روايات

رواية أترصد عشقك الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم ميار عبدالله

رواية أترصد عشقك الفصل التاسع والأربعون 49 بقلم ميار عبدالله
رواية أترصد عشقك البارت التاسع والأربعون
رواية أترصد عشقك الجزء التاسع والأربعون
أترصد عشقك
أترصد عشقك

رواية أترصد عشقك الحلقة التاسعة والأربعون

“واعلم أنك اقتربت مني وقد كنت بالكاد اجمع اشتاتي!!
فغادرتني.. وقد تركتني اشتاتًا فوق اشتاتي”
صراعاتنا عبثية
ومشاجراتنا عبثية
فلما نضيع الوقت فى المشاجرات بدلا من الاعتراف
أنك لن تستطيعين الحياة بدوني
وأنا سأموت بعيدًا عنك!!
البعد لم يكن قرارا منك، بل هو القدر
القدر جعلنا نتفرق، رغم سعيك لهذا الأمر وإن لم تتدخلي فيه
يراقبها وهي تغادر من الغرفة، وروحه تغادر من جسده، عينيه تطبع تفاصيل جسدها لتكون دهاليز عقله، وأغمض جفنيه بعدها بقهر، وياليته
وليت موضع تمني لا يفيد التغيير للواقع بمقدار ذرة، ابتسامة مهزوزة زينت ثغره و استعداده كرجل يساق الى المقصلة يودع الدنيا ويرحب للحياة الأخرى بذراعين مفتوحتين.
والحال لم يكن عاديًا لشادية التي تلعن غباؤها وما تفوهت به، هل جاءت لتطبطب جراحه أم تزيده الالاما وايلاما، على ماذا تلومه؟
انه تفنن في جعلها ضعيفة امامه، قلبها ما زال يتأثر ويضعف لما أصابه، بل لفراقهم ..
هي أرادته بكل جوارحها، وثقت به ثقة عمياء ليقتلها، ثم ببساطة ليكفر عن خطيئته قدم على الانتحار!!! قدم روحه كقربان لها لفك اللعنة!! لكن اللعنة طالتها هي الأخرى!!
همسة متفاجئة خرجت من حلقها وهي تحدق نحو الرجل الذي يقف أمامها ما ان فتحت باب الغرفة، ونظرة الأب لم تكن متعاطفة، أم مطمئنة بل كانت معاتبة
لقد كسرت ثقته مرة اخرى!!! لا تعلم كيف تدفقت الدموع الي مقلتيها
-بابا
وضع الأب يديه في جيب بنطاله، وهو لا يصدق أي غباء يجعل الصغيرة تندفع مرة اخري الي من قررت أن تمحوه من حياتها، أليس هذا الشخص الذي قالت إنها لا ترغب فى رؤية مرة أخرى، وقررت فسخ خطبته، وألا يفتح صفحات الماضي، فأسرت سبب فسخ الخطبة فى نفسها، ماذا تفعل الان هنا!!
أي جرأة تملكها لتعرض حياتها للخطر هنا!!!، رفع عيناه وهو يتفرس نحو عينيها المنطفئتين والي جسدها الهزيل .. يبدو أن آثار الحب لا يمحى بسهولة!!
ابتسامة ساخرة زينت شفتيه، ابنته تحبه… ما زالت الحمقاء تحبه رغم ادعائها بالعكس، غمغم بنبرة متهكمة
-مالك مستغربة من وجودي، ولا عشان تقابلي حبيب القلب ورا ابوكي!!
فغرت شفتيها وهي تري شرارة عينيه الملتمعة بخطر، هزت رأسها عدة مرات نافية، تنفي أي خواطر تداعب عقله، لتهمس بنبرة مرتجفة
-بابا انت عارف ان انا مش كدا
جز معتصم على اسنانه بقوة، الي متي ستظل تنكر حقيقة الأمر، وهو واضح كالشمس المتوسطة فى كبد السماء!! .. صاح بحدة وقد أكتفي من لعب الأطفال الذي يمارسونه عليه
-بتروحيله ليه يا شادية
القت نظرة سريعة خلفها وهي متأكدة من سماع الراقد على الفراش لصوتهما، اغلقت الباب خلفهما، واقتربت من أبيها بغية لمس كتفه، لكنه اشاح بذراعه بعيدا عنها مما جلب الغصة فى حلقها لتحاول ان تجلي حلقها بغية أن تتعامل الأمر بعملية شديدة، وأن تنحي عواطفها جانبا لتهمس بألم
-كل اللي حصله بسببي
اتسعت عينا الأب جحوظا، وهو لا يصدق ..أي منطق !! أي منطق تلك الغبية تفكر به؟!!
لا ينكر انه ربما تورط الرجل بعائلة المرحوم معاذ!!، لكن لما تضع كامل المسؤولية على عاتقها، أهي أجبرته على أن يحبسه ويمارس بعض جنون الغيرة والغضب!!
أهي دفعته لكي تجعله ينتقم من رجل؟!!
كل ما قام به الايطالي الأحمق، نتيجة أفعاله!! ألا ترى تلك الغبية؟!!!
اقترب منها وهو يمسكها من كلتا عضديها ليسألها بصراحة
-ووجودك جنبه يا شادية عشان ايه؟! شفقة ولا حب؟
بهتت وعيناها متسعتان بجحوظ، فى غمرة اندفاعها واطمئنانها لم يكن هناك نسبة واحدة من الشفقة تدفعها لزيارته، ليجعلها تخبئ عن والدها زيارتها التي يبدو أنها قد انكشفت،
أهو الحب؟
هل ما زال يوجد حب تكنه لذلك القاتل؟!!
حاولت ان تسمع صدى لصوت عقلها، لكن يبدو أن العقل لم يسعفها لايجاد اجابة مناسبة… ضغطة يدي والدها على عضديها جعلها تنتبه الى صوت والدها الخفيض وهو يقول بحزم
-الراجل لما يفقد رجولته عشان واحدة، والواحدة دي تيجيله المستشفى عشان شفقة صدقيني مش هيقبلها
شحب وجهها تدريجيا حتي اصبح وجهها يحاكي الموتي!!! حاولت ان تخرج لسانها لتخبره انها ابدا ماتحبه ولم تأتي بدافع الشفقة
لا هذا ولا ذاك
لكن لسانها لا يسعفها، ونبضات قلبها تدق كما لو انها فى حلبة مصارعة، فغرت شفتيها مخرجة لهاث حار.. وهي تسأل حالها الآن… لماذا جاءت؟
لقد تشاركا قديما اشياء خاصة؟ ألا يكون هذا شفيع لها؟
همست اسم والدها ترجوه أن يكف أن تكون في تلك المتاهة بمفردها
ترجو مساعدته، ان ينتشلها من ذلك الضياع!!
– بابا
زمجر الأب وهو لا يصدق انها حتى الان تطلب مساعدته؟!!!
الان تطلبها، ومنذ أشهر طلب منها أن تفصح عن مكنونات قلبها، وهو خير مستمع، لكنها رفضت بعنف وصلابة رأس لا يعلم من أين أتت بها، ترك عضدها وهتف بحرقة
-بطلي تقولي بابا، خلاص انا معرفتش اربي.. لطالما بتعاملوني بالطريقة دي وكل واحدة ماشية حياتها بتخبط فيها بالطول والعرض مش هاممها حد
تدفقت الدموع لا اراديا وهي تراه يولي ظهره لها، اندفعت تحضنه بقهر ورأسها مستند على كتفه، تعانق صدره بقوة، وضياع وتشتت أصبح خير ونيس لها
دموع الاب تحجرت فى مقلتيه، لا هو بقادر على أن يعانقها، ولا هو بقادر أن يقسو عليها
هي صغيرته، المرأة التي تشبه تفاصيل زوجته الحبيبة، تنهد بحرقة وهو يسمعها تهمس بألم
-انا اسفه
يداه ارتفعت تلقائيا ليربت على يدها وهو يسألها بنبرة مقهورة
-اسفه على ايه يا شادية، قوليلي اسفه علي ايه
رفعت رأسها وهي تحدق فى عينيه بألم وعينيها لا تتجرأ لاطالة النظر فى عينيه لتهمس بأسف
-اسفه علي كل مرة خذلتك فيها، وخذلت نفسي بنفسي
امسك بكلتا كفيها واقترب منها يمسك ذراعيها، عيناه تحدق فى عينيها، يسألها لثاني مرة عن سبب مجيئها له
-جيتي هنا ليه؟
لم تجد بدا سوى المصارحة، وان كانت المصارحة ليس ما ترغبه الأذان بسماعه
لكن من أجل أن يتوقف قلبها عن اللوم، همست بنبرة جاهدت أن تخرج عملية.. جافة
– مش قادرة اتخطاه
الدموع عادت تغمرها مرة أخرى، والضعف يكاد يسحقها، لا ترغب هذا الضعف، لما لا تستطيع أن تكون قوية… تستطيع كسره بقسوة، تتخطاه كما قالت
يدا ابيها تضغطان عليها بحزم وقوة، ينتشلها من درك عقلها اللاواعي، لتنتبه اليه وهو يسألها بنبرة جامدة
-وعملك ايه عشان تتعلقي بيه بالشكل ده
هل حقا ابوها يسألها؟ بعد ما عاشته؟ بعد ما حدث لهما؟ بعد ما فعله من أجلها، غمغمت بحرقة
-ضحي بحياته عشاني مرتين، دي مش كبيرة يا بابا!! انا محتارة مش عارفة افكر
عقد حاجبيه وشئ خبيث لا يود أن يطرق أبواب عقله، ليسألها ببعض التهكم
– للدرجة دي عملته لا تغتفر
عضت على شفتها السفلى، وودت أن تهز رأسها بالنفي، لكن ما قام به هو سبب ترددها، وعجزها عن الفعل الصائب، هل يستحق الحرق حقا؟
ام يحتاج لفرصة .. فرصة اخيرة؟!!!
صوتان يصدران في آن واحد.. صوت العقل والقلب، ويا عذاب حربهما اللذان لا ينتهيان ابدا!!
غامت عينيها وهي تتذكر همساتها المتوسلة له، رجاءها له بالتوقف، وهو يواصل تجريدها ذاتيا وهو ..مدفوع بغيرة زوج اكتشف خيانة زوجته كما زعم!!!
همست بنبرة شاحبة وعينيها الزائغتين ضربت أوتار قلب الأب
-دبحني بسكينة يا بابا
ترك كفيها بحزم واستدار ليواجه ذلك الرجل الذي ذبح ابنته، ليكون فى كامل الصورة
يجب ان يفهم ماذا حدث بينهما، هو متأكد الأمر يخص حقيقة زواج شادية السابق وخداع معاذ لهما، وفعلته الدنيئة
الأمر الحساس الذي لا تتحدث عنه شادية كثيرا، و تحتفظ به لنفسها… لكن ماذا فعل الآخر
هل جرحها بحديثه؟!!
لكن أليس أجنبي هو رغم خصاله الشرقية.. يعتز بالحديث بلغة والده ومسقط رأس والده!!
يوجد حلقة مفقودة.. يجب أن يعلمها من الايطالي هذا… وجد شادية تقف كحاجز له لتسأله بلهفة
-رايح فين؟
ابتسم بجفاء وهو يقول ببساطة ويشيح بجسدها عن الباب
-داخله
عضت على طرف شفتها السفلى ولا تعلم كيف خرج صوتها لتهمس له
-ارجوك متأذيهوش بكلامك
وتخاف عليه منه؟ وتخبره انها لا تحبه!! تكرهه!! كم هي كاذبة فاشلة، التفت اليها بنظرة ذات مغزى
نظرة أب يعلم مدى ادعاء كذبها، وطرقه الخاصة لمعرفة ما تخفيه فى جوفها ليقول
-اوعك تفتكري ابوكي مش هيعرف اللي مخبينه عن الكل
اجلت شادية حلقها ونكست رأسها أرضا، والدموع تتجمع في مقلتيها، أن علم أبيها
ستكون تلك الضربة القاضية له… رفعت رأسها بكبرياء منكسر لتزيل دموعها وهي تجلس علي اقرب مقعد حتى ينتهي والدها من التحقيق مع ذلك القاتل المقتول!!!
نقرة واحدة علي باب الغرفة جعل سرمد يفرق جفنيه السوداويين لينظر تجاه الطارق الذي تأخر في زيارته… ابتسم بألم وهو يرى الأب يتقدم تجاهه ليبادر هو بهمس خافت ساخر
– هل جئت لتؤنبني مثل ابنتك؟
رفع الأب حاجبيه ليميل برأسه وهو يضع يديه فى جيب بنطاله ليهدر بصوت مرتفع
-اعدل لسانك المعوج ده وكلمني
لم يملك سرمد سوى الابتسام، وهو يري الرجل .. برغم سنوات عمره التي تخطت الستين إلا أنه ما زال يحتفظ بهالة من القوة والجبروت كان قد استخف بهما سابقا، وقد ظنه مجرد عجوز… يا لسخرية الدنيا!!
تابع حديثه باللغة التي يفهمها أبناء مصر، أبناء الطبقة المخملية ليغمغم
-اعذرني اذا يا سيد معتصم، لست معتادا على التحدث بلغة أمي كثيرا
اقترب معتصم وهو ينظر بغضب يكاد يعمي عينيه، لا يتعامل مع الرجل الذي امامه كرجل مريض.. بل رجل معافي، هو أدري جيدا ان نظرات الشفقة ما يتقبلها رجل مثله
رجل يذكره بعنفوان شبابه السابق وجموحه الذي يتفوق عليه كليا، لكن لمعة الحياة عنده منطفئة رغم سخريته، رجل لا يكترث لشئ، وقد خسر مصدر قوته … سأله بحدة وسخرية وهو يذكره حينما طلب يدها بلغة أمه
– ولما جيت طلبتها مني يومها، مكنتش متعود تتكلم بلغة امك
تحشرج صوته وهو يعتذر منه، يعتذر على عدم كونه رجلا أمام والد امرأة لم تكن له منذ البداية، يعتذر على خيانته لثقة أهل
-اسف
صمت معتصم وهو يتفرس ملامح وجهه الصادقة، واعتذاره الذي ظن أنه لن ينطق بها، سأله بتحفز
-علي؟
تنهد سرمد للحظات، وهو لا يصدق مقدار النيران التي تتآكله، اجابه فى حشرجة صوت خشنة
-علي كل شئ، حقا لم أكن أريد اغضابك، كل ما أردته فقط أن نتعجل في الزواج
فغر معتصم شفتيه وهو ينظر الي اسلوب المراوغة الذي يتحدث به، غمغم بحدة
-تستعجل!!!، انت نسيت وقت ما طلبتني عشان تكون صاحبها بدون أي صفة رسمية، وكنت بجح لدرجة تعرض الموضوع ده قدامي
اسبل سرمد حاجبيه وهو لا يصدق ان الاب ما زال حتى الآن يضمر شرا رغم مصابه، لقد اتت تلك الجاحدة بقسوة قلب مثل أبيها، رفع عيناه وهو يهتف بصدق
-اسف مرة اخري، لم أشأ اغضابك، ابنتك سببت حالة من الربكة لي
رأي تجهم ملامح وجه الأب، ليتدارك كلماته سريعا وهو يتابع بتشتت
-لا اريد اثارة حفيظتك، لكن ابنتك تمتلك كل المقومات لاثارة ربكة مشاعر لرجل مثلي، رجل لم يتوقع ان يدق باب نعشه وحبه فى آن واحد
جذب معتصم المقعد ليجلس عليه وهو يضع كلتا يديه على فخذيه ليقول بحنق
– مصمم تتكلم بطريقتك
ابتسم سرمد وهو ينظر إلى الأب، ويرى لمحة تعاطف لا يود رؤيتها فى عين هذا الرجل تحديدا، اشاح بوجهه عنه وهو يهمس بابتسامة شاحبة
-لقد اعتادت ابنتك على هذا الحوار معي، أجده ممتعا .. رغم البعض يرونه تشتتا لكن استطعنا ان نخلق حوارا بلغتها الأم ولغة أرض مشتركة فى العالم
حدق معتصم به بعدم تصديق، يتحدث عن ابنته كما لو انها ما زالت تخصه بطريقة ما، ذلك الفسخ .. والكراهية التي كانت تلقيها فى وجهه كانت مجرد زوبعة فى فنجان، غمغم معتصم بحدة
– انت من اي طينة مصنوعة ؟
شعر انه تفوه باشياء ما صح أن يتفوه بها معه، صمت ولا يعلم أي طريقة يفعلها لإرضاء الرجل .. ومسامحته ليهمس ببساطة
– اتمنى انك جئت حامدا لسلامتي اليوم
ابتسم معتصم وهو يحدق إلى ما آل إليه احواله، لم يتعمد النظر اليه كي لا يثير حفيظته ليهمس ببرود
-حقك هجبهولك، دي الحاجة اللي هقدر اقدمهالك دلوقتي
رد عليه بهدوء وبرود شديد وكأن الأمر لا يعنيه
– لا ارغب، شكرا لمساعدتك
رفع معتصم حاجبه وهو ينظر إليه ليخبره بسخرية
-ايه عيلتك ناوية تطربقها عليه، فاكر راضي الجندي هيسيبك تعيش
رفع سرمد عينيه تجاه الأب، يخبره الي أي حياة هو يعيشها، ليشيح بعينيه عنه وهو يهمس ببساطة
-صدقني لقد تشفي مني جيدا، انظر الى حالتي وانت تعلم انه ارادني ان اعيش ميتا، وهذا ما رغبه
زفر معتصم بحدة، ليهمس بحدة وهو لا يصدق انه ينطق بتلك الكلمات أمامه
-انا مش جاي اعرض عليك مساعدة، اللي عملته دين علي رقبتي ولازم ..
قاطعه سرمد وهو يشعر انه سيفقد أعصابه التي يحافظ عليها بالكاد، ليهمس
– سيد معتصم، لا أرغب بشيء، ثم هذا نتيجة خطئي بابنتك
وها نحن وصلنا لمربط الفرس، اقترب معتصم منه وهو يحدق نحو عينيه التي تستقبل التهمة والادانة بصدر مفتوح ليسأله بغضب
-عملت فيها ايه؟
رفع سرمد عيناه نحوه وهو يسأله باستفزاز ما زال يملكه رغم كل شئ
-ماذا ستفعل لترغمني على الحديث؟ لا املك شئ تستطيع ان تلوي به ذراعي، حتى هي .. ” غلف صوته بالحرقة والغضب المكبوت” أصبحت محرمة علي
تنفس بهدر للحظات وهو لا يصدق ما يقوله إمام والد امرأته المحرمة
لكن أليس بميت؟!!
رفع عيناه وهو ينظر الى جحوظ عيني معتصم ليتابع ببرود
– ما اريدك ان تعلمه ان لا تشفق علي ابدا، انا استحق ما حدث لي.. ثم هذه كانت دعوة ابنتك، دعوة مظلوم وقد استجاب لها الرب وانظر الى الان
اقترب الأب منه وهو يصرخ فى وجهه
-عملت فيها ايه
ابتسم بألم للذكرى، ابتسم لحماقة أفعاله، وجنون جموحه، وفقدان سيطرته
ابتسم بألم الذكري، وفداحة ارتكاب جريمته ليجيبه بصدر مفتوح
كمحارب يستقبل السهام المندفعة من جهة العدو!!
-قتلتها بدم بارد، لم اكن بوعيي أقسم لك.. لم اشأ ان تتطور الاحداث الي تلك الدرجة، ولكن ما ان استفقت من ثورة غضبي حتى اكتشفت أي جناية ارتكبتها، رغبت بأن أصلح الأمر واعرض الزواج عليها فى الملأ، شئ فعال اكثر يجعلها تعلم انني لم انظر اليها بتلك الطريقة الوضيعة التي ظنتني بها، اردتها ان تعلم جميع مساوئي.. اردتها ان تتقبل كل بادرة سيئة مني قبل الجيد
اندفعت مراجل الغضب فى نفس معتصم وود لو يصفعه، وود لو كان أمامه بنفس جبروته لقتله فى نفس موضعه
الأمر كان أكبر من مشاجرة، ولو ترك مخيلته لعنان كلماته… لرما وصل الأمر بينهما… انتبه إلى نبرات صوته المتحشرجة واليائسة
– لكن لحظة سقوطها مغشي عنها، علمت اني قطعت حبل الوصل الصغير الذي بيننا، لكنني عاندت وقلت ربما بندمي ستسامحني، لكن ابنتك قاسية .. قاسية لدرجة انني اخشى ان لا تسامحني قبل أن تصعد روحي الي بارئها
قهره والغضب المستفحل بنبرات صوته، جعله يعلم مقدار عجزه.. انتبه على صوته المتوسل الذي يصدر لأول مرة منه
– هل تسامحني يا سيد معتصم على ما بدر مني؟ بالنهاية ارغب ان يكون احد منكم سامحني قبل مغادرتي من هنا؟
لا يريد أن يظهر شفقته للرجل، يحاول ان لا يظهر أي شفقة فى صوته او نظرته، هو أدري بمشاعر رجل .. امتنع عن الاجابة الصريحة ليهتف نحوه قائلا
– هتمشي بالمنظر ده
القي سرمد نظره نحو ضمادات جسده، ويعلم أن الرجل ما نطق بالجملة ليظهر سخريته لحاله، بل امتناع عن مسامحة لن يحصل على والدها ليجيبه قائلا
-لا.. سأنتظر لما بعد شهر رمضان، اكون تخلصت من الجبيرة من يدي وساقي.. الجلوس على كرسي متحرك أهون بكثير من أن يحملوني على محفة
زفر معتصم بحدة وهو لا يصدق اي ساحر هذا الرجل، بكلماته ليجعلك رغما عنك تتأثر به.. يتحدث عن مصابه باريحية شديدة، ويخفي داخله طاقة عنيفة للانفجار بعيدا عن الجميع… اقر معتصم باعتراف
– برغم كرهي لتصرفاتك الا انك مقيدني للأسف، مش عارف اكرهك لذاتك.. انت مش وحش يا سرمد.. اندفاعك وتهورك وجموحك وعدم صبرك دي كانت أسباب مقلقاني جدا وانا شايفك بتقرب من بنتي وعندك نية واحدة بس عشانها ودي ….
غمغم سرمد وهو يقاطع حديثه، ليقر باعتراف
– لن أنكر أن هذا كان في مرحلة سابقة
ود معتصم لو يجد أي شئ صلب ليهشم رأس ذلك الوقح، العديم التربية، فاسد الأخلاق.. بالغ الصراحة الي حد يدفعه لقتله، زمجر معتصم وهو يضم قبضتي يديه يحاول ان يفتك به
-وبتعترف يا بجح
ابتسم سرمد بسخرية، وهو يتمتم
– أنا خاسر فى جميع الأحوال، ألا تعلم أن شخص صريح للغاية ؟.. حتى هي تعلم
تلونت المرارة فى فمه وهو يحاول دفعا ان يتدارك باقي حياته بدونها، كأنها ضيف قصير المدة اضاف بعض المرح والالم لحياته، رفع عيناه تجاه معتصم قائلا
– هل تسامحني اذا على كل ما اقترفته بحقك وبحق ابنتك؟
ضيق معتصم عيناه، وهو ينظر تجاه سرمد بقلة حيلة ليغمغم
-انا مش عارف انت عملت فيها ايه
الإجابة ببساطة شديدة
– اجعل دينك فى سبيل مسامحتك لى
لا يرغب أن ينجر معه فى مسامحة والرجل الذي أمامه يلتوي معه فى اجاباته، تنهد وهو يقول بحدة
– مسامح تصرفك معايا وقت ما جيت تعرض صداقتك لبنتي، لكن اللي عملته مع بنتي واللي هعرفه هحاسبك عليها وقت ما تعرف تواجهني و عينك فى عنيا
لم يملك معتصم أن يظل لفترة وإلا سيقتله، يوجد لديه حافز لقتل ذلك الوقح رغم مصابه إلا أنه ما زال متبجح، تنهد خارجًا وحين يملك ذلك الوقح قوة وصراحة كما يدعي سينتظره لمقابلة أخرى!!
لكن سيضمن أنه سيضع كل النقاط على الحروف.
*******
هل ظننتي يومًا أنكِ حرة ؟
تدورين فى فلكه، هائمه فى مضمار هواجسه
ضعيفة الشأن أمام سطوته
هل ظننتي يومًا أنك استطعتِ الفرار منه
فوالله وتالله لم تبرحي من مكانك قط!!
نكست فرح رأسها بين ساقيها وهي تلعن تلك القيود، يثير سخطها أنها ما زالت لعبة الملك المفضلة
التحرر الذي حصلت عليه، لا يساوي شيئا مما يحدث الآن، رفعت رأسها وهي تحدق إلى الحديقة الهادئة فى هذا الوقت بعد الظهيرة لتبتسم بارتجاف وهي تتخيل نطفة منها تركض فى أرجاء الحديقة.. انهمرت دموعها لا تلقائيا وهي ترفع عيناها نحو السماء
تسأل ما الذي اقترفته فى حياتها لتحمل كل هذا الألم؟
ما الذي فعلته جعلها تبقى وحيدة، حيث لا عائلة، لا زوج ولا حتى طفل؟!
والأصدقاء غير دائمين في حياتها، كل من تعلمهم ستأخذهم الحياة لاهين عنها!!
عادت تنكس رأسها وهي تبكي بمرارة على روحها المقهورة، علاجات النفسية لا تعالجها بالمرة، ستحاول جاهدة أن تبحث عن طبيب نفسي آخر.. شخص أكثر مرونة وأكثر تسامحًا معها
طنين هاتفها جعلها تفيق من ثراء حالها، لتمسك هاتفها وهي تفتح لتتفاجئ من كمية الاشعارات على تطبيقها الاجتماعي وتنصدم من كمية الاعجابات والتعليقات التي انهالت على الفيديو الذي نشرته أول أمس
مرت بعينيها عبر التعليقات وقد هدأ نشيج بكائها وتبتسم بمرارة وهي تتابع تعليقات النساء، تقرأ معاناتهم عن الشريك الخاطئ وإلى كارثة انتهت بهم.. ابتسمت بمرارة وهي تعيد هاتفها داخل حقيبتها لتضم ركبتيها صامتة تأرجح بجسدها محاولة جلب السكينة قبل أن تعود إلى منزلها الموحش!!
أصدرت السيارة صرير عالي ليترجل نضال علي الفور من سيارته وشياطين الغضب تعمي بصيرته، عينيه ارتفعت نحو بوابة الحديقة لينظر تجاه رجل كلفه بمراقبتها ليسأله بحدة
-بقالها قد ايه جوا
نظر الرجل تجاه ساعة معصمه ثم رفع رأسه ليجيبه بعملية
-ساعتين يا باشا
رفع عينيه تجاه الرجل الآخر الذي يبعد عنهما مسافة عشرة أمتار ليقول بغلظة تجاه الرجل الأول
-ارجع انت بالرجالة وسيب العربية هنا
-أوامرك
هز الرجل رأسه موافقًا وهو يبعث بالأوامر التي تلقاها من رئيسه إلى كافة الرجال عبر اللاسلكي
انتظر نضال بصبر قاتل حتى تحرك جميع الرجال حتى المختبئين داخل بهدف حمايتها حتى من نفسها، يعقد يديه في جيب بنطاله وهو يتقدم بشموخ داخل الحديقة، عينيه كعيني صياد متربص تجاه فريسته الساكنة بالقرب من إحدى الأشجار ليبتسم بسخرية
من كان يصدق أن أسفل القناع البرى يختبئ وحش ماكر
من كان يصدق أن المرأة التي آواها فى منزله ترد له إحسانه بذلك الشكل الطاعن، مسيئة صورته، لم تكتفي بفضحه فى المحاكم لتفضحه على السوشيال ميديا.
عيناه تضيقان تجاه قصة شعرها القصير، ليعض على نواجذه بغضب وهو كره ذلك التمرد الأول منها، اقترب مسافة مترين والفريسة لم تشعر بالصياد
هل هي نائمة؟
راود سؤال خبيث فى عقله وهو يحدق تجاه الرجل الحديقة كاملة، هل الحمقاء فعلا نائمة؟ هل تنام على قارعة الطريق ليتغزل بها الرائح والغادي؟
واللعنة ماذا إن كان هناك أعمق من مجرد غزل، لمسات سطحية.. أو لمسات فجة؟!
سيل بركان ثائر يسير فى أوردته ليتقدم منها وهو يخفض بجذعه ليميل برأسه هامسًا بصوت أجش
-واحشك مش كدا
رفعت فرح رأسها مجفلة وقد داعبها النعاس، تسارعت نبضات قلبها قبل أن تبدأ تشعر بأختناق انفاسها من سماعها لصوته، ضيق شديد يعتري صدرها وهي تتعوذ فى سرها وقد ظنته كابوس مفزع.. لكن هل الكابوس رائحة؟
أو حتى حضور؟
رفعت رأسها مجفلة لتتطلع الى جانب وجهه المبتسم بمكر، لتصرخ بفزع وهي تنتفض قائمة مما جعل نضال يهمس ببرود
-كأنك شوفتي عفريت
وضعت يديها علي صدرها تهدأ من نبضات قلبها الملتاعة، وتخفف من الضيق الذي يعتري صدرها كلما تطلعت نحوه
تحاول جاهدة البحث عن أي سبب جعلها تثمل فى عشق جبار مثله ؟! أي بادرة ولو حسنة قام بها من أجلها لكن النفور هو الرد الوحيد على جميع تساؤلاته
نفضت روح الهوان والضعف لتقول بنبرة مستنكرة وقد اقتحم بقعتها المفضلة
-خضتني
ثم بدون ثانية إضافية لتبقى معه، حملت حقيبتها لتنطلق راحلة بدون رد إلا أنه أدركها بجسده المهيب لتتراجع خطوة واحدة.. محاولة ألا تصطدم به لا جسديا ولا كلاميا
-رايحة على فين يا انسه
رفعت عيناها بتحذير كي لا يعترض طريقها، لتأخذ منعطف يمين قليلا وهي تجيبه بجفاء
-ماشية
رفع نضال حاجبيه وهو يلاحظ من جسدها النفور، ليبتسم بشراسة.. تنفر منه الآن وهي منذ عدة أشهر تأن بين ذراعيه رغبة
استفحل كل نواقيس الغضب ونيران الكبرياء ليمسكها من عضدها بقوة صائحا بهدر
-هو دخول الحمام يا حلوة زي خروجه
شهقة مفزعة تبعها انفلات يدها من براثن يده، كأن حية لدغتها لتصرخ فى وجهه نادرة بعنف
-نضال ابعد عني، ميصحش ابدا ابدا انك تلمسني
رفع عيناه بتهكم ليلتفت لها بكامل جسده، ووجيب انفاسها يتبارى مع انفاسه الساخنة، خطوة للخلف حينما أقدم خطوة منها ليميل برأسه نحوها هامسًا بقسوة
-انتي هتكدبي الكدبة وتصدقيها، طالما مش قد اللعب بتلعبي ليه معايا يا انسة
زمجرت بقوة وهي تتوقف عن هذا الخذلان فى ساقيها، والرعب الذي يتأصل بها حينما تراه في هيئته البدائية متخليا عن حضارته وتمدنه، عينيها تتعارك مع عينيه فى معركة لا نهائية
الرفض يقابله التصميم من جهته
النفور يقابله الرغبة البدائية منه
الكره ليقابلها …!!
لا شئ!
توقفت عن مقارعته، فهي أدري الناس به، همست اسمه مرغمة وهي تكاد تطحن ضروسها
– نضال
عبس بحاجبيه وهو يحدق نحوها ليراها تغمغم بتعب
-انا تعبانة
عينيه خفضت لرؤية حالها بعد فراقها عنه، هل نحفت؟
ضاقت عيناه لينظر الي وجهها الشاحب وعينيها المجهدة ؟ هل هذا بسبب الدراسة أم لحال فراقهم؟! أم تشكو لحال حياتها
لما لم يخبرونه أنها كشكل شبح مرعب، أم أدوات الزينة التي تضعها تخفي أكثر مما تظهر
رآها تبتعد مرة اخري وتظن أن حديثهم انتهي، اللعنة هو جاء لأمر واحد ولم يتسني له فرصة للشجار
تقدم خطوات نحوها ليمسك ذراعها بقوة غاشمة جعلها تصرخ فى وجهه محاولة الفكاك من لمس يده لها
-نضال قولتلك ميصحش
انفجر هادرا في وجهها بقسوة ويده الاخرى تمسك ذراعها الثاني وهي تحاول فك حصار ذراعها الأولي، تنهدت بسأم وروح عنيدة تلبستها لتلتوي كما الحية مما دفعه ليهدر فى وجهها
-اخرسي
تصلب جسدها وبهت وجهها حينما لاحظت خروجه من نطاق برودة، شهقت بجزع حينما شدد بذراعيه على عضديها وهو يهدر في وجهها بحنق
-عجبك كدا، عجبك انك بعيدة عني، مش قادر المسك زي زمان، بتحرميني من ابسط حاجة كان أمر مفروغ منه
من يتحدث الآن؟
زمجر نضال بحدة نتيجة ما تفوه به، هل يحكي لها معاناته الآن؟؟! عينيه تنظر نحو جحوظ عينيها ونظرة عدم التصديق التي تتلألأ في حدقتيها اتبعها بتجمع دموعها وهي تهمس ببساطة
-اخدتني وخلتني تحت رجليك وافتكرت الجارية اللي اشترتها مش هتثور على ظلمك
اشاحت بوجهها للجهة الاخري، رغم ان جسدها يكاد ينفر والفرار من حصاره إلا أنها حاولت أن تهدأ
حاولت أن تكف عن النظر إلى عينيه، يديه، جسده، تصديق ادعاءات لا فائدة ترجو منها
هل يظنها من مجرد اعتراف بائس ستهرع إليها حاضنة إياه، ألا يعلم مدى عظم جرمه؟
ألا يعلم ما ارتكبه فى حق جسدها؟ روحها؟ مشاعرها؟ انوثتها؟ أمومتها؟
لقد سحق كل ذلك حرفيًا، لقد تركها جثة هامدة.. تهيم فى الأرض بلا هدف.. شهقت بألم لتكتم شهقتها بكف يدها وهي تهمس بمرارة
-عارف احساس حد اتمنى يلاقي طبطبة على ضهره، ضهر يتقوى بيه لما حسيت ان مليش عيلة، مليش سند وعزوة.. معنديش حد فى الدنيا دى حرفيا وارتميت فى سجنك .. افتكرت هلاقي حاجة حلوة من وسط كل حاجة وحشة يا نضال
شهقة أخرى وعذاب آخر، جروح ظنتها اندملت، لتفتح مرة اخرى نازفة على اوتار اشواك روحها لتضربه بقوة على صدره
– استحملت منك كتير، كتير لحد ما فاض بيا، تفتكر هرجع بعد كل ده وانا لسه بفتكر ضربك علي جسمي لحد دلوقتي، وكلامك اللي يكسر القلب بيرن فى ودانى لحد دلوقتي
شعرت بوهن في ساقيها لتكف عن ضرب جسده، اشاحت بوجهها للجهة الاخري، لا تعطيه فرصة أن يتشفي بها
لا تعطيه حتى أدنى فرصة ليعلم كم هي مثيرة للشفقة..سمعت همسة الخشن
– فرح
رفعت عيناها بحدة تحدق به
تحاول البحث عن أي سبب يدفعه لارتكاب جريمة أخرى بحق انفسهم؟!
ألا يعلم أي علاقة سامة هما؟
ألا يعلم أن اجتماعهما معا لن يحدث ولو كان فى سبيل موتها؟
نظرت اليه بطلب ورجاء أخير
– ابعد عني .. ارجوك كفايه كدا، انا بتخلص من كل حاجة منك، انساني، كأنك متعرفش واحدة اسمها فرح
حاولت ان تنسل بين ذراعيه، الا انه تشبث بها بقوة لتسمعه يغمغم بحدة
-مش هعرف
اعترف بإكراه وهو ينظر الي عينيها الخاويتين، تلك العينين سابقا تنتظر منه بتلهف لكلمة مداعبة منه، شتم فى سره وهو يسمعها تهمس بسخرية
-ليه؟ يمكن لان الوحيدة اللي كنت فقيرة بين جوزاتك العرفية؟ ولا الوحيدة اللي حولت جوازك ليها لشرعي
زمجر بغضب ولا يعلم لما بدا أمر اهانتها لنفسها يعود له، بل يعد اهانة له حقًا… زفر بحدة ويداه تضغطان بعنف على عضديها يكاد يسحق عظامها ليجيب
-ولا ده ولا ده، مش قادر انسي، عشان مش قادر انسي
عضت على باطن خدها تمنع صراخ خافت يخرج منها نتيجة لخشونة يديه علي عضديها، حاولت بهدوء أن تبتعد عنه قائلة بنبرة غير قابلة للتفاوض
– اطلع من حياتي
همسها كالرحيل
وعذابها كالخنجر
وعينيها كالسم، كلما أدمنت النظر اليهما قُتلت
رفع انامله ليمسك وجهها بين راحتي كفيه، لكنها كانت الأسرع حينما رجعت عدة خطوات مدهوشة مما يقوم به لتهمس بحذر
– نضال
زمجر نضال بوعيد، وهو يراها تبتعد كالسراب، لا يستطيع أن يتحكم بها، لقد أدمن قربها
ألا تعلم هذا؟
بدا اعترافه سخيفًا جدا فى هذا الوقت الذي هي يبدو أنها شفيت منه، لم يشعر بنفسه سوى أنه يتحول للشخص الذي يعلمه ويعلمه الجميع
تبدلت ملامح وجهه البرود واقترب منها قائلا بسخرية
– واللي عملتيه يا مدام قدام السوشيال ميديا
عقدت حاجبيها بريبة، هل هذا سبب مقابلته، أجابته ببرود
-انا مقربتش منك، كل اللي عملته فيديو عادي بعمل ميك اب و متوقعتش انه هينتشر
ابتسم بشر وهو يشعر برغبة مميتة لسحق كل عظمة فى جسدها بهدوء وروية
– وتحكي قد ايه الرجالة خاينة وانك مبسوطه انك اتطلقتي من واحد كان حابسك في سجنه
شهقت بحدة لادعائه بكلمات لم تقولها، زمت شفتيها بحدة وهي لا تصدق أنه يستخدم أسلوب قلب الطاولة
صاحت بمقارعة وند وهي ترفع سبابتها بتحذير
-قولت ان جوازي من بدايته غلط بس انا عاندت، كل اللي عملته مجرد نصيحة بس لو واحدة زيي اجبرتها الظروف تتجوز واحد زيك تنفد بجلدها، فين المشكلة
استفزه أصبع سبابتها التي تشهرها في وجهه بغض النظر عن أي حماقة تفوهت بها، امسك بأصبع سبابتها ليقول بحدة
– إن الناس عارفة انك مراتي يا هانم
رفعت عيناها بدهشة اليه
زوجته؟
هو حتى لم يقتنع انها ما عادت زوجته ؟
صححت كلمته بنفاذ صبر وهي تنزع اصبعها من يده
– كنت مراتك، طليقتك… وبعدين هو فيديو واحد ومفيش اي حاجة مسيئة ليك ولا حتى بأسمك، كل اللي عملته اني حبيت انصح بنات عشان ميبقوش فى موقفي
اقترب خطوة منها وهو ينظر نحوها بصبر، يدرس ملامح وجهها والنفور البادي من وجهها وجسدها ليمسك من زندها بخشونة جعلتها تتأوه بوهن قبل ان تقول بحدة
– شيل ايدك يا نضال
رفع عيناه تجاهها وهو ينظر اليها بسخرية ليقول ببساطة
– لأ
حدقت نحوه ونحو ذراعها التي أصبحت تحت اسره لتقول بمهادنة
-نضال كل اللي بتعمله ده ميصحش
حدق نحو تفاصيل بلوزتها الصيفية الصفراء والي قصة العنق بشئ من الضيق ليرفع عينيه نحوها وهو يغمغم بتملك
-والهانم لما تطلع على اللايف ونص مصر تشوفها ان مبقوش كلهم وهي بتحط الاحمر والاصفر قدام الخلق، ده مش غلط
اقتربت منه وهي ترفع برأسها تجابهه قائلة بحدة وهي تجز علي اسنانها تحاول ألا تفتك به وتقتله فى التو واللحظة
– وانت بأي حق تحاسبني، انا كبيرة وفاهمة بعمل ايه
صرخ فى وجهها وقد أكتفي من استفزازها اليوم
– انتي غبية وهتفضل تتغابي لحد لما اديكي علقة محترمة تفوقك من غبائك ده
مالت برأسها بلا مبالاة هامسة
– وده شئ مش جديد عليك يا نضال، عموما هو كان مجرد فيديو وانا مش محتاجة ابررلك اكتر من كده طالما لا ذكرت اسمك ولا اتكلمت معاك غلط، كل اللي قولته انا اخترت غلط واديت نصيحة من تجربة مريت بيها، ان البنت تختار اللي بيحبها ومتختارش اللي تحبه وتختار اللي يحافظ على كرامتها ومحدش اضايق من الفيديو يعني
حدق نحو بروز معين من بلوزتها ويزداد بروزا حينما تسحب شهيقا قويا كي تجادله مجادلة كلامية، ليخرس أي محاولة تفهم منها وهو يقول بغضب
– صدرك كان باين
جحوظ عينيها وشفتيها المنفرجتين أثر جملته جعلها تتوقف عن ثورتها، والصدمة شلت حواسها
تحاول أن تجد لسانها
تحاول أن تجد صوتها
تعثرت وكادت تختنق حينما اكتشفت انها نست التنفس
لتتهدج أنفاسها وهي تهمس
-انت مجنون
هدر فى وجهها بعنف وهو يضغط على زندها بقسوة
– صدرك كان باين بقولك، الزفت اللي كنتي لابساه ده كان مبين تفاصيل صدرك وحجمهم عامل ازاي
شهقت بذعر تلك المرة وهي تلتفت يمينا ويسارا باحثة عن أي شئ صلب لتهشم به رأس
الوقح
عديم التربية ،، بل منعدم التربية
كيف يتحدث بأريحية معها هكذا لأمر خاص بها؟!
دفعته عنها بكل قوتها وشرست ملامحها للعداء الشديد
– قذر
ابتسم نضال بجفاء وهو يمسك قبضة يدها التي تدفع صدره ليقول
– عيب يا حلوة، مش قولنا البنت الحلوة متمدش ايدها على راجل ولا تستحمل اللي يحصلها
زمجرت فرح بعصبيه وقد اكتفت من بروده وسخريته اللامبالية لتهدر فى وجهه
– ملكش دخل بيا ولا بلبسي ولا بتصرفاتي، كون انك واحد مجنون دي مش مشكلتي
لكن هو لم يكن يهتم بها، بل كان اهتمامه منصب علي ذلك البروز كما قال.. ، ليغمغم باهتمام
– بس للاسف راحوا
عقدت حاجبيها بريبة وتوقفت عن ثورتها لتسأله
-ايه هما اللي راحوا؟!
لم يجيب عليها بل اكتفي بالرد والنظر الي البروز الطفيف فى صدرها، لتشهق بذعر وهي تلك المرة تجيبه بوقاحة متعمدة
– انت انسان قذر وتفكيرك ده منحصر على اللي بين ….
كتم باقي عبارتها بكف يده، وابتسامة شقية تزين ثغره وهو يحدق نحوها بعبث واضح ليميل هامسا بجوار اذنها
– ما طلعنا خبرة اهو، اومال عاملة قطة مغمضة ليه
زمجرت بغضب وهي تدفعه بعنف عنها، لتعبث بخصلات شعرها بحدة وهي تنظر اليه بعداء ونفور لم يتزحزح منذ مقابلته النارية ليتابع بهدوء شديد
– متقصيش شعرك تاني، وحاولي تداري اللي راحوا دول، ولبسك يتعدل انتي مش طفلة عندها عشر سنين، انتي بقيتي فريسة سهلة للصيادين
رفعت عيناها نحو السماء، طالبة الصبر كي تنتهي من مقابلته، عقدت ساعديها علي صدرها وهي تجيبه بجفاء
– ما انا قدام الصياد حصلي حاجة
شملها بنظرة سريعة وهو يضع يديه في جيب بنطاله قائلا
-مش كل الصيادين عندهم نفس الصبر اللي عندي
هزت رأسها بيأس تام منه، لتقول له بنصح
-اهتم ببنتك يا نضال، عيلتك اهم، انت فاشل انك تكون اسرة بس للاسف تعرف تكون اب لشمس بس
تجهمت ملامح وجهه وهو يلاحظ رفضها لحواره، ليغمغم بحدة
– بتسأل عنك
التمعت عيناها بأسف لتهمس
– مش هقدر للأسف اكون في حياتها فى وقت محتاجها مماتها فيه، هي اولي بالموضوع ده مني
التفت مغادرة وتمنت أن تكون رسالتها واضحة تلك المرة، استمعت إلى صوته الجهوري وهو يقول بحدة
– يعني مش هترجعي بالذوق
توقفت لعدة لحظات وهي تهز رأسها يائسة قبل ان تتابع طريقها خارجا دون أن تلتفت ولو لمرة لخلفها!!
أحيانا ندرك أن الأشخاص الذين حاربنا العالم أجمع
لم يستحقوا تلك المعارك منذ البداية.
تابع نضال شبح رحيلها وهو يجز على اسنانه بقوة كي لا يقوم بشئ لا يندم عليه فى الوقت الحالي.. أطلق سبة بذيئة وهو يتابعها حتى غابت عن انظاره.
لما تترصد عشقها، لما تتبع أثرها،ضعيفة!!
أتراها ضعيفة؟!!
فأنت أضعف منها؛ لأنك من أضعفها،
وأقحمتها فى حبك…
أتراها قبيحة ؟!!
فأنت أقبح منها؛ لأنك نزعت رحيقها،
وأنتشيت من عطرها..ثم تركتها ذابلة….
لا تراك فى نفسها، ولا تراها في نفسك…
لا هى أصبحت كما كانت، ولا أنت ظللت كما أنت..
فقط لا تشعر سوى بالدمع ، ينزف من عينيها، تبكى لعل البكاء يفيد ..
تتشبث بالدمع ، ذلك الخيط الرفيع من دمعها..لم يزل نازفا ….
ربااااه أتخضبت السماء باللون الاحمر؟!!!
أم هى تنزف دمعا بلون الدمااااء ؟!!!
الخاطرة بقلم قارئتي الجميلة ” آية عادل”
*********
بعد مرور ثلاثة أسابيع،،
نظرت تحية الى التصاميم المخصصة لزوجة حفيدها بامتعاض، تراقب انبهار المدعوة جميلة التصاميم بل وتثني عليها المدعوة بسيليا، امرأة من أصول اوروبية وعاشت حياتها فى مصر وتزوجت من رجل مصري، ارتشفت تحية الشاي بامتعاض ورغم رفضها للمجئ لذلك الاتيلية لكنها لم تستطيع ان ترفض طلبا واحدا تجاه وجد وهي تراها تحاول بقدر الامكان أن تخلق حديثا وديا مع جميلة!!
هي ليست لديها مشكلة مع جميلة، لكن المشكلة ذاتها هي جميلة التي تعيش في العصر الخديوي وتظن أن الجميع تحت امرتها كونها ذات حسب ونسب.
لوت شفتيها بسخرية وهي ترى باقي المعروضات دون أن تنبس ببنت شفة تقديرا الصغيرة التي طلبت مساعدتها كي لا تنغص حياتها، إلا أنها فجأة سعلت حينما رأت فستان عبارة عن شرائط مهلهلة وجميلة تعبر عن مدى جماله
– شكله يجنن يا مدام سيليا
ابتسمت سيليا باشراق، امرأة اربعينية ذات قوام متناسق لتشير لمساعدتها بالانصراف بعدما انها من عرض الفساتين لتقول
– الكولكشن كله بأسمها مخصوص عشان عروستنا الجميلة وجد
مصمصت تحية شفتيها بامتعاض مغمغة بسخرية
– يختي شوية هلاهيل عاملة منهم فساتين، ايه يا اختي ده .. دي هدوم
عقدت سليا حاجبيها بدهشة، وبدي علي جميلة الاحراج وقد ظنت لفترة انها لن تتحدث بكلمة منذ حضورها وكأن علي رأسها الطير!! … ضحكت وهي تحاول جذب انتباه سيليا المهوسة بجعل جميع عملاءها راضيين قبل خروجهم من الأتيليه الخاص بها، لتستفسر قائلة
– مفهمتش حضرتك، التصاميم مش عجباكي!!
وتسألها حقًا؟ هل انحدر الذوق العام لتلك الدرجة على مر السنوات؟! غمغمت تحية بفظاظة شديدة
– مش عاجبني طبعا، هي دي فساتين بتاعت برا.. دي متخرجش بيها برا البيت، وبعدين ايه الشراشيب اللي بتقولي عليه فستان ده، وده يتلبس ازاى!! قوليلي
ابتسمت سيليا باحراج، رغم انها توافق سرا علي الفستان الاخير الذي لم يعجبها، لكن طالما هي تعلم أن لولا اختلاف الاذواق لبارت السلع.. لذلك صمت
– بس يا فندم ده طلب جميلة هانم مخصوص
ألقت تحية نظرة مستهجنة تجاه جميلة التي تستشيط غضبا، من وقاحتها في الحديث عنها وغمغماتها الغير مفهومة لا تصدق أن المرأة برغم رقيها الظاهري في ملبسها وطريقة جلوسها وشربها الا ان لسانها تود قصه، صاحت تحية بحدة
– لا طبعا مش عاجبني، لو طقم بيت انا مش هعترض، بس تقوليلي لسهرات برا، ده كان قتلها لو لمحها من البلكونة لابساه
استهجنت ملامح جميلة فورا لما قالته تحية، أي قتل هذا؟ هل جنت تلك المرأة؟ هل يستطيع أحد أن يمد ولو شعرة واحدة فقط من وجد المالكي؟!! ليمسها بسوء وليري ماذا هي فاعلة!! ..ابتسمت سيليا بتوتر وهي تري ملامح وجهه العجوز الثائرة كما لو أنها في ريعان شبابها لتقول بابتسامة دبلوماسية
– ايه اللي مش عجبك فيه يا تحية هانم
حركت كف يدها بامتعاض وهي تستقيم من مجلسها بحدة تمسك كل قطعة قماش من الملابس قائلة بغيظ
-اللي مش عاجبني كتير يا جميلة هانم، انا ادري بحفيدي واستحالة كان وافق على ده تخرج بيه، ده اقرب لقمصان نوم.. واستحالة اوافق يدفع كل الفلوس دي ومش هيتلبس، حد تاني اولي بالفلوس دي
همت جميلة بإلقاء رد لاذع على كلامها، الا ان صوت رنين ينبئ عن دخول زبون للاتيلة جعل تحية تعيد مكانها لجلستها الهادئة ووجد تهتف بابتسامة حرجة وهي تستشعر الأجواء المشحونة في المكان
– مساء الخير، اسفه على التأخير
ابتسمت سيليا وهي تتقدم تجاه وجد وقد تنفست الصعداء بوجودها لتقول
– حضرتك جيتي في وقتك يا انسه وجد، ادي كولكشن الفساتين اللي جميلة هانم طلبتها من باريس مخصوص
لوت تحية شفتيها باستهجان وهي ترتشف شايها، نظرت وجد نحو المعروضات بحرج وهي ترى أن معظمهم قصير يتعدي الركبتين، والطويل منهم مصاحب بشق طولي من الجانب الأيسر، سألتها ببعض الحرج
– مفيش فيهم فستان واحد طويل يا مدام سيليا
ألقت سيليا نظرة خاصة تجاه جميلة التي امتعقت من الحرج والغضب وهي ترى نظرات تحية الشامتة، مما جعل سيليا تغمغم بهدوء قائلة تعطي اقتراحها كحل أفضل
-الكولكشن ده لأ، بس في كولكشنات تانية، ممكن تنقي منها الفساتين اللي تعجبك بجانب الكولكشن ده
اومأت وجد برأسها موافقة، وهي تبتسم تجاه المرأة التي انقذتها باهتمام.. تصاعد رنين اشعار رسالة علمت صاحبها، لتمسك بهاتفها وهي تقرأ رسالة عاصي المتسائلة
– وصلتي المحل؟
نقرت بأناملها على سطح شاشتها تجيبه وهي ترى أن الأوضاع بين المرأتين لم تلين بعد، لا تعلم ماذا تفعل تجاههم كي لا يفتعلا شجارا في المستقبل، تنهدت بيأس ويبدو خططها العظيمة باءت بالفشل لتكتب له
-وصلت، وواضح وصلت فى الوقت المناسب
بعثت بعدة ملصقات تعبر عن مدى استيائها لتراه يكتب للحظات ثم يرسل لها
-قولتلك تقدري تاخديني شخصيا مش توحة
ابتسمت بخجل لتنزوي في ركن منعزل عنهما كي لا تسمع اي تعليق سخيف او ماكر منهما، لترد عليه
-توحة عارفه ذوقك فى اللبس فوجودها افضل حاليا
رأته يكتب للحظات ثم بعث لها بقنبلته
– البسي فستان ووريني
شهقت بذعر، الا يكفي جنونه ليري فستانها ووقتها اقسمت انه لن يراه الا في زفافها، انتبهت علي صوت سيليا
-قولتي ايه يا انسه وجد، تحبي اعرض عليكي تصاميم تانية
نظرت تجاه عمتها التي تنظر إليها بتوتر وقلق من أن ترفض ما تقدمه لها فى جهاز زفافها، لتبتسم بنعومة قائلة وهي ترضي الطرفين
– هنقي من الكولكشن ده وحاجات طويلة بقي، عشان اعرف اخرج بيه
علا تنبيه اشعار رسالة على هاتفها، لتراه كتب وهو يعطي ملصقات لوجه حازم وجدي
– فين الصور
ابتسمت بخجل وهي لا تعلم اصرار هذا الرجل على رؤية ملابسها وثيابها، فبالنهاية هو سيراه !! نقرت على الشاشة باناملها
– انسي يا عاصي، مفيش صور اوريهالك
انتبهت على صوت سيليا وهي تعرض أمامها فستان نهاري صيفي لتهتف قائلة
-ايه رأيك فى ده، اللون ده هيكون ترندي جدا للصيف الجاي
ابتسمت وجد وهي تلتقط الفستان منها قائلة
– هجربه، بس بليز يا مدام سيليا خدي بالك منهم هما الاتنين ارجوكي خايفة تحصل مشكلة بسبب صغير، لحد لما اقيس وارجع
اومأت سيليا رأسها بتفهم لتغمغم بهدوء
– متقلقيش يا انسه وجد.. انا عارفة ارضي ذوق جميلة هانم وتحية هانم، بس كان نصيحة مني تجيلي بنفسك كنتي هتكوني مرتاحة وكنت هساعدك
لوت وجد شفتيها بحزن، لتلقي بنظرة سريعة تجاه المرأتين التي تتراشق كلتاهما بالنظرات مما جعلها تغمغم بحزن
– مقدرش اعمل كده لوحدي، عايزة هما الاتنين يكونوا معايا فى كل خطوة لحياتي الجاية.. انتي عارفة يا مدام سيليا ظروفي، حتي الاخت للأسف ربنا مرزقنيش بيها
اقتربت سيليا بتعاطف من الفتاة، لتربت على ظهرها ليتعالي فجأة صياح أنثوي ناعم
– بنسواااااار
اتسعت عينا وجد بدهشة وهي تري اسيا تتقدم بكل خيلاء وغنج متأصل بها تجاههم، القت سلام عابر لحماة وجد المستقبلية لتتقدم تجاه وجد التي تنظر تجاهها بدهشة قائلة
– آسيا!!
اقتربت آسيا وهي ترى إلى الفستان الصيفي الطويل الأخضر، امتعضت ملامحها بضيق وهي ترى لا وجود لفتحة طويلة ولا لشق طولي لتقول آسيا بمكر
– سمعت انك محتاسة، انا مش عارفة بجد ازاي جبتي العواجيز دول عشان تشتري هدوم جهازك، اومال انا فين
لا تعلم أن اسيا ستفاجئها اليوم، وقد كانت تهاتفها منذ ساعة تخبرها عن ميعادها الكارثي لانتقاء الفساتين، سألتها وجد بتعجب ولا يخفي عن وجهها الدهشة من وجودها
-انتي جيتي ازاي
هزت اسيا رأسها بلا معني، والقت بـ الفستان جانبًا وبدأت تبحث عن المعروضات لتجد ضالتها لتقول
– اخدت باقي اليوم اجازة من الشغل ولشهر قدام عشان عروستنا
غمزت باخر جملتها بوقاحة جعل وجد تنظر إليها بيأس لتقول بانتباه وهي تجد وجد تمسك فستان آخر لا يقل بشاعة عن السابق
– سيبي اللي في ايدك، وخدي ده.. احنا عايزين حاجة تفتح نفس الراجل مش يسد نفسه
نظرت وجد تجاهها بحدة، وقد اصطبغ وجهها حمرة الخجل وهي تراها تعطيها فستان عاري الظهر، سيقتلها عاصي ان ارتدته هكذا، خاصة ان اللون الاحمر الجرئ لا يوجد فى خزانتها كثيرا، غمغمت اسيا بمرح وهي تسحب جسد وجد المتخشب تجاه إحدى غرف تبديل الملابس قائلة لسيليا
– متقلقيش هي في أيد أمينة، من رأيي تاخدي بالك من النسوان اللي هناك دي، عشان شوية هيقطعوا شعور عض وهيقلبوا الاتيليه لساحة معركة
شهقت وجد بخجل تجاه وقاحة اسيا البارد، لكن لم تتركها آسيا ولو فرصة واحدة لتدفعها داخل احدي الغرف تعطيها الفستان ثم اخذت حقيبتها وهاتفها لتغلق الباب بحدة واضعة اياها امام الامر الواقع، تنهدت وجد بيأس وهي تنظر تجاه الفستان تلمس نعومة القماش بابتسامة واسعة
تلعب آسيا بخصلات شعرها بملل وهي تراقب خصلات شعرها المشعثة بفضل الهركليز قبل أن يسمح لها باجازة فورية منه لتتسلي قليلا مع وجد، هي لم تصدق ان لؤي سيوافق سريعا بعد قبلات مسروقة داخل مكتبه، انتبهت على رنين هاتف وجد، لتنظر تجاه اسم المتصل بفضول لتقول بصوت مرتفع ماكر
– حبيب القلب بيتصل
اجابته وجد بحنق وهي تحاول أن تربط الشرائط المعقدة لتقول بانهماك وهي تحاول أن تعقد الشرائط كي لا تقتل اسيا
– مترديش عليه
لوت اسيا شفتيها بملل قائلة وهي تري اشعارات كثيرة بعد اتصاله لتقول بعدم اكتراث
– وانا مالي
لكن فضولها واللعنة لم تستطيع اصماته، اخذت هاتفها وهي تفتحه بعد ان كتبت اسم عاصي ككلمة مرور، حمقاء مثلها حتى هي تكتب اسم المرور “هركليز” لهاتفها
سمعت صوت وجد الحانق، يبدو أنها تتعثر مع ثيابها، ابتسمت اسيا بشر إلا ان ابتسامتها محت لما قالته وجد
– جدو فى اول يوم رمضان عامل تجمع عيلة كبير للأفراد الحالية واللى فى المستقبل فى مطعم
هزت رأسها بلا مبالاة قائلة بصوت جامد
– عارفة، لؤي قالي
لن تنكر ان العجوز الخرف ساعدها ولو قليلا ان تقترب من لؤي بطريقة صحيحة، حسنا هما يتخبطان دائما
لكن بعدهما عن العائلة كان افضل حل مثالي في الوقت الحالي، لتسمع صوت وجد الهادئ
– اعتقد دى فرصة كويسة ان اختك تيجي، صدقيني نفسنا نتعرف عليها
ابتسمت آسيا بسخرية، لتجيبها بملل
-مارية اوقات مش بتكون عارفة هي عايزة ايه، سيبك منها دلوقتي وركزي معايا انا
سمعت آسيا صوت فتح الباب لتتسع عينا آسيا بذهول وهي ترى الكتلة الحمراء المتجمرة، لتسألها وجد بقلق وهي ترى علامات الدهشة على وجه اسيا
– ايه رأيك
لقد ظنت ان هذا اللون يلائمها هي فقط، لكن تلك.. ستعترف انها هي الاخرى تليق باللون الناري، لمعت عيناها الزرقاوان بخبث لتمسك هاتف وجد وهي تقول بمكر
– تجنني، استني كدا
رفعت آسيا الكاميرا ووجهتها لها لتلتقط لها صورة على حين غفلة جعل وجد تسألها بدهشة
-بتعملي ايه
هزت اسيا رأسها بلا مبالاة قائلة
-لازم اصورك
واقترنت جملتها بضغطة زر للتصوير جعل اسيا تمتعض لملامحها المندهشة وهي تسمع وجد تقول بحيرة
– وتصوري ليه لطاما كدا كدا هاخده
استدارت وجد بظهرها تنظر تجاه الشرائط خلف ظهرها تطمئن ان الشرائط في مواضعها الصحيحة الا انها تفاجئت بفلاش كاميرا واسيا تقول بابتسامة ماكرة
– عشان تفتكري الذكريات دي معايا، يلا اضحكي
لم تستطيع وجد سوي ان تبتسم واسيا تلت لها صورة، وأخرى معها وهي تشاركها داخل الغرفة، صمتت آسيا وهي تنظر يمينا ويسارا لتقول لها بعبث واضح
– واحدة بصة اغراء كدا
تلونت وجنتي وجد بالحمرة قائلة بخجل
– مبعرفش
توقفت آسيا عن التقاط الصور وهي تسألها بدهشة
– مبتعرفيش!!
اقتربت منها وهي تفرد خصلات شعرها القصيرة لتقول لها بوقاحة
– تخيليني جوزك دلوقتي بتبصيله ازاي
لكن يبدو ان الفتاة بريئة الي حد الغباء او او تدعي السذاجة، لتجيب وجد بهدوء
– هبصله عادي يا آسيا
حملقت بها اسيا بدهشة لتتوقف عن تصويرها وهي ترفع عيناها للسقف تدعي الثبات وعدم انهيار اعصابها، لتقترب منها قائلة
– مفيش فايدة فيكي، انا عايزة بصة كده اللي منها دي
ثم غمزت لها عينيها بوقاحة وهي تعض على شفتها السفلية بحسية جعل وجد تتسع عيناها بذعر ودهشة لتنفي برأسها قائلة
– لا مقدرش، استحالة
همت اسيا أن تلين رأسها اليابس الا ان وجد دفعتها ببعض الحدة خارج الغرفة وهي تقول بتوتر مشبوب بالخجل
– كفاية كده هغير الدريس، خايفة يكونوا قاموا بحرب
اغلقت وجد الغرفة وبدات تنزع الشرائط المعقودة اولا وهي تسمع اسيا تقول ببساطة
-مكنش ينفع تحطيهم جنب بعض، صدقيني مفيش فايدة فيها
اومأت وجد برأسها وهي تجيبها بوجهة نظر مختلفة
– صدقيني احلي علاقات بتبدأ بعد عداوة، عمتو ممكن تكون عنيدة ومنشفة دماغها بس لما العناد يركبها بتبقي صعبة، وانا عايزة اكون متأكدة ان هما الاتنين يكونوا كويسين مع بعض عشان متتأثرش علاقتي بعاصي بعد كدا
عاد رنين هاتف وجد بعاصي يعلن، لتنفجر آسيا ضاحكة وهي تنظر الى اسم المتصل الذي يعلن عن مدى نفاذ صبره لتقول بمشاكسة
– واضح انه مش قادر يصبر، هستناكي برا يا قطة
ثم بهدوء شديد انها المكالمة وفتحت الهاتف بتبحث عن اسمه في دردشاتهما الخاصة، وبهدوء شديد بعثت له بالصور التي التقطتها ثم اغلقت الهاتف بهدوء ووضعته في حقيبة وجد لتلتفت مغادرة، وهي تبتسم بمكر..
تأففت وجد حينما نزعت الفستان، تفكر حتما فى ترك هذا الفستان والبحث عن فستان يسهل ارتداؤه، عادت ترتدي ثيابها وبعد أن صففت خصلات شعرها بأناملها خرجت وهي تناول الفستان لاحدي العاملات ثم تلتقط هاتفها الذي لم يكف عن الرنين، مما دفعها للرد عليه بصوت هادئ
– ايوا يا عاصي
صدر صوت خشن جعل جسدها يقشعر حينما صاح بخشونة
-انتي عايزة تقتليني صح
فغرت شفتيها بصدمة ثم عادت تضم حاجبيها بريبة لتسأله
-اقتلك ليه، انا معملتش حاجة
ضحكة خافتة خرجت منه قبل ان يستحكم صوته الغير مسيطر يضرب اوتار انوثتها
-كل اللي عملتيه فيا ده ومعملتيش حاجة، انتى عايزة تجننيني يا وجد، انا مش عارف اركز في شغلي بسببك
حدقت فى المرآة أمامها بتيه، ورغم عدم استيعابها لما قامت به، الا انها بادرت بالاعتذار مطالبة بتفسير
-انا اسفه، بس انا عملت ايه لكل ده
سمعت صوت اغلاق باب حاد، أعقبه صوت صرير قوي حاولت أن تخمن ما هو، إلا أنه صاح بحدة
– كل اللي عملتيه واللي بعتيه وتقوليلي عملتي ايه
اجفلت من صياحه الخشن لتعقد حاجبيها بحدة وضيق وهي تهمس بحدة
– بعت ايه يا عاصي؟
سمعت صوت صرير قوي جعلها تبعد الهاتف من اذنها ثم اعادتها ثانية، وهي تسمع صوت انفاسه المتبارية تلون وجنتيها بالحمرة أتاها صوته المعذب
-صورك فى الفستان الاحمر وانتي كلك اغراءات، ارحميني بقى
شهقت وجد بذهول لتسارع بوضع كف يدها على ثغرها، لتسارع بابعاد هاتفها عن اذنها لتنظر إلى رسائلهما .. شهقت
بذعر حينما رأت تلك الشيطانة اسيا بعثت بالصور اليه مع تركيز شديد لعري ظهرها عضت على شفتيها بخجل
وظلت لثواني تحملق في الصور بدهشة وغضب ممزوج بالخجل الشديد
ماذا سيقول عنها الآن؟
أسيصدقها ان قالت انها ليس لها يد بالأمر!!
أجلت حلقها بتوتر وهي تغمغم بأسف بالغ
– انا مبعتهوش، دي اسيا والله اللي قالتلي اتصور واحتفظ بيه ليا
صوت انفاسه الخشنة تأتيها عبر الأثير تقوم بالافاعيل بجسدها، تعض على شفتها السفلى بخجل وهي تسمعه ينطق اسمها ببعض الاثارة
– وجد
اكتفت بهز رأسها وكأنه يشاهدها ليقول بعدها بهمس خشن
– متحاوليش تغيري هدومك فى مكان غير بيتك
لمعت عيناها بعشق سرمدي لهذا الرجل، لتهمس بتحشرج
– بس صدقني الاتيلية ده انا عارفة صاحبته كويس وسمعتها حلوة
قاطعها بحدة وهي تسمع صوت تهدج انفاسه، لتضع يدها على ثغرها شاهقة
رجلا مثله يتأثر بصور كتلك لها؟!
اللعنة تود ان تنشق الارض وتبلعها في التو واللحظة
– ارجوكي، متقلعيش هدومك فى أي محل هدوم، دلوقتي النوايا وحشة وبتطلع من ارقى الاماكن مش شرط محل فى وسط البلد
مسحت دموعها التي طرفت من عينيها بسعادة، لتهمس بنعومة
– عيوني
شهقة أخرى كتمتها وهي لا تصدق
أقالت كلمته؟
هل من كثرة ما اعتادت سماعها منه، أصبحت تقولها، حتى هو اصابه الصدمة ليقول بعدها بزمجرة محببة لها
– يا بنت الحلال لمي نفسك بقي، كفايكي حلاوة … شهر رمضان هعفيكي من شغل توحة
جادلته بيأس
– بس يا عاصي
قاطعها للمرة الثانية بصراحة ألجمتها لفترة
– هفطر بسببك، يرضيكي تفطري شاب متشوق لحلاله وهي هتبقي قدامه طول رمضان
رفعت عيناها تنظر الى وجنتيها الحمراوين من الخجل، غمغمت بهمس معاتب
– يا عاصي مش معقول اللي بتقوله ده
تنهدت بحرارة وهي تسأله بهدوء
– ولما يجى رمضان واحنا متجوزين، هفطرك برضو؟!
لكنه يبدو وكأنه وضع خططه ليخبرها بصراحة
– مش هكون قاعد فى البيت، هجيلك وقت الفطار
فغرت شفتيها بصدمة بتحاول تدارك صدمتها وهي تسأله بخجل
– عاصي انت بتهزر صح
ضحكة سريعة أصابها بالهذيان، ليغمغم بعدها ببساطة
– مبهزرش، جيبي فساتين زي دي، بس ده مش هيطلع بره اوضة النوم طويل كان أو قصير
علمت انها ما ان ذكر الفساتين فقد وصلت للخطوط الحمراء معه، غمغمت بحدة
– بينادوا عليا دلوقتي، هنتكلم بعدين
سارعت بإغلاق المكالمة وهي تخرج من غرفة التبديل لتتفاجأ بوجود سيليا واسيا امامها، تطلعت نحو آسيا بنظرات قاتلة لتغمز لها الاخري بمكر وتسلية
اقتربت سيليا قائلة بابتسامة ناعمة
– تحبي تجربي فساتين تانية يا انسة وجد
كادت اسيا تنفجر ضاحكة، الفتاة من مكالمة يبدو أنها خرجت من معركة حب
ما ان طبق الأمر عملي؟! قالت اسيا بوقاحة شديدة اخجلت العاملات فى الاتيلية بجوار سيليا
– ده فيه فساتين اؤكد لك، شهر لحاله مش هتطلعي برا اوضة النوم
زمجرت وجد بعصبية وهي تقترب منها بشر واضح، جعل اسيا تنفجر ضاحكة
– اسياااااااا
لكزتها آسيا بحدة وهي تخبرها ببرود
– بطلي كسوف، ده انت كلها كام يوم وتبقي خبرة
استمعت وجد إلى شهقة مصدومة من إحدى العاملات، لتمسكها من زندها قائلة بحدة مشبوب بالخجل
– آسيا لمي لسانك، ميصحش اللي تقوليه ده
رفعت آسيا عينيها تجاه سيليا التي تبتسم بحرج لتقول ببساطة
– مدام سيليا موافقاني، انتي مش بتعملي حاجة غلط، ده هيبقي جوزك فاهمة يعني ايه جوزك.. يعني هيشوف كل ….
وضعت وجد كف يدها على فم آسيا تصمت تلك الوقحة عن متابعة حديثها، رباااه ماذا تقول تلك الوقحة أمام العامة هكذا؟
أين زوجها؟
سحبت آسيا بحدة تجاه غرف تبديل الملابس لتلتفت إليها وجد باهتمام قائلة
– آسيا
دارت آسيا عينيها بملل قائلة
-خير، ما سكت اهو
امسكت وجد بذقنها لتنظر نحو عينيها الزرقاوين التي تجيد اخفاء المها، سألتها بقلق
-انتي مخبية عني حاجة؟
اشاحت اسيا وجهها بحدة وهي تحاول ان تجيبها ببرودة اعصاب، لكن واللعنة لم تستطيع.. بدأت الدموع تأخذ طريقها للخروج وهي تهتف بعصبية
-كنت متأملة اني احمل الشهر ده، بس واضح مفيش نصيب
ابتسمت وجد بتوتر، وهي تري تحرك اسيا العصبي، لتدفع بجسدها معانقة اياها مربتة علي ظهرها لتخبرها بابتسامة ناعمة
– صدقيني محتاج صبر، وربنا هيرزقك
دفنت اسيا وجهها في كتف وجد التي تحتضنها بقوة ودعم حقيقي، لتهمس بتمني ورجاء
– يارب
ظلت الفتاتان لبعض الوقت صامتتين، لتندفع وجد تخبرها بتسلية
-تعالي نشوف بيعملوا ايه لحسن تتقلب لحرب اهلية
اومات اسيا برأسها موافقة، لتتركها وجد فى الغرفة تستجمع شتاتها قبل مواجهة الجميع .. لترى تحية استقامت من مجلسها وهي تقول بنزق
– انا رجلي وجعتني من القعدة، انا عايزة ارجع البيت
ابتسمت وجد بقلق وهي ترى علامات الترفع والكبرياء من جهة عمتها وهي تدير رأسها للجهة الأخرى، لتقول بهدوء
– عنيا يا توحة
نظرت وجد للوضع الراهن، يبدو ان خططها الفاشلة تحتاج إلى خطة بديلة بدلا عن محاولاتها الحثيثة التي تنتهي بالفشل!!.
*******
فى قرية الغانم،،
ترجلت مارية من سيارتها بعد نصائح جمة من زوجها وشقيقتها آسيا، تكاد تلعن نضال في كل مرة تضطر اسفة لمقابلته من أجل ابنتها.. الأحمق يظن أن ابنته حق حصري له فقط
لا مواعيد معها
لا مبيت ليلي معها
حتى مواعيد الضيقة التي يحددها تكاد تثير سخطها، ربما رضيت سابقا كي لا تخسر رؤية ابنتها
لكنها الآن تعبت، أن تسافر كل مرة إلى هنا لرؤيتها.. ابتسمت بخفة تجاه إحدى الموظفات في المدرسة وقدميها تتوجهان تجاه ساحة الملعب، رفعت ساعدها لترى ساعة يديها التي تشير إلى أن الوقت الدراسي انتهى
جيد أنها لم تتأخر.. اليوم ستأخذ ابنتها معها وليخبط رأسه في أقرب حائط
اتسعت ابتسامتها من أن أبصرت وجودها وهي تلهو مع اصدقائها لتبتسم بارتجاف وهي ترى بريق الحياة المتلألأ في عينيها
تبدو مشرقة.. بل أشد اشراقا منذ دخولها للروضة
تتفاجئ من تحسن مستواها الدراسي واستجاباتها مع المعلمين، كما قالت المشرفة المدرسية لملفها.. حتى ان الناظرة غيرت رأيها بتحسن مستواها الدراسي ومشاركتها التفاعلية مع الأطفال فى الفصل!!
نادت بصوت مرتفع تجذب انتباه صغيرتها
– شمس
رفعت شمس عيناها فورا لتقع عيناها على والدتها، ابتسمت باشراق وهي تتقدم نحوها قائلة
-مامي
نغزة عميقة تتسلل إلى قلب مارية وهي ترفع جسد الصغيرة لتحتضنها بقوة واسف
تعتذر بصمت على اهمالها فى حقها
وتعتذر عن المشاعر السيئة التي جعلتها ترفض ابنة مثلها وتنبذها عنها بقسوة
كان هناك يقين داخلي، انها ما كانت ستصبح بذلك الإشراق والحيوية وهي معها
ربما كانت ستقتلها، طبعت عدة قبلات على وجهها والأخرى تنفجر ضاحكة لتهمس مارية بنعومة
-ياروح مامي انتي، وحشتيني
الدموع لا اراديا اتخذت مسلك خاص بها، لتغمغم مارية باعتذار صادق
-اعذريني يا حبيبتي، انا ام فاشلة بس بحاول معاكي ابقي كويسة
رفعت شمس يداها تزيل دموع والدتها لتبتسم مارية من بكائها الصامت وهي تمسك بيدها وتطبع عدة قبلات ناعمة وسريعة تدغدغ شمس التي انفجرت صارخة بضحكات مرتفعة
ضمت مارية الصغيرة فى احضانها بقوة، والصغيرة لم تعترض.. بل شعرت أنها تفهمها.. تفهم ما يجول بداخلها، تحركت مغادرة وقد وجدت أنها فرصة لتنفرد بصغيرتها بمفردها لبعض الوقت قبل مجئ احد من عائلته أو هو شخصيا
الا ان صوت متعجب صدح من خلفها لتهز رأسها بيأس، وهي تستدير على عقبيها لتري رهف التي تلمع عيناها ويبدو أن تأثير الحب طغى على وجهها
عيناها لامعتين، ووجنتيها متوردتين وثيابها مليئة بألوان ناعمة تعبر عن مزاجها الايجابي اليوم
– مارية
ابتسمت مارية بسمة بسيطة وهي تغمغم باعتذار
-اسفه جيت بدون ما أدى خبر، بس نضال خانقني بمواعيده وانا كنت فى الاول براضيه عشان ميمنعنيش منها
ابتسمت رهف و غمغمت قائلة بنصح
-نضال استحالة يمنعك منها، انتي عارفة نضال.. مينفعش معاه العناد
رفعت مارية حاجبيها وهي تري الدفاع الخفي من اخته له، بالطبع الصياد كيف لا يسحر عائلته!!!
جزت مارية علي اسنانها بحدة مجيبة اياها
-نضال اللي اعرفه حاجة وانه معاكم حاجة تانية
تفهمت رهف مزاجها الناري لتتراجع بحديثها عن تلك المنطقة الشائكة، وتقدمت تجاه الصغيرة الساكنة بين ذراعي والدتها لتداعب خدها قائلة للصغيرة
– اديتي التشوكليت كيك ليوسف
رفعت شمس عيناها بذنب تجاه رهف لتشيح بعينها قائلة بنفي تام
-لا
رفعت رهف عيناها متعجبة من رفض الصغيرة اليوم بأعطاء الصغير حصته من الكيك اليومي الذي يقوم نزل بصنعه خصيصا من أجل شمس التي بدأت تتعلق به بطريقة أثارت دهشتها
فى أي زيارة تزورها لمطعمه، ترغب الصغيرة الذهاب معهما
وما أن تأتي بها داخل المطعم، تنفرد الصغيرة به، وتستجلب اهتمامه ونزار اللعنة
يداعبها بكلماته الشامية
لكنته التي تطير بعقول النساء هنا، جعلت شمس الصغيرة تثمل منها
وهو لا يتوقف عن التغزل بها، وإطعامها بيده رغم أن الفتاة تستطيع تناول الطعام بيديها
وتصر نزار أن يأتي صباح كل يوم أمام بوابة المدرسة بجلب الكعك لها ولصديقها يوسف
وهو يوافق علي كل طلب منها، كأميرة مدللة لم تعتاد علي سوي على الترف!!
ابتسمت بشر تجاه شمس التي غمغمت بنبرة حزينة
-جعت فأكلته
رفعت رهف حاجبيها بدهشة وقد تعجبت مارية حينما سألتها رهف بصدمة
-كله؟
اومأت شمس وهي تقر باعتراف وعينيها تنخفض أرضا
كله
وضعت رهف يدها على شفتيها فارغة فمها بصدمة، هل تستكثر الكعك علي الصغير؟ تراه من حقها بمفردها
تقسم أنها ستربي تلك الشقية إن كان جميع العائلة يفسدونها دلالا، ستكون لها بالمرصاد
سألتها بتحفز وهي ترفع ذقن الصغيرة لتنظر تجاه عمتها الرقيقة التي انقلبت إلى ساحرة شريرة
-والمسكين عمل ايه لما لاقاكي اكلتي كله
تهربت الصغيرة بعينيها عنها الا ان رهف ثبتت عيني الصغيرة الذهبيتين على زرقة عينيها الثائرتين لتهمس شمس بضعف
– معايا orange juice
قررت مارية التدخل تلك المرة وقد شعرت ان هناك بعض الاشياء ليست على دراية بها، لتسأل الصغيرة تلك المرة
-ومين اللي ادهولك
ابتسمت شمس وقد عاد تورد وجنتيها حالما تنطق اسم الطفل المرهف الاحساس
-يوسف
اتسعت عينا مارية بذهول تام وهي ترفع بصرها تجاه رهف، تطلب تأكيدا أن ما رأته منذ قليل كان حقيقا، هي تعلم بأصدقاء شمس فى الروضة.. لكن لا تعلم أن لها صديق حميم؟
اللعنة أيعلم والدها؟
ويشجعها؟
بالطبع إن كان والدها صياد.. فأبنته ستكون الطعم ليقبض على الفريسة!!
غمغمت رهف بتوضيح تجاه مارية
– مامته لما عرفت ان الكيك صحي ومش مضر ليهم بقت تعمل لشمس نصيب من عصير برتقال زي ما بتعمل لعيالها
رفعت مارية حاجبيها بريبة، وبعض الفضول تسلل لمعرفة تلك المرأة .. غمغمت بهدوء
– محتاجه اقابلها مامته دي، واشوف ايه حكاية يوسف بالضبط
ابتسمت رهف بتوتر وهي تجيبها بيأس
-احسنلك بلاش، صدقيني مش لطيفة نهائي
اعترضت شمس تلك المرة قائلة
– بس يوسف لطيف
وافقتها رهف وهي تتحدث تجاه مارية
– ابنها يجنن
زاد فضول مارية لمعرفة ذلك الصغير، فجأة صاح صوت شمس منادية باسم ذلك الصغير
-يوسف
نظرت المرأتين تجاه مرمى بصر الصغيرة، لتراه طفل يحمل ملامح طفولية بريئة، كثيف الشعر، مهندم الملابس ويحمل لوحة بيضاء بين يديه وينظر بخجل وأدب تجاه رهف ومارية التي تتفحصه بدقة، طالبت شمس والدتها ان تلعب مع يوسف قبل مجئ والدته
اضطرت مارية ان تستجيب لها، لتري ركض الصغيرة تجاه يوسف الذي يقف بارتباك وخجل وهو يرى نظرة مارية الحذرة والغاضبة، أشبه بنظرة والدها له
لكن شمس جذبت يده واندفعا ليجلسا اسفل بقعتهم المفضلة، اسفل الشجرة!!
ابتسمت رهف بسعادة وهي تري الصغيرة تنظر بشغف تجاه يوسف الذي بدأ يرسم فى لوحته البيضاء وشمس تمد له بالالوان التي يحتاجها، التفتت رهف تجاه مارية قائلة
– لو حابة تتكلمي مع نضال فى المواعيد انا شايفة….
قاطعتها مارية وهي تنظر الي صغيرتها
اتحرمها من كل هذا؟
لن تحرم الصغيرة من طفولة مثالية كتلك، لكن ستحتاج لاعادة النظر لبعض الشروط المجحفة من قبل والدها
-شمس حياتها هنا يا رهف، عكس المرات اللي فاتت بشوفها، بتعبر عن نفسها بطريقة شخص عاقل، وذكية ولماحة واهم من كل ده انها بتمارس طفولتها بشكل طبيعي، كل ده مخليني صابرة وراضية بالوضع الحالي
اقتربت منها رهف وهي تربت على ذراعها قائلة بهمس خافت
-لازم يكون ليكي تأثير اقوى من كدا يا مارية، انتي ليكي حق لبنتك زيه بالضبط، متخافيش كلنا معاكي
عينا مارية تعلقت بالصغيرة التي تضع كلتا يديها علي وجهها وتنظر بانبهار صادق الي لوحة يوسف لتغمغم برجاء
-اتمنى
******
فى قرية الغانم،،
مـنـزل نزار الشامي،،
تمسك غسان بحجر صغير والقاه بلا مبالاة أمامه وعينيه تتعلقان على سيد الذي فقد هو الآخر شغف الحياة بعد ما أصاب صديقه
ابتسم بمرارة وهو يحاول تهدئة أعصابه كي لا يخسر صديقه الذي يتصرف بغرابة بعد زيارة والد المرأة التي عشقها.. طلب منه أن يتوقف عن الحديث عن علاجه حتى يفك ضمادة ذراعيه، طلب فقط من والدته أن تكون مجاورة له الأيام السابقة ومنع أي زيارة لأي شخص كان سواء كان قريب ام غريب
حتى المدعوة بشادية حاولت مرة اخرى زيارته لكنه نبذها ببساطة
وطلب منه هو الآخر أن يتوقف عن التردد لزيارته حين يشفي، لكنه لم يكترث يزوره كل يوم ويكتفي بالتحدث عن عامة الأمور وجلب الطعام الذي تعده والدته خصيصا ثم يرحل..
تعلقت عيناه بعيني سيد الذي ينظر اليه متسائلا بصمت عن صديقه الذي توقف عن زيارته، لا ينكر أن سيد أصبح قليل الحركة وتوقف عن مشاكساته واصبح بالكاد يتناول طعامه وقد نحف جسده، غمغم غسان وهو يربت علي جسد سيد قائلا بنبرة شاحبة
-هل اشتقت إلى صديقك؟

نباح ضعيف خرج من سيد الذي عاد مرة أخرى ينظر بضعف الي غسان، يسأله عن سرمد؟ وعن غيابه الذي طال لأشهر بعيدا عنه… غمغم غسان بأسف
-هو أحمق … بل مغفل كبير
عاد الكلب ينبح مرة اخري لكن بزمجرة، مدافعا عن صديقه لينفجر غسان ضاحكا بيأس، حتي الكلاب يا أحمق لا تستطيع أن تغضب منك لفترة طويلة!!!
تنهد غسان بيأس وهو يعده بهمس خافت
-اعدك .. حينما يسترد بعض من روحه سأجعلك تزوره
رفع سيد بجسده ينظر بحماس يتلألأ حدقتي عينيه، وينبح بحماس عدة مرات متتالية قبل أن يخفض بجسده وصوته يتحول لانين وهو يسند رأسه علي ساقيه.. اقترب غسان يداعب فرو راسه قائلا بحماس زائف
-لا تحزن يا احمق
انتبه على صوت نزار المازح
– ولك اهبل عم تحكي مع الكلب شو صايرلك
زمجر كلا من سيد وغسان بانزعاج وقد قطع ذلك الاحمق جلستهما الهادئة، يتبادلان همومهما ليقول غسان بحدة
-ليك حل عني هلا هااا، خليك بحالك وبحبييبتك يا روميو زماننك
هل يحقد عليه شقيقه الأكبر؟
رفع نزار عينيه بتسلية وهو يغمغم بمكر
– مو ناوي تعقل ونفرح فيك ياعيني
انفجر غسان ضاحكا بسخرية وهو ينظر تجاه سيد الذي يهز ذيله بحماس شديد وقد بدأ شجار الشقيقين هو ما يثير اهتمامه في الوقت الحالي ليغمغم غسان بسخرية
– لك شايفني اهبل، حدا بجيب الدب لكرمه قال اتجوز قال
رفع نزار حاجبيه بتسلية شديدة تجاه غسان الذي بدا كاذب فاشل امامه، صاح به بحدة قائلا
– قوم ولك دب علق معي هالزينة، عيوشة مارح تتركنا بحالنا قووم خلصني قبل مايجيو ولووو
استقام غسان من مجلسه منفضا التراب، وقد أصبح نزل مزعجا حقًا بذكر زيارة خطيبته وخالته، ليندفع تساؤل خبيث أيعقل تلك المزعجة صاحبة العينين الدباحتين ستزور والدته أخيرا بعد انقطاع لأسابيع مكتفية لمكالمات هاتفية ؟!!
عقد حاجبيه بحدة واجابه بفظاظة
– ضيوووف مين ياعيني هني خالتي وخطيبتك مافي حدا يعني
أبتسم نزار بتسلية ويبدو أن الأحمق لا يعلم بالمستجدات الجديدة، اجابه بغموض
– لك لاااا يادب في حدا كمات يلا يلا خلصني شه
ولكن يبدو ان الاخر لم ينتبه لكلماته، بل أولى اهتمامه بالكلب الذي يربت على رأسه ويتابع الحديث معه تلك المرة بحزم
– سيد كن مهذب فى الارجاء، لا تفزع أي امرأة جميلة تمر هنا

وبالنظر لحالة الكلب المتأثر بغياب صديقه، اندفع نزار يتسائل باهتمام
– طمني رفييقك صار احسن ما؟
تنهد غسان بحدة وقد أولى اهتمامه تجاه شقيقه ليقول بحزن على حال صديقه الوحيد
– والله مابعرف شو قلك يانزار هالزلمة جحش وراسه يااابس متغير مع الكل
ربت نزار علي ظهر غسان مؤازرا ليترفع تلك المرة صوت عايشة قائلة بحنق
– يا شبااااااب، تعالو ساعدوني، خلصوووووني ليش جاييبة رجال انااااا ااااه يلااااااا
دفعه نزار بحدة تجاه والدته التي تتوسط يديها في خصرها، ليتقدم غسان قائلا بمرح مصطنع
– اجييييت يااااااا عمرري اناااا
تتبع والدته التي عادت تجاه المطبخ، لينظر بجوع حقيقي تجاه الأطباق العامرة التي جهزتها والدته لتغمغم عايشة بحدة وهي ترى نظرات غسان الجائعة تجاه الطعام
– قوووم ودي الصحون عالسفرة يلا ئدامي
انفجر غسان ضاحكا تلك المرة واقترب خلسة تجاه طبق ورق العنب والتقط واحدة يتناولها بتلذذ ثم سارع بوضع الاطباق علي الطاولة ليعود وهو يضم جسد والدته طابعا قبلة سريعة على وجنتها قائلا
-ياااامي ياروحي ياااقلبي انت وحئ الله رمضان الاسبوع الجايي يعني لازمة هالعزيمة وهالاكل يلي عم يخلي عصافير بطني عم تزئزئ ،هيك هيك رح ترجعي تطبخيه مرة تانية
ابتسمت عايشة بحيادية وهي تنظر الى الفرن منتظرة شواء الدجاج لتقول بنبرة غامضة
– لا الاسبوع الجاي عند خالتك لانو عندها مناسبة المهم هلا حط باقي الصحون عالسفرة وليك هااا استرجي تمد ايدك عاليبرقات فهمممت
اشارت بيدها على الأطباق الجديدة التي وضعتها على الرخام ليقول بوداعة وقد التقطته حينما تناول ورق العنب
– يا ست الكل طلباتك اوااامر يا روحي وعمري انت
تنهدت عايشة بيأس وهي تغمغم بضيق
-اخخخخ لو بس تبطل نشافية رااسك بس شو بدي ئول الله يهديك ..اييي صح لاتنسى تودي صحن لرفيئك وقلو بتسلم عليك عيوش وعم تستناك عسفرة رمضاااان
ابتسم غسان بشحوب ولم يستطيع سوي ان يبتسم متمنيا شفاء صديقه وعودته كالسابق، رن جرس المنزل لتقول عايشة بتعجل وهي تنزع مريولها وتطفئ الفرن قائلة
– اجو الضيووف
تقدمت بخفة شديدة خارج المطبخ، إلا أنها التفتت الى غسان الذي ضبطته يلتقط ورق العنب لتقول بانزعاج
-يلا يلا خف ايدك وحط الصحون الباقية لوقت ماشوفن
ابتسم غسان بعبث وهو يتناول الطبق ليضعه علي الطاولة، كي لا يثير غضب والدته.. انتبه علي خروجه الي صوت والدته التي تقول بحزن بالغ
– ولو اني ماخدة عخاطري منك يا بيسان
تيقظت جميع اوردته ليضع الطبق سريعا علي الطاولة ويلحق بتلك الغائبة عنهما ليسمعها تقول بأسف بالغ
-متزعليش مني ابدا، بس صدقيني انا كده مرتاحه
عقد حاجبيه بدهشة ليسأل بعدم فهم وهو يلاحظ ان هناك شئ مفقود لا يعلمه
– عن شوووو عم تحكووو ااااه
رفعت بيسان عينيها بتحدي تجاه غسان الذي عقد حاجبيه بريبة وهو يراها ترفع يدها اليمني مبرزة الخاتم فى بنصرها ليتبعه صوت والدته التي غمغمت بحزن بالغ لم تستطيع اخفاؤه
– بيسان انخطبت للعريس يلي تقدملها

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية أترصد عشقك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *