روايات

رواية جبر السلسبيل 2 الفصل الأول 1 بقلم نسمة مالك

رواية جبر السلسبيل 2 الفصل الأول 1 بقلم نسمة مالك

رواية جبر السلسبيل 2 البارت الأول

رواية جبر السلسبيل 2 الجزء الأول

جبر السلسبيل 2
جبر السلسبيل 2

رواية جبر السلسبيل 2 الحلقة الأولى

بالإسكندرية داخل المقر الرئيسي لشركة المنياوي ،تسود حالة من الفزع، الخوف يملئ القلوب، الجميع يعمل على قدم و ساق ، خاصةً رؤساء الأقسام، يكثفون جُهدهم أضعاف مضاعفة حتى ينهو عملهم على أكمل وجه خوفًا من أن يطولهم غضب “عبد الجبار”،
بينما يقف هو بطوله الشامخ أمامهم موليهم ظهره، ينظر من نافذة مكتبه بأنفاس مهتاجة من شدة إنفعاله، يتناول سيجار تلو الأخر و ينفث دخانه كما لو كانت نيران متوهجه تخرج من فتحتي أنفه،
رغم جمود و صلابة ملامحه فهو كعادته بارع في إخفاء مشاعره، و ما يؤلم قلبه، إلا أن عينيه بدت مخيفه و قد اختفت منها بريق العشق الذي كان يُزينها مؤخرًا..
تبدل حاله للنقيض بعدما تعرض لصفعة خذلان من أحب و أقرب البشر لقلبه، زوجته و طفلته “سلسبيل” ارتكبت خطأ فادح بحقه جرحت به رجولته جرح مميت، ما يشعر به الآن إحساس لن تستطيع الكلمات وصفه، يشعر بخيبة الأمل و ما أصعب هذا الشعور، إعتذارات العالم أجمع لن تكفيه، لا شيء يستطيع تعويض قلبه الذي خُذل من شخصه المفضل..
قلبه!!! أسفًا عليه بعد فراقه عن نبع الحياة بالنسبة له، أخذت معاها روحه، مهجة فؤاده، ابتسامته، ذلك النابض بأسمها وحدها صدأ كالحديد لا يئن و لا يحن
، غلفته قسوة، و جبروت جديد كليًا عليه، بعدما كان يتميز بالرأفة في معاملته مع العاملين داخل و خارج شركاته،
“كده ملف القضية مبقاش ليه وجود زي ما سيادتك طلبت يا عبد الجبار باشا”..

 

 

قالها إحدي الجالسين بصوتٍ يملؤه الفخر، و كأنه حقق أعظم انتصاراته حين نفذ ما طلبه منه..
أطبق “عبد الجبار” جفنيه بقوة، و اصطك على أسنانه بعنف كاد أن يهشمهم حين تذكر تلك اللحظة التي تمزق بها قلبه لاشلاء..
.. فلاش باااااااااااك..
أرغم نفسه على الإبتسامة حين رأي “جابر” مقبلًا عليه ممسك بيد جده العجوز، ظن أنها إحدي زيارتهم لابنتهم التي تكررت أكثر من مرة منذ وصولهم إليها،
أصبح جدها يأتي لها باستمرار برفقة ابنته “سعاد، و إذا جاء برفقة” جابر “حفيده لابد أن يكون في وجوده..
” يا مُرحب يا عم الحاج.. نورت الدار”..
قالها “عبد الجبار “بترحاب و هو يأخذ بيده الأخرى و سار بجانبه نحو الداخل مكملاً..
” عفاف.. قولي ل سلسبيل هانم إن چدها وصل بالسلامة.. و چهزوا الوكل قوام”..
“أحنا هنمشي على طول.. مش جاين المرادي نضايف يا عبد الجبار بيه”..
قالها “فؤاد” بأسف و صوت بدي مرتبك للغاية، تملك القلق من قلب” عبد الجبار” خاصةً حين تنقل بنظره بينهم، ليجد نظرة “جابر” تتراقص فرحًا لأول مرة من وقت ما دلف لمنزله، كل مرة يأتي بها كانت نظرته يملؤها الحسرة، و الألم..
فتح” عبد الجبار ” فمه و كاد أن يستفسر منه عن مقصده إلا أنه انتفض فجأة كمن لدغه عقرب حين رأي زوجته تهبط الدرج بعباءتها السوداء ساحبه خلفها حقيبة كبيرة و عينيه منتفخة أثر بكاءها الشديد،
سقط قلبه أرضًا و هو يهرول نحوها بخطوات راكضة..
وقف أمامها ينظر لها بتساؤل و أعين منذهلة بعدما رآها تتهرب بعينيها الدمعة منه، و ترسم الجمود على ملامحها التي كساها الحزن ثانيةً..
لم يسعفه لسانه بالنطق بحرف واحد، ظل يحملق فيها منتظر إجابة لهيئتها هذه..
ساد الصمت طويلاً إلى أن قطعه “فؤاد” قائلاً..
” إحنا جاين انهارده عشان ناخد بنتنا معانا من غير مشاكل.. سلسبيل قالتلي أنها مش قادرة تسامحك على لعبك عليها بخصوص مرضها و عايزه تطلق منك.. فياريت يا ابني زي ما دخلنا بالمعروف ننفصل بالمعروف”..

 

 

ربااااه!!!
ماذا يقول هذا الرجل على لسان زوجته؟!، هي بنفسها أخبرته من قبل عن عفوها عنه، و تناست هذا الأمر تمامًا، ضحك فجأة ملئ فمه أمام أعينهم المندهشة،فقد أقنع نفسه أنهم يمزحون معه، كان الموقف حقًا مُخيف خاصةً حين دلفت”بخيتة ” التي كانت تتجسس على ما يُقال كعادتها، اقتربت من “فؤاد” مستندة على عكازها ، و تحدثت بغضب عارم قائلة..
“طلاق أيه اللي بتتحدت عنِه.. معندناش حريم تطلب الطلاق..ده راچلها يدفنها حية بيده في جبرها أهون ما تخرچ من داره مطلقة”..
أصبح الجميع على يقين أن ما يحدث الآن لا و لن يمر مرور الكرام بعد حديثها هذا الذي كان بمثابة سكب الزيت على النيران، جعل “جابر” كاد أن ينفجر بوجهها هي و ابنها إلا أنه لجم غضبه بشق الأنفس، و ظل ملتزم الصمت بأمر من جده..
بينما” عبد الجبار ” كان في حالة من الذهول، و عدم الاستيعاب..
“سلسبيل رايده تطلق مني!!!!”..
أردف بها و هو يغمز لها في الخفاء، تفهمت هي أنه يذكرها أنهما منذ دقائق كانت تعترف له و هي بين حنايا صدره عن مدى عشقها له الذي فاق كل الحدود ،
أخبرته أنها يمثل لها الدنيا و ما عليها، و أن وجودها بجواره هو كل ما تتمناه..
ابتلعت غصة مريرة بحلقها قبل أن تطلع له بقوة زائفة..
“أيوه أنا عايزه أطلق منك يا عبد الجبار”.. أردفت بها بصراخ مقهور، و هي تندفع من أمامه نحو جدها و تابعت بنبرة متوسلة..
“ياريت تسبني أمشي مع جدي وأنا هتنازل ليك عن كل حقوقي.. حتي شنطة هدومي مش عايزاها.. مش عايزة منك غير ورقة طلاقي و بس”..
أنهت جملتها، و مدت يدها أمسكت يد جدها، و تابعت بأنفاس متقطعة..
“يله بينا من هنا يا ج!!!”..
شهقت بقوة حين لف “عبد الجبار” ذراعه حول خصرها فجأة سحبها عليه بلهفة حتي أصبحت خلف ظهره، لا تعلم كيف و متى قطع المسافة بينه و بينها، وقف أمامها كالسد المنيع صائحًا بصوته الأجش..
“سلسبيل مَراتي.. مَرات عبد الچبار المنياوي، و مافيش قوة على وجه الكون ده كله تقدر تاخدها مني”..
” بنتنا هناخدها لو مش بمزاجك هيبقي غصب عنك”..

 

 

كان هذا صوت “جابر” الذي كسر كلمة جده، و خرج عن صمته، أشعل غضب “عبد الجبار” أكثر حتي وصل لزرواته، جعله يهجم عليه و يكيل له لكمات متتالية دون سابق إنذار..
كان” جابر ” متوقع رد فعله هذا، و مستعد للدفاع عن نفسه باحترافية شديدة، بغمضة عين نشبت بينهما معركة دامية، لتصدح صرخات” سلسبيل” و عويل “بخيتة” و حتي “خضرا” التي أتت على الصراخ من داخل المطبخ ..
“كفايا يا عبد الجبار بالله عليك”..
نطقت بها “سلسبيل” و هي تحاول الوصول إليه، لكن يد “عفاف” التي جذبتها داخل حضنها أوقفتها..
تتبع “فؤاد” مصدر الصوت، و استطاع الوصول لهما، أمسك يد حفيده الذي تعرف عليه من رائحة عطره، و تحدث بأمر قائلاً ..
” بس يا جابر.. أبعد عنه بقولك!!!.. سيبه يا عبد الجبار بيه ميصحش كده إحنا في بيت ك”..
لم يُكمل جملته بسبب لكمة قوية لكمها له “عبد الجبار” دون قصد منه، سقط على أثارها أرضًا..
” جدددي”..
صرخت بها و هي تركض تجاهه، و جلست بجانبه على ركبتيها تتفحصه بلهفة، و أعين تفيض بالدموع..
ليزيد الأمر سوءٍ حين دوى صوت طلق ناري صم الأذان، رفعت رأسها و نظرت تجاه مصدر الصوت بأعين مذعورة، لتجد زوجها مصوب سلاحه الناري على موضع قلب “جابر”..
“بتضرب نار علينا و إحنا في بيتك.. دي مش أخلاق أهل الصعيد أبدًا”..
قالها “فؤاد” و هو يستند على حفيدته، و انتصب واقفًا بضعف..
” أنت اللي مخابرش أخلاق رچالة الصعيد زين”.. صاح بها “عبد الجبار” بصوته القوي هز جدران المكان من حوله، و تابع بلهجة لا تحمل الجدال..
“أني بدافع عن سلسبيل.. مَراتي.. اللي حفيدك قال هياخدها غصب عني.. و ده لو حُصل و سلسبيل خرچت من داري الليلة هيبقي على جثة حد مِننا”..
” مش هخرج.. مش هخرج يا عبد الجبار بس نزل السلاح و سبهم هما يمشوا عشان خاطري”..
قالتها “سلسبيل” من بين شهقاتها الحادة..
حاولت السيطرة على بكاءها، و تابعت حديثها بقلة حيلة..
“خد جابر و امشي يا جدي.. أنا خلاص هفضل مع جوزي “..

 

 

” هتفضلي معاه غصب عنك!! .. هي دي الرجوله يا عبد الجبار بيه.. تجبر واحدة على العيشة معاك”..
قالها” جابر” بمشاعر مشحونه تعصف بقلبه المُعذب بحبها..
ليُصيح “عبد الجبار” فيه بلهجته الصلبة قائلاً..
“مش عبد الچبار المنياوي اللي يغصب حُرمة على العيشة وياه..أني رايد اتحدد مع مَراتي.. أفهم مِنها أيه السبب الحقيقي اللي زعلاها مني قوي أكده ، و لو لقيت عنِدها حق.. هرضيها و أحب على راسها و يدها كمان لحد ما ترضى و تصفي من چهتي”..
قال “فؤاد” بتعقل.. “ولو مرضيتش.. و فضلت مُصرة على طلاقها منك يا عبد الجبار بيه هتعمل أيه ساعتها؟! “..
نظر” عبد الجبار ” لزوجته التي توقفت عن البكاء، و تنظر له نظرة متوسلة ترجوه بها أن يطلق سراحها، لكنه اشاح بعينيه عنها و نظر ل”خضرا” و تحدث بأمر..
“خدي سلسبيل على أوضتها”..
وجهه نظره ل” عفاف ” مكملاً..
” طلعي شنطة الهانم و رچعي حاچتها كيف ما كانت”..
تنهد بارتياح حين رأي زوجته تصعد الدرج مرة أخرى، فتحدث بثقه قائلاً.. ” متقلقش يا حاچ فؤاد.. أني خابر كيف هراضي مَراتي من غير ما حد يدخل بنَتنا”..
بعد حديثه هذا لم يجد” فؤاد” أمامه سوا أخذ حفيده بالقوة و عادوا حيث أتو ،عقب رحيلهم هرول” عبد الجبار ” مسرعًا تجاه زوجته، دفع باب الغرفة و دلف للداخل، لتخرج “خضرا” التي كانت تقف بجوار الفراش الجالسه عليه” سلسبيل ” تربت على ظهرها كمحاوله منها لتكف عن البكاء..
انتظرت “سلسبيل” حتى تأكدت من ذهاب “خضرا” و رفعت رأسها ببطء، ثم عينيها و نظرت لزوجها نظرة مشفقة على حالته المزرية، الدماء المتناثرة على وجهه و ثيابه، دماء مشتركه بينه و بين “جابر”..

 

 

اجهشت بالبكاء و هي تقول”بتضرب جدي.. الراجل العجوز العاجز في بيتك يا عبد الجبار!!.. أنا بعد عملتك دي بقيت مُصرة أكتر على طلاقي منك.. طلقني يا عبد الجبار أبوس رجلك.. لو مش هطلقني يبقي تدفني صاحية زي قالت أمه بخيتة و خليني أخلص من العذاب اللي مش عايز يسبني في حالي ده”..
شعر أنه أخطأ في حقها بفعلته المتهورة هذه، و لكن الأمر لا يستحق أنها تُصر على الطلاق هكذا، أسبابها ليست مقنعة على الإطلاق، تيقن أن هناك شيئًا ما يرغمها على طلب الطلاق منه..
كانت حالتها لا تحتمل أي جدال الآن، فضل عدم طرح اسأله عليها بالوقت الحالي، و قرر أن يحتويها حتى لا تتدهور حالتها أكثر..فتنهد بقوة مغمغمًا بخفوتٍ..
“خابر أن غلطي في حقك واعر “..
قالها بعدما قطع المسافة بينه و بينها، جثي على ركبتيه أرضًا أمامها،احتضن يدها الصغيرة بين كفيه ضاغطًا عليها برفق، و همس بصوتٍ جاهد على جعله طبيعيًا لكنه خرج مرتجف بعض الشيء..
“بس طلاق لا.. أحب على يدك طلاق لا يا سلسبيل”..
أغمضت عينيها ببطء لتنهمر عبراتها على وجنتيها بغزارة، تعالت شهقاتها و بصعوبة بالغة همست بغصة مريرة يملؤها الأسى..
“مش هينفع.. صدقني مش هينفع أفضل على ذمتك بعد انهاردة”..
فتحت عينيها و نظرت لعينيه نظرة أرتعد منها قلبه و تابعت بابتسامة حزينة..
” لو فضلت مراتك هموتلك نفسي يا عبد الجبار!!”..
“موتيني أنا فيكِ يا بت جلبي”..
قالها بصوته المزلزل قبل أن يخطفها ذراعه كالخطاف لداخل صدره، يضمها بلهفة، و يمطرها بقبلاته الدافئة التي تُذيب عظامها، هدأت نوبة غضبها، و بدأت تتجاوب معه قلبًا و قالبًا،هامسًا لها بأجمل كلمات الغزل..
قضوا ليلة غرام ملحمية لن تنمحي أبدًا من ذاكرتهما..

 

 

بعد وقت ليس بقليل، كانت” سلسبيل ” تنعم بالدفء و نومًا هنئ فوق صدر زوجها الذي يداعب خصلات شعرها المشعثة بفيضوية مثيرة بفضل أصابعه..
صدح صوت رنين هاتفه ، فمد يده والتقطه بتكاسل..
عقد حاجبيه بتعجب حين لمح أسم “شهاب نور الدين” من أشهر المحامين..
تنحنح قبل أن يضغط زر الفتح، و تحدث بلهجته الصارمة قائلاً..
“خير يا متر.. متتصلش بيا غير في المصايب!!”..
“شهاب”.. بأسف.. “المرادي مش أي نصيبة يا عبد الجبار باشا!!!.. أنا في ايدي توكيل لرفع قضية على جنابك “..
“قضية على أني؟!..قضية أيه، و مين اللي رفعها يا شهاب!!!”..
اجابه “شهاب بجمله أصابته بصدمة عمره..
” قضية خلع.. رفعها مراتك مدام سلسبيل هانم”..
.. نهاية الفلاش باااااااااااك..
فاق من شروده على صوت المحامي يقول بعمليه..
“ورث الست سلسبيل هانم من المرحوم أخوك اتحول لحسابها، و ورق الطلاق المدام وقعت عليه، مش فاضل غير توقيع سيادتك بعدها نقدر نحول لها كل مستحقتها زي ما حضرتك أمرت”.

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على (رواية جبر السلسبيل 2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *