روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الحادي عشر 11 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الحادي عشر 11 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الحادي عشر

رواية في حي الزمالك الجزء الحادي عشر

رواية في حي الزمالك الحلقة الحادية عشر

هَدِيَّةٌ 🤎🦋✨

ساد الصمت طوال الطريق بينما أكتفى نوح برمق أفنان بطرف عيناه من آنٍ لآخر.

“أنا هنزل اجيب السمك خليكي هنا.”

“ماشي.” اردف نوح ثم غادر السيارة لتتأفف فور خروجه، يصدح صوت رنين هاتفها في المكان لتجدها مريم؛ شقيقة نوح.

“ألو أيه يسطا عاملة أيه؟”

“أيه يا أفنان، أنتوا قدامكوا كتير؟”

“يعني، نوح نزل يشتري السمك وأنا في العربية.”

“اه ما أنا عرفت أنك مش معاه.”

“أنتي كلمتيه؟”

“اه ولاقيته متعصب.. هو حصل حاجة؟”

“اه.. هحكيلك لما أجي إن شاء الله.” قالت أفنان لتحاول إنهاء المكالمة سريعاً دون أن تسرد ما حدث.

“طيب، متتأخروش وخلي نوح يسوق على مهله.”

“أي أوامر تانية؟”

“لا شكراً.” هكذا انتهت المكالمة وعادت أفنان للإنتظار حتى يأتي نوح، ارادت تشغيل أغنية عن طريق وصلة السيارة ‘AUX’ لكنها لم تجدها في موضعها وسرعان ما تذكرت أن نوح دائماً يضعها داخل ‘التابلوه’ لأنه لا يُحب تركها متدلية حينما لا يستخدمها، أخذت أفنان تعبث في التابلوه حتى سقطت صورة صغيرة.. إلتقطتها من الأرضية وهي تنظر إلى ما داخلها لتجد.. صورتها وهي طفلة!

“يا ابن اللذينة دي الصورة دي مش معايا أنا شخصياً..” تمتمت بها وهي تنظر إلى الصورة حيث كانت ترتدي فستاناً وردي وقد رُفعت خصلات شعرها على هيئة ‘قطتتين’ وتعود تلك الصورة إلى يومها الأول في الروضة.. عاد نوح إلى السيارة وهو يحمل في يده العديد من الأكياس وبمجرد أن رأى الصورة في يده اضطربت معالمه قليلاً..

“جبتيها منين؟”

“لا هو أنا اللي المفروض اسأل جبت الصورة دي منين؟”

“وقعت من ماما في مرة فقولت اشلها معايا عشان متضعش.”

“أنت بتألف؟”

“اه.. كنت محتفظ بيها عشان شكلك كان كيوت.”

“ومازلت متنكرش.” اردف بغرور ممتزج بالمزاح ليبتسم نوح ابتسامة صغيرة ثم سرعان ما اختفت

“أوعي تفتكري أن عشان هزرنا أني هعدي حوار الزفت اللي اسمه رحيم.” لم تُعلق على ما قاله وبالرغم من أنها تشعر بالحنق تجاه رحيم لما فعله لكنها شعرت بضيق حينما سبه نوح، وهي لا تدري سبب ذلك..

“طب اتحرك بقى عشان نلحق نوصل قبل ما السمك ما يبرد.”

في مقر الشركة صعد رحيم إلى الطابق الثاني بعصبيه شديد بعد أن غادرت أفنان، لا يعلم سبب غضبه المبالغ فيه.. ما مشكلته بأن تركب السيارة برفقة ذلك النوح؟ لا يدري.. لكنه يشعر أنه ليس بالصواب أن يراها برفقة ذلك الشاب.

توجه نحو المكتب الذي يجمع جميع ‘الدكاترة’ الذين يقومون بعملية التدريب بحثاً عن أنس، ليجدهم مجتمعين ويأكلون بطريقة عشوائية، يرمقهم رحيم بغضب وهو يُردف:

“هو أنا مش قولت مشوفش المنظر ده جوا المكتب تاني!”

“مالك يا رحيم في أيه؟”

“اسمي دكتور رحيم!” قال رحيم وهو يرفع إبهامه أمام ‘دكتور’ أيمن بنبرة تحذيرية.

“أنا عايز اعرف أيه المشكلة؟”

“المشكلة أن المنظر ده المفروض يبقى في الكافيه تنزلوا تاكلوا وتشربوا لكن مش في مكان الشغل!”

“أحنا أسفين يا سيدي.”

“انتوا هيتخصملكوا على فكرة!”

“ده على أساس أيه؟” سأل أحدهم بإنفعال ليقترب منه رحيم بحركة فجائية ثم يصفع يده على المكتب بجانب الآخر وهو يقول بغضب:

“على أساس أني رحيم حامد البكري!” في تلك اللحظة أقتحم أنس الحجرة وهرول نحو رحيم وهو يحاول أن يدفعه برفق نحو الخارج..

“رحيم.. رحيم، اهدى بس تعالى برا.”

“معلش يا جماعة حصل خير.”

“لا مش معلش! سيبه يضرب دماغه في الحيط!” قال رحيم قبل أن يغادر المكان نتيجة لجذب أنس له نحو الخارج، أخذه أنس إلى مكتبه.

“خد أشرب مياه.”

“معدنية؟”

“مش وقته تناكة يا روح… طنط.” اردف أنس بمزاح لينظر نحوه نوح بحده ثم تظهر ابتسامة جانبية على وجهه.

“كنت أوڤر أوي؟”

“بصراحة اه! هو أيمن مستفز بصراحة بس الحوار مش مستاهل يعني!”

“لا مستاهل!” اردف رحيم بعصبية ليرد عليه أنس بسؤال قائلاً:

“كل ده عشان بياكل في المكتب بطريقة عشوائية مقززة يعني؟”

“بص If he is acting like an animal
then he should be treated like one!
‘إن كان سيتعامل كحيوان إذاً يجب معاملته كواحد’.”

“يا ابني عيب كده! هو حيوان اه بس عيب برضوا! أنت عمرك ما اتعاملت مع حد كده.. أيه اللي مقريفاك بقى؟”

“اللي أيه؟” سأل رحيم بتعجب ليصفع نوح وجهه بيده ثم يقول:

“يا ابني هو أنت العربي بتاعك ميح خالص كده؟ قصدي أيه اللي مزمزاءك مخليك تقف للناس على الواحده كده؟”

“؟؟!!!” نظر نحوه رحيم ببلاهة شديده ليقهقه أنس ثم يقول:

“لا أنت محتاج درس في اللغة! هبقى أعلمك، المهم قصدي أيه اللي معصبك كده مخليك ماشي تخبط في الناس كلها؟”

“لا متعلمنيش أفنان هتعلمني.. لا! أفنان لا!!!” كان يتحدث رحيم بلطف ثم سرعان ما تذكر ما حدث ليمتعض وجهه.

“قول كده بقى.. أنت متخانق مع البت دي؟”

“اه متخانق ومسمهاش بت.. هي ليها اسم على فكرة.”

“خلاص يا سيدي، عشان متخانق مع أفنان يعني.”

“اه اتخانقت معاها، عشان الهانم بتقولي أنها مبتركبش العربية مع حد غريب وفي الآخر ألاقيها راكبة العربية مع الحيوان اللي اسمه نوح ده!” تحدث رحيم بحنق قبل أن يُخرج من أحدى جيوبه علبة سجائر فاخرة وقداحة.

“دكتور نوح؟ ده انسان محترم أوي.”

“أنس.. اعتبر نفسك مرفود.”

“يعم بهزر معاك! بس الشهادة لله مشوفتش منه حاجة وحشة!”

“وأنا مالي تشوف ولا ماتشوفش!” قال وهو يُشعل لفافة التبغ ليهرول نحوه أنس ويأخذها من يده.

“أنت عبيط! مينفعش تدخن هنا، تعالى ننزل تحت، ولا أقولك تعالى نمشي من الشركة اصلاً.”

“يلا أنا مش طايق اقعد في المكان ده.” اردف رحيم وهو يزفر بضيق قبل أن يدس لفافة التبغ في جيبه مره آخرى.

“كنت هقولك تعالى نقعد في حتة كده تروق أعصابك بس احنا الصبح.”

“اروق أعصابي أني اروح بار؟ أنت عبيط يا أنس؟”

“أنا مقولتش بار اصلاً.” نظر نحوه رحيم بطرف عيناه قبل أن يقول ساخراً:

“على فكرة أنت صديق سيء خد بالك.”

“متبقاش تكلمني تاني، عمتاً تعالى نروح البيت ونطلب غدا ونشوف حوار أفنان اللي مضايقاك ده.”

وصل كلاهما إلى المنزل وقام أنس بطلب الغداء من أحدى المطاعم الشهيرة.

“يعني أنت مشكلتك أنها راكبة العربية مع نوح ولا أنها راكبة عربية مع راجل عمتاً؟”

“الأتنين.”

“طب ما هو.. هي تعرف نوح ده منين اصلاً؟”

“وأنا هعرف منين يعني؟ كل اللي أعرفه أنه بيشرحلها في التدريب زيها زي أي حد.” أوضح رحيم بضيق ثم اخرج لفافة التبغ التي كان يحتفظ بها في جيبه ليشعلها ثم ينفث دخانها بضيق.

“لا بس من طريقتهم كده تحس أنها أكيد عارفاه.”

“مش عارف بقى.. المهم أني اتخنقت معاهم!”

“يا غبي! بتتخانق ليه؟ أنت مالك اصلاً؟” سأله أنس بنبرة جدية ليلكمه رحيم بخفه في كتفه.

“احترم نفسك! وبعدين أنا مكنتش شايف قدامي وكنت متغاظ!”

“ألطم على وشي؟! هو أنت لحقت تحبها عشان تغير عليها؟”

“أحبها أيه بس أنت عبيط يا أنس؟ هو أنا لحقت أعرفها اصلاً.”

“طب ما تقول نفسك!”

“أنا بي اتضايقت أوي ومعرفش ليه.. المهم أني دلوقتي مضطر اصالحها..”

“ليه هو أنت عكيت أوي؟”

“اتعصبت عليها جامد وعليت صوتي قدام الناس..”

“مبدأياً أنت محتاج تعتذرلوهم.” اومئ رحيم موافقاً على ما يقوله أنس ثم انتبه لما قاله الآخر ليسأله مستفسراً:

“لا ثواني كده.. مين هم؟”

“يسطا صحصح معايا هيكون مين يعني؟ أمي؟ أكيد أفنان ونوح.” قال أنس بنفاذ صبر لينظر نحوه رحيم بتجهم ثم علق قائلاً:

“ده على جثتي! أنا اعتذر لده؟ أنا هصالح أفنان بس.”

“أفنان بس أيه؟ ده أنت بوظت نص علاقاتك النهاردة.” اردف أنس بسخرية وهو يقهقه لينظر نحوه رحيم بإمتعاض ثم يضحك هو الآخر قائلاً:

“أنا عمري ما كنت قليل الذوق بالشكل ده في حياتي..”

“اتفق، So دلوقتي احنا محتاجينك تصالح أفنان، زمايلنا في الشغل ونوح.” تحدث أنس بنبرة جادة وبصوتاً مسموع ثم خفض صوته حتى صار أقرب إلى الهمس حينما ذكر اسم نوح.

“أهم حاجة أفنان.. ودي بقى أصعب واحده فيهم دي ممكن تطلع Pocket knife ‘مطواة’ تعورني بيها يا عم.”

“ايه؟ Pocket knife؟ اسمها مطواة يسطا!” علق أنس ساخراً لينظر نحوه رحيم بإشمئزاز ثم يقول:

“أنا بس محتاج أكل وبعدها نخطط بقى هصالح أفنان ازاي..”

في منزل خالة أفنان، وصل نوح وأفناز اخيراً وهم يحملون عدة أكياس تحوي الطعام، فتحت لهم مريم الباب لتستقبلهم وهي تُتمتم:

“اخيراً! حمدلله عالسلامة.”

“فضوا الحاجة في السريع بقى عشان ميته من الجوع.” قالت أفنان وهي تضع الأكياس على طاولة الطعام، بينما كانت ملامح وجهها طبيعية تماماً بينما كان الضيق واضحاً على معالم نوح.

“مالك يواد في أيه؟ حصل حاجة في الشغل؟” سألت والدته لتزدرد أفنان ما في فمها ببطء قبل أن تُجيب عوضاً عنه:

“مفيش يا خالتو.. أنا وابنك شدينا مع بعض في الطريق، العادي يعني.” نظر نحوها نوح بإبتسامة صغيرة لأنها أجابت بدلاً منه.

“أيه ده مزعله ابني ليه يا أفنان؟”

“أنا يا خالتو؟ ده يزعل بلد.. وبعدين بصراحة هو بيعمل حوارات على كل حاجة.”

“والله انتوا ظالمينه.” صدرت هذه الجملة من ميرال بالطبع لينظر نحوها نوح بإمتنان ثم يقول:

“الوحيدة اللي بتنصفني في القاعدة دي، هي وخالتو طبعاً.”

“يلا ناكل بقى ونبقى نرغي بعدين.” علقت مريم لتُخرج ميرال من شرودها، فلقد كانت تتأمل نوح بشكلاً واضح.

“هاه؟ اه يلا..”

“يا بت أنتي منبقيش مفضوحة كده..” همست مريم في أذن ميرال وهي تضع الأطباق.

“أنا عملت أيه؟”

“عملتي أيه في أيه؟ ده أنتي ناقصلك ثانية كمان وتطلعيله صورة ٤×٦.” اردفت مريم بسخرية لتضربها ميرال بخفة وهي تقول:

“دمك خفيف أوي ما شاء الله.”

“يلا يا بنات ابدأو أكل.. أفنان سيبي تليفونك وقولي بسم الله يلا.” تومئ أفنان وهي تفعل شيء آخير في هاتفها قبل أن تغلقه، وما فعلته هو وضع رقم رحيم في القائمة السوداء ‘Black list’ ، فهي لا تريد أن تتحدث إليه مجدداً ولا تريد أن تمنحه فرصة للإعتذار.

“هي مش خالتو قالتلك سيبي التليفون؟”

“ما أنا سبته يا نوح هو أنت كفيف ولا أيه؟” سخرت منه أفنان لينظر نحوها بإمتعاض ثم يهمس قائلاً:

“مسحوبة من لسانك.”

“عارف يا نوح لو خليتك في حالك ربنا هيكرمك.” هنا صمت نوح والجميع وانتبه كلاً منهم للطعام الذي أمامه لكن مريم كانت تنظر نحو أفنان من آنٍ لآخر بلوم، فهي دائماً ما تقوم بإحراج شقيقها حتى ولو كان يمزح.

انتهت الليلة سريعاً وعادت أفنان برفقة والدتها وشقيقتها إلى منزلهم، اتجه نوح نحو غرفته فور أن عاد إلى المنزل مجدداً بعد أن قام بإيصالهم إلى منزلهم بواسطة سيارته.

“بقولك أيه يا نوح، ما تفكك من أفنان.”

“أيه يا بنتي ده مش تخبطي قبل ما تدخلي! وبعدين أفكني منها ازاي يعني مش فاهم؟”

“يعني أفنان حبيبتي وعلى عيني وراسي بس هي مش مناسبة ليك.”

“وده ليه إن شاء الله؟”

“عشان انتوا تفكيركوا غير بعض خالص.. حتى مواصفات فتاة أحلامك نصها متنطبقش على شخصية أفنان.” تحدث مريم بصدق وهي تجلس على سرير شقيقها.

“طز في الصفات كلها.”

“أنت وأفنان على طول بتتخانقوا وكأنكوا مولديين فوق روؤس بعض.”

“طب ده اللي بيحبوا بعض بجد هما أكتر ناس بيتخانقوا، وبعدين مفيش أجمل من الخناقات اللي من النوع ده.”

“غلط يا نوح.. لما تحب حد المفروض تحس معاه بالإرتياح والتفاهم والمودة مش الخناق والزعيق وجو الروايات الرخيص ده.. الحب احتواء.. تشابه.. سكن، هل أنت شايف أن أفنان سكن ليك؟” صمت نوح لثوانٍ وهو يفكر في ما قالته شقيقته، إن كلامها صحيح بنسبة كبيرة لكن كلامها وإن كان حقيقي لن يستطيع منعه من الإنجذاب نحو أفنان.

“عندك ميرال مثلاً.. هادية، مش عنيدة، ومتفاهمة ومش معنى كده إنها معدومة الشخصية بالعكس هي ليها شخصية واراء وطموح ولكنها أعقل وأهدى من أفنان.”

“يادي ميرال.. ليه كل ما نجيب سيرة أفنان تتكلمي عن ميرال؟”

“عشان ميرال هي الأنسب ليك!”

“وأنتي عرفتي منين؟ ليه بتحكمي أن في حد أنسب بالنسبالي من أفنان في حين أن أنا وأفنان لسه مدخلناش في علاقة اصلاً!”

“عشان باين من الأول يا نوح! باين أنك لو ارتبطت بأفنان فالعلاقة دي هيبقى مصيرها الفشل!”

“أنت بتأڤوري أوي وبتكبري المواضيع، مكنتش كام كلمة سخيفة اللي قولناهم لبعض عشان تعملي التحليل العميق ده كله!”

“تقدر تقولي أيه اللي حصل خلاك أنت وأفنان تتخانقوا النهاردة؟”

“يعني بزمتك هي محكتلكيش؟”

“وحتى لو حكتلي أنا عايزة اسمع منك أنت.”

“واحد مغرور معانا في الشركة بيتخانق معاها عشان ركبت معايا العربية! اتجنن في دماغه!” سرد نوح ما حدث بإختصار بينما نظرت نحوه مريم بإنتباه.

“وأنت عملت أيه؟”

“اتخانقت معاه طبعاً وخدت أفنان ومشيت.”

“شكل أفنان دي هتضيعلك مستقبلك!” تحدثت مريم بنبرة ساخرة لكن تحمل في طياتها بعض الجدية.

“تضيعه يا ستي، براحتها.”

قضت أفنان اليوم التالي في منزلها حيث جلست هناك تراجع ما تم شرحه في الأيام السابقة في الصباح الباكر محاولة إبعاد رحيم وما حدث عن رأسها، أرسل لها نوح بضع رسائل يتناقش فيما حدث بالأمس ايضاً.

“أفنان ينفع أعطلك؟” سألت ميرال فور اقتحامها للغرفة.

“أرغي يا ست ميرال.”

“هو أنتي هتزعلي لو خرجت مع نوح؟” سألت ميرال بينما تعبث في أحد أغراضها متجاهلة النظر نحو أفنان مباشرة.

“أكيد لا.. عادي يعني براحتكوا.” تحدثت أفنان بينما مازالت تنظر في الملاحظات الموضوعة أمامها، لكنها انتبهت لما قالته مجدداً لتُردف:

“لا ثواني كده.. هتتقابلوا ليه؟ هتتكلموا في أيه يعني؟”

“هتفرق معاكي؟”

“لا بس المهم متجيبوش سيرتي.”

“وهنجيب سيرتك ليه؟”

“عشان نوح مبيتكلمش غير عليا.” اردفت أفنان لتشعر ميرال بغصه في حلقها، تسأل نفسها داخلياً لما دائماً ما ينصب الإهتمام نحو أفنان وليس هي؟

“لا مش هنتكلم عليكي يا محور الكون، هي الساعة بقت كام؟”

“تمانية ونص، وهتنزلوا أمتى بقى؟” سألت أفنان بنبرة أشبه إلى التحقيق لتُجيبها ميرال بنبرة طفولية:

“ملكيش دعوة.”

“أحسن مش عايزة أعرف.”

“أنتي مش نازلة الشغل ولا أيه؟”

“لا نازلة بس عندي ميتينج الساعة عشرة مش دلوقتي.”

“طب بصي…” كادت أفنان أن تتحدث لكن قاطعها صوت جرس الباب، لتنظر نحوها ميرال بتعجب وهي تسأل:

“مين هيجي بدري كده؟”

“مش عارفة.. ممكن البواب يكون بيلم الزبالة؟”

“طب قومي شوفي.”

“ما تروحي أنتي يا ميرال ما أنتي واقفة.”

“لا أنا مش فاضية أنا هكوي، يلا اخلصي قبل ما ماما تصحى.”

تأفأفت أفنان واتجهت نحو الخارج على مضض شديد، أخذت تبحث عن أقرب إسدال صلاة أو خمار لكنها لم تجده، يصدح صوت الجرس مجدداً فتصيح أفنان بعصبيه.

“ثانية واحدة.”

وجدت الإسدال اخيراً لكنها عانت حتى استطاعت ارتدائه بصورة صحيحة، تفتح الباب لتجد الفراغ يصرخ في وجهها، أهي مزحة سخيفة من أبناء الجيران؟ اتجهت أفنان خطوتين نحو الخارج وكادت أن ترفع صوتها وهي تسب أبناء الجيران الذين لم يحظوا بالتربية قط لكن قدمها اصطدمت في شيء صلب، خفضت عيناها لترى ماهيه هذا الشيء..

‘اصرية’ زرع تحوي زهور اللڤندر ذات اللون الأرجواني الساطع والرائحة المُحببة للنفس، وقد ألتفت الزهور بشريطة أحمر اللون وقد تم طيه على هيئة ‘فيونكة’ ويحمل كارتاً صغيراً.. حملت أفنان أصيص الزرع وهي تتأمل مظهره المُبهج وتحاول أن تنزع الكارت منه..

‘To the sweetest girl in the whole world.. Afnan.’
‘لألطف فتاة في العالم بأكمله.. أفنان’

لمعت عين أفنان وهي تنظر إلى ما كتب بخط يد رائع وبحروف إنجليزية متشابكة وقبل أن يستوعب عقلها ما يحدث وجدت هاتفها يُنير مُعلناً عن وصول رسالة على برنامج ال ‘واتس أب’ كانت الرسالة من رقم مجهول:

‘قبل ما تفكري ترمي الهدية أو متقبليهاش أعرفي أن ديه هدية كإعتذار عن اللي حصل.. أنا أسف جداً على اللي عملته ده.. أنا مش عايزك تزعلي مني، جبتلك زهرة شبهك.. مبهجة، مُريحة للنفس، ريحتها مميزة ومحبوبة من الكل زي بالضبط.’

-رحيم البكري.

أخذت تقرأ الأفنان بأعين شبه دامعه، تلمع من السعادة بينما تُمسك الزهرة بيد مرتجفة.. كيف تسبب في ثورة المشاعر تلك بفعلته هذه؟ كيف استطاع أن يجعلها تنسى سبب الغضب والخصام بهذه السهولة؟

بقدر ما شعرت أفنان بالسعادة وكأن قلبها على وشك أن يطير خارج صدرها إلى أنها شعرت بالقلق.. بالقلق من مدى تأثيره عليها.. اهٍ من موجة المشاعر تلك.

“أيه ده اللي في ايدك ده؟” سألت ميرال بفضول وهي تنظر نحو الزهور بفضول.

“لاڤندر..” همست أفنان وهي تُقرب الزهرة من أنفها لتستنشق عبيرها.

“لا ما أنا واخده بالي أنها لاڤندر، جبتيها منين يعني؟”

“رحيم..” اردفت أفنان ثم اتجهت نحو السلم لعله يكون هو من احضرها ولعله لم يرحل بعد..

“لاقيتيه؟”

“لا..”

“أومال عرفتي منين أن هو؟”

“عشان هو بعتلي مسدچ.. أنا اصلاً كنت عملاله بلوك.. بس هو يعني عرف يوصلي وهو اصلاً عرف البيت منين؟” تحدثت أفنان بعبارات متداخلة وجمل غير مفهومة لتنظر نحوها ميرال ببلاهة ثم تقول:

“أنا مش فاهمة حاجة بس لو رحيم اللي عمل كده فدي حركة جامدة أوي بجد.”

“هو رحيم.. محدش يعرف يعمل حاجة حلوة كده غيره.”

“أيه ده أيه ده؟ ده أنتي عنيكي بتطلع قلوب..”

“بس يا فصيلة.. روحي، روحي شوفي وراكي أيه.” قالت أفنان وهي تدفع ميرال نحو غرفتهم، تضم أصيص الزرع وهي تبتسم بلطف ثم تتجه نحو الشرفة التي توجد داخل حجرتها لتضع أزهارها في الداخل.

“هنسيب بقى مذاكرتنا وحياتنا ونقعد جنب الزرعة.”

“طب بذمتك، لو نوح جبلك لبانة مش هتفضلي جنبها طول اليوم؟” سألت أفنان بخبث لتكسو الحمرة وجه ميرال وتردف بتوتر:

“أنا نازلة.. يلا باي.”

ودعتها ميرال لتعود أفنان إلى الشرفة مجدداً وهي تتأمل زهور اللاڤندر خاصتها وتُفكر هل يجب عليها الرد على رسالته؟ أم تجاهلها حتى تقابله بالغد؟ قررت في النهاية أن تجعله يجلس على أعصابه حتى الغد، لكن ترى ما الثوب الذي سترتديه؟ قررت في النهاية ارتداء الثوب ذاته الذي ارتدته في أول مقابلة لهما في حي الزمالك.

في صباح اليوم التالي قررت أفنان الذهاب باكراً لعلها تصادف رحيم قبل تواجد الجميع، توجهت إلى الداخل وبمجرد وقوفها قرب الإستقبال تخللت أنفها رائحة عطره المميز لذا اقتربت من الموظفة سائلة:

“هو دكتور رحيم وصل؟”

“اه وقاعد في الكافتيريا.”

“تمام شكراً.”

اتجهت إلى ‘الكافتيريا’ بعد أن تأكدت أن مظهرها مُرتب، كان يجلس على أحدى الطاولات بحيث يُعطى ظهره لها، اقتربت منه بهدوء لتجلس في الكرسي المُقابل لخاصته وتُردف:

“أنت عارف أن في ناس بتقول أن الملكة كليوباترا كانت بتستخدم اللاڤندر كتير أوي..” انتفض رحيم من مقعده فور رؤيتها بينما لمعت عيناه بقوة حينما رأى الثوب الذي ترتديه ولون الوشاح المميز، ابتسم بتوتر ثم قال:

“واضح أن كل الملكات بيحبوا اللاڤندر..”

“يخربيت الفصلان.. أيه التلزيق ده يا رحيم؟” سألت بإزدراء ثم قهقهت لرؤية تعبير وجهه المنصدم وهو يسأل قائلاً:

“أنا قولت أيه غلط؟”

“مقولتش مقولتش.. عالعموم يعني شكراً يا سيدي عالهدية وخلاص قبلت اعتذارك بس لو اتكررت تاني يا رحيم همسح بكرامتك الأسفلت.” اردفت لينظر نحوها بإبتسامة لطيفة ثم سرعان ما تختفي لتتحاول تعابير وجهه إلى الإزدراء مما قالته.

“ماشي يا ستي.. هي مش هتتكرر تاني عشان مش من الأدب أني ارفع صوتي على حد ولا اتدخل في حاجة متخصنيش.”

“أشطر كتكوت والله.” قالت وهي تضحك ليضحك هو الآخر وهو يُعلق:
“كتكوت كتكوت.. المهم أني شاطر.”

“صح، المهم أنا عندي سؤال كده.. كفضول يعني.”

“أكيد اتفضلي.”

“ليه مجبتش الورد في بوكية؟ ليه أصيص زرع؟ مش بتنك والله بس بحاول أفهم وجهه النظر.”

“عشان البوكية يومين وهيدبل وهتنسيه.. لكن الأصيص هترويه والورد هيفضل يكبر ومش هيدبل وكمان هيفضل موجود قدام عينك.. وهتفتكريني بيه.” تحدث رحيم بصدق وهو ينظر إلى داخل عينيها بينما تجنبت هي النظر إلى عيناه، فنظراته تُشعرها بالتوتر..

“وجهه نظر حلوة أوي.. أجمل حاجة يا رحيم أنك بتعمل الحاجة بإحساس وتفكير عميق مش بصورة عشوائية.” تحدثت وهي تتجنب النظر إليه لكنها لمحت ابتسامة كبيرة ارتسمت على وجهه لذا وجهت نظرها إليه، السعادة تُزين وجهه وكأنه لم يسمع كلمات غزل كتلك من قبل.

“أنتي عارفة.. من زمان مسمعتش حد بيقولي أني بعمل حاجة مميزة أو مختلفة.. أنتي بس اللي بتقوليلي.”

“بجد؟ ناس معندهاش نظر، عمتاً متزعلش كل لما تحتاج تسمع كلام إيجابي أنا هقولك.” قالت بلطف ممتزج بالحزن تأثراً بما سرده رحيم، لتتسع ابتسامته ويعلق قائلاً:

“أنتي وجودك في حد ذاته طاقة إيجابية.. بتعملي روح للمكان.”

“أنا بعمل كل ده؟ عالعموم أنت لسه مشوفتش حاجة ده انا هبهرك.” علقت بمزاح وهي تقهقه لكنه نظر نحوها بنظره جادة وإبتسامة صغيرة وهو يقول:

“وأنا واثق أنك هتبهريني.”

“طب.. عن إذنك بقى.. هطلع عشان متأخرش.” اردفت بإرتباك وهي تلوح له ثم غادرت المكان بعد أن أخذت نفساً عميق مستنشقة رائحة عطره وهي تفكر للمرة المليون.. كيف يستطيع التأثير عليها بهذا الشكل؟!

يتبع..

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (فب حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *