رواية ولد الهلالي الفصل الرابع 4 بقلم نور بشير
رواية ولد الهلالي الفصل الرابع 4 بقلم نور بشير
رواية ولد الهلالي البارت الرابع
رواية ولد الهلالي الجزء الرابع
رواية ولد الهلالي الحلقة الرابعة
و بعد مرور ٣ شهور ….
كانت خلالهم دهب تعمل بكل حماس و طاقة ، فهى تريد أن تثبت حالها ، تريد أن تحقق ما ظننته فى الماضى مستحيلا ، تريد أن تنجح بعملها و دراستها و حياتها كأم و ربة منزل ، فكانت تعمل و تجتهد بكل طاقتها لتثبت للجميع بأنها لم و لن تنحنى أبداً ، و خلال هذه الفترة كانت تتابع مع طبيب التغذية الخاص بها و بالفعل خسرت وزنا كبيراً و أصبح جسدها يحاكى عارضات الأزياء ، و لاتزال تتابع أيضاً مع معالجتها النفسية بصحبة دينا و أصبحت الأمور تسير على ما يرام ، فها هى قد أكتسبت الكثير من الثقة بالنفس ، أصبحت قادرة على رفض أى شئ غير موافق لرغبتها ، أصبحت قادرة على قول كلمة ( لا ) التى دوماً كانت تخشى قولها ، أصبحت دهب أخرى جديدة مليئة بالحماس و القوة و العنفوان ، أصبحت ناعمة أكثر و أجمل كثيرا من ذى قبل ، أصبحت إمرأة قوية مستقلة ، من يراها يكاد يجزم بأنها فتاة أخرى غير تلك الفتاة الضعيفة الهاشة التى كانت تبكى و تعول منذ بضعة أشهر فقط …..
و كل هذه الفترة لم ترى فيها يونس قط ، و لم تلمح خياله حتى ، فهى تخرج منذ الصباح لعملها و تعود بالمساء تذاكر لها و لصغيرها و ليس لديها وقتا لفعل أى شيئاً أخر ، حتى ترتيب المنزل أحضرت فتاة تأتى يوم بعد يوم إلى المنزل لترتيبه و تنظيمه ، و دينا تقوم بمهمة الطهى أو يتناولون العشاء سويا بمنزل عبد القادر فى جوا ملئ بالمرح و البهجة الذى تفتعله دينا و كريم و دهب فهم عندما يجتمعوا ثلاثتهم ينقلب أى مجلس إلى حالة من المرح و التهريج بحسهم الفكاهى اللذيذ ، و هكذا تسير حياتها على هذا المنوال ، فهى فى خلال وقتا قصير أثبتت كفائتها بالعمل و أصبح لها وضعها فهى سريعة الفهم و الذكاء مما ساعدها على التفوق فى العمل رغم معرفتها القليلة به …..
على الجانب الآخر ، لم يرى يونس دهب فى خلال الأشهر القليلة الماضية ، و لكنه دوماً يستمع إلى صوت ضحكاتها الرنانة برفقة كريم و دينا مما يجعله يشتغل غيظا و غضبا فى آنا واحد ، يحاوا كثيرا رؤيتها أو معرفة أى شئ عنها ، و لكنه لا يستطيع رؤيتها ، ولا يستطيع أن يسأل عنها والدته أو والده ، فهما يتجنبان الحديث عن دهب أمامه ، و عندما يذكر الصغير أمام والده سيرة والدته تقوم زينب و عبد القادر بتغير الموضوع على الفور و كأنهم لا يريدون له أن يعرف عنها شيئاً
حياته مع نادين تسير على نمط ممل للغاية ، فهى تنام طوال اليوم و تستيقظ مساءاً عندما يعود هو إلى المنزل ، لا تفعل شيئاً بالمنزل ولا حتى تطهى الطعام فوالدتها تبعث لها الخادمة يومياً ترتب لها المنزل و تطهى لها الطعام أو تقوم هى بطلب الطعام إلى المنزل من أحد المطاعم الشهيرة ، و لا تتيح له الفرصة بأن يجلس معها أو يتحدث إليها ، فهى عندما تستيقظ يكون وقت عودته من العمل قد حان ، فيتناول العشاء و يخلد إلى النوم على الفور ، لا يشعر بأنه رجل متزوج و هناك إمرأة بحياته ، يشعر بأنه يشبه حياة العزاب كثيرا ، و لكنه لا يستطيع أن يتكلم أو يشكى لأحد ، فهذا بالأول و الأخر كان قراره هو و ليس أحدا من فرض عليه هذا ، الآن قد أمن بأن الحب ينطفئ بعد الزواج ، فهو لم يعد يشعر تجاهها بهذا الشغف الذى كان دوماً يشعر به قبل الزواج قبالها ، يشعر و كأنه غريب يعيش بحياته و ليس هو ، لكنه بالوقت نفسه يحاوا أن يتجاهل هذا الشعور مقنعا حاله بأن يحدث طبيعى بين أى زوجين بعد الزواج ، فهذا حقا ما حدث له عندما تزوج بدهب و إلا ما طلقها و تزوج بنادين ، يحاوا مرارًا و تكرارا أن يقنع حاله بهذا
يحاول إقناع حاله بأن حياته بدهب مختلفة تماماً عن حياته بنادين ، فنادين بالتأكيد ذات أصل و عائلة مرموقة لم تتربى يوماً على تحمل المسؤلية ، فهى قد ولدت و فى فمها معلقة من الذهب كما يقال ، فلا يصح له بأن يقارن نادين البنت ذات أصل الأرستقراطى التى عاشت طيلة عمرها بالقصور ، بتلك الدهب التى تربت و عاشت حياتها بالميتم ، فهذا ليس عادل ، و هذا ما يجعله يلتمس العذر لتلك النادين ، فهى رقيقة هاشة لا تتحمل ما تحملته دهب و لهذا يحاول أن يكون لطيف دوماً معها فهو يقدر هذا جيداً و لا يريد الضغط عليها ، و لكن الغريب بأنه يشعر طوال الوقت بالحنين و الإشتياق و لا يعلم لماذا هذا الشعور ؟ و إلى من ؟
فحبيبته من المفترض أنها بجانبه و قد حظى بها بعد معاناة ، فلماذا هذا الشعور الآن …..
حسنا فاليوم يوم ميلاد والدته و ذكرى زواجها هى و والده ، و يجب عليه الآن أن يهاتف زوجته ليؤكد عليها هذا الموعد ، فهى منذ زواجهم لم تتقابل مع عائلته سوى مرات قليلة تعد على أصابع اليد ، و اليوم مهم للغاية ، و يجب عليه أن يحاول أن يقرب زوجته من والدته على الأقل عسى أن تستطيع الأنخراط بحياتهم و التعامل معهم ، على أمل أن تتغير حياتهم للأفضل ، و تستطيع والدته فعل ما هو فشل به مع زوجته ، فرفع يديه المحملة بالهاتف إلى أذنه منتظرا رد زوجته عليه ، إلى أن أتاه صوتها الناعس مرددا على مضض: الو
فتحدث يونس بنبرة حانية: صباح الخير يا روحى
فنطقت نادين بحنق: صباح النور يا يونس ، ثم تابعت بضيق؛ فى حاجة ولا إيه أنت مش عارف أنى نايمة
فأتاها صوت يونس قائلاً بتردد: لا يا حبيبتى أنا عارف أنك نايمة بس حبيت أكد عليكى أن إنهارده عيد ميلاد ماما و عيد جوزها كمان هى و بابا ، و كريم كلمنى إمبارح و قالى أنه عامل ليها حفلة و لازم نحضر
فقالت نادين بضيق: طب ما تحضر يا يونس هو أنا همنعك يا حبيبى
فهتف يونس بضيق: يعنى إيه أحضر أنا ، هو مش أنتى مراتى و المفروض فى حاجات مشتركة بينا ، و أن دى مناسبة عائلية المفروض نحضرها أحنا الأتنين سوا ، أنا بجد بقيت حاسس أنى مش متجوز ، أنا حاسس أنى عايش لوحدى و فى عالم تانى مختلف عن العالم بتاعك ، أحنا بقالنا ٣ شهور متجوزين و أنا مش عارف أتلم عليكى ولا أقعد أتكلم معاكى على طول يا نايمة يا عند مامتك ، و أنا مش موجود فى حياتك
فزفرت نادين بضيق: خلاص يا يونس ، خلاص أنا هجهز و هتيجى تلاقينى جاهزة سلام ، ثم أغلقت الخط دون أن تستمع إلى رده ، مما أشعل النيران و الغضب بداخله ، فرمى بالهاتف بعيداً ثم هب واقفا ذاهبا بأتجاه الشرفة ليشتم بعض الهواء النقى ، لعله يهدء من حاله قليلاً و يقلل من غضبه هذا
و بعد مرور عدة ساعات ، عاد يونس إلى المنزل و بالفعل وجد نادين مرتديه ملابسها و مستعدة لحضور الحفل كما قالت له بالهاتف ، و ما أن دخل حتى هبت واقفة و ركضت بأتجاهه محتضنه إياه بشدة قائله بحب: حبيبى ، حمدالله على سلامتك ، ثم تابعت بأسف؛ أنا أسفة على اللى حصل الصبح ، بس أنا عوزاك تعذرنى يا يونس ، أنا حياتى كانت مختلفة تماماً عن الحياة اللى أنا عيشاها دلوقتى ، أنا كل اللى طلباه منك أنك تدينى شوية وقت و أنا هتعود صدقنى ، و مش هخليك تحس بالأحساس ده تانى ، ثم أكملت بأستعطاف لا يخلو من دلالها؛ بليز يا بيبى تسامحنى ، و أنا هوعدك أنى هتغير
فشدد يونس من أحتضانه لها و هتف بحنان: أنا مقدر ده كله ، و اللى بيحب حد بيستحمله بس أرجوكى يا نادين تحاولى لأنى عاوز مراتى حبيبتى جمبى تشاركنى كل حاجة فى حياتى الصغيرة قبل الكبيرة
فوضعت نادين قبلة رقيقة أعلى وجنته مليئة بالغنج و الدلال: و أنا من إنهارده هشارك حبيبى فى كل حاجة تخصه و مش هسيبك لوحدك ثانية بعد كده
فأبتسم لها يونس ثم مد لها يديه ، فبادلته هى الأخرى الأبتسامة و مدت يديها مشبكة أناملها بيديه ، و أنطلقوا سويا إلى الأسفل حيث شقة والدته و والده
و فى الأسفل ، تجلس زينب برفقه زوجها فى الصالون ، و كريم و دهب و دينا يرتبون الطاولة و يجهزون الحلوى ، و كانت دهب فى كامل زينتها ، حيث ترتدى فستان قصير من اللون الأسود يصل ما قبل ركبتيها بقليل ، يبين رشاقة جسدها الذى أصبح يحاكى جسد العارضات ، ترتدى حذاء ذو كعب أسود ، و تترك خصلاتها الشقراء الذى قامت بتقصيرها قليلاً منسدله بنعومة شديدة أعلى كتفيها ، مع القليل من مساحيق التجميل الذى أبرزت جمالها ، و تلك الأهداب الطويلة الكثيفة التى ترتديها منذ عدة أشهر ، الذى أضافت لعيونها سحرا خاص بها ، و يديها البيضاء الذى تزينها أظافرها الطويلة المنمقة المطلية بطلاء الأظافر الأسود الليلى الجميل ، تتحرك بليونة و خفة و تعمل بكل حب هى و دينا فهما يريدون إسعاد قلب زينب و عبد القادر و لا يهمهم شيئاً أخر بعد ذلك ، و لا حتى دهب تفكر بمقابلتها مع يونس بل تاركها إياها تأتى كما دبر لها الله ، فهى أعتزمت على إسعاد زينب و عبد القادر الذى أعتبرتهم دوماً فى مقام والديها و أنتهى الأمر ….
الجميع بالداخل يجهز الحلوى ، و كريم بالخارج يرتب الطاولة فدق جرس الباب و أنطلق كريم لفتحه ، و رحب كثيرا بأخيه و زوجته ، و دلفوا إلى الريسيبشن حيث غرفة الصالون و السفرة معا ، و بمجرد ما رأى يونس والدته حتى جثى أمامها مقبلا يديها بحب مرددا بنبرة حانية محبه: كل سنة و أنتى طيبة يا ست الكل
فربتت زينب على يديه الممسكة بيديها و أردفت بحب: و أنت طيب يا نور عينى ، ثم أكملت بحزن؛ بقا كده يا يونس بقالك أسبوع مسألتش عليا ولا أنا ولا أبوك
فشعر يونس بالخجل كثيرا و تابع بلطف: غصب عنى يا أمى والله ، عندى ضغط شغل جامد و فى قضية مهمة ماسكها دلوقتى واخده كل وقتى
فتمتمت زينب بحب: ربنا ييسرلك أمورك يا يونس و يعلى مراتبك كمان و كمان
فنظرت لها نادين بضيق على ما تتفوه به تلك المرأة ثم تصنعت الحب و أقتربت منها مصافحه إياها ببرود و تابعت بغرور: كل سنة و حضرتك طيبة يا أنطى
فمسمست زينب شفاها و نطقت بأبتسامة بارده لا تصل إلى عيناه: و أنتى طيبة يا حبيبتى
فأقترب يونس من والده وحياه بحب و فعلت نادين معه مثلما فعلت مع زينب و جلست بتعالى و برود و جلس يونس بجانبها يحاوا أن يلطف الجو ، يتساءل فى سره عن دهب و لماذا لم تحضر …
أيعقل أنها لم تحضر لأنها علمت بوجوده هو و نادين ؟
أم أنها ستنزل لوالدته لاحقا ؟
و لكنه تمنى من الله و بشدة أن يراها لا يعلم لماذا و لكنه يريد رؤيتها …..
فاق من شروده على صوت يسمعه جيداً و كأن الله قد تقبل دعوته الذى تمناها منذ قليل ، سمع صوتها و هى تقول بصوتا عالى لصغيرها: هات يا مالك الولاعة من عند جدو ، عشان نولع الشمع ، فأقترب الصغير من جده و أخذ منه ما طلبت والدته و لكن عندما لم تتلقى دهب رداً من ولدها ، ذهبت هى بنفسها لجلبها ، و ما أن دلفت إلى الصالون ، حتى أقترب منها الصغير متفوها بحب: أتفضلى يا مامى ، الولاعة أهى
فأبتسمت دهب بحب و ذهبت بأتجاه السفرة لأشعال الشموع ، كل هذا تحت نظرات يونس المنصدمة ، بل المذهولة مما رأى
فهو لم يعرفها عندما وقعت عيناه عليها أول مرة ، و كأنها ذهبت و جاءت إمرأة أخرى غير زوجته الذى طلقها منذ شهور قليلة ، فبمجرد ما وقعت عيناه عليها و أستشف من حديث الصغير معها بأنه والدته حتى نطق ببلاهه و بدون وعى بأسمها ، فهى تبدو بكامل زينتها و جمالها ، فهى الأن إمرأة طاغية الأنوثة ، كل شئ بها قد تغير ، بدءا من لون خصلاتها الأشقر الجميل و أختلاف طوله ، و جسدها النحيف هذا فعلى ما يبدو أنها خسرت وزنا كبيراً خلال الفترة الماضية ، وصولاً إلى ملابسها الجميلة المهندمة التى تزيدها قوة و وقارا و أنوثة طاغية ، شعر بهذه اللحظة بأنقطاع أنفاسه لبرهة من الزمن ، و لكن عاد يتنفس من جديد مسرعا فى عدم تصديق لما رأه بأعيونه الآن …..
محدثا حاله فى صدمة: مش معقول ، بقا هى دى دهب اللى كانت طول الوقت بالأسدال ، لاااااا لاااا ، أحلوت أوى كده أزاى ، ثم هز رأسه بعنف عندما تذكر وجود نادين بجانبه ، فهى الأخرى تقف منصدمة و بشدة ، لم تتوقع يوماً بأن طليقه زوجها إمرأة شديدة الجمال هكذا ، لم تتوقع من الأساس أنها سترى أمامها إمرأة شديدة الرقى هكذا ، فيونس دائماً ما كان يتحدث عن أهمالها بحالها ، و أنها تظل معظم الوقت مرتدية جلباب الصلاه ، كان يتحدث دوماً عن أهمالها الشديد بكل شئ إلا صغيرها ، فعلى ما يبدو أن يونس يكذب عليها ، أو أفتعل هذا للإيقاع بها ، فجاء إلى تفكيرها أنها أفتعلت هذا خصيصاً للإيقاع بطليقها من جديد ، فأبتسمت بغرور ، ثم رفعت يديها مرجعه خصلاتها إلى الخلف ثم هتفت بغنج إلى يونس فى محاولة منها لإشعال نيران دهب و إغضابها: حبيبى مش هتورى أنطى الهدية اللى أحنا جبناها ليها
فحاد يونس ببصره عن دهب بصعوبة ، نطق دون وعى: هااااا بتقولى إيه ثم أستغرق ثوانى ليجمع ما قالته و أردف بتوهان؛ آااااه آه ، و مد يديه بداخل سترته مخرجا منها علبة قطيفة ذات اللون الكحلى ، و جثى على ركبتيه أمام والدته و سحب يديها و فتح هذه العلبة ، و أخرج منها هذا الخاتم المصنوع من الألماس ، واضعا إياه بداخل أصبع والدته ثم قبل يديها بحب مرددا بنبرة حانية: كل سنة و أنتى طيبة يا أمى
فنظرت زينب إلى هذا الخاتم الذى يحتل أصبعها و رددت بأسف: ليه كده يا حبيبى ، ده شكله غالى أوى ، أنا كفاية عليا أنك جمبى أنت و أخوك ، مكانش له لازمه تكلف نفسك كده
فأبتسم لها يونس و تابع بحب وهو لايزال شارد الذهن بمن خطفت لبه: مفيش حاجة تكتر عليكى يا ست الكل ، و على فكرة ده ذوق نادين
فنظرت لها زينب و أبتمست ببرود و نطقت بسماجه: شكراً يا حبيبتى ، مردودالك فى الأفراح أن شاء الله
فأبتسمت لها نادين أبتسامة تبدو مليئة بالحب و لكنها قاصدة بها الأستهزاء و السخرية من حديث تلك السيدة الغالب عليه الطابع الشعبى
و هنا هتف كريم بحماس: يلاااا يا جماعة ، أحنا جهزنا كل حاجة خلاص
يتبع….
- لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا
- لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية ولد الهلالي)