روايات

رواية صفقة حب الفصل السادس عشر 16 بقلم شيماء جوهر

رواية صفقة حب الفصل السادس عشر 16 بقلم شيماء جوهر

رواية صفقة حب البارت السادس عشر

رواية صفقة حب الجزء السادس عشر

صفقة حب
صفقة حب

رواية صفقة حب الحلقة السادسة عشر

“في غمضة عين”

طارق بصدمة ودهشة وهو ينظر ليوسف .. أفكار كثيرة دارت في مخيلته ليست لها إجابة، فالتاريخ يعيد نفسه، فقال :
– أستاذ هاشم في العناية !
سمعت سلمى هذه الجملة ولم تحتمل .. دون أي مقدمات فقدت وعيها
صرخت نور بشدة وصدمة :
– سلمىىىىىىىىىىى

ألتقطها طارق قبل أن ترطدم على الأرض، حملها سريعاً بين ذراعيه ووضعها على الفراش .
حاولت نور وطارق إفاقتها بقلق وخوف شديد، حقًا لقد أنتزع قلبه من مكانه هذه المرة بقوة عندما رآها تسقط أمامه وأصبحت بين أحضانه، فقط يحتويها ذراعه المتين .
بينما يوسف ركض بسرعة لإستدعاء الطبيب، وأخبره بما حدث .. بعد الكشف والفحوصات أخبرهم بأن إنهيارها العصبي قد زاد أكثر من قبل، فقط تحتاج إلى راحة وسكينة تامة، ولا تتعرض لأي ضغوطات .
ماذا حل بعائلة الجوهري منذ سنوات لتصل إلى هذه المرحلة، بلا جدوى .. فقط يشوبها حزن وألم ودمار، لم تحظى بالفرح قط منذ وفاة فريدة رحمة الله عليها، كان فراقها بمثابة سكين في ظهر سلمى ويوسف .. وبرودة على عنق هاشم، فلن يستطع حتى الآن نسيان طريقة موتها وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة .

يجلس يوسف أمام فراش شقيقتة الأليمة، السكينة في جراح لا يداويه السنين، لم ترى يوم راحة بعد وفاة والدتهما، كأنها كانت لها حصن أمين من كل شر أو حزن، حماية وغطاء لهما ..
واضعاً رأسه بين كفيه في ألم ويأس، والده الذي جرحها وظلمها كثيراً من ناحية وشقيقته التي لم يستطع الزمن مداواة جروحها بعد ..
فمهما حدث فهو والده بين يدي الله، يمكن أن يودعه في أي لحظة .. لا يدري ماذا يفعل، أيظل بجانبها أم يذهب ليطمئن عليه ؟ .
من كانت تشعر به وبألامه، بالحيرة التي تقفز بين طياتي عيناه .. ربتت على منكبه بحزن وألم لتقول بهدوء :
– روحله يا يوسف .. مهما كان والدك وهو بين أيدين ربنا .. أنا هفضل معاها ومش هسيبها .. روح متقلقش ولو في أي حاجة أنا هبقى أكلمك

رفع رأسه وهو ينظر إليها بغرابة ودهشة، كيف علمت ما يدور في ذهنه، ما يشغل قلبه، إلى هذه الدرجة تشعر به وبألامه ؟ .. أدرك الآن سر تمسك سلمى بها وأكثر .
بدون أدنى كلمة، ارتسم على محياه بسمة ضعيفة باهتة .. ثم قام ورحل بهدوء .
تنهدت نور بألم وحزن شديد، جلست مكان يوسف وبدأت تربت على شعرها الكستنائي المنساب على الوسادة بحرية وعشوائية .. وهي تدعوا الله أن يمر هذا الفترة على خير .

*****************

 

 

 

 

وصل يوسف أخيراً امام المشفى التي يمكث فيها والده، ترجل من السيارة ودلف للداخل على الفور متجهاً لغرفة العناية المركزة .
لم يجد الطبيب المعالج هناك، فقط محمود يجلس بجانبه بحزن شديد .. وقف لأستقباله ثم قام بأحتضانه بشدة .

أغمض يوسف عيناه وهو يتنهد بقوة، مستسلمًا لتلك الضمة طالما أشتاق لمسها من والده الذي أنشغل عنه وعن شقيقته ووالدته عنهما .. فاق من شعوره فأبتعد عنه على الفور وهو يجفف الدمعة المنسدلة من عيناه دون أن يلاحظ محمود ذلك.

نظر يوسف إلى هذا الجسد الممدد على الفراش بسكينة تامة، بكل ألم وحزن وحسرة .. ثم رفع رأسه لينظر إلى محمود وهو يقول بهدوء :
– وهو عامل إيه دلوقتي ؟
تنهد محمود بحزن وقال :
– زي ما أنت شايف مفيش جديد .. من ساعتها مقامش .. بس الدكتور طمنني مفيش خطورة عليه .. الأزمة موصلتش لغيبوبة الحمد لله .. ساعات وهيفوق
رد يوسف وهو ينظر السكين بشرود وهدوء قاتل بوجه شاحب :
– الحمد لله
تأمل محمود قسمات وجهه، ليتضح بها آثار الدمع والكآبة والشرود، وهو الآن في المشفى ولا يزال يفهم شيئاً مما حدث .
فقال محمود على الفور بقلق :
– طمنني يا بني سلمى أخبارها إيه .. وإيه إللي وصل أبوك للشكل ده مرة واحدة كده ؟
نظر له يوسف بحزن ولا يعرف من أين يبدأ، فقص عليه ما حدث .. جلس محمود بصدمة، لم يتصور أن يجرى به الزمن ويقوم بضرب ابنته !! ومتى ؟ .. عندما كبرت وأصبحت عروس جميلة .
ومن الواضح كلمات سلمى كانت بالنسبة له كالصفعة الحارة ولكن في قلبه، لقد أباحت بالحقيقة التي كان ينكرها أو يتغاضى عنها منذ سنوات، حتى لا تكون غشاوة أمام سلطته وإدارته .. لم يتحمل الحقيقة فحدث ما حدث .. وسلمى ها هي تدفع ثمن تلك السنوات مرة أخرى من جديد .
زفر بضيق وحزن والم .. ثم رفع رأسه ونظر إليه وهو يقول بآسى :
– وسلمى عاملة إيه دلوقتي ؟
اخفض رأسه في ألم ليقول :
– بعد ما أخيرًا فاقت بالعافية بعد ساعتين .. كأنها رافضة الحياة بشكل تام .. القلم ده بالنسبالها زي طعنة السكينة في قلبها من أقرب الناس ليها .. لكن للأسف مكملتش عشر دقايق وسمعت الخبر وقعت على طول ولسة مفاقتش .. نور إللي أصرت إني لازم أجي وأشوفه .. على كل حال هو أبويا وراقد .. كأنها قرت إللي حاسس بيه
إبتسم محمود بألم على قلب وتصرفات ابنته، فقال بجدية :
– لا حول ولا قوه الا بالله .. مسكينة يا سلمى .. متقلقش يا يوسف مادام نور معاها مش ممكن هتسيبها أبداً وهي في الحالة دي .. هي نور كده تحس بإللي حواليها وبجروحهم .. وعلى أد ما تقدر بتحاول تداوي

 

 

 

إبتسم يوسف وقال بحب :
– فعلًا عندك حق .. شايلة الكل ربنا يسعدها ويفرحك بيها
رد محمود ببسمة صغيرة وقال بألم وحيرة :
– يا رب هي واخوها

إبتسم يوسف وشرد في نور وخجلها منه، بإبتسامتها الرقيقة وحنانها .. تمنحه الأمل ولمسة يداها الدافئة وهي تربت على منكبه لكي تهون عليه قليلًا .. إبتسم أكثر عندما تذكر بأنهما تعدا حدود الأسماء، فمن شدة القلق والخوف نسيا تماماً الرسمية في الحديث التي أصبحت عادة متلازمة بينهم .. ولكن كان سعيدًا حقًا بتلك المرحلة، يشعر بأنه على مقربة منها .

*****************

بعد مدة ليست بطويلة، أستعادت سلمى وعيها وأتأمل ما حولها بتعب وإرهاق شديد، محاولة منها إستيعاب أين تكون .
دقائق وتذكرت ما حدث، دون أي مقدمات بكت بشدة .. أنتبه لها طارق ونور الذين كانوا في حالة شرود تامة ولم يلاحظوا إستعادة وعيها بعد .
إقتربوا منها بخوف وقلق على صوت نحيبها وهم يحاولون تهدئة روعها قليلًا .. تحاول أن تتحدث ولا تستطيع؛ صدمة أفقدتها النطق لتأتي بأخرى تعيد إليها ما كان .. فما كانت تقول بإنهيار وسرعة دون وعي :
– أنا السبب .. أنا السبب .. نسيت إنه عيان .. مكنش المفروض أقوله كده أبدًا .. أنا السبب
ربنا طارق بحنو على منكبها وهو يقول بقلق :
– ده قدر ربنا يا سلمى متقلقيش هيكون كويس بإذن الله
أردفت سلمى سريعًا وهي تحاول النهوض من فراشها بلهفة :
– أنا لازم أشوفه .. لازم أروحله
نور دفعتها بحنو وصاحت بها بخوف وجدية :
– يا حبيبتي مينفعش أنتِ لسة تعبانة .. مينفعش تتحركي بالشكل ده
تمهد طارق بقوة وهو يقول :
– مفيش فايدة متتعبيش نفسك .. سلمى عنادية ومش هتسمع الكلام
تناولت نور هاتفها من حقيبتها في لهفة وسرعة إتصلت بيوسف .

******************

 

 

 

 

يجلس يوسف بالقرب من والده بشرود تام، وهو يفكر فيما حدث وفيما هو آت .. يربت على منكبيه محمود بحزن، إلى أن يلتفت إليه يوسف بإبتسامة باهتة .. دقائق وسمع رنين هاتفه .. توقع المتصل نور، تناول الهاتف من جيب بنطاله وإبتسم بالفعل هي، قال وهو يرد على الهاتف :
– دي نور
نظر إليه محمود بإهتمام وهو يرد عليها قائلًا :
– نور إيه الأخبار .. سلمى كويسة ؟ فاقت ؟
ردت نور بصياح ولهفة :
– سلمى فاقت وهي منهارة .. شكلها أفتكرت إللي حصل .. مصممة ورأسها ألف سيف إنها لازم تشوف أنكل هاشم في المستشفى .. مش هتقدر تمشي قبل ما تكون كويسة وضغطها يتظبط
نهض يوسف بلهفة وهو يقول بصياح وقلق :
– أنتِ بتقولي إيه ؟ مش ممكن تسيب المستشفى وهي بالحالة دي .. لو شافته وهو راقد كده مش كويس .. أوعك يا نور تسيبيها تخرج .. أختي دماغها ناشفة وأنا عارفها كويس .. عنادية
ردت نور بلهفة وخوف :
– فعلاً نفس كلام طارق
يوسف قال بلهفة وإنفعال خفيف :
– أديهولي بسرعة
وهنا أعطت نور الهاتف لطارق سريعًا، ليسترد يوسف حديثه قائلًا :
– طارق .. خد بالك من أختي .. أنا مسافة السكة وجاي حالًا

أغلق المكالمة على الفور دون أن ينتظر الرد .. لينهض محمود بخضة وقلق هو الآخر ليصيح بقلق وجدية :
– إيه إللي حصل يابني طمنني ؟!
رد وهو يهم بالرحيل :
– جالها إنهيار عصبي ومصممة تيجي .. عن أذن حضرتك لازم أمشي
رد محمود بجدية وقلق :
– خد بالك من نفسك يابني وطمنني لما توصل

***************

 

 

 

 

عاد إلى المشفى الماكثة فيها سلمى مرة أخرى، حمدًا لله أطمئن عليه، وشعر بسلام داخلي لأقباله على هذه الخطوة، سوف يكون بخير عما قريب، فلما تذكر نور ارتسم على وجهه إبتسامة عريضة .
كل ما يشغل خاطره الآن حالة سلمى، التي لم تجد منفذ ولو قليل بعد إستعادتها لوعيها، تلقت الطامة الكبرى على الفور بدون أدنى مقدمات .

دخل غرفة الطوارئ وهو يلهث من ضربات قلبه السريعة وخطوات سيره التي تشبه الركض، ليجدها مستكنة في فراشها ويبدو على قسمات وجهها الحزن الشديد .. آثار الدمع مطبوعة على وجنتيها، إقترب منها ومسح على وجهها برفق وهو يحاول أن يتماسك حتى لا تفرق دمعة سجينة من مقلتيه .
طبع قبلة رقيقة على جبهتها ومسح على شعرها ثم جلس بجوارها في صمت تام .
تنظر له نور فقد سقطت دون إرادة منها بعض العبرات، لقد تأثرت بالمشهد الذي رأته لتوها .
قطع الصمت رنين هاتف طارق، تناوله من جيب بنطاله بكلل ليجد المتصل سارة، تجهم وجهه فجأة فهو يعرف رد فعلها في الآونة الأخيرة من أخبارها بزواجه .
نظرت له نور وتسائلت بهدوء :
– مين يا طارق ؟
رد طارق بتجهم دون النظر إليها :
– دي سارة

نظرت نور ليوسف بغرابة وحيرة، فلا تزال سارة خطيبته، ولا يعرفان أي شيء عن رد فعلها بما حدث ولا بشكل علاقته بها الآن .. فألتزما الصمت، فالوضع الحالي لا يحتمل أي نقاش على الإطلاق .

خرج طارق كي يتحدث بحرية وبدأ المحادثة :
– ألو أيوة يا سارة
صاحت سارة بضيق شديد :
– فينك يا طارق كل ده عشان ترد !
أعصابه لم تكن في موضعها بعد، بسبب ما حدث وتطور حالة سلمى وأزمة هاشم في الوضع الحاسم من الصفقة، فتعتبر حياتهم جميعًا على المحك .. دون أن يشعر صاح بها بعنف :
– سارة أنا فيا إللي مكفيني دلوقتي .. مش طالبة خناق خالص مفهوم !!
زادت في صياحها عندما وجدت غضبه وانفعاله لتقول بمنتهى البرود :
– حصل إيه يعني لكل ده!! .. مش كفاية قابلة الوضع ده وساكتة .. ما أنت هتتجوز ولا على بالك وأنا قاعدة كده على ناري
شعر بالدماء تغلي في عروقه، فأبتعد أكثر بخطوات سريعة إلى أن أصبح خارج المشفى، لأنه بالفعل بدأ في علو صوته ولا يصح ذلك بالداخل ليقول بغضب :
– جواز إيه وزفت إيه .. الدنيا مقلوبة عندي هنا وربنا يستر ولو الموضوع متمش .. سلمى ربنا عالم بحالها الغلبانة دي فاقدة وعيها وهاشم في غيبوبة بالمستشفى وأنتِ تقوليلي مش على بالك !!
تفاجئت سارة وصدمت مما سمعت، شعرت بالفرحة والضيق في نفس الوقت من الطريقة التي يتحدث بها إلى سلمى، وفرحة بأن ما حدث يمكن أن يعرقل تنفيذ الصفقة وبالتالي الزيجة بأكملها .. فقالت بقلق وخوف مصطنع :
– يا خبر سلامتها .. إللي حصل لكل ده ؟
شعر بالغرابة قليلاً من النبرة المفاجأة التي تحدث بها، ولكن تغاضى قليلًا ليرد بحسم وجدية :
– الله يسلمك .. ملكيش فيه أمور عائلية ما بينهم .. ثم بذمتك ده وقت شرح لأي حاجة
ردت سارة برقة مصطنعة :
– ماشي يا حبيبي أسيبك تروق شوية وهبقى أكلمك بليل
تنهد طارق بهدوء ليقول :
– ماشي يا سارة .. سلام

أنهى معها المكالمة ولم يستطع تحديد نوعها في المدة الاخيرة، بماذا كانت تنوي ترى!

 

 

 

 

********************
بجانب سلمى .. نظرت له نور بحزن ولا تريد أن تزيد عليه حمله؛ نظر له فإبتسم وهو يقول :
– شكرًا يا نور
التفتت إليه في دهشة، كادت أن ترد ولكن استرد حديثه بهدوء شديد ونظره منصب على سلمى :
– وقوفك جنبي وحماسك إني أروح أشوف بابا بعد إللي عمله .. جوايا كان عايز يروحله بس أنتِ قويتيه
كانت تنصت إليه بإهتمام وبداخلها شعور بالفرحة .. إبتسمت لتقول بهدوء :
– مكنش ﻻزم أسيبك في حيرتك بين قلبك وعقلك .. لإني عارفة إن مهما حصل قلبك هينتصر .. ده باباك يا يوسف
إبتسم وهو يرد عليها بإعجاب :
– بجد مش عارف أقولك إيه
ردت نور وﻻ تزال تلك البسمة على محياها :
– متقولش حاجة أهم حاجة تفوق سلمى ونتطمن عليها

تبادلا الإبتسامة وظلوا هكذا في صمت شديد .. إلى أن عاد طارق للداخل مرة أخرى بهدوء، نظرت له نور ولم تعلق على تلك المكالمة .
عادوا إلى صمتهم من جديد، طارق متمعن في ملامح سلمى جيداً وهي مستكينة بهدوء، يوسف ونور يتبادلان النظرات بين اللحظة والأخرى .

بعد ساعات أصرت نور على البقاء معها في المشفى، ولكن بعد إصرار يوسف وطارق بوجوب رحيلها كي تستريح هي الاخرى، أو بالأحرى يمكنها الذهاب إلى الشركة لكي تتابع عملها بدلاً من غياب سلمى، ويوسف سوف يظل معها .
رحلت نور ونهض معها طارق ليقوم بتوصيلها ويعود هو إلى شركته ليتابعها بدلاً عن والده الذي يجلس مع هاشم الإطمئنان عليه، بعدما قام بالإتصال به .

*****************

وصل طارق إلى الشركة، دخل سريعًا متجهًا لغرفة مكتبه .. جلس وبعد عدة دقائق سمع رنين هاتفه، تناوله من جيب حلته ليجد المتصل إيهاب، رد على الفور بهدوء شديد وتعب :
– ألو أيوة يا إيهاب
رد إيهاب بتساؤل وقلق :
– مال صوتك يابني ؟
تنهد طارق وهو يقول :
– مفيش مجهد شوية بس .. أنت إيه الأخبار ؟
أردف إيهاب وهو مازال يشعر بأن هناك خطب ما حدث له وهو لم يتحدث عنه بعد :
– الحمد لله تمام .. لا بجد إللي حصل .. حاجة جديدة جدت في موضوع جوازك ؟
إبتسم ليقول طارق بسخرية :
– جوازي ؟! .. ههههه شكلها كده لا فيها جوازة ولا جنازة حتى !
قضب إيهاب حاجبيه ليقول بعدم فهم :
– يعني إيه .. ما تنطق وقعت قلبي
قص له طارق ما حدث هذا الصباح، ضرب إيهاب كفه على جبهته بعدم تصديق ليقول بصدمة :
– يا نهار مش فايت .. لا حول ولا قوة إلا بالله، والعمل إيه دلوقتي المهلة بتفوت !!
تنهد طارق بحنق وهو يقول بحيرة وتعب :
– والله مش عارف الموضوع هيرسي على إيه .. لو الموضوع هيطول هتبقى كلنا في مأزق كبير جدًا .. المشكلة سلمى مش عارفين هتفوق أمتى
أردف إيهاب بحزن شديد :
– تصدق سلمى صعبانة عليا أووي في كل إللي بيحصل ده .. كل حاجة على دماغها هي
رد طارق بشرود :
– فعلاً .. وعلى أساس أنا حالي مش متعطل زيها

 

 

 

تنهد إيهاب وهو يحاول تهدئته :
– مش قصدي يا عم منا عارف إللي فيها .. سلمى في الأول وفي الآخر بنت
أردف طارق بغضب :
– أدعي بس إنها تفوق هي وهاشم عشان نخلص من الموال إللي احنا فيه ده
إبتسم إيهاب وقال بحب :
– يا رب يا طارق .. والله بدعيلك ربنا يصلح حالك وحالها .. بكرة تفوق وتطلعوا عليك هههههههههه
أعتدل طارق جلسته وهو يصيح به بضجر :
– أنت بتقول فيها يا خويا .. ما ينوبنيش منها غير عنادها ودماغها الناشفة ولسانها المستفز .. هي إللي بتخليني أتهور وأتعصب عليها
ضحك إيهاب بشدة من إنفعاله، فهو الهدف الأساسي من إستفزازه هو خروجه من حاجة الكآبة الواسطة على أن يدخلها .. فقال سريعًا كي يهدأ من روعه قليلًا :
– خلاص يا عم أنا كنت بنغشك بس .. يلا أبدأ أشتغل وشوف هتعمل إيه النهارده

أنهى معه المكالمة وهو يدور بالمقعد في جميع الجهات، يفكر في سلمى بكل حالاتها إلى أن تأتي له صورة مكوثها في المشفى يصعب عليه حالها .
حاول إخراجها من تفكيره أكثر من ذلك، فهي عندما تفيق مثلما قال من قبل سوف تعود سلمى تلك الفتاة الشرسة العنيدة .. ذات الأسلوب الاستفزازي من الدرجة الأولى لتعانده من جديد، لا تكن لطيفة ومستكنة إلا في نومها فقط لا غير، هكذا يراها حتى الآن ! .

مرت قرابة ساعة ونصف من عمل طارق ليجد صوت ارطدام باب مكتبه وهو ينفتح على مصراعيه .. يدخل عاصم بكل عنف والسكرتيرة تركض خلفه وهي تصيح :
– يا فندم ميصحش كده .. أنا آسفة يا أستاذ طارق قرر يدخل من غير ما ياخد ميعاد ولا أذن حتى
وقف طارق على الفور بمجرد دخوله، وصاح بكل غضب :
– أنت أتجننت .. ازاي تدخل عليا بالشكل ده ؟
ألتفت السكرتيرة مستردًا بغضب :
– أطلعي أنتِ دلوقتي
هرولت للخارج سريعًا وأغلقت الباب خلفها .
ينظر عاصم لطارق والشرر يتطاير من عيناه، ثم أبتعد طارق عن مكتبه وإقترب منه وهو في قمة غضبه ليصيح بإنفعال شديد :
– أنت إيه إللي جابك هنا ومين سمحلك إنك تدخل أصلا بالشكل ده ؟! .. آه صحيح ما الهمجية دي متجيش غير من واحد زيك
تشبث به عاصم بحلته بكل عنف وهو يقول بشراسة بالغة :
– إن قربت من سلمى تاني هفرمك أنت فاهم .. وإياك إياك مجرد محاولة إنك تفكر تلمس منها شعرة .. مفيش حد يتجرأ وياخد حاجة من عاصم السيوفي
اصطنع طارق البرود وخطي بضعة خطوات ليصبح في مواجهته ليقول بتهكم:
– ده على أساس إن لسة فيه بينكوا حاجة .. مش خلاص سابتك ورمت الدبلة في وشك .. آجلًا أم عاجلاً هتبقى خطيبتي متنساش تباركلنا بقى
أنفجر به عاصم بغضب شديد إلى أن برزت عروق رقبته:
– موتك هيكون على أيدي يا ابن الإبياري لو فكرت بس تهوب ناحيتها .. صبرك عليا والجوازة دي على جثتي
رد طارق بنفس الأسلوب وذات النبرة التهكمية:
– يبقى الله يرحمك مقدمًا

 

 

 

 

خرج عاصم والشرر يتطاير من عيناه أكثر وأكثر، متوعدا بالآذى مسبقاً .. عاد طارق وجلس على مكتبه، طرق بعنف سطح المكتب وهو بكامل غضبه، كيف يتجزأ هذا على المجئ إلى هنا وتهديده، وكيف علم بما حدث .

****************

مرت ساعات وإستعاد هاشم وعيه، ضغط محمود على الجرس بجانب الفراش لتدخل الممرضة ويخبرها بحالته، بعد عدة دقائق يأتي الطبيب ويطمئن على حالته .
كان محمود فرحاً بأنه حمدًا لله لم يطيل في هذه الغيبوبة وقام سريعًا .. ولكن عندما أستيقظ بدأ عليه الحزن والضيق، تذكرا لما بدر منه .
قطع الصمت محمود وهو يربت على يداه :
– حمد لله على السلامة
رد هاشم بصوت هامس ومتقطع :
– الله يسلمك .. سلمى !
كاد أن ينهض أوقفه محمود على الفور كي يستريح وهو يصيح به :
– أنت رايح فين خليك مكانك
ثم استرد بعتاب :
– ليه كده يا هاشم ؟ مش كفاية إللي هي فيه ؟
أرمقه نظرة غاضبة وهو يقول بحدة وصوت مجهد :
– يعني أنت عاجبك إللي قالته ؟!
صاح به ولكن بنبرة هادئة ليقول بعتاب :
– البنت خلاص جابت آخرها بتنفس عن إللي جواها .. ضغط نفسي وعصبي إللي اتحطينا فيه كلنا الفترة دي .. وبصراحة عندها حق بقى أنت مشاغلك مش مخلياك تشوف بنتك كويس يا هاشم
رد هاشم بحدة :
– اومال أنا بعمل ده كله عشان مين .. ما عشانها هي واخوها
صاح به بعتاب وبدأ صوته في العلو ليقول بألم :
– قولت نفس الكلام أما كانت فريدة عايشة .. إيه النتيجة دلوقتي خسرتها للأبد
تجهم وجه هاشم وهربت الدماء من وجهه ليسترد محمود عتابه :
– فوق يا هاشم بدل ما تخسر بنتك هي كمان
تنهد هاشم وشرد قليلًا يفكر والجهوم مسيطر على قسماته ..وليقول بحدة وجدية :
– عايزني أعمل إيه ألغي الصفقة يعني ؟
زفر محمود بضيق وقال بنفاذ صبر :
– حد قالك تلغيها دلوقتي .. ثم مبقاش ينفع احنا مضينا العقود خلاص .. وكان زمان التلات شركات بتخسر نص أسهمها وعمال مشردين في الشوارع .. إللي حصل حصل وسلمى وطارق أنقذوا الموقف بموافقتهم .. مع إني مش مستريح للقرار ده

 

 

 

 

هاشم رد سريعًا بجدية وﻻ مبالاه :
– بس أهم حاجة ان الصفقة هتم في ميعادها وكله هيبقى تمام
نظر له محمود بحزن وضيق على تفكيره، فلا يزال يفكر بنفسه فقط، بمصالحه الشخصية .. فرد محمود بعد أن تنهد طويلًا ليقول بحيرة من أمره وحزن على حاله :
– مفيش فايدة

****************

ظلوا هكذا في صمت تام قرابة نصف ساعة، إلى أن أطمئن عليه وإنه بصحة جيدة، علمًا بأنه ﻻ يحتاج إلى مجهود كبير ويفضل الإبتعاد عن كل شيء يمكن أن بتسبب في حدوث تلك الأزمة مجددًا .
ذهب محمود إلى شركته وقام بالإتصال بطارق، فرح وأطمئن إنه في الشركة بعدما أخبره وطمئنه على سلمى .. فأخبره هو الآخر بأستعادة هاشم وعيه وهو بصحة جيدة .
فقام بالإتصال بيوسف يطمئنه على والده، فلم تكون لديه القدرة بعد على مواجهته، فلم ينسى ما تفوه به قبل خروجه بسلمى من المنزل وهو في قمة عصبية، فماذا يقول الآن .. أن شقيقته في حالة شبه غيبوبة وفاقدة للوعي تمامًا ؟! .. وعدم مسامحته أن حدث لها شئ، فقد كان قويا بمنح نور قوتها إليه ومساندته، فهو يحتاج هذه الخطوة منها الآن أكثر من قبل .. فقد تعهد بأنه لن يتحرك من هنا قبل أن تستعيد هي أيضاً وعيها، لن يجد ما يقوله لوالده في الوقت الحالي سوى العتاب .

في المساء صمم هاشم العودة إلى المنزل، فلم يتحدث معه يوسف على الإطلاق سوى بكلمة “حمد الله على السلامة” فقط ﻻ غير .
وبالفعل عاد إلى المنزل بأمر من الطبيب بإحضار معه ممرضة تسهر على رعايته إذا حدث شيء هذه الليلة .

******************

في اليوم التالي عزم هاشم بأن يذهب إلى المشفى لرؤية ابنته، فأجابه يوسف عندما قام بسؤاله عنها بأنها فاقدة للوعي تمامًا ولم تستعيده بعد، يائسة من حياتها؛ كان لديه ذرة من الندم على ما بدر منه، لأول مرة يقوم بمد يداه على ابنته ويصفعها بتلك القوة والعنف .. قد أنتقلت سلمى من غرفة الطوارئ إلى غرفة عادية خاصة بها، يجلس أمامها دون إصدار أي صوت .. بينما يجلس يوسف قباله من الناحية الأخرى من الفراش ولم ينظر له مطلقًا، أو بمعنى آخر يتجاهل نظراته .
ألتفت هاشم إلى يوسف ليقول بحدة :
– هتفضل على الوضع ده كتير ؟
رد ببرود دون النظر إليه :
– وضع إيه ؟
أردف هاشم بنفس النبرة :
– التجاهل إللي أنت بتعمله ده
رفع رأسه نحوه وهو يقول بعتاب وجدية :
– مش ندمان ؟ .. مش ندمان من إللي عملته ؟ .. بنتك راقدة بسببك، بسبب إنها قالت الحقيقة إللي مش عايز تاخد بالك منها، كانت هتطق لو متكلمتش
تنهد هاشم وقال بحزن :
– حتى أنت كمان بتعاتبني يا يوسف !!
رد يوسف مبررًا :
– لو مكنتش أبويا إللي بحبه مكنتش عاتبتك .. وأنا لسة عند كلامي إللي قولته قبل كده .. مش هزود أكتر عشان عارف إن صحتك دلوقتي مينفعش فيها أي إنفعال

 

 

 

 

نظر له هاشم بغرابة ودهشة على التحول الكبير الذي لاحظه على ولده، أهو بسبب ما حدث في الماضي وجاء الوقت لكي ينفث عما بداخله من عتاب، أم دفاعاً عن ما حدث لشقيقته؟.

*******************

على مائدة الافطار تجلس عائلة الإبياري تتناول الطعام سوياً، محمود وتهاني يحستيان فنجان الشاي، نور رحلت مبكراً إلى سلمى .. وطارق في هدوء تام .. قطعت الصمت تهاني وهي تنظر لمحمود وتقول :
– وصلتوا لفين في موضوع الصفقة يا محمود ؟
ترك الفنجان من يداه ونظر لها ليقول لها بهدوء :
– المفروض كنا نتقدم رسمي لسلمى، لكن زي ما أنت شايفة حصل إللي حصل والوقت بيفوت ولسة في تجهيزات كتير
تكلم طارق أخيراً ليقول بجدية :
– دلوقتي مش عارفين سلمى هتفوق أمتى وأي تأخير مش من مصلحتنا خاصةً سلمى .. لأن العبء كله عليها .. فأنا شايف إني أروح أتقدملها النهارده
قطبت تهاني حاجبها في غرابة وعدم فهم لتقول :
– ازاي يعني يا طارق مش فاهمة .. دي في دنيا تانية يابني
نظر لها طارق مستردا بجدية :
– يعني هروح المستشفى بالتأكيد هلاقي يوسف ناخدوا وهكلم سلمى وأتقدملها رسمى من أنكل هاشم ونقرا الفاتحة
نظر له محمود وقال بجدية بالغة :
– أنت بتتكلم جد ؟
رد يوسف بنفس الجدية :
– امممم بالظبط كده .. المهلة فاضلها أيام وتنتهى ولو أستنينا سلمى تفوق عشان أتقدملها وأتجوزها الشركة التانية هتنفذ شرطها وده مستحيل يحصل .. ثم هتفق على كل حاجة مع يوسف
ينظر محمود وتهاني بعضهم البعض في بداية الحديث بدهشة وعدم فهم من حديثه ولكن تبسما لبعض بجدية ونظرات لا يفهمها سواهم على ذلك التصرف الصادر من طارق، نظر إلى طارق ورد بجدية :
– وفيها إيه على بركة الله .. فكرة منطقية لكسب الوقت
ولكن تفاجأهه تهاني بردها مردفة وهي تتماسك في ضحكتها كي ﻻ تظهر، وقالت بجدية :
– أنا موافقة فكرة كويسة
قال محمود بجدية :
– طيب روح شوف يا طارق أنت سلمى وفاتح يوسف في الموضوع
طارق لم يكن يستوعب هو الآخر موافقة محمود وتهاني لتلك الفكرة، توقع أعتراضه ولكن تفاجئ عكس ذلك تمامًا، فشعر بشىء غريب .. تفادى هذا الشعور وشعر بالحماس وهو ينهض ويقول :
– تمام عن أذنكوا

ألقى السلام وخرج، ثم نظرت تهاني لمحمود وتعالت ضحكاتهما .. فلم يتمكنا من كلتها اكثر من ذلك .. فهما على إدراك تام ما يحدث حتى وان كان ولدهما ليس على دراية كافية بها .

***************

 

 

 

 

خرج وأستقل سيارته وقاد بسرعة، إلى أن وصل إلى المشفى، أتجه إلى غرفة سلمى ليتفاجأ بوجود هاشم .
نظرت نور لطارق الذي اتضح عليه الدهشة من وجوده هنا .. أقبل عليه وقال :
– حمد الله على سلامتك يا أستاذ هاشم عامل إيه دلوقتي ؟
رد هاشم بوجوم :
– الله يسلمك .. الحمد لله يابني
تسأل طارق سريعًا :
– إللي جاب حضرتك هنا دلوقتي ؟
رفع رأسه ونظر إليه ببلاهة وهو يقول بدهشة :
– مش عايزني أشوف بنتي يا طارق وأطمن عليها !
رد طارق سريعًا مدافعًا بهدوء وإبتسامة :
– ﻻ طبعًا مقصدش فهمتني غلط .. قصدي حضرتك لسة تعبان وخارج من المستشفى .. من الأفضل أنك تستريح
تنهد هاشم وقال بهدوء :
– ﻻ الحمد لله بقيت أحسن

نظر طارق لنور وتساؤلات عديدة في عيناها .. أستاذن طارق وخرج ليجري إتصالًا .. وبالفعل أتصل بمحمود وأخبره بوجود هاشم بالمشفى بالوقت الحالي، وأفضل حل أن يأتي هو ووالدته للتقدم لها رسمياً هناك .
دخل طارق ونظر لنور بمعنى سوف تفهم سبب مجيئه هنا بعد قليل، كان من يراقبهنا يوسف ولم يفهم تلك اللغة التي يتكلمون بها بأعينهم .. فلم تزاح عيناه عنها طوال الوقت، وليتقرب منها، فبدأ بالحديث عن الكلية وعن أحوال الشركة وبعد قليل شاركهم طارق الحديث .
مر الوقت سريعًا حتى جاء محمود وتهاني إلى المشفى، أطمئنوا أولًا على حالة سلمى، فأخبرهما الطبيب بعدم علمه متى تفيق، ﻷن الخبر الذي جاء إلى مسامعها كان يعتبر صدمة لم تتحملها .
بعد السلامات والإطمئنان على صحة هاشم .. نظر محمود إلى هاشم وبدأ بالحديث الجاد :
– بصراحة أنا مش عارف أبدأ الكلام وأقول إيه .. احنا المفروض امبارح نيجي ونطلب سلمى بس إللي حصل بقى .. نظرًا أن مفيش وقت ويا عالم سلمى هتفوق أمتى .. فأنا بطلب أيد سلمى لطارق
قال طارق هو الآخر :
– يستحسن نقرا الفاتحة دلوقتي

اندهش هاشم .. بينما تلاقت نظرات نور ويوسف في صدمة وغير إستيعاب مما سمعوه لتوهم ..

يتبع ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *