روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الثلاثون 30 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الثلاثون 30 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الثلاثون

رواية في حي الزمالك الجزء الثلاثون

رواية في حي الزمالك الحلقة الثلاثون

تَعْنِيف 🤎🦋✨

“بعد إذنك متكلمنيش تاني وياريت تمسح رقمي وتنسى أنك كنت تعرفني، أنا معنديش أي استعداد أعمل حاجة غلط تاني وشكرًا على كل حاجة عملتها عشاني، ودي آخر رسالة هبعتهالك.”

أرسلت أفنان الرسالة ثم ألقت بهاتفها بعيدًا قبل أن تجلس وتضع رأسها بين كلتا يديها وهي تُعيد خصلات شعرها نحو الخلف بقوة قبل أن تجش في البكاء لا إراديًا، لا يمكنها تخيل ردة فعل رحيم على تلك الرسالة..

لم يعد يهم ذلك الآن فلقد قطعت صلتها به بصورة نهائية لكن هناك جزء بداخلها كان يتمنى أن يحزن رحيم لقراءة تلك الكلمات؛ يحزن رحيم فيتحرك خطوة نحوها.. يقترب أكثر ولكن بالطريقة الصحيحة، صفعت أفنان نفسها داخليًا وهي تحاول جعل نفسها تفيق من الأوهام فمؤكد أن رحيم لن يهتم، سينساها بكل تأكيد، سوف ينشغل وسيجد فتاة غيرها بلا شك.

قطع بكاءها صوت رنين هاتفها لتمسكه بضيق ظنًا منها أنه رحيم يحاول من رقمًا آخر لكنها صُدمت حينما رأت أن المتصلة ريماس! لم تهاتف ريماس أفنان منذ عام ألفان وعشرة حينما حصلت كلتيهما على هاتف محمول لأول مرة! عقدت أفنان حاجبيها وهي تزفر بضيق بينما تُتمتم بحنق:

“مش فايقالك دلوقتي خالص يا ريماس.” قامت أفنان بكتم صوت الرنين لكن ريماس لم تنفك تتصل بها، قامت أفنان ب ‘كنسلة’ المكالمة لكن ريماس اتصلت مجددًا لتشعر أفنان بأن هناك شيئًا خاطئ، بغض النظر عن كون اتصال ريماس مُريبًا في حد ذاته لكن إصرارها جعل الأمر أكثر ريبة.

تنهدت أفنان وقد سلمت أمرها إلى الله وقررت أن تعاود الإتصال بريماس وقبل أن تتفوه بحرفًا واحد جاءها صوت ريماس مرتجفًا مذعورًا من الجهه الآخر وهي تُردف بنبرة مُترجية:

“أفنان ممكن تنزلي تقابليني دلوقتي من فضلك؟ أنا محتاجة حد جنبي..”

“مال صوتك أيه اللي حصل؟” استفسرت أفنان بقلق فصوت ريماس لم يكن مطمئنًا بتاتًا.

“بصي أنا هبعتلك Location ‘موقع جغرافي’ كافية نتاقبل فيه واطلبي أوبر متتأخريش عليا وأنا هديكي حقه.”

“أيه يا بنتي الهبل ده؟! أنا جايه بس يارب بابا يوافق.. أكيد هيوافق لما يعرف أني هقابلك.”

“لا يا أفنان أوعي تقوليله أي حاجة…”

“طيب حاضر.. حاولي تهدي شوية لحد أما أجي.”

“رايحة فين يا أفنان؟” سألها والدها حينما رأها تبحث عن وشاح رأسها على الأريكة، توترت هي على الفور وأجابته بتلعثم:

“هقابل صاحبتي..”

“اسمها أيه؟ وتعرفيها منين؟ وهتتقابلوا فين وهترجعي أمتى؟”

باغتها والدها بعدة أسئلة متتالية لتجفل هي لدقيقة قبل أن تسأله بعبوس:

“أنت يا بابا عمرك ما سألتني كل الاسئلة دي… للدرجة دي مبقتش تثق فيا؟”

“أثق فيكي ازاي بعد ما كدبتي عليا وخبيتي عني موضوع الشاب ده.”

“يا بابا أنا أسفة والله ووعدتك أني مش هعمل حاجة زي دي تاني..”

“أنا قولت اللي عندي.”

“طيب.. أنا نازلة أقابل ريماس.”

“يعني مش صاحبتك ولا حاجة.. يعني كنتي هتكدبي تاني! شكلك اتعودتي عالكدب بقى.” وبخها والدها بنبرة لائمة لتقوس أفنان شفتيها قبل أن تُفسر له بصدق:

“والله صدقني ريماس هي اللي طلبت مني مقولش لحد أنها عايزة تقابلني.”

“هو في حاجة حصلت ولا أيه؟ عمتك بخير؟” سأل والدها بلهفة لتبتسم أفنان ابتسامة صغيرة، كيف لوالدها أن يقلق بتلك الدرجة على عمتها بالرغم من كل ما فعلته.

“لا عمتو بخير غالبًا يعني.. أنا مش فاهمة حاجة، هعرف في أيه وهطمن حضرتك.”

أومئ والدها بهدوء وسمح لها بالذهاب، بعد خمسة وأربعون دقيقة تقريبًا كانت أفنان تجلس داخل المقهى الذي قامت ريماس بإرسال موقعه، دلفت نحو الداخل لتجد ريماس جالسه في سكون تحتسي من كوب القهوة الذي أمامها بحركة أشبه بالإنسان الآلي، كانت ترتدي نظارة شمسية كبيرة بالرغم من أن الشمس تكاد لا تصل إلى داخل المقهى، لم تهتم أفنات كثيرًا فربما فعلت هي ذلك على سبيل التفاخر كعادتها، أقتربت منها أفنان وهي تُردف بحنق:

“ريماس أنتي كويسة؟ الله! ما أنتي زي القردة أهو يا شيخة كنتي هتقطعيلي الخلف بسبب المكالمة دي!”

صاحت أفنان بنبرة توبيخ وهي تُطالع ريماس بغيظًا شديد لكن ريماس لم تتفوه بحرفًا واحد بل قربت ثيابها من عنقها ومن ثم قامت بجذب أكمام قميصها، شعرت أفنان بالريبة وسرعان ما تبدلت ملامح وجهها للقلق وهي تسأل ريماس بصوتًا خافت:

“ريماس هو.. أنتي.. فيكي أيه؟” بمجرد أن سألت أفنان خلعت ريماس نظارتها الشمسية الكبيرة لتظهر كدمه كبيرة بنفسجية بالقرب من عيناها، ومن ثم قامت بفتح الزر الأول من قميصها لتظهر آثار خربشة على عنقها، تقوم بعد ذلك بفك أزرار أكمام قميصها وتزيحه لتظهر علامات زرقاء داكنة في مناطق متفرقة من يدها، تنهمر دموع ريماس لا إراديًا وهي تُردف بثبات لا يتناسب مع حالتها:

“عرفتي فيا أيه؟”

لم تشعر أفنان بنفسها سوى وهي تستقيم من مقعدها وتجذب ريماس في عناقًا قوي، لا تتذكر أنها عانقتها عناق مثله منذ أن كانوا أطفالًا صغار، تركت ريماس العنان لشهقاتها لتصدر من جوفها مُفصحة عن كم الآلم الذي قد كتمته في صدرها، بعد مدة فصلت أفنان العناق وقد كوبت وجه ريماس بينا يديها وهي تسألها:

“مين اللي عمل فيكي كده؟ قوليلي وأنا هطلعلك عين أمه!”

“فريد.” نبست ريماس بصوتًا خافت لتتسع أعين أفنان وهي تصيح بغضب غير مصدقة ما تسمعه من الصدمة:

“نهار أبوه أبيض!!! أتجنن ده ولا أيه؟ بيضربك! بيضربك وأنتي ساكتاله يا ريماس؟!”

“هو بيحبني… أنا ساعات بعصبه بس هو وعدني هيتغير… أنا قولت لماما وهي قالتلي أن كل الرجالة كده وأني لو سمعت كلامه هيبطل يضربني.”

كانت تتحدث ريماس بتلعثم وهي ترتجف بينما تنهمر دموعها بغزارة، طالعتها أفنان بأعين متسعة وفمًا يكاد يصل إلى الأرض من الدهشة والإستنكار، لا تصدق أن الحماقة والقسوة قد وصلت عند عمتها للحد الذي يجعلها تُفرط في صحة وكرامة ابنتها من أجل المال والمظاهر.

“طيب وباباكي؟ احكيله هو أكيد هيربي الحيوان ده وهيخليه يفسخ الخطوبة.”

“بابا؟ هو فين بابا ده؟!” سألت ريماس بمزيج من الإستنكار والسخرية بينما نظرت نحوها أفنان بحيرة وشفقة، لا تدري بماذا تُعلق فقد وُضعت فهي في موقف لا تُحسد عليه، أمسكت ريماس بكوب المياه الموضوع أمامه وكاد أن يسقط من يدها الضعيفة لولا تدخل أفنان لتُمسك به بدلًا عنها وتساعدها في شرب كمية صغيرة من المياه لتُبلل شفتيها المُتشققة، تنهدت ريماس قبل أن تنبس بالآتي:

“عارفة يا أفنان، هقولك على حاجة.. لأول مرة في حياتي هتكلم معاكي بصراحة، أنا أغنى منك، اه أغنى منك متندهشيش كده.” علقت ريماس ساخرة حينما لاحظت تعابير وجه أفنان المستاءه لما تقوله، تأففت أفنان لكن ريماس تجاهلت ذلك وتابعت حديثها مُردفة:

“وبابا مدلعني دلع مفيش حد في العيلة كلها اتدلع ولا هيدلع زيه، بيصرف عليا فلوس كتير، مش كده وبس لا أنا أحلى منك شكلًا كمان… ودخلت الكلية اللي على مزاجي وهعرف أشتغل بمرتب أضعاف مرتبك، العيلة كلها في صفي ومحدش بيكلمني نص كلمة…”

كانت ريماس تتحدث بفخر وتعالي لا يليق مع بريق عينيها بسبب الدموع التي غلفتها، استمعت أفنان بحديثها بتركيزًا وحيرة وهي تسأل نفسها ما غرض ريماس من قول ذلك؟ لكنها فهمت حينما أضافت الآخرى:

“بس طز في كل ده، كل ده ولا يفرق لأني عمري ما هيبقى عندي أسرة زي أسرتك، عمري ما هحس بالدفى في بيتنا الكبير الواسع، عمري ما هيبقى عندي أب حنين عليا وبيحبني أكتر من أي حاجة في الدنيا زيك… عمري ما هيكون عندي أم متفاهمة وراحتي أهم حاجة عندها مش المصلحة… عمري ما هيكون عندي أخت صاحبتي وبتهتم بيا، ده أنا يا حاسرة عندي أخ واحد ومسافر طول الوقت ومش بيسأل فيا… عارفة يا أفنان طول الوقت بنقعد نقول أنك بتحسدينا ونفسك في اللي معانا… بس الحقيقة أني أنا اللي بحسدك… أنا اللي بتمنى أكون مكانك…”

كانت نبرة ريماس صادقة لأول مرة، كانت تنهمر دموعها بغزارة وهي تتفوه بتلك الكلمات، أخذت تنظر نحوها أفنان بحيرة شديدة فكيف للفتاة التي كانت تتحدث بغرور وكِبر قبل ثوانٍ أن تبكي بتلك الطريقة وتتفوه بتلك الكلمات، لم تصدق أفنان أن ريماس التي كانت دائمة التنمر عليها وعلى شقيقتها تتحدث عن حياتها بهذا الشكل! لكن بالرغم من كل الغضب الذي كان داخل أفنان تجاه ريماس إلا أنها شعرت بقلبها يحترق من أجلها ففي النهاية وبالرغم من الخلافات مازالت تجمعهم صلة دمٍ وقرابة وقبل كل ذلك هي فتاة مثلها مثل أفنان.

نهضت أفنان من مقعدها بدون تردد وجذبت ريماس في عناقًا دافئ طويل، أخفت ريماس وجهها في كتف أفنان وأطلقت العنان لشهقاتها، كان الجميع من حولهم ينظرون إليهم بتعجب وفضول لكن أفنان لم تهتم كثيرًا، حاولت تهدأه ريماس قدر الإمكان وهي تتمتم:

“خلاص أهدي مفيش حاجة، محدش هيأذيكي تاني أنا جنبك وكلنا جنبك… أقعدي أشربي شوية مايه.” أومئت ريماس بهدوء ليسود الصمت لبرهة وأفنان تحاول أن تفكر في حلًا لذلك المأزق الذي وضعت فيه ريماس قبل أن تُتمتم بقلة حيله:

“بصي مظنش حد هيعرف يساعدنا في الموقف اللي أحنا فيه ده غير بابا… بس أنا عايزة أعرف المشكلة دي بدأت من أمتى وازاي؟”

“لا لا متقوليش لخالو! مينفعش حد يعرف…”

ارتسمت تعابير التوتر والفزع على وجه ريماس حينما اقترحت أفنان أن تُخبر والدها، لم تود أفنان تُزيد من الضغط الواقع عليها؛ فلقد توقعت أفنان أن فكرة ‘لوم الضحية’ تُسيطر على عقل ريماس، هي الضحية هنا لكنها تظن أنه سيتم لومها على تعنيف فريد لها بالرغم من أنها المجني عليها وليست الجانية لكن ذلك الأسلوب مُتبع من قِبل عمتها بلا شك، لذا قالت أفنان بلطف وهي تضع يدها فوق خاصة ريماس:

“يا بنتي أهدي بس، طيب خلاص سيبك من موضوع بابا دلوقتي وأحكيلي.”

“بصي هو.. هو لما جيه اتقدم وكده بعدها خرجنا مرة وكان لطيف أوي بس في واحد عاكسني وهو بدل ما يتخانق معاه اتخانق معايا أنا وقالي لبسك ضيق… في الأول فرحت بصراحة وأفتكرت أن دي غيرة عادي.”

“كملي ياختي.” تفوهت أفنان وهي ترفع أحدى حاجبيها بإعتراض، حمحمت ريماس ثم تابعت:

“وبعدها اختلفنا في كام نقطة، خلافات بسيطة والله… وفي مرة أتعصب جامد وضربني بالقلم على وشي..”

“إلهي يتشك في أيده البعيد!!”

“أنا عيطت واتصدمت جدًا… قعد يعتذرلي وباس ايدي وقالي أن دي غلطة ومش هتتكرر، اتكرر الموضوع طبعًا بقى يضربني على وشي ويشد دراعي جامد ويزغدني… طبعًا أنا قولت لماما وكان ردها زي ما قولتلك، بقيت أحط ميكب وألبس بكم عشان ميبانش آثار الضرب…”

“نهار أبوكي أبيض يا ريماس! دي مش ريد فلاجز، دي عواميد نور يا حبيبتي! وبعدين؟”

وبختها أفنان وهي تشعر أن عقلها قد توقف عن العمل فعقلها لا يستطيع استيعاب أن ما تسمعه يتم سرده بواسطة فتاة من فتيات عائلتها!

“كمان حاول قبل كده يقرب مني… وضربته بالقلم وسبته ومشيت…”

“يالهوي!!! أنتي ازاي ساكتة على حاجة زي كده؟! حصل أمتى وفين ده انطقي؟!!”

“يوم خطوبة ميرال تحت البيت عندنا، كنا في العربية بتاعته…”

“البجح الحقير! ده أنا هخرب بيته!” صاحت أفنان بغضب شديد وهي تُفكر في حلًا لردع ذلك الوغد فمهما صدر عن ريماس فهي مازالت لا تستحق ما يحدث معها، لا أحد يستحق شيء كهذا على أي حال.

“بقولك أيه… تعالي نمشي أنا عايزة أروح.”

تمتمت ريماس بإرهاق، ثم قامت بطلب الحساب من النادل والذي لبى طلبها على الفور، وأثناء ما كانت تضع المال قاطعها أحدهم وهو يجذب ذراعها بقوة بينما يُردف مستنكرًا:

“أنتي ازاي تخرجي من غير ما تقوليلي؟! مش قولت مية مرة مفيش حاجة تتعمل بدون أذني!”

كانت تُطالعه ريماس بخوف وهي تُقرب يدها من وجهها كحماية كي لا ينهال عليها بالضرب، تستقيم أفنان من مقعدها على الفور وتحاول جذب ريماس من يده وهي تصرخ مُستنكرة:

“سيب ايديها أنت مجنون ولا أيه؟”

“أبعدي أنتي ومتدخليش يا شاطرة!” بصق كلماته بحنق وهو ينظر نحو أفنان ساخرًا قبل أن يعاود النظر نحو ريماس بإستياء، تتنهد أفنان بضيق وهي تُتمتم بهدوء في بداية حديثها:

“اه انت فاكرني بنت ناس بقى وكده، أوعي يلا بقولك بدل ما أعملها معاك!”

صاحت أفنان في نهاية حديثها وحاولت جذب ريماس بالقوة ليدفعها ذلك الأخرق بعيدًا من كتفها قبل أن يرفع يده وينهال بكفه على وجه ريماس لذا وبدون وعي رفعت أفنان ذراعها وهي تمسك بكوب الماء الزجاجي قبل أن تهوى على رأس فريد بقوة ليفقد إتزانه، تسحب يد ريماس وتجذبها وتجذب حقيبتها لتركض كلاهما بذعر شديد خارج المقهى بينما تُردف بأنفاس متقطعة:

“تعرفي يا ريماس أن الجري نص الجدعنة؟”

بعد مدة من الركض المتواصل جلست أفنان على أحد الأرصفة وهي تضع يدها على صدره بآلم محاولة تنظيم أنفاسها التي اضطربت بسبب كثرت الركض، همست لنفسها بسخرية:

“يارب مفيش في مرة حد ينقذني؟ أنا كل مرة اللي بنقذ الناس ولازم نجري ويتقطع نفسنا!”

كانت تُشير بحديثها إلى مُقابلتها الأولى مع رحيم حيث انتهى بهم الأمر وهو يهرولون بنفس الطريقة لكن الفارق أن ذاك السارق كان هزيل البنية وكان فاقد للإتزان بأي حال، لم يكن يُشبه عمود الإضاءة في طوله ولا باب الثلاجة في عرضه.

“أنا مش عارفة أشكرك ازاي بجد يا أفنان… أنتي خاطرتي بحياتك عشاني.”

“لا هو أنتي لازم تشكريني فعلًا لأن البتاع اللي أنتي مخطوباله ده كان أحتمال يضربني أنا كمان!” سخرت أفنان لتنظر نحوها ريماس بعبوس وبشعور بالذنب بالرغم من أنه لا ذنبًا لها بطريقة مباشرة، رفعت أفنان رأسها لتنظر نحو الآخرى وهي تُردف:

“متزعليش أنا بهزر، وبعدين اتنيلي أقعدي جنبي بقى خيالتيني!”

“لا مش هينفع أقعد البنطلون لونه أبيض هيتبهدل أوي وبعدين أنتي مش شايفة الرصيف عامل ازاي؟” كانت ريماس تتحدث بجدية وهي تنظر بإشمئزاز نحو الأرصفة التي كساها الأتربة لتظهر ابتسامة جانبية على ثغر أفنان فلقد ذكرتها ريماس للمرة الثانية بأحدهم.

“طيب خليكي واقفة، أطلبيلنا عربية بقى تروحنا البيت.”

“حاضر.” ساد الصمت لثوانٍ قبل أن تقطعه أفنان وهي توبخ ريماس قائلة:

“ريماس أنا مش متخيلة ازاي ارتبطتي بالبني آدم ده، ده على اعتبار أنه بني آدم أصلًا، ده خطر جدًا يا بنتي!”

“أهو اللي حصل بقى..”

” لازم نصلح اللي حصل، أنتي لازم تفسخي خطوبتك معاه فورًا ولو فضل بينطلك في كل حتة كده نعمله محضر عدم تعرض.”

“عدم تعرض أيه يا أفنان أحنا اللي ضربينه!”

صاحت ريماس بإنفعال لا يخلو من السخرية لتنظر نحوه أفنان بإزدراء وهي تُعلق على حديث ريماس قائلة:

“ما هو كان بيعتدي عليكي بالضرب يا ذكية! وبعدين أنتي مش محتاجة كشف طبي أساسًا ده لو حد اعمى هيشوف الضرب اللي على جسمك.”

“العربية وصلت، هوصلك البيت وأرجع على بيتنا وهشوف هعمل أيه وهكلمك…”

“لا! أحنا هنوصلك أنتي الأول عشان اطمن عليكي وبعدين هبقى أتصرف وأروح أنا.”

اضطربت مشاعر أفنان وكأنها في حاجة إلى ذلك! فلقد كان يكفيها اضطراب المشاعر الذي تسبب فيه رحيم وما حدث مع والدها، لكن لا مجال للتراجع الآن فإن ريماس تعتمد عليها في إيجاد حلًا للمشكلة التي وقعت بها.

“منك لله يا ريماس نكدتي عليا هو أنا ناقصة!!”

عادت أفنان إلى المنزل والذي كان هادئًا على غير المعتاد، في العادة من يتسبب في الضجيج هي أفنان ذاتها لكن على أي حال كان الفراغ يعم في المكان.

“ماما؟” نطقت أفنان بنبرة أقرب إلى السؤال لكن لا تتلقى إجابة وقبل أن تتحرك خطوة آخرى نحو الداخل وجدت أحدهم يضع يده على كتفها لتشهق بقوة وهي تصيح:

“بسم الله الرحمن الرحيم! حرام عليكي يا ماما حد يخض حد كده؟!”

“ما أنتي اللي داخله تتسحبي زي الحرامية وبعدين أنا شوفتك وأنتي تحت وفضلت أندهلك بس أنتي دماغك مش فيكي.”

“مسمعتش معلش.. بابا فين؟”

“نايم شوية، ما تقوليلي أنتي وأبوكي مخبين أيه عليا؟”

سألتها والدتها بشك وهي تُضايق عينيها لتضمها أفنان بلطف وهي تُردف:

“مفيش حاجة يا مامتي يا حبيبتي، أنا داخلة أريح شوية.”

جلست أفنان على سريرها وهي تتنهد بإرهاق وضيق، أمسكت بهاتفها وقامت بفتح تطبيق ‘الواتساب’ وأخذت تقرأ رسائلها هي ورحيم وكيف كان حديثهم لطيف ثم تصل إلى تلك الرسالة القاتمة حيث انتهى كل شيء، تُلقي الهاتف بجانبها بضيق ويقفز إلى عقلها شيء آخر لتحمل همه، ريماس! إن وضع ريماس كارثي وأفنان تشعر بالحزن من أجلها والذنب في الوقت ذاته لأنها لم تلحظ من قبل آثار الضرب أو حتى لم تلحظ هلع ريماس الواضح حينما تكون بالقرب من خطيبها، وماذا عن ميرال التي بدت مُريبة مؤخرًا بالتحديد من بعد خطبتها هي ونوح..

ووالدها.. آهٍ من والدها، لقد طال عِقابه ولم تعد أفنان تتحمل.. لا تدري كيف مرت تلك الأيام وهي لا تتحدث إلي والدها، كيف له أن يُعاقبها لكل تلك الأيام؟! وكيف له ألا يهتم بعدم تناولها الطعام أو ذبول وجهها في الأيام الماضية نتيجة لقلة التغذية واضطرابات النوم..

شعرت أفنان في تلك اللحظة بثِقل العالم كله يجثو فوق صدرها، حاولت التنفس بهدوء لكن ذلك كان صعبًا للغاية وبدون وعي منها انهمرت دموعها بغزارة وأخذت تُتمتم بضعف:

“يارب!” كانت هذه الكلمة الوحيدة القادرة على مغادرة فمها، كانت تعلم تمامًا أن الخلاص من عند الله وحده، لذا أخذت تدعو بداخلها أن تنصلح الأوضاع فما عاد قلبها قادرًا على تحمل المزيد من الحزن والضغط، فلقد أعتادت أفنان أن تُخفي كل المشاعر داخلها وأن تبني حائط من الثلج أمام الجميع لكن الكيل قد طفح ولم تعد تحتمل التظاهر مجددًا..

أخرجها من شرودها صوت باب حجرتها وهو يُفتح بهدوء بعد أن قام من فتحه بطرق الباب بخفة أولًا، علمت أفنان من صوت الطرقات المميزة وصوت الخطوات من يحاول الدخول لكن عقلها رفض التصديق.. والدها!

“بابا؟”

“وحشتيني أوي.” تفوه والدها لتقفز أفنان من موضعها لتضمه في عناقًا دافئ ثم تجهش بالبكاء بين أحضانه بينما يربت هو على كتفها بلطف محاولًا تهدأتها.

“وحشتني أوي يا بابا! أهون عليك كل الأيام دي تتجاهلني وتحرمني من حضنك وحنيتك عليا؟”

“غصب عني يا أفنان، اللي حصل مكنش سهل برضوا.”

“أنا أسفة يا بابا… أنا بجد أسفة وعارفة أني مهما اتأسفتلك مش هيبقى كفاية…”

“خلاص حصل خير يا حبيبتي حصل خير، أهدي.” نبس والدها وهو يفصل العناق لكن أفنان جذبته مجددًا رافض فصل العناق ليقهقه والدها وهو يُعلق:

“أنتي عارفة أنك كنتي بتعملي الحركة دي من وأنت في الحضانة؟”

“حركة أيه؟” سألت أفنان بعفوية وهي تكفكف دموعها بأكمام ثوبها كالأطفال ليبتسم والدها قبل أن يُجلسها على السرير بلطف ويجلس أمامها بينما يُردف:

“كنت بحضنك وأنا ماشي من الحضانة وبعد ما ببعد بتشديني تحضننيني تاني، بصراحة دي كانت ألطف حركة بتعمليها وأنتي طفلة بس خلاص كبرتي وبقيتي بعيدة عن بابا وبتخبي عليه حاجات.”

“يا بابا أنا…”

“أنا مش بتكلم معاكي دلوقتي عشان أقطمك، أنا بتكلم دلوقتي عشان نتناقش في اللي حصل، نعرف أحنا غلطنا في أيه عشان منكررش الغلط تاني.”

تحدث والدها بنبرة جادة حازمة نسبيًا لكن لا تخلو من الحنان كذلك، زينت ابتسامة صغيرة ثغر أفنان وهي تعقب على حديث والدها قائلة:

“تمام يا بابا أنا عايزة اسمع كل اللي عند حضرتك.”

“طيب مبدأيًا كده أنا كنت عارف كل حاجة ولا أنتي فكراني نايم على وداني؟” أفصح والدها لتتسع أعين أفنان بصدمة وتستقيم من مقعدها وهي تسأل والدها بإستنكار:

“نعم؟!! حضرتك عارف من الأول؟!!!”

“طبعًا! مش صعب عليا بعد العمر ده كله أني أخد بالي أنك متغيرة ومش صعب عليا برضوا أني أفهم أنه بسبب شاب، سألت ميرال أختك وأنتي عارفة هي من أول قلم بتعترف، يدوبك قولتلها هو في حاجة بين أفنان والولد اللي في التدريب حكتلي كل حاجة.”

فسر والدها ما حدث وهو يضحك في نهاية حديثه لتُضيق افنان عيناها بغيظ وهي تهمس قائلة:

“اه يا ميرال الكلب!!”

“بنت عيب أختك الكبيرة! وبعدين اللي عملته مكنش غلط هي كانت خايفة عليكي، أنا اتأكدت من الموضوع من فترة مش بعيدة وكنت منتظر أنك تيجي تحكيلي لكنك خبيتي عليا وده خلاني أحس بالخزلان أوي يا أفنان”

“بس أنت يا بابا عقابك كان قاسي أوي… بس أنا عارفة أني غلطانة من ساسي لرأسي حقك عليا.”

“عارف، عقابي كان أغلبه عشان أنتي خبيتي عليا مش عشان التصرف نفسه، أنتي غلطتي لكن لو كنتي جيتي عرفتيني على طول يمكن مكنتش هخاصمك لكن أنتي قررتي تداري وتبني بيني وبينك سور عمره ما كان موجود.”

“أنا مكنش قصدي يا بابا… بس أنا أول مرة اتحط في موقف زي ده، أن ولد يلفت نظري يعني.. واتلغبطت ومكنتش عارفة أتصرف ازاي..”

“أنا عارف أنك كبرتي ومش كل حاجة بقى ينفع تتكلمي معايا فيها وحتى مراعاة لمشاعري كأب لكن كان ممكن تتكلمي مع مامتك مثلًا.” تحدث والدها بنبرته المتفهمة المُعتادة لتبتسم هي بآلم فمازال شعورها بالذنب يحرقها من الداخل.

“يا بابا أنا لو حكيت لماما هصحى ألاقي أمة لا إله إلا الله كلهم عارفيين بالموضوع وأولهم خالتو وعيالها.”

سخرت أفنان لكنها كانت محقة نوعًا ما ليقهقه والدها ثم يعاود التحدث بجدية مُردفًا:

“طيب سيبيك من اللي حصل وخلينا في اللي جاي، أنا مش عايزك تخبي عني أي حاجة تاني وأنا هدعمك في كل قرار وخطوة في حياتك طالما مفهاش حاجة تغضب ربنا أو حاجة تضرك.”

“ماشي يا حبيبي وعد أني مش هخبي عليك، على فكرة أنا بعتله مسدچ قولتله أني مش هينفع أكلمه تاني وأن اللي حصل الفترة اللي فاتت كان غلط وعملتله بلوك وحتى الشهادة مش هروح أستلمها…”

“بصي يا أفنان، لو هو شاريكي فعلًا ومُعجب بيكي هيحاول بكل الطرق أنه يبقى معاكي بس الأهم أنه يحاول بالطرق اللي تصلح ليكي أنتي، بمعنى أنه أنتي مش من نوعية البنات اللي بتتصاحب على شباب فهو مش قدامه حل غير أنه يتقدملك.”

“يتقدملي؟!!!” سألته أفنان بإستنكار فهذه المرة الثانية في مدة قصيرة التي يذكر فيها أحدهم أمر طلب رحيم ليديها! وهي تستنكر تلك الفكرة فهي واثقة أن رحيم لن يُقدم على خطوة كتلك، فالأمر لن يسير على نحو جيد بأي حال من الأحوال بالإضافة إلا أن رحيم سيمنعه كبريائه من التحدث إليها مجددًا بعد الرسالة الأخيرة.

“أيه الغريب في الموضوع؟”

“أصل أحنا منعرفش بعض كويس.. موصلناش للمرحلة دي يعني..”

“هو لازم يعني تعرفوا بعض كويس في الخباثة؟ مينفعش تعرفوا بعض أكتر وأنتوا مخطوبين والناس عارفة أن في ارتباط رسمي؟” سألها والدها بنبرة لا تخلو من الإستنكار وقد كان كلامه منطقيًا وصحيحًا.

“لا في دي عندك حق يا بابا… بس أصل رحيم مختلف أوي عننا، هو من عيلة كبيرة وأصلًا مش متربي في مصر والموضوع كله ملغبط…”

“لو هو حاسس بحاجة نحيتك يا أفنان هيتحدى كل الظروف والإختلافات دي عشان يبقى جنبك، وموضوع الشهادة ده سيبيه على جنب دلوقتي ممكن أبقى أبعتك مع نوح تاخديها.”

“حاضر يا بابا، بس شكلي كده عمري ما هشوفه تاني طالما في تحدي ومواجهة وحركات..”

“لو نفسك في حاجة يا أفنان أتوضي وصلي ركعتين وأدعي ربنا باللي نفسك فيه وأنتي عندك يقين أن ربنا هيستجيب واللي فيه الخير ربنا يقدمه.”

“ربنا يخليك ليا يا حبيبي حاضر هعمل كده… بابا في موضوع كده…”

“تاني يا أفنان؟!”

“لا مش أنا المرة دي… دي ريماس…”

على الجانب الآخر داخل المنزل الفاخر في بريطانيا، كان رحيم جالسًا على الأريكة ينظر إلى الرسالة التي وصلته من أفنان، كانت يده ترتجف بقوة؛ بسبب موجة الغضب والإستياء التي أحتلت كيانه قبل أن يستقيم من مقعده ويُلقي بهاتفه أرضًا بقوة غير مُبالي بهاتفه الذي تدمر تقريبًا، هرول أنس نحو الخارج لينظر نحو صاحبه الذي كان الحزن مُتملكًا من وجهه بصورة لم يراها هو من قبل، لقد كان رحيم غاضبًا، مُستاءًا ولكن ليس من أفنان ذاتها بل إلى كيف صارت الأمور بينهم وربما أصابه الضيق من عدم توضيحها لأسبابها أو ربما فعلت لكنه لم يستوعب بشكل كامل..

“أفنان..”

“مالها؟” سأل نوح بتملل فلقد أعتاد حديث صديقه حول أفنان لكن كان هناك شيئًا مختلف هذه المرة.

“لقد انتهينا ‘We are over’.”

“أيه اللي حصل؟” لم يُجيبه رحيم بل جلس على الأريكة وقد أخفى وجهه بيديه وهو يزفر بضيق بينما هرول أنس نحو هاتفه ليجد الهاتف يعمل بأعجوبة بغض النظر عن الشاشة التي تدمرت بشكلًا كبير، استطاع أنس بصعوبة أن يقرأ كلمات أفنان التي بدت قاسية من وجهه نظرة لكنها كانت منطقية وصادقة وهذا ما كان أنس قد حسب حسابه منذ البداية لكن رحيم لم يكن ليستمع له قط.

“أنس أنت عارف العربي بتاعي وحش.. أنا أكيد فهمت غلط صح؟ Is this a freaking joke ‘هل هذه مزحة لعينة’؟!”

“رحيم أهدى هي أكيد عندها عذرها، أنا قولتلك من الأول أن ده هيحصل!” حاول أنس أن يُهدئ من روع رحيم لكن المحاولة فشلت، نظر نحوه رحيم بضيق وهو يزفر بحنق.

“أنس.. أنس! It’s not the right time to blame me about anything ‘أنه ليس الوقت المناسب لكي تلومني على أي شيء’.”

صاح رحيم بنبرة موبخة ليتنهد أنس ثم يصمت، يُعيد رحيم خصلات شعره نحو الخلف بعصبية قبل أن يزفر بضيق ثم يسأل أنس الآتي:

“أنس أنت طلبت الأكل؟”

“أفندم؟”

“زي ما سمعت.”

“أنت ليك نفس تاكل بعد المسدج دي؟ عمومًا لا لسه مطلبتش حاجة.”

“كويس أنا هخرج أسهر مع ناتالي وغالبًا هتعشى معاها.” تحدث رحيم دون ذرة تردد ليبدأ أنس وصلة ‘ردح’ وهو يسأله بصدمة:

“نعم ياخويا؟!! ناتالي مين؟! أنت بتستهبل يا رحيم؟!”

“اطلب أكل لنفسك ونام عقبال ما أجي، سلام.”

تمتم رحيم بلا مبالاة وهو يتجه نحو الباب تاركًا أنس ينظر نحوه بإستياء شديد، غادر رحيم المنزل ثم هاتف ناتالي والتي رحبت بفكرة مقابلته وقضاء الليلة سويًا في أحدى الملاهي الليلية.

جلس رحيم أمام ناتالي فائقة الجمال، كان الجميع من حولهم يلتفت نحوها فلقد كان ثوبها كاشفًا نوعًا ما، فستان باللون الأزرق متماثلًا مع لون عيناها، طلبت من النادل إحضار كأسيين من الخمر لكليهما، لم يعترض رحيم حتى منحهم عامل البار كؤوسهم أخذ ينظر إلى الكأس بين يديه، شعر بغصه في حلقه.. أفنان كانت لتغضب منه كثيرًا إن رأته يحتسي الخمر وبالإضافة إلى أنه فعل محرم بغض النظر عن أنه شيء مُباح هنا، أطال رحيم النظر نحو الكأس بينما نظرت نحوه ناتالي بقلق.

“هل أنت بخير ‘Are you okay’؟!”

“نعم، لكن لا رغبة لي في الشُرب، أنتِ تعلمين أنني لا أشرب مشارب كحوليه ”yes, but i don’t feel like drinking, you know i don’t drink alcoholl’.”

“لقد ظننت أنكَ تغيرت ‘i thought that you’ve changedd’.”

“لقد فعلت، لكن للأحسن.. أظن ‘i did, to the better.. I guesss’.”

تفوه رحيم وقد تذكر كم التغير الذي طرأ على شخصيته منذ ظهرت أفنان في حياته، لقد نبهته إلى الكثير من الأشياء المُحرمة والخاطئة التي كان يفعلها عن جهل ولم تُبذل هي الكثير من الجهد في ذلك بل صححت مفاهيمه وهي تتحدث على ساجيتها، وضعت ناتالي يدها على وجه رحيم لينتفض الآخر مُبتعدًا فتُضيق حاجبيها بإستنكار.

مرة آخرى قفذ إلى رأس رحيم كيف أنه لم يلمس أفنان قبلًا وكيف كانت تترك مسافة بينهم، رفع عيناه ينظر إلى ناتالي، عيناها زرقاء وليست داكنة كخاصة أفنان، عيناها ضيقة وليست كعين المها مثل أفنان، بشرتها ساطعة البياض وليست باهتة كخاصة أفنان، ناتالي تمزح بكل إريحية ولا حياء عندها مثل أفنان..

لم يريد رحيم أن يسمع اسمه من فم التي تنطق بصعوبة نظرًا لوجود حرف ‘الحاء’ بل يُريد أن يسمع اسمه وهو ينساب من فم الفتاة التي أنقذته في مقابلته الأولى لها.

“ناتالي أنا أعتذر أنا متعب للغاية، سأقلكِ إلى المنزل ”Natalie i am sorry i am really tired, i will drive you home’.”

حاولت الآخرى إقناعه بالبقاء لكن محاولاتها فشلت لذا انتهى بها الأمر وهي تطلب منه هو الرحيل بينما ستبقى هي مع أصدقائها في الملهى الليلي، كان رحيم في ذلك الوقت يقود بلا وجهه محددة ولقد تأخر الوقت بالفعل ولم يدري بنفسه سوى وهو يتوقف أمام مسجد شهير في لندن، أعتاد والده أن يصحبه إلى هذا المسجد في الأعياد والمناسبات الدينية حينما كان صغير، خطى رحيم خطوته نحو الداخل بتوتر شديد فكيف له أن يدلف إلى مكان بهذا الطهر وقد كان منذ دقائق في مكانًا مُدنس!

ذهب يبحث عن الجزء المخصص للوضوء وتوضأ سريعًا ثم عاد إلى منطقة الصلاة، شعر رحيم بثقلًا شديد على كاهله، الأمور تتعقد بشكلًا مؤلم، والدته تضغطه من ناحية ووالده من الآخرى بسبب العمل، ويشعر بالذنب والضيق من ناحية أفنان ولا يمكنه أن يشكو لأحد، لأن الوحيد الذي قد يستمع إليه هو أنس وأنس منشغلًا بالفعل في حياته المُبعثرة كذلك، الآن أدرك رحيم من الذي سيستمع لشكوته بل وقادر على حلها.. جثى رحيم على ركبتيه أرضًا وهو ينبس:

“يارب…” كانت هذه الكلمة الوحيدة القادرة على مغادرة فمه، كان يعلم تمامًا أن الخلاص من عند الله وحده…

بعد ساعة تقريبًا عاد رحيم إلى المنزل، دلف بهدوء لكي لا يوقظ أنس لكنه فوجئ بأنس نائمًا على الأريكة لا في الغرفة وبمجرد أن شعر أنس بحركة رحيم استيقظ على الفور وهو يسأله:

“أنت كويس؟”

“اه أنا كويس.. أيه اللي نايمك هنا؟”

“كنت مستنيك ترجع عشان اطمن عليك ولو نمت في الأوضة هسحب جامد في النوم.”

فسر أنس ليذهب نحوه رحيم ويعانقه عناقًا صغير قبل أن يفصل أنس العناق وهو يستنشق رائحة رحيم وقد عقد حاجبيه ثم استفسر منه مجددًا:

“غريبة! هو مش أنت كنت مع ناتالي في Bar ‘ملهى ليلي’ غالبًا؟”

“اه كنت معاها.”

“أومال لا ريحتك خمرة ولا ريحتك بيرفيوم حريمي يعني!”

“اه ماهو أنا محضنتهاش يعني.. وكمان مشربتش، أنت عارف أني مش بشرب.” فسر رحيم بينما لم تختفي علامات التعجب من على وجهه.

“اه أنا عارف بس بصراحة توقعت منك أي حاجة بعد اللي حصل مع أفنان، أصلك مشوفتش نفسك.. أنت عينك كانت بتطلع شرار.”

“أنس أنا كنت فاكر أني مُنبهر بأفنان… هي شخصيتها مُبهرة فعلًا، افتكرت الموضوع هيعدي يعني وحتى النهاردة قولت لنفسي أيه المشكلة أنها هتبعد؟ في بنات غيرها كتير بس لا… في غيرها كتير بس مفيش زيها!”

“أنت شكلك وقعت جامد أوي يا رحيم..”

“أنس أنا حرفيًا بحاول أشغل نفسي عنها بس هي مستحوذة على دماغي، كل ده وأنا أعرفها من كام شهر أومال لو قضينا سنين مع بعض كان هيحصل فيا أيه؟ أنا هتجنن عشان بقالي أسبوعين معرفش عنها حاجة…”

“ده أنت حالتك صعبة أوي! طيب قولي أيه أكتر ميزة في أفنان أو أيه اللي مخليك مرتاح ليها أوي كده؟”

“ببقى على طبيعتي معاها، بتحسسني أني انسان كويس… بتحسسني أني مقبول في الوقت اللي كل الناس بترفضني فيه… حاسس أني جنبها بكون شخص أحسن، خلتني أشوف في نفسي جوانب أنا مكنتش واخد بالي منها، أنا مُشتت جدًا بس هي قادرة تقلل جدًا تشتتي وتخليني مركز في حاجة واحدة.”

تحدث رحيم بكل صدق وقد أطلق العنان لمشاعره للمرة الأولى، كان يتحدث بدون تفكير؛ كان ينطق بكل ما يخطر على باله، كان ينظر نحوه أنس بتعابير مُرتخية لكن جزء صغير داخله كان يشعر بالسعادة لأن صديقه المُقرب قد وجد الفتاة التي يُمكن أن تُصلح جروح الماضي.

“أيه هي الحاجة دي؟”

“هي…”

“رحيم هو أن واخد موضوع أفنان ده جد ولا أيه؟” سأله أنس بمراوغة يود أن يعرف إلى أين وصل به الهيام.

“أكتر حاجة أخدتها جد في حياتي، أنس أنا قررت أتهور…”

“رحيم أوعى تكون بتفكر في اللي جيه في دماغي!!!”

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *