روايات

رواية براثن اليزيد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم ندا حسن

رواية براثن اليزيد البارت الثالث والعشرون

رواية براثن اليزيد الجزء الثالث والعشرون

براثن اليزيد
براثن اليزيد

رواية براثن اليزيد الحلقة الثالثة والعشرون

“ماذا تُريد من قلب لم يرى منك إلا الحزن؟!”
مر أسبوع بعد عودتهم وكأنه سنوات، شعر بأنهم لم يكونوا أيام قليلة غفا بهم بل كانوا سنوات تمُر ببطء شديد بسبب تجاهلها له ومعاملتها الباردة معه، حاول بكل جهد أن يتحدث معها في أي شيء ولكن دون جدوى لا يقابله منها سوى البرود والهدوء التام، حاول أن يفعل كل ما كان يفعله في السابق ليجعلها ترضى ولكن تقابله بالتجاهل وإذا أجابت تجيب بأن ليس هناك داعي لما يفعله!..
لقد ارهقه ما حدث، يعلم أنه مخطئ من جميع الإتجاهات وهذه ليست المرة الأولى التي يخطئ بها معها ويقول كلمات لا تليق بامرأة نقية كهذه ودائمًا تسامحه على أخطائه ولكن هذه المرة صعبة للغاية، وهو مهما حدث إنسان يطمع في المسامحة فبُعدها عنه بهذه الطريقة البشعة يقطعه إلى أشلاء مصغرة، رؤيتها بهذا البرود تجاه الجميع ونظرة الحزن لا تفارها يجعله يود قتل نفسه لما تسبب به، ولكن هو لا يستطيع التحكم بغضبه ليس له حيلة في ذلك، هو أحيانًا يخطئ بحق نفسه عندما يكن غاضب ولا يستطيع التعديل على هذا الأمر..
ولكن بعد ما حدث قطع وعدًا على نفسه أنه سيحاول جاهدًا أن يتخلص من هذه العادة السيئة فقط لأجلها، والآن عليه أن يفكر ماذا سيفعل مع مروة حياته ليقضي على هذا التجاهل الآتي منها وتعود زوجته المرحة المحبة إليه..
ولكن هناك ما يشغل تفكيره أيضًا!.. لماذا لم يتحدث معه عمه أو “فاروق”؟ هل صرفوا نظرهم عن هذا الموضوع عندما وجدوه متعب ولا يستطيع التحمل أكثر؟ أم أنهم ينتظروا لتتحسن الأمور؟ أم ماذا؟..
على أي حال هو يعلم ما الذي سيفعله لن يعطي لأحد شيء ولن يأخذ منها شيء فقط سيرفض ويصارحها بما حدث منذ أول يوم ثم يذهب بها إلى حيث ما تريد.. فقط لينظر قليلًا وليبدؤا هم أولًا..
__________________
السعادة بالنسبة إليها الآن تكمن في تواجدة بمنزلهم لخطبتها!.. يا له من وغد الآن فقط علم من هي؟ الآن فقط شعر بحبها له؟ الآن فقط قرر أن تكن زوجته كما قال للتو؟، ألم تكن أمامه منذ سنوات تعشقه وهو ليس هنا!؟.. أيًا كان ما حدث أو يحدث الآن هي فقط عليها أن تكون سعيدة للغاية بما يحدث، فـ ربها الكريم استجاب لدعواتها بأن يكن “تامر” ابن عمها هو زوجها الصالح والباقي لها..
نظرت إليه بجدية وهي تراه مثبت أنظاره عليها وكأنه شارد بها وبجمالها الذي لم يلاحظه سوى الآن، تحدثت بجدية سائلة إياه:
-اشمعنى دلوقتي يا تامر وليه أنا ولا علشان مروة خلاص اتجوزت
اعتدل في وقفته ثم وضع كوب العصير على حافة سور الشرفة الذي يقفون بها سويًا، تحدث هو الآخر مجيبًا إياها بجدية:
-ميار.. أنا صحيح كنت بحب مروة لكن من وقت ما اتجوزت فعلًا وهي بالنسبة ليا شيء تاني خالص.. بنت عمي وبس ولو قربت أكتر يبقى أختي، يمكن كمان أنا كنت معجب بيها بس مش بحبها.. أنا لو بحبها فعلًا مكنتش رضيت بالأمر الواقع حتى لو هموت
زفر بهدوء ثم قال مرة أخرى مسترسلًا في الحديث:
-أنا لما فكرت بجد وحكمت قلب وعقلي سوى ملقتش غيرك قدامي تكوني مراتي، صورتك جت قدام عنيا ومش مفرقاني، حاسس أني مش عايز أبعد عنك أبدًا ومش عايز حد تاني يقربلك… أنا بجد عايزك يا ميار
كلماته مست قلبها بشدة ولكنه يعاني في الحديث.. يخرجه بصعوبة، هذا ما تراه لما ذلك؟ ولكن أيًا كان الأمر الأهم الآن أنه هنا لأجلها هي فقط..
تحدثت متسائلة بجدية وهناك ابتسامة تزين ثغرها:
-يعني مروة فعلًا بالنسبة ليك أختك؟
-والله العظيم مروة أختي وبس… طب أقولك قدام ربنا تحرم عليا زي أمي وبنتي وأختي ها ايه تاني؟
نظرت إلى الأرضية مبتسمة بسعادة غامرة وقد كان قلبها قارب على الإنفجار داخل أضلعه بسبب كثرة نبضه من الفرحة، ولكن لما تنسى أهم شيء تريد معرفته، نظرت إليه مرة أخرى وتحدثت سائلة بجدية:
-هسألك وتجاوبني بصراحة
أومأ إليها بهدوء كدليل على الموافقة لتكمل هي قائلة:
-أنتَ عملت حاجه لمروة بعد ما اتجوزت.. بعتلها رسايل مثلًا؟
أبعد نظرة عنها وتطلع على المارة في الخارج لا يدري ما الذي يقوله!.. يقول أنه أراد تخريب حياتها؟ صمت لبعض الوقت ثم قرر أن يقول كل شيء ليبني هذه العلاقة على الصدق، نظر إليها مرة أخرى وتحدث قائلًا:
-آه بعتلها، الرسايل اللي كانت بتوصلها مني.. لما يزيد اتجوزها وخلاص كده مقدرتش أعمل حاجه حسيت أنه كسبني في جوله مصارعة مثلًا وكان نفسي أنه يطلقها لما يشوف الرسايل دي.. كنت بتعمد ابعتها في وقت هو معاها فيه بس محصلش كده بالعكس حبوا بعض، تدبير ربنا.. أنا في الوقت ده السكينة كانت سرقاني بس أنا بحكيلك أهو علشان مش عايز اخبي أي حاجه ونفتح صفحة جديدة ومستعد أجاوب على أي سؤال هتسأليه
صمتت لبرهة ثم دون سابق إنذار داهمته بهذا السؤال:
-أنتَ بجد عايزني؟
ابتسم بهدوء شديد فيبدو أنها لا تقتنع بسهولة، أردف قائلًا بمرح وسعادة:
-والله العظيم عايزك أنتِ يا ميار يا بنت عمي نصر وعايز اتجوزك واخلف منك كمان دستة عيال
تشكلت حمرة الخجل على وجنتيها يبدوا أنها وراثة عن هذه العائلة، سألته مرة أخرى محاولة مداراة خجلها:
-من امتى؟
-من أول مرة اتكلمنا فيها عن أن في حد حواليا عايزاني، أهو الكلام ده من شهور بس منستش كل يوم بفكر فيه علشان أخد قرار صح لأن دي مش هتكون حياتي لوحدي
لا تريد أكثر من ذلك حقًا فقد اكتفت وما فعله في السابق لن تتذكره أبدًا، هو الآن “تامر” فقط، “تامر” الذي تعشقه فوق العشق عشقًا
نظرت إليه بخجل وسألته مبتسمة:
-تفتكر بابا وافق؟
ضحك بشدة على كلماتها وهذه النظرة التي تحملها إليه ثم قال بمرح:
-لأ هو عمي نصر وافق من ساعة ما دخلنا البيت أصلًًا
أجابته بضيق محبب وابتسامة لا تستطيع إخفائها:
-يا رخم
-قلب الرخم وعيون الرخم وروح الرخم
على الكلمات أن تُقطع هنا ولا يتحدث أحد نهائيًا، فهو أصبح لها حقًا وينتظر الموافقة منها، عليها أن تنظر إليه بحب وتبادله إياه لتنعم بكل ما هو جميل جواره لا بل عليها أن تحمد الله كثيرًا لما قدمه إليها، تشكره على فضله عليها وتحقيق حلم ظنت أنه بعيد كبعد الأرض عن السماء..
________________
بعد أن غابت الشمس أمسكت “ميار” بهاتفها مرة أخرى لتتحدث مع شقيقتها وتخبرها بما حدث اليوم، لقد نسيت أخبارها حيث أن صديقتها تحدثت كثيرًا وبقيت لوقت طويل عبر الهاتف تتحدث معاها..
كانت مروة جالسة في غرفة الصالون أمام شاشة التلفاز تطالع ما يعرض أمامها بهدوء بينما هو يجلس داخل غرفة النوم على الفراش ممدد قدميه ويضع عليهم حاسوبه الخاص ويبدوا من تركيزه أنه يعمل، استمعت مروة إلى صوت هاتفها الذي صدح بالمكان، وقفت على قدميها وتقدمت للداخل حيث هو متواجد ورأت الهاتف جواره على الكومود، تقدمت منه ثم أمسكته وذهبت لتقف أمام باب الشرفة من الداخل حيث كان الجو بارد..
أجابت مروة مبتسمة بهدوء بعد أن وضعت الهاتف على أذنها:
-ميار حبيبتي عامله ايه؟ وحشاني أوي أنتِ وبابا
استمعت إلى الأخرى تهتف بحماس ولهفة:
-وأنتِ كمان والله يا مورو وحشاني، أنتِ اللي عامله ايه
-أنا الحمدلله كويسه أوي
أجابت الأخرى بسعادة غامرة وفرحة مسيطرة عليها:
-يارب دايمًا يا حبيبتي.. أنا كنت عايزه اقولك على حاجه
استغربت “مروة” حديثها فسألتها سريعًا مضيقة ما بين حاجبيها:
-في ايه؟
ابتسمت “ميار” وتحدثت بهدوء محاولة السيطرة على تلك الفرحة التي اجتاحتها:
-تامر ابن عمي جه واتقدملي النهاردة
-ايه؟ تامر؟
احتلت الصدمة كيانها، “تامر” و “ميار” منذ متى وكيف ولما هي تعلم الآن فقط، هل هذا حقًا؟ أفكار كثيرة داهمتها وتوقفت عندما استمعت لحديث ميار..
-ايوه تامر يا مروة، اتقدملي النهاردة.. كان هنا هو وعمي ومرات عمي وأنا موافقة
ابتسمت مروة سريعًا بعد أن وضحت الصورة أمامها من جميع الزوايا بعد أن استمعت لها وتحدثت قائلة بابتسامة عريضة:
-ألف مبروك يا روحي، بجد ألف مبروك ربنا يتمم بخير.. اوعي تعملوا حاجه من غيري
ابتسمت “ميار” من جديد وتحدثت بحماس قائلة:
-مستحيل طبعًا.. بس أنا قولت لبابا يديني شوية وقت وأول ما اخليه يرد عليه هكلمك تيجي
-ألف مبروك أنا فرحت أوي أنتِ وهو تستاهلوا كل خير
-حبيبتي يا مورو ربنا يخليكي وعقبال ما أشوف ولادك أنتِ ويزيد كده
محت ابتسامتها فور استماعها لتلك الكلمات الغير مناسبة بالمرة لذلك الوقت والمواقف الذي تمُر بها على طريق الرحلة الصعبة هذه بجواره، تحدثت مرة أخرى:
-تسلمي يا حبيبتي.. تصبحي على خير
استدارت بعد أن أغلقت الهاتف لتضعه على الكومود مرة أخرى فداهمها بسؤاله المهتم:
-مالها ميار؟
تحدثت بجدية شديدة وبرود يحتل ملامحها ونبرتها وهي تجيبة قائلة:
-تامر طلبها للجواز
سريعًا ذهبت من أمامه إلى حيث ما كانت قبل أن تدلف إليه وهو عندما رآها تهرب من مواجهته أو التواجد معه حتى أغلق الحاسوب ذلك وألقاه جواره بحدة واضعًا يده الاثنين خلف رأسه مستندًا إلى ظهر الفراش لا يفكر بذلك الطفل تامر وأنه سيتزوج ميار الجميلة النقية، لا يفكر فيما قالته بل يفكر بها هي زوجته العنيدة أو ربما هي معها الحق أو كامل الحق ولكنه لا يعلم ما الذي يفعله وما الذي يحدث الآن من الأساس!..
___________________
“اليوم التالي”
ذهب “يزيد” منذ أن استيقظ إلى مَغلق الأخشاب مع أخيه “فاروق” بعد أن طلب منه ذلك لكثرة العمل هناك وبقيت هي في الغرفة إلى الآن ففي الآونة الأخيرة هي حبيسة الغرفة وهادئة هدوء لا يوصف..
تقدمت مروة من خزانة الملابس وفتحتها ثم أخرجت صندوق كبير وضعته على الأرضية وانحنت تأخذ منه صندوق هدايا متوسط الحجم، كان هذا الصندوق لم يفتح إلى الآن أخذته ووضعته على الفراش ثم أعادت الصندوق الكبير إلى داخل الخزانة مرة أخرى وأغلقتها..
تقدمت من الفراش وجلست عليه ثم أمسكت الصندوق وفتحته بهدوء لترى ما الذي يوجد بداخله وقد كانت علبة صغيرة لونها أزرق بداخلها سلسال راقي جدًا ورقيق وأنثوي للغاية.. منحوت على شكل عين ولم تكن أي عين فقد كانت عينها هي!.. عينها صاحبة الألوان المتعددة يبدوا أنه كان يرى هذا أيضًا، كانت تحمل ألوان متعددة كمثل ألوان عينيها تمامًا.. رأتها جميلة حقًا وقد اعجبتها للغاية..
أخذت الصندوق والسلسال ثم وقفت أمام المرآة وضعتهم عليها ثم تقدمت بيدها إلى عُنقها لتنزع سلسال “يزيد” الذي منذ أن أعطاها إياه وهي لم تنزعه عن عُنقها فقد كان يحمل صورة لشخص أحبته أكثر من نفسها..
وضعت سلسال “يزيد” على المرآة ثم أمسكت ذلك السلسال المصاحب لشكل عينيها ووضعته حول عُنقها لترى مدى جماله عليها، فقد كان حقًا رقيق مثلها.. نظرت في الصندوق مرة أخرى لترى أن هناك ورقة على ما يبدوا..
أخرجتها ثم نظرت بها لترى كلمات خطت بخط اليد وقد كانت:
“ملقتش حاجه توصف اختلافك غير دي”
ابتسمت بهدوء ثم وضعت الورقة بالصندوق وهي تفكر ما الذي ممكن أن تحضره لهم؟.. استدارت لتجلس على الفراش وجدته يقف عند إيطار الباب كما كل مرة حتى لا تراه وهو ينظر عليها.. استغربت نظرته لها فهو يضع عينيه على عنقها الذي يزينه سلسال آخر غير الذي يخصه.. فكرت قليلًا ثم استدارت لتأخذ سلساله وترتديه مرة أخرى ولكن استمعت إلى صوت شقيقته التي تنادي عليها فأجابت سريعًا وخرجت من الغرفة..
تقدم هو إلى الداخل، ألقى جاكيته على الفراش ثم تقدم من المرآة ليرى ذلك الصندوق وقد تذكره على الفور فهو لا ينسى مثل هذه الأشياء..
لقد كان هذا الصندوق نفسه الذي أعطتها إياه زوجة عمها عندما أتت لزيارتها هنا وقالت لها أنه هدية من “تامر” ابن عمها، جز على أسنانه بحدة ثم أمسك به وأخذ تلك الورقة ليرى ما بها أيضًا ولم يعجبه ما كُتب أطبق يده عليها بحدة ثم ألقاها على المرآة بعصبية..
استدار ليذهب ولكنه عاد لينظر مرة أخرى على ذلك السلسال الذي حمله بين يده فقد نزعته عن عُنقها وهو يحمل عائلته، يحمل صورة له ولها ولمن سيكون ابنهم في المستقبل..
دون أدنى إهتمام منها تركته هنا ووضعت أخر لغيره يتغزل بها، أليس من المفترض أنه سيكون زوج أختها؟ ما الذي جعلها تخرج هديته إليها الآن؟..
ألقاه بحدة على المرآة وتقدم من المرحاض وهو في غاية الغضب الذي يحاول أن يسيطر عليه حتى لا يفقد ما تبقى بينهم..
دلف إلى المرحاض ليستحم ثم بعد أن انتهى رأى أنه لم يأخذ ملابس معه إلى الداخل حتى أن رداء الحمام ليس هنا!..
فتح الباب بهدوء ثم هتف بصوتٍ عالٍ مناديًا باسمها ولم تجيبه فنادى مرة أخرى وأخرى إلى أن طفح الكيل به وصرخ بصوتٍ عالٍ ليراها وهي تدلف الغرفة راكضة..
تحدثت متسائلة باستغراب وهي تراه يقف خلف الباب:
-في ايه؟ ليه كل الزعيق ده
تحدث بعصبية بعدما رآها تتحدث بكل هذا البرود:
-أنتِ كنتي فين؟
-عند يسرى
-هو أنا مش لسه راجع من بره مش المفروض تشوفي لو محتاج حاجه لكن إزاي طلعتي تجري على بره
ابتعلت ما بجوفها وتحدثت بهدوء شديد وهي تنظر إليه:
-أنا آسفة محتاج ايه
نظر إليها باستغراب شديد لا يصدق الذي يحدث ما هذا الاستسلام والبرود الذي أصابها؟.. تحدث قائلًا بجدية:
-هاتي هدوم ألبسها الجو برد
-حاضر
____________________
منذ الصباح وقد تغيرت معاملته لها مئة وثمانون درجة ففي الأيام المنصرمة كان يحاول مراضاتها بسبب ما حدث ولكن منذ أن رأى هدية “تامر” وهو منزعج، غاضب، لا يريد أن يفعل شيء بهدوء وعلى ما يبدو أنه قد فهم الأمر بشكل خاطئ كما كل مرة.. ابتسمت بسخرية وتحدثت بينها وبين نفسها فهذه ليست المرة الأولى ليشك بها فقد كانت مرات كثيرة وليس مرة واحدة..
قررت شيء واحد فقط ستفعله والآن..
تقدمت إلى داخل الغرفة وأغلقت باب الشرفة من خلفها، ثم ذهبت إليه في غرفة الصالون كان يشاهد على التلفاز رياضة المصارعة يبدو أنه يريد أن يلكم أحدًا..
جلست أمامه على الأريكة ثم تحدثت قائلة بجدية:
-على فكرة أنتَ مش محتاج تتعصب ولا تتغير معايا
نظر إليها ببرود شديد ثم أبعد نظرة وتحدث بجدية قائلًا:
-مين قالك اني متعصب ولا متغير معاكي
ابتسمت بسخرية ثم اعتدلت أمامه متحدثة بهدوء كما اعتادت هذه الآونة:
-بلاش نلف وندور على بعض.. أنا لما فتحت هدية تامر فتحتها علشان أعرف أرد الهدية مش أكتر لأنه خطب وأختي زي ما أنتَ عارف، مش علشان أرجع حنين فات ولا حاجه لأن بردو سبق وقولتلك إننا أخوات
نظر إلى عنقها وقد وجدها أعادت سلساله مرة أخرى إلى مكانه المناسب فنظر أمامه وتحدث قائلًا بسعادة داخلة فقط:
-وأنا مش بشك فيكي يا مروة ومقولتش حاجه من اللي قولتيها دي
وقفت على قدميها وتقدمت من باب الغرفة ثم استدارت وقالت له بعتاب ونظرة مرهقة:
-مش لازم نتكلم باللسان ممكن نتكلم بالنظرات.. أو الأفعال
فتحت باب الغرفة وخرجت منه وأغلقته خلفها وتركته ينظر في أثرها بانزعاج فهو لا يستطيع إلى الآن أن يعلم ما الذي يفعله حتى تعود كما السابق ويُمحي من عقلها ما قاله وفعله..
__________________
ذهبت إلى حيث يوجد صديقه الذي يستمع فقط، ذهبت إلى “ليل” المهيب صاحب الألوان السوداء في كل شيء، جلست أمامه وهي تنظر إليه بـ إرهاق وضعف غريب عليها لم تعتاده ولم يأتيها من قبل..
تحدثت بهدوء قائلة:
-ازيك يا ليل؟.. تصدق وحشتني
ابتسمت بسخرية وهي تراه ينظر إليها دون أي ردة فعل منه وكأنه لا يرى شيء أمامه:
-ايه حتى أنتَ مش مصدقني، عندك حق هتصدقني إزاي وصاحبك مكدب كل كلمة بقولها حتى أنه معندوش ثقة فيا
نظرت إلى الأرضية وتحدثت متسائلة وهي تشعر بالضياع:
-تفتكر أنا غلط أني جيت معاه بعد اللي حصل؟ طب هو أنا المفروض أمشي؟
رفعت نظرها إليه مرة أخرى بعد أن تكونت الدموع داخل عينيها الذي بُهت بريقها:
-أنا تعبت.. تعبت منه أوي يا ليل وهو مش حاسس، مش حاسس بيا خالص وشايف أن حبه ليا كفاية، شايف أنه المفروض يعمل كل اللي هو عايزه وأنا أسكت واستحمل
خرجت الدموع من عينيها تفر هاربة على وجنتيها البيضاء، نظرت إلى عينيه السوداء وتسألت بجدية:
-هو أنا غلط في ايه معاه؟.. ولا حاجه أنا كل اللي بعمله أني بستحمل وبسمع كلامه.. استحملت كتير من عيلته اللي مش طيقاني ومستعدة استحمل أكتر من كده كمان بس هو يكون كويس معايا.. يكون يزيد اللي بحبه وقت النقاش في أي حاجه، وقت ما يقولي بحبك، وقت ما يحضني، مش عايزه أشوف يزيد العصبي اللي بيقول أي كلام مهما كان هو ايه مش عايزه أشوف يزيد اللي لما الغضب بيتملكه بيمد أيده عليا ويرجع يتأسف..
خرجت الدموع منها بغزارة وهي تسترسل في الحديث أمام جواده، حتى أنها انتحبت في البكاء وأصبح صوتها عالٍ:
-أنا مش ممكن أكمل بالطريقة دي خلاص تعبت منه ومن كلامه السم اللي بيموت فيا بالبطئ.. تعبت من قلة ثقته فيا، أنا هكمل معاه العمر كله؟؟.. طب إزاي وهو كده مستحيل أقدر مستحيل أفضل عايشة مع واحد مش بيثق فيا واحد لما بيتعصب بيتحول لهمجي مش بشوفه في الوقت ده غير كده، واحد مخبي كل حاجة عني وكل إجاباته على اسألتي ناقصه..
-أنا بحبه أوي.. بحبه أكتر حد في الدنيا دي ونفسي فعلًا أفضل معاه العمر كله وأخلف منه بس هو اللي بيبعد وهو اللي بيعمل كل المشاكل دي بقلة ثقته فيا وبعصبيته، هو الطرف الوحيد الغلطان هو اللي بيخبي كل حاجه عني.. كل اللي بيعمله بس أنه يغلط ويرجع يعتذر وأنا زي الهبلة اسامحه
-أنا جوايا حاجات مش عارفه اوصفها، مش عارفه أقول ايه ولا عارفه أعمل ايه حاسه أني اتغيرت أوي من وقت اللي حصل حاسه أن مش هاممني حاجه وبقيت سلبية أوي
نظرت إليه وهي تزيل تلك الدموع العالقة بـ اهدابها وتحاول السيطرة على تلك الشهقات الخارجة من جوفها:
-أنتَ فاهمني؟
ابتسمت بسخرية متحدثة بعد أن وقفت على قدميها:
-دوشتك بمشاكلي مع صاحبك أنا آسفة
أما هو بعد أن استمع لكل هذا الحديث والألم المتواجد داخلها خرجت دمعة من عينه عليها، على كم الأذى والحزن الذي سببه لها، أزالها سريعًا حتى لا يتيح الفرصة لغيرها بالخروج، أنه يحبها، يعشقها كما تفعل هي بل وأكثر أيضًا، الآن الألم بداخله مضاعف عما سبق، الآن هو يموت ألف مرة في الدقيقة الواحدة، كيف له أن يسبب كل هذا الحزن لها؟ لصاحبة العيون الساحرة، كيف له أن يبيح لنفسه فعل كل هذا بها؟، أنها تحمل كثيرًا وكثيرًا في قلبها حزن منه وهو في كل مرة يجعله يزداد..
يعترف بخطئه نعم هذه المرة كان الخطئ ليس هينًا ولكن هذا بسبب حبه لها يريد أن تنجب له أطفالًا، هذا ليس مبرر يعلم أيضًا ولكنه يعشقها فوق العشق عشقًا.. ماذا يفعل الآن معها؟ ماذا يقول؟ ما الحل في هذه الورطة؟ كيف سيجعلها تعود كما السابق ويسترد روحها الذي غادرتها بسببه..
هو يثق بها كما يثق بنفسه لما لا تفهم هذا؟.. فقط غضبه ما يجعله في هذه الصورة.. على كل حال سيجد طريقة للتحدث معها في كل شيء مضى وأيضًا سيترك الغضب والعصبية الزائدة في ركن بعيد عنهم هم الاثنين، علها ترضخ له..

يتبع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *