روايات

رواية يناديها عائش الفصل الرابع 4 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الرابع 4 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الرابع

رواية يناديها عائش الجزء الرابع

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الرابعة

إن الإعتراف بالخطيئة هو نصف التوبة
……

جّن الليل وأسدل ستائره بألوانها السوداء المخمليه…وأقبل القمرُ مختالاً مرتدياً عباءتهُ الفضيةَ.. والصمت يتخلل الأجواء ويزحف بخطاهِ الواثقةَ يسودُ الهدوءَ الكرةََ الأرضيةَ تنامُ أعَين..وتبقى أعين البعض منها مجتّره بالآلام والبعض يأكل قلبه نار الشوق لحبيبه..وقله من الناس يقومون الليل بتناجي وخشوع..
وقفت هاجر في شُرفة غرفتها تستنشق بعض نسمات الليل العطره..وهي تتأمل سطوع القمر بوجهٍ شاحب حزين..تستذكر ماحدث البارحه حينما علمت بفراق ابن عمها وحبيبها لها..
تنهدت بعمق لتردف بصوت حزين
— ساعدني يارب…أنا حاسه إن بدأت أيأس…حاسه إن معتش قادره أقاوم…حاسه إن ضعيفه أووي ياارب
مسحت على وجهها بتعب..لحظات وانتبهت لوميض من النور يشع من غرفة زياد..التي في مقابل شرفتها..
رجعت للوراء لتتوارى خلف الحائط..فعلى الرغم من ردائها الفضفاض المحتشم إلا أنها تشتعل خجلاً حين يقع بصرها عليه..
ظلت تتأمله من خلف زجاج النافذه..فوجدته يحطم كل شيء بغرفته ويصيح بكلمات غير مفهومه..
أغمضت هاجر عينيها بألم ثم انحدرت الدموع من مُقلتيها بحزن شديد على حالته التي تسوء يوماً بعد يوم وهي لم تعرف السبب بعد..أو أنها تظن بأن مرضها هو سبب ابتعاده عنها…لذا اكتفت بالصمت وعدم البوح له بشيء
أردفت هاجر وهي تغلق النافذه

— ربنا يهديك يازياد…انت مكنتش كده ايه اللي حصلك بس..ربنا يهدي سرك ويصلح حالك ويرزقك باللي تعوضك عني وتعيشك الأيام الحلوه اللي أنا معرفتش أعيشهالك
قالت جملتها الأخيره ثم انفجرت في البكاء بصوت عالي مزق أحشاء الليل..
وضعت يدها على فمها تكتم أصوات شهقاتها المتتاليه..ثم اتجهت لتجلس على الفراش وهي مازالت تبكي بصمت..
كم تشتاق له ولمزحاته السخيفه التي لطالما أضحكتها وبشده بخلاف باقي العائله..
لم تحسم يوماً أن يحدث أمراً كهذا…لم تضع في الحسبان، أنه سيأتي يوماً وسيفترقا..
ولكن لا نستيطع إلا أن نقول..قدر الله وماشاء فعل..
مسحت هاجر دموعهها ثم نظرت في ساعة الهاتف فوجدتها الثانية ليلاً..ابتسمت بوهن ثم قامت لتضع سجادة الصلاه في تجاه القِبله..واتجهت للمرحاض كي تتوضأ..لتُقابل حبيبها..!
توضأت هاجر جيداً..ثم ارتدت ملابس الصلاه لتقف مستقبله القبله قائله باابتسامه عذبه
— وحشتني اووي…وحشتني اووي ياحبيبي..بقالي يومين نفسيتي تعبانه وعاوزه احكيلك على حجات كتير اووي…بس هصلي ركعتين قيام الليل واحكيلك على كل اللي حاسه بيه
صلت هاجر ركعتي قيام الليل بخشوع..ثم سلمت عن يمينها وعن شمالها..لتمسح على وجهها برقه ثم رفعت رأسها للاعلى قليلاً لتبتسم بحب قائله

— أنا عارفه إن عزتك وجلالك عارف كل حاجه عن عبادك وعارف هما بيفكروا في ايه وحاسين باايه…بس أنا برتاح لما احكيلك على اللي جوايا..انت عارف يارب إنك الوحيد اللي مش هتتخلى عن عبدك مهما حصل…انت رحيم وحنين اووي ياارب…خليك معايا دايماً…أنا متأكده إن وجودك دائم.. ومش هتسيبني زيهم
تنهّدت بإرتياح ثم مسحت على وجهها بهدوء لتردف
— عارف ياربنا.. أنا بحب زياد اووي… ايوه مكنتش بعبرله عن ده بكلام حب زي اللي بيطلبه مني لأن عارفه ضوابط الخطوبه وانا بحبك ياربنا ومش عاوزاك تزعل مني… بس زياد كان بيزهق ويقولي انتي مش بتحبيني وكلام كتير كان بيوجعني… بس اللي مخليني احبه اووي… إنه حنين.. هو طيب يارب وعلى نياته ومتأكده إنه بيحبني… بس معرفش ليه سابني… حتى مقاليش السبب

صمتت لتتنفس بعمق، فبكت ثانيةً بقلة حيله ثم تابعت قائله
— أنا تعبانه اووي يارب…مش عارفه الاقيها منين ولامنين…حجات كتير بقت داخله في بعضها وكل حاجه ضدي…زياد سابني والتعب بيزيد عليا وده مأثر على دراستي ومشروعي مش هنجح فيه..أنا تعبانه اووي والله ياربنا…متزعلش مني بس أنا حاسه بضعف ويأس
مسحت دموعهها ثم فتحت المصحف لتتلو بعض الآيات..تهدهد بها قلبها..
فتحت هاجر المصحف بتلقائيه فوقعت عيناها على تلك الآيه
لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها
ابتسمت هاجر ابتسامه واسعه ثم هتفت بمرح
— أكيد دي إشااره منك ياحبيبي
نظرت للأعلى وهي تحتضن المصحف بعشق وسعاده ثم قالت
— انا اسفه ياحبيبي متزعلش مني..أنا لايمكن أيأس تاني…انت رحيم اووي ياارب..خلاص يارب وعد مني هصبر على أي حاجه..أنا عارفه إن اللي بيصبر على البلاء ده ليه أجر عظيم…وأنا هصبر عشان أشوف اجري ياارب وأنا راضيه بأي حاجه المهم رضاك يارحمن

دوى صوت آذان الفجر في الحاره بأكلمها…فأستعدت هاجر لصلاة الفجر…لحظات وسمعت صوت طرقات رقيقه على الباب فاابتسمت بخفوت تعلم أنه بدر شقيقها وقد جاء لتنبيهها بصلاة الفجر ولكن لايعلم بدر عن حوار أخته كل يوم مع الله..
فتحت هاجر الباب..فاابتسم لها بدر بعفويه ثم قبْلها من جبينها قائلاً
— عامله ايه دلوقتي
أجابت بسعاده
— الحمدلله على كل شيء..أكيد هبقى كويسه طول ماربنا معايا
ابتسم بدر قائلاً
— ربنا يصلح حالك دايماً ويرضى عنك
أجابت بأدب
— امين يارب ولك بالمثل
صمتت لبرهه لتتابع متسائله
— متعرفش زياد ماله !
أطرق بدر رأسه بحزن ثم أجاب
— من الأفضل ليكي متفكريش فيه دلوقت لحد مااشوف فيه ايه…أنا هعدي عليه عشان الصلاه
أومأت هاجر دون أن تتكلم..فربت بدر على كتفها مبتسماً ثم ذهب ليصلى فرضه

اتجهت هاجر لتستقبل القبله ثانيةً كي تؤدي فرضها هي الآخرى..همست بمرح
— هخلص صلاه واقعد معاك تاني يارب اتكلم كتير اووي لأن مبحسش براحه غير إما احكيلك انت على كل حاجه…..
هذا ما تفعله هاجر عندما تشعر بالوحده والحزن تلجأ الى الله..
في حوارها مع المولى عز وجل، لم تكن تسمع جواباً مطلقاً أو مقاطعه.. كانت الساعات كلها لها بكت هاجر دون حرج و لم تخجل من الحديث مراراً عن التعب وأن التعب قد أنهكها…
قالت عده مرات أنها متعبه ولم تسمع صوت يأمرها بالسكوت ولا النهي بالتوقف عن البكاء بل شعرت بالهدوء.. وكل الفوضى بداخلها قد رتبت وكل مره تلجأ إلى الله، تزداد قوه ومتانه وتصر على المقاومه والصمود..
فقل لي يا عزيزي.. هل جربت يوما خوض حواراً مع الله!!؟ وبما شعرت!!؟
“أرجو كتابة ذلك في التعليقات كي يستفاد غيرك”
————

مرّ بدر على بيت عمه مصطفى الخياط كي يستدعى زياد للصلاه معه
دلف للداخل بعد أن رنّ الجرس فاستقبله عمه بحفاوه مردفاً
— اهلاً بالغالي ابن الغالي وعريس بنتي المستقبلي
ضحك بدر بخفوت ثم أجاب وهو يصافحه
— ازيك ياعمي..انا اسف عارف إن مقصر معاكم الفتره دي بس الشغل في الورشه واخدني شويه
ربت عمه على كتفه قائلاً
— عارف ومقدر..ولايهمك يابدر الشباب
التفت عمه ليسير قليلاً تجاه غرفة زياد ثم هتف منادياً عليه
— يازياااااد…يلااا ياابني قبل ماايقيمواا الصلااه
لم يأتيه رد فأستأذن مصطفى من بدر وذهب ليرى لم لا يجيبه..
لحظات وانتبه بدر لإقبال نورا ابنة عمه عليه..فأدار وجهه سريعاً ثم خرج ليقف أمام الباب
هتفت نورا من ورائه برقه
— تعالى يابدر ادخل..واقف عندك ليه
أجاب بدر دون أن يلتفت لها
— واقف مستني عمي وزياد..استعجليهم يانورا بالله عليكي عشان الصلاه
اقتربت نورا قليلاً لتردف بلوعه
— مش هتباركلي يابدر

اجاب بدر وهو مازال على حاله
— على ايه !
أجابت مبتسمه
— لبست الخمار وقريب هلبس النقاب إن شاء الله
أومأ بدر قائلاً
— مبارك يانورا…ربنا يثبتك
صمتت قليلاً ترمقه بنظرات عاشقه ثم هتفت بمرح
— عارف يابدر..أنا نفسي ألبس النقاب اوي بس ماما مش راضيه…بتقولي انتي لسه صغيره والناس دلوقت بيفكروا اللي لابسين نقاب عاملين عامله وبيستخبوا فيه
تنهّد بدر بهدوء ثم قال
— الستر والحشمه مفيهاش صغير أو كبير…مش هتقفي قدام ربنا تقوليله أصل ماما بتقولي انتي لسه صغيره…النقاب أجمل سُتره للمرأه..
إن ربنا يختارك عشان تبقي زي الصحابيات وأمهات المؤمنين في ملابسك.. فـ دي نعمه عظيمه غيرك مش طايلها.. بتحسي بأنك ملكة غالية.. عندك خصوصيه لنفسك وأنك محفوظة مش من حق أي حد أنه يضايقك بنظراته ولا بكلامه.. نقاب يعني حشمة ووقار واحترام
أردفت نورا بحزن

— عارفه يابدر كل ده عشان كده عاوزه البسه وماما مش راضيه بقولك…اعمل ايه
أجاب بدر بعقلانيه
— قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ..عليكي بالصبر والتضرع لله سبحانه وتعالى..ربنا مبيردش ايد عبد اترفعتله أبداً..ادعي انك تلبسيه واتمسكي بموقفك لكن متزعليش اهلك او تتخانقي معاهم…رضا الله من رضا الوالدين
تنهّدت نورا باارتياح لتردف بتلقائيه
— ربنا ميحرمنيش منك يابدر
فور أن سمع بدر ذلك..خرج في الحال تاركاً عمه وابن عمه بالداخل…ثم اتجه للمسجد وهو يستغفر ربه مع كل خطوه يخطيها
دلف للمسجد مبتسماً برضا..فحياه الجميع ثم دعوه كالعاده ليأمهم في الصلاه
تلا بدر سور صغيره من القرءان الكريم بصوته الجميل ثم كبّر ليصلي بهم الفرض…
كان في الصف ورائه عمه وابن عمه..لم يراهم بدر في البدايه..
أنهى بدر الصلاه بالتسليم ثم التفت لينتبه لوجود زياد ووالده…ابتسم لهم بدر بعفويه فبادله عمه الابتسامه ولكن زياد اخفض رأسه خجلاً…فعلى مايبدو أنه لم يبلغ والده بأمر فسخ خطوبته بـ هاجر..
ذهب جميع من بالمسجد، كلٍ منهم لعمله أو لبيته وبقي بدر كعادته يظل يسبح الله حتى مطلع الشمس..
كاد زياد أن يفر هارباّ من نظرات بدر ولكن يد بدر كانت أسرع منه…فجذبه من ذراعهه برقه وهو يبتسم قائلاً
— راايح فين ياحضرة وكيل النيابه..اقعد كده في قضيه عاوز اكلم معاك فيها ضروري ومتأكد إن الحل عندك
توتر زياد للحظات..يعلم جيداً أن بدر يمتلك ذكاء لو وزع على أهل البلد لكفاهم وزاد…لذا من السهل أن يكتشف ويقرأ الخوف في عينيه

تدخل عمه مردفاً بمرح
— اقعد انت يابدر انا اللي عاوزك في كلمتين عالسريع كده قبل ماأروح افتح الوكاله
نظر بدر في عين عمه،فأدرك على الفور الأمر الذي سيحدثه فيه…وهو طلبه للزواج من نورا ابنته
ابتلع بدر ريقه بتوتر ونظر لـ زياد فوجده يكتم الضحك بصعوبه…رمقه بدر بغيظ..فبرغم أن كلاهما يبلغان الثانيه والثلاثون عاماً…إلا انهم دائماً مايتشاجران كالأطفال…فقد نشأ وترعرع سوياً…ولكن ظروف زياد كانت أفضل من بدر على المستوى المادي…لذا أكمل زياد تعليمه بينما خرج بدر من الدراسه للأعمال الشاقه…
جلس بدر بمحاذاه عمه وزياد…فأردف عمه مبتسماً
— أنا هدخل في الموضوع علطول يابدر…طبعاً انت عارف إن نورا بنتي خلصت جامعه السنادي وزي ماانت شايف كل يوم عريس والتاني وهي رفضت تقعد مع حد فيهم
هتف بدر بهدوء
— ده نصيب ياعمي…ونصيبها لسه مجاش
ربت مصطفى على فخذيه هاتفاً
— علييك نوور…نصيبها لسه مجاش…وأنا شايف إن نصيبها معاك يابدر..انت ابن عمها ومش هلاقي احسن منك يحافظ عليها…قلت ايه !؟

تأمله بدر للحظات دون ان يجيب…وكأنما قد كُبل لسانه فلم يستطيع النطق…حول بصره لزياد ليتحدث بدلاً منه…فقام زياد بإخراج لسانه من وراء أبيه لإشعال غيظ بدر كما يفعل الصغار
تنفس بدر بعمق ثم أردف
— ربنا يسهل ياعمي اللي فيه الخير يقدمه ربنا
هتف مصطفى بسعاده
— نقول مبروك !!
صمت بدر للحظات ثم قال
— في ورايا كام حاجه كده عاوز اخلصها الأول وبعدين هرد عليك…بس ياريت تاخد رأي نورا الأول
أجاب مصطفى بسعاده بالغه
— يابني نور هتلاقي احسن منك فين…كفايا أخلاقك اللي الكل بيتحاكى بيها…يابدر يابني انت أي واحده تتمناك وتشرف أي عيله والله
بدر بإيماء

— تسلم ياعمي..جزاك الله خيراً
ربت عمه على كتفه ليقوم وهو يقول
— طيب اسيبكم انا بقا واروح الشغل..سلام عليكم
رد الشابان التحيه…ثم نظر بدر لـ زياد بغيظ ليقوم بضربه بلكمه خفيفه في كتفه هاتفاً
— صدق انك صاحب مش جدع
هتف زياد متألماً
— ياعم ايدك عامله زي المرزبه…يخربيت غشمك
رمقه بدر بغيظ ليجيب
— اعمل ايه دلوقت…أنا مينفعش اتجوز وعائشه لسه صغيره
عقد زياد حاجبيه بتعجب ليردف
— وانت هتوقف حياتك عليها يابدر…هتفضل تربيها أكنك ابوها لحد امتى…سيبها بقا تعتمد على نفسها…هي اه بنت عمنا وكل حاجه وملهاش حد غيرنا بس معلش يعني مش هنوقف حياتنا عليها
نظر له بدر نظره ناريه ليهتف بغضب
— لاء أنا حياتي مرتبطه بيها يازياد..ومتكلمش عليها بالأسلوب ده تاني دي من لحمك ودمك
أومأ زياد بلامبالاه قائلاً

— مااشي…بس لو مش ناوي على جوازك من اختى يبقا الأفضل تقول لأبويا الكلمتين دول عشان ميتعشمش فيك اووي
تنهّد بدر ليجيب
— ربنا يسهل…
ساد الصمت بينهم للحظات،كلٍ منهم شرد ذهنه في أمره..
قطع هذا الصمت بدر قائلاً بااهتمام
— زيااد…مش هتقولي مالك !
أخفض زياد رأسه بخجل ليتمتم
— أنا كويس…وياريت متفاتحنيش في موضوع هاجر…قلتلك هاجر تستاهل واحد احسن مني..ومتسالنيش ليه
ابتسم بدر بمرح قائلاً
— ليه !

نظر له زياد لثواني…ثم أجاب بتلقائيه
— اللي يخليها تجوز واحد مبيصليش وحياته كلها قرف!
عقد بدر حاجبيه بتعجب مردفاً
— بس انت مبتسيبش ولا فرض يازياد
مسح زياد على وجهه بيأس هاتفاً
— لابسيب…أنا مش منتظم في الصلاه يابدر…بصلي الفرض واسيب فرض..ممكن مصليش غير فرض واحد في اليوم كمان..حاسس إن الصلاه تقيله على قلبي…أنا مكنتش كده مش عارف ايه اللي حصلي مش عارف ليه بقيت مكسل كده ويدوب بصلي ركعتين الفجر بالعافيه
اجاب بدر بتلقائيه
— في ذنب كبير انت بتعمله مأثر على حياتك وخلاك بعيد عن ربنا..ايه هو ؟
توتر زياد بشده ولاحظ بدر توتره هذا فأردف
— من امتى واحنا بنخبي حاجه عن بعض يابن عمي…احنا طول عمرنا سند لبعض…دايماً لما واحد فينا يقع التاني بيسنده..اشمعنا المرادي مش عايز تقولي فيه ايه…انت بتحب حد تاني يازياد !
زياد بنفي شديد

— أبداً والله…اقسم بالله يابدر ماحبيت ولا هحب غير هاجر كفايه انها علمتنى كل حاجه في الدين صح رغم انها أصغر مني بااتناشر سنه بس ليها فضل كبير عليا…وللاسف أنا شيطاني اقوى مني وخلاني امشي في طريق ملوش راجعه…انا عاوز بس ارجع انتظم في الصلاه تاني
تفحصه بدر للحظات بنظرات ريب ثم هتف
— مش هتعرف تنتظم في الصلاه طول مافي ذنب كبير انت بتعمله…الصلاه تنهي عن الفحشاء والمنكر…مينفعش تبقى عاوز تنتظم في الصلاه من جهه والجهه التانيه بتعصي ربنا…لازم تتخلص من الذنب ده في أسرع وقت عشان تدوق حلاوه الخشوع في الصلاه
زياد بلهفه
— اتخلص منه ازاي !!
ضحك بدر ليجيب
— هو انت راضي تقولي هو ايه !
تنهّد زياد بقوه هاتفاً
— ربنا مستحيل يغفرلي الذنب ده
أجاب بدر بهدوء
— ليه..انت أشركت بالله !

رمقه زياد بدهشه ثم أجاب
— ايه اللي انت بتقوله ده..اومال انا في الجامع بعمل ايه !
ابتسم بدر ليجيب
— وربنا بيرد عليك ويقولك..
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا .ربك اسمه الغفور الرحيم يبقا ازاي مش هيغفرلك…ده انت لو عملت ذنب وقمت اتوضيت وصليت ركعتين توبه واستغفرت ربنا…ولا أكنك أذنبت…علطول ذنبك بيتمسح…يبقا مش هيغفرلك ايه بقاا…هتكون عملت اكتر من اللي قتل تسعه وتسعين نفس وراح يتوب ف الاخر ومات وهو نيته توبه ومركعهاش ولا مره بس ربنا غفرله ورحمه عشان بس نيته كانت خالصه لله !
ابتلع زياد ريقه ليجيب
— خاايف اوي يابدر…كل اما اقول هبطل اعمل كده…ارجع اتمادى اكتر من الأول
بدر بحيره

— تعمل ايه!! يابني قولي فيه ايه وخليني اساعدك
صمت زياد ليشرد بذهنه فيما يفعله من خطأ بااستمرار…هتف بحزن
— ممكن تكلمني عن رحمة ربنا…عاوز قلبي يرتاح شويه
ابتسم بدر بعفويه ثم تنهد بإرتياح مردفاً
— أجمل حاجه انطلبت مني انهارده..رحمة ربنا !!
ربنا رحمته وسعت كل شيء…ربنا جميل..رحيم…كريم…رؤوف بعباده…مهما عملنا ورفعنا ايدينا ليه نستغفره..بيطبطب على قلوبنا برحمته وبيغفرلنا ويدينا حسنات كمان على استغفارنا ده…ربنا !!
أغمض بدر عينيه لينشد بصوته الجميل الذي ما إن تسمعه يخرّ قلبك باكياً في الحال لإسرافك في الذنوب… أنعم الله على بدر بصوتٍ يبعث السكينه في قلب كل من سمعه….تشابه صوت بدر مع صوت الشيخ مشاري العفاسي..فكل من سمعه يكاد يجزم أنه نسخه عنه

أنشد بدر ووجه مشرق بالرضا والراحه
— لا إله إلا الله… لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله… مالنـا ربًُ سوااه..
ربنا رب القلوب وهو علاام الغيوب… في الشروق وفي الغروب… نوره يهدي العصاه…
ربنا الهادي الودود.. فضله ملئ الوجود.. عفوه خيرًُ وجود.. فاارتجي دوماً رضاااه
“أريد من كل واحد منكم أن يستمع لتلك الأنشوده ويغمض عينيه يفكر في كل كلمه قيلت..ثم يرسل لي ما شعر به على الخاص…لدي هدف لذلك ستعرفونه لاحقاً”
كان زياد يستمع له وقلبه يأن ويعتصر من الألم كلما تذكر أنه يقبل على ذاك الذنب القبيح مسرور الوجهه… ولايعلم أن بعده عن ربه وسبب كئابته هو ذاك الفعل الشنيع الذي يفعله بإستمرار وكأنه بات روتينياً عنده
قطع إنشاد بدر.. صوت زياد وهو يبكي بقوه.. يبكي كأنه لم يبكِ منذ أعوامٍ طويله.. علا صوت بكائه مما قلق بدر عليه مخافةً أن يكون إرتكب إحدى الكبائر
هزّ بدر كتف زياد هاتفاً

— زياااد.. زياااد في اييه !!
أجاب زياد من بين بكائه الرجولي القوي الذي رجّ في المسجد بجدرانه
–أنااا… أنااا خااايف… خااايف اووي ياابدرر… خاايف لما اموت ويجي الملايكه تسألني كنت بتعمل ايه في حيااتك… هقولهم اييه !! هقولهم اييه يابدرر!!
تابع زياد بشهقات كالأطفال
— هـ… هقولهم… هقولهم كنت بصلي وانا مكسل!! هقولهم كنت بسمع الاذان واكسل اقوم اصلي!! هقولهم كنت بسيب فرض واصلي فرض!! هقولهم كنت بعمل كذا وكذا وكذا ومبعملش حساب لربنا اللي شايفني طول الوقت!! هقولهم إني مكنتش بستحي من ربنا وأنا بذنب وبعمل معاصي!!
أناا خاايف اووي ياابدر… محدش فينا بيستحمل لسعة شمعه.. هستحمل نار القبر ونار جهنم ازااي!!
ادمعت أعين بدر وهو يتخيل كل كلمه يقولها زياد.. مسح بدر دمعه كادت أن تسقط من عينه سريعاً ثم ابتسم ليهتف بمرح
— انت هتخش الجنه… اقسم بالله هتدخل الجنه
توقف زياد عن البكاء ليرمقه بنظرات حائره قائلاً
— هدخل الجنه ازاي بعد كل زنوبي دي !
بدر باابتسامه مطمئنه

— توب… الباب اللي يجيلك منه ذنوب خليك اقوى من نفسك وشيطانك وسده وتوب… هتدخل الجنه وتقابل رب بيضحك بشوش… بس توب… طول ماانت قاعد استغفره كتير.. تصدق ع الفقراء كتير.. الصدقه بتطفئ الخطيئه.. أول ماتسمع الآذان اجري على الصلاه… عامل ربنا أكنه حبيبك وبينك وبين موعد… لو قربت شبر هتلاقي ربنا مقربلك ذراع…ربك رحيم وهيفرح اوي بتوبتك ولو بالنيه بس تبقى صادقه
كفكف زياد دموعهه ثم صمت قليلاً ليتابع مردفاً بحزن
— انا اتهورت يابدر..اتسرعت لما سبت هاجر…كل حاجه بتضيع مني بسبب غبائي
هزّ بدر رأسه بنفي ليجيب
— لاء متهورتش ولا حاجه…لعله خير..انت بس جاهد وحارب المعصيه وهتلاقي كل حاجه أحسن من الأول
أومأ زياد قائلاً
— إن شاء الله…أنا عاوز اقولك على حاجه بس متعرفش هاجر
أومأ بدر ليحثه على الحديث…فأردف زياد بحزن
— أنا كلمت واحد صحبي مسافر السعوديه وشافلي تأشيرة سفر لهناك…محتاج أبعد عن كل حاجه واسافر
تأمله بدر للحظات ثم قال
— وهاجر !

طأطأ زياد رأسه بحزن وخجل شديد هامساً
— خليها تسامحني…أنا لسه مقتنع إن منفعهاش
تنهّد بدر بعمق ليجيب
— ربنا يصلحلكم الحال ويهديك ويصبرها على فراقك
التمعت بعين زياد الدموع ثانيةً ليهمس
— يارب
……..

شرد كل واحدٍ منهم في عالمه الخاص إلا أن أشرقت الأرض بنور ربها ووصل لمسامعهم زقزقة العصافير…فهتف بدر وهو يقوم
— يلا بينا يازياد…عاوز اروح أجيب فطار لعمك محمود وأديله الحقنه وأوصل عائشه الكليه
أجاب زياد بمرح بعد أن هدأ قليلاً
— طالما بتحبها اووي كده..اتجوزها وخلاص اهو بالمره تخليها تلبس كويس بدل اللبس العار ده
رمقه بدر بنظره ناريه هاتفاً
— حرااام باازياااد…حراام تكلم عليهاا كده حتى لو اييه..يااخي دع الخلق للخالق…اومال لو مكنتش بنت عمك كنت قلت اييه
زياد بمرح
— والله حاسس إن عائشه هتوب على ايدك وهتجوزوا وتجيبوا زياد صغير
ضحك بدر رغماً عنه ليجيب
— أخليها تقرب من ربنا ااه…أنا فعلاً بسعى لكده بس خطوه خطوه..الدين يسر…لكن اتجوزها..لاء..عائشه مش شيفاني غير إني عمها..فارق معاها سني جداً…فأكيد هترفض تجوزني…رغم إني بحبها بس هخلي حبي ده في قلبي وخلاص…يكفيني إنها تبقى قريبه من ربنا..مش عايز حاجه تاني
ربت زياد على كتفه مردفاً بضحك
— طول عمرك حنين ياابن عمي…ألاا قولي…الواد سيف فين صحيح مجاش صلى ليه !
بدر بتلقائيه

— سيف مكلمني وقال في واحد صاحبه عامل حادثه واهله مسافرين فقلتله خليك جنبه متسيبهوش
أومأ زياد…ثم خرج كلاهما من المسجد ليقصد كل منهما الآخر الإتجاه لعمله..
ركب زياد سيارته ليذهب قاصداً المحكمه…بينما بدر اثناء سيره في طريق المطعم…استوقفه أربع رجال بسياره..فرمقهم بدر بدهشه ثم تحولت ملامحه للحيره عندما وجد رجلاً بملامح إجراميه يقبل عليه وبيده سكيناً
لم يتزحزح بدر من مكانه..ولم يعتري الخوف وجهه…بل استغل طوله وجسده العريض ليتقدم أمامهم بفتور هاتفاً
— لو انتو من قطاع الطرق…فأنا معيش غير خمسين جنيه هجيب بيها فطار…ولو انتو قاصديني فتعالو افطركم الأول عشان تضربوا بقلب جامد كده
نظر له الرجل بدهشه..كأنه يقول
ماهذا الرجل الذي يقف في وجهنا كالأسد لايهاب شيئاً !!
هتف الرجل بسخريه وهو يلوح بالسكين
— مش انت برضو الأسطا بدر الميكانيكي…والشيخ بدر في نفس الوقت…والواد اللي خاطف قلوب العذارى
ضحك بدر بقوه ثم هتف
— عقبال مااخطف قلبك…المهم عشان متأخرش على الطابونه…هتضربوني فين!
كز الرجل على اسنانه بغيظ ليهتف

— انت جاايب البروود ده منين !
ابتسم بدر بعفويه دون أن يجيب…فتدخل رجلاً آخر ليردف بأدب قليلاً وهو يشير لزميله بأن يخفض السكين
–ياسطا بدر..كلنا عارفين اخلاقك والمنطقه تشهد بكده
بدر باابتسامه عذبه
— الحمدلله
تابع الرجل
— الدكتور سيف اخوك عمل معانا حركه مش كويسه
قضب بدر جبينه مردفاً
— سيف !!
أومأ الرجل قائلاً
— أجر مننا عربيه وضحك علينا وبعتلنا صاحبه بيها وهو خلع من غير مايدفع نص الفلوس
تنهّد بدر بحزن مردفاً في نفسه
— استغفر الله العظيم يارب…ليه تحطني في موقف زي ده ياسيف
هتف بدر بحزن تجلى عليه
— عاوز كام !
أجاب الرجل على الفور

— ميتين جنيه
أخبره بدر بأن يذهب للورشه خاصته ويطلب من صابر المبلغ..ثم اعتذر له…ليكمل سيره للمطعم بشرود وحزن فيما فعله شقيقه به..
أحضر بدر الطعام…ثم عاد ثانيةً لبيت عمه..رنّ على الجرس اول مره بأدب…ثم سكت للحظات..فلم يأتيه رد..رن ثانيةً…حتى وصل لثلاث رنات ولم يجب أحد…شعر بدر بالقلق يساور قلبه…فمد يده من داخل فتحات الباب الحديدي ثم دلف للداخل لينادي
— عااائشه….عم محموووود !!
لحظات وآتاه صوت عمه يقول بتعب
— تعالى يابدر يابني
دلف بدر وبيده الطعام…وضعه على المنضده ثم صافح عمه طريح الفراش ليردف متسائلاً
— عائشه لبست ولا لسه.!
رمقه عمه بدهشه ليهتف
— هي عائشه مش عندكم.!!
اتسعت عين بدر بذهول ودهشه ليردف بخوف
— نعممم!! عندنا ازااي…أناا موصلها بنفسي امبارح
هتف عمه بخوف وقلق
— يعني اييه!! عائشه قالت إنها هتروح تبات مع هاجر عشان زهقانه
ظل بدر يتأمل الفراغ أمامه للحظات وذعر ممّا سمع وعلا وجهه الشحوب واصفر لونه وقال في صوت مضطرب:
— عائــــش !!

ترك عمه ثم هرول راكضاً للخارج…ليخطو الطريق مسرعاً لورشته..ثم استقل أحد السيارات ليقودها بأقصى سرعه تجاه ڤيلا “فايز مليطي” والد أمير
.. من حسن حظ بدر أنه كان يبحث عن هوية أمير منذ فتره حتى توصل لمكان اقامته ومعرفة عائلته عن بعد..
أسرع بدر بالسياره وهو يردد بخوف شديد
— يااارب… يااارب… ياارب ميحصلهاش حاجه وحشه…يارب استرهاا معااهاا…اللهم إني أسالك بإسمك الحي الذي لايموت أن تسترها مع عائشه اللهم لا تفجع قلبي عليها..
أدمعت أعين بدر وهو يناجي ربه بأن يحفظها من خبث أمير..
وصل بدر لـ ڤيلا رجل الأعمال الشهير بالمنصوره
“فايز المليطي” ترجل من السياره ليهرول سريعاً يصرخ أمام بوابة الڤيلا
— فاااااااايز بييييييه…ياافااااايز بيييييه
انتفض حارس الڤيلا من نومه على صوت بدر الجهوري
هرول اليه بدر ليلح عليه هاتفاً

— نادي لفايز بيه بسرعه بالله عليك..الموضوع ميستحملش دقيقه تأخير
استدعى الحارس سيده سريعاً…فخرج فايز وهو يلف حزام روب النوم خاصته ثم ارتدى نظارته لضعف النظر ليهتف بدهشه
— في ايه يامرتضى مين اللي بيصرخ ده !!
اندفع بدر يتذلل لـ فايز بخوف وقلق شديد…ولأول مره يتذلل بدر لأحد هكذا..ولكن المهم أن تبقى صغيرته الطائشه بخير !
هتف بدر بإنذلال
— أمير ابنك فين ياباشا…اتصل عليه الله يكرمك شوفو فين
فايز بتعجب شديد
— انت مين وعاوز ايه من أمير
بدر بخوف
— ابن حضرتك مع بنت عمي..وهي متغيبه من امبارح…دي بنت واكيد حضرتك عندك بنات وبتخاف عليهم…اتصل عليه شوفو فين الله يرضى عنك يابيه
أومأ فايز بتعجب ثم هاتف ابنه ليأتيه الرد بعد دقائق
أمير بقلق
— في حاجه يابابا !!

فايز بحزم
— انت فين ياأمير !!
أجاب أمير بإدعاء
— أنا في الشقه اللي انت عارفها سهران بزاكر أنا وصحابي
أجاب والده بهدوء
— ربنا معاك يابني خلي بالك من نفسك سلام
أغلق فايز الهاتف ليرمق بدر بغضب هاتفاً
— اديك سمعت بودانك…بيزاكر مع صحابه
بدر بلهفه
— الشقه فين…العنوان بالله عليك
صاح فايز بضجر
— انت هتقرفني ياجدع انت…ايه البلاوي اللي بتتحدف علينا الصبح دي
مسح بدر على وجهه وشعره بحيره ونفاذ صبر..فلاحظ فايز بأنه يقول الصدق وأن أمراً ما يخص ابنة عمه كما ذكر
أردف فايز بهدوء

— العنوان **** بس لو ابني جراله حاجه هوديك في ستين داهيه
شكره بدر كثيراً ثم هرول ليقود سيارته لذاك العنوان وهو يردد يارب احميها
—-
وصل بدر للشقه..ماإن اقترب للباب حتى وصل لمسامعه صوت همهمات ومرح وضحك…فدق قلبه بعنف خوفاً عليها واشتعل بالغيظ والغيره الشديده…ثم دفع بجسده العريض تجاه الباب بقوه شديده حتى استطاع فتحه…
اتسعت حدقتيه بذهول وشعر بأن دلو ماء بارد سُكب عليه واعترى وجهه الصدمه والإندهاش لدقائق يحاول استيعاب ماتبصره عيناه
كانت عائشه تميل برأسها على صدر أمير بينما هو يتجرع البيره بتلذذ…وبجانبهم يجلس باقي أصدقائهم فتيات وشباب…يجتمعون حول منضده مليئه بالتسالى ويلعبون الشطرنج في ضجيج من الصراخ والمرح واللهو
هبّ أمير واقفاً بذعر وتوارت عائشه خلفه وهي تبلع ريقها بخوف شديد وتسارعت دقات قلبها برعب وهلع من نظرات بدر القاتله…
استجمع أمير شجاعته ليهتف
— انت ازاااي تتهجم عليااا في شقتي…اطلع برااا بدل ماأبلغ البولييس
لم يكن بدر ينظر اليه من الأساس…كان مصوب حدقتيه لـتلك التي شحب وجهها من شدة الخوف حتى أنها تمنت لو أن تتشقق الأرض وتبتلعها

أشار بدر لخارج الشقه هاتفاً بنبره مخيفه
— اطلعي
لم تتزحزح عائشه من مكانها إنشاً واحداً…فقد شعرت بأن لسانها قد عُقد وذاب قلبها خوفاً بين أضلعه
صرخ بدر ثانيةً بصوتٍ أرعبهم
— برااااااااا يااااعاااااائشششششه اطلعي براااااا
هرولت عائشه للخارج ثم انفجرت في البكاء رغماً عنها لتتعثر قدماها أثناء نزولها على الدرج فسقطت متألمه..ظلت موضعها تبكي بتألم
..

هتف أمير بخوف من نظرات بدر
— أنا ابويا رجل اعمال ومهم في البلد لو فكرت تضربني مش هيسيبك
اقترب بدر منه بجسده الذي يشبه العمالقه بخلاف أمير الذي كان جسده ضئيل مقارنةً ببدر
رجع أمير بخوف للوراء فذلت قدماه وسقط ورائه على الأريكه…انحنى بدر عليه ليدقق النظر في عينيه مما ارتبك أمير بشده
هتف بدر بضجر
— ربنا اللي أكبر منك ومن ابوك ومن العالم ده كل مش هيسيبك على اللي بتعمله في بنات الناس…أنا لابتاع ضرب ولاشتيمه…أنا حقي باخده من ربنا هو القادر على كل شيء…وانت جيت على حاجه تخصني…وعامةً كل اللي بتعمله في بنات الناس هيطلع على أمك وأختك متنساش إن كما تدين تدان…إنتقامي منك هي جمله واحده بس
حسبي الله ونعم الوكيل….وعلى جثتي لو مسيت شعرايه من عائشه
ربت بدر على كتفه بسخريه هاتفاً
— سلاام ياا…يابتااع باباا

تركه بدر في حالة خوف وذهول…ثم خرج ليرى صغيرته التي ستجعله قريباً مثل المجانين من أفعاله التي لن تنتضج أبداً
تفاجأ بدر بمكوثها على الدرج تبكي كالأطفال وتمسك كاحلها بتألم
انتفض قلب بدر عليها خوفاً ثم اتجه اليها سريعاً ليهتف
— في اييه…رجلك مالها
أجابت عائشه ببكاء
— وقعت عليها وأنا نازله
زفر بدر بضيق مستغفراً ربه..فكر قليلاً ماذا يفعل لها…هو ليس من محارمها كي يسندها أو حتى يمسس جسدها…نعم هي ابنة عمه وهو من رباه منذ الصغر ولكن الدين فوق كل شيء..هي الآن بالغه ولايصح التلامس بينهم أو حتى المصافحه باليد…لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
“لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمسّ امرأة لا تحلّ له” رواه الطبري وصححه الألباني..
ذلك يعني أنّ مسّ الرجل للمرأة الأجنبية من أسباب الفتنة وثوران الشهوات والوقوع في الحرام..
تذكر بدر هذا الحديث النبوي سريعاً قبل أن يقدم على خطوه تلقي به في عالم الشهوات…نعم يحبها ولكن حب الله فوق كل شيء

استدعى بدر إحدى صديقاتها الفتيات لتسندها للسياره…ركب بدر ثم وضع وجهه بين كفيه لدقائق يستغفر الله ويذكره كثيراً حتى لاينفعل عليها
قاد بدر السياره بهدوء وعلامات الحزن الشديد تكتسح ملامحهه الرجوليه الوسيمه…لحظات وانتبه لبكاء عائشه المرير…فتألم قلبه لذرفات دموعهها…
شرد بذهنه للوراء عندما كانت طفله وجاءت تبكي من روضتها…ثم اندفعت تتعلق في رقبته وهي تبكي بشده حتى كادت أن تنقطع أنفاسها..سألها بدر عن سبب البكاء…فأجابت بعفويه وبرءاه
” صحابي بيقولولي ياللي معندكيش ماما ”
تلك الجمله شقت قلب بدر شقاً من الألم..وعاهد نفسه من الأن فصاعداً ألا يسمح لأي شيء يبكيها… سيكون لها الأب والأم وخير الرفيق… كان يعاملها كأنها ابنته أو أكثر… كان لا يغمض له جفن إلا إذا قصّ عليها قصه من قصص الأنبياء… ثم يأخذها في أحضانه لتنام بسكينه وأمان

منذ أن بلغت عائشه السن الذي يجب أن يضع بدر حد بينه وبينها وهي تتغير يوماً عن ذي قبل للأسوأ… أصبحت لا تطيق رؤيته… أصبحت تكره بشده.. يؤلمه قولها أنها تخجل كونه ابن عمها.. لايعلم ماذا فعل كي ينال كل هذا الكُره من الفتاه الوحيده التي يتراقص قلبه فرحاً عند رؤيتها.. هل عشقه واهتمامه الذائد بها هنّ السبب في كل تلك البغيضه ! حقاً لايعلم…
أوقف بدر السياره أمام بيتها ليردف بهدوء
— متعرفيش ابوكي باللي حصل ياعائشه… أنا جبتلكم فطار… افطري وصلي ونامي… بلاش جامعه انهارده
رمقته بدهشه شديد… كانت تظن أن يوبخهها على مافعلته… ولكن بدر بحنانه المبالغ وأخلاقه العاليه استطاع كبح غضبه وغيظ حتى يبدأ في تعليمها دروس الدين كما يجب
أجابت عائشه بخجل
— أنا اسفه يا ابيه.. أنا عارفه إن اتصرفت غلط مكنش ينفع أعمل كده
بدر بإيماء وتفهم

— صلي واستغفري ربنا ياعائشه… هو اللي هيحاسبك مش أنا… وياريت متكرريش الغلط تاني
عائشه بإيماء وتلقائيه
— حاضر… عشان كده أمير اتفق معايا يجي يتقدملي الأسبوع الجاي
نظر بدر أمامه بذهول.. للحظه كان سينفجر بها صارخاً… تباً لكِ ولـ أمير… أنتِ لي وحدي وكفا
كور بدر قبضة يده بغيظ شديد ثم أجاب بهدوء
— تاني أمير ياعائشه ! انتي مبتحرميش!
عائشه بمدافعه
— أمير ميقصدش.. هو بس بيحبني زياده عن اللازم وشايفني أحلا وأجمل بنت
رمقها بدر بدهشه غير مصدق ماتقوله من هراء… تباً لسذاجتها..
هتف بدر بنفاذ صبر
— بصي ياعائشه….هكلمك بصراحه…خلي القصه اللي مطلعاها دي والبلوزه الضيقه والبنطلون اللي محدد جسمك هيجيب عريس..زي أمير كده..لكن استحاله يجيب راجل
انفعلت عائشه بغضب هاتفه
— متقولش على أمير كده…أمير سيد الرجاله
بدر بإيماء وهدوء

— طيب ياعائشه..هخليني معاكي للآخر..الراجل هو اللي عنده نخوه ومروءه وعنده دين وبغير على عرضه…لما يجي يختار..هيختار اللي لابسه…هيختار البنت اللي ساتره نفسها المحتشمه..مش هيتجوز البنت اللي ماشيه تستعرض بجسمها ليل ونهار..
سكت بدر ليتنفس بعمق بينما عائش كانت تفكر فيما قاله…أردف بدر بحزن
— الحقي نفسك قبل فوات الآوان ياعائشه…لو مسترتيش نفسك في الدنيا…هتتستري غصب عنك في كفنك مش هيبان غير وشك بس ومش هتتكشفي غير على محارمك…راجعي نفسك ياعائشه…أمير لو بيحبك بجد كان غار عليكي..اللي بيحب بيغير ياعائشه…بيبقى عاوزاها ملكه بس محدش يشوف شعرايه منها غيره هو بس
رمقته عائشه بغيظ ثم هتفت بجدال
— يعني ايه عايزها ملكه…ده اسمه رجعيه واستبداد وتخلف
ابتسم بدر ليجيب
— عاوزاه ديوث ياعائشه !
عقدت عائشه حاجبيها مردفه
— يعني ايه ديوث !؟
تحدث بدر بعقلانيه قائلاً

— هفهمك كل اللي عاوزاه ياعائشه…متخافيش من حاجه الدين يُسر وربك غفور رحيم…اسمعيني وافهمي الكلام كويس ياعائشه…
في زمنا ده الواحد ما بقاش يتعجب لما يشوف ملابس البنات مقطعه..مهو هنتعجب من ايه والموضه بقت بنطلون مقطوع من الركبه.. معدتش تفرق من شباب وبنات كله بقى بيلبس زي بعضه في زماننا انتشرت الدياثه.. وانتشر الديوثين تحت مسمى الحريه والبرستيج واولاد الناس… الملابس بقت في غاية العري والاهالي مبيهتموش بده.. لا ويقول لك ايه سيبيهم يعيشوا حياتهم ما يعرفوش ان الدنيا زايله والآخره هي اللي باقيلهم ومش واخدين بالهم ان كل ده اسمه دياثه..
تأملته عائشه للحظات تحاول أن تستوعب ماقاله…أما بدر أدار وجهه حتى لايفتتن بعيناها ويرتكب مايوسوس له شيطانه…ولكنه ذو ايمانٍ قوي لذا لن يقع فريسه لمفاتنها بسهوله..
هتفت عائشه متسائله
— طيب والديوث عقابه ايه !
أجاب بدر مستشهداً بحديث نبوي
عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قَالَ { ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ وَالدَّيُّوثُ وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ تَشَبَّهُ بِالرِّجَالِ وَثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ
الحديث واضح اهو ياعائشه…الديوث ربنا مش يبصله حتى..معنى كده إنه مش وارد على جنه…فهيستفاد ايه من الدنيا بعد ماعمل كل اللي عاوزه بقا !

اخفضت عائشه رأسها بحزن ثم قالت
— أنا عارفه إن أمير طايش شويه بس والله هو بيحبني…لما يجي الاسبوع الجاي يتقدملي ويقعد مع بابا..صدقني بابا هيحبه جداً
رجّتْ الصدمة كُـلَّ كــيانه و أطبق عينـاه ليستردَّ أنفاسـه..
لم يستطيع بدر السيطره على مشاعره وغيرته الجنونيه على طفلته المتمرده.. فأظهر ضعفه وعشقه لها رغماً عنه وأرسل دموعاً في صمت على خديه.. وكان يظهر خلفها نظرة حزينة منكسرة.. وعلى فمه ابتسامة ترقرقت على شفتيه الكالحتين. كما تترقرق الدمعة في العين المهمومة
ليهمس بنبره مكسوره
–مش هضغط عليكي ياعائش..القرار قرارك
سمعته يُناديها عائش ثانيةً اسمها الخاص به هو فقط..فشعر قلبها بالحزن لوهله..ثم سريعاً مانفضت ذلك الشعور لتردف بمرح
— أمير طيب وأنا متأكده إنكم هتبقوا صحاب ياعمو بدر
أومأ بدر بإبتسامه خافته دون أن يجيب..
فهل سيضيع حُب الطفوله وسترحل عائش عن بدر للأبد..أم لـ نرمينا رأي آخر !!؟
—————————————

في مكانٍ واسع بشع للغايه ملىء بالحشرات والأفاعي السوداء..تركض روان بسرعه شديد وهي تصرخ
— الحقوناااااي..هيموتنووني…ياا…ياا.
كادت تحاول أن تنطق اسم الله أو تقرأ أي سورة لكنها لم تتذكر حتى أي حرف وعند ذكرها لإسم الله..يكبل لسانها وينعقد وتأبي الأحرف أن تخرج
ظلت تصرخ بصوت عاالى يمزق سكون الليل من هول مايحدث لها..فقد كانت تحاول الهروب من تلك الكلاب السوداء القبيحه التي تركض ورائها تريد أن تفترسها
..

تململت روان في فراشها بقلق شديد وتصبب العرق من جبينها…ثم هبّت منتفضه بفزع لتشهق بخوف
— ياااارب
صمتت للحظات تتذكر ماحدث..فتنهدت براحه عندما أدركت أنه مجرد حُلم وأنها نطقت اسم الله…وهذا فقط مجرد كابوس…إذاً لا بأس !
لحظات واعتلت الدهشه معالم وجهها عندما سمعت صوت موسيقى وأغاني عاليه قريبه منها..التفتت لتجد أنها تركت الهاتف يعمل على الأغاني التي تستمع اليها كثيراً وتنام عليها دائماً دون حتى أن تسجد ركعه لله..
تسارعت أصوات أنفاسها كلما تذكرت هذا الحلم المريب…
تزحزت قليلاً من الفراش لتمد يدها وتجلب زجاجة المياه بجانبها كي تروي حلقها..
فلم تستطيع الوصول اليها..فما كان منها إلا أن تنزل من الفراش..ولكن ما إن وضعت قدماها على الأرض..
انتفضت بفزع وقيد الخوف اقدامها..وعطل حركتها ثم انتصب شعر رأسها خوفاً وفزعاً..من تلك الكتله السوداء المليئه بالشعر في المرآه أمامها وتمتلك أعين كأعين القطط تماماً ولكن تلك حمراء..
فما تفسيركم لما رأته روان !؟
————————–

في شقه ضيقه نوعاً معا
..
اجتمع سيف مع رفقاء السؤ واستطاعوا اقناعه والتأثير عليه بأن يسير في طريق السجائر والمخدرات..والا يخاف من بدر أخيه لأنه أعلى منه في التعليم وله الحق بأن يتصرف كما يشاء..
————

يتبع …

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا 

لقراءة جميع فصول الرواية اضغط على ( رواية يناديها عائش )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *