روايات

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم سارة علي

رواية حبيسة قلبه المظلم البارت السادس والعشرون

رواية حبيسة قلبه المظلم الجزء السادس والعشرون

حبيسة قلبه المظلم
حبيسة قلبه المظلم

رواية حبيسة قلبه المظلم الحلقة السادسة والعشرون

قبل حوالي ساعتين ..
كانت تقف أمام المرآة تضع لمساتها الأخيرة قبل الخروج متجهة الى حفل الخطبة …
كل شيء كان جاهزا حيث فستانها الأحمر الذي بالرغم من بساطته كان أنيقا للغاية ..
وشعرها مرفوع بطريقة بسيطة وأنيقة في نفس الوقت ..
مكياجها هادئ للغاية كجمالها بالضبط …
تطلعت الى الأقراط الماسية وهي تتذكر يوم أهداها تلك الأقراط في عيدميلادها الثامن عشر وهو نفس اليوم الذي اعترف لها به بحبها …
حملت أحد القرطين ترتديه في أذنها ثم جذبت بعدها الآخر وهي تعد نفسها إنها ستبيع تلك الأقراط غدا وتتبرع بثمنها لأحد المحتاجين …
هي فقط ترتديها لغاية ما داخلها كما اختارت اللون الاحمر تحديدا لفستانها .. لونه المفضل عليها …
توقفت أخيرا تأخذ نفسا عميقا عندما لمحت مريم تتقدم داخل الغرفة دون أن تطرق على الباب حتى ترتدي فستانا أنيقا وترفع شعرها بتسريحة بسيطة ..
” ماذا تفعلين ..؟!”
سألتها ليلى بدهشة لترد مريم ببساطة :-
” سآتي معك .. طالما انت مصرة على الذهاب فسأكون معك ..”
” لا حاجة لهذا يا مريم ..”
قالتها ليلى وهي تجذب حقيبتها السوداء الصغيرة والتي تتلائم مع لون حذائها لكن مريم ردت بجدية :-
” سأذهب معك الى الخطبة يا ليلى .. لا أفهم سبب عدم رغبتك بمجيئي ..”
حملت ليلى حقيبتها وقالت وهي تنظر الى مريم بهدوء :-
” كما تشائين يا مريم .. انا أساسا لن أبقى حتى نهاية الحفلة .. سأبارك للعروسين وأبقى قليلا ثم أرحل ..”
لمست مريم ذراعها تخبرها مهادنة :-
” برأيي أن تعيدي التفكير بأمر ذهابك الى الخطبة ..”
لكن ليلى أبعدت كفها عن ذراعها تهتف بجدية وإصرار :-
” سأذهب يا مريم .. انا احتاج أن أذهب الى هنا وأراه بنفسي مع أخرى غيري .. سيؤلمني هذا كثيرا نعم ولكنه سيساعدني كثيرا أيضا ..”
احترمت مريم رغبة ليلى في الحضور ولم تحاول تكرار حديثها مفكرة إنها على الأقل ستكون معها متأهبة لأي موقف مزعج او غير ملائم قد يحدث …
……………………………………………………………..
وقفت غالية في منتصف الحديقة تتأمل تفاصيل الحفل الذي بدأ منذ حوالي نصف ساعة بإهتمام رغم إن عينيها كانتا تتجهان نحو مدخل المكان بين الحين والآخر تترقبان وصوله ..
شعرت بشخص ما يقترب منها فوجدته صلاح ابن عمها الذي تغزل بها كعادته :-
” كم تبدين رائعة يا غالية .. تشعين كماسة غالية حقا .. محظوظ هو من سينال تلك الماسة يا ابنة عمي ..”
قال جملته الأخيره وهو يغمز لها لتضحك لا إراديا وهي تحتضنه بخفة وأخوية دائما ما كانت بينهما ثم ابتعدت عنه تهتف :-
” لا تتوقف عن كلامك المعسول أبدا يا صلاح ..”
ابتسم صلاح مرددا بثقة :-
” الكلام المعسول هو أحد أسباب انجذاب الفتيات إلي .. أنتن دائما ما ترغبون بسماع كلام الغزل والأشعار ..”
أضاف وهو يغمر لها بعينيه مجددا :-
” لكن انت تدركين إنني صادق في وصفي لك .. فأنت بالفعل تبدين كجوهرة غالية محظوظ جدا من ستكون نصيبه ..”
ابتسمت وهي تردد بذقن مرفوع :-
” انا دائما ما أدرك قدري جيدا يا صلاح ..”
أضافت وهي تسأله بمكر :-
” ولكن أخبرني .. ما أخبار صديقتك التي عرفتني عليها منذ فترة ..؟!”
هتف بعدم تصديق محاولا تذكر تلك الفتاة :-
” عن أي واحدة تتحدثين .. ؟! آه تلك الشقراء .. لقد تركتها منذ فترة طويلة وصاحبت إثنتين غيرها ..”
ضحكت مرددة بعدم تصديق :-
” وانا التي ظننت إنك جدي في علاقتك هذه المرة ..”
هتف بتعجب :-
” بالله عليك لا تقوليها .. انا لا ادخل في علاقات جدية وهذا سبب انفصالي عنها وعن الكثير غيرها .. ”
قالت بجدية :-
” لو كان لديك اخت لنصحتك أن تتوقف عن افعالك هذه لأجلها على الأقل .. لكن لا بأس .. لديك ثلاث بنات عم بمثابة أخواتك لذا راجع تصرفاتك وكف عن العبث يا صلاح فهذا لا يجوز حقا وبنات الناس لسن لعبة في يديك ..”
زفر نفسه بقوة ثم رسم ابتسامة بسيطة على ثغره وهو يردد :-
” بنات عمي لا خوف عليهن .. انت ماشاءالله ذكية ولا يستهان بك .. اروى أساسا داهية في حد ذاتها .. ربما نرمين من يجب ان نقلق عليها قليلا لصغر سنها وشخصيتها التي تبدو رقيقة وناعمة زيادة عن اللزوم ..”
ابتسمت وهي تردد :-
” رقتها ونعومتها مميزة ..”
توقفت عن حديثها وهي تتأمل شريف الذي تقدم نحويهما يتأملها بإعجاب واضح فحاولت ان تحافظ على إبتسامتها الرسمية وهي ترد تحيته بينما هتف صلاح بمرح :-
” ها قد جاء أخي الأكبر والذي دائما ما يلقي عليه نفس نصائحك يا غالية ..”
” آية نصائح ..؟!”
سأله شريف متعجبا ليرد صلاح بمرح :-
” نصائح من اجل الإبتعاد عن الفتيات وعدم كسر قلوبهن مع إنهن من يتقربن مني ويحاولن لفت انتباهي ..”
نظر اليه شريف بتأنيب قائلا :-
” كف عن عبثك يا صلاح .. ربما علينا تزويجك في اقرب وقت علك تتوقف عن عبثك هذا ..”
” طالما ذكرت سيرة الزواج فسأهرب أنا ..”
قالها وهو يرفع كفيه مبتعدا بينما ابتسم شريف لها يسألها بإهتمام :-
” كيف حالك يا غالية..؟؟”
ردت بهدوء :-
” بخير الحمد لله ..”
ابتسم مضيفا :-
” مبارك خطبة نديم والعقبى لك …”
” شكرا والعقبى لك انت ايضا ..”
” قريبا جدا ان شاءالله ..”
قالها وهو يمنحها نظرات صريحة فإرتبكت ملامحها عندما همت بالرد لكن بادرها بقوله :-
” بالطبع أخبرتك والدتك عن طلبي يا غالية ..؟!”
ردت بسرعة وشعرت بحلقها يجف تماما:-
” عم تتحدث بالضبط يا شريف ..؟!”
ثم سرعان ما انتبهت الى دخول احدى صديقاتها الحفل فقالت وهي تستأذنه :-
” اسمح لي أن أذهب وأستقبل صديقتي .. ”
ثم سارعت تجري بعيدا عنه متجهة نحو صديقتها ترحب بها وتشكرها داخلها في نفس الوقت على إنقاذها من هذا الموقف المحرج ..
……………………………………………………….
كانت صباح تجلس على احدى الطاولات بملامح تدل على عدم شعورها بالراحة وهذا بسبب قلقها الغريب منذ بداية الحفل بحدوث شيء ما…
على جانبها تجلس رحاب زوجة عم أولادها الراحل بجانبها مع ابنتيها اروى ونرمين بينما يرقص ابنها نادر مع احدى قريباته ..
وعلى الجانب الاخر من الطاولة تجلس زوجة اخ عم أولادها الأخرى نجاة والدة كلا من شريف وصلاح وهي تتأمل الموجودين بصمت كعادتها لا تتفاعل لا معها ولا مع رحاب ابدا ..
شعرت صباح برحاب تسألها بإهتمام :-
” ما بالك يا صباح ..؟! لا تبدين سعيدة .. هل انت غير موافقة على الفتاة ..؟!”
استدارت صباح نحوها تهتف بدهشة :-
” من قال هذا ..بل أكثر من موافقة ..”
قالت رحاب بجدية :-
” بصراحة انا لا أفهمك .. كيف توافقين على ابنة عامل لديكم بينما كان أمامك اخرى تناسبكم في كل شيء ..؟!”
قاطعتها صباح بضجر :-
” هل عدنا الى نفس الموضوع يا رحاب ..؟! نديم يريد هذه الفتاة وهو مقتنع بها وعمل والدها بالطبع لا يعيبها … انا نفسي سعيدة وانت عندما تتعرفين عليها سوف تدركين كم هي لطيفة ومميزة ..”
قالت رحاب وهي تلوي فمها معترضة :-
” هذا لن يغير من أصلها المتواضع .. لا أعلم لماذا أشعر الماضي يتكرر أمامي ..”
” ماذا تقصدين ..؟!”
سألتها صباح بوجه محتقن لترد رحاب بحذر :-
” اتحدث عن ديانا .. هي ايضا دخلت العائلة رغم أصلها المتواضع ..”
أضافت بنظرات ماكرة :-
” لكنها في النهاية لم تستطع الإستمرار ..”
أضافت وهي تلوي فمها بعدم رضا :-
” لكنها محظوظة .. تزوجت ابراهيم الهاشمي … تركت حسين وتزوجت آخرا لا يختلف عنه بل يفوقه مالا وجاه …”
” المرأة توفيت وما زلت تتحدثين عنها بتلك الطريقة .. ”
قالتها صباح بنبرة ممتعضة لترد رحاب بجدية :-
” انا لا أتحدث عنها بالسوء .. لكنها بالفعل محظوظة … ابراهيم الهاشمي أغرم بها منذ أول مرة رآها بها وتمسك بها رغما عن أنف عائلته رغم كونه عازبا بينما هي مطلقة ولديها صبي ..”
شعرت صباح بالإختناق من هذا الحديث الذي أتى في وقت غير مناسب لتنهض مستأذنة منها بينما التفتت رحاب نحو ابنتيها تتأمل اروى التي تجلس تتابع الحفل بشرود ونرمين التي تبتسم برقة ترد تحية من يمر جانبها ويحييها …
أشارت لأروى متسائلة وهي ترى ابنها يراقص احدى الفتيات منذ بدء الحفل :-
” من تلك الفتاة التي يراقصها نادر يا اروى ..؟!”
ردت اروى :-
” لا أعلم .. لا أعرفها .. ربما من عائلة العروس ..”
لكن نرمين تدخلت قائلة :-
” أظن إنها احدى صديقات غالية …”
زمت رحاب شفتيها بعبوس وهي تراقب الفتاة التي تتفاعل برقصتها مع ابنها بعفوية مطلقة وكأنها خطيبته او زوجته ..
هزت رأسها بعدم رضى بينما همست نرمين لأختها تتسائل :-
” ما بالك يا أروى .. ؟! انت شاردة منذ بداية الحفل ..؟!”
ردت أروى ببرود :-
” لا يوجد شيء يا نرمين .. فقط أشعر بالملل ..”
هزت نرمين رأسها بتفهم ونظرت رغما عنها نحو شريف والتي تدرك جيدا إنه سبب حنق أختها فهو لا يبالي بها بينما يضع كافة اهتمامه نحو غالية ابنة عمها …
وجدت صلاح يقترب منهن يهتف بمرح :-
” لماذا تجلسان هكذا ولا تشاركان الموجودين بالرقص ..؟!”
قالت اروى ببرود :-
” انا لا احب الرقص ..”
هتفت نرمين بسرعة :-
” انا احب الرقص كثيرا ..”
هتف صلاح بسرعة :-
” اذا دعيني أراقصك يا ابنة عمي ..”
قفزت نرمين من مكانها وسارت الى منتصف الحديقة تشاركة الرقص بينما كانت رحاب مستمرة في النظر نحو. ابنها بإمتعاض قبل ان تشير الى ابنتها :-
” اذهبي عند أخيك وإبعديه عن تلك الفتاة .. ألا يخجل من طريقته الحميمية في الرقص معها ..؟!”
زفرت اروى أنفاسها بضيق ثم قالت بتجهم :-
” هل هو طفل صغير لأسحبه في يدي .. دعيه يراقصها .. لماذا تتصرفين وكأنه سيتزوجها مثلا ..؟!”
ثم نهضت من مكانها تتجه الى داخل الفيلا حيث تشعر برغبة في الابتعاد عن اصوات الضوضاء المحيطة بها والإختلاء بنفسها قليلا ..
……………………………………………………………
كان يجلس بجانب والده وزوجته بينما أخته تجلس على الجانب الآخر تلتقط بعض صور السيلفي لها ..
ملامحه جامدة للغاية وعيناه بها حنق واضح لم يخفَ على والده الذي لاحظ تصرفه ايضا اثناء مباركته لحياة ونديم وتلك النظرات المشحونة المتبادلة بين الشابين ..
انحنى والده نحوه يهمس بضراوة :-
” لماذا أتيت يا نضال ..؟! طالما إنك ستظل جالسا بهذا الوجه الجامد فلترحل افضل ..”
التفت نضال نحوه يسأله بحنق :-
” هل يزعجك وجودي الى هذه الدرجة ..؟!”
اجاب والده بجدية :-
” بل يزعجني إصرارك على التمسك بوهم خلقته انت بنفسك ..”
” هذا ليس وهما .. الوهم الذي تتحدث عنه سيصبح حقيقة لا محالة … ”
” هل جننت ..؟! لن يحدث شيء مما تفكر به ..!!”
قالها والده بعصبية ليرد نضال بثقة :-
” انا نضال مختار .. لا أتنازل عن شيء أريده وكل ما أريده يكون لي حتى لو بالقوة ..”
هم والده بالرد عليه وهو يشعر بأعصابه تتشنج لكن قاطعه حديث حنين وهي تقول له ولوالدتها :-
” سأذهب لأتفقد حياة ..”
” اذهبي حبيبتي ..”
قالها والدها وهو يبتسم لها رغم تشنجه فنهضت من مكانها بينما استغل نضال الموقف ونهض هو بدوره متجها بعيدا قليلا عن الحفل ..
اخذت حنين تسير متهادية بخطواتها وفستانها المنفوش قليلا يحيط جسدها بنعومة عندما انتبهت الى نديم وحياة اللذان يتجهان خارج مكان الحفل فإبتسمت بخفة مقررة التوجه نحو البوفيه حيث وقفت تحمل قدحا من العصير عندما استدارت ففوجئت بشخص يقف وراءها فتمسكت بالقدح بقوة خوفا من أن ينقلب فوق فستانها او فوق ملابس الشاب الذي قال معتذرا :-
” اعتذر ، كدت أن أصطدم بك ..”
ابتسمت بسرعة ترد :-
” لا عليك …”
اضافت بمرح :-
” لقد أنقذت الموقف في الوقت المناسب ..”
ابتسم متأملا إياها قبل ان يعرفها عن نفسه مادا يده نحوها :-
” بالمناسبة انا نادر … ابن عم العريس ..”
ابتسمت وهي تلمس كفه بكفها :-
” وانا حنين .. اخت العروس ..”
” حقا ..؟!”
قالها وهو يبتسم بخفة قبل أن يهتف وهو يتأملها رغما عنه بإعجاب :-
” تشرفت بمعرفتك انسة حنين ..”
ردت وهي تبتسم بعذوبة :-
” الشرف لي ..”
همت بالتحرك مبتعدة عنه يتابعها بأنظاره حتى وجدها تعود الى احد الطاولات تجلس بجانب اثنين من المؤكد إنهما والديها ..
ابتسم بخفة وهو يحمل بدوره قدحا من العصير يرتشف القليل منه عندما وجد تلك الفتاة التي كان يراقصها تقترب منه وهي تطلب منه أن يراقصها مجددا ..
هم بالرفض لكنه تراجع عن رفضه وهو يضع القدح جانبا ويراقصها مجددا متجاهلا نظرات والده الحانقة والتي لاحظها توجها له بين الحين والآخر ..
……………………………………………………….
دلفت ليلى الى الحفل بجانب مريم تتأمل الموجودين والتي لاحظ قدومها البعض فإحتلت الصدمة وجوه أغلبهم ..
بدأت همسات الجميع كالعادة وكانت غالية اول من لاحظت قدومها فتقدمت نحوها بملامح شاحبة عندما هتفت بصوت متوتر :-
” اهلا ليلى .. اهلا مريم ..”
ردت ليلى وهي تبتسم بهدوء :-
” اهلا غالية .. مبارك خطبة أخيك ..”
بينما ردت مريم ببرود وملامح يسيطر عليها الكره :-
” اهلا …!!”
” تفضلا الى الداخل ..”
قالتها غالية ولأول مرة تشعر بتوتر كهذا .. توتر لم تشعر به مسبقا .. توتر يصاحبه تأنيب ضمير وخجل ظهر في نظراتها المصوبة ناحية ليلى لكن ليلى رفعت وجهها بشموخ وهي تتقدمها مرددة بثقة :-
” بالطبع سندخل ..”
تبعتها مريم بملامح محتقنة عندما وجدتا صباح تتقدم نحويهما بملامح مصدومة لترتسم ابتسامة ساخرة على وجه ليلى وهي تبارك لخالتها :-
” مبارك خطبة نديم يا خالتي ..”
هزت صباح رأسها مرددة بعدم تصديق من وجود ليلى في يوم كهذا ؛-
” شكرا حبيبتي ..”
ابتسمت ليلى لها برسمية ثم تقدمت متجهة نحو احدى الطاولات تتبعها مريم التي لم تلتفت الى صباح حتى ..
وقفت غالية بجانب صباح تسأل بعدم تصديق :-
” ليلى هنا .. ماذا سيحدث الآن ..؟!”
أجابت صباح بعدم استيعاب :-
” هذه الخطبة لن تمر على خير .. أشعر بهذا منذ الصباح ..”
تأملت غالية ليلى التي اتجهت الى طاولة عائلتي عم نديم تحييهما متجاهلة نظراتهم المندهشة من وجودها …
لحظات قليلة وهتفت غالية بصوت عالي قليلا :-
” عمار ..!!”
” ما به ذلك الحقير ..؟!”
قالتها صباح وهي تستدير نحو ابنتها بحنق عندما تجمدت مكانها وهي تراه يتقدم نحويهما بإبتسامة عريضة يحمل بيده باقة من الزهور الجميلة ..
” مساء الخير ..”
قالها وهو يقف أمامهما محييا إياهما بنفس الابتسامة لتهدر صباح بإنفعال :-
” انا لم أرَ في حياتي وقاحة كهذه …”
هتفت غالية بتنبيه :-
” ماما ..!!”
سأل عمار متجاهلا حديث زوجة والده :-
” أين العروسين ..؟! أريد تقديم المباركة لهما …؟!”
نقلت غالية بصرها بينه وبين والدتها قبل ان تهتف وهي تحاول الحفاظ على رباطة جأشها :-
” سيعودان الى الحفل بعد قليل ..”
اومأ برأسه متفهما ثم التفت بوجهه يرفع يده بتحية لأحد الحضور قبل ان يتقدم نحو عائلتي عمه لأجل القاء التحية ..
هتفت صباح بإبنتها تتسائل :-
” أين أخوكِ و خطيبته ..؟!”
ردت بسرعة :-
” لا أعلم ولكنني سأذهب وأراهما .. يجب أن يعلما بما يحدث ..”
ثم سارعت تتجه للبحث عنهما بينما تقدم عمار نحو ليلى التي تجلس بجانب اختها على احدى الطاولات لوحديهما مرددا وهو يفتح ذراعيه لهما :-
” انا لا أصدق ما أراه .. بنات احمد سليمان هنا ..”
ثم انحنى نحو ليلى يهمس لها :-
” لو كنت أعلم بمجيئك لمررت عليكِ وجئنا سويا ..”
رمقته ليلى بنظراتها وهي تسأله بحذر :-
” ماذا تفعل هنا ..؟!”
رد ببساطة وهو يجلس جانبها واضعا باقة الورد على الطاولة أمامه :-
“سؤال كهذا يعتبر غبيا قليلا يا زوجتي الجميلة .. إنها خطبة أخي .. لماذا سآتي مثلا ..؟!”
التفت نحو مريم مرددا بتعجب مصطنع :-
” أووه مريم هنا ايضا … اسف لم انتبه لك .. كيف حالك عزيزتي ..؟؟”
ردت وهي تمنحه إبتسامة محتقرة :-
” بأفضل حال كما ترى ..”
منحها نظرات لا مبالية وعاد بتركيزه نحو ليلى مرددا بمكر :-
” فستان احمر وطلة رائعة .. ما هي مخططاتك الجديدة يا ليلى ..؟!”
التفتت نحوه تجيب وهي تكز على أسنانها :-
” أتيت للمباركة يا عمار كما تفعل انت .. واذا كان العريس اخيك فهو ابن خالتي أيضا ..”
انتبهت الى نديم الذي عاد الى المكان ممسكا بيد حياة فنهضت من مكانها تهتف بترفع :-
” ها قد ظهر العروسان أخيرا .. سأبارك لهما …”
نهضت مريم بدورها عندما وقف عمار بوجه ليلى يخبرها بقوة :-
” انتظري .. سنبارك لهما سويا ..”
منحته نظرات حادة لتجده يحمل الباقة ويمد لها ذراعه لتتأبطها فإضطرت الى فعل ما يريد وهي تسير بجانبه بينما أشار عمار لمريم :-
” وانت إتبعينا هيا … ”
رفعت مريم حاجبها بعدم تصديق قبل ان تضغط على فمها وهي تتبعهما مرددة بحقد :-
” سخيف …”
تقدم كلا من عمار وليلى التي تتأبط ذراعه نحو نديم الذي توقف على بعد مسافة منهما ممسكا بكف حياة يشد عليها بقوة ..
وقف الإثنان أمامهما حيث بادر عمار بالتهنئة هاتفا وهو يبتسم يمد باقة الورد نحو حياة :-
” مبارك الخطبة … عقبال الزواج ان شاءالله ..”
ثم مد يده نحو نديم الذي ظل ثابتا مكانه للحظات يتأمل يد عمار الممدودة عندما همست حياة بخفوت وتنبيه :-
” نديم …”
التقط نديم كفه رغما عنه عندما منحه عمار ابتسامة مخيفة لاحظتها حتى حياة التي شعرت بكم الكراهية والحقد خلف ابتسامته فدب الخوف في أعماقها للحظة حتى انها تناست وجود ليلى غريمتها الاولى كما يفترض ..
صدح صوت ليلى أخيرا يقطع اللحظة التي بدت طويلة للغاية تبارك لنديم بصوتها الرقيق :-
” مبارك الخطبة يا نديم ..”
ثم التفتت نحو حياة ورغما عنها وقعت عيناها على الخاتم الماسي الذي يزين بنصرها ..
لحظة واحدة رأت فيها الخاتم كانت كافية لتحطيم قلبها مجددا لكنها سيطرت على مشاعرها وهي ترفع وجهها نحو حياة تبتسم برسمية وتبارك لها :-
” مبارك يا حياة …”
ردت حياة مباركتها بخفوت ولا تعلم لماذا في تلك اللحظة شعرت بشيء غريب داخلها ناحية ليلى ..
مشاعرها لم تكن غيره او ضيقا بقدر ما كانت تحمل نوعا من تأنيب الضمير او ربما الحرج ..
صدح صوت مريم مرددا بنبرة باردة مقتضبة :-
” مبارك لكما الخطبة ..”
رد نديم تحيتها بينما عيناه ما زالتا مسلطتان على عمار وفعلت حياة التي بدورها كانت تنظر الى ليلى فتلاقت عيناها بعيني ليلى لتتبادلا النظرات فشعرت ليلى إن حياة تعتذر لها من خلال نظراتها مما جعلها تمنحها نظرات أبية شامخة وابتسامة مترفعة تخفي بها ما تشعر به من وجع عظيم في تلك اللحظة ..
أشار عمار لهما كي ينسحبا فمنحتهما ابتسامة رسمية أخيرة وسارت معه مجددا نحو طاولتهما تتبعهما مريم بينما وقفت حياة تتأمل إبتعادهما حتى نظرت الى نديم بملامحه الجامدة فلمست ذراعه تعيده الى ارض الواقع ليلتفت لها مبتسما بتصنع قبل ان تقع عيناه على باقة الورد فحملها وهو يتطلع لها بكره قبل ان يشير الى احد العاملين الذي تقدم منه مسرعا فأخبره بضراوة :-
” إرميها في سلة المهملات حيث المكان الذي يناسب صاحبها ..”
أخذ العامل الباقة منه منفذا ما يقوله بينما تقدمت غالية منهما تنقل بصرها بينهما وهي تسألهما :-
” هل كل شيء على ما يرام ..؟!”
رد نديم ببرود :-
” كل شيء رائع ..”
اضاف وهو يشير إليها :-
” قوموا بتشغيل اغنية هادئة فأنا أريد أن أراقص خطيبتي ..”
أومأت غالية برأسها متجهة نحو صاحب الدي جي منفذة ما يريده عندما صدح صوت احدى الاغاني الرومانسية الهادئة ليقبض نديم على يد حياة مجددا يسألها :-
” هل تسمحين لي برقصة ..؟!”
ابتسمت بتصنع وشعور الخوف والقلق كانا يسيطران عليها لتومأ برأسها دون رد فجذبها داخل احضانه يراقصها تحت أنظار الموجودين ..
…………………………………………………………..
كانت ليلى تتأمل رقصة حياة ونديم بملامح جامدة …
كانت تصطنع الجمود واللامبالاة رغم كونها تحترق من الداخل ..
في تلك اللحظة تأكدت مجددا إنها خسرته وكانت تعلم داخلها إنها شاركت في هذه الخسارة ..
كان بإمكانها أن تخبر نديم الحقيقة كاملة وسبب زواجها من عمار وتهديداته بل كانت تستطيع أن تسمعه بعض التسجيلات التي تحمل اعترافا صريحا من عمار بذلك التهديد لكنها لم تفعل ..
كبريائها منعها من أن تفعل ذلك بعد مواجهتهما الأخيرة رغم إنها كانت تنوي إخباره بكل شيء لكن حديثه وما قاله ونظرته نحوها وكأنها ليست المرأة المناسبة له حطمت كل شيء وجعلتها تتراجع عن نيتها تلك مقررة تأجيل الحقيقة الى الوقت المناسب ..
الوقت الذي يستحق ان تخبر نديم به الحقيقة كاملة رغم إدراكها إنها بما تفعله ستخسره نهائيا وأمل رجوعه إليها أصبح مستحيلا ..
خسارة نديم أصعب مما يتخيل اي أحد وجرح فقدانه سيظل محفورا داخل قلبها لكن كرامتها وكبريائها فوق كل شيء وهو أهانهما برفضه لها أكثر من مرة بل والأسوء عندما أخبرها إن هناك أخرى تناسبه اكثر وهو لا يعلم بما فعلته لأجله ولا بمقدار تضحيتها وخسارتها سنوات طويلة من عمرها من أجل حمايته ..
احتقنت ملامحها تماما وشعرت بثقل مؤلم يجثم على صدرها وهي تراه مع أخرى .. أخرى أصبحت مكانها وهي التي لم تتخيل نفسها يوما مع رجل سواه ..
لا تعلم اذا ما عليها أن تبكي على حبها الضائع أم على تضحيتها الكبيرة لمن لا يستحق …
تبكي على فقدانها حبيب عمرها ام تبكي سنوات ضاعت هباءا وغباء سيطر عليها عندما تمسكت بعشق إهتز كليا من اول مواجهة …
كان عمار هو الآخر يتابع الرقصة بنظرات لا مبالية عندما التفت نحو مريم التي وجدها تتأمل أختها بملامح حزينة وكأنها تشعر بما تمر به ..
تأمل فستانها القصير للغاية كالعادة فلم يستطع منع نفسه من الهمس لها :-
” هل هناك مشكلة لديكِ مع الفساتين المحترمة الطويلة قليلا ..؟! أم إنه مرض نفسي يدفعك لإرتداء كل ماهو عاري ومفتوح كثيرا ..؟!”
منحته نظرات مشتعلة ليردف بنفس الهمس :-
” انظري الى اختك .. إنها مثال حي للإناقة لكنني لم أرها يوما تردي شيئا عاريا او مفتوح بشكل مبالغ فيه .. أناقتها تشبه الاميرات حتى طريقة انتقاء ملابسها تذكرني بهن ..”
همت بالرد عندما وجدت ليلى توقفت فجأة ويبدو إنها لم تعد تستطيع التحمل اكثر فأشارت بعينيها الى مريم بوجه محتقن وعينين حمراوين :-
” انا سأغادر ..”
نهضت مريم بسرعة تحمل حقيبتها وهي تقول :-
” هيا بنا ..”
لينهض عمار يهتف بهما :-
” وانا سأغادر ايضا ..”
خرج الثلاثة من الحفل عندما توقفت ليلى جانبا تضع كف يدها على موضع قلبها وهي تشعر بألم لا يوصف ورغبة عارمة في البكاء فتقدمت مريم نحوها تسألها بذعر :-
” ليلى ، هل انت بخير ..؟!”
رفعت ليلى وجهها المحتقن كليا نحو أختها بينما الدموع تملأ مقلتيها ..
أخذ جسدها يرتجف كليا حتى لاحظت مريم ذلك فحاولت لمسها وهي تردد بخوف :-
” ليلى ..”
لكنها ليلى همست بخفوت مليء بالوجع :-
” انا أموت يا مريم .. انا أحترق من الداخل ..”
قبضت على كف أختها تضيف ودموعها بدأت تتسابق للهطول على وجنتيها :-
” قلبي يحترق .. روحي تتألم .. انا أموت يا مريم ..”
شهقت باكية بعنف لتجذب مريم جسدها المرتجف تعانقها بقوة فتنهار ليلى تبكي بعنف بين أحضانها وشهقاتها ترتفع بقوة ..
تابع عمار الموقف بصمت ورغم لا مبالاته لكنه لم يرغب أن يرى احدا هذا الموقف الذي سوف يسيء له هو ايضا ..
تقدم نحويهما يهتف بمريم :-
” دعيها تنهض .. ليس من الجيد ان يراها أحدا بهذا الوضع المزري …”
شددت مريم من عناق أخرى التي بدأت تشهق عدة مرات متتالية ببكاء مؤلم ومريم تحرك يدها على ظهرها محاولة تهدئتها بينما عمار يتأفف بضيق مما يحدث ..
بدأت ليلى تهدأ تدريجيا أخيرا عندما توقفت مبتعدة عن مريم التي ما زالت تقبض بيديها على يدي اختها تشدد من أزرها وتدعمها ..
“هل أصبحت أفضل ..؟!”
هزت ليلى برأسها وهي تجيب بصوتها الذي ما زال يحمل آثار بكائها :-
” قليلا ..”
” لو كان هناك ماء ..”
قالتها مريم بخيبة ليهتف عمار سريعا :-
” بإمكانكما أن تشتريا في طريق العودة .. فقط دعونا نغادر ..”
رمقته مريم بنظرات حادة بينما لاحظت ليلى وجوده أخيرا لتتحفز نظراتها وهي تتقدم نحوه ..
وفي لمح البصر كان تصفعه على وجهه بقوة جعلت مريم الواقفة خلفها تشهق بصوت مرتفع لا إراديا بينما عينا عمار الخضراوان أصبحتا حمراوان من شدة الغضب ..
هدرت بصوت مليء بالحقد والكراهية بعدما توقفت عن بكائها ولم يتبقَ سوى دموعها المختلطة بلون كحلتها السوداء يلطخ وجهها :-
” كنت تستحقها منذ زمن .. منذ ذلك اليوم الذي دمرت به حياتي …”
أضافت وعادت دموعها تملأ عينيها :-
” انت سرقت فرحتي مني .. فرحتي لم تكتمل بسببك .. دمرت حياتي .. تسببت بتعاسة أبدية لي .. انت سرقت اهم سنوات عمري .. سنوات عديدة من عمري ضاعت معك وبسببك …”
أضافت بصوت مرتجف باكي :-
” انت حتى لم تمنحني ولو فرصة لكي أحظى بالقليل من السعادة معه .. لم تستمر فرحتي ليوم واحد حتى بسببك .. انت دمرت كل شيء .. كل شيء انتهى بسببك ..”
هم عمار بالتقدم نحوها وقد أعماه غضبه في تلك اللحظة لكن مريم دفعت ليلى بكل قوتها بعيدا ووقفت هي في وجهه تنظر اليه بتحدي ..
” ابتعدي يا مريم ..”
همست مريم وعيناها تحاصران عينيه بقوة :-
” فكر فقط أن تلمسها وسوف أقتلك دون تردد ..”
” مريم ..”
بدا صوته كزئير الأسد المخيف وهو ينطق اسمها لكنها لم تبالي ولم تخف فكل ما يهمها أختها حيث أشارت الى الطريق جانبها تأمره بقوة :-
” غادر من هنا فورا فلا انا ولا أختي نرغب بوجودك في هذه اللحظة تحديدا ..”
نظر عمار الى ليلى التي تقف تتابع الموقف بسكون غريب وقد بدأت ملامحها تعود الى هدوئها السابق فرفع إصبعه في وجهها يردد :-
” ستندمين على تصرفك هذا يا ليلى .. ليس عمار من ترفعين يدك عليه .. سأذهب الآن فقط كي لا أتسبب بأي فضيحة لنفسي قبلكما لكن أعدك إنني سأرد تلك الصفعة لك في اقرب فرصة ..”
اندفع بعدها مغادرا لتستدير مريم نحو اختها تخبرها بجدية :-
” لنغادر نحن ايضا .. لا أريد أن يراكِ أحد بهذه الحالة ..”
هزت ليلى رأسها موافقة وسارت خلف أختها التي اتصلت بالسائق الخاص بهما تطلب منه أن يأتي أمام الفيلا حيث تقفان في انتظاره ..
……………………………………………………………
” لقد غادرت ليلى وكذلك مريم ومعهما عمار ..”
قالتها غالية وهي تقف بجانب والدتها التي همست بدورها :-
” هل يعقل إنهما متفقان على المجيء سوية ..؟!”
ردت غالية بسرعة :-
” كلا ، ليلى لا تفعل ذلك كما لو كانت متفقان بالفعل لدخلا سويا كما غادرا لكن عمار وصل بعدهما بقليل …”
توقفت عن حديثها وهي تلمح دخوله الى الحفل فنظرت الى ملابسها بسرعة قبل ان تهمس الى والدتها :-
” لقد أتى ضيفي ماما .. سأذهب لإستقباله وآتي به لتتعرفي عليه ..”
سارت هي نحوه وهي تبتسم له بترحيب بينما تابعها هو مدهوشا بطلتها المبهرة ..
وقفت أمامه تهمس برقة :-
” لقد تأخرت ..”
رد متأسفا :-
” حدثت معي بعض الأمور منعتني من الحضور مبكرا ..”
” لا بأس ، المهم إنك أتيت ..”
قالتها وهي ما زالت محتفظة بإبتسامتها الرقيقة ليهتف وهو يتأمل بنظرات جعلتها تشعر بالخجل الشديد :-
” لا أصدق ما أراه .. تبدين كلوحة ثمينة مرسومة بعناية على يد أشهر الرسامين في العالم ..”
همست بخجل :-
” فراس توقف …”
اضافت بجدية :-
” تعال لتبارك للعروسين ثم تتعرف على والدتي ..”
اومأ برأسه موافقا وهو ما زال يتأملها رغما عنه ليسير جانبه حيث يقف كلا من نديم وحياة يتحدثان مع حنين عندما وقفت غالية بجانبه تعرف نديم عليه :-
” نديم دعني اعرفك ..”
اشارت الى فراس :-
” فراس خليل .. صديق لي وشريكنا في بعض الاعمال …”
أشارت الى اخيها معرفة عنه ثم الى حياة :-
” نديم اخي يا فراس .. وخطيبته حياة ..”
ثم اشارت الى حنين :-
” وهذه حنين اختها ..”
ابتسم فراس بلباقة وهو يمد يده محييا نديم الذي أخفى غضبه بصعوبة من تصرف اخته الغير مقبول عندما سمع فراس يقول :-
” اهلا نديم بك .. تشرفت بمعرفتك ومبارك لك الخطبة ..”
رد نديم تحيته بإقتضاب :-
” شكرا يا بك … العقبى لك ..”
مد فراس يده نحو حياة يبارك لها بدوره فردت تحيته وهي تبتسم برقة ثم قام بتحية حنين كذلك قبل ان تهتف غالية به :-
” تعال سأعرفك على ماما ..”
سار فراس جانب غالية بينما تأملتهما حياة وقد شعرت بوجود مشروع ارتباط بينهما فهمست الى نديم بعفوية :-
” يبدوان متناسقان كثيرا ..”
لتتفاجئ بنديم يهدر برفض :-
” بالطبع لا ..”
” ماذا حدث يا نديم ..؟!”
سألته حياة بحذر وهي تتأمل الجمود الذي عاد يسكن ملامحه بعدما عادت ملامحه الى طبيعتها أثناء رقصتهما وبعدها ليجيب وهو يراقب فراس الذي توقف يحيي والدته بجانب غالية :-
” ما حدث إن أختي جلبت العريس الذي رفضته تماما الى حفل خطبتي وهي تضرب بقراري انا ووالدتي بعرض الحائط بل تتحدانا بجلبه الى هنا وامام الجميع ..”
” نديم اهدأ ..”
قالتها وهي تلمس ذراعه بخفة ليهمس بصوت مختنق :-
” آخر شيء تصورته ان تقوم غالية بتصرف كهذا .. إنها المرة الاولى التي تقدم بها على شيء كهذا .. بأي صفة تجلبه الى هنا وماذا سيقول الناس عنها ..؟!”
همت حياة بالحديث لكنها وجدت مي تتقدم نحوها وتجذبها مرددة بدهشة :-
” ماذا يفعل فراس هنا ..؟! ومالذي يجمعه بأخت خطيبك ..؟!”
سألتها مي بإستغراب :-
” من أين تعرفينه يا مي ..؟!”
قالت مي بسرعة :-
” انه ابن عمي ..”
هتفت حياة بعدم تصديق :-
” ابن عمك انتِ..؟! يعني ابن عمك فعلا ..”
ضحكت مي مرددة :-
” نعم ابن عمي يا حياة .. والده أخو والدي .. ابن عمي فعلا فعلا ..”
” هناك مشروع خطوبة بينه وبين غالية ..”
قالتها حياة بهمس لتشهق مي بعدم تصديق فسألتها حيلة بقلق :-
” لماذا تفاجئت هكذا ..؟!”
ردت مي بسرعة:-
” فراس مطلق ولديه طفل ..”
اتسعت عينا حياة للحظات وقد استوعبت سبب رفض نديم وقبل ان تهم بسؤال مي مجددا كان حنين تقدم نحويهما تهتف بحماس :-
” لنلتقط سيلفي لنا نحن الثلاثة … هيا ابتسموا ..”
نظرت حياة الى مي التي قالت وهي تبتسم بخفة :-
” سنكمل حديثا فيما بعد ..”
ثم وقفت بجانبها وجانبهما حنين التي ابتسمت للكاميرا كما فعلتا هما لتلتقط الصورة لهم هم الثلاثة والإبتسامة تزين وجوههم ..
…………………………………………………………..
انتهت الخطبة أخيرا ليغادر الضيوف جميعا فيقرر نديم ايصال حياة بنفسه الى منزلها ترافقهما حنين التي إستأذنت والدتها بالمبيت مع أختها ..
قاد نديم سيارته وحياة تجلس جانبه تتأمل خاتمها بشرود وحنين بالخلف تقلب في صور الحفل بإهتمام ..
توقف نديم بسيارته امام منزل حياة فخرجت حنين من السيارة بعدما طلبت من حياة ان تعطيها المفتاح لتفعل حياة ما طلبته فتبقى مع نديم لوحديهما ..
” هل انت بخير ..؟!”
سألته بحذر ليلتفت نحوها مرددا بأسف :-
” اعتذر يا حياة .. لقد كانت الخطبة مشحونة قليلا وقد سيطر الغضب علي كثيرا بسبب وجود عمار ثم مجيء فراس ذلك الرجل الذي لا اعرف كيف تجرأ وحضر حفلنا العائلي ..”
همست برقة محاولة تهدئته :-
” لقد حدث ما حدث .. ”
أضافت تسأله بجدية :-
” انت ستعود الى شقتك ..؟!”
رد عليها :-
” بل سأعود الى الفيلا لأتحدث مع غالية ..”
” ألا ترى إن الوقت غير مناسبا …؟!”
قالها بتردد ليرد بقوة :-
” تصرفها بالكامل لم يكن مناسبا ولا مقبولا من الاساس لذا لا توجد مشكلة اذا ما كان توقيت حديثي غير مناسب ..”
” فقط اهدأ ولا تضايقها من فضلك ..”
قالتها بخفوت ليهتف بجدية :-
” هي من ضايقتني يا حياة …”
هتفت حياة بسرعة :-
” هي لا تقصد بالطبع .. غالية تحبك كثيرا … ربما أرادت فقط إخبارك إنها متمسكة به ..”
رد من بين أسنانه :-
” وانا لن أقبل به زوجا لها مهما حدث ..”
صمتت قليلا ثم قالت :-
” سأهبط انا الى المنزل .. اتمنى ألا تؤثر عصبيتك على قيادتك ..”
ابتسم اخيرا وهو يشعر بتأنيب الضمير نحوها لإنه بدا غاضبا في يوم كهذا وهي لا ذنب لها في كل ما يحدث …
انحنى نحوها يطبع قبلة على جانب وجهها قبل ان يهمس بصدق :-
” سأكررها مجددا … انا سعيد للغاية بإرتباطنا اليوم يا حياة ..”
ابتسمت بهدوء قبل ان تودعه وتهبط من السيارة متجهة الى منزلها عندما أدار هو مقود سيارته متجها بدوره الى الفيلا ..
وصل الى هناك وهبط من سيارته مندفعا الى الى داخل الفيلا متجها الى صالة الجلوس وهو ينادي بصوت عالي :-
” غالية … ”
دلف الى صالة الجلوس ليجد والدته توليه ظهرها وغالية تقف أمامها وقد شعر من وضعية وقوفهما إن والدته سبقته فيما جاء لأجله ..
تقدمت غالية نحوه مبتعدة من امام والدتها تهتف بقوة :-
” تفضل يا نديم .. أسمعك .. أكمل ما بدأته والدتي .. ”
” نعم سأتحدث .. سأقول ما يجب أن تسمعينه ..”
قالها بتحدي قبل ان يضيف :-
” تصرفك اليوم غير مقبول بالنسبة لي .. تجلبين رجلا غريبا الى حفلة عائلية خاصة … بأي صفة أتيت به ..؟! أخبريني هيا ..”
ردت بقوة :-
” بصفته خطيبتي المستقبل ..”
” ليس خطيبك ولن يكون ..”
قالها بصوت قوي عنيف لترد متحدية اياه :-
” سيكون يا نديم .. لإنني أريده .. أريد التجربة … انا لا أرتكب شيئا خاطئا .. سيخطبني منكم …علاقتنا ستكون رسمية .. ”
” ألا تفهمين ..؟! لا انا ولا والدتي موافقان عليه …”
ردت ببرود :-
” هذه حياتي .. مستقبلي .. انا من حقي أن أختار الرجل الذي أريده وأشعر إنه يناسبني ..”
” مطلق ولديه ولد .. هذا ما يناسبك ..”
قالها نديم بعدم تصديق لترد بجدية :-
” ربما هو من يناسبني .. لا أحد يعلم .. ”
أضافت وهي تنقل بصرهما بين والدتها وأخيها مرددة بهدوء :-
” انا أريده .. أريد أن أمنحه وأمنح نفسي الفرصة الكاملة .. ”
أضافت وهي ترمق أخيها بنظراتها الثابتة :-
” كما منحت انت نفسك الفرصة مع حياة ..”
” المقارنة ليست في محلها يا غالية ..”
قالها نديم بأعصاب مشحونة لترد بفتور :-
” بل هي كذلك .. بل ربما علاقتي معك فراس منطقية اكثر … ”
” ماذا تقصدين ..؟!”
سألها بنظرات مشتعلة لتقول والدته محاولة انهاء الحديث الذي سيأخذ منحى لا تحبذه :-
” غالية لا تقصد شيئا يا نديم .. اذهبي الى غرفتك يا غالية .. وانت يا نديم اما ان تصعد الى غرفتك او تغادر الى شقتك ..”
التفتت غالية نحوها تردد بقوة ترفض انهاء الحديث :-
” الحديث سينتهي عندما تحددان موعدا مناسبا كي يأتي فراس ويتقدم لخطبتي …”
” لن نمنحه اي شيء ولن نستقبله في منزلنا ..”
قالها نديم بإباء لتستدير غالية نحوه تردد بقهر :-
” لماذا تفعل هذا ..؟! لماذا تتصرف معي هكذا ..؟! لماذا لا تحترم رغباتي وقراراتي ..؟!”
” عندما تكون رغباتك تضرك فسأقف في وجهها وأعارضها بكل قوتي ..”
” انت فقط من ترى انها تضرني .. ترفض فراس كونه مطلق ولديه طفل .. تتصرف وكأنه وضعه كمطلق ذنبا لا يغتفر .. ”
” لن تشعري بالراحة معه خاصة بوجود طفل من إمرأة أخرى ..”
قالها نديم بعصبية لترد غالية بقوة :-
” ليس من الضروري ان يكون هذا الطفل عمار .. فأنا لست والدتي وفراس ليس حسين الخولي … استوعب هذا جيدا انت ووالدتي ولا تخلطا الاوراق ببعضهما …”
” انتبهي على ما تتفوهين به يا غالية ..”
قالها نديم بتحذير وهو يشعر بإحتقان ملامح وجه والدته لترد غالية ببساطة :-
” انا أعي جيدا ما أتفوه به وما يصدر مني .. أنتما من يجب أن تستوعبا إن فراس شخص جيد ولا يعيبه شيء .. انظرا اليه دون أن تفكران في الماضي وعمار وتصرفاته وعلاقته السيئة بنا وسوف تستوعبان ما أقصده ..”
اندفعت خارج المكان بغضب شديد تاركة نديم يحدق في والدته بغضب قبل ان ينسحب بدوره من المكان وعقله يراجع كلمات اخته مرارا ..
…………………………………………………………
كان يجلس مسترخيا على السرير يرتشف مشروبه الكحولي بإستمتاع يتابعها وهي تتزين بعنايه وقميص نومها الذهبي يحيط جسدها بشكل رائع تبرز أسفله بشرتها الناعمة بسمرتها الجذابة ..
أخذت تدهن يديها وساعديها بذلك المرطب بعدما انتهت من تزيين ملامح وجهها الفاتنة ..
نهضت من مكانها واتجهت تجلس بجانبه وهي تسأله :-
” تبدو سعيدا اليوم ..؟!”
ارتشف مجددا من مشروبه وهو يردد بتلذذ :-
” لقد ربحت اليوم صفقة مهمة للغاية …”
سألته بحذر بعدما باركت له :-
” هل ذهبت لخطبة أخيك ..؟!”
تغضن جبينه بإنزعاج بعدما تذكر صفعة ليلى لكنه أخفى ضيقه وهو يردد ببرود :-
” نعم ، ذهبت الى الخطبة ..”
” هل حدث شيء هام هناك ..؟!”
رد بفتور :-
” لا شيء هام …”
سألته بنفس الحذر :-
” وليلى ، ماذا عنها ..؟! متى ستطلقها ..؟!”
رد وهو يرفع كأسه يتأمله بعينيه :-
” قريبا جدا .. سأطلقها وأتخلص من وجودها المقرف في حياتي …”
” هل حضرت حفل الخطبة ..؟!”
هتف مندهشا :-
” كيف علمت ..؟!”
ضحكت وهي تردد :-
” توقعت ذلك .. توقعت حضورها … ”
” وعلى أي أساس توقعت ذلك ..؟!”
سألها متعجبا لترد بإبتسامة جادة :-
” نحن النساء نفهم عقول بعضنا جيدا .. هي ترى في ذهابها الى هناك اثبات للجميع إنها لا تهتم بينما انا أجزم تماما إنها تحترق من الداخل .. ”
” هذا ما يحدث بالفعل ..”
قالها وهو يتذكر انهيارها لتهتف به بجدية :-
” طلقها يا عمار .. الفتاة تعذبت كثيرا .. يكفيها ما حل بها حتى الآن ..”
” هل تتعاطفين معها ..؟!”
سألها ساخرا لترد بجدية :-
” نعم أتعاطف وكثيرا ايضا .. صحيح كنت أغار منها لإنها تحمل لقب زوجتك لكنني لم أكف عن تعاطفي معها يوما خاصة إنها تدفع ثمن شيء لا ذنب لها به ولا يخصها أساسا ..”
” توقفي يا بوسي بالله عليك .. تعلمين إنني لا أحب سماع هذا النوع من الكلام الذي لا يجدي نفعه معي ..”
قالها بتذمر لتهتف بجدية :-
” ولكنني سأكرره دائما .. لأجلك يا عمار ..”
رمقها بنظراته فيلمح بعينيها شيئا جديدا .. غريبا وغير معتادا فسألها بإهتمام :-
” ماذا تخفين في جبعتك يا بوسي ..؟! أشعر إن هناك تغييرا ما بك …”
توترت ملامحها قليلا فنهضت من مكانها تسير مبتعدة عن السرير بخطوات قبل ان تهتف أخيرا ويديها تحيطان بطنها بحماية :-
” انا حامل يا عمار .. ستصبح أب بعد أشهر قليلة ..”

ظلت واقفة مكانها بثبات تنتظره أن يتفوه بكلمة واحدة وهي توليه ظهرها بينما كفيها ما زالتا تحيطان بطنها بحمية شديدة …
أخذت نفسا عميقا ثم قررت أن تستدير نحوه أخيرا ترمقه بنظراتها وهي تسأله بصوت حذر :-
” ألن تقول شيئا ..؟!”
راقبت ملامحه الجامدة تماما في تلك اللحظة بخوف لا إرادي عندما هتف أخيرا بصوت غامض لا يوحي بشيء مما يعتمل داخله :-
” حامل اذا ..؟!”
أومأت برأسها تؤكد ما تفوهت به ليضيف ببساطة :-
” ستجهضيه …”
تجمدت للحظات بدت فيها كتمثال لا حياة فيه قبل أن تتفوه أخيرا بصعوبة :-
” مستحيل .. انا لن أقتل طفلي ..”
” سأقتله أنا اذا ..”
قالها بقسوة لتهتف بصوت متوسلا مرتجفا :-
” لا تكن جاحدا الى هذه الدرجة يا عمار .. انه طفلك … من دمك ولحمك ..”
قاطعها وهو ينتفض من مكانه بعصبية مفزعة :-
” وانا لا أريده .. تخلصي منه فورا … ”
هزت رأسها نفيا وهي تحتضن بطنها مجددا بشدة ولسانها يهتف بصوت لاهث :-
” لن أفعل .. لن أتخلى عن طفلي .. انه لي .. انا اريده ..”
تقدم نحوها بجذبها من ذراعها مرددا بعصبية وانفعال :-
” ماذا جرى لك يا بوسي ..؟! اي طفل تريدين بالله عليك ..؟!”
أجابت بقوة وتصميم :-
” هذا الطفل أريده وسأنجبه ..”
” لا تجني يا بوسي .. هذا الطفل لا يجب أن يولد .. انا أساسا لا أفهم سبب تمسكك به .. انت شخصية مستقلة وناجحة .. لديكِ شركتك الخاصة وكل شيء .. ماذا ستفعلين بهذا الطفل ..؟!”
كانت يتحدث بلا مبالاة وكأن ذلك الطفل الذي تحمله داخلها ليس منه ..
ردت بحرقة :-
” أريده يا عمار .. أريده وسأنجبه … انا أيضا انسانة لدي مشاعر وأرغب أن أصبح أما ..”
رد بقسوة :-
” وانا لا أريد أن أصبح أبا يا بوسي .. لا أريد هذا الطفل .. هل ستنجبين طفلا من أب يرفضه ..؟!”
مسحت على وجهها بقوة قبل ان ترفع وجهها الذي إحتقن كليا وقالت بعزيمة :-
” عندما أنجبه ستكون مجبرا على الاعتراف به .. ”
” و كيف ستجبريني يا هانم ..؟!”
قالها وهو يتقدم منها أكثر حتى بات لا يفصل بينهما سوى سنتيمترات قليلة فهمست بصعوبة :-
” سأرفع دعوة اثبات نسب ضدك وسأربحها لإنه طفلك وانت مجبر أن تمنحه اسمك ..”
قال بنفس الصوت البارد الغامض :-
” ألا تخافين على سمعتك ومظهرك الاجتماعي وانت تنحبين طفلا غير شرعيا ..؟!”
ردت بعدم اهتمام مصطنع :-
” ليس مهما .. انت تعلم إنني لا أهتم بأمور كهذه .. لا يوجد حتى ما أخشى منه .. عائلتي تعيش في الخارج وانت تدرك مدى تحررهم … وانا نفسي ذات عقلية متحررة … انا حتى لا أريد منك أن تتزوجني لإني أعلم جيدا إنك لن تفعلها .. انا كل ما أريده إعترافك بالطفل ..”
صاح وقد نفذ صبره كاملا :-
” انتِ جننتِ تماما .. هذا الكلام لا يصدر من إنسانة واعية مثلك .. تريدين إنجاب طفلا في الحرام بل وتفتخرين بهذا .. ”
أضاف وهو يقبض على ذراعها بقوة :-
” اسمعيني جيدا .. ستتخلصين من هذا الطفل وإلا سأضطر أن أفعلها بنفسي .. أمامك ثلاثة ايام .. في اليوم الرابع ستبلغيني إنك تخلصتِ منه وانا سأتأكد بذلك بنفسي وإن لم تفعلِ فسأخذكِ بنفسي الى الطبيب وأطلب منه أن يجهضك ..”
دفعها بعدها بكل قوته لتسقط ارضا بينما اتجه هو نحو السرير يسحب قميصه يرتديه بسرعة قياسية ثم يحمل محفظته وهاتفه ومفتاح سيارته وكل هذا وهي تتابع ما يفعله بعينين دامعتين قبل ان ينطلق خارج الغرفة بل الشقة بأكملها ..!!
احتضنت جسدها المرتجف بذراعيها والألم داخلها كان لا يوصف في تلك اللحظة ..
كانت تعلم مدى قوته وتجربه لكن داخلها كان هناك أمل بسيط أن تتغلب غريزة الأبوة داخله على هذه القسوة لكن من الواضح إنه لا يمتلك هذه الغريزة من الأساس ..
شهقت باكية وهي تتذكر كيف أمرها بالتخلص من طفله بكل قسوة بل أخبرها إنه سيفعلها بنفسه اذا انتهت المدة دون أن تتخلص منه ..
كانت المرة الأولى التي توضع فيها بموقف كهذا وللمرة الأولى تشعر إنها غير واثقة من قرارها الذي اتخذته ..
هي تريد طفلها لكن عمار لن يتركها أبدا دون أن يتخلص منه فماذا تفعل في هذا الوضع المزري ..
………………………………………………………….
في صباح اليوم التالي ..
تقدمت نحو طاولة الإفطار حيث تترأس والدتها الطاولة كعادتها ترتشف قهوتها ببطأ وتتناول معه احد انواع البسكويت الصحية التي نصحها بها الطبيب منذ عدة سنوات عندما تدهورت حالتها الصحية بسبب ما حدث مع أخيها ..
” صباح الخير ..”
قالتها غالية وهي تسحب كرسيها وتجلس جانب والدتها على الطاولة لترد والدتها تحيتها بصوت مقتضب خافت بالكاد يسمع …
صبت غالية لنفسها الشاي الذي تفضله على الإفطار ثم وضعت القليل من المربى على قطعة التوست السمراء وبدأت في تناولها وهي تتجنب النظر الى والدتها بعد مواجهة البارحة ..
أنهت فطورها سريعا وهمت بالنهوض لكن صوت والدتها أوقفها وهي تأمرها :-
” انتظري لحظة ..”
ظلت جالسة في مكانها دون أن تنظر الى والدتها التي فاجئتها عندما سألتها :-
” انت مصرة على الإرتباط بذلك الشاب ، أليس كذلك ..؟!”
إبتلعت غالية ريقها ثم هزت رأسها على الفور تجيب بهدوء بعدما نظرت الى والدتها أخيرا :-
” أريد خطبة مبدئيا … خطبة تمنحني الفرصة للتعرف عليه جيدا …”
توقفت عن حديثها وهي تلاحظ نظرات والدها الغير راضية قبل أن تسألها مجددا :-
” وماذا عن طلب شريف ابن عمك ..؟! أبلغه رفضك إذا ..؟!”
هزت غالية رأسها مجددا وهي تجيب بجدية :-
” نعم ، أبلغيه رفضي والذي بالمناسبة لا علاقة له بفراس ووضعي معه …”
حل الصمت المطبق تماما عندما شاهدت غالية والدتها تضع كفيها أسفل ذقنها بطريقة توحي إنها تفكر في أمر ما تزنه داخل عقلها بجدية ..
سمعت غالية والدتها تهتف أخيرا بحسم :-
” انا موافقة مبدئيا ..”
” حقا ..؟!”
قالتها غالية بعدم تصديق وهي تجاهد لإخفاء ابتسامتها قبل أن تسأل بإحباط :-
” ولكن نديم يرفض الأمر بشكل قاطع …؟!”
ردت والدتها وهي تحمل فنجان قهوتها مجددا :-
” انا سأتحدث معه ..”
“شكرا يا ماما .. شكرا كثيرا …”
قالتها غالية بسعادة حقيقية لتضع والدتها فنجانها في مكانه مجددا ثم تقول بتحذير :-
” ستكون هناك فترة خطوبة يا غالية .. وعليك ان تعلمي إنني لسه راضية عن هذا الإرتباط لكنني سأوافق مجبرة لإنك لستِ صغيرة يا غالية وانا لا يمكنني أن أمنعك عن شيء تريدنه .. أنتِ أصبحتِ في عمر يسمح لكِ بإتخاذ قراراتك بنفسك وهذا بحد ذاته يجعلني مجبرة على تقبل قرارك ..”
” هي مجرد خطبة مبدئية يا ماما .. فراس يبدو جيدا ومع هذا سأمنح نفسي الوقت الكافي لإتخاذ القرار النهائي .. أعدك إنني لن أاخذلك ابدا .. ثقي بي يا ماما ..”
قالتها بنبرة متركبة لتمنحها صباح إبتسامة مقتضبة وهي ترد عليها :-
” انا أثق بك يا غالية وإلا ما كنت سأوافق على الخطبة أساسا ..”
نهضت غالية من مكانها وقبلت والدتها من وجنتيها وعادت تشكرها مجددا قبل ان تودعها منطلقة بسعادة الى عملها تاركة والدتها تتابعها بقلق وهي تتمنى داخلها أن يكون قرارها بالموافقة صائبا ..!!
……………………………………………………………
كانت تسير داخل سيارتها عندما رن هاتفها لتجده يتصل بها فإبتسمت وهي تجيبه بعد لحظات :-
” اهلا فراس ..”
جاءها صوته المرحب :-
” صباح الجمال يا غالية .. أتمنى ألا أكون أيقظتك من نومك ..”
ردت بسرعة وهي تقف جانب سيارتها :-
” بالطبع لا .. انا أساسا ذاهبة الى الشركة ..”
هتف بعدم تصديق :-
” ظننتك ستحصلين على قسطا من الراحة بعد حفلة البارحة .. ”
ضحكت وهي تهتف بجدية :-
” كان يجب أن يحدث هذا لكنني كنت أشعر بالضيق قليلا ووجدت إن بقائي في المنزل سيضاعف من ضيقي …”
” هل حدثت مشكلة بسبب قدومي البارحة ..؟!”
سألها بحذر ليسمعها تتنهد بصوت مسموع ثم تجيب :-
” ماما وافقت مبدئيا يا فراس لكن نديم ما زال رافضا .. ”
أضافت وهي تأخذ نفسها :-
” لكن ماما ستتحدث معه وتقنعه …”
سمعت صوته المتحمس :-
” موافقة والدتك مبدئيا شيء جيد .. بالتأكيد ستنجح في إقناع أخيك ..”
” ستنجح في ذلك إن شاءالله ..”
قالتها بخفوت قبل أن تضيف بجدية :-
” ولكنني أريد التحدث معك وجها لوجه يا فراس … أظن هناك الكثير من الأشياء يجب أن نتحدث عنها قبل أن تتقدم لخطبتي رسميا ..”
” بالطبع يا غالية .. متى تريدين مقابلتي ..؟! أنا موجود في أي وقت حتى الآن إذا أردتِ ..؟!”
نظرت أمامها بتفكير قبل أن تسأله بجدية :-
” هل يمكننا أن نلتقي بعد قليل في احد المقاهي ..؟!”
رد فورا :-
” بالطبع ..”
” جيد ، سنلتقي في المقهى المقابل لشركتنا … انا سأغادر المنزل الآن متجهة الى هناك ..”
سمعته يرد بسرعة :-
” ستجديني قبلك هناك …”
ودعته بعدها وأخرجت مفاتيحها من حقيبتها حيث فتحت باب سيارتها وركبتها ..
قادت سيارتها متجهة الى المقهى الذي سينتظرها فيه عندما وجدته قد سبقها في الوصول الى هناك بالفعل ..
تقدمت نحوه بمظهرها المتألق كالعادة فتابعها بإعجاب عندما جلست أمامه تحييه بخفة ..
أشار الى النادل بعدما رد تحيتها ليسألها عما تحب أن تتناول فطلبت كوبا من النسكافيه الخالي من السكر بينما طلب هو قهوة معتدلة الحلاوة ..
ابتسمت له بعدما رحل النادل ليبادلها إبتسامتها وهو يسأل بإهتمام :-
” هل أنت بخير ..؟! ”
ردت وهي تبتسم بهدوء :-
” نعم بخير … ”
أضافت وهي تتنهد بصمت :-
” نحن يجب أن نتحدث يا فراس .. بعد موافقة والدتي هناك موافقة نديم .. عندما يوافق نديم ستأتي وتخطبني كما اتفقنا لكن هناك أشياء أحتاج أن أعرفها عنك …”
ابتسم مرددا ببساطة :-
” ماذا تريدين أن تعرفي ..؟! بالطبع تعرفين المعلومات الأساسية عني .. اسمي وعمري ومجال دراستي وعملي …”
” هناك شيء أهم من كل هذه المعلومات ..”
قالتها بجدية ليسألها بإهتمام :-
” تحدثي بصراحة يا غالية … ما هو الشيء الذي تريدين معرفته ..؟!”
” زواجك السابق …”
شعرت بجمود ملامحه للحظات .. لحظات قليلة وعادت ملامحه الى طبيعتها وهو يسألها بهدوء مريب :-
” ما به زواجي السابق ..؟!”
كادت أن تتحدث عندما تقدم النادل ووضع طلباتهما أماميهما …
ابتعد عنهما لتهتف غالية أخيرا وهي تقبض على الكوب تحتضنه بكفيها :-
” ما سبب إنفصالكما ..؟!”
رد بسرعة وصوت قاطع :-
” هذا أمر خاص بيننا و ..”
قاطعته بجدية :-
” ولكن من الطبيعي أن أعلم سبب الإنفصال .. ربما يكون سببا لا يناسبني ..”
هتف بإنفعال مكتوم:-
” ما علاقتك انت بسبب إنفصالي عن زوجتي السابقة ..؟! لا أفهم وجه المقارنة أساسا …”
” هذا سؤال طبيعي يتعرض له أي رجل في موقفك …”
قالتها بهدوء ليحمل فنجان قهوته يرتشف القليل منه ثم يعيده الى مكانه قبل أن يقول وهو ينظر بعيدا :-
” لم نكن متفقان … بالأحرى غير متناسبين … هي من عائلة متواضعة للغاية وانا كما تعلمين ثري ومن عائلة معروفة وكبيرة في البلاد .. ”
” هل تعني إن الفارق الاجتماعي والمادي بينكما سبب طلاقكما ..؟!”
هز رأسه مؤكدا ما قالته فهتفت بصوت خافت قليلا :-
” هذا يعني إنك تزوجتها عن حب … ”
شعرت بنظراته تتجمد لا إراديا وتفاحة آدم خاصته البارزة تتحرك بشكل أثار إنتباهه عندما رد أخيرا بصوت بارد :-
” كانت هناك مشاعر بيننا لكنها انتهت ..”
سألته بحذر :-
” هل انت واثق من كونها انتهت ..؟!”
نظر إليها مرددا بشدة :-
” انا وعهد انتهينا منذ زمن يا غالية .. ولا أفضل أن نتحدث عن هذا الموضوع مجددا .. نحن تطلقنا منذ اربعة اعوام تقريبا لذا لا يوجد ما يقلقك بشأنها فلو كان هناك أمل أن نجتمع مجددا لما إنتظرنا كل هذه المدة دون أن نفعلها …”
هزت رأسها دون رد بينما عقلها يفكر في كلامه وحنقه الشديد من ذكر زواجه السابق وسبب الإنفصال فوجدت إنها لم تستنتج شيئا واحدا من هذا الحديث سوى إن فراس كان يجب زوجته فهو تزوجها رغم أصلها المتواضع والفارق الكبير بينهما كما قال وهذا أكبر دليل على كونه كان يحبها …
……………………………………………………………..
كانت تقف أمام المرآة تصفف شعرها عندما سمعت صوت حنين تتقدم منها ويبدو إنها إستيقظت من نومتها أخيرا تسألها بدهشة :-
” إلى أين تذهبين منذ الصباح الباكر ..؟!”
ردت حياة وهي تضع مشطها على الطاولة بعدما انتهت من تصفيف شعرها :-
” نديم في طريقه الى هنا .. سأخرج معه ..”
أضافت معتذرة :-
” لم أرغب في إيقاظك لإننا تأخرنا في النوم البارحة فقررت ترك رسالة لك ..”
ردت حنين بجدية :-
” كلا انا أيضا سأخرج مع صديقتي بعد حوالي ساعة .. سنذهب الى احدى الجامعات للإستفسار بخصوص التقديم ..”
” هل إخترت التخصص الذي تريدنه إذا ..؟!”
سألتها حياة بإهتمام لترد حنين بسرعة :-
” كلا ، ما زلت أبحث عن أكثر ما يناسبني …”
ابتسمت حياة مرددة وهي تربت على وجهها بحنو :-
“حاولي أن تختاري أكثر تخصص تشعرين برغبة بدراسته .. ”
” ان شاءالله ..”
قالتها حنين وهي تبتسم لها عندما رن هاتف حياة برقم نديم فقالت حياة بسرعة وهي تحمل حقيبتها :-
” سأغادر أنا ..”
أضافت وهي تلتفت نحو حنين تسألها قبل الخروج من المنزل :-
” هل سوف تبيتين هنا الليلة أيضا ..؟!”
قالتها حنين وهي تبتسم بخفة :-
” اذا لم يكن لديك مانع ..”
ردت حياة بمرح :-
” في الحقيقة لدي أكثر من مانع ..”
” حتى لو لديك ألف مانع ، سأظل هنا باقية على قلبك ..”
ضحكت حياة تردد :-
” وجودك كالعسل على قلبي يا حنين ..”
هتفت حنين تذكرها بنديم الذي ينتظرها :-
” اخرجي بسرعة .. سيمل الرجل من الانتظار ..”
أرسلت لها حياة قبلة في الهواء ثم سارعت تخرج من المنزل متجهة الى سيارة نديم حيث ركبت السيارة وهي تبتسم له بهدوء ملقية تحية الصباح ليرد لها إبتسامتها وتحيتها قبل ان يحرك مقود سيارته متجها الى وجهته المحددة ..
بعد مدة من الزمان وأثناء الطريق حيث كانت تجلس بجانبه ملامحها هادئة كالعادة لكن بداخلها الكثير من المشاعر المختلطة التي تحاول أن تضعها جانبا وتفكر بما هو قادم ومستقبلهما سويا فهي ليلة البارحة ارتبطت به رسميا وأصبحت خطيبته ..!!
أفاقت من أفكارها على صوته يسألها بإهتمام :-
” أين شردت بأفكارك ..؟!”
إستدارت نحوه تبتسم بهدوء وهي تجيب :-
” لم أشرد ابدا .. فقط كنت أفكر عن سبب خروجنا اليوم ..”
عقد حاجبيه متسائلا من جديد :-
” ومالذي يدعوك تتعجبين من خروجنا اليوم ..؟!”
ردت وهي تعاود النظر أمامها :-
” لإننا كنا البارحة سويا و ..”
قاطعها بجدية :-
” البارحة كانت خطبتنا وفكرت إنه من الطبيعي أن نخرج اليوم كخطيبين لأول مرة ..”
تأملت الخاتم الماسي الذي يزين إصبعها والذي برغم بساطته ونعومته كان رائعا بحق ..
يبدو إنه لاحظ عينيها المركزة على الخاتم فسألها بإهتمام :-
” ربما تأخرت في سؤالي لكن يهمني أن أعرف .. هل أعجبك الخاتم يا حياة ..؟! كان من المفترض أن تختاري خاتمك بنفسك لكنني كنت متعجلا قليلا ..”
قاطعته بصدق وهي تلمس ماسة الخاتم بأطراف أناملها :-
” إنه رائع ..”
ابتسم وهو يشعر بصدق كلماتها قبل أن يهتف وهو يلتفت بعينيه نحوها بعدما توقفت سيارته أمام إشارة المرور الحمراء :-
” بحثت عن شيئا يشبهك ..”
رفعت نظراتها المندهشة نحوه ليضيف وعيناه تحومان حول وجهها :-
” شيئا بالرغم من بساطته ونعومته يحمل بريقا خاصا وهالة تجذب الروح له …”
” نديم ..!!”
همستها بصوت رقيق مبحوح ليسحب كفها يقبض عليه بقوة ثم ينحني طابعا قبلة بطيئة على كفها مرددا وعيناه الزرقاوان ما زالتا تحاصران عينيها :-
” شكرا على كل شيء حياة .. شكرا على وجودك في حياتي .. شكرا على قبولك الزواج مني …”
ابتسمت برقة رغم رفرفة نبضات قلبها التي وصلت أوجها في تلك اللحظة …
كلامه كان كالبلسم لروحها وهي بدورها كانت بلسم روحه الدائم..
سمعته يضيف مشاغبا :-
” من الآن فصاعدا يحق لي أن أمسك يدك متى ما أردت و ..”
قاطعته بسرعة :-
” تمهل قليلا يا نديم .. الخطبة لا تبيح كل شيء كما تظن ..”
ضحك مرددا :-
” نعم أعلم ذلك .. ولهذا السبب فهذه الخطبة يجب أن تنتهي قريبا وندخل في الخطوة القادمة .. الزواج ..”
توترت نبضات قلبها رغما عنها وعاد شعور الخوف يسيطر عليها مجددا فإنتبهت الى إشارة المرور التي تحولت للون الأخضر والسيارات التي بدأت تتحرك فهمست له :-
” السيارات تحركت ..”
عاد يبتسم لها قبل أن يتجه ببصره نحو السيارات مفكرا بجدية إنها ما زالت تخشى قرار الزواج .. بل ما زالت تتهرب منه ورغم كونه يتفهمها جيدا لكنه لا يستطيع الصبر أكثر ..
كان يفكر إن أفضل شيء فعله هو قرار الخروج معها اليوم خاصة بعد ليلة البارحة وما حدث فيها وكيف أصبحت الأجواء مشحونة للغاية ..
بداية الليلة كانت رائعة لكن النهاية لم تكن كما أراد وكأن الجميع اتفق أن ينغص ليلته حتى أخته الوحيدة المحبة …
لا يعلم لماذا عاد بذاكرته الى الخلف متذكرا يوم خطبته على أخرى وما حدث بعدها ..
في يوم مشابه لهذا اليوم كان قد خسر كل شيء ووجد نفسه خلف القضبان بتهمة لا يعلم عنها شيئا ..
يومها صباحا كان في أوج سعادته لكن سعادته تلك لم تستمر سوى لسويعات قليلة وبعدها انتهى كل شيء وتحول اليوم الذي ظن فيه إن بداية حياته التي انتظرها طويلا مع حبيبة عمره الى أسوء يوم في حياته …
حاول طرد تلك الأفكار بعيدا وهو ينهر نفسه بقوة ..
لا يجب أن يتذكر ذلك اليوم ..
عليه أن ينساه تماما ويمحي ذكرى ذلك الماضي بكل ما فيه ..
منذ اللحظة التي إرتبط فيها بحياة وقد قرر أن ينسى ذلك الماضي تماما ..
عليه أن يكون مخلصا لها ويحقق لها السعادة دائما كما تسعده هي دوما وأبدا ..
أخذ يلوم نفسه بحق لإنه سمح لنفسه أن يتذكر تفاصيل ليس من حقه أن يتذكرها أبدا فحياة لا تستحق أن يتذكر تفاصيل تخص أي إمرأة سواها ..
عاد ينظر إليها مجددا فوجدها شاردة مرة فحاول أن يتحدث معها من جديد مفكرا إن خروجهما سويا هذا اليوم كان لأجلهما فهما يحتاجان الى هدنة وقليل من الترفيه …
” ما أخبار نتيجتك ..؟!”
صدح سؤاله فجأة فإلتفتت نحوه تجيبه بسرعة وسعادة شعت في عينيها :-
” ظهرت منذ يومين .. الاولى كالعامين السابقين ..”
قال بسرعة وسعادتها انتقلت اليه :-
” مبارك يا حياة .. هذا شيء يستحق الاحتفال اذا ..”
أضاف وهو يضيق نظراته :-
” كان عليك أن تخبريني منذ اول يوم ..”
قالت بسرعة :-
” معك حق لكنني إنشغلت في تحضيرات الخطوبة .. ”
أضافت وعيناها تبرقان بفرحة :-
” هل تتذكر تلك المادة الصعبة التي شرحتها لي ..؟! لقد حصلت على درجة امتياز فيها ..”
ابتسم لا اراديا ثم قال بتفاخر مصطنع :-
” هذا طبيعي .. لطالما كنت مبهرا في شرح المواد وإيصال المعلومة ..”
زمت شفتيها ترد :-
” وانا ايضا كذلك .. حتى إنني شرحت اغلب المواد لمي خلال العام السابق … ”
ابتسم وقتا بصدق :-
” انت ذكية للغاية بل مبهرة ولديك مستقبل لامع ..”
بادلته ابتسامته ورغما عنها شعرت بنوع من الفخر به ..
كان فخرا لسبب مختلف ..
فخرا لكونه يشاركها فرحتها بنجاحها في تخصص خسر هو كامل فرصته فيه ..
كانت سعادته لأجلها حقيقة …
في تلك اللحظة اكتشفت صفة جديدة مميزة فيه ..
هو ليس أناني ولا يغار من نجاح البقية حوله ..
هو حتى لم يظهر عليه الإنزعاج من تفوقها رغم كل ما مر بيه وشهادته التي سحبت منه نهائيا ..
شخص آخر غيره لم يكن ليفرح هكذا .. فرحته كانت صادقة ودعمه صريح ..
نديم شخص رائع .. هذا ما فكرت به .. شعرت إنه يستحق النجاح في حياته ويستحق الكثير من الاشياء وفي تلك اللحظة تمنت كثيرا بل دعت ربها من أعماق قلبها أن يعوضه خيرا عما فقده وأن ينجح في حياته ويصل الى اعلى المراتب ..!!
عادت تنظر اليه مجددا ولكن هذه المرة كانت وكأنها تحتويه بنظراتها فإنتبه بدوره لها ..
سألها وهو ينقل بصره بين الطريق أمامها وبينها :-
” لماذا تنظرين الي هكذا ..؟!”
ابتسمت بخجل ثم قالت :-
” فكرت إنه من كان بصدق أن نصل يوما الى هنا …”
هز رأسه موافقا :-
” معك حق .. هل تعلمين شيئا ..؟!”
نظرت إليه بإنتباه ليلتفت نحوه يمنحها نظرة سريعة قبل أن يعاود النظر أمامه وهو يكمل :-
” أوقات كثيرة اتسائل ماذا كان سيحدث لو تعرفت عليك مسبقا .. قبل سنوات ..”
أضاف بنبرة لا تخلو من الشرود :-
” انا لا اتذكر إن عمي فاضل رحمه الله جلب سيرتك يوما .. كنت أعلم إن لديه ابنة .. هذا كنتِ ما أعلمه فقط وما تعلمه عائلتي .. لكننا لم نكن نعلم أي تفاصيل تخصك فهو لم يذكرك يوما .. حتى اسمك لم أكن أعرفه ..”
أضاف وهو يضحك رغما عنه :-
” هل تتذكرين اول لقاء بيننا ..؟! يومها اندهشت عندما رؤيتك .. لا أعلم سبب الاندهاش لكنني لم أتوقع وقتها إن ابنة العم فاضل شابة جميلة في العشرينات من عمرها ..”
ضحكت بدورها وقالت :-
” وانا لم أكن اعرف عنك اي شيء … فوالدي لم يكن يجلب سيرتك الا نادرا مكتفيا بكونك محترم جدا وشخص جيد للغاية .. ولكنني كنت اعرف اسمك بالطبع ..”
أضافت وعيناها تشردان بعيدا :-
” لم أكن اعرفك ولا اعرف اي شيء عنك وأول مرة رأيتك فيها كانت في تلك الصورة الموضوعة في صالة الجلوس عندكم ..”
عقد حاجبيه وكأنه تذكر امرا هاما :-
” لهذا تذكرتني فورا تلك الليلة عندما أنقذت من اولئك الشبان ..”
أومأت وأضافت بصوت شارد :-
” يومها رأيت صورتك و ..”
توقفت عن حديثها وهي تتذكر ما حدث ..
كيف غزا قلبها من مجرد صورة وتمكن منه …
وكيف سقطت تلك الصورة من يدها لتجفل على صوت ليلى الغاضب والتي سحبت الصورة منها بعنف تحتضنها بين ذراعيها وكأنها شعرت في تلك اللحظة بما سيحدث في المستقبل …
لا تعلم لماذا في هذه اللحظة تحديدا شعرت إن ذلك الموقف ليس عابرا … وإن ما حدث هو صورة مستقبلية لما سيحدث معه ..
فهاهو نديم معها اليوم كما كانت صورته بين يديها ولكن الصورة سقطت منها وهذا ما سيحدث ربما مستقبلا ..
سوف يتسرب نديم من بين يديها كما سقطت الصورة ويعود لأحضان حبه الاول .. ليلى ..!!
شعرت بألم شديد يغزو قلبها من هذه الفكرة والمشهد يتكرر في ذنها عدة مرات متسارعة وغضب ليلى الغير منطقي وقتها ونظراتها المشتعلة كانت نذير لما سيحدث ..
شعرت بغصة محكمة داخل قلبها وهي تفكر إنها ستتألم كثيرا عندما يتركها نديم رغم إدراكها إن هذا الشيء متوقع ان يحدث ..
كانت تدرك إن علاقتهما لا ضمان فيها وإن مشاعره اذا ظلت غير متبادلة ستضطر الى تركه حينها ..
هي لن تتحمل ان تكون مجرد بديل لأخرى ولا دواء لجروحها ..
هي لن تقبل أن تعيش مع رجل يريدها بعقله بينما قلبه ملك لأخرى واذا إقتضى الأمر فسوف تنسحب من حياته بهدوء وليعود هو إلى الأخرى التي إمتلكت القلب دائما حتى وإن كان قلبها سيتألم وربما ستبقى تتألم الى الأبد لكن هذا سيكون افضل بكثير من العيش مع رجل يراها بعقله لا بقلبه وهي التي تراه بعقلها وقلبها وروحها ..
اذا لزم الأمر ستجعله يعود إليها وتنسحب هي بكل هدوء من حياته ..!!
أفاقت من أفكارها المؤلمة على صوته ينادي عليها وكفه يربت على كتفها فأدركت إنها شردت اكثر من اللازم ..
التفتت نحوه بملامح بدت شاحبة قليلا مما جعله يلمس وجهها وهو يسألها بخوف صادق :-
” هل انت بخير يا حياة ..؟! وجهك شاحب للغاية ..”
ابتسمت بسرعة تحاول أن تخفي شحوب وجهها وهي ترد بصوت جاهدت كي يخرج طبيعيا :-
” انا بخير .. لا تقلق ..”
أضافت وهي تنظر من نافذة السيارة نحو بوابة المطعم الخارجية الذي توقف جانبه منذ مدة :-
” لنهبط هيا ..”
” توقفي ..”
قالها فجأة لتلتفت تنظر اليه بتعجب فوجدته يهبط من سيارته ويتحرك خارجها فبقيت هي في مكانها عندما جاء بعد لحظات وهو يحمل شيئا ضخما يغطيه شيء اقرب لغطاء من القماش بيده بينما فتح الباب لها باليد الاخرى ..
هبطت من السيارة تتأمل ما يحمله بتعجب ليهتف وهو يمد العلبة لها :-
” هدية النجاح ..”
تناولت الهدية منه تسأله بعدم تصديق :-
” كيف علمت وانت سألتني منذ لحظات ..؟!”
قاطعها مبتسما :-
” بسيطة .. دخلت على صفحة الجامعة على الفيس بوك وقرأت اعلان النتائج منذ يومين …”
” كنت واثق من نجاحي لهذه الدرجة …؟!”
قالتها بعدم تصديق ليومأ برأسه وهو يضيف بثقة :-
” بل كنت واثق من كونك الاولى ايضا ..”
اضاف وهو يشير الى الهدية :-
” أزيحي العطاء هيا ..”
نظرت له بتردد قبل أن تزيحه فتشهق بعدم تصديق عندما رأت هديته ودون وعي منها أخذت تقفز بسعادة غير مصدقة إنه جلب لها اكثر شيء تمنت شراءه يوما ما ..
ضحك بسعادة انتقلت إليه منها عندما جذب القفص منها يفتحه وهو يخرج الجرو الصغير بعناية ويمنحه لها حيث تناولته وأخذت تلمسه برقة ..
” إنه رائع ..”
قالتها بصدق وهي تتأمله بفرحة بالغة قبل أن ترفع عيناها نحوه تسأله بدهشة :-
” كيف علمت ..؟!”
ابتسم وأجاب :-
” حسنا كنت أبحث عن هدية نجاح مميزة منذ يومين … فكرت أن أسأل حنين او مي لكنني شعرت بالقليل من الإحراج فأنا ومي لم يجمعنا حديث مسبقا ثم دخلت الى صفحتك على الفيس بوك وبدأت أبحث فيها ربما أجد شيئا مفيدا فوجدت ذلك المنشور على صفحتك حيث أشارت مي إليكِ بمنشور يحوي صور عدة لأنواع مختلفة من الكلاب وهي تكتب بعض الكلمات التي فهمت منها كم تحبين الكلاب وتتمنين يوما أن تحصلي على كلبا صغيرا تربيه بنفسك ..”
” نعم هذا صحيح ..”
قالتها وهي تضحك بسعادة وتلاعب الجرو بيديها …
همست أخيرا وهي ترفع مقلتيها اللامعتين نحوه :-
” شكرا حقا يا نديم .. إنها أفضل هدية حصلت عليها في حياتي ..”
ابتسم وقال بصدق :-
” لو كان بيدي لجلبت لك شيئا أغلى وأثمن بكثير لكنني فضلت أن أهديك شيئا مختلفا وتحبينه ..”
” نعم ، لطالما أردت شراء كلبا صغيرا أعتني به ويكون رفيقي دائما ..”
” ماذا سوف تسمينه ..؟!”
سألها بجدية لترد بسرعة :-
” بندق ..”
رفع حاجبه مرددا بدهشة :-
” بندق !!”
أومأت برأسها تردد بضحكة رائقة :-
” اخترت هذا الاسم منذ زمن ولن أتنازل عنه ..”
” هو لك وإسمه بالطبع سيكون من خبارك ..”
قالها بجدية قبل أن يبتسم مضيفا :-
” إذا اهلا بالسيد بندق الذي أشعر إنه سيصبح فردا أساسيا في حياتنا ..”
ضحكت وهي تربت على الجرو بكفها وسعادتها في تلك اللحظة كانت لا تضاهيها سعادة بيننا نديم يتأملها وإبتسامة خافتة مرتسمة على شفتيها مفكرا إن مجرد كونه سببا في سعادة حياة شيئا يسعده للغاية ..!
………………………………………………………
هبطت ليلى درجات السلم وهي ترتدي ملابس رسمية تناسب المكان الذي ستذهب اليه عندما قابلت والدتها في طريقتها والتي أوقفتها تسألها بضيق واضح :-
” لماذا ذهبت الى الخطبة البارحة ..؟!”
سألتها ليلى بدورها :-
” كيف عرفتِ ..؟!”
هتفت فاتن بضيق :-
” ليس مهما كيف عرفت .. المهم لماذا ذهبت الى هناك ..؟! ولماذا لم تخبريني ..؟!”
همت ليلى بالرد لكنها توقفت عندما سمعت صوت مريم تهتف وهي التي دلفت الى المنزل بحماس :-
” من الجيد إنكما هنا .. بعد غد سأسافر الى تركيا مع غادة ..”
قاطعتها والدتها بغضب :-
” لماذا لم تخبرينا ..؟! كيف تقررين شيئا كهذا دون علمنا ..؟!”
ردت مريم بملامح باهتة :-
” لإنني معتادة على السفر مع أصدقائي منذ أن بلغت ثمانية عشر عاما ..”
قالت ليلى محاولة احتواء الموقف :-
” ماما مريم قررت الأمر قبل يومين فقط .. يعني هي لم تقصد إخفاء الأمر .. أليس كذلك يا مريم ..؟!”
هزت مريم رأسها بحنق بينما هدرت فاتن بهما :-
” اسمعاني جيدا .. وضعكما أنتما الإثنتان لا يعجبني بل إن تصرفاتكما لا تعجبني أبدا … تتصرفان دون إستشارة أحد وكأنه لا وجود لي ولا لوالدكما ..”
” ماما الأمر ليس هكذا ..”
قالتها ليلى بسرعة لتقاطعها والدتها بضيق :-
” انت بالذات لا تقولي شيئا .. لماذا تذهبين الى الخطبة ..؟! ما معنى ذهابك الى هناك ..؟!”
اضافت وهي تستدير نحو مريم الواجمة :-
” وانت تذهبين معها بكل بساطة بدلا من أن تمنعيها من الذهاب ..”
” ما ذنبي أنا الآن ..؟! يجب أن تشكريني لإنني تنازلت وذهبت الى تلك الخطبة السخيفة معها … أساسا هي الكبيرة وبالتالي لا يمكنني منعها عما تريد ..”
” رائع يا مريم .. يعجبني إحترامك لمن حولك وخاصة من هم أكبر منك سنا ..”
قالتها فاتن بسخرية لترد مريم بغيظ :-
” انت تسخرين مني ..”
قاطعتهما ليلى بسرعة :-
” أرجوكما يكفي .. لدي موعد هام في الشركة ويجب أن أغادر فورا .. عندما أعود سنكمل حديثنا ..”
ثم سارعت تخرج من الفيلا متجهة نحو سيارتها حيث ركبتها وقادتها في اتجاه الشركة ..
وصلت الى الشركة ودخلتها لتجد عماد المحامي في انتظارها فإبتسمت له وهي تتقدم منه عندما حياها وقال :-
” جهزت كافة الأوراق الرسمية ليلى هانم .. كل ما ينقصنا توقيع أحمد بك ثم توثيق الأوراق رسميا في الشهر العقاري ..”
” سنذهب الى مكتب والدي لأجل التوقيع وموضوع التوثيق سأتركه لك .. ”
” حسنا ولكن ربما نحتاج توقيع والدتك وتوقيعك انت بالطبع وأختك أثناء تحويل الملكية لكن ..”
قالها بجدية لتهز رأسها بتفهم وهي ترد :-
” لا مشكلة في ذلك .. المهم أن ننهي كل شيء في أسرع وقت ..”
” هيا بنا الى مكتب أحمد بك اذا ..”
سارت ليلى بجانب عماد عندما دخلا سويا الى مكتبه حيث وجدا احمد في انتظارهما ..
تحدث عماد بعدما تبادل التحية مع احمد وهو يضع الاوراق أمامه :-
” هذه أوراق تحويل ملكية الأملاك المتفق عليها الى فاتن هانم وابنتيها … لا ينقصها سوى توقيعك .. يمكنك مراجعتها اذا اردت ..”
ابتسم احمد مرددا بإستهزاء :-
” انا لا أراجع بعدك انت بالذات يا عماد .. ”
ثم جذب الاوراق ووضع توقيعه عليها قبل أن يعيدها الى عماد الذي أعطاها الى ليلى حيث أخذت تقلب فيها وتقرأ داخلها بتمعن قبل ان تسمع والدها يسألها :-
” متى سوف تتنازلين عن البلاغ ..؟!”
ردت ليلى بهدوء وهي تعطي الاوراق مجددا للمحامي :-
” بعدما يتم توثيق الاوراق رسميا .. سأتنازل بعدها فورا عن البلاغ ..”
أضافت وهي تمد بورقة أخرى له :-
” وبعدما تتنازل عن ادارة الشركة لي ..”
تطلع أحمد الى الورقة يتأملها بصمت بينما إستأذن عماد منسحبا فسبب وجوده انتهى ..
رفع احمد بصره نحو ليلى يهتف ببرود :-
” تجرديني من كل شيء يا ليلى …؟!”
ردت ليلى بهدوء :-
” ادارة الشركة من حقي خاصة بعد وجود تلك الشيكات لدى عمار .. الشركة في هبوط مستمر منذ أكثر من ثلاثة اعوام والنتيجة ديون متراكمة … امنحني حق الإدارة فربما أنهض أنا بها وأنقذك من الإفلاس العلني ..”
رمقها بنظرات غير راضية لكنه مجبر على التنفيذ .. لا حل آخر أمامه …
حمل قلمه ووضع توقيعه على الورقة والتي تؤكد تنازله عن إدارة الشركة لإبنته الكبرى ليلى قبل أن يمنحها الورقة فتأخذها منه وهي تبتسم بإنتصار ..
همست وهي تتأمل الورقة ببسمة راضية :-
” يوما ما عندما كنت في الثالثة عشر من عمري .. كنت على وشك إعلان إفلاسك أيضا .. بالطبع تتذكر تلك الفترة العصيبة … انا نفسي لم أنسها فكيف أنت …؟!”
أضافت وهي ترفع بصرها نحو وجه والدها الذي احتقن كليا تضيف بهدوء :-
” يومها والدتي وهبتك أغلب ما تملكه .. منحتك كل شيء بإستثناء منزلها الكبير في اطراف العاصمة والأراضي الزراعية الخاصة بعائلتها … أنقذتك من الإفلاس الحتمي بتصرفها هذا .. لم أنسَ يوما كيف تصرفت وسارعت تمنحك مبلغا ضخما أنقذك من الإفلاس الحتمي …”
لمعت الدموع داخل عينيها وهي تردد :-
” عندما أتذكر ما فعلته والدته وكيف منحتك ثروة كتلك دون تردد وأرى كيف كافئتها أشعر بمدى العذاب الذي ستشعر به عندما تعلم الحقيقة يوما ما ..”
أكملت متجاهلة الألم الذي ظهر على ملامح والدها وقد شعرت بغصة محكمة داخل حلقها :-
” والدتي لن تغفر لك يوما ما فعلته لإنها لا تستحق خداعك لها أبدا ولا تستحق أن تتزوج أخرى عليها .. أثق جيدا إنها بقدر حبها لك وتضحيتها لأجلك بقدر ما ستكرهك وتسعى جديا للتخلص من وجودك في حياتها تماما …”
……………………………………………………………..
دلف الى الشقة التي تجمعه بها بعد غياب يوم كامل حيث سارع في الدخول الى غرفة النوم وهناك ألقى نفسه بتعب على السرير عندما وجدها تخرج من الحمام وهي تلف منشفة صغيرة على جسدها الذي يظهر أغلبه بسخاء بينما شعرها المبتل يحيط وجهها وملامحها بدت أكثر فتنة وهي خالية من المكياج التي تعتاد أن تضعه دائما ..
تقدمت نحوه وجلست جانبه تهتف به :-
” وأخيرا عدت يا مهند ..”
أضافت تتسائل وهي تمد يدها نحو خصلات شعره :-
” أين كنت طوال اليوم السابق ..؟!”
اعتدل في جلسته يتأمل جسدها الذي لا يستره سوى تلك المنشفة الصغيرة ليعض على شفته وهو يقول :-
” برأيي إن هذا الوقت بالذات يحتاج الى شيء أهم من الكلام والأسئلة المعتادة ..؟!”
ضحكت وهي تحرك كتفيها بدلال ليجذبها نحوه بعناق عفوي قبل ان يسارع ويخلع قميصه ثم بنطاله بينما تساعده هي في تجريده من ملابسه كما تجردت هي من تلك المنشفة الصغيرة ..
بعد فترة كانت تفترش أحضانه وهي تشعر بسعادة لا مثيل لها ..
سعادة حقيقة كلما يقترب منها بشغف لا ينتهي ..
هتفت وهي تحرك أناملها فوق صدره العاري :-
” أفكر في زيارة والدي يا مهند ..”
اعتدل في جلسته وسحب بنطاله يرتديه ثم قال بضيق خفي :-
” لماذا ..؟! ألم نتفق على قطع علاقتك به نهائيا ..؟!”
ردت بسرعة وحيادية بعدما اعتدلت في جلستها هي الأخرى تحيط جسدها بغطاء السرير :-
” انه والدي يا مهند وانا ابنته الوحيدة .. لا يمكنني تركه هكذا … لن يحدث شيئا اذا زرته بين الحين والآخر ..”
” كما تحبين ..”
قالها بإقتضاب وهو يتجه نحو الحمام لتسارع وتهبط من السرير تجذب احد قمصان نومها المعلقة على الشماعة وترتديه ..
جلست بعدها على السرير تهز قدمها بتوتر وهي تنتظر خروجه عندما خرج أخيرا وهو يلف منشفة على خصره وقطرات المياه العذبة تتساقط على صدره العادي ومن خصلات شعره المبللة ..
توجهت نحوه تسأله :-
” هل تضايقت مني ..؟!”
رد وهو يجفف شعره مجددا بالمنشفة التي كان يحملها :-
” نعم تضايقت لكنني لا يحق لي منعك فكما قلتِ هو والدك وانتِ ابنته الوحيدة ..”
” ماذا أفعل يا مهند ..؟! مهما فعل يظل والدي ..”
التفت نحوها مرددا من بين أسنانه :-
” والدك هذا سبب كل المصائب .. انا لا أفهم كيف تم حكمه بالسجن المؤبد .. كان من المفترض أن يحكموه بالإعدام ..”
جحظت عيناها تردد بعدم تصديق :-
” بعيد الشر عنه .. لماذا تقول هذا يا مهند ..؟! انه والدي وانا لا ارضى عليه هذا الكلام ..”
رد مهند بنفاذ صبر :-
” والدك مجرم يا هانم .. تاجر مخدرات من الدرجة الاولى بل ولديه سجل حافل في العديد من جرائم القتل وحتى الإغتصاب ..”
” كلها تهم ملفقة ..”
قالتها بتوتر ليضحك رغما عنه قبل ان يقول :-
” انا بالذات لا تقولي هذا أمامي … كلانا يعرف البير وغطاه كما يقولون ..!!”
كتمت غضبها بصعوبة وقالت :-
” يكفي يا مهند .. انه والدي ..”
قاطعها وهو يغمض عينيه بنفاذ صبر :-
” حسنا اخرسي الان … تريدين الذهاب إليه إذهبي .. انا لن أمنعك عنه ..”
أضاف وهو يتجه نحو خزانة ملابسه يخرج ملابس بيتية مريحة ويرتديها :-
” انا سأنام .. لا توقظني مهما تأخرت في النوم .. حسنا ..!!”
ثم اتجه بعدها نحو السرير وهوى بجسده عليه غارقا في نومه بعد لحظات بينما وقفت هي تتأمله بغيظ قبل ان تخرج من الغرفة بعصبية ..!!
………………………………………………………….
كانت تجلس بجانبه على البحر تتأمل أمواجه الهادئة بينما تحتضن الكلب بين يديها تلاعبه بإستمرار ..
” منذ الصباح وانت تلاعبينه ..”
قالها وهو يتأمل الجرو الصغير الذي بدا متفاعلا معها للغاية وكأنه إعتاد عليها خلال الساعات القليلة الماضية ليضيف :-
” لقد سرق هذا الجرو الصغير إهتمامك بالكامل ..”
التفتت نحوه تضحك رغما عنها وهي تردد :-
” انت قلتها بنفسك .. انه صغير للغاية ولطيف ومحبوب ..”
” نعم ووسيم جدا ..”
قالها يشاركها ضحكتها لترفع الجرو بين يديها تردد وهي تقبله بخفة :-
” هو كذلك بالفعل ..”
” منذ الصباح وانت تداعبينه وتقبلينه ولم تفكرِ في منح المسكين الذي جلبه لكِ قبلة عابرة حتى كعربون شكر على الأقل ..”
احتقنت ملامحها بقوة فنهرته :-
” نديم توقف ..”
قال بسرعة وبراءة مصطنعة :-
” ماذا حدث ..؟! هل تفوهت بشيء خاطئ ..”
حملت الكلب ووضعته داخل القفص وأغلقته جيدا ثم استدارت نحوه تهتف به بجدية :-
” دعنا نتحدث بجدية الآن ..”
” تفضلي ..”
قالها بنفس الجدية لتهتف بتردد :-
” تلك الشركة .. هل سأعمل بها أم ..؟!”
ظهر الضيق على ملامحه عندما قالت بسرعة :-
” انا لم أتخذ قراري بعد .. بل أحتاج من يشاركني هذا القرار .. انت تعرف إن نضال هو سبب حصولي على تلك الوظيفة وانا أشعر منذ فترة بالقلق الشديد منه …”
تمتم نديم بصوت خافت :-
” قلقي لا يقل عنك … ”
” ماذا قلت ..؟!”
سألته تحاول أن تفهم ما قاله لكنه رد بسرعة :-
” بعيدا عن موضوع الشركة .. نحن تحدثنا مسبقا في موضوع السفر وانت من المفترض أن تفكري في الأمر جديا ..”
هزت حياة رأسها موافقة فأكمل نديم :-
” اذا هل بدأتِ التفكير ..؟! وما هو رأيك المبدئي ..؟! انا لا أريد أن أضغط عليك يا حياة ولستُ أنانيا معك … لكن برأيي السفر سيكون لصالحنا نحن الاثنان … ”
” اذا وافقت على السفر فهذا يعني إننا سنتزوج قبل سفرنا ، أليس كذلك ..؟!”
سألته بحذر ليرد بسرعة :-
” بالطبع يا حياة … سنتزوج ونسافر سويا .. انت تنهين سنتك الأخيرة ثم تبدئين في التحضير للدراسات العليا وانا أبدأ عملي هناك ..”
” هل وجدت عملا مناسبا هناك ..؟!”
سألته بتردد ليجيب بجدية :-
” دعكِ مني الآن .. نحن نتحدث عنك ..”
” انا رفضت منحة نضال يا نديم ..”
قالتها بخفوت فهتف مسرعا :-
” من جلب سيرة المنحة ..؟! انت لا تحتاجينها أساسا .. سوف تدرسين هناك على حسابك الشخصي ..”
” تقصد حسابك ..”
قالتها مصححة ليرفع حاجبه مرددا بتعجب :-
” سأكون زوجك .. مالي هو مالك .. بالطبع لا توجد مشكلة في دفع أجور دراستك لإنني سأكون مسؤولا بالكامل عنك ..”
أبعدت أنظارها عنه تتأمل البحر مجددا فتوقف عن حديثه للحظات قبل أن يأخذ نفسه ثم يقول متسائلا :-
” هل هناك ما يشغلك يا حياة ..؟! هل هناك سببا معينا لترددك هذا ..؟!”
استدارت نحوه تتأمله بصمت للحظات قبل ان تبتسم مرددة برجاء :-
” دعنا نؤجل حديثنا هذا لوقت آخر .. لقد قضينا يوما ممتعا سويا وأريده أن ينتهي كما بدأ ..”
زفر أنفاسه بقوة ثم اومأ برأسه وهو يجيبها مبتسما :-
” كما تحبين يا حياة .. دعينا نستمتع في وقتنا اذا ..”
ابتسمت وهي تستدير نحو البحر عندما شعرت به ينحني نحوها فإلتفتت نحوه تهمس إسمه بتحذير فوجدته يطبع قبلة بطيئة على موضع غمازتها يردد بمكر :-
” سأقبل الغمازة فقط يا حياة .. الغمازة لا غير …”
إبتلعت ريقها بتوتر قبل ان ترفع ذقنها وهي تردد :-
” ومن سيسمح لك بأكثر من هذه القبلة …؟!”
ضحك مرددا بشقاوة :-
” لا تتحديني يا حياة .. ستكونين انت الخاسرة الوحيدة في هذا التحدي ..”
زمت شفتيها بعبوس بينما عاد هو يضحك مجددا قبل ان يخرج علبة سجائره من جيبه ويسحب احدى السيجارات ويهم بإشعالها عندما شعر بنظراتها المسلطة عليه والتي تحمل عتابا صريحا فزفر أنفاسه مرددا بجدية :-
” انا لست مدخنا شرها يا حياة .. أتناول السيجار فقط بين فترة وأخرى ..”
قاطعته بجدية :-
” الجميع يبدأ هكذا ثم يتحولون الى مدخنين شرهين .. اتركها يا نديم من فضلك .. فأنت أكثر من يعلم بمقدار أضرارها ..”
أراد أن يرفض لكن ذلك الرجاء الخالص في عينيها جعله يرميها فورا على الارض فيرى ابتسامتها تتسع كليا ليهمس بلا وعي :-
” تأثيرك الشديد علي أصبح يقلقني كثيرا يا حياة ..!!”

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (رواية حبيسة قلبه المظلم)

اترك رد

error: Content is protected !!