روايات

رواية شظايا أنثى الفصل الثاني 2 بقلم بتول علي

رواية شظايا أنثى الفصل الثاني 2 بقلم بتول علي

رواية شظايا أنثى البارت الثاني

رواية شظايا أنثى الجزء الثاني

قد تكون صورة ‏‏شخص واحد‏ و‏نص‏‏

رواية شظايا أنثى الحلقة الثانية

 

 

نظرت مريم إلى الأوراق والأقلام قبل أن تشرع في كتابة كل ما تريده وهي تتذكر حياتها المأساوية، تذكرت عندما سمعت جارتها وهي تقول أن والدها قد صرخ في وجه والدتها ونهرها عندما علم أنها تحمل بداخل رحمها فتاة وليس ذكر مثلما كان يريد.

أخذت مريم تسترجع بعقلها تلك الأوقات التي سمعت بها والدها وهو يقولها بصحيح العبارة أنه يكـ…ــره خلفة الفتيات وأنه لم يكن يريد أن يرزقه الله بفتاة لأنه يرى أنها ستجلب له العـ….ــار والفضــ…ـائح وسوف تلـ….ــطخ وجهه في الوحل.

توقفت مريم بذكرياتها على ذلك اليوم عندما كانت في السابعة من عمرها وطلبت من والدها أن يسمح لها بالذهاب واللعب برفقة أصدقائها مثلما يسمح لشقيقها الذي يكبرها بعامين وكان الرد هو الرفض القاطع وعندما اعترضت وزمت شفتيها بتأفف صفـ…ـعها على وجهها وصــ…ـرخ بصوت جهور دب الرعـ..ـب في أوصالها:

-“وهو أنتِ زي أخوكِ يا مقصـ…ـوفة الرقبة، عايزة تطلعي برة في الشارع وتجري وتلعبي وبعدها تتعرفيلك على واحد يضحك عليكِ وتجيبيلي العـ…ـار!! هي خلفة البنات مش بيجي من وراها غير المصايب السـ…ـودة، ياريتني كنت دفـ…ـنتك وخلـ…ـصت منك يوم ولادتك، قسما بالله لو عرفت أنك في يوم كلمتِ ولد أو مشيتي عوج هقتــ…ـلك وهشرب من د.مك”.

لم تفهم مريم قصد والدها من كلمة أنها ستجلب له العـ….ــار فهي كانت صغيرة ولم تستوعب هذا الحديث ولكن تملكها الرعـ..ـب الشديد عندما سمعته وهو يخبرها أنه سيقتــ…ـلها إذا تحدثت مع أي فتى وكان هذا الوعيـ…ـد دافع قوي لجعلها تتجنب الاختلاط بزملائها خشية من ردة فعل والدها.

أصبحت مريم مع مرور الوقت شخصية انطوائية للغاية ومنكســ….ـرة لا تقدر على رفض أي شيء من أوامر والدها وشقيقها الذي يتسلـ…ـط عليها دائما مستغلا عدم حب والده لشقيقته.

انحدرت الدموع من عيني مريم بعدما تذكرت ذلك اليوم الذي توجهت به إلى حجرة والدها وأخبرته أن إيهاب شقيقها مـ…ـزق لها دفترها ولكنه لم يكترث للأمر فهو لا يعاقب ابنه حتى لو بلغت أخطائه عنان السماء.

 

تفوقت مريم في المرحلة الإعدادية وحصلت على مجموع يمكنها من استكمال دراستها في المرحلة الثانوية ولكن تحطمت أحلامها عندما أعلن والدها أمامها أنها ستلتحق بالثانوي التجاري.

هبطت الدموع من عيني مريم وحاولت استعطاف والدها بقولها:

-“طيب ليه يا بابا أنا جايبة مجموع حلو يخليني أدخل ثانوي وأنا حاطة رجل على رجل، أنا طول عمري نفسي أجيب ثانوي وبعدها أروح كلية لغات وترجمة لأني بحب مادة الفرنساوي أوي ونفسي أبقى زي الأبلة ولاء اللي كانت بتدينا في المدرسة”.

رفع والدها حاجبه باستنكار وهو يصــ…ـرخ في وجهها:

-“سمعيني كده يا أختي أنتِ بتقولي إيه!! بقى عايزة تدخلي كلية وتسافري وتروحي وتيجي كل يوم وبعد كده تتعرفي على واحد من زمايلك وتحبيه وتتجوزيه عرفي وتفضــ…ـحيني وسط الخلق يا خلفة عـ….ــار”.

تدخلت والدتها في الحديث ووقفت أمام مريم قبل أن يبطـ…ــش بها والدها:

-“استهدى بالله ومتعصبش نفسك، مريم طول عمرها شاطرة في المدرسة وصعبان عليها مجهودها يضيع وخصوصا أن في عيال كتير من زمايلها كانوا خايبين بس مجموعهم جاب ثانوي وهي مش عايزة تبقى أقل منهم”.

 

هدر بعصبية شديدة وهو يضـ…ــرب بقبضته فوق سطح الطاولة:

-”اسمعي يا ولية أنتِ وعقلي بنتك بدل ما أكســ….ـرلك دماغها وأرتاح منها، مفيش عندي بنات يدخلوا كليات وأنا مش هدخلها ثانوي وأصرف عليها دم قلبي هي أخرها هيكون الدبلوم وبعدها هتروح على بيت عدلها”.

استسلمت مريم لقدرها بعدما فشلت والدتها في إقناع والدها الذي تشبث برأيه وأصر عليه تحت نظرات إيهاب الذي كان يشعر بالسعادة والرضا فهو لم يكن يريد أن تصبح شقيقته أفضل منه وخاصة أنه قد رسب للمرة الثانية في العام الأول له في الثانوي التجاري.

ظلت مريم حزينة لفترة كبيرة من الوقت ولم تتقبل وضعها وهي في الثانوي التجاري وازدادت حالتها النفسية سوءا وهي ترى كل يوم زملائها الذين التحقوا بالثانوي العام يمرون أمامها أثناء ذهابها إلى الدروس.

أصيبت مريم باكتئاب حاد وأصبحت جسد بلا روح ولكن بدأ كل ذلك يتلاشى بعدما ظهر في حياتها فارس الأحلام الذي توسمت به أن يعوضها عن قسـ…ــوة والدها.

شريف ، اسم على مسمى مثلما يقولون فقد كان مثال للشاب الخلوق المهذب والأمين والصادق والذي سقط أسيرا في حب مريم بعدما وقعت عيناه عليها أثناء زيارته لخالته إحسان التي تكون جارة والدة مريم.

جمع شريف كل المعلومات عن مريم وعلم أنها فتاة مهذبة وعلى خلق وأنه لن يجد لنفسه زوجة أفضل منها ولكنه فضل أن ينتظر قليلا بسبب صغر سنها فهي في السابعة عشر من عمرها وهو في الثالثة والعشرين من العمر.

في أحد المرات وأثناء جلوس شريف داخل شقة خالته سمع صــ…ـراخ مريم وعلم أن والدها يضـ…ــربها لأنها تأخرت عشرون دقيقة عن موعد عودتها من الدرس.

 

 

أراد أن يذهب ويمنع الأذى عنها ولكن منعته إحسان وهي تتحدث بتنهيدة حزينة:

-“لو بتحبها زي ما بتقول وخايف عليها يبقى تقعد مكانك ومتتحركش لأنك لو حاولت تدخل ساعتها أبوها هيفكر أن فيه حاجة بينك وبينها ووقتها مش هيتردد ولو للحظة واحدة في أنه يقتــ…ـلها”.

في اليوم التالي ذهبت مريم إلى منزل إحسان حتى تعطيها مال الجمعية مثلما طلبت منها والدتها والتقت بشريف الذي كان ينظر إلى كدمات وجهها بحزن وغضـ..ـب وتمنى أن يرى والدها ويكســ….ـر يده التي ضـ…ــربت محبوبته.

كانت مشاعر شريف واضحة أمام مريم فهي لم يخفَ عليها اهتمامه الشديد بها ولكنها لم تُظهر أي ردة فعل حيال هذا الأمر خوفا من والدها وشقيقها الذي صار نسخة طبق الأصل من والده.

كادت مريم تغادر منزل إحسان ولكن أوقفها شريف بقوله:

-“أنا مش هسيبك يا مريم، صدقيني مش هتخلى عنك وأول ما تخلصي هتقدملك وهتجوزك على طول وهخليكِ تكملي تعليمك وتدخلي الكلية، خالتي إحسان قالتلي أنك كان نفسك تدخلي لغات وترجمة وأنا مش عارف إذا كان هينفع تدخلي الكلية دي لو جيبتي مجموع عالي في الثانوي التجاري ولا لا بس أنا مش هستسلم وهعمل المستحيل عشان أحققلك الحلم ده”.

رحلت مريم دون أن ترد عليه ولكنها كانت تشعر بسعادة عارمة فهي لم تتوقع أبدا أن يظهر في حياتها الشخص الذي سيمنحها الحب والاحترام الذي لطالما تمنت الحصول عليهما داخل منزل عائلتها.

تعالت شهقات مريم عندما اقتحم عقلها تلك الذكريات التي جلـ…ـدتها بقسـ…ـوة وبلا رحمة وأجبرتها على تذكر أحداث أرادت أن تنساها بشدة.

شددت مريم على القلم الذي تمسكه بيدها ثم بدأت بكتابة أولى كلمات حكايتها التي اختارت أن تبدأها من النقطة التي تحطـ…ــمت بها جميع أحلامها.

حطام … هذا ما أصبحت عليه الآن مجرد حطام بعدما سُلب مني كل شيء.

دعوني أعرفكم بنفسي، مريم هذا اسمي، كنت أتمتع بالجمال وكان ذلك سببا كافيا لأن يأتي لمنزلنا الكثير من الرجال من أجل خطبتي ولكن لم يشغل بالي سوى شريف الذي وقعت في حبه ولكن كتمت عشقه داخل قلبي حتى لا يقتــ…ـلني أبي الذي تمنيت أن يكون سندي وليس الكـ…ــابوس الذي ينغص حياتي.

بدأت رحلة معاناتي منذ يوم ولادتي ولكن كنت دائما أتشبث بالأمل وكنت أنتظر اليوم الذي سأخرج فيه من منزل أبي وأزف كعروس إلى بيت شريف الحبيب الذي وعدني أنه سيحقق لي أحلامي.

انتظرت كثيرا قدوم شريف إلى منزلنا ولكن استيقظت ذات يوم على خبر مفجـ…ــع وهو تعرض شريف لحـ…ــادث بشـ…ــع نتج عنه إصابة خطيرة جعلته يقع أسيرا لغيبوبة طويلة الأمد وكان ذلك عندما كنت في الثامنة عشر من عمري وتحديدا في اليوم الذي ظهرت فيه نتيجة الثانوية التجارية وحصلت وقتها على مجموع عالٍ مثلما تمنيت حتى يتمكن شريف من مساعدتي في تحقيق حلمي ولكن كان لأبي الظـ…ــالم رأي أخر عندما قرر أن يزوجني قسـ…ـرا من رجل يكبرني بعشر سنوات وهو زوجي الحالي وقدري الأسـ…ــود “بهاء”.

رفضتُ هذا الأمر وصــ…ـرخت بشدة ولكن لم أحصل سوى على الضـ…ــرب والتهــ…ـديد من أبي وأخي الذي أعطاني كما لا

يستهان به من الضـ…ــرب والإهـ…ــانة.

رجوته كثيرا، أرجوك أبي أنا ابنتك الوحيدة لا تفعل بي هذا ألا تهمك راحتي؟ ألا تعني لك سعادتي؟ كان هذا ما قلته لأبي قبل عقد القران بيومين وكان رده أن هذا العريس لقطة وهذه الفرصة لن تتكرر مرة أخرى كما أنه أخبرني أنه يجب أن أحرص على إرضاء هذا الزوج كي ينتشل عائلتنا من الفقر.

هذا هو أبي، كنت بالنسبة له مجرد سلعة احتفظ بها رغم بغضه لفكرة إنجاب الإناث حتى يبيعني في النهاية لمن يدفع له أكثر.

تم الزواج المشـ…ـؤوم وسط حفل زفاف مرموق وكان الجميع يحســ…ـدني على هذا الزوج الثري، لم يشعر أحد بما أشعر به فقد كنت أتمنى المــ…ـوت كل دقيقة.

كان هذا الزفاف بالنسبة لي هو جنازتي وهذا الفستان الأبيض الذي أرتديه هو الكـ…ــفن.

تمنيت كثيرا أن يستيقظ شريف من غيبوبته وينقذني من هذا المصير الأســ….ـود ولكن لم تتحقق أمنيتي فقد أخبرتني الخالة إحسان أن حالة شريف حرجة وجميع المؤشرات تؤكد أنه سيرحل عن هذه الدنيا خلال وقت قصير.

كنت أبـ…ــكي بقهـ..ــر وحســ…ـرة على حبيبي الذي يصارع المــ…ـوت وعلى أحلامي التي تحطـ..ــمت ولكن اعتقد الجميع أنني أبـ…ــكي لأنني سأرحل عن منزل أبي الذي لم أبتعد عنه يوما.

لم يعرف أحد أنني أبـ…ــكي لأني تمنيت أن أرتدي هذا الفستان الذي تحلم بارتدائه أي فتاة ولكن من أجل شريف وليس من أجل بهاء الذي لم أسترحِ له وشعرت بوخزة تؤلم صدري منذ أول مرة رأيته بها.

حانت لحظة الوداع، كان أبي يبتسم لأنه تخلص مني لطالما كنت بالنسبة له مجرد عبء وأخيرا أتى اليوم الذي ارتاح فيه من هذا الهم مثلما كان يدعوني دائما.

وقعت عيناي على أمي المسكينة التي كانت تبـ…ــكي من أجلي ومن أجل حظي السيء وكانت تنظر لي بعينيها نظرة ترجوني من خلالها أن أسامحها لأنها لم تستطع أن تفعل شيئا من أجلي، أما أخي الذي كان من المفترض أن يكون سندي لم يهتم أبدا بالأمر فكل ما كان يشغل تفكيره هو هذه الوظيفة التي حصل عليها في شركة صديق بهاء وهذه الدراجة النارية التي أهداها له زوجي المصون.

عندما حانت لحظة ذهابي إلى منزل زوجي همس أبي بجانب أذني قائلا بصـ…ـرامة:

-“اسمعى يا مريم، أنتِ لازم تسمعي كلام جوزك كويس واوعي تزعليه منك، احنا بسببه حالتنا اتغيرت ولسه كل ما هترضيه أكتر كل ما أمورنا هتبقى أحسن”.

نظرتُ له نظرة جمعت بين الغضـ…ـب والسخـ…ـط والسخرية وتساءلت أي أبٍ هذا؟! بدلا من أن يُوصي زوجي بالاعتناء بي يُوصيني أنا بإرضائه ليحصل على المزيد من الأموال!!

احتضنتني أمي قائلة وهي تبـ…ــكي بشدة:

-“سامحيني يا حبيبتي مقدرتش أعمل حاجة”.

احتضنتها أنا أيضا ودموعي تنهمر كالشلال وقلت:

-“ادعيلي يا ماما ربنا يقدرني ويصبرني على اللي أنا فيه”.

-“بدعيلك يا حبيبتي وهفضل أدعي في كل صلاة أنا بصليها أن ربنا يجبر بخاطرك يا قلب أمك”.

همست بها أمي وأنا أجلس داخل السيارة بجانب بهاء، لا أعرف لماذا شعرت بالخوف والاشمئزاز عندما جلست بجواره وتساءلت كيف سأعيش معه طوال عمري تحت سقف واحد وأنا لا أطيق الجلوس بالقرب منه؟!

 

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية شظايا أنثى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *