسها ثم قالت بلوم
–انتي مشيتي وسبتيني وأنا في أشد الاحتياج ليكِ، تعرفي ان بُكره خطوبتي!.. انا وافقت على أمير مش عشان بحبه ياماما، انا مبحبش حد محدش يستحق أحبه اصلن، أنا وافقت بس عشان هخرج من العيشه القرف اللي انا عايشاها دي، وافقت عشان هعيش مرتاحه بفلوس أمير وهو مبيحبنيش أنا حاسه بكده، هو عاوزني عشان يتباهى بيا قدام صحابه.
ظلت عائشه تحدث والدتها بنبره حزينه مره وبلوم مره وببكاء مره، حتى توقفت تمامًا عن الكلام وأخذت تصتنت لصوت حركة أحد ماء تحت نافذة غرفتها، علمت على الفور أنه بدر الشباب، فلا أحد يذهب لهناك من أهل بيته غيره، هو الوحيد القادر على إصلاح موتور الماء خاصتهم..

……….
بعد أن وصلا بدر وسيف للبيت، قابلتهم والدتهم بابتسامه حنون كعادتها ولكنها بدت منزعجه من ذلك المتمرد عليهم سيف الإسلام، لم يبدي سيف أي اهتمام لنظرات والدته، ودلف لغرفته يستمع للموسيقى حتى غفا وغطّ في النوم والموسيقى مازالت مستمره في أذنيه، ماذا سيحدث لو قبض الله روحه وهو على هذا الحال! كيف سيقابل ربه!
بينما بدر يتسامر مع هاجر شقيقته ويحاول أن يعرف مالذي يحزن ملامحهها الرقيقه، سمع صوت صفير الموتور الخارجي القريب من نافذة غرفة عائشه، ولأن بيت عمه يكاد يكون ملصق ببيتهما، فمن السهل على عائشه سماع صوت الموتور أيضًا، اتجه بدر ليصلحه وأخذ معه كشاف لعدم وجود ضوء هناك.
انتبه بدر لسطوع الضوء من غرفة عائشه وانعكاسه على الأرض بجانب الموتور ولكن بشكل طفيف، أما عائشه وجدت نفسها تتسلسل للنافذه وتختلس النظرات عليه بحذر حتى لا يكشف أمرها ويظن أنها وقعت في غرامه.
شعر بدر بقلبه يكاد يقتلع من الدق، فأغمض عينيه ليتنفس الهواء فأحس أن نسيم الهواء مختلطًا برائحة الياسمين، نعم تلك الرائحه يعرفها جيداً، فمنذ أن كانت عائشه صغيره وهي تعشق رائحة الياسمين، فتقوم بنثر عطر الياسمين في الغرفه كل يوم حتى على جسدها بأكمله.
وضع بدر الله أمام عينيه واستطاع أن يمنع نفسه بالنظر اليها والإرتواء من رائحتها التي تثير جنونه وغرائزه، فابتلع ريقه بصعوبه هامسًا

–استغفر الله واتوب اليه..اللهم ارحم ضعفي، ربي لاتكلني إلى نفسي طرفة عين.
تسللت عائشه لخارج غرفتها ببطء شديد حتى لايشعر والدها بحركتها فيسألها إلى أين تذهب في هذا الوقت المتأخر من الليل، نجحت عائشه في الفرار من البيت ولم تهتم لشعرها الغجري المنسدل ورائها ولا لملابس النوم الخفيفه التي ترتديها.
انحنى بدر ليضيء بالمصباح ناحية الموتور، فشعر بحركة طفيفه وراءه، استدار في الحال فتمثل أمام عيناها البنيه جسده القوي في الحال، ابتلعت ريقها بخوف من هيئته في الظلام التي تبدو كالمصارعين .
ترددت أن تخطو بقدماها خطوه تجاه فوقفت بقامتها التي لاتتعدى صدره المفتول تنظر له بخجل وخوف ودموع على وشك الإنحدار، أما بدر شعر بأن دلو ماء بارد سكب عليه وتوقف الزمن به للحظات وهو يصوب المصباح على جسدها ويبتلع ريقه بصعوبه وكأن الأحرف جفت في حلقه، نطق بدهشه شديده أخيرا
–عا… عائش.!

هنا تخلت عائشه عن خوفها وخجلها منه، عندما نطق اسمها الذي يخصه هو فقط، تقدمت نحو بخطوات مسرعه حتى قفزت وتعلقت في قميصه كالطفل الذي وجد أمه بعد لحظات ضياع.
شعر بدر بأن قوامه شُل وهي تتعلق في رقبته وتبكي بشده وتردد
–ابيه بدر.. متسبنيش.. انا محتجالك اوي
في تلك اللحظه كانت نورا ابنة عمهم مصطفى في طريقها للمنزل بعد أن انهت درس القرآن خاصتها، فلمحت طيف احدهم عند الموتور، ظنت أنه بدر، شعرت بسعاده بالغه، وقررت ان تنتهز الفرصه وتصارحه بحبها له، ولكن مارأته جعلها تقف كالصنم مكانها. توارت نورا سريعا حتى لايراها بدر، ثم اخرجت هاتفها وهي تتمتم بغيظ
–بقى عاملنا فيها شريف ومحترم وانت مقضيها مع بنت الرقاصه دي.. ماااشي والله يابدر لتكون فضيحتك على ايدي انت والزباله اللي معاك دي.

يتبع …

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا 

لقراءة جميع فصول الرواية اضغط على ( رواية يناديها عائش )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *