روايات

رواية جبروت امرأة الفصل الأول 1 بقلم إيمان كمال

رواية جبروت امرأة الفصل الأول 1 بقلم إيمان كمال

رواية جبروت امرأة البارت الأول

رواية جبروت امرأة الجزء الأول

جبروت امرأة
جبروت امرأة

رواية جبروت امرأة الحلقة الأولى

انسحب ضوء الشمس تدريجيًا، وأعلن الظلام عن نفسه، وكسى الليل الكالح دثاره على السماء، فغاب قمر الزمان وتوارى حزنًا على الجالس في غرفته التي اصبحت بمثابة سجنه الاختياري، مهمومًا حزينًا، لا يقابل أحد، ولا يأكل إلا قليل القليل، اصبحت حياته مظلمه ظلام دامس مثل هذه الغرفة، لايعرف الليل من النهار، أصبحت حياته لا تساوي أن يقضي بها لحظة بعد فراق أخته الصغيرة “فريدة” التي كان يعتبرها ابنته، فقد ترعرت على يداه وكبرت حتى أصبحت فتاة تفرح لها الأعين، لازال يتذكر تلك الرجفة التي هزت قاع قلبه، وجعلته بنتفض صراخًا؛ حين رآها ملتفه بكفنها الأبيض، كأنها عروس ستزف في ليلة عرسها، ما اصعبها لحظات مرت… !! ومازال يحيا بداخلها…. !! والآن أين هي؟ تسكن الثرى وتتركه وحيدًا يعاني الآم الوحده والحرمان.
كيف سيقابل والدتهما التي سبق وأن اوصته عليها، وأن يحسن الامانه ويسلمها بيده إلى من يستحق اقتناء جوهرته، كان صوت امه يردد في أُذنيه كألة تنبيه لا يتوقف ضجيجها لحظة، شعر بأنه يختنق، وضع يده على اذنيه حتى لا يسمع صداها، لكن الذكريات الجميلة انسابت بنعومه أمام عيناه، بدون ارادة وتحكم منه، اغمضها بشده، وتساقطت الدموع بغزارة أمطار الشتاء، وصوت نحيبه ارتفع، طرق على مسامع أذن زوجته”سيلان” التي ركضت نحو غرفته تطرق بابها الخشبي بكلتا يداها قائله والدموع تنهمر منها حزنًا عليه:

– يافريد ياحبيبي افتحلي، حرام عليگ اللي بتعمله في نفسگ ده، عشان خاطري، وحياتي عندگ، لحد أمتى هتفضل قافل على نفسگ كده؟
عدى كام يوم وأنت مش بتخرج، والأكل مانعه، يادوب بالعافيه بتاخد القليل، افتح بلاش تعذبني باللي بتعمله ده، أنت هتعترض على قضاء ربنا.

 

 

 

استمرت “سيلان” تتحدث كثيرًا، وهو كان في دوامه حزنه، لا يسمع ولا يرى غير صورة صغيرته وحبيبته الموضوعه امامه لاتفارقه، يأست من التحدث له، وتركته وانصرفت لأسفل، اما هو ظل على حالته يبكي ويتوجع في صمت شاردًا في رحلة كفاحه مع أخته ولحظة موت والدته، وكيف كان من بعدها أخ وأب لطفله تجاوز عمرها عشر سنوات، وكان هو في السنة النهائية في كلية الحقوق، كم جاهد لتحمل هذه المسئوليه، وعانى حتى تخرج وعمل مع عدة محامين للتدريب معهم، واكتسب خبرات عديدة، ووصل بالجد إلى علو شأنه في عالم المحاماه، وأصبح مشهورًا، الجميع يتمنى ان يتولى لهم قضاياهم، وانتقل من شقته البسيطه إلى فيلا حديثه، غاية من الجمال، مصممه على الطراز الحديث، لم يقصر يومًا في متابعة اخته، عاشا سويًا في سعادة، اغمرها بحبه وحنانه ما تحتاج إليه، ومرت السنوات وكبرت “فريدة” والتحقت بكلية الفنون الجميلة، نسى فيها نفسه وحياته الخاصة، وتفرغ لها فقط، وفي ذات يوم توجهت “فريدة” إلى بيوتي سنتر شهير برفقة إحدى صديقاتها لتحجز لها بمناسبة خطوبتها، وتعرفت على صاحبة المحل “سيلان” ونشأت بينهم صداقة، سعت على توطيدها مع مرور الأيام، كم كانت “فريده” تتمتع بقلب طيب، وتثق بسرعة بالبشر، احبتها بشده، وذات يوم جاءت بها إلى مكتبه، لاستشارته في قضيه تخصها، وحين رفع بصره إلى “سيلان” اصابه كيوبيد الحب، وانبهر بحسنها وجمالها، فقد كانت تعرف كيف تبرز نقاط الحسن بها، بلمساتها الرقيقه، دون تكلف تجعلها ملكه، جلست وتحدثا كثيرا، وعلم كل شئ بخصوص موضوعها، ووعد على كسب هذه القضيه، وتكررت اللقاءات بينهم، واقتربا من بعضهما حتى تأكد من حقيقة مشاعره، وتقدم لها وطلب يدها وتزوجا، كان لا ينكر حسن معاملتها لأخته، ومرت الشهور في سعادة لا ينقصهما أي شيء، واكتملت بطلب صديقه المقرب وشريكة في المكتب “ساهر” يد اخته فقد كان يحبها منذ سنوات، سعد لهذا النسب، فهو رجل تتمناه اي فتاة في عمرها، وافقت “فريدة” وتم مراسم الخطبه التي تحاكت عنها الصحف والسوشال ميديا، لكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، وانقلبت سفينة حياته واذاقته مرار القهرة ولوعة الفراق؛ إذ في يوم كان على موعد مع اقدارة، وودعها
بالعناق الحميم، للمرة الاخيرة قبل سفرة في قضيه هامه إلى مدينة الإسكندرية لحضورها، شعر بنغزة في قلبه وانقباض لم يعرف سببها، تركها ولم يعلم مامخبأه الأيام لها.
هاجمته هذه الذكرى بكل وحشية، انهار على اثارها حين علم من زوجته بخبر وفاة أخته الوحيده داخل غرفة السونا، تسمرت قدماه والتصقت في الأرض، ونظرات الصدمة تعلو قسمات وجهه، شعر ان قلبه سيتوقف عن النبض، استقل سيارته ولا يعلم كيف وصل لمكان منزله بهذه السرعه، كان يسابق الطريق كأنه عدو ويريد فرمته والقضاء عليه في اقصر وقت، صعد إليها ودلف داخل غرفتها بخطى بطيئة كأنه يجر قدمه المحمله بأثقال لايتحمل حملها، القى عليها نظراته الأخيرة، اقترب واحتضنها وشلالات ادمعه تغتسلها، هزها بكل ما أتي من قوه لعلها تستفيق لثانيه يراها بها، صوت صراخه يصل لعنان السماء، دفن رأسه في احضانها، يبكي كطفل صغير تيتم للتو، شعر بالبروده تقشر جسده، ارتعش بشده، نظرات زوجته تشفق عليه، اقتربت محاوله أن ينهض معها، ويخرج من الغرفه، استجاب لها ومشى كأنه مسلوب اراده، لا يعي لأي شئ، تائه في دوامه من الحزن، ساعده صديقة في مراسم دفنها، فقد كان حالته لا تقل عنه، شعر للمرة الثانية بالكسرة بعد موت والدته، والآن ازداد الامه بموت اخته، اجهش ببكاء مرير ممزوج بالحرقة.

 

 

ظل على هذه الحاله كما هو بعد مرور عدة ايام من دفنها، ينام فقط لعله يراها في أحلامه، تستنجد به مطالباه بالنجده، وهو واقفًا لايستطيع مساعدتها، ليستيقظ من نومه مفزوعًا، صارخًا بحروف اسمها، ثم يبكي في صمت ويعاود النوم مرة ثانيه، ويتكرر هذا الحُلم كلما غفت عيناه.
افاق من شروده، وعاد لواقعه على صوت صديقه الغالي”ساهر” مستأذن أن يفتح له، وقف وتحرك نحو الباب، ثم جلس على فراشه مرة اخرى محتضن صورتها، ولج “ساهر” ناظرا له بتأثر، واقترب منه اشفق على حالته، فقد كان هيئته تحرق قلبه عليه، وتزيد من حزنه، فهو لا يتحمل ان يرى صديقة الوحيد هكذا، تعجب وسأل نفسه من منا يحتاج للمواساه، أنا أم انت؟ أنا المجروح الذي انزف لفراق عروسه التي حلم بها ان تزف إليه ويسعد بقربها، ايام قليله، لكن الموت اختطفها منه، لكنه قرر أن يقوى بصديقه ويساعده للنهوض من جديد، ضغط على مقبس إضاءة الغرفه، وضع يده على عينه، لم يستطع فتحها، دقايق ثم اخفضها، وتحدث “ساهر” قائلا بنبره حده لكنها بها وجع:
– كفاية اللي بتعمله في نفسگ ده، فوق يافريد، وشوف حياتگ.

رمقه بإنكسار وحزن، ووجع، وقهرة بأنهيار قال:

– حياتي وقفت بموتها، بقى ملهاش اي معنى، كل اللي عملته وجمعته كان ليها هي، عمري مافكرت في نفسي؛ زي ما فكرت فيها، كانت هي بنتي واختي، وكل اهلي، كان أملي اجوزها وأفرح بيها وازفها ليگ، لكن حكم عليا ربنا إني ازفها لقبرها، ياريتني كنت موت قبل ما أشوف اليوم ده، إزاي عايزني افوق وأنت أكتر واحد في الكون ده مفروض تكون حاسس بيا وبالنار اللي بتاكل في قلبي.

قرب منه وأمسكه من ذراعه، وهزه بقوة حتى يعي وينتبه لحديثه قائل:

– لازم تفوق، مش عشانگ؛ لأ عشاني أنا، طول فترة غيابك وأنا حاسس باليتم من غيرگ، حتى شغلنا اللي تعبنا فيه سنين وكبرناه، مش قادر اتابعه زي الاول، بس لازم الدنيا هتمشي سواء رضينا او مرضناش، خليني عكازگ اللي تستند عليه وهنعدي الازمه سوا، فوق يافريد أنا محتاجلگ جنبي، بتعذب وأنا لوحدي، كفاية عليا موتها، مش هتحمل حاجة تانيه تحصلك، عشان خاطري متسبنيش زبها.
كان ينظر له ووجه ملئ بالحزن والاسى، اشفق عليه “ساهر” وجلس بجواره واحتضنه ليفرغ كل منهما حزنه في احضان الاخر، طال الوقت بينهم ثم نهض “فريد” بتوصيل صديقة “ساهر” وكانت هذه هي المرة الأولى التي خرج من سجنة، لم يرى زوجته في هول الفيلا، صافحه واشتد “فريد” في قبضة يده، كأنه يرسل له بأنه يحتاج إليه حتى يبرد من نيرانه المتوهجة التي لا تهدأ ولا تبرد بمرور الوقت، نيران تحرق اليابس والأخضر، أغلق الباب وصعد إلى غرفه زوجته وحين وصل صدم مما سمعه؛ جعله يقف متسمرا كالشجرة العتيقه ذات العمر الطويل، وجذورها مشبثه في اعماق الارض يصعب اقتلاعها، وها هو هكذا قدمة التصقت بالارض، وعلامات الصدمه على وجهه

يتبع…..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *