روايات

رواية يناديها عائش الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم نرمينا راضي

رواية يناديها عائش البارت الواحد والثلاثون

رواية يناديها عائش الجزء الواحد والثلاثون

يناديها عائش

رواية يناديها عائش الحلقة الواحدة والثلاثون

 

أشعر بالأسف تجاهي، فأنا لا أستطيع عيش هذه الحياة إلا من خلال شاشة هاتفي” لأحدهم

_______

لم ينعـم سيف بنوم طبيعي منذ تلك الحادثة، لقد استيقظ منذ دقائق من نومه المؤرق وأخذ يتفحص هاتفـه بتفكير مُرهق و محاولة نِسيان فاشلة، شعور الندم يحاصره كلما تذكـر معاملته الجافة والخبيثة لروان، تمنى لو أن الزمن يعود به ليعتذر لها عما بدا منه من سوء، كُلما تذكر ذلك اليوم الذي أتعس حياته وأدى به للهلاك، كره نفسه وتمنى الموت بـدلًا من المكوث هكذا عاجز مقيد القدمين.

نمت على شفتيه ابتسامة صغيرة وهو يشاهد صورها معه قبل أن تتحجب، تمنى لو أن الله يهديه ويصلح قلبه مثلهـا.. تُرى ماذا تفعل الآن ؟

تنهـد سيف بحزن وحيرة وهو يقوم بعمل حساب مزيف على “الفيس بوك” غير الذي قامت بحظره منه.. نجح في عمل الحساب ثم بحث عنها وأرسل لها
” أنا سيف الإسلام يا روان.. سامحيني.. ربنا خدلك حقك.. أنا بقيت مشلول يا روان.. وفقدت النطق.. عادي أنا مش زعلان.. أنا أستاهل.. بس كل اللي طالبه منك تسامحيني وتدعي ربنا يهديني زيـك.. روان.. انتِ متتعوضيش.. معرفتش قيمتك غير لما بعدتي عني.. أنا اكتشفت إني بحبك يا روان.. وهفضل أحبك دايمـًا.. بس متنسينيش من دُعاكِ ”

فرت دمعة من عينيه المهمومة فمسحها بضعف ورفع رأسه للأعلى هامسـًا من ثنايا قلبه

 

 

 

 

“يــــارب.. أصلحني”

كان سيف متسطح على فراشه، ولكي ينهض نحو كرسيه المتحرك إتكئ على ذراعيه ونهض بنصفه العُلوي، ولكن السُفلي لم يشعر به من الأساس وكأنه غير ملتصق بجسده فلم يقدر على تحريكه خطوة واحدة، حاول مرارًا كأنه يتحدى نفسه فباءت محاولاته بالفشل وهذا حال الشخص المصـاب بشلل نصفي.

على من يُنادي ليغيثه وهو فاقد للنطق؟

دار هذا السؤال في عقله وعادت عينيه للدموع ثم انفجر باكيـًا بوهن وعجز.. مدّ يده ليأخذ زجاجة مياه كانت موضوعة على الكومود، ألقى بها بكامل قوته ناحية الباب فأصدرت صوتـًا ليس هينـًا وانتظر بضع دقائق كأنها ساعات مُترقبـًا لأي أحد يسمع الصوت ويلبي نداءه.

مازالـت مفيدة جالسة على أريكتها تسبح الله بهمس، حتى وصل الصوت لمسامعها؛ فقـامت في الحال وفتحت باب غرفة سيف.. وجدته منعكف على نفسه ويبكِ كالصغـار بشدة.

***
وإنّي أهيمُ شوقًا إن مرّ بخاطِري
‏أتراهُ يذكُرُني ولو سهوًا فَيَبتَسِمُ🦋؟! “لأحدهم”

 

 

 

______♡

عادت روان لبيتها وهي في غاية السعادة وبحوزتها الأغراض التي سيتم الإحتفال بها من أجل الطفل القادم.

دلفت مُهللّة بإِغْتِبَاط اتضح في نبرة صوتهـا

–شوفي جبت إيه

وضعت أغراض الزينة على المنضدة؛ لتُريه لزوجة والدها التي جَذَل وجهها هي الأخرى وقالت بعد أن ضمت روان بحنانٍ لها

— الله.. ربنا ميحرمنيش منك يا روان.. تسلمِ يا حبيبتي.. حلو أوي الشوز ده

شرعت روان في تزيين الصالة حتى صارت جميلة ورائعة تُشيع البهجة في قلب من رأها، ثُم دلفت للمطبخ برفقة زوجة والدها “إينـاس” ليبدأنِ في صُنع الكيك وما لذ وطاب من المأكولات.. ما زال العصرُ لم يؤذن بعد أي أن في معظم البيوت المصرية لم يتناولوا غذائهم بعد؛ لذا قررت إيناس بعد إستشارة روان في دعوة جيرانهم وأقاربهم بأبنائهم لحضور تلك المناسبة السعيدة بعد صبر دام لعدة سنوات.

أنتهين من إعداد الطعام واتجهت روان لتتوضئ وتُصلي فقد أذن العصر تُوًا.

وقفت على سجادة الصلاة ثم أخذت نفس عميق بتريث وأخرجته ببطء لتُغمض عينيها بعد أن كبْرت ثم قالت دعاء الإستفتاح

(سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.
اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.. اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد)

تعلمت روان هذا الدُعاء من كتاب شامل لأحاديث النبي صلّ الله عليه وسلّم، اشترته مؤخرًا، ويُذكر أن هناك عدة أدعية أخرى يُستفتح بها بعد أن تقول الله أكبر وتبدأ في صلاتك ، ولكن هذا الشائع والذي استطاعت حفظه ولا بأس بذلك.

( دعاء الاستفتاح) لمن لا يعرفه، هو الدعاء الذي تستفتح به الصلاة سواء صلاة فريضة أو نافلة يكون بين التكبير والقراءة أي بعد التكبير وقبل قراءة سورة الفاتحة و سنة مندوبة فإذا نسي المصلي قراءته في صلاته فصلاته صحيحة أو ترك قراءته فلا حرج عليه.

 

 

 

 

“اللــــــه أكبــــــر”

حين تقولها يجب أن تكون على دراية تامة بها، الله أكبـر من أي شيء في العالم، أكبـر من همك الذي يلازمك ليلًا، أكبر من تفكيرك في الأمر الذي تخاف حدوثه، هو بجلالته أكبـر من أي شيء وأي مخلوقٍ تهابه، لذا دع كُل ما يُقلقك وأرمي بحمولك، عندما تُكبر وتتهيء للوقوف بين يدي مالك المُلك خالقك وخالق كل هذا العالم الذي تخشاه أنت، قِف ذليلًا متواضعـًا لله وتناسى الجميع وصلي بتأن وصفِ ذهنك تمامـًا وستُقبل صلاتك يا عزيزي؛ لأنك بذلك ستؤديهـا بخشوعٍ تام.

صلت روان فرضها بخشوع ثم جلست تُسبح الله على أصابعها، فضلت التسبيح على اليد عُوضـًا عن السبحة حتى تكون أصابعها شاهدة عليها يوم القيامة ولا حرج في استخدام السبحة ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله.

قرأت وِردها اليومي وبداخلها تمنت أن تكون حافظة لكتاب الله تعالى؛ فأخذت تدعو وتترجى الله أن ينعم عليها بحفظ القرآن قبل لُقياه.

أغلقت المُصحف ثم وضعته بمكانِ مُرتب وأخذت هاتفها لتتسطح على فراشها وتتصفحـهُ، انكمش وجهها حين رأت تلك الرسالة من حساب أحد الغُرباء، فتحتها وتجمدت حواسها لدقيقة فور أن وقعت عينيها على جُملة
” أنا سيف الإسلام يا روان ”
ابتلعت ريقها بتوتر ثم بدأت تقرأ في صمت ورغمـًا عنها نزلت الدموع تجري على خديها.. ظلت هكذا لبضع دقائق تعيد قراءة الرسالة أكثر من مرة وعقلها رافض تمامـًا أنه قد أُصيب بالشلل
“تبـًا، أنا من فعلت ذلك به، أنا السبب”

صدحت تلك الكلمات عقلها وتلبْد وجهها وكسته عتمة الحُزن والإنفطـار، أحست بأن قلبها قد قفز ارتعادًا بين أضلاعها وأخذ التأنيب ولوم النفس يراودها ويتملك منها حتى شهقت باكية وقالت

— أنـا السبب.. أنا السبب.. سامحني يـارب.. والله ما كُنت أقصد.. أنا كُنت بدافع عن نفسي.. والله معرف إن هيحصل كده.. آسفة.. آسفة يا سيف.. أنا آسفة والله غصب عني

 

 

 

 

عكفت على نفسها تبكِ وأخفت وجهها بين كفيها في محاولة منها لإسكات نفسها عن البُكاء، مرّت تقريبـًا خمسة عشر دقيقة وهي لم تكُفْ عن البُكاء بعد حتى احمرت عيناها وظهر بهما تورم خفيف، كادت أن تُراسله لتطمئن عليه وتُخبره أنها سامحته؛ لأنها تعلم جيدًا مدى طيبة قلبه وما حدث من سيطرة الشيطان وأصدقاء السوء على تفكيره، أما هو نقي القلب والعيب الذي يسوقه للشر هو أنه متسرع في أخذ قرارته ولا يُفكر في الكلمة قبل أن يُخرجها.. ولكن تذكرت سريعـًا أنها أخذت عهد على نفسها وأمام الله أن تنساه ولا تعلق قلبها بأحد غيره.

مسحت دموعها وحذفت الرسالة ثم قامت بوضع الحساب على قائمة الحظر.. وابتسمت وهي تمسح قطرات الدمع المُتعلقة بأهدابها كأن شيء لم يكن.

“روان.. بـابا جه تعالي”

نهضت روان وغسلت وجهها من أثار البكاء سريعـًا ثم ذهبت مبتسمة لتعانق والدها، فربت على ظهرها بحنو وقال

— تعالي شوفي بابا جابلك إيه

أعطاها والدها حقيبة الهدايا التي بحوزته، فتحتها روان وأخرجت منها إدناء بلون السماء ومن الأسفل باللون الوردي الهادئ فضفاضـًا جميلًا للغاية ومُصحف صغير يمكنها حمله في حقيبتها وقطع من الشوكلاته مختلفة الأنواع موضوعة بترتيب وأناقة في باقة ورود التوليب الجميلة.

اتسعت عينيها بفرحة شديدة غمرت قلبها وهي ترى تلك الهدية الجميلة واندفعت لتحتضن والدها بقوة قائلة بدموع

–ربنا ميحرمنيش منك يا بابا.. إنت أحسن أب في الدُنيـا

ابتسم والدها وقال

— ده بمناسبة إنك اتحجبتِ وبقيتِ بتصلي وبتجاهدي متعصيش ربنا.. أنا فخور بيكِ يا بنتي.. ربنا يباركلي فيكِ.. وعندي ليكِ مفاجأة هتعجبك أوي بس دي بعد شهادة الثانوية إن شاء الله.

تحولت ملامحها للحزن قائلة

 

 

 

 

–متتعشمش أوي يا بابا.. أنا بصراحه في مواد كتير مفتحتهاش وقدامي كام يوم وامتحن

حاوط والدها وجهها ليقول بلهجة طمأنينة

— أنا مش هعلقلك المشنقة عشان مزاكرتيش ولا جبتي درجة وحشة لقدر الله.. أنا كل اللي يهمني نفسيتك يا روان.. متتوتريش ولا تخافي ده مش امتحان الأخرة.. مجرد إمتحان عادي وأنا واثق إنك ذكية وهتنجحي بمجموع عالِ كمان.. ثقِ في ربك بس وخلي عندك إيمان بنفسك إنك هتوصلي لهدفك مهما كان الطريق صعب.

تنهّدت وقالت بإيماء

— حاضر.. هحاول يا بابا

رد والدها بجدية

— أجبلك مدرسين خصوصي الأسبوع ده ؟

بنفي أجابت روان

— لا يا بابا.. أنا هدخل تحدي مع نفسي وهجتهد وأسيب الباقي على ربنا.. لكل مجتهد نصيب وربنا مبيضيعش مجهود حد

حاولت تغيير مجرى الحديث، فصاحت مُصفقة بمرح

— أيها الوالد العزيز.. أرجو من سيادتك ربط حزام الأمان واستعد للمفاجأة.. غمض عينك

ضحك والدها وكذلك إيناس، إمتثل الأب لأوامر ابنته وأغمض عينيه.. فأخذت روان يده ووضعتها على بطن إيناس التي ابتسمت بسعادة لروان.. قالت روان مبتسمة وهي تصفق ثانية

— افتح يا سمسم.. فيه هنا إيه؟

 

 

 

 

سألته مشيرة لبطن إيناس، فضحك الأب بشدة وقال

— بواقي أكل

وكزته إيناس في كتفه بغيظ مصطنع وضحكت روان هاتفة

— فكك من اللي قلته يا كبير.. هتعرف في العزومة لما عماتي وقرايب ماما إيناس يجوا

إبتسم الأب عاقدًا حاجبيه بغرابة من مُناداة زوجته بـ”ماما” وهي لم تناديها بذلك من قبل، ولكنه أحس بإرتياح في قلبه من علاقتهما التي توطدت مؤخرًا.

دخلت روان غُرفتها لتبدل ملابسها وارتدت هذا الإدناء الذي هداها إياه والدها، وقفت تتطلع لنفسها أمام المرآة برضا، فقد زادها حشمة وعفة وبدت رقيقة وأنيقة للغاية، وضعت بعض المُرطب على وجهها وأيضـًا القليل من مرطب الشفاة الشفاف..

دقائق ورن جرس شقتهم يُنذر عن قدوم أفراد العائلة..

فتح الأب ليستقبل أقارب زوجته بحفاوة وبعد عشرُ دقائق رنّ الجرس ثانيةً وكانوا تلك المرة أقاربه هو.

دهش الجميع من ملابس روان المحتشمة، فلم يكن لديهم علم بإرتدائها الحجاب.. بارك لها الجميع وشرعوا في إعداد مائدة الطعام.. جلس الرجال في الصالة والنساء في غرفة واسعة، وقبل أن يبدأو في تناول الطعام، رنّ الجرس للمرة الثالثة.. نهض الأب ليفتح فكانت شقيقته رجاء التي تسكن بمحافظة الإسماعيلية وإبنها “مالك”
المُعيد بجامعة الحقوق في المُحافظة.. استقبله خاله بسرور ورحب بشقيقته التي لم يراها منذ عامين..

دخلت رجاء عند النساء وسلمت عليهن جميعـًا وأخذت تمدح في روان مُبدية إعجابها الشديد بملابسها الفضفاضة.

انتهى الجميع من الطعام وظلوا يتسامرون ويضحكون حتى أذن المغرب وخرج الرجال للصلاة في المسجد بينما النساء صلينّ في البيت..

حل المساء واجتمع الجميع ثانيةً ليسمعون هذا الخبر السار الذي ستُلقيه عليهم روان..

لم تنتبه روان لوجود “مالك” بعد، بينما هو كان يختلس النظرات من حين لأخر رغمـًا عنه، كانت بالأمس طفلة بجدائل سوداء تلعب وتمرح أمام البيت مع بقية الأطفال، تلك هي أخر صورة رأها فيها عند زيارته لخاله أخر مرة في عقد قرانه، كان خاله وقتها يكتب كتابه على زوجته وروان بعُمر العاشرة بينما هو كان مراهقـًا يبلغ عُمره السابعة عشر، ابتسم بإعجـاب كلما وقعت عينيه الرُمادية عليها، كم تبدو جميلة عفيفة في الحجاب، ما زالت مرحة وثرثارة كما كانت في الصِغر، تتحدث بسرعة ولا تفهم منها شيء سوى أخر كلمتين فقط.. تبسم بإنجذاب لها وإنبهـارًا بها فقد سحرته منذ أن وقعت عينيه عليها خلسة، لم يلاحظ أحد نظراته لها سوى والدته التي تبسمت هي الأخرى وأخذت ترسم الخطط في مُخيلتها عن كيفية إخبار شقيقها بالأمر.

هتفت روان بإشراقة وهي تُقدم إناء مُغطى لوالدها

 

 

 

 

 

— كله يقرب كده ونشجع حافظ بيه عشان يفتح الحلة ويشوف المفاجأة

فتح والدها الإناء فوجد حذاء صغير ولطيف وبه رسالة تقول “اذهب وأحضر العُلبة الموضوعة بالمرحاض”

تعجب ضاحكـًا وحثه الجميع على التقدم وفعل ذلك وفقد فهمن النساء الأمر حتى أن مالك فهم ذلك وأخذ يشجع خاله بطريقة هزلية ليحضر العُلبة..

فتحها أمام الجميع وتفاجئ بشريط إختبـار حمل!

أخذ ينظر للشريط تارة ولزوجته تارة بدهشة وسعادة احتلت وجهه..

ابتسمت إيناس بلُطف لتصيح روان مُهللة

–هيبقى عندي أخ.. أو أخت أيهما أقرب

تنهد حافظ مبتسمـًا فقد رزق الله زوجته بالحمل بعد انتظار ودعاء دام لثمانِ سنوات..

انهالت عليهم المُباركات ووزعت الحلوى والعصائر.. بدأ الجميع في الذهاب مُودعين تلك الأسرة الجميلة والتي ستزيد فردًا لطيفـًا مثلهم.. لم يتبقى إلا رجاء والتي ستبيت عند شقيقها الليلة لعدم استطاعتهم السفر في هذا الوقت المتأخر من الليل..بينما مالك سيمكث مع خاله في نفس الغرفة

“خـالو.. أنا عاوز أتكلم مع حضرتك شويه”

قالهـا مالك مُبتسمـًا والحرج يبدو عليه قليلًا

بإيماء رد حافظ

 

 

 

 

–اتفضل يا مالك

تنهد قبل أن يقول

” عاوز أتقدم لروان ” !

___________

حضرت جميع عائلة الخياط عقد قران بدر على عائشة إلا قُصيّ، تركوه نائمـًا بعد عدة محاولات باءت بالفشل في إيقاظه، نهاره ليل وليله نهار، الناسُ ينامون ليلًا ليعملوا بالنهار وهو كالوطاويط يسهر طيلة الليل على هاتفه يُحادث البنات أو يلعب الألعاب، نادرًا ما يستيقظ كباقِ البشر نهارًا.

بدأت جفونه تفتح رويدًا رويدا حتى استيقظ وهو يتثاءب بفم مفتوح على مصراعيه كأنه سيبتلع مدينة، ثم حك شعره بكسل ونهض ليصيح كـالديوك

— مـــامــــا أنـا جعـــــــان

كانت والدته تجلس مع زوجها أمام شاشة التلفاز يتابعون مسلسلًا ما وأشقاءه الفتيات في غرفتهن و أُبيّ يعمل على حاسوبه وهو يحاول التخطيط جاهدًا لفتح شركة استثمارات عقارية والإستقرار بمصـر.

فُزع الجميع من صوته المزعج حتى أن الصوت أزعج حِمـارًا بالخارج كان يأكل البرسيم بتلذذ

” وطي صوتك يا بن الكلب يا حمار ”

قالها والده وهو ينظر له شزرًا بإنزعاج، تبسمت الأم وقالت

— حالًا حبيب ماما ويكون الأكل جاهز

لم يعجب مجاهد معاملة زوجته لأولادها وتدليلهم كالصغار هكذا، فقـال محتجـًا

–دلعيهم كمان.. والله مهما نافعين

حك قصي شعره وجسده بطريقة غريبة فتساءل والده بإشمئزاز

 

 

 

 

–بتتهرش زي الجُرب كده ليـه

“أبدًا دي نار الحُب بتاكل فيا”

قالها قُصي قاصدًا استفزاز والده وهو يضحك كـالوغد دون أن ينتبه لهذا الحذاء الذي التصق بوجهه، تأوه قصي بألم ممسكًا وجهه ليقول من بين تأوهاته

— بتضربوا النعمة.!! بُكره تعرفوا قيمتي لما اسيبلكم البيت وأروح على بيت حبيبتي

هتف والده بتهكم

–عين أمك.. انت اللي هتروح لبيتها ! إنت يابني ملتك إيه.. ياريتها كانت بركت عليك فطستك

“إيه يا حاج اللي بتقوله ده.. هو إنت متجوز البيج رامي !”

هتف بها وهو يركض هاربـًا يتفادى الحذاء الأخر

وضعت والدته صينية الطعام أمامه.. التهم طعامه وبدل ثيابه للخروج لمقابلة تلك الفتاة التي عرفها من خلال الفيس.

استأذن قصي من والده أن يخرج للتمشي قليلًا، فنهره والده بتعصب

— اقعد يا ابن الكلب يا نسوانجي.. مفكرني برياله.. رايح تقابل بنات وتقولي رايح أتمشى.. اقعد قعدت مكسر

انصـاع قصي لأوامر والده وانتظره بصبر لا يعرف من أين جاء به حتى قام والده ليدلف للمرحاض وحينها انتهز قصي الفرصة وسرق مفاتيح سيارة والده ثم هرول هاربـًا للخارج.

بعد أن نجح قُصيّ في سرقة سيـارة والده، اختصـر الطريق المؤدي لجزيرة الورد بسؤالـه للمـارة عن طريق أسهـل يجعله يصـل باكـرًا لرؤية تلك الفتاة.

وصل قُصيّ للجزيرة وأخذ يلتفت بتيه يمينـًا ويسارًا يبحث بعينيه هنا وهناك عن مواصفات الفتاة كما أخبرته، ولأنه لم يسبق له وأن أتى للجزيرة إلا أنه تصنـع الشجاعة وقرر مقابلتها دون الإستعانة بأحد من أبناء عمه أو شقيقه، كاد أن يبكِ وهو يبحث عنها كالطفـل الذي ضـاع من أُمه، وأخيـرًا وبعد عشر دقائق انتبـه لفتاة تُقبل عليه باسمة وهي تلوح له، ابتسـم قُصي كالوغد وهرول إليـها هاتفـًا بـإرتيـاح

— صفـــــاء.. أخيـــرًا شُفـــــتك

 

 

 

تحولت ملامح الفتاة للغضب ونهرتـه

— تاني صفاء..! قولتلك اسمي صفـا.. صفاء دي تبقى عمتي الحيزبونة.. متقوليش يا صفاء تاني.. فهمت !

أومـأ قصي وهو ضائع تمامـًا في تفحص ملابسها الضيقة وقوامها الممشوق كعارضات الأزيـاء، حتى أنه انبهر بشعرها القصير الذي قصته لنهاية عنقها ولأن لونه أسود قاتم فكان رائعـًا مع بشرتها البيضاء.. على الفور أُعجب قصي بها وهتف بدون وعي

— صدق اللي قـال إن المنصورة بلد الأبطـال

ابتسمت صفـا بغرور واتجهت برفقته ليجلسوا على منضدة قريبة من شجرة أوراقها حمراء جميلة تسرُ الناظرين.

جلس قصي أمامها واستند بذقنه على يده مُتأملـًا ملامحها الجميلة بشرود وإعجـاب شديد..
تنهد مردفـًا

–هيييح.. وتين

“مين ؟”

سألت صفا بدهشة، فأجـاب بتيـه

— أول بنت هنخلفها هنسميها وتين

ضحكت صفا بصخب وقالت

— الطموح عندك عالي أوي.. بص أنا أوريلدي
مش هتجوز دلوقت.. عندي دريمز وطموحات لازم أحققها الأول.. خلينا فريندز أحسن

تظـاهر قصي بالحزن على عكس ما في قلبه، فهو لا يُبـالي بشيء اسمه الزواج ولا يعترف بمسمى الحُب، كل ما يبحث عنه في الحياة هو اللهو والإستمتاع
قال قُصي غامزًا بمكـر

–طيب إيه رأيك نرتبط الساعتين بتوع بليل دول والصبح نبقي نشوف الدنيا وكده يعني

عاودت صفا الضحك بميـاعة ثم دعته لتناول القهوة في مقهى قريب من الجزيرة، وبعد أن دلف الإثنين للمقهى، صفقت صفا بيدها ويبدو أن العاملين به يعرفونها جيدًا..

نظـرت صفا لقصي وتساءلت بجدية

— أنا هطلب شيشه أطلبلك إيه ؟

 

 

 

“شاي بلبن”

قالـها قصي وهو يبتسم كالأحمق مما سمعه للتو

راجع في ذهنه ما قالته صفا وأخذ يبتسم ويضحك كالأبله فسألتـه

— ها.. احكيلي بقى عن نفسك شويه

اتسعت ابتسامته البلهاء وقال

— أنا بفضل الله أشهر واحد في بيتنا

ضحكت صفا بصخب فنظر لها جميع من بالمقهى، بينما هو شعر بإحـراج شديد من جراءتها ووقاحتها عادت بسؤال أخر

— تعرف بنات غيري ؟

قال قصي في عقله

” ايه الغباء ده.. منا زي مخرجت معاكِ أكيد خرجت مع غيرك ”

ضحك قصي مردفـًا

–فخور إني متعاملتش مع بنات ف حياتي و مش ضايف و لا بنت عندي ع الأكونت

رفعت صفا إحدى حاجبيها بإستنكار قائلة

— اومال ايه البنات اللي ماليه صفحتك دي؟

 

 

 

“اخواتي في الرضاعة”

هتف بها قُصي كالأحمق ولكن ثوانِ وتفاجئ بها تقول

–علفكره معنديش مانع تصاحب.. أنا كمان بصاحب…
ثم صاحت للجرسون ” عـــادل.. جهزت الشيشه؟

غمغم قصي ساخرًا

— معلمه عليا الطلاق معلمه..

تصنع قُصي أن هاتفه يرن فنهض مُعتذرًا وانتهز الفرصة ليفرّ هاربًا من تلك الوقحة التي جعلت منه أضحوكة أمام الجميع بطلبها للشيشه وهو كالصبية يريد شاي بلبن !

حدث قصي نفسه متجهـًا للسيارة

— بنت المفترية بتشرب شيشه ؟؟ ده أنا في مره خدت نفس سيجاره فضلت طول اليوم أكح وأصوت من وجع بطني زي اللي رايحه تولد.. لأ لأ.. أنا لازم اتعرف على واحده جديدة وانهارده كمان عشان تضيعلي حرقة دمي دي.

وصل قُصي بالسيارة وهناك على مطلع البيت وجد والده يقف له بالحزام وعينيه يتطاير منها الشرر ليهتف بصرامة

— حمد الله على السلامة يا نسوانجي..

ابتلع قصي ريقه بخوف متمتمـًا

— ليلتك مش معديه انهارده يا قصي..استرها يارب

 

 

 

تدخل أُبي قائلًا وهو يتمالك نفسه من كثرة الضحك والشماته في مظهر أخيه

— خلاص يا بابا سامحه المرادي

“اخرس إنت.. انتوا الاتنين ولاد كلب”

قالها وهو يرمقهم بغيظ، فضحك أُبي هاتفـًا

— حضرتك كده بتشتم نفسك

رفع مجاهد الحزام لأعلى ثم نزل به على الأرض فأصدر صوتـًا عاليـًا ليصيح

— يلا وانت كمــــان معاه.. تـــــعالولي كده

حاول قصي الفرار من والده فهتف وهو يقفز كالقرود هنا وهناك ومن خلفه مجاهد يركض وراءه بالحزام.

–انتوا مفكرين حياة الولاد سهله
جرب تصحى الصبح كده وتبعت صباح الخير لتلاتين بنت.. محدش بيحس بحد يخربيت الظلم

اثارت جملته غضب والده ففقد السيطرة على نفسه وصـاح بصوتٍ عالِ خرج على إثره مصطفى وزوجته ونورا

— قُصـــــــــي… ثكلـــــــتك أُمك

قال تلك الكلمة من هنا وانفجر الجميع ضحكـًا بينما قصي رد مُلوحـًا

— يا عم انت هتقرفني ليه.. مثكلتني ثكلتني.. برضو هفضل أكلم بنات ويوم ما اتجوز هتجوز أربعه..

 

 

 

بعد قليل دلف زيـاد وعلى وجهه علامات الفرح والإنشراح، بالإتفاق مع بدر قرروا أن يكون عقد القران في المسجد غدًا لأن المأذون لم يكن متواجد في بيته حين ذهب زيـاد ليحضره، وأيضـًا حتى يتسنى للجميع الإستعداد من أجل تلك المناسبة السعيدة..

جلست هاجر في غرفتها تشرد في ذكريات طفولتها معه..كانت تضحك برقة كُلما تذكرت حنانه ومشاكسته معها وهي طفلة، ضحكتها الرقيقة تنُم عن مشاعر عشق جياشة كانت مسجونه وأُفرج عنها، تضحك بطريقة و كأنَّ مجموعة من طيور الكنـاري تُغرّد في رِئتيها، رغم
أنهم افترقوا قليلً، الله سيجمعهم ثانيةً ، من قوة عشقهم أثبت هذا الفراق الصغير أنه تجربة استثنائية لطعم الموت.

في الغرفة المجاورة دلفت مفيدة على صوت ارتطام شيء بباب غرفة سيف، وجده يبكِ ويشهق ويأن بقوة.. هرعت لتحتضنه فتمسك بها ودفن رأسه في صدرها وهو يهتز من البكاء، بينما والدته ظلت ترُبت على ظهره وتقرأ بعض الأيات حتى يهدأ..

دخل بـدر ووجدهم على هذه الحالة المأسوية، فأبعد والدته عن شقيقه برفق ثم عانقه ممسدًا على شعره بحزن غطى ملامحه وقال

–هتخف يا سيف.. هتخف يا حبيب أخوك.. أنا واثق في ربنـا

“كرهت حياتي”

قالها سيف من بين بكاءه، فتبادل بـدر ووالدته النظرات بدهشة وصدمة شديدة لتهتف مفيدة

— انت.. انت اتكلمت.!؟.. سيف إنت اتكلمت دلوقت صح.. صح يابني؟؟

صمت سيف يحاول استيعاب الموقف الفظ الذي أوقع نفسه فيه بينما بـدر نطق أخيرًا بذهول

— انت مكنتش فقدت النطق صح؟؟

 

يُتبع ..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *