روايات

رواية يناديها عائش الفصل العشرون 20 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل العشرون 20 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت العشرون

رواية يناديها عائش الجزء العشرون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة العشرون

كُل ساقي سيسقي بما سقي ولا يظلم ربُك أحدًا
***
من هول ماسمعـه، تهـالك بـدر بقلة حيـلة على المقعد ولسانه يردد بقلب مفطور
“إن لله وإن إليه راجعون، اللهم أجـرنا فـي مصيبتنـا واخلفنـا خيـرًا منهـا”
لم يكن موقف زياد أقـل صدمة منه مما سمعـه عن سيف ابن عمـه؛ فوقف مُتـرنح هو الآخـر والصدمة تعتريه كما اعترت ملامح بـدر التـي أصبحـت مُقيـدة بالحُزن، لقد تحمل الكثـير والكثـير، وكل شيء يضرب كالرصاص عاتقـه، لم يشـعر بنفسـه وهو ينخـرط في بكـاء مريـر، خفق له قلب زيـاد ولكنه عاجـز عن مواساته، ماذا سيقول له؟.. أيخبره أن يتحمـل أكثـر من ذلك؟
ماذنبـه في كل مايحدث للعائلة؟ لمـاذا عليـه أن يتحمل مصائـبهم وكُربـاتهم؟
يُدرك زيـاد أن ابن عمه يُحـب عائـلته كثيـرًا ويفضلـها علـى نفسه، ولو طُـلب منه التضحيـة من أجـل انقـاذ فرد منهم، لن يتـأخر برهة.
وضـع زياد يده علـى كتف بـدر الذي يهتز من البـكاء ثم ضغط برفق عليـه كأنه يحاول إمداده بالطـاقة أو يريده أن يعرف أنه ليس وحيدًا، سيبـقى بجانبه لن يدعه يتحمـل كل هذا الشقـاء وحده.
بدا علـى زياد الأسـى وهو يسـأل الطبيب
— طيب يادكتور مفيش أي حاجه نقدر نعملها تخليه يتحسن بسرعة
رد الطبيب بالمنطـق

–الشفا بإيد الله وحده..احمدوا ربنا إنه مش شلل كلي لأن لو كُلي فعلاجه طبيـًا مستحيل، أما الشلشل الجزئي اللي هو النصفي واللي المريض اتصاب بيه نتيـجة تعرض الدماغ بشكل مفاجئ لضربة أدت لحدوث تلف مفاجئ فيه، وفي حال كانت الضربة على جانب واحد ده بيؤدي إلى حدوث شلل نصفي وده اللي حصل بالظبـط مع المريض.. ده ممكن نعمله علاج طبيعي يساعد على عدم تشنج العضلات
كفكف بـدر دموعه مُتسـائلًا بخفوت سبقه الشجن
— بدلة الروبوت اللي من أحدث التقنيات المستخدمة لعلاج الشلل النصفي أقدر أشتريها منين أو ممكن ألاقيها في مصـر؟
تفاجئ الطبيب من سؤال بـدر الذي يبدو عليه أنه يفهم في الطب جيدًا، فتسائل الطبيب مُتعجبـًا
–حضـرتك بتشتغل إيـه ؟
أجاب بدر بعفوية وذهنه شارد مع شقيقه
— ميكانيكي.. فاتح ورشة عربيات
زادت دهشة الطبيب مُردفـًا
–عرفت منين إن فيه بدلة مخصصة لمرضى الشلل النصفي ؟
رمقه بدر بإستيـاء ودَ لو زجـره؛ بسبب أسئلته السخيفة، بينما زياد زفر بضيق من إلقاء الطبيب تلك الأسئلة في وقت غير مناسب بالمرة، وأحس بأن ابن عمه تضايق، فهتف بضيق قليلًا
–هي معلومة نادرة يعني.. عرفها عادي ايه الحوار في كده!
قال الطبيب بلُطـف

–العفو مش قصدي.. لكن البدلة دي مش موجودة في مصر لكن في علماء خصصوها للمرض ده وفي دراسات اتعملت عنها لكن لسه منزلتش مصر.. ومحدش يعرف بيها غير الدكاترة أو اللي درسوا طب
هتف زيـاد مُستاءًا وقد شعر بأن الطبيب يُقلل من ابن عمه بشأن مهنتـه أو ربـما تفهم زياد الأمر بشكل خاطئ، فلا أحـد يعلم ما فـي النوايـا غير الرب.
–علفكرة بدر من أوائل الثانوية هو مكملش التعليم لظروف شخصية، بس لحد الآن بيجيب كتب لمختلف العلوم وبيقرأها.. هي بس حظوظ
“وليه متقولش إنها أقدار وأرزاق متقسمة”
قالها الطبيب باسمـًا، فأشاح زياد بصره بفتور دون أن يجيب
قال بدر متصنعًا الثبـات فقد نال منه الحزن حتى اكتفـى
— إيـه المطلوب دلوقت؟
أجـاب الطبيب بسلاسة
— هيفضل تحت المُلاحظة أسبوع.. أنا هشخص الحالة بنفسي وفي كذا طريقة عشان يقدر يمشي تاني
قاطعه زياد بلهفة
–إيه أسهـل طريقة؟
التفت الطبيب ليجيبه
–أسهـل طريقة إنكم تسفروه يتعالج برا.. في دكتور بريطاني ممتاز جدًا اسمه چورچ آدم ده صديقي وعالج حالات من دي كتير وكلها نجحت بس هو مكلف شويتين
تساءل زياد
–في حدود كام يعني؟

أجـاب ” ٣٠٠ ألـف دولار ”
نظر كُلًا من بـدر وزياد لبعضهما بصدمة، وأحس بدر بشعور مؤذي صعب لم يشعر به من قبل، شعور العجز وأنـه مُكبـل اليدين لا يعرف من أين سيأتي بكل هذا المال لعلاج شقيقه.
قاطع الطبيب شرودهم ليقول
— أنا عندي مركز للعلاج الطبيعي ده هياخد وقت كبير في العلاج بس بإذن الله هيتحسن والاهم من ده كل الحالة النفسية للمريض هتساعدنا كتير في سرعة التحسن
قال بدر بتفكير يغزوه الألـم والحُزن
–إديـني فرصة أفكـر.. أنا هحاول أعمل أي حاجة وأسفره يتعالج برا.. سيف أخويا مش هيستحمل يشوف نفسه عاجز.. أنا خايف جدًا عليه
أومـأ الطبيب ليعود مستفسرًا
–عندكوا أي معلومات عن اللي عمل فيه كده؟
قطب بدر وزياد حاجبيهما وتساءل بدر بعدم فهم
–تقصد إيـه ؟
–أقصد إن اللي حصله ده أنا شايف إن بفعل فاعل.. هو وقع على حاجه جامدة أو حد زقه جامد من ارتفاع عالي
بخبرة زياد كـ محامي قال
— إحنا نستنى لما يفوق ونعرف منه كل حاجه ولو فعلًا حد عمل فيه كده يبقى طبقـًا للمادة ٤٥ من قانون العقوبات المصري أقدر أخد حكم عليه بالسجن المشدد.

أومـأ الطبيب وتفهم من كلامه أنه مُحـامي ثم تركهم ليذهب ويداوم عمله.
جلس زياد وبدر على المقعد بحزن وغم أصاب كلاهما، ولكن بـدر يشهد الجميع أنه أثقل همـًا وحزنـًا من أي وقت مضى،تمنى لو أنه يستيقظ فيجد كل غُمة قد أُزيحـت وأن الحيـاة تلونت بالسعادة،ولكن الحيـاة منذ وفاة والده وهي تكيل له لكمات الشقاء والتعـاسة ويقابلها هو بصدر رحب متسع صبور،مُنذ أن كان مراهقـًا ساذجـًا وكان قلبه الحزين الصغير ، ينطوي على جفافه ، على ظماه و يسأل الحياة عن دفقةٍ من نبع الحُب ، و كانت الحياة بخيلةً بخيلة جدًا في إعطـاء الفرح.
قطـع هذا الصمت الذي خيـّم عليهم لدقائق صوت زيـاد يقول مُتحسـرًا
–‏شيء حزين جدًا إن مبقاش في حاجة تشجعك إنك تفوق وتكمل حياتك.. و انك مكمل عشان بس معندكش حل تاني و إنت مجبور على اللي انت فيه و مفيش حاجة قدامك غير انك تتعود على كده وترضى بالأمر الواقع
بتنهيـدة طويلة يتخللـها الألم أجاب بـدر وكأنه يقصد بكلامه تصبير نفسه وتهذيب روحه بالإطمئـنان
–‏يكفي أنك تؤمن بالله عشان يطمئن قلبك،بأنك توقن إن الله حكيم لا يقدّر لك الا الخير،وإن أي حاجة حصلتلك في الماضي فهـي خيـر ،وإن اللي هيحصلك في المستقبل واللي جاي كله هيبقى خير برضه عشان دي أقدار واختيارات ربنا ومتنساش يازيـاد إن من أركان الإيمان بالله سبحانه وتعالـى إنك تؤمن بالقدر خيره وشره وإنك تكون موقن إن كل أقدار الله هي خير.
بإيمـاء وتصديق على كلام بدر أجاب زياد
–عندك حق ونعم بالله

“حوقل يازياد..أول ماتقع في ضيقه متبطلش حوقلة.. الصعب بيتحل بيها”
قالها بدر ثم أخذ يحوقل في خفـوت وبعد دقائق هتف زياد متسـائلًا
–إحنا هنجيب فلوس العملية دي كلها منين؟.. ده بيقول ٣٠٠ الف دولار يعني أربعة مليون ونص بالجنية المصري.. هنجيب المبلغ ده كله منين يابدر؟
مسـح بدر على وجه بعجز وتعب ليردف بحيرة
–هبيـع الورشة.. بص مش عارف أنا محتار وخايف على سيف والدنيا متلغبطة معايا جامد.. خير إن شاء الله.. ربك يعدلها
قال زياد مستغربًا
–الورشة لو اتباعت متجبش ربع المبلغ حتى
هتف بدر بحيرة وتوتر
–مش عارف يازياد مش عارف.. ربنا كبيـر
خطـرت ببال زياد فكرة فأردف
–إيه رأيك لو نبيع أرض الكبارية بتاعت عمك محمود الله يرحمه وأنا هخلي بابا يبيع….
لم يُكمل زياد بسبب مقاطعة بدر له الحادة وهو يرمقه بغضب هاتفًا
–متكملش.. عايزني أعصي ربنا واتصرف في وصية ميت بمزاجي !؟
بمدافعة وبراءة غمغم زيـاد
— مش قصدي.. بس الحي أبقى من الميت وإنت محتاج تجمع مبلغ كبير في وقت قصير
بنفي شديد انفعل بدر قائلًا

–بلاش تخلف يازياد الله يرضى عليك أنا فيا اللي مكفيني مش ناقص.. وبعدين أنا هتصرف بنفسي مش هاخد فلوس من حد
فضل زياد السكوت عن المشاحنة فإبن عمه في حالة يرثي لها الآن ولا حاجة بإغضابه أكثـر من ذلك يكفيه ما يحدث.
بعد قليل من الوقت رن هاتف زياد وكان المتصل والده.
رد زياد مرتبكًا كأنه سيعلم مايقول والده
–ايوه يابابا
“جاك بو.. إنت سايب عزا عمك وبتهبب إيه يازفت إنت وبدر فين مجاش ليه؟”
قالها والده بإنفعال، فنظـر زياد لبـدر نظرة لها دلالة، تفهم بدر الموقف وقال في خفوت
–قوله سيف تعب وروحنا بيه المستشفى.. بس متعرفوش حاجه تانيه
أومأ زياد ليخبر أبيـه ماقاله بدر، فقال والده بتعجب
–ليه ماله.. هو كان فين سيف أصلًا أنا مشفتوش من الصبـح؟
قال زياد بزيف

— مهو صحابه اتصلوا علينا وقالوا انه تعب فجأه وروحنا ودناه المستشفى أنا وبدر وقاعدين معاه أهو.. يمكن نيجي بالليل كده
صدقه والده وتساءل عن صحة سيف الآن فأخبره زياد أنه أصبح على مايرام وأكد عليه ألا يخبر والدته حتى لا يصيب قلبها بالهلع عليه وبالفعل لم يعترض مصطفى.
تنهـد زياد بإرتياح من هذا الموقف الصعب الذي وُضع به مع والده، ثم جلس بجانب بدر يتبادلان أطراف الحديـث حول سفر سيف للخارج، وبعد دقائق أخرى مرّت جاء الطبيب وأخبرهم بأن المريض استرد وعيه.
اندفع بدر بهلـع نحو الغرفة التي وُضع فيها شقيقه، ليراه متسطح كالأموات فقط عينيه هي التي تدور في المكان كأنه يحاول استيعاب وجوده بالمشفى.
أخبرهم الطبيب أن يتعاملوا معه بحذر شديد ويحاولوا أن يحسنوا من مزاجيته حتى يتقبل كونه أصبح عاجزًا.
جلس بدر بحذر على الفراش بجانب شقيقه المتسطح ثم احتوى يده بكفيه وقبْلها ولحزنه الشديد لم يستطيع أن يمنع نفسه من البكاء، فأدمعت عينيه بغزارة حتى تقطرت على يد سيف طالعه سيف بعدم استيعاب لِمَ يحدث، بينما زياد مال عليه ليقبله من جبينه هامسـًا بوجه منطفئ حزين
–حمدالله على سلامتك ياسيف
رمقه سيف بنفس النظرة التي رمقـها لبدر، جاء الطبيب بعد دقائق ليقول مبتسمًا في وجه سيف
— تقدري تقولي حاسس بإيـه؟

قطب سيف جبينه لينظر له دون أن ينطق بحرف واحد، مما جعلهم يُصابون بالقلق حيـاله
أعاد الطبيب السؤال قائلًا بحذر
–ممكن أعرف إسـمك أو أي حاجه عنـك؟
ظل سيف يرمقهم بعيون بدت الدموع تتجمع بها دون أن يتكلم، حاول الطبيب معه مرارًا ولكنه لم يتفوه بكلمة !
***
أسـدل الليل ستائره على تلك الحارة التي تخللها الحزن والصمت منذ أن بدأت عائلة الخياط يتحطم جدارها واحدًا تلو الآخر، إنتـهي العزاء وذهب كل امرىء لبيـته وبقيت تلك العائلة الجميلة حزينة مُنطفئة، سبحان الله الذي جعل الموت علينا حتمـًا محتومـًا يأخذ منا أهلنا وأعزاءنا.
بعد أن أدت الفتاتان صلاة العصـر ثم المغرب وقاربت العشـاء وتهيأت كلتاهما للصلاة، سمعت هاجر عائشه تعود للبكاء والنحيب هاتفة

“ربنـا يجعـل مكانك في الجنة يابابا”
مسحت هاجر على شعرها كأنها تهدهد طفل لتقول بلُطف وبإبتسامة عذبة تذيب القلوب من شدة رقتـها
— الله يرحمه ياحبيبتي.. عمو محمود الله يرحمه كان طيب جدًا وبيحبنا كُلنا وبدر لما كان بيجي يزوره كان بيقولنا إنه مبيسبش المصحف من إيده ومحافظ على صلواته وقارئ القرآن من أعلى الناس درجة، فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وبيقى تحت ظل رحمة الله وسكينته فقلبه نور يُضيء له يوم القيامة.. عمو محمود ربنا هيكرمه وهيرحمه برحمته الواسعة قولي آمين
مسحت لها هاجر دموعها بصعوبة وقالت عائشه بصوت مبحوح محتنق
–إن شاء الله ربنا هيرحمه ويغفرله
بإيماء ولُطف قالت هاجر
–ربنا يرحمه بس وإنتِ بتدعي متقدميش المشيئة
بعدم فهم هتفت عائشه
–يعني إيه ؟
أردفـت هاجـر بتوضيـح
— يعني نقول إن شاء الله لما نيجي نعمل حاجه بس.. مثلًا هتزاكري بكره قولي بكره هزاكر إن شاء الله.. لو ربنا أراد يعني.. لكن لما نيجي ندعي منقولش إن شاء الله ربنا هينجحك.. لأ بنقول ربنا ينجحك علطول لأن الداعي مطلوب منه أن يعزم المسألة ويلح في الدعـاء وده يتنافى مع تقديم المشيئه عشان ميبقاش دعاكِ متعلق يعني لو شاء الله أو لم يشاء.. الأفضل ندعي باللي في قلبنا علطول.. نقول يارب وفقني.. ربنا هيوفقني انا واثقة فيه.. كده يعني.. فهمتِ
أومأت عائشه مبتسـمة ببسـاطة ورافقت هاجر لتأدية صلاة العشـاء وبعد الإنتهـاء جلست الإثنتين تقرأنِ القرآن وقابلت عائشه عدة آيات كانت تخطئ في تلاوتهم فصححتها لها هـاجر التي أكرمها الله بحفظ القرآن بتجويده.
إنتـهين من تلاوة القرآن الكريم واغلقت هاجر المصحف وهي تنظر خلسـة لعائشه بإبتسـامة جميلة صافيـة، الحمدلله الذي أضاء قلبها للصلاة من جديد، هذا سبب ابتسـامة هاجـر الجميـلة التي انتبهت لها عائشه وبادلتها الإبتسـامة برقة قائلة
–شكرًا ياهاجر على وقفتك جنبي.. أنا كان عندي انهارده كورس ومفيش حد من صحابي فكر حتى يتصل يسأل أنا غبت ليه.. فعلًا الصاحب هو اللي يبان وقت شدتك يبقى معاك في خنقتك وحزنك وتعبك لكن أنا صحابي كلهم طلعوا هوا.. ده حتى الهوا ليه فايده

قالت جملتها الآخيرة وهي تبتسم بدموع الحسرة والضعف، فهي معها الحق في كل كلمة قالتها، ليتها اختارت أصدقاءها من أول الطريق، ليتها لم تُصادق أصحـاب السوء، لابد أن يكون لدى المرء صديق واحد على الأقل متأكد منه، يتكئ عليه كلما هزت الشكوك قلبه.
ربتت هاجر على يدها قائلة
–متزعليش نفسك أنا معاكِ.. إنت أختي مش بس بنت عمي
قالت عائشه بندم ودموع
–أنا آسفه إن كنت وحشه أوي معاكم.. حقكم عليا والله.. متزعلوش مني
أخذتها هاجر لتعانقها لتقول وهي تمسد على ظهرها بحنان
–بس ياعبيطه مفيش زعل بين الإخوات.. المهم إن إحنا رجعنا لبعض
ابتعدت عائشه قائله بوهن
–أنا أستاهل كل اللي بيجرالي.. أنا اللي اتمردت عليكم وعلى نصايح أبيـه بدر ليا ومشيت مع صحاب وحشين وكلمت ولاد من ورا أهلي..
بكت هاتفه

–أنا طلعت وحشه أوي ياهاجر.. أبيه بدر ليه حق يكرهني كلكم ليكم حق تكرهوني
نهرتها هاجر بلُطف محاولة أن تجعلها تكف عن البكاء الذي أدى لتورم عينيها الرائعتين
–لا ياعائشه إنتِ مش وحشه متقوليش كده تاني.. إنتِ غلطتي واعترفتي بغلطتك.. كلنا بنغلط علفكره المهم نفوق في الوقت المناسب.. احمدي ربنا إنك اعترفتي بأخطاءك قبل فوات الآوان.. في ناس ماتت نفسها ترجع الدنيا ولو يوم تطيع ربنا فيه
لم تكف عائشه عن البكاء، فأردفت هاجر بمداعبة
— علفكره أبيـه بدر بتاعك ده عاوز يتجوزك
توقفت عائشه عن البكاء ورمقت هاجر للحظات تحاول استيعاب ماقيل، ثم نمت ابتسـامة رقيقة على شفتاها قائلة بهمس وعدم تصديق
— بجد؟!!
غمزت هاجر بضحكه رقيقه
–بجد يابتاعت أبيـه بدر إنتِ.. في واحده في أولى جامعه وبقت آنسه كبيرة تقول لإبن عمها ياأبيـه ؟ ومره تقوليلوا ياعمو؟ إنتِ هبله يابت!
ضحكت عائشه بخفه لتقول بخجل بدا على خداها المحمران إثـر البكاء
–يعني بالعقل كده واحد أكبر مني بتلاتاشر سنه عاوزاني أقوله إيه.. أنا اتعودت من صغري أناديله كده وبصراحه لو أطوله أناديله بابا هعملها.. بس بتحرج أوي.. بدر كان مغرقني حنيه واهتمام وأنا صغيره.. علمني الصلاة.. حفظني سور من القرآن.. فاكره ياهاجر لما كنت أجي البيت عندكم هربانه من بابا وبابا يجي جري ورايا واقعد اصرخ واقول مش هنام غير في حضن أبيـه بـدر!

ضحكت هاجر عندما تذكر مشاغبات عائشه وهي طفله لتقول
–فاكره ياختي.. وبدر مكنش بيرفضلك طلب وكان بينيمك على دراع وانا على دراع ويحكيلنا قصص الأنبيـاء.. هييح كانت أيام جميله متتعوضش يابت ياشوشو والله
همست عائشه بخجل
–أنـا بحبه من صُغري لحد دلوقت قلبي مش رايد غيره بس عقلي رافض.. حجات كتير لما بفكر فيها بقول إننا مننفعش لبعض.. وأنا بصراحه خايفه اتجوزه يتحكم فيا ويقرفني أوامر ويمنعني اكمل تعليمي ويلبسني نقاب وأنا مبحبش النقاب مكدبش عليكِ بكرهُ.. خايفه عيالي ميكملوش تعليمهم زيه ويشغلهم معاه في الورشه.. بصي أنا دايمًا بتمرد على قلبي كل إما ينبض بإسم بدر
شعرت هاجر بالإستياء قليلًا مما قالته عائشه عن أخيها الذي تفتخر به دائمـًا، ولكنها لم تبدي ذلك وتنهدت قائلة بعقلانية
–إنتِ ممكن تكوني صح.. أي واحده مكانك هتفكر في كده لو هي بتحب الحياة وعاوزه تعيشها على مزاجها وشايفه إن كل الملتزمين بيتحكموا في مرتاتهم وبيمنعوهم من تعليمهم.. بس واحده زيك عاشرت بدر في طفولتها وعارفه طبعه كويس مش هتقول كده.. بدر مش كده ياعائشه.. والله العظيم لو مكنش أخويا واتقدملي لكنت ماسكه فيه بإيدي وسناني.. مبقولش كده عشان هو أخويا بس بجد بدر شخص نضيف جدًا من جواه واللي هتكون مراته هيعيشها في سعادة متحلمش بيـها
رق قلب عائشه لبدر أكثـر وقالت بغضب مصطنع
–طب بس بقا عشان بغير.. قال واحده تانيه تبقى مراته قال.. أنا عندي اتجوز واقرفه في عيشته أحسن ما واحده تانيه تيجي وتاخد مكاني على دراعه ويقعد يحكيلها حواديت بالليل.. ده أنا إتخيلت الموقف بس وشي كرمش.. اسكتِ ياهاجر ومتقوليش كده تاني
ضحكت هاجر بمشاكسة ولكن تحولت ضحكتها للحزن والندم عندما تذكرت شيء خاطئ اقترفته في حق زياد وعائشه.
***

هرعـت روان مسرعة للبيت حتى وصلت ودفعت الباب تحت أعين زوجة والدها المندهشة.
دخلت روان غرفتها وظلت تلهث بصعوبه وهي تفرك يديها بتوتر شديد مردده
–يارب يكون كويس.. ياترى لحقوه ولا.. ولا مات.. مات ! لأ لأ.. يارب ميموتش.. يارب ميحصلوش حاجه.. أنا السبب.. أنا غبيه.. غبيه يارتني مسمعت كلامه وقابلته.. يارب يبقى كويس
دخلت زوجة والدها لتقول بدهشة وهي تتفحص بتعجب شديد لباسها الفضفاض
— هو مين اللي بتدعيله يبقى كويس؟ وإيه اللبس الحلو ده.. اتحجبتِ إمتى؟ و جبتي فلوس منين للبس ده؟
ابتلعت روان ريقـها بصعوبه وأحسـت بأن العالم أجمع يحاصرها، فلم تجيب وظلت تدعو الله في سرها ألا تصل حالة سيف للسوء.
اقتربت زوجة والدها لتهزها من كتفها متساءله
–روان.. في إيه.. ماله وشك مخطوف كده ليـه؟
شعور الوحدة شعور مميت، انتابهـا هذا الشعور اللعين عندما تعرضت لذلك الموقف العصـيب، أحست بأنها في حاجة شديدة لصدر أم يتسـع لبكاءها أو ليد أب يمسـد على قلبها ليعطيـها الآمان، طالعت روان زوجة أبيـها بضعف وإنكسار شديد ثم انفجـرت في البكاء كالسحاب المنفجر بمـاء المطر، اندفعت روان لتعانقها بشدة، في بادئ الأمر تعجبت زوجة والدها كثيـرًا ثم تأثرت لبكـائـها وأخذت تربت على ظهرها حتى تهدئ قليلًا، ولكن روان شعرت بأنها بحاجة شديدة لهذا العناق، تطلقت والدتها من أبيـها وتركتها وهي طفلة، فكبـرت وصارت حاجتها الشديدة للأم كبيرة، الأُم هي الحُضن الحنون الدافئ الذي مهما كبر الشخص في العمرِ سيظلّ محتاجـًا إليه؛ لأنّ عند فقدانها سيشعر الإنسان بندمٍ وسيشيخ من حزنِه،مثـلما تشـعر روان الآن.
ابتعدت روان قليلًا لتقول ببكاء

— إنتِ عارفه إن أمي سيباني من وأنا صغيره.. ممكن تكوني أمي ولو يوم واحد ؟
ابتسمت زوجة والدها وأدمعت عيناها بتأثير لتقول
–من أول يوم خطيت برجلي البيت ده وأنا قولتلك ناديني ماما واعتبريني أمك… بس إنتِ مكنتيش بترضي ومعاملتك معايا كانت وحشه أوي.. بس من انهارده إنتِ بنتي ياروان
عادت روان لتعانقها وهي تنتحب وترتعد بخوف مما قلقت زوجة والدها عليها كثيرًا وتساءلت بحيرة
–طيب قوليلي في إيه.. إيه اللي مخليكِ تعيطي أوي كده ؟
هتفت روان بعفوية شديدة
— أنا قتلت
إيــــه ؟؟؟!
قالتها الأخرى وهي تهبّ واقفة بصدمة اعتلت وجهها..

يتبع …

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا 

لقراءة جميع فصول الرواية اضغط على ( رواية يناديها عائش )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *