رواية صفقة حب الفصل الخامس عشر 15 بقلم شيماء جوهر
رواية صفقة حب الفصل الخامس عشر 15 بقلم شيماء جوهر
رواية صفقة حب البارت الخامس عشر
رواية صفقة حب الجزء الخامس عشر
رواية صفقة حب الحلقة الخامسة عشر
“قلبًا تمزق”
أدرك منذ اللحظة الأولى لتأكده من تنفيذ قراره، بأنه على وشك دخول دوامة ليس لها أخر .. سيرهق حقًا من علاقته بسلمى، تلك الفتاة الجادة التي تتسم بالعناد والكبرياء .. فشل في ترويضها وكلما يقوم بذلك يزداد عنادها أكثر من قبل، فماذا هو بفاعل مع تلك القطة الشرسة التي كلما تراه تشدت بينهم الخلافات وتحوم عليه بغضبها وإنفعالها .
فمنذ أن تركها وهو يفكر في حياته معها فيما بعد .. لم يشعر بالوقت وهو يفكر ويتحدث مع إيهاب، فهو قام بالإتصال به عقب رحيلها كي يستنشق هواء نقيًا، إلى أن تجاوزت الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل، على إحدى صخور شواطئ البحر .
إيهاب بضحكة عالية وهو يحتسي رشفة من مشروبه الغازي :
– مش قلتلك من الأول أن الحكاية دي أخرتها جوازة مصدقتنيش .. عشان تسمع كلامي بس
رشف طارق هو الآخر ليقول بضيق :
– كنت فاكرها صفقة زي أي صفقة .. متوقعتش إنها ممكن تقلب بالشكل ده أبدًا
نظر له إيهاب بهدوء وهو يقول :
– بس سلمى مش وحشة أووي زي ما كلمتني عنها يا طارق
نظر له طارق بإندفاع ورد بتذمر :
– أنا مقولتش إنها وحشة بالعكس .. هي بس إللي جد أووي وعصبية ومبتقبليش كلمة .. مش عارف هعيش وﻻ هتعامل معاها ازاي بس
نظر له إيهاب بعد تفكير ليقول :
– هي كدة فعلاً وﻻ معاك بس ؟!
تنهد طارق وقال دون أن يلتفت إليه بلامبالاه :
– هي تفرق يعني ؟!
رد إيهاب بثقة وتأكيد :
– طبعاً تفرق … خد بالك وراجع ده كويس
*******************
عاد محمود من الشركة ويبدو عليه الغضب، ﻻحظته نور التي كانت تجلس في الحديقة بصحبة تهاني، شاهدته وهو قادم .. نظرت تهاني لنور بتساؤل :
– هو بابا ماله يا نور ؟
تذكرت نور ما حدث في الإجتماع .. ثم قالت بحزن :
– حالنا كلنا متغلبط يا ماما اليومين دول، دعواتك .. قومي خففي عنه شوية دلوقتي محتاجك
دق قلب تهاني بشدة ثم قالت بقلق :
– هو إللي حصل صحيح في الإجتماع ؟ .. رسيتوا على إيه ؟
إبتسمت نور بحيرة وقالت :
– من الأفضل تسمعي منه ﻷني مبقاش فيا طاقة عشان أحكي
*****************
نهضت وذهبت إليه تتفقد حالته، وعادت تهاني تضع سماعة الأذن من جديد لتذهب إلى عالمها من جديد .. تستعيد الوقت قبل مجيئها إلى المنزل مع يوسف
يوسف باسمًا :
– تعرفي أنت ساعات بتصعبي عليا
قضبت نور حاجبيها بغرابة ثم قالت بتساؤل :
– بصعب عليك ليه يعني ؟
استرد يوسف حديثه بنفس البسمة :
– بتحاولي توفقي مع الكل .. تقفي جنب سلمى وتساندي طارق، وتخففي عن باباكي شوية .. وفوق ده كله شايفة شغلك مع سلمى ودراستك .. وناسية نفسك خالص يا نور
اندهشت نور كثيرًا من حديثه، شعرت بفرحة داخلية .. ولأول مرة تشعر بإهتمام أحدهم بها والتمعن بحياتها بهذه الدقة .
ملامحها أوحيت ليوسف بأنه أخطأ في إختيار كلماته، أو أنها شعرت بالضيق .. فقال سريعًا بإرتباك وقلق :
– أنا آسف .. نور كده من غير آنسة
شعرت بالخجل ثم قالت سريعًا كي ﻻ تشعره بالذنب :
– ﻻ أبدًا مفيش داعي للآسف .. مقدرة تلقائيتك
ارتسمت على محياه إبتسامة عريضة، شعر بسعادة تدف إلى قلبه من بسمتها ورقة تعبيرها .. تطال النظر إليها فشعرت بالخجل والإرتباك .. فقالت على الفور :
– ممممم مش يلا بقى .. أنا بقيت كويسة
ﻻحظ خجلها فإبتسم وقدر حالها .. فقال وهو ينهض :
– تمام زي ما تحبي
نهضت هي الأخرى وأستقلا السيارة، طوال الطريق وهما صامتان تماماً .. أغمضت عيناها وغاصت في أحلامها .
******************
دخلت تهاني لغرفة المكتب، وجدت محمود يقف امام النافذة مصدرا اياها ظهره .. قطعت الصمت الذي يحوم حوله قائلة :
– حمد الله على السلامة
رد محمود بهدوء وجدية :
– الله يسلمك .. ابنك فين ؟
لم تطمئن تهاني من نبرته، فاجابت بقلق وترقب :
– لسة مجاش لحد دلوقتي .. مالك حصل إيه ؟
أدار إليها وطرق على سطح المكتب بغضب :
– والله عال الدنيا مقلوبة والبيه وﻻ على باله .. فين نور هتيلي نور حالًا
تهاني بقلق :
– طيب أهدى بس يا محمود
فقامت بمناداه الخادم وطابت منه أن يخبر نور بالحضور إلى غرفة المكتب على الفور
ذهب الخادم إلى الحديقة واقترب من نور وظل ينادي عليها وهي لا تسمعه .. إلى أن نادى عليها لآخر مرة إلى أن شعر بصوت خارجي ينادي عليها .
رفعت رأسها بعدما تم نزعها جبرًا من أحلامها وقالت بجدية :
– في إيه ؟
الخادم :
– محمود بيه عايزك حالًا في مكتبه
نور بجدية قالت :
– تمام جاية
******************
نهضت نور وذهبت إلى الغرفة، وجدت حالة غضب محمود .. إقتربت منه وهي تحاول تهدئته بعدم فهم :
– حصل إيه بس يا بابي أهدى طيب
رد محمود بإنفعال وغضب :
– اطلبي اخوكي حالاً، بقالي ساعتين وشوية مبيردش عليا
قالت نور بتوتر وهي لم تفهم بعد ماذا حدث :
– حاضر طيب طيب
خرجت نور وقامت مسرعة بالإتصال بطارق، وتنتظر الرد بتوتر شديد .. سمعت صوته فصاحت به في قلق ولهفة :
– ألو ايوة يا طارق أنت فين ؟
قلق طارق من نبرتها، فرد بهدوء كي يفهم ما يحدث :
– خلصت الشركة وطلعت مع إيهاب شوية
صاحت به بإنفعال وهي تحاول إلا يعلو صوتها حتى ﻻ يسمعها محمود لتقول :
– يا نهار مش فايت .. بابا جاه متعصب وقالب عليك الدنيا
قلق طارق ورد بقلق ولهفة :
– يا خبر إيه إللي حصل ؟
ردت نور بنفس الحالة القلقة :
– معرفش تعالي اوام يلا بسرعة
طارق بقلق :
– ماشي جاي يلا سلام
نور سريعًا :
– سلام
تنهدت بقوة وهي تقول في سرها ..(سترك يا رب الليلة دي)
عادت نور إلى الداخل في توتر شديد، تريد معرفة ما حدث لوالدها وسر تحوله بهذا الشكل .. قال محمود بخشونة وصرامة :
– ها هو فين ؟
ردت نور بتوتر :
– جاي في الطريق مسافة السكة
جلس محمود على مقعده وهو يعود بظهره إلى الخلف، وهو يقول بغضب :
– أما نشوف أخرتها إيه
جلست تهاني وهي تفول بقلق محاولة تهدئته :
– أهدى بس شوية كله خير
نظرت نور لتهاني بقلق، ففهمت نظراتها .. ساد الصمت ومرت خمسة عشر دقيقة إلى أن وصل طارق .
دخل إلى غرفة المكتب بعدما أخبره الخادم بذلك .. بناءً على أمر محمود له بوصول طارق .
وجد صمت شديد يحوم في المكان، فقطع الصمت وقال :
– السلام عليكوا خير يا بابا
محمود رفع رأسه وقال بضيق :
-وعليكم السلام آخر ما شرفت !!
أغلق طارق الباب وهو ينظر إلى تهاني ونور بتساؤل عما حدث، ولكن لم يحصل منهن على إجابة .. فهن الأخريات لا يعرفن ما حدث .
جلس قبله ورد بقلق :
– حصل إيه ؟
قال محمود بإنفعال :
– حصل إن لو مفيش حاجة أتنفذت في ظرف يومين من إللي اتفقتوا عليها أنت وسلمى هيحطونا احنا قدام الأمر الواقع
قالت نور مسرعة بإهتمام :
– وضح أكتر يا بابي إيه إللي جد في الموضوع ؟
محمود حاول أن يتماسك قليلًا ثم قال بهدوء نسبي :
– بعد الإجتماع الشركة بعتت فاكس بتطالب فيه بتنفيذ الشرط على الرغم إني قولتلهم إنكوا مخطوبين وجوازكوا على وشك .. والأساتذة لسة مفيش أي خطوة بينهم، يبقى من حقهم الشرط يتنفذ .. أتصل بيه غير متاح هاشم مع سلمى مفيش فايدة بردو مش عارفين نوصلهم
شعر طارق بالضيق الشديد من هذه التطورات المفاجأة له، ولا يعرف ما السبب .. تغاضى عن شعوره ورد بهدوء :
– ما أنا كنت عايز أكلمك في الموضوع ده أمبارح بس مكنش فيه وقت
رد محمود بنفس الحالة، فهو مضغوط مثله تمامًا ولكن من ناحية أخرى :
– ومستني إيه يا أستاذ ! خلينا نشوف شغلنا المتعطل بسببكوا ده
تنهد طارق ثم قال وهو ينظر إليه بجدية :
– سلمى أشترطت إني لازم أروح وأتقدملها رسمي يا كدة يا مفيش جواز
قال محمود بجدية مؤيداً ما يقول :
– وإيه المشكلة ما ده الصح ومن حقها
رفع طارق إحدى حاجبيه، لم يتوقع بأنه والده يكون في صفها، إعتبارا أن تلك الشكليات مضيعة للوقت .. فقال بغرابة وسخرية :
– نعم! حقها!!
إندفعت نور بشدة مدافعة عن موقف صديقتها كنوع من الدعم :
– آه طبعًا حقها مش زيها زي أي بنت .. وﻻ عشان الشغل يعني تمشي الأمور بالشكل ده
تنهد محمود براحة وقال بهدوء :
– طيب خلاص هكلم هاشم دلوقتي ونحدد ميعاد على بكرة
إبتسمت تهاني وقالت بهدوء هي الأخرى :
– كويس على خيرة الله
نظرت نور لطارق بمرح حتى تغير من حالته المزاجية .. نظرة يفهمها جيدًا إلى أن قال بتهكم :
– عارف أنك فرحانة فيا
لم تتحمل نور وتهاني فضحكن بشدة ..
تركهم وصعد إلى غرفته ومن ثم صعدت نور إلى غرفتها هي الأخرى .
كان القلق الشديد يستحوذ على تفكير نور للغاية، وماذا يمكن أن يحدث في هذا اليوم بين الثنائي العجيب ..
تركت الأمور تسير كما كتب الله لها وكل شيء سوف يكون على ما يرام .
***************
في صباح اليوم التالي أول شيء قامت به نور هو الإتصال بسلمى، لتقص لها عما حدث .. فهي بالفعل حتى أشرقت الشمس ولم تفتح هاتفها .
صاحت نور بمرح :
– أنتِ نايمة والدنيا مقلوبة عليك من امبارح يا ست هانم !!
فزعت سلمى وقامت على الفور تعتدل جلستها وهي ترد في قلق شديد :
– في إيه يا بنتي خضتيني .. إللي حصل ؟
ضحكت نور بشدة على حالتها وحاولت تخفيف الجو العام الذي أثارته :
– أهدي يا بنتي إيه مش ملاحظة نبرة صوتي منعنشة كدة هون
زفرت سلمى بقوة وراحة، حمدت الله بأن كل شيء على ما يرام، ثم صاحت بنور قائلة :
– كده هون !! بقى توقعي قلبي وتصحيني من النوم مفزوعة وتقوليلي كده هون !! .. لا بجد إللي حصل ما أنتِ متفزعنيش كدة من فراغ
ردت نور بمرح :
– شكل شرطك لطارق هيتنفذ اليوم يا جميل
سلمى بغير إستيعاب قالت على الفور :
– إيه ده بالسرعة دي ؟!!
ردت نور بنفس الحالة :
– طبعًا يا بنتي احنا في عصر السرعة
ردت سلمى مسرعة بلهفة
لا بجد يا نور هو كلامي أثر فيه للدرجادي
ضحكت نور بشدة ثم قالت بمرح :
– مين!! طارق ؟! هههههههه شكلك لسة متعرفهوش كويس .. لا مش كلامك يا بيبي ده الفاكس إللي وصل امبارح بعد ما خلعتوا لو متجوزتوش في أقرب وقت هتدبسي مع الشركة إياها
تفاجئت سلمى بشدة وشعرت بالسوء عندما تخيلت ذلك ولا تعرف ما السبب .. حاولت تلاشي تلك الفكرة وإبتسمت وقالت بلامبالاه لتخفي ما شعرت به :
– وإيه يعني كدة تدبيسة وكدة تدبيسة
إعترضت نور بمرح خفيف ممزوج بجدية :
– لا بس تدبيسة عن تدبيسة تفرق .. على الأقل أنتِ عارفة طارق نوعًا ما دلوقتي
تمهدت سلمى وقالت بشرود :
– عندك حق
تنهدت نور بقوة وقالت بجدية بالغة :
– بس أن جيتي للحق .. طارق كان راجع البيت وكان ناوي فعلًا يفاتح بابا في الموضوع
ارتسمت بسمة صغيرة على محياها دون أن تدري، شعرت بسعادة داخلية لسماعها تلك الجملة ولا تعرف تفسيرها ..تنهدت وقالت بهدوء :
– طب كويس
بعد حوار طويل دار بينها وبين نور .. قامت سلمى وأغتسلت وصلت فرضها وهي تفكر ماذا تفعل في هذا اليوم الملئ بالتوتر .. تنهدت وقررت أن تجس نبض والدها عن ما حدث، بالتأكيد وصل إليه الخبر قبلها .
****************
نزلت سلمى كي ترى والدها قبل أن يذهب إلى الشركة .. وجدته يجلس على مائدة الطعام يتناول فطوره، فقررت الجلوس بجواره وإستجوابه كأنها لم تعرف شيئ بعد .. على الرغم بأن علاقتها بهاشم أصبحت مضطربة من يوم الإجتماع، فما جعلها تفعل ذلك هو وجود يوسف يتناول الفطور معه .
سلمى بوجوم :
– صباح الخير
يوسف وهاشم في وقت واحد :
– صباح النور
ثم أردف هاشم قائلًا وهو ينظر إليها :
– نمتي كويس ؟
تنهدت سلمى وردت بكلمات مقصودة وذات معنى دون النظر إليه :
– مبقتش تفرق كويس ولا مش كويس .. كلها نومة وخلاص
رفع رأسه ورمقها نظرة غاضبة وهو يقول بحدة :
– تقصدي إيه باللي قولتيه يا أستاذة سلمى ؟
نظرت له سلمى بحدة :
– ولا حاجة يا بابا أهي نومة والسلام .. كل واحد ينام على الجنب إللي يريحه
عقد هاشم أصابع يده وهو يرمقها بنظراته الغاضبة، بعدما فهمت سر الكلمات التي كانت تقذفها عليه .. فصاح بضجر :
– والله عال يا ست سلمى وبقيتي فيلسوفة وبتتكلمي بألغاز
ردت بحدة لتقول :
– ولا ألغاز ولا حاجة كل واحد بيفسر الكلام على حسب إللي بيعمله
طرق على سطح الطاولة بعنف وهو يصيح بها بشراسة :
– قصدك إيه باللي عملته ؟ ها !! .. بترمي كلامك على إيه .. أوعي تكوني متصورة إني مش فاهمك .. لا فوقي أنا واصللي أوي بترمي الكلام على إيه ..
أنتِ ازاي تتكلمي مع أبوكِ كده .. أعقلي يا بنت الجوهري وبلاش جنان
نهضت سلمى بعنف شديد وقد بدأ صوتها في العلو وهي تقول :
– أعقل !! هو أنا بقى فيا عقل ؟! .. كويس إنك فاهم قصدي كويس أوي .. لكن تعرف أنت عمرك ما فهمتني ولا عرفت أنا عايزة إيه ولا بفكر إزاي .. كل همك الشركة والفلوس وبس، إنما أنا مجرد بيعة وشروة للي يدفع أكتر .. مش كدة بردو يا هاشم بيه !!
بكل عصبية لم يفكر في تصرفاته، صفعها بشدة .. نهض يوسف الذي كان يتابع الأحداث بينهم في صمت ليرى إلى أي مدى تجري الأمور، فلا يتصور أن يقوم والده بضرب سلمى، لم يفعلها قط وهي صغيرة .
وضعت كفها على وجنتيها التي تلونت بحمرة شدة الصفعة، لم تستوعب ما حدث .. صدمة كبيرة بالنسبة إليها أن يقوم هاشم بصفعها بهذا الشكل .. ولما لمجرد تنفست عما كانت تكبته في طيات نفسها .. لم تتصور ما يحدث حقيقي أم كابوس بشعر ..
فقط تنظر إليه في صدمة وعيناها مش جمرة اللهب .. تزرف الدمع الحار من مقلتيها بغزارة وهي لا تتحدث مطلقًا .. ركضت سريعًا إلى غرفتها.
لم يستعب يوسف ما حدث هو الآخر .. نظر لوالده بألم وحسرة وهو يركض خلفها .
أرتمت سلمى على فراشها وإنهارت من البكاء بشدة إلى أن فقدت وعيها من هول الصدمة .. ويوسف يقرع على الباب بشدة وعنف كي تفتح له الباب ولكن لا حياة لمن تنادي .. قد ذهبت الى عالم آخر بلا شقاء أو عناء ..
حاول فتح الباب عنوة إلى أن تم فتحه .. وجدها ساكنة في فراشها لا تتحرك وأنفاسها شبه منقطعة .. ظل ينادي عليها كالمجنون والملهوف .. يحتضن رأسها بين كفيه ويبكي بشدة على ما حدث لها :
– سلمى فوقي يا سلمى ….. سلمىىىىىىىىىىى فوقي عشان خاطري
حملها يوسف بين ذراعيه ونزل على درجات السلم في غضب وسرعة ولهفة .. نظر إلى هاشم نظرة مرزية تحمل الكثير من المعاني وهو يقول :
– لو حصلها حاجة أنا عمري ما هسامحك أبدًا .. كفاية بقى كفاية .
خرج ووضعها في الأريكة الخلفية للسيارة وجلس على الموقد وانطلق سريعًا على أقرب مشفى وهو يقود بسرعة جنونية وإرتباك شديد .
وصل إلى المشفى وتم نقلها في الحال إلى قسم الطوارئ .. فاقدة للوعي تمامًا ولا تريد الإستيقاظ قط، كأنها تهرب من واقعها المشين الذي تعيشه ..
لثاني مرة يبكي يوسف بعد وفاة والدته .. فسلمى ليس مجرد شقيقته الصغرى، بل صديقته وحبيبته، الأقرب لديه .. يشعر بعطفها وحماتها غيابًا عن والدته رحمها الله .. التي لا تزال طريقة وفاتها تشكل لغزًا لديه .
****************
أثناء تجمعهم على مائدة الطعام، يتناولون الفطور .. قطعت الصمت صوت نور بمرح كالعادة :
– بقولك ايه يا بابي صحيح أنتوا هتروحوا لأنكل هاشم أمتى ؟! .. متفقتوش على ميعاد ؟!
رد محمود بهدوء وقال :
– النهارده على الساعة سبعة
ثم رفع رأسه ونظر لطارق مستردا لحديثه :
– متنساش تخلص شغلك بدري وتظبط حالك قبل الميعاد مفهوم ؟! .. شغل السهر واللف مع صحابك ده أنساه تمامًا .. خلي النهارده يعدي على خير
زفر بضيق شديد وهو يقول بحنق :
– أنا رايح أخطب مش هقدم كشف هيئة
صاح به محمود بضيق :
– أنت تسمع الكلام وأنت ساكت مفهوم ..
ردت نور بمرح كنوع من تغير حالة المكان القلق :
– على كده بقى أقول لسلمى تخلص شغلها بدري عشان تجهز
تناولت هاتفها وقامت بالإتصال بها وإنتظرت الرد، ولكن تفاجئت بصوت آخر تمامًا :
– أستاذ يوسف .. أهلًا .. سلمى فين ؟
يوسف بصوت باكي غير واع بما حوله :
– سلمى هضيع مني يا نور
نهضت نور فجاة بفزع من كلماته ونبرة صوته الباكي .. نهض طارق هو الآخر بعدما شاهد رد فعل شقيقته، دس الخوف والقلق في قلبه ألا يكون أصابها شيئاً ما .. هربت الدماء من وجنتيها وصاحت به بإنفعال وخوف شديد :
– مالها سلمى يا يوسف .. أتكلم
يوسف رد بنفس الحالة :
– فاقدة الوعي تمامًا .. أتعرضت لصدمة عصبية شديدة، بابا .. أرجوك تعالى
فتحت فاها بدهشة والعبرات تسيل على وجنتيها بقلق حتى قالت :
– أنت في مستشفى إيه دلوقتي ؟
يوسف بإرتباك :
– مستشفى ….
تناولت نور حقيبتها بلهفة وسرعة وهي تركض للخارج :
– طيب مسافة السكة وأكون عندك
صاح بها طارق وهو يركض خلفها وينادي عليها :
– أستني يا نور إللي حصل ؟!
كانت نور قد أستقلت سيارتها وقادت بسرعة جنونية والتفكير يسيطر عليها بخوف وقلق .. قاد طارق هو الآخر خلفها كي يلحق بها إلى أن وصلا المشفى .
دخلا سريعاً إلى قسم الطوارئ وسالوا عنها، رأهم يوسف بحالته المزرية فوقع قلبهما وتوقعا حدوث كارثة .. إقترب منهم وقام طارق بضمة إلى أن يهدء من روعه قليلًا .. ونور القلق وابخوف يلتهم معالم وجهها .. فصاحت به في خوف وفزع :
– في إيه يا يوسف .. سلمى فين .. إيه إللي حصل ما تنطق
أبتعد يوسف عنه ثم نظر إلى نور وبدأ بالقص عما حدث .. لم يستعب طارق ونور ما فعله هاشم بابنته الوحيدة، أكثر ما تشعر بها هي نور، فهي تشاركها كل فرح وحزن، كل سعادة وتعاسة مرت بها .
يشعر طارق بأنه غريق في بحر عميق من الأفكار، كلما يسر لهم الحال ويكونوا على ما يرام .. تظهر معضلة وتهدم كل شيء، لم يتصور شخصية كنجيب يمكنه أن يقوم بضرب ابنته لمجرد إنها افضت ما بداخلها .
****************
ﻻ يعرف هاشم كيف فعل ذلك، لقد كان عقله مغشي تماماً ولم يشعر بيداه وهي ترتفع إلى أعلى ثم هوت على وجنتيها بعنف شديد .
منذ رحيلهما وهو يلعن الساعة التي تجرأ وقام .. مازال يجلس في مكانه والغضب والضيق يملئ قلبه، كلما حاول التقرب لابنته بعد خطبتها لعاصم، ياتي بأفعال تجعلها تنسحب من جانبه بهدوء .. والمشكلة لم يشعر بذلك على الإطلاق، فصدقت سلمى عندما قالت ﻻ يفكر سوى بالشركة والمال فقط ﻻ غير ..
على صعيد آخر يجلس محمود وتهاني في قلق وحيرة مما حدث منذ قليل، دب القلق في قلبه ألا يكون حدث لهاشم مضاعفات ولكن ﻻ، فالأمر متعلق بسلمى وهم الآن في مفترق طرق، ﻻ وقت من ناحية العملية لتأجيل أي شيء، وﻻ من ناحية أخرى قلق على تلك الفتاة كثيرًا ألا يكون قد أصابها مكروه، فقد عانت الكثير .
نهض وذهب إلى غرفة مكتبه يبحث عن هاتفه إلى أن وجده، حاول الإتصال بنور وطارق ولكن هاتفهم غير متاح، دب القلق في قلبه أكثر، ﻻ يعرف ماذا حدث وهو يريد الإطمئنان عليها .
فكر على الفور بهاشم، ﻻبد وإنه يعلم ما حدث بكل تأكيد .. فقام بالإتصال به على الفور .. ولكنه سمع صوت منكسر وحزين ﻷول مرة .. فصاح به في قلق:
– في إيه يا هاشم مال صوتك ؟
رد هاشم بهدوء شديد :
– مخنوق شوية يا محمود ومش طايق نفسي
محمود صاح به بقلق :
– بدي أفهم إللي حصل، الولاد ومحدش فيهم بيرد على تليفونه وأنت صوتك ميطمنش، وسلمى قلقان عليها ونور قامت جري تشوفها .. في إيه
هاشم وهو يحاول أن يزيل ربطة عنقه بصعوبة وتعب، ورد وهو يلتقط أنفاسه متقطعة:
– تعالى بسرعة يا محمود
شعر بالسوء بداخله من نبرة صوته المتقطعة هذه:
– طيب خليك مكانك انا جايلك
اقبلت عليه تهاني بلهفة وقلق :
– إيه اللي حصل يا محمود ؟!
رد محمود وهو يلتقط سترته بسرعة ولهفة وهو خارج :
– هاشم رجعتله الأزمة من تاني
تركض تهاني خلفه وهي تقول بقلق :
– أستر يا رب .. أبقى طمني بالله عليك يا محمود
*****************
قاد سيارته مسرعًا وذهب إلى فيلا الجوهري .. وجد الباب مفتوح قلق كثيراً، يبدو أن شيئًا ما كبير قد حدث ..نادى هاشم لم يرد، دخل وهو يبحث عنه فوجده نائم على سطح المائدة بطريقة عشوائية ويبدو عليه التعب الشديد، ركض نحوه وهو يتفحصه بلهفة :
– هاشم .. إيه إللي حصل ؟ .. مالك يا هاشم .. هاشم
تناول الهاتف من جيب بنطاله وطلب الإسعاف :
– ألو، إسعاف بسرعة .. العنوان ..
بعد مرور خمسة عشر دقيقة وجاءت سيارة الإسعاف لتحمل هاشم، رحلت على الفور وهي تدوي سرينتها في مكان يملؤه الألم والأحزان
وصلت سيارة الإسعاف إلى المشفى ودخل معه محمود إلى غرفة الكشف، بعد الفحص أستلزم الطبيب نقل هاشم إلى غرفة العناية المركزة، فألم قلبه أشتد عليه بسبب ضغط نفسي شديد .
جلس على إحدى المقاعد وهو ينظر إلى هاشم بحزن، ما يفكر به سوى حالة سلمى، التي ﻻ يعرف ماذا حل بها الآن وما سوف يحدث بعد ذلك إذا حدث شيء لهاشم .. سوف تدمر حياتها أكثر من قبل .
******************
بعد مرور ساعتان كان طارق ويوسف ونور جالسون حول فراش سلمى، التي تستكن في فراشها بسكينة تامة وعلى قسمات وجهها يبدو الحزن الشديد وأثار الدمع مطبوعة على وجنتيها .. ملست نور على شعرها بحنو وقلبها حزين على ما مرت به .
أستيقظت سلمى وهي تفتح عيناها ببطئ شديد، إضاءة المصباح تتوهج بشدة في عيناها ﻻ تستطيع فتحها بسهولة .. أزاحت عيناها حول المكان تتفقد أين هي ومن حولها، أصابتها الدهشة عندما شاهدت طارق بجوارها ويبدو عليه الحزن والهدوء الشديد .
تذكرت ما حدث فنزلت دمعة من مقلتيها دون إرادة، وأغلقت عيناها بألم على الفور وهي تتنهد بقوة ومازالت العبرات تنساب بحرية .. بدون تفكير وإرادة مسح طارق دموعها برفق وحنان .. اندهشت نور ويوسف شديداً من رد فعله المفاجئ، حتى شعرت بالإحراج والخجل .
بعد ساعة تحسنت سلمى قليلًا ولكنها كانت ساهمة .. شريدة لم تتفوه بأي كلمة، فضل يوسف أن يعودا للمنزل من الأفضل كي تستريح .. قامت سلمى وساعدتها سلمى في هندمة ملابسها .
رن هاتف طارق وجد المتصل محمود .. فتح المكالمة على الفور :
– ألو ايوة يا بابا
صاح به محمود بقلق :
– أنتوا فين يابني ؟ إللي حصل ؟
رد طارق بهدوء وجدية :
– في المستشفى .. مش وقته يا بابا
محمود بحزم :
– أسمع خلي بالك من سلمى دلوقتي .. هاشم جاتله الأزمة وهو في العناية دلوقتي
طارق بصدمة ودهشة وهو ينظر ليوسف :
– أستاذ هاشم في العناية !
سمعت سلمى هذه الجملة ولم تحتمل .. دون أي مقدمات فقدت وعيها
صرخت نور بشدة وصدمة :
– سلمىىىىىىىىىىى
يتبع ..
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية صفقة حب)