روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الثامن عشر 18 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الثامن عشر 18 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الثامن عشر

رواية في حي الزمالك الجزء الثامن عشر

رواية في حي الزمالك الحلقة الثامنة عشر

دِفَاع 🦋✨🤎

“ما لسه بدري يا أفنان هانم!!”

أردفت والدتها بنبرة مُمتعضة لا تُبشر بالخير وقد ضمت كلتا ذراعيها إلى صدرها بإعتراض مُشكلة علامة X بينما يجلس من خلفها على الأريكة نوح بوجنة مُحمرة وأنف دامي…

“نوح..” همست أفنان بها وهي تضع يدها على وجهها وكأنها تمسح وجهها بعنف ثم تخطو خطوة واحدة نحو الداخل وهي تُردف:

“هو.. في.. في أيه أنا مش فاهمة حاجة؟ وبعدين مين اللي عمل في وشك كده؟!”

“يعني مش عارفة في أيه؟”

“لا معرفش!!”

“وكمان مش عارفة مين اللي عمل في وشه كده؟” هنا ازدردت أفنان ما في فمها برعب وهي تهز رأسها بالنفي..

“أفنان أنتي مديرك في التدريب حاول يتحرش بيكي؟” كان سؤال والدتها بمثابة صاعقة لها، لم يستطع عقل أفنان أن يُترجم الكلمات التي تفوهت بها والدتها؟! بل من أين جاءت بتلك الفكرة من الأساس؟ مؤكد أنه نوح من سيكون غيره! لكن.. كيف لنوح أن يكذب كذبة كتلك؟! مؤكد أنه فقد عقله!!!

“أيه؟ من الكداب اللي قالك كده؟ و..و اه أنا كده فهمت.. البيه طبعًا هو اللي ضحك عليكي وفهمك كده!” تحدثت أفنان بمزيج من العصبية والتوتر وهي تحاول أن تُبعد تلك الإشاعات عن رحيم، مُشيره بأصابع الإتهام نحو نوح.

“أفنان أتكلمي عن ابن خالتك كويس.” وبختها والدتها على الفور لتنظر نحوها أفنان بعدم تصديق وهي تحاول التحكم في إنفعالها قائلة:

“يعني أنتي عايزاني اسيبه يتبلى على شخص محترم ومعملش حاجة وماسكه في أسلوبي في الكلام؟!!”

“وهو نوح هيكدب ليه اصلًا؟!” سألت والدتها بإستنكار لتزفر أفنان بقوة ثم تُردف:

“ما هو قدامك أسئليه!”

“نوح أيه معنى الكلام اللي أفنان بتقوله ده؟”

“خالتو أنتي عارفة أني مش من طبعي الكدب صح؟” هنا ضحكت أفنان بسخرية لينظر ثلاثتهم نحوها بإمتعاض.

“والله وأنا كمان مبكدبش، يا ماما الدكتور بتاعي في التدريب ده شخص محترم وبيتعامل معانا كلنا بحدود وبإسلوب كويس وعمره ما بصلي بصة مش تمام ولا قالي حاجة.”

“طب وأما الراجل كويس ليه يا نوح يا ابني بتقول عليه كده؟!”

“الراجل اللي بتقولي عليه محترم ده اتخانق معايا وضربنا بعض! وكل ده عشانك!” صاح نوح بغضب في وجه أفنان وهو يُشدد على كلمة ‘عشانك’ لتعبس ميرال الجالسة على الأريكة وهي تشعر بغصه في حلقها.

“تقدر تقولي هو عملي أيه؟ وضربك ليه؟” سألت أفنان بإنفعال مثله تمامًا، ازداد غضبه من وصفها لما لحدث ليسألها بإستنكار قائلًا:

“أيه ضربني دي؟ اسمها ضربنا بعض!! وبعدين هو نظراته ليكي مش تمام!”

“وأنت عرفت منين أن نظراته مش تمام يا عم المفتش كرومبو؟!”

“أفنان اتكلمي مع نوح حلو!!” صدر هذا الدفاع من قِبل ميرال لتنظر نحوها أفنان بحده بطرف عيناها وهي تقول:

“أركني أنتي يا ميرال دلوقتي من فضلك.”

“عرفت عشان أنا شاب زي زيه وأفهم نظراته كويس.”

“اممم معقول؟ غريبة مع أنك مش بتبقى موجود معايا وقت ما الدكتور بيشرح لنا.” علقت أفنان وهي تنظر نحو نوح بتحدي، فبكثرة الحديث سيُفتضح أمره فالكذب لن يطول.

“هو أنت بتجادلي كتير ليه أنا عايز افهم؟” سأل نوح بإستنكار وإمتعاض لتنظر نحوه أفنان بحده وهي تستقيم من مقعدها قائلة:

“أنت متتكلمش معايا بالإسلوب ده! ولو الحكاية هتبقى كده يبقى تحكيلهم اللي حصل النهاردة كله أيه رأيك؟”

“أنا همشي يا خالتو! وأنتي هتعرفي بعدين أن كلامي صح!”

” ايوا ايوا اهرب من المواجهة، عالعموم يلا بالسلامة مش عايزين كدابين هنا!” أردفت أفنان وهي تفتح باب المنزل لنوح وكأنها تقوم بطرده، ينظر نحوها بغضب قبل أن يأخذ أغراضه ويرحل لتُغلق أفنان الباب بقوة من خلفة، فور رحيله هرولت أفنان إلى غرفتها مباشرة وقد أغلقت باب الحجرة من خلفها تحاول تجنب الشجار مع والدتها أو على الأقل تأجيله لبعض الوقت فحتمًا ستقوم والدتها بتوبيخها.

“هو أنتي ليه عملتي كده؟” سألت ميرال بغضب ولكن بنبرة صوت أهدى من خاصة أفنان بعد أن أقتحمت الغرفة بينما تخلع أفنان وشاحها، تنظر نحوها أفنان ببرود ثم تُردف بصوتًا منخفض:

“وطي صوتك وأدخلي وأقفلي الباب وراكي لو سمحتي.”

“من فضلك بلاش الهدوء المُستفز ده وفهميني!”

“أفهمك أيه؟”

“اللي عملتيه ده! ازاي بتكلمي نوح كده وكمان بتكدبيه؟!!”

“طب ما هو كداب فعلًا!” أجابت أفنان بسهولة وهي تبتسم ابتسامة ساخرة.

“وأنتي عرفتي منين؟ وبعدين حتى لو بيكدب مينفعش كده تصغريه قدامنا وقدام ماما وتحرجيه!”

“يا سلام؟ يعني أسيبه يتبلى على إنسان محترم وكويس عشان يعجب سيدتك يعني ولا أيه؟!”

“هو أنتي بجد أنتي واثقة من نية واحد غريب عننا وبتكدبي ابن خالتك اللي متربي معانا؟!! أنا مش قادرة استوعب!” تحدثت ميرال بمزيج من الصدمة والعتاب لتنظر نحوها أفنان بطرف عيناها وقد ارتسمت على ثغرها إبتسامة جانبية وهي تقول بنبرة ساخرة:

“سبحان الله يا ميرال طول عمري أعرف أنك درستي تجارة بس أول مرة أعرف أنك درستي حقوق، في أيه يا ميرال وهو كان وكلك محامي دفاع عنه ولا أيه؟!”

“هو أنتي بتتكلمي كده ليه يا أفنان؟!” سألت ميرال بعتاب وقد عبس وجهها وكسته الحُمرة من الغضب، لتنظر نحوها أفنان بالنظرات ذاتها لكن أكثر حدة وهي ترد على سؤالها بآخر بنبرة مُستنكرة:

“أنتي مش سامعة نفسك يا ميرال؟!”

“لا مش سامعه نفسي، وشايفة أنك كبرتي الموضوع عالفاضي! وبعدين بتدافعي عن الدكتور ازاي وبتكدبي نوح ازاي وهو وشه بايظ كده؟! طب ده حتى في دليل مادي على صدق كلامه..” تحدثت ميرال ببعض الإنفعال لكن بالرغم من ذلك مازالت نبرتها أكثر هدوءًا من خاصة أفنان.

“أيه علاقة اللي في وشه باللي هو بيقوله؟”

“ما هو أكيد نوح مضربش نفسه يعني..”

“نوح.. نوح.. نوح.. كل حاجة نوح، كل الدفاع عن نوح.. أنا قرفت وزهقت!!” صاحت أفنان بتلك الكلمات وهي تشعر بأنها على وشك الإنفجار من شدة الغضب.

“طالما هو مش عاجبك أوي كده خلاص ابعدي عنه!” تفوهت ميرال بتلك الكلمات بدون قصد لكن سرعان ما أدركت ما قالته لتعض على شفتها بندم بينما أمسكت أفنان بوشاحها وحقيبتها وكانت على وشك مغادرة الغرفة وهي تُردف بإستياء:

“هغور في داهية! وأوعي بقى متتكلميش معايا ولا ليكي دعوة بيا!”

“أنا بجد مش قادرة أفهم هو انتي بتتخانقي معايا ليه؟” سألت ميرال بنبرة أشبه بالنحيب للتتوقف أفنان لثوانٍ وتأخذ نفس عميق قبل أن تلتفت لتواجه شقيقتها وهي تنظر نحوها بآسى ثم تُردف:

“مش بتخانق يا ميرال بس انا يومي كان زي الزفت بجد.. وانتي حتى مفكرتيش تسأليني عاملة أيه ولا حصل معايا أيه؟ مسألتنيش ليه بقول على نوح كداب؟ كل اللي همك تطلعي نوح مش غلطان! على فكرة مش هتاخدي كأس التميز عشان بتدافعي عنه!”

“خلاص حقك عليا متزعليش.. أنا فعلًا أڤورت في الدفاع عنه وكان لازم اسمع منك الأول.. بس أصلي لما بشوف نوح..” سرعان ما تراجعت ميرال عن دفاعها وأدركت أنها اخطئت في حق شقيقتها لذا حاولت إصلاح الموقف.

“بتتلغبطي ودماغك بتلف.. عارفة عارفة.”

“ده حقيقي.. فبجد متزعليش ويلا احكيلي حصل معاكي أيه؟”

“بسم الله الرحمن الرحيم كده.. أنا قبلت ريماس النهاردة!”

“مين؟!! قابلتيها فين إن شاء الله؟” خرجت شهقة من ميرال وهي تحاول استيعاب ما تقوله أفنان، تنظر نحوها أفنان بإرهاق وهي تُعيد خصلات شعرها نحو الخلف قبل أن تبدأ في سرد ما حدث:

“بصي أنا كده بحكي من ورا لقدام فخليني أحكي كويس من الأول.. مبدأيًا كده أنا ونوح اتخنقنا مع بعض.”

“اه ما أنا كنت قاعدة!”

“لا يا ذكية مش قصدي دلوقتي.. قصدي أن القلم اللي علم على وشه ده كان مني أنا!”

“نعم ياختي!!! أنتي أتجننتي!!”

“شش بس! هتسمعي محافظة الجيزة كلها؟! في أيه؟! اصبري عليا واسمعيني للآخر!!”

“سكت.”

“هو قالي كلام جارح وهان كرامتي وشرفي!” لم تجد ميرال ردًا أو تعليقًا على ما تسرده أفنان لذا حاولت جاهدة أن تصمت وتستمع حتى النهاية.

“المهم يعني ضربته بالقلم بس باقي الخرشمة اللي في وشه دي أنا مليش علاقة بيها!! معقول يكون…” فسرت أفنان حديثها لكن في نهاية جملتها اتسعت عيناها حينما قفز رحيم إلى عقلها..

“يكون مين؟”

“رحيم!!”

“قولي كده بقى! رحيم داخل في الموضوع، أتاريكي جايه على نوح جامد وبتطرديه وحركات.”

“لا مش دي الفكرة.. بس أنا فعليًا مكنتش أعرف أن رحيم ضرب نوح.. ده على اعتبار أن رحيم هو اللي ضربه طبعًا.. بس مش أكيد يعني.. ده مجرد أحتمال..” حاولت أفنان إبعاد الشُبهات عن رحيم أو مُحاولة إقناع نفسها بأنه ليس من فعل بالرغم من أنه لا أحد غيره قد يضرب نوح.

“مظنش في حد تاني ممكن يضرب نوح غيره.”

“يا شيخة ده نوح بقى ملطشة وكل الناس بتضربه، بس هو المنطق بيقول أن رحيم ضربه بس السؤال بقى ضربه ليه؟!”

“أنتي بتسأليني أنا؟ طب ما تسأليه؟”

“ما أحنا كنا سوا ومجبش سيرة الحوار ده خالص..” تحدثت أفنان بثقة وبصوت عالٍ نسبيًا لكنها سرعان ما خفضت صوتها في نهاية الجملة..

“كنتوا أيه؟!”

“ما هو أصل… أنا ورحيم روحنا قعدنا في كافية بعد التدريب..”

“أنتي بتستهبلي يا أفنان!!!”

“هي مش دي بس المشكلة.. أصلي.. أصلي قبلت ريماس هناك..”

“يا نهار مش فايت!!!” شهقت ميرال فور سماعها لما تقوله أفنان، فلقد كان كم كبير من المعلومات السيئة في آنٍ واحد.

“في حاجة يا ميرال؟”

“لا يا ماما مفيش حاجة بنهزر بنهزر..” أردفت أفنان بصوتًا عالٍ وهي تكتم فم ميرال بيدها.

“في أيه يا ميرال هتفضحيني!!”

“ريماس شافتك أنتي ورحيم؟!”

“لا ما هو قام.. بس هي شافت السجاير وطبقه فشكت طبعًا بس أنا توهت يعني..”

“كمان سجاير؟!” سألت ميرال بأعين مُتسعة لتنظر نحوها أفنان بإمتعاض وهي تُردف:

“وهو أنا بقولك مخدرات! اه هو بيشرب سجاير.”

“وهو مش أنتي كنتي بتقولي عمري ما هرتبط بواحد بيشرب سجاير ولا كل الكلام ده راح في الهوا لما شوفتي سي رحيم بتاعك ده!” قالت ميرال وهي تُعيد على أفنان حديثها في السابق مُقلدة نبرة صوتها بسخرية، تبتسم أفنان إبتسامة جانبية ثم تُعلق بتوتر قائلة:

“مين قال أني هرتبط بيه أصلًا؟! وبعدين هو قالي أنه مُستعد يبطلها عشاني..”

“بجد قالك كده؟”

“اه بجد.. بس اليوم ممشيش حلو عشان البيه فجاءة مشي وسابني..”

“مشي وسابك في المطعم يعني؟!!” سألت ميرال بإستنكار وهي تقوم بتجهيز العديد من الكلمات الغاضبة التي كانت تنوي جمعها في جملة أو اثنتين لتعبر عن ضيقها من الموقف السيء الذي وضع رحيم شقيقتها الوحيدة به لكن رد أفنان جاء عكس توقعها.

“لا حاسبنا وخرجنا وطلبلي عربية وسلم عليت وبعدها مشي وسابني..”

“والله؟! كده اسمها مشي وسابني؟ أومال لو كان مشي ودبسك في الحساب كنتي هتقوليها ازاي؟”

“يا بنتي بجد اتضيقت جامد.. هو بيبقى كويس وفجاءة بتجيله مكالمة أو حد بيقوله حاجة ووشه بيقلب وأسلوبه بيتغير وبيستأذن ويمشي..”

“أكيد بتحصله ظروف تخليه يعمل كده.”

“عارفة ومش معترضة بس اعتراضي أنه عمره ما فسر في أيه ولا في وقتها ولا بعدها وبحس أنه مخبي حاجة مش عارفة…”

“والله أنا اللي مش عارفة أنتي ازاي عايشة في الدراما دي كلها لوحدك.. ده أنا دماغي لفت بعد ما سمعت يوم واحد بس من حياتك أومال لو أنا اللي عيشاها هيجرالي أيه؟!”

“عشان تعرفي بس أني بعاني جامد.”

“خلاص يا أوڤر.. تعالي بقى نخرج ونشوف هنصالحك أنتي وماما على بعض ازاي.”

“ماشي ياختي..”

بالعودة إلى رحيم الذي حاول الإتصال بوالدته مرارًا لكنها لم تُجيب لذا اتجه نحو الشركة مباشرة بعد أن ترك أفنان، كان يقود بسرعة كافية لإيصاله في وقتًا قياسي لكن دون أن يكسر حدود السرعة المعروفة.. بمجرد أن وطأت قدماه أرض الشركة قد علم بأن الكارثة قد حدثت بالفعل! لقد وصلت والدته إلى الشركة قبله.. أمتعض وجهه قليلًا وهو يحاول أن يُقوم بتهيئه نفسه لسماع موجه التوبيخ التي ستغمره في خلال دقائق، أقترب من موظفة الإستقبال التي وقفت في إنضباط زائد وتحدثت في نبرة رسمية مُردفة:

“مدام إيڤلين وصلت يا فندم.”

“عارف.. هي فين؟”

“منتظرة حضرتك في مكتبك.” فور سماع رحيم للكلمة اتسعت عيناه بشدة وهو يصفع نفسه داخليًا، يُحاول أن يزيح عن باله كم الأشياء التي قد تراها والدته بالداخل فتزيد حصته من التوبيخ لليوم!!

هرول رحيم نحو السُلم فلا وقت لإنتظار المصعد، وصل إلى الطابق حيث يقع مكتبه لكن عكس ما توقع كان المكتب مُغلق بينما يقف أنس بالقرب من الباب وعلى وجهه إبتسامة مميزة قبل أن يُردف بنبرة مُرتفعة قليلًا وكأنه يتعمد أن يُسمع شخصًا ما:

“أهلًا يا دكتور رحيم، مدام إيڤلين موجودة في مكتبي لأني قولتلها أن مكتبك بيتنضف زي ما طلبت قبل ال lunch break.”

“شكرًا يا دكتور، أنا هدخل أرحب بيها بنفسي دلوقتي.” تحدث رحيم برسمية وهو ينظر نحو أنس بإمتنان لإنقاذه، كانت والدة رحيم تجلس على الأريكة البيضاء داخل مكتب أنس القريب من خاصة نوح، تجلس مُعتدلة وقد وضعت أحدى قدميها على الآخرى وبثياب رسمية فاخرة وخصلات شعر مُرتبة، طرق رحيم باب المكتب مرتين قبل أن يدخل وقد رسم على وجهه ابتسامة صغيرة قبل أن يُحي والدته قائلًا:

“أهلًا بحضرتك يا مامي، الشركة نورت.”

“كنت فين؟ And why your phone is silent ‘ولماذا هاتفك في الوضع الصامت’؟”

“هو أنس مقالش لحضرتك؟ أنا كنت في ال Lunch break وقبلها كنت في session فعشان كده كان التليفون Silentt.”

“قالي، كنت بتتغدى مع مين؟”

“لوحدي.”

“لوحدك؟ Are you sure ‘هل أنت متأكد’؟” سألت بشك وهي تحاول العبث بأعصاب رحيم لكنه أومئ بثبات قبل أن يجلس بجانبها وينظر نحوها بهدوء قبل أن يسألها برسمية شديدة:

“الشركة نورت بوجود حضرتك طبعًا، لكن ممكن أعرف سر حضورك الكريم؟”

“أظن أني من حقي أجي في أي وقت من سبب أو من غير سبب، وبعدين قولت أشوفك بتعمل أيه؟ بقيت راجل فعلًا وأد المسئولية ولا لا.”

“وكل الفترة اللي فاتت دي مأثبتتش لحضرتك يعني؟”

“أتكلم معايا بإسلوب أحسن من كده.”

“مامي.. من فضلك أنا بجد مُرهق جدًا وورايا شغل كتير أوي وبجد مش قادر أخد محاضرة في الأخلاق دلوقتي.”

“أنت شايف كده يعني؟ تمام حسابك معايا في البيت.”

“يا مامي حضرتك زعلتي ليه بس؟ أنا عندي كام إيڤيلين قمر زيك كده؟ هي واحدة بس.” أردف رحيم بنبرة حنونة وهو يحاول إصلاح الأمر فورًا تجنبًا لحدوث أي شجار بينهم، دنى من والدته ليُقبل رأسها.

“أنت فاكر الكلمتين دول هيأثروا فيا وكده؟”

“يا مامي بقى.. ده أنا ابنك حبيبك الوحيد مش معقول المعاملة دي..” تحدث رحيم بنبرة مازحة وهو يحاول أن يستميل قلب والدته لتبتسم هي الآخرى وتقول:

“خلاص هسامحك المرة دي وبس.”

“أنا أصلًا مش هضايقك تاني… إن شاء الله يعني.” تحدث رحيم بنبرة واثقة في بداية حديثه ثم ختم كلامه بالمشيئة فهو لا يدري إن كان سيصدق في قوله أم لا..

“اتفقنا.. you know how to fix things ‘أنت تعرف كيفية إصلاح الأمور’ زي حامد بالضبط.”

“زي ما بيقولوا هذا الشبل من ذاك الأسد، المهم حضرتك تحبي تاخدي Tour ‘جولة’ في الشركة؟” استعان رحيم بالجملة الشهيرة التي تُقال في مثل هذه المواقف ثم قرر أن يأخذ والدته في جولة ليُنسيها أمر دخول مكتبه.

“ياريت.”

“أتفضلي.” أشار بيده بنُبل نحو الخارج سامحًا لوالدته بالخروج أولًا ثم تبعها هو، لم تدوم الجولة كثيرًا قبل أن تُخبره والدته أنها ستعود إلى المنزل وستكون في انتظاره على العشاء، يصعد رحيم إلى المكتب مجددًا بعد تأكده من ركوب والدته سيارتها الفارهة.

“أفُ I was almost caught ‘لقد كنت على وشك أن يُمسك بي’ وجود مامي هنا النهاردة مش صدفة..” تحدث رحيم بإرهاق فور رؤيته لأنس قبل أن يجلس على الأريكة وهو يزفر بتعب.

“أمك جايبه مُرشدين يا عم رحيم ولا أيه؟” سأل أنس بنبرة تليق بتاجر مخدرات لا بموظف في شركة لتتسع أعين رحيم على الفور ويقول بإنفعال:

“أيه ده أيه ده؟ أيه ال language ‘لغة’ وال tone ‘نبرىة’ اللي بتتكلم بيها دي؟! ده أنا كنت لسه هقولك Thank you ‘شكرًا لكَ’ بس خلاص مش هقول حاجة!!”

“خلاص يا عم حقك على دماغي.. مامي بتاعت حضرتك جايبه ناس يفتنوا عليك ويقولولها خط سيرك.. والحاجات ال Naughty ‘السيئة’ اللي بتعملها.. حلو كده؟” سخر أنس من حديث رحيم الذي نظر نحوه بإزدراء في البداية لكن سرعان ما تغيرت تعبيرات وجهه إلى الجدية وهو يقول:

“بعيدًا عن الإستظراف بس اه.. وكارثة بجد لو عرفت حوار أفنان ده!!”

“ليه بقى؟”

“عشان مامي مش هتسمحلي أقرب من بنت مش على ذوقها ولا أختيارها وبصراحة مش عارف ردة فعلها هتبقى أيه..”

“بس قولي هو موضوع أمك ده بس اللي مضايقاك ولا في حاجة تانية حصلت؟”

“أصل.. أصلي بصراحة سبت أفنان فجاءة كده واستأذنت من غير ما أشرحلها موقفي وهي زعلت جامد من الحوار و it’s not the first time ‘ليست المرة الأولى’ اللي أعمل فيها الحركة الحقيرة دي..” تحدث رحيم وهو ينظر إلى الجهه الآخرى وهو يعبث في خصلات شعره الناعمة متحاشيًا النظر إلى تعابير وجه أنس التي ستكون مليئة بالتوبيخ واللوم وبالفعل بدأت جرعة ال ‘تهزيق’ بمجرد أن فتح أنس فمه.

“طب وأنت بتعمل كده ليه يا عيل يا خنزير؟”

“ما هو أنا مش عايز احكيلها عن مامي.. عن طرقتنا مع بعض.. يعني أنت فاهم الوضع.”

“فاهم، بس مش شايف فين المشكلة؟ مش لازم تحكيلها قصة حياتك يعني ممكن تقولها مثلًا ماما عايزاني ضروري، ماما تعبانة.. خالتو جايه تزورنا أي حاجة بدل السكوت ده عشان الحاجات دي بتخلي البنات مخها يودي ويجيب!”

“عندك حق.. تصدق أول مرة أخد بالي أنك بتفهم!”

“بغض النظر عن قلة أدبك، بس قولي هتصالحها ازاي بقى يا فالح؟”

“مش عارف.. ده هي اصلًا لسه مخذولة من حد جدًا قريب منها، جيت أنا كملت عليها.” تحدث رحيم بنبرة مزيج من الشعور بالذنب والضيق عندما تذكر نوح.

“فاضلها تتخذل مرة كمان وتفتح مصنع خذل ونسيج هه.” أردف أنس بأكثر نبرة سمجة في الوجود لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز قبل أن يذهب إلى مكتبه ويرفع سماعة الهاتف الخاص بالشركة ويتحدث إلى المساعدة خاصته قائلًا:

“بقولك أيه.. أنا عايز إنذار بالرفد يجيلي عالمكتب حالًا ومتكتبيش فيه اسم الموظف.”

“لا يا رحيم وحياة أمك أنا كنت بهزر!!!”

“أنا هعلمك تستخف دمك بعد كده.”

“خلاص أسف والله، المهم يا فالح ناوي تصالحها ازاي؟!”

“ما هو أنا مش هينفع أبعت ورد..”

“اه فعلًا كليشية أوي بصراحة!”

“كليشية؟ أيه فهمك أنت في الذوق والرومانسية يا معفن؟ مش دي الفكرة اصلًا.. الفكرة أني بعتلها ورد قبل كده.”

“عملت أيه ياخويا؟”

“زي ما أنت سامع، بقولك أيه.. أنا غلطان أني بتكلم معاك أصلًا.” أدرف رحيم بضيق بينما وقف أنس ينظر نحوه بإبتسامة مُستفزة ليأخذ رحيم نفي عميق ثم يُضيف:

“أنس بقولك أيه.. غور من وشي دلوقتي.”

“أصلًا كده كده كنت ماشي عشان مُونيكا مستنياني عالعشاء…”

“لا لا خد هنا استنى..” أوقفه رحيم ليستدير أنس نحوه بسخرية وهو يقول بمزاح:

“طبعًا يا واطي أول ما عرفت أن السبوبة فيها بنات قولتلي أرجع تاني.”

“مونيكا دي بتاعت الوفد الأجنبي اللي كانت هنا من شهر؟” سأل رحيم بهدوء وبتعابير وجه مُرتخية.

“اه هي.” قال أنس بثقة ولكنه سرعان ما أدرك الخطاء الذي وقع فيه ليقف وهو يغمض عيناه بقوة بينما يصفع نفسه داخليًا، وقبل أن يفتح عيناه كان رحيم يقف بالقرب منه بسرعة البرق وهو يجذبه من بذلته الرسمية وكأنه قد قبض على لص.

“وأنت بتيجي بقى تشتغل ولا تشقط يا حيوان!!”

“من غير قلة قيمة.. وبعدين على فكرة اصلًا هي اللي شقطتني!”

“وفخور أوي؟! أنا كام مرة قولتلك ملكش دعوة بأي بنت من اللي بنتعامل معاهم في إطار الشغل؟”

“أعتقد ألف واحد وخمسين مرة دلوقتي بقوا اتنين وخمسين.” أجاب أنس بسخرية لينظر نحوه رحيم بتجهم وهو يتحدث بجدية قائلًا:

“مش عارف ليه أنت مش مقتنع أني ممكن أرفدك بجد وأضيع مُستقبلك وأن صحوبيتنا مش هتفرق معايا.”

“آخر مرة وحياة أمك بقى..”

“أنس Style ‘أسلوب’ حياتك غلط خالص ومش مقبول ابدًا، وأحسنلك تتغير من نفسك دلوقتي بدل ما تتضبط غصب عنك وهيكون وقتها الآوان فات.” كانت تلك المرة الأولى التي يتحدث فيها رحيم بهذه الجدية مع أنس الذي أومئ بخجل وهو يزدرد ريقه بصعوبة.

“تقدر تتفضل.” غادر أنس المكتب ليجلس رحيم على كرسيه وهو يزفر بضيق، لقد كان اليوم مُرهقًا بحق.. كاد أن يتصل بميا فهي الوحيدة التي تستطيع مساعدته في مثل هذا المواقف كما أنها مُستعمة جيدة لكن سرعان ما تراجع رحيم عن الفكرة أو لنقول أنه قرر تأجيلها لصباح اليوم التالي فهو بحاجة إلى راحة بعد كل الأحداث التي مر بها اليوم.

في صباح اليوم التالي لم يذهب رحيم إلى الشركة وعوضًا عن ذلك قرر مُهاتفة ميا وأنس ليأتوا لمنزله ليقضوا اليوم سويًا.

“طيب يا ميا now you know all the details ‘أنتِ الآن على درايه بكامل التفاصيل’ المفروض أصالحها ازاي بقى؟”

“بصراحة You don’t deserve my advice ‘أنت لا تستحق نصيحتي’ بس Anyway
‘على أي حال’ مفيش أجمل من Message ‘رسالة’ لطيفة وهدية حلوة.” تحدثت ميا بثقة وهي تُحارب لنطق الكلمات بالعربية فابالرغم من أنها تفهم أغلب الكلمات إلى أنها سيئة في نطقها.

“أنا متفق في حوار المسدچ أما الهدية لا، هتطمع بقى وتاخد على كده وهتندم أنت قدام!” بمجرد أن تفوه أنس بتلك الكلمات نظر نحوه ميا ورحيم بإشمئزاز قبل أن يُعلق رحيم على حديثه مُردفًا:

“دكتور أنس ابقى عرفني يعني لو أنا بصرف من جيبك أو حاجة! وبعدين تتعود براحتها أنت مالك أنت!!”

“الله الله!! هي بقت كده؟ شكلك وقعت على بوزك يا ابن البكري.”

“تاني؟ الطريقة السوقية دي تاني؟”

“هي دي طريقتي مش عجبك شوفلك صاحب تاني، المهم.. اسمع اقتراحي؛ أنا شايف أنك تخش تبعت مسدچ كده وتعتذر وتنكشها ومتقعدش تتسهوك لأن أفنان دي بلطجية ومش هتحب الجو ده! ادخلها بداخلة ثقة كده وكلام جامد هتتصالح عادي جدًا.”

“لا لا رحيم Don’t listen to him!! ‘لا تستمع إليه’ !!”

“أومال يسمع نصايحك المايصه دي؟!” سأل أنس بإستنكار وسخرية بينما نظرت نحوه ميا وهي تُضيق عيناها بشك فهي لم تفهم ما قاله بالمعنى الحرفي لكنها استشفت أنه مُعترض ويسخر منها، قلب رحيم عيناه من جدالهم الطفولي..

في النهاية انتهى الأمر برحيم واقعًا في حيرة كبيرة هل يُنفذ نصيحة ميا أم أنس؟ كلام كلاهما مُقنع إلى حدًا كبير بالنسبة إليه، بعد دقائق من الصمت استقام رحيم من مجلسه وهو يُردف بإبتسامة بلهاء غير مفهومة:

“شكرًا يا شباب عالنصيحة أنا خلاص عرفت أنا هعمل أيه.. ساعة وهرجعلكوا.”

نظر كلًا من ميا وأنس نحو بعضهم البعض بينما يدعي كلاهما من داخله ألا يُفسد رحيم ما هو مُقبل على فعله..

في مساء ذلك اليوم في منزل أفنان وفي أثناء مشاهدتها لفيلمًا مُرعبًا برفقة شقيقتها بينما يتناولون التسالي، أخترق صوت إشعار الهاتف الصاخب أذن أفنان لتقفز من موضعها في رعب وهي تُبسمل فلقد كان تركيزها كاملًا متجهًا نحو المشهد المُرعب الذي يحدث وصوت الهاتف قد أفزعها، تفتح أفنان الهاتف بحثًا عن الإشعار ولكنها عن طريق الخاطئ قامت بفتح الرسالة على تطبيق الواتساب وقد كانت الرسالة مُرفقة بصورة وقد كُتب فيها الآتي..

“مساء الخير يا أشطر دكتورة،

بصي بقى أنا عارف أنك زعلانة مني بس أحنا هنتصالح دلوقتي أمين؟ أنا بس حبيت أقولك.. اه وأنا جبتلك البوكس ده ومش هقولك جواه أيه عشان تتفاجئ لما تفتحيه بنفسك.. بس لو موافقتيش أنك تاخديه مني هضطر أني أحاول أقنعك قدام المعمل كله.. ففكري كده وأنا تحت أمرك في اللي تختاريه.♥

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *