روايات

رواية في حي الزمالك الفصل الثامن و الأربعون 48 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك الفصل الثامن و الأربعون 48 بقلم ايمان عادل

رواية في حي الزمالك البارت الثامن و الأربعون

رواية في حي الزمالك الجزء الثامن و الأربعون

رواية في حي الزمالك الحلقة الثامنة و الأربعون

قبل الزفاف بسبعة أيام بالضبط، يركض رحيم داخل طرقات أحد المستشفيات الخاصة وهو يبحث عن رقم الحجرة التي أخبرته بها موظفة الإستقبال أو يبحث عن زوجته الحبيبة مرت دقيقتين من البحث قبل أن يجدها تستند على الحائط تنهمر دموعها بغزارة بينما كانت شاردة تمامًا.

“خير يا أفي أيه اللي حصل؟” سأل رحيم لتنتفض أفنان من موضعها وتُطالعه لثوانٍ وكأنها تستوعب ما يحدث وما يقوله قبل أن تُجيبه من وسط دموعها:

“بابا يا رحيم… بابا تعبان أوي.”

“أيه اللي حصل فهميني طيب؟ الدكتور قال أيه؟”

“معرفش… معرفش حاجة غير إنه ضغطه علي فجاءة… أتخانق مع تيتا وعمتو عالورث تاني وموضوع المحل وفي الآخر وتعب وجابوه على هنا ومش فاهمين حاجة…”

حاولت أفنان التفسير من وسط دموعها ليحتضنها رحيم في محاولة لتهدئتها وأثناء ذلك لمح رحيم أنس يتجول في الردهة وحينما رأى رحيم أشار نحوه واقترب إليه.

“خلاص أهدي مفيش حاجة… أنس روح حاول تفهم حاجة من الدكتور طيب.”

“حاضر.” تمتم أنس وهو يعود أدراجه بحثًا عن الطبيب المسئول ليعود بعد بضع دقائق ليسأله رحيم:

“قالك أيه؟” لم يُجيبه أنس بل أشار إليه أن يبتعد عن أفنان ويقترب منه في منتصف الردهة كي لا تسمع أفنان ما سيقوله.

“حماك ناوي يفرفر قبل الفرح… يادي النيلة ده أنا لسه مفتحتوش في حواري أنا وميرال… يا ميلة بختك يا أنس… ملحقتش تتهنى يا أنس…”

“يا ابني بطل ندب بقى وقولي الدكتور قال أيه!” تمتم رحيم بنفاذ صبر ليأخذ أنس نفسًا عميق قبل أن يسرد ما قاله الطبيب دفعة واحدة دون فاصل:

“الضغط، زيي يعني لا بهزر طبعًا وضعه أخطر شوية عشان السن وكده المفروض يبعد عن أي حاجة تعصبه وأي ضغط وكمان يلتزم بالأدوية طبعًا والحمدلله أنه اتلحق في الوقت المناسب بدل ما كانت حالته تسوء ونطلعها رخصة وكده هه”

“يا ابني أتكلم جد مرة في حياتك بقى هو الوضع مستحمل هزار واستظراف؟”

“خلاص أسف يعم الحق عليا بحاول افرفشك بدل ما تزعل وتقع مننا أنتَ كمان!”

“بص أنا كل اللي عايزه منك أنك تخرس خالص ممكن؟ وبعدين لحظة واحدة أنتَ أيه اللي جابك هنا من الأساس؟”

“بتهزر ولا أيه؟ أنا تخصص نقل العيانيين في العيلة دي، لما عمو وقع وكده ميرال كلمتني قالتلي سي أنس ألحقنا يا سي أنس وأنا روحتلهم طيارة طبعًا عشان أنا شهم جدًا.”

“طيب يا عم البطل شكرًا مع إن ميرال كان أسهلها تطلب عربية بال Appp بس يلا حظك!”

“أعوذ بالله! يا ناس يا شر كفاية قر… هوب هوب إلحق مراتك رايحة تتخانق!”

كان أنس يتحدث بسخريته المعتادة ولكن سرعان ما تحولت نبرته فور رؤيته لأفنان التي استقامت من مقعدها بأعين مشتعلة من الغضب وهي تتجه بحركة سريعة نحو امرأة في منتصف الأمر والآخرى متقدمة في العمر والذي لم يعرف أنس هويتهم لكنه كان على ثقة بأن أفنان على وشك الإنقضاض عليهم كما ينقض الأسد على فريسته.

“أنتوا أيه اللي جابكوا هنا؟ أنا قولت مش عايزة أشوف وشكوا ابعدوا عن أبويا وسيبونا في حالنا بقى مش كفاية اللي حصله بسببكوا!”

“أفنان أهدي من فضلك، أنا أسف يا جماعة هي مش قصدها…”

تمتم رحيم وهو يحاول أن يجعل أفنان تهدأ قليلًا وهو يُحاول أن يضمها بلطف لكنها دفعته بعيدًا عنها وهي تصيح في وجههم بنبرة صارمة وحادة:

“لا قصدي ومش عايزة أشوف وش حد فيكوا في الفرح ولو جيتوا أنا هطردكوا بنفسي!”

ارتسمت معالم الصدمة والدهشة على وجه عمتها وجدتها فهم كانوا قد توقعوا ردة فعل أفنان لكن لم يتوقعوا أن تكون بهذه الحدة والقسوة، رمقتهم أفنان بإحتقار قبل أن تُردف جملتها الأخيرة:

“لو أبويا جراله حاجة أنا عمري ما هسامحكوا!”

تركتهم أفنان وذهبت لتجلس بعيدًا عنهم، ودعهم رحيم وهو يعتذر مجددًا قبل أن يذهب للجلوس إلى جانب أفنان والتي قامت بتغطية وجهها بكلتا يديها بينما تنهمر دموعها بغزارة وهي تحاول كتم شهقاتها، ضمها رحيم إلى صدره بحنان وهو يحاول طمئنتها قائلًا التالي:

“أفي حبيبي، الدكتور طمنا باباكي هيبقى كويس إن شاء الله متقلقيش…”

“دي مش أول مرة يتعب جامد بسببهم… وأبويا بيكبر يا رحيم وشايل الهم بسببهم من ساعة ما جدو أتوفى واخدين ورثة ومخلينه يشتغل في المحل بتاعه غير شغله الحكومي ومش عايزين يخلوه ياخد تمن تعبه متخيل؟”

“لا حول ولا قوة إلا بالله… أنا مش عارف أقول أيه… I am so sorryy ‘أنا أسف للغاية’.”

“أنا خايفة أوي على بابا يا رحيم مش كل مرة الموضوع هيعدي على خير… أنا مش هقدر أعيش من غيره يا رحيم مش هقدر أشوفه تعبان…”

“إن شاء الله هيبقى كويس متقلقيش، أحنا هنهتم بيه وهنفضل جنبه لحد أما يتحسن ويبقى زي الفل عشان الفرح كمان بإذن الله.”

“يارب يا رحيم… أنا هقوم أشوفه.” أردفت بوهن وهي تُبعد ذراع رحيم عنها بلطف ومن ثم تستقيم من مقعدها وتتجه نحو غرفة والدها والذي قد استيقظ بالفعل.

كانت ميرال تجلس إلى يمين والدها على الأريكة ووالدتها تجلس على يساره إلى جانبه على الفراش، بمجرد أن رأت أفنان والدها انهمرت دموعها أكثر قبل أن تطلب منهم أن يتركوها وحدها مع والدها لبعض الوقت، نفذت شقيقتها ووالدتها طلبها، جثت أفنان على ركبتيها وهي تُمسك بيد والدها بحنان بينما تُردف من وسط دموعها:

“بابا حبيبي أنا جنبك أهو متقلقش… أحنا كلنا جنبك يا حبيبي وأنتَ هتبقى زي الفل.”

“أنا كويس يا حبيبتي… متقلقيش عليا… هما شوية تعب صغيرين كده…”

“متتعبش نفسك بالكلام يا حبيبي، أصلًا الدكتور طمنا وقال هتبقى زي الفل وهنقدر نروح بكرة إن شاء الله.”

“طيب يا حبيبتي قومي روحي أنتِ وميرال عشان الوقت اتأخر ورانيا هتبات معايا هنا… مينفعش اعطلك في الأيام دي خالص…”

“تولع أي حاجة في الدنيا يا بابا المهم أنتَ، أنا هخليني جنبك مش هسيبك.”

“يا حبيبتي مش قادر عالمناهدة اسمعي الكلام، خدي أختك وروحي وإن شاء الله عقبال ما تصحوا الصبح هكون جيت أنا ورانيا.”

أومئت أفنان بإستسلام فهي لا تريد أن تُكثر من الجدال خاصة في حالة والدها تلك، وبالفعل عادت أفنان إلى المنزل برفقة ميرال وجلسوا في انتظار قدوم المندوب الذي سيرسل إليهم الفستان خاصة أفنان ولربما عن طريق المصادفة ألتقى بالمندوب الذي سيرسل الفستان خاصة ميرال والذي تعهد رحيم دفع ثمنه هو وثوب والدتها وبذلة والدها.

بالفعل عارض الجميع عرض رحيم ذلك لكنهم اضطروا إلى الموافقة بعد الإلحاح الشديد من والد رحيم وقد وافق الجميع ولكن بعد أن وضعت أفنان شرطًا لذلك الأمر وهو أن يختار كلًا منهم الثوب لنفسه أي لن يفرض رحيم أو عائلته لون أو تصميم الثوب يكفي أنه سيكون من أحد المتاجر الشهيرة.

“أفنان تعالي بسرعة الفستان وصل!” صاحت ميرال من الخارج لتهرول نحو أفنان فتجدها تقف وهي مرتدية ‘إسدال’ الصلاة وتحمل في يدها صندوق ضخم يكاد يسقط من يدها بسبب ثِقله، أخذته منها أفنان على الفور ومن ثم اتجهت إلى حجرتها على الفور بحماس شديد.

“بصي يا ميرال حلو ازاي؟ تحفة بجد! كان نفسي بابا يفتحه معايا…”

“متزعليش يا حبيبتي هو بكرة إن شاء الله هيوصل البيت بالسلامة ونقيس أنا وأنتِ الفساتين عشان يشوفها علينا.”

ابتسمت أفنان بإنكسار وهي تضع الثوب على السرير خاصتها، ظلت أفنان مستيقظة طوال الليل تُراسل رحيم بين الحين والآخر وبعد انتهاء محادثتها مع رحيم أخذت تبكي تارة وتتأمل سقف حجرتها في سكينة تارة آخرى…

بعد معاناة شديدة مع الآرق استطاعت أن تنام مع مطلع الشمس ولم يمر غير بضع ساعات قبل أن تستيقظ على صوت باب المنزل لتنتفض من سريرها مهرولة نحو الخارج لكي تستقبل والدها، ضمته أفنان في عناقٍ لطيف قبل أن تنحني قليلًا لتُقبل يد والدها.

“نورت البيت يا حبيبي، بجد البيت كان وحش أوي من غيرك أنتَ وماما… مكنتش عارفة أنام…”

“أومال هتعملي أيه بقى لما تبقي بتباتي في بيتك الجديد كمان كام يوم؟”

“والله مش عارفة يا ماما بحاول مفكرش في الموضوع ده بدل ما تلاقيني مروحة معاكوا بعد الفرح أساسًا.”

“أنا موافق، مش قادر اتخيل بصراحة إن بعد واحد أكتر من عشرين سنة عايشة في حضني فجاءة كده هتسيبيني وتروحي بيت تاني.”

“يا بابا بلاش الكلام ده بجد عشان أنا تكة وهعيط وبجد ممكن ألغي الفرح عادي عشان خاطرك.” تمتمت أفنان بنبرة درامية حزينة لترمقها والدتها بإزدراء قبل أن تقول ساخرة:

“بعد إذن المشاعر المُرهفة يعني هو مش أنتوا كاتبين الكتاب ولا أنا بقى يجيلي تهيؤات؟”

“اه صح، طب خلاص نجيب رحيم يعيش معانا نأجرله الكنبة دي بألف جنية في الشهر.”

“مش كتير شوية؟”

“لا ما هو هياخد الكنبة بالفطار ده غير إن يا ماما مرتبة كبير بقى فهنصب عليه.”

“ما شاء الله عالتربية، أنا مش عارفة وأنا بربي ميرال أنتِ كنتِ فين بصراحة.”

“بتجيبوا في سيرتي ليه؟ صباح الفل يا حبايبي وحمدلله عالسلامة.”

“الله يسلمك، يلا نفطر بقى عشان تروحوا تشوفوا بيتك يا أفنان لو ناقص حاجة عايزة تتضبط فيه تفرشي المكياج بتاعك تضبطي حاجتك في الدولاب كده يعني.”

“حاضر يا ماما، تعالي يا ست أفنان نحضر الفطار سوا ولا هتخلعي زي كل مرة؟”

“لا هاجي يا ستي ما كلها كام يوم وهسيبكوا تحضروا الفطار براحتكوا وهبقى بفطر أنا مع رحيم قرة عيني.”

أخذت أفنان وميرال يُمازحون بعضهم البعض بينما غمر صوت ضحكاتهم المنزل، ابتسم أحمد كرد فعل على ما تفعله ابنتيه قبل أن يُردف لزوجته:

“الحمدلله على نعمة البيت ونعمة صوت البنات ونعمة إننا مع بعض ومش ناقصين حد.”

“الحمدلله يا حبيبي، ربنا يخليك لينا ويباركلنا في عمرك… عارف يا أحمد عايزة أقولك حاجة بس من غير ما تتريق عليا.”
“أنا عمري عملت كده؟”

“بصراحة لا، المهم… حاسة إن البت ميرال ربنا هيكرمها ورا أفنان على طول… حاسة إن فرحتها وعوضها هي كمان هيكون قريب إن شاء الله…”

“يارب يا رانيا… أنا كل لما افتكر اللي حصل قلبي بيوجعني عليها أوي بس صدقيني العوض لما بيجي بيكون أضعاف أضعاف الحزن اللي الواحد عاشه وهي إن شاء الله ربنا هيعوضها…”

لا تدرِ أفنان كيف مرت الأيام بتلك السرعة ولكنها بدون مقدمات وجدت نفسها تجلس الكرسي الدوار داخل جناح فاخر داخل الفندق حيث سيقام الزفاف، تقوم أخصائية التجميل بوضع مساحيق التجميل على وجهها وفتاة آخرى تقوم بضبط وشاح الرأس من أجلها ووضع التاج بينما في الخلفية تقف ميرال، مريم، أروى واثنتين من صديقات أفنان بينما يقومون بالرقص على أنغام الأغنيات بينما يستعدون هما ايضًا من أجل الزفاف الذي بقي عليه ثلاثة ساعات فقط.

“أحلى حاجة إن كل حاجة هنا في مكان واحد يعني رحيم مش هيتأخر بقى عقبال ما يجيبك من الكوافير والجو القديم ده.”

“بصراحة اه بس ربنا يستر ومنتأخرش عشان رحيم محنتف ممكن يقعد ساعتين بيضبط في شعره مثلًا أو الجرافتة مش مضبوطه كده يعني.”

“متقلقيش أنس هيستعجله.” تمتمت أروى وهي تضحك لتبتسم لها أفنان ويسود الصمت لبعض الوقت قبل أن تقطعه أفنان وهي تقول لميرال:

“بقولك أيه عشان تبقي عاملة حسابك أنا لو لمحت عمتك ولا تيتا في الفرح هسيب الكوشة وهنزل انط في كرشهم! هو بابا معزمهمش صح؟”

“معرفش…”

“ميرال أنتِ بتكدبي؟”

“بصي اللي أعرفه إن بابا بعتلهم كرت دعوة بس معرفش بقى هما هيجوا ولا لا.”

“برضوا بابا عمل اللي في دماغه!”

“أنتِ عندك حق تضايقي وهو برضوا ليه حق يعزم مامته وأخته مش هيعزمهم ازاي يعني؟ مينفعش حتى لو هما أسوء ناس في الدنيا!”

“خلاص Change the subject girls ‘قوموا بتغير الموضوع يا فتيات’ مفيش داعي أفنان تضايق في يوم زي ده!”

“صح فعلًا عندك حق، يلا بقى خلصي عشان الفوتجرافر تلحق تاخدلنا كام صورة هنا قبل ما تنزلي تحت مع رحيم.”

“حاضر.” تمتمت أفنان بحماس جزئي وقد ابتسمت لفكرة أن رحيم قد عقد اتفاق مع مصورة فتاة لأنه لن يسمح برجلًا غريب أن يدلف إلى الجناح الخاص بها.

في تمام الساعة الخامسة كانت أفنان تقف في زاوية الحجرة في انتظار رحيم ليدلف إلا الحجرة ليقوموا بتصوير اللحظات الأولى حينما يراها أو بما يُسمى حديثًا ب ‘ال First look’.

بمجرد أن خطى رحيم خطوته الأولى نحو الداخل أقتحمت رائحة عطره المُحببة أنف أفنان لتبتسم تلقائيًا، إنهالت الزغاريد من الفتيات من حولها ووالدتها وخالتها التي صعدت حديثًا إلى الحجرة، أقترب رحيم نحو أفنان في خطوات متوترة وكأنها المرة الأولى التي يراها فيها شعور اللهفة ذاته، القلق، الإنجذاب ونبضات القلب المتسارعة…

“أفي… هنعمل جو suspense ‘تشويق’ وكده؟” سأل رحيم وهو يقهقه بتوتر واضح لتضحك أفنان في المقابل بينما كلما حاول رحيم أن يتحرك بحيث يكون مقابل لها تتحرك نحو الجانب الآخر.

“وبعدين بقى؟” سأل رحيم بمراوغة وهو يسحبها نحوه لتتعثر بسبب ثوبها الطويل وتسقط بين ذراعيه لتصفق أروى بحماس شديد وهي تضحك.

أشاحت أفنان بنظرها بعيدًا عن رحيم بخجل ليُمسك هو بذقنها برقة ليرفع وجهها ليكون مقابلًا لخاصته قبل أن يبتعد عنها قليلًا فاصلًا العناق ليسعه تأملها بصورة أفضل، استغرق دقيقة كاملة تقريبًا وهو يتأمل وجهها البشوش وابتسامتها الناعمة اللطيفة، وتلك الحفرة في وجنتها التي زادتها جمالًا…

بشرتها التي تميل إلى الشحوب والتي كستها طبقة ليسا بثقيلة من مساحيق التجميل وغطاء الرأس المُزين من الأعلى بتاجٍ يليق بها فهي بالفعل ملكة، أمسك رحيم بيدها ليُقبلها برقة بينما أمتلئت عيناه بالدموع دون إرادة منه ليحدث الشيء ذاته معها… يقترب منها رحيم ويحني رأسه قليلًا ليُقبل جبينها ثم يضمها في عناقًا لطيف تنهمر فيه دموعها.

“أنا مش مصدقة إن اليوم ده جيه…”

“أحبكِ بشدة ‘I love you so much’ أفي”

بعد عشرة دقائق تقريبًا كان الجميع غادر الحجرة وقد اتجهوا إلى المكان حيث ستتم جلسة التصوير الخاصة بأفنان ورحيم والتي استمرت لوقت لا بأس به قبل أن تنتهي الجلسة ويحين موعد الزفاف في السابعة مساءًا وكعادة كل الأزواج لقد تأخر أفنان ورحيم لمدة نصف ساعة تقريبًا عن الموعد المحدد.

في مدخل الردهة التي تنتهي بها قاعة الزفاف تتشبث أفنان بذراع والدها بقوة وهي تخطو خطوتها الأولى نحو جهة قاعة الزفاف، آلات التصوير موجهة نحوها والجميع قد إلتفوا من حولها مما زاد من توترها، انتقل شعورها لوالدها على الفور ليضع يده فوق يدها مطمئنًا إياها وهو يتذكر اليوم الأول لها في الروضة حيث كانت خائفة بالصورة ذاتها وقد قبل رأسها في ذلك اليوم وقادها بحنان نحو الفصل الدراسي خاصتها واليوم ايضًا سيُقبل رأسها لكن هذه المرة هو يقودها نحو حياتها الجديدة، نحو عُش الزوجية ونحو الشاب الذي أحبه قلبها وقد وجد فيه والدها الشخص الصالح لإبنته.

ينتظر رحيم بالقرب من مدخل القاعة الواسعة ذات اللون الذهبي الفاخر، يقوم بضبط بذلته وقد كانت ابتسامته من الأذن للأذن، أخذ نفسًا عميق وقد شعر بحرارة في عيناه مُتسببه في لامعة وبريق واضح، أقترب والد أفنان منه بخطوات بطيئة بينما غلف المكان من حولها صوت الزغاريد ومن ثم صوت العازفين لتبدأ ‘الزفة’ بمجرد أن يتناول رحيم ذراع أفنان بين خاصته بدلًا من والدها.

قبل رحيم رأسها قبل أن يُمسك بكلتا يديها ويُقبلهما بعفوية وحنان شديد دون أن يهتم لمن حولهم ومن يلتقط لهم الصور فمنذ أن وقعت عيناه عليها وهو يشعر بأن العالم من حوله قد اندثر، لا وجود للبشر، لا وجود للجماد، لا وجود لأي شيء فلا شيء يراه وينبض قلبه من أجله سواها هي، هي وحدها…

دنى رحيم من أفنان قليلًا نظرًا لفارق الطول بينهما واقترب من أذنها وهو يقول الآتي بصوت مرتفع نسبيًا كي تستطيع سماعه وسط الصخب:

“عارفة يا أفي حتى في أجمل أحلامي عمري ما كنت هتخيل إن أنا أتجوز واحدة بالجمال ده، مش قصدي جمال الشكل جمال الروح، جمال الشكل بيختلف من شخص للتاني وبدرجات متفاوتة لكن جمال الروح غير وأنا عمري ما هلاقي حد روحه جميلة زيك.”

“بحبك، بحبك أكتر من أي حاجة في الدنيا دي، وعلى فكرة أنا مسمعتش نص الجملة بتاعتك بسبب الدوشة.”

تمتمت أفنان برومانسية في بداية حديثها ومن ثم ختمت جملته بالسخرية وهي تضحك قبل أن تفصل ذراعها عن رحيم وتقف في الإتجاه المُقابل له لتُمسك بيده ليبدأ كلاهما في الرقص وبعد دقيقة ينضم إليهم أنس وميرال ومن ثم يتبعهم بعض أفراد العائلة والأصدقاء لترتسم الإبتسامات الواسعة على ثغر الجميع وسط صوت الطبول والزغاريد.

بعد بضع دقائق دلف الجميع إلى داخل القاعة على أنغام أحدى الأغنيات الشهيرة، ومن ثم تبعها صوت أغنية رومانسية ليبدأ رحيم وأفنان في رقص رقصتهم الأولى معًا.

وضع رحيم يده على خصر أفنان بينما وضعت هي كلتا يديها على كتفه بخجل بينما تبتسم ابتسامة واسعة بينما انهمرت عليها كلمات الغزل من رحيم.

“طنط إيڤيلين شكلها حلو أوي النهاردة ما شاء الله، والحج أبوك برضوا قمر بسم الله ما شاء الله عايزة أقولك من يوم الخطوبة وصحابي كلهم عايزين يخطبوه!” تمتمت أفنان بصوت مرتفع نسبيًا ولكنه كان بالكاد مسموع بالنسبة لرحيم.

“أنتِ بتقولي أيه بجد؟” سألها رحيم وهو يضحك بقوة قبل أن يُضيف:

“صحابك محتاجين يتعالجوا بجد… Daddy issues دي ولا أيه؟”

“دادي إيشوز أيه يعم رحيم ده أنتَ باباك ما شاء الله يعني شكله أصغر منك شخصيًا.”

“عارفة الموضوع بجد بيضحك أوي إن الناس فاكرة إننا بنتكلم في حاجة جد ومهمة And we are actually saying random stufff ‘ونحن في الواقع نقول أشياء عشوائية’.”

“ضحك بجد، بص أنس واقف مخنوق ازاي عايزنا نخلص رقص عشان الأغاني الدوشة تشتغل والبيه يرقص هو وصحابكوا.”

“خدت بالي، He is so excited ‘إنه متحمس للغاية’ زي ما أنتِ شايفة.”

بعد انتهاء الرقصة الأولى بدأت أحدى الأغنيات الشعبية ليهرول الجميع نحو ساحة الرقص ويقترب أنس ليقف بين أفنان ورحيم بينما اقتربت ميرال وبعض أصدقائها هي وأفنان ليسحبوا أفنان إلى الجانب الخاص بهم.

بعد مرور خمسة عشرة دقيقة تقريبًا وبينما كان الجميع منشغلًا في الرقص على أنغام أغنيات لم تعرفها أروى ولم تسمع عنها من قبل قررت أن تتجه إلى خارج القاعة لإلتقاط بعض الصور وبينما كانت تفعل لمحت بطرف عيناها شاب وسيم يرتدي بذلة باللون الرمادي الداكن وقد قام بتصفيف شعره الشبه مموج بعناية، لم تُعيره أي انتباه وتابعت إلتقاط الصور كما كانت تفعل لكن بعد دقيقة وجدته يقترب نحوه والحيرة بادية على وجهه قبل أن يسألها بحرج:

“بقولك لو سمحتي هو ده فرح أفنان ورحيم؟ أنا مش عارف اسم القاعة أصلًا…”

“اه هو.”

أجابته ببساطة مع ابتسامة صغيرة وهي تُشير نحو مدخل القاعة وبداخلها تتسأل من يكون ذلك الشاب فهو لا يبدو من النوع المألوف فهي تعرف معظم أصدقاء أنس ورحيم وذلك الشاب ليس واحدٍ منهم.

“شكرًا جدًا وأسف عالإزعاج بس أنا مش عارف حد هنا خالص.”

“مش أنت عارف العروسة أو العريس؟”

“اه، بس مش لاقي حد من عائلتي.. بس خلاص شكلي هلاقي عائلة.” أردف وهو يغمز بإحدى عينيه وقبل أن يتفوه بحرفٍ آخر وجد من يجذبه من بذلته الرسمية نحو الخلف بعنف وهو يسأل بنبرة حادة:

“مالك بيها يا نجم؟!”

“أنس أنتَ اتجننت! Leave him ‘اتركه’.”

“يا فندم أنا كنت بسألها على اسم العريس والعروسة عشان تايه حضرتك متعصب ليه؟ هو خطيب حضرتك؟”

“لا لا مش مخطوبين، He is my little brother إنه أخي الأصغر’.”

“طيب أنا أسف لو حضرتك اتضايقت وأسف لو ضايقتك بسؤالي، بعد إذنكوا.”

تحدث الشاب بأدب والذي لم تعرف أروى اسمه لكنها بقيت تُطالعه بإهتمام شديد بينما رمقها أنس بحدة قبل أن يصيح بنبرة درامية مُردفًا:

“بت أنتِ لو شوفتك واقفة مع حد تاني هاكلك حتة علقة! خليكي جنبي أو جنب ميرال.”

“أنا مش فاهمة الجملة بس حاسة إنك بتقلل احترام مني صح؟”

“الحمدلله إنك مش فاهمة الكلام بالضبط عشان كنتِ أنتِ اللي هتاكليني علقة، عالعموم يلا ادخلي متوقفيش هنا لوحدك.”

قامت أروى بقرص ذراع أنس بكامل قوتها قبل أن تدلف إلى الداخل بغيظ شديد، ذهبت لتجلس على الطاولة خاصتهم بينما شرعت تبحث بعيناها عن ذلك الشاب الذي رأته في الخارج لكنها لم تجده…

في تلك الأثناء ذهبت أفنان للجلوس على ‘الكوشة’ وتبعها رحيم لعلهم يحصلوا على بعض الراحة لبضع دقائق وبينما كانوا يتهامسون فيما بينهم اقترب والد رحيم من مجلسهم وهو يقوم بتهنئتهم مُردفًا:

“ألف مبروك يا حبايبي، بصراحة يا أفنان أنا محتاج أشكرك إنك خليتينا نعيش يوم زي ده وخليتي رحيم ابني ياخد خطوة زي الجواز.”

“هي أجبرتني يا بابي فعلًا ملحقتش أفكر.” تمتم رحيم ممازحًا لترفع أفنان أحدى حاجبيها بإعتراض وهي تسأله بنبرة حادة مُخيفة:

“والله؟ تحب أقوم أمشي وأسيبلك الفرح؟”

“ياااه يا أفي بهزر بهزر وبعدين على فكرة بقى هشوف أي بنت تانية تكمل معايا الفرح.”

“طب بذمتك هتلاقي حد في حلاوتي؟ هتلاقي حد يرخم عليك زيي؟ طب هتلاقي حد يلحقك وقت ما تتث…”

أردفت أفنان وكادت أن تسرد المزيد من التفاصيل ولكن قبل أن تُكمل جملتها وضع رحيم يده فوق ثغرها وهو يمنعها من إكمال الكلمة بينما يُردف من بين أسنانه بصوتٍ منخفض نسبيًا:

“صه بس خلاص! أيه هتفضحي الدنيا على طول كده؟ ده سر بينا!”

“بس بس ابلع ريقك عشان طنط أمك جاية لا وبتضحك… استرها علينا يارب…”

“أمي تبدين كالملكة اليوم Mum you look like a queen today.”

تمتم رحيم وهو يستقيم ليقترب من والدته ويُقبل يدها بلطف لتبتسم له في المقابل وتعانقه لثوانٍ قبل أن تفصل العناق وتتحرك خطوتين بحيث تقف أمام أفنان مباشرة والتي ازدردت ما في فمها بتوتر وهي تنتظر ما ستقوله أو تفعله والدة رحيم.

“أفنان بما إنك قدام الناس كلها بقيتِ مرات رحيم وبقيت فرض من عائلة البكري وأسرتنا…”

أطلقت والدة رحيم تنهيدة صغيرة في المنتصف قبل أن تُتابع حديثها وتلك الثواني البسيطة التي مرت كانت بمثابة أعوام بالنسبة لأفنان التي اضطربت معالمها على الفور بينما حاولت أن تحافظ على ابتسامتها اللطيفة قدر الإمكان.

“دي هدية بسيطة مني ليكي، This ring was my great grandmother’s ‘كان هذا الخاتم لجدتي الكبرى’.”

“واو! ده قيم جدًا ما شاء الله!”

“بالضبط، الخاتم ده العائلة بتاعتي كانت بتتوارثه… يعني كل أم بتديه لبنتها يوم فرحها و As you know i only have one child and i don’t have any daughters ‘وكما تعرفين ليس لدي غير ابن واحد فقط وليس لدي أيه أبناء فتيات.”

ابتسمت أفنان ابتسامة واسعة وهي تستمع لما تقوله والدة رحيم وقد توقعت ما ستقوله بعد ذلك، ساد الصمت لبرهة قبل أن تتابع:

“ودلوقتي You are my daughter in law ‘أصبحتِ زوجة ابني/ في مقام ابنتي’، الخاتم ده دلوقتي بقى بتاعك يا أفنان.”

تمتمت والدة رحيم وهي تضع الخاتم في يد أفنان والذي انبهرت أفنان لكونه يناسب مقاس أصبعها والذي اتضح بأن والدة رحيم قد طلبت من الصائغ ان يضبط مقاسه على مقاس أصابع أفنان.

اتسعت ابتسامة رحيم لما حدث ولقد امتزجت سعادته بالدهشة فهو لم يعلم أي شيء حول ذلك الخاتم وقد انبهر كثيرًا بمدى لطف ما فعلته والدته وأكثر ما أسعد قلبه هو تحسن العلاقة بين أفنان ووالدته فواحدة منهم قلبه والآخرى روحه، هو يعلم أن العلاقة لن تدوم على هذا الحال طويلًا فطباع والدته حادة للغاية لكن على الأقل هي لم تُفسد هذا اليوم المميز ولم تعكر صفو الأجواء.

في ذلك الوقت كان نوح يقف بالقرب من باب القاعة بتردد شديد لا يدري هل يدلف إلى الداخل أم أن وجوده غير مُرحب به؟ ولكن خالته أصرت إصرارًا شديدًا على حضوره ورحيم قام بإرسال بطاقة دعوة تحمل اسمه تحديدًا.

تجول بعيناه داخل المكان دون أن يخطو خطوة واحدة نحو الداخل وفي تلك الأثناء كان رحيم يُقبل يد أفنان ومن ثم يعانقها عناقًا لطيفًا، أشاح نوح بوجهه عنهم بإستياء ليلمح ميرال التي وقفت تراقب أنس الذي يرقص بحركات جنونية بينما لمعت عيناها واتسعت ابتسامتها، أطلق نوح سبة لقد أرتكب أخطاء جسيمة والآن قد خسر عائلته بأكملها وبقي ها هنا وحيدًا بائسًا كحيوانٍ أجرب…

وبينما كان نوح منخرطًا في تفكيره العميق الحزين كانت هناك فتاة تسير نحو الخارج والتي لم تراه كما يراها وقد اصطدمت به بينما كانت تحمل كوبًا من المياه الباردة والتي انسكبت بعد قطراتها على بذلة نوح ليصيح على الفور وهو ينتفض بإستياء شديد:

“ما تحاسبي يا بنتي البدلة! بصي قدامك وأنتِ ماشية مش معقول كده.”

صاح نوح للفتاة التي كانت تميل برأسها نحو الأسفل وكأنها تبحث عن شيء ما وبالفعل كان ذلك صحيحًا حيث اعتذرت على الفور منه وهي تُفسر الأمر:

“أنا أسفة جدًا بجد… النضارة بتاعتي وقعت مني وخايفة تكون اتكسرت ولا حد داس عليها… وبعدين الموضوع مش مستاهل العصبية دي كلها.”

“حقك عليا يا ستي… استني طيب هدور معاكي بدل ما تخبطي في حد تاني!”

“لا شكرًا مش عايزة اتعب حضرتك.” تحدثت الفتاة بأدب بالرغم من سخافة ما قاله نوح، أدرك حماقته على الفور بسبب نبرتها اللطيفة ليقوم بتعديل نبرته وهو يُصر على مساعدتها مُردفًا:

“مفيش تعب ولا حاجة… أهي لاقيتها… هي دي؟”

“ايوا هي… الحمدلله طلعت سليمة…”

تمتمت الفتاة بعد أن قامت بتنظيف النظارات الطبية خاصتها وبمجرد أن ارتدتها وأزاحت خصلات شعرها المبعثرة نحو الخلف خالج نوح شعور بأنها مألوفة بالنسبة إليه ليسألها على الفور وقد عقد حاجبيه:

“أنا شوفتك فين قبل كده؟” لم تُجيبه على الفور بل طالعته لثوانٍ وقد أصبحت رؤيتها أوضح قبل أن تُردف بحماس واضح لكونها تذكرت:

“دكتور نوح صح؟”

“أنتِ عرفاني صح؟ ايوا أنا شوفتك قبل كده فعلًا… بس مش قادر أفتكر فين…”

“شوفتك في كتب كتاب أفنان وطبعًا في الخطوبة بتاعتك أنتَ وميرال…”

“ايوا صح… بس كان شعرك أطول من كده صح؟”

“اه ما أنا قصيته على سبيل التغير يعني وعشان فرح أفنان وكده.”

“هو أنتِ تقربيلها أيه؟ من عائلة عمو أحمد صح؟” سأل نوح بفضول وهو يضع كلتا يديه في جيوبه لتُومئ ريماس ب ‘نعم’ ثم تقول:

“اه أنا بنت أخته…”

“اسمك فيه حرف الراء كده صح؟”

“ريماس… اسمي ريماس…”

“اتشرفت بيكي…”

“الشرف ليا أنا… أيه ده؟!! آسر!” كانت تتحدث ريماس بهدوء ولكنها بدون سابق انذار وهي تهرول نحو شاب ذو قامة طويلة لتأخذه في عناقًا حار.

أمتعض وجه نوح على الفور وهو يسب حظه داخليًا، وجدها تفصل العناق عن ذلك الشاب والذي قام بعدها بتقبيل رأسها ليهمس نوح بإستياء شديد:

“يعني يوم ما بنت تعجبني بعد حوار ميرال تطلع مرتبطة في الآخر؟!”

“دكتور نوح أعرفك… باشمهندس آسر أخويا الكبير… آسر ده دكتور نوح ابن أخت طنط رانيا.”

“اتشرفت بحضرتك.”

كان كلاهما يتصافحان بينما كانت تتباعهم عيون أروى والتي كانت تظن مثل نوح في البداية بأن ذلك الشاب هو حبيب أو زوج ريماس المستقبلي وقد كان وجهها عابس هي ايضًا لأنه الشاب الوحيد الذي قام بلفت نظرها منذ أن عادت إلى مصر.

“معلش يا دكتور نوح عن إذن حضرتك ثواني.” استأذن آسر بأدب ليسحب ريماس بعيدًا عن نوح وهو يسألها بغيرة أخوية:

“مين ده عشان توقفي تتكلمي معاه كده؟”

“والله أحنا وقفنا نتكلم صدفة يعني، مكنتش شايفة من غير النضارة ومش لابسه اللينسيز فخبطت فيه واعتذرتله وبس طلعنا نعرف بعض عشان قابلته في خطوبته على ميرال قبل كده.”

“أيه ده؟! مقولتيش إنه خطيب ميرال يعني.”

“ما هما فسخوا الخطوبة قبل الفرح بكام شهر بس مش عارفة تفاصيل بصراحة…”

“طب وجاي هنا ليه؟ أيه البجاحة دي؟ عالعموم ملناش دعوة، المهم إنك متقفيش معاه تاني من فضلك ماشي؟”

“حاضر.”

“ريماس بقولك أيه… هي مين البنت اللي واقفة هناك دي؟ اللي لابسه فستان ستان.”

“أخت صاحب العريس، بتسأل ليه؟ مش أحنا قولتا مش هنوقف نتكلم مع حد ولا الكلام ده عليا أنا بس ولا أيه؟”

“وهو أنتِ شوفتيني وقفت معاها؟ أنا بسأل بس.”

“طيب شاطر.”

بعد بضع دقائق آخرى شعر أنس بالإرهاق من كثرة الرقص والتحرك بعشوائية في كل مكان وقف ليلتقط أنفاسه ليلمح مجموعة من الفتيات واللاتي يعرفهن أنس ورحيم من خلال تعاملاتهم مع العديد من الشركات الشهيرة ولكن كانت تجمعهن علاقات ودودة غير رسمية مع أنس ورحيم وميا.

“حبايب قلب أنوسة من جوا…” قال أنس وهو يفتح ذراعيه استعدادًا لإستقبال صديقاته هو ورحيم المُقبلات نحوه ولكن بمجرد أن لمح ميرال التي ترمقه بنظرات حادة كالصقر الذي على وشك أن يلتهم فريسته قام بضم ذراعيه على الفور ومن ثم قام بتثميل أنه يقوم بإدلالهم على الطاولة خاصتهم بدل أدب وبراءة.

“الترابيزة هناك أهي يا بنات لو حد محتاج أي حاجة أنا مش هنا محدش يكلمني…”

“والله؟”

“في حاجة يا آنسة ميرال؟ البنات تايهين وبساعدهم باخد ثواب يا ستي.”

“بالفساتين اللي هما لابسينها دي متأكد إنك بتاخد ثواب برضوا؟”

سألت ميرال مستنكرة وهي تُطالع ثياب الفتيات بإزدراء واضح فلقد كانت ملابسهم فاضحة بالنسبة إلى ميرال والتي لم تعتاد أن ترى فتيات ترتدين مثل هذه الثياب غير في الأفلام السينمائية ولم يسبق لها كذلك التعامل مع تلك الفئة من المجتمع.

“أو ذنوب مش متأكد بصراحة… ويلا متقفيش معايا عشان مينفعش نقف نتكلم، بس خدي بالك الوضع ده مؤقت بعد كده هفضل أرغي معاكي براحتي عادي ومحدش هيعرف يقولي نص كلمة.”

كان حديث أنس ساخرًا في البداية لكنه تحدث بنبرة جادة لا تخلو من اللطف في نهاية حديثه وهو يغمز بأحدى عينيه لتبتسم ميرال دون إرادة منها لتُخفي ابتسامتها على الفور بيديها وهي تسير مُبتعدة عنه، أطلق أنس تنهيدة طويلة وهو يُفكر في الطريقة المناسبة لتنفيذ خطته.

بعد نصف ساعة آخرى قرر أنس أن يخطو خطوته المتهورة ويذهب للتحدث مع والد أفنان وميرال والذي كان جالسًا على أحد الطاولات، ذهب أنس للجلوس على الكرسي الذي إلى جانبه ومن ثم قام بتقريبه من والد ميرال أكثر كي يستطيع سماعه بوضوح نظرًا لكون الموسيقى صاخبة.

“بقول لحضرتك يا عمو أحمد… هو أنا عارف إن الوقت مش مناسب وكده عشان الفرح… بس أنا… أنا عايز ازور حضرتك ضروري بعد الفرح…”

“تنور يا حبيبي طبعًا ده بيتك بس هو في سبب محدد للزيارة ولا عايز تنورنا عادي؟”

“بصراحة يا عمو يعني حضرتك عارف إن أنا أهلي ماتوا وكده… يعني عايز أزور حضرتك أنا وأروى أختي وأونكل حامد بابا رحيم…”

نظر والد أفنان نحو أنس بحيرة لقد فهم تقريبًا ما ينوي قوله لكنه أراد أن يسمعها واضحة وصريحة من فم أنس، اضطربت معالم أنس قليلًا وهو يحك مؤخرة عنقه قبل أن يُتابع مُردفًا:

“يعني… أنا عايز اطلب إيد ميرال من حضرتك… أنا عارف إننا يعني منعرفش بعض كويس بس هنتعرف في فترة الخطوبة لو حضرتك تكرمت ووافقت يعني…”

أعتلت الدهشة معالم والد أفنان بعض الشيء فهو لم يتوقع أن يتجرأ أنس ويطلب ذلك بطريقة مباشرة، ابتسامة صغيرة زينت ثغر والد أفنان وهو يضع يده في حنان أعلى كتف أنس ليطمئنه قائلًا:

“البيت مفتوح أي وقت تنورونا فيه يا ابني.”

كانت جملة والد أفنان بسيطة، مختصرة ولكنها كانت حنونة يشع منها الدفء… تنفس أنس الصعداء وهو يبتسم ابتسامة كبيرة قبل أن يسحب والد أفنان وميرال في عناق لطيف فلقد شعر أنس بحنان الأب من بضع كلمات بسيطة تفوه بها والد أفنان فكلمة ‘ابني’ وحدها كانت كفيلة بجعل الجروح التي في قلب أنس تلتئم.

بعد مرور بضع دقائق آخرى وبينما كانت أفنان تتجول في قاعة الزفاف لتقوم بإلقاء التحية على الحضور وأثناء ذلك لمحت أفنان بعيناها عمتها وجدتها يدلفون إلى داخل القاعة، عقدت أفنان حاجبيها بإستياء شديد وهي تسير نحوهم بخطوات غاضبة واسعة بينما تُردف:

“أنتوا أيه اللي جابكوا هنا؟ كمان ليكوا عين؟”

“عيب يا أفنان يا بنتي الكلام ده ولا أنتِ محدش علمك العيب والأصول؟”

“أنا عشان عارفة العيب والأصول يا عمتو مش هقولكوا اطلعوا برا مع إن ده حقي لأن ده فرحي بس والله العظيم لو حد كلم بابا نص كلمة وزعلوا في حاجة لهسيب الكوشة والفرح وهخلي اللي ما يشتري يتفرج!”

“خلاص يا أفي خلاص أهدي شوية… ميرال معلش خدي أفنان كده خليها تشرب عصير ولا حاجة…”

“أنا بعتذر عن اللي حصل بس حضرتك لازم تبقي مقدرة إن اللي حصل مع باباها مش بسيط برضوا أنا عمتًا مش هتدخل في مشاكل عائلية أكيد بس من فضلك ده فرحها وأنا مش هسمح لحد أنه يزعلها في يوم زي ده.”

“وأحنا يا ابني محدش فينا جاي يزعلها ولا يبوظ اليوم دي في الآخر حفيدتي يعني.”

“لو كده يبقى أهلًا بحضراتكوا وتنوروا طبعًا، أنس معلش شوفلهم مكان يقعدوا فيه… يبقى بعيد عن بابا أفنان أهم حاجة.”

“حاضر هشوفلهم مكان يقعدوا فيه… خدامين أبوكوا أحنا بقى!”

“بتقول حاجة يا أنس؟”

“مفتحتش بوقي!”

بعد أن قال أنس جملته تركه رحيم وتوجه نحو أفنان الجالسة في الموضع المخصص لها هي ورحيم، اقترب منها ليجلس إلى جانبها وهو يمسك يديها بينما يقول:

“ممكن تهدي شوية لو سمحتِ؟ مفيش داعي للعصبية دي كلها… يلا وريني الضحكة الحلوة.”

“يا رحيم هما مستفزين بجد! يعني ريماس جت وأنا معترضتش وقولت هي ملهاش ذنب في حاجة تيجي على عيني وعلى رأسي لكن هما لا!”

أردفت أفنان بضيق شديد وغضب ولكن رحيم عاود التحدث بنبرة هادئة وحنونة كي يمتص غضبها.

“خلاص معلش أنتِ عندك حق، بس هما خلاص هنا واللي حصل حصل مش هتبوظِ اليوم عشانهم.”

“حاضر…”

بعد عشرة دقائق كان الجميع على استعداد إلى الفقرة المُحببة لدى الجميع في حفلات الزفاف ‘البوفية’، كان المكان مزدحمًا والجميع يحملون في أيديهم أطباق ممتلئة من الخيرات وفي تلك الأثناء وقفت ميرال في منتصف القاعة وهي تُمسك بطبقٍ فارغ في يد وبالآخرى تمسك بذيل فستانها الطويل.

“مالك واقفة كده ليه؟” سأل أنس الذي ظهر من اللامكان لتنتفض ميرال لثانية قبل أن تُجيبه من بين أنفاسها المتسارعة:

“مش عارفة… مش عارفة اجيب أكل وخايفة حد يوقع حاجة عالفستان بصراحة.”

“طيب خليكي واقفة هنا، هاتي الطبق ده وأنا دقيقتين بالضبط وهكون عندك… معرفش أنتِ بتاكلي أيه بس هعملك تشكيلة يعني.”

أومئت ميرال بإمتنان وخجل وهي تمنح الصحن لأنس، منحها ابتسامة صغيرة قبل أن يرحل من أمام عيناها وفي تلك اللحظة كانت ميرال تعبث في هاتفها ولكنها شعرت بأحدهم يقترب منها فرفعت وجهها ظنًا أنه أنس يود أن يغازلها مجددًا قبل رحيله لكنها فوجئت بكونه نوح.

“ميرال… عاملة أيه؟ ألف مبروك وعقبالك…”

“أنا الحمدلله… شكرًا.”

“عفوًا… طب أنتِ عارفة إن… إن شكلك حلو أوي النهاردة؟ قصدي يعني لون الفستان ولفة الطرحة… المكياج بتاعك كده يعني…”

حاول نوح أن يغازل ميرال بنبرته اللطيفة ولكن عكس ما توقع تمامًا لم تقبل ميرال مغازلته بل علقت على ما قاله بجفاف تام مُردفة:
“اه عارفة كل الناس قالتلي كده النهاردة.”

“أنا جييت… هو أيه ده؟! أمسكِ الطبق ده كده.”

كان أنس يقول بحماس لكن سرعان ما تحولت سعادته إلى استياء لرؤيته لنوح الواقف أمام ميرال، اقترب أنس من نوح وكأنه على وشك أن يدفعه لتضع ميرال يدها بين كليهما بينما تُردف:

“أنس… أنس… مفيش حاجة كان بيقول مبروك…”

“أمسكِ بس الطبق ده قولتلك! وأنت بقى واقف معاها ليه يالا إن شاء الله؟ عايز منها أيه؟ ليك عين تقف تتكلم معاها؟! يا بجحتك يا أخي!”

“وأنتَ مالك اقف معاها ولا مقفش دخلك أيه أصلًا؟! بنت خالتي وبكلمها هاخد الإذن منك!”

صاح نوح بالمقابل وهو يسأل في نهاية حديثه بإستنكار متعمدًا إثارة غيظ أنس لكن ذلك لم يحدث حيث طالعه أنس ببرود تام قبل أن يقول بثقة شديدة وهو يعيد خصلات شعره نحو الخلف:

“اه هتاخد الإذن مني!”

“ليه أنتَ مفكر نفسك مين يعني؟”

“خطيبها.” تلفظ أنس بثقة شديدة وهو يضع أحدى يديه في جيب بنطاله، أعتلت الدهشة معالم كلًا من نوح وميرال فميرال شخصيًا لا تعلم ما الذي يتحدث عنه أنس.

“خطيبها ازاي يعني؟ أنتَ بتحور يالا عمو أحمد مش هيجوز بنته لعيل صايع زيك!”

“لم نفسك عشان معملهاش معاك! ولو مش مصدقني تقدر تروح تسأل عمو أحمد بنفسك وشوف هيقولك أيه.”

تحدث أنس بثقة شديدة فهو واثق من أن نوح لن يسأل والد ميرال عن صدق حديثه، أمتعض وجه نوح بشدة وهو يضم قبضته وكاد أن يقدم على خطوة متهورة ولكنه تراجع في النهاية فلا فائدة مما سيفعله بل سيزداد الأمر سوءًا بإفساده لحفل زفاف أفنان كما أن ذلك لن يُغير حقيقة كون ميرال تبغضه.

“يلا هوينا بقى يا نوح وروح كل جاتوه.” تمتم أنس بنبرة مستفزة ليُطالعه نوح من الأعلى إلى الأسفل ثم يرحل مبتعدًا عنه وعن ميرال.

“أنا عايزة افهم بقى أيه موضوع خطيبي ده؟!”

سألت ميرال بنبرة جادة وهي تعقد كلتا ذراعيها أمام صدرها بإعتراض في انتظار تفسيرًا من أنس ولكنه تجاهلها تمامًا وهو يتحدث بشأن شيء آخر مُشيرًا إلى قاعة الزفاف المجاورة لهم قائلًا:

“بقولك أيه يا ميرال أنا سمعت إن في مأذون في القاعة اللي جمبنا ما تيجي منخليهوش يمشي… يطلع بمصلاحتين بدل مصلحة واحدة وأهو البحر يحب الزيادة.”

“أيه؟ أنتَ بتقول أيه؟ أنا مش فاهمة حاجة؟!”

سألت ميرال بعدم استيعاب فعقلها لا يستطيع ترجمة ما يقوله أنس وإن كانت قد فهمت ما يرمي إليه ولكنها قامت بتكذيب نفسها ولكنه قرر أن يُفصح عن الأمر بصراحة ووضوح حيث قام بالإعتراف بمشاعره تجاهها قائلًا:
“بقول… إن أنا بحبك وعايز اتجوزك وبقول إن أنا طلبت إيدك بشكل مبدأي من عمو أحمد!”

“أنتَ… أنتَ بتتكلم جد؟ الحاجات دي مفهاش… مفهاش هزار يا أنس…”

“وأنا عمري ما أتكلمت جد زي دلوقتي! أنا كنت ضايع يا ميرال وأنتِ كمان كنتِ ضايعة ولاقينا نفسنا لما لاقينا بعض…”

“أنا… أفنان… أفنان بتنادي عليا… عن إذنك…” نبست ميرال بتلعثم شديد وهي تسير بخطوات مُسرعة مبتعدة عن أنس ومتجهة نحو أفنان بينما كانت تختلس النظرات نحو أنس لترى إن كان مازال يراقبها أم لا وكانت الإجابة نعم فهو لم يزيح عيناه عنها حتى تأكد من أنها ذهبت للتحدث مع أفنان.

ارتسمت ابتسامة واسعة على ثغر أنس وهو يتذكر ما حدث قبل قليل، ردة فعل ميرال اللطيفة وصدمتها من حديث أنس وكذلك بريق السعادة والأمل الذي رأه في عيناها حينما تسللت كلماته إلى أذنها.

بعد مرور المزيد من الوقت والذي مر سريعًا كان حفل الزفاف قد انتهى وكانت الساعة تقرب للثانية عشرة بعد منتصف الليل، رحل معظم الحضور فيما عدا أسرة رحيم وأفنان.

“يلا يا عريس عشان نوصلك للبيت.” أردف أنس وهو يُشير لرحيم بأن يعطيه مفاتيح السيارة لكن رحيم لم يفعل ذلك وعلق على ما قاله مُردفًا:

“لا مفيش داعي أنا هسوق العربية كفاية عليكوا لحد كده أنتوا تعبتوا معايا أوي النهاردة.”

“أيه ده يعني مش هنوصلك يا أفنان لحد البيت؟”

سألت ميرال بوجه عابس وأعين دامعة فعقلها لا يستطيع استيعاب كون أفنان لن تعود برفقتها إلى المنزل كي تشاركها الثرثرة في الطريق ومن ثم الذهاب للنوم في حجرتهم الصغيرة الدافئة.

“معلش يا ميرو متزعليش… طب خلاص يا رحيم خليهم يوصلونا لحد البيت من برا ونبقى نكمل أحنا باقية المدخل بالعربية عشان محدش يزعل.”

“تمام أنا بس مكنتش عايز أتعبهم.”

في النهاية توجه الجميع إلى منزل رحيم وأفنان، السيارات تسير إلى جانب بعضها البعض… سيارة رحيم يليها سيارة أنس، سيارة والد رحيم وثلاث سيارات لأصدقاء رحيم وأنس، كانت السيارات تقوم بعمل نغمات بواسطة ‘كلاكس’ السيارة بالإضافة إلى صوت الأغاني الصاخب الذي صدر من السيارات.

توقفت السيارات بالقرب من مدخل المنزل ولكن من الخارج بحيث سيكمل أفنان ورحيم التحرك بسيارتهم إلى داخل بضعة أمتار كي يصلوا إلى باب المنزل.

“ألف شكر يا رجالة نجاملكوا في الأفراح إن شاء الله وعقبالكوا كلكوا لما تتدبسوا نفس التدبيسة، بس أنا الأول إن شاء الله يعني.”
صاح أنس وهو يشكر أصدقائه بنبرة درامية قبل أن يُنهي حديثه بإبتسامة جانبية صغيرة وهو ينظر نحو ميرال التي ضحكت ضحكة رقيقة وهي تُشيح بنظرها بعيدًا عنه.

“بابا حبيبي… مامتي… هتوحشوني أوي بجد…”

همست أفنان وهي تُعانق والديها في الوقت ذاته واستمر الوضع على هذا الحال لبضع ثوانٍ قبل أن يفصل والدها ذلك العناق الجماعي ويسحب أفنان وحدها في عناقٍ دافئ… حنون… قوي، تتساقط دموعة بغزارة، تلك الدموع التي تُسمى دموع الفرحة…

فهو سعيد بل يكاد يُحلق من كثرة السعادة فإبنته الحبيبة… صغيرته قد أصبحت عروسًا وها هو قد انتهى من أداء رسالته، فلقد قام بتربيتها، منحها الحب والحنان، قام بمرافقتها في مسيرتها التعليمية حتى أنهتها والآن ها هو قد قام بإيصالها إلى عش الزوجية خاصتها…

“خدي بالك من نفسك يا حبيبتي… هتوحشيني أوي يا حبيبتي هتوحشيني أوي يا نور عيني… أنا مش عارف أنتِ كبرتي كده أمتى؟ أنا فاكر لما كنتِ بتخافي تمشي في الشارع غير وأنتِ ماسكة فيا معرفش كبرتي كده أمتى…”

“خلاص بقى يا أحمد متخليهاش تعيط… ربنا يكتبلهم السعادة ويخليهم لبعض ويرزقهم بالذرية الصالحة يارب…”

نبست والدة أفنان والتي كانت تبكي بدورها ولكنها حاولة جاهدة أن تتماسك كي لا يزداد الوضع حساسية وفي تلك الأثناء كان والد رحيم يعانقه ومن ثم والدته، لم تبكي والدة رحيم ولم تدمع عيناها وكانت ظاهريًا جامدة إلا حدٍ كبير إلا أن داخلها كان يشتعل لشعورها بأن صغيرها قد كبر وأنه سيبتعد عن عيناها وستكون له حياته الخاصة.

“خدوا بالكوا على بعض يا حبيبي وأنتِ يا أفنان يا حبيبتي لو رحيم زعلك في حاجة عرفيني بس وشوفي أنا هعمل فيه أيه.”

“ربنا يخليك يا أونكل، متقلقش رحيم بيخافي على زعلي أكتر من أي حد في الدنيا.”

قالت أفنان ليعانقها رحيم من جانبها لتبتسم قبل أن توجه نظرها إلى ميرال التي وقفت في هدوء شديد بينما تبكي في صمت، اقتربت منها أفنان وهي تسحبها في عناق قوي بينما تهمس:

“أيه يا ميرو مش هتسلمي عليا؟”

“هتوحشيني أوي… مش قادرة أصدق إنك مش هترجعي معايا النهاردة وإني هروح ألاقي سريرك فاضي… هصحى الصبح في هدوء من غير ما ترخمي عليا وتقعدي تزعقي عشان مش لاقية بالبندانة بتاعتك وعشان لبست جزمتك…”

“أنا مش هتأخر عليكي صدقيني وهزوركوا كل يوم كده كده رحيم هيبقى في الشغل وعارفة أول لما نرجع من السفر أول حد هشوفه هيبقى أنتوا… وكمان يا عبيطة احتمال تيجي تسكني جنبي قريب ولا أيه يا أنس؟”

“نسكن في المكان اللي هي بتحلم بيه إن شاء الله عالقمر هي تؤمرني بس.”

“خدي بالك من نفسك.” كانت هذه آخر جملة تقولها ميرال قبل أن تعانقها أفنان مجددًا ثم تودعها وتودع الجميع وتدلف إلى داخل السيارة مجددًا.

بعد بضعة أمتار توقفت السيارة أمام المنزل لتأخذ أفنان نفس عميق ثم تزفره بتوتر واضح، منحها رحيم ابتسامة لطيفة قبل أن يُمسك بيدها بحنان شديد ثم يطبع عليها قبلة رقيقة قبل أن يهمس:

“مرحبًا بكِ في قصركِ أميرتي Welcome to your palace my princesss.”

ابتسمت أفنان بخجل واضح وهي تنظر إلى داخل عيناه الخضراء والتي بدت داكنة بسبب الأضاءة الضعيفة نسبيًا، غادر كلاهما السيارة على الفور بعد أن قام رحيم بفتح الباب من أجل أفنان بنبل.

“الله! أنتَ اللي حطيت الورد ده كده؟ شكله تحفة بجد كأننا طالعين من كرتون فعلًا.”

تمتمت أفنان بإنبهار واضح وهي تنظر إلى بتلات الأزهار ذات اللون الاحمر الداكن المنثورة على مدخل المنزل، لم تتلقَ ردًا من رحيم على ما قالته ففي تلك اللحظات كان رحيم يستعد لحمل أفنان بين ذراعيه لتصرخ هي على الفور بفزع قبل أن يتحول خوفها إلى ضحكات متقطعة.

فور صعودهم إلى الحجرة جلست أفنان على الكرسي الموضوع أمام المرآة وهي تحاول نزع حجابها الذي تم تثبيته بالعديد من ‘دبابيس الطرح’، كانت تفعل ذلك بتوتر وحيرة كان يراقبها رحيم وعلى وجهة ابتسامة واسعة وهو يتأمل حركاتها اللطيفة وفي النهاية قرر أن يستقيم ويقترب منها وهو يُردف بنبرة مرحة:

” أساعدك؟”

“ياريت بدل ما أنت قاعد متنح كده.”

“مفيش فايدة فيكي يا أفي بجد.”

ساعدها رحيم على نزع وشاح رأسها ولأول مرة يرى خصلات شعرها السوداء بوضوح، استقامت أفنان من مقعدها لتواجه رحيم مباشرة فتشعر بالحمرة تعتلي وجهها قبل أن ترجع بضع خطوات نحو الوراء لتترك مسافة كافية بينهم بينما تنزع رابطة الشعر خاصتها لتترك خصلات شعرها تنسدل وإن لم تفعل بطريقة ساحرة ودرامية كالأفلام فلقد ألتوت خصلات شعرها وتموجت نسبيًا نتيجة ضغط وشاح الرأس والرابطة عليها والرطوبة كذلك.

“كان نفسي أعملك فيها رابنزل بقى بس شعري كمكم من الطرحة تقريبًا، يا خسارة الفلوس اللي اتدفعت في شعري والله.”

“صه أفي! Let us enjoy this moment ‘دعينا نستمتع بهذه اللحظة’.”

تمتم رحيم وهو يقترب منها ومن ثم يجذبها في عناقًا لطيف إلى صدره، شعرت أفنان بالهواء يختفي من المكان ساد الصمت لبرهة قبل أن تفصل أفنان العناق وتشهق شهقة طويلة محاولة الحصول على قدر كافي من الأكسجين لتملأ بها رئتها.

“يا إلهي OMG أنتِ كويسة؟”

“كنت هفطس… بس ربنا ستر!”

“مش معقول يا أفي والله كل لما أحاول أبقى Romantic ‘رومانسي’ تبوظِ المشهد كده.”

“بقولك أيه أبعد كده أنا هروح أغير هدومي وأقعد أكل لقمة لأني هموت من الجوع بجد.” أعلنت أفنان وهي تدفع رحيم بعيدًا عنها بينما تذهب نحو خزانة الملابس وتسحب بيجاما من الحرير ثم تذهب نحو دورة المياه تاركة رحيم واقفًا في صدمة قبل أن يُعيد خصلات شعره نحو الخلف بينما يبتسم ابتسامة جانبية ثم يتمتم:

“لقد تزوجت من امرأة مجنونة I got married to an insane woman!”

في ضهر اليوم التالي استيقظت أفنان بكسل لتجد أن رحيم ليس إلى جانبها، غادرت الحجرة وتوجهت نحو الطابق السفلي لتلمح رحيم يقف بالقرب من طاولة الطعام وقد قام بإعداد الفطور من أجلها، كانت أفنان تسير بهدوء ولم يكن رحيم لينتبه لصوت خطواتها لولا أنها تثأبت بصوتٍ عالٍ لينتفض رحيم بهلع وهو يده بالقرب من موضع قلبه وهو يُردف:

“بسم الله… خضتيني يا أفي!”

“صباح الفل والشربات على أجمل إنتاج مشترك ما بين مصر وإنجلترا، صباح الفل على أجمد Handsome man عالكوكب والكواكب المجاورة.”

“أحلى Morning في حياتي، صباح الخير يا أفي… كنت ناوي أطلع الفطار ليكي في السرير بس أنتِ سبقتيني وصحيتي لوحدك.”

“لا يا حبيبي ولا يهمك… لا ثواني كده… هو ده الفطار؟!!”

“اه… مش عاجبك ولا أيه؟”

“لانشون… جبنة رومي… جبنة اسطنبولي… جبنة فلامنك… جبنة برادفورد.”

“برادفورد أيه يا أفي؟! ريكفورد قصدك!”

“متغيرش الموضوع فين الحَمام؟ الحَمام فين؟!!”

“حمام في الفطار؟!”

“اه حمام وفراخ مشوية وفطير وعسل!”

“ليه عايزانا نقضي ال Honeymoon في وحدة غسيل المعدة؟!” سأل رحيم بإستنكار شديد لتطالعه أفنان بضيق وهي تقول:

“يا رحيم غسيل معدة أيه؟ كل العرسان بيفطروا كده وبعدين اسم الله يا أخويا على فطار الإنجليزي اللي بتاكلوا فيه سجق على بيض مع فاصوليا بيضاء بصلصة… حد ياكل فاصوليا عالفطار؟!!”

“على فكرة ده حلو جدًا أنتِ مجربتيهوش عشان تقولي إنه وحش وبعدين ما أنتِ بتاكلي فول وطعمية وبتنجان وبصل الصبح طب بذمتك دي حاجات متوجعش القولون؟”
“بس خلاص الأكل ده أذواق.”

“صح براڤو عليكي.”

“وفي ناس ذوقها يقرف ما علينا… بقولك أيه صحيح ماما هتيجي هي وميرال وغالبًا خالتو يطمنوا عليا ويشوفونا قبل ما نسافر وكده.”

“أوه طب ده شيء لطيف أوي بجد! معقول وحشتيهم للدرجة دي في يوم واحد بس فا عايزين يشوفوكي؟ طب هيجوا أمتى؟”

“وحشتهم مين يا رحيم؟ دي طقوس يا حبيبي عادات وتقاليد عجيبة كده إن لازم الأهل يجوا تاني يوم… غالبًا عالمغرب كده إن شاء الله.”

“بجد؟ مش عارف أصل مامي مقلتش إنها جاية هتستنى عادي لما نرجع من السفر.”

“صراع الحضارات والثقافات بقى، الست والدتك دي رايقة ومحترمة الصراحة.”

تمتمت أفنان وقد كانت تتحدث بجدية هذه المرة فوالدة رحيم لا تشغل بالها بالكثير من الأشياء مثل والدتها على سبيل المثال، مر اليوم سريعًا وكذلك زيارة أسرة أفنان وفي مساء تلك الليلة كانت أفنان تقوم بتوضيب الحقائب استعدادًا للسفر برفقة رحيم إلى ‘شهر العسل’.

“أفي متحطيش لبس كتير أحنا هنشتري حاجات كتير من هناك.”

“يااه على حياة الأغنياء والمُرفهين!”

“يا بنتي أنتِ خلاص بقيتِ في ال List ‘قائمة’ الأغنياء والمرفهين عادي!”

“صح عندك حق! عمومًا أنا اختارتلك لبس على ذوقي… بهزر طبعًا أنتَ كنت مطقم القمصان والتي شيرتات عالبناطيل وأنا خدتهم عالشنطة زي ما هما… أنتَ مش متخيل أنا متحمسة ازاي أشوف شكلك باللبس الكاچول من يوم ما عرفتك وأنتَ بتلبس بدل بس.”

“ما أنتِ عارفة يا حبيبي شغلي بيخليني اعتمد عاللبس ال Formal ‘رسمي’ بس خلاص هخليكي تشوفيني بالكاچوال شهر كامل.”

“يا سلام عالدلع يا سلام… بقولك أيه هو أحنا المفروض نتحرك عالساعة كام إن شاء الله؟”

“الطيارة الساعة ٧ واحنا المفروض نكون هناك من قبلها ب ٣ ساعات على الأقل فهنتحرك من هنا على الساعة ٢٢ ونص.”

“طب كويس هلحق أنام براحتي شوية.”

“لا ما هو بصي… هقترح عليكي حاجة تيجي نصحى بدري شوية عن ميعادنا ونروح مشوار صغير كده قبل ما نروح المطار؟” عرض عليها رحيم بحماس شديد لتسأله أفنان ممازحة:

“هنروح نزور أنس ولا أيه؟ ما هو في الوقت المتأخر اللي هننزل فيه ده هتبقى الناس كلها نامية في بيتها إلا الواد الصايع ده!”
“الواد الصايع اللي طلب إيد أختك من باباكي امبارح؟ اللي هو في خلال سنة أو سنتين هيكون جوز أختك المفروض؟”

“متدخلنيش في تفاصيل دلوقتي! هتوديني فين؟”

“هتعرفي لما نروح، تعالي نكمل تحضير الشنط.”

في تمام الواحدة صباحًا كانت أفنان تجلس أعلى سيارة رحيم من الخارج تُمسك بكوب ‘حمص الشام’ الحار يستند رحيم على السيارة إلى جانبها يقف في حيرة من أمره يتأمل القمر تارة ويتأمل أفنان تارة وهو لا يدرِ أيًا منهم القمر الحقيقي.

“القمر شكله حلو أوي النهاردة… ملحوظة صغيرة القمر ده أنتَ، بجد شكلك قمر بالطقم ده.”

“كنت لسه هقولك نفس الكلام بس سبقتيني، الجو حلو أوي ومُريح للنفس حقيقي… الهواء الساقع، القمر، النيل، وأنتِ.”

“لا أنتَ كده هتخليني أقولك بحبك بصوت عالي في وسط الشارع وأفضحك على فكرة!”

قالت أفنان وهي تقوم بتهديد رحيم ليضحك هو بقوة حتى تختفي عيناه قبل أن يُردف بمراوغة وهو يطبع قبل على يديها:

“وفيها أيه ما أنتِ مراتي حلالي وروح قلبي.”

“طب ما تشغلنا حاجة للست كده نسمعها وأحنا بنتفرج عالقمر عشان شوية وهنتحرك عالمطار.”

أومئ رحيم بلطف وذهب لتنفيذ ما طلبته وجلس كلاهما في هدوء يشاهدان القمر بينما يتخلل الأجواء نسمات الهواء الباردة وصوت ألحان أغنية الست.

في الوقت ذاته كانت تجلس أروى في حجرتها وهي مُمسكة بهاتفها تعبث في حساب أفنان بحثًا عن حساب ذلك الشاب الذي قابلته في الزفاف، آسر! ذلك الشاب صاحب خصلات الشعر المموجة وذو اللحية الكثيفة وبالطبع لم تنسى أروى مظهر عيناه التي كانت في لونًا يقع بين اللون الأخضر والبني الزاهي.

“وجدته Found it!!!” صاحت أروى لنفسها بحماس شديد وهي تعتدل في جلسته لتُفاجئ بصوت أنس الذي ظهر من اللامكان وهو يسألها:

“هو أيه ده؟!”

“أنتَ مالك؟ وبعدين من أمتى وأنتَ بتدخل أوضتي من غير ما تخبط عالباب؟”

“أروى أنا بقالي نص ساعة بخبط ده كان فاضل ثانية والباب يتدغدغ!”

“ولو أنا برضوا مسمحتش أنكَ تدخل!”

“لاقيتي أيه يا أروى يا سوسة ياللي بتحاولي تتوهي عالموضوع؟ أنا عارف إن أنا قليل الذوق عشان دخلت ومستنتش أنك تقوليلي وبرضوا عارف إنك بتغلوشي عالموضوع عشان مسألكيش.”

“طالما أنتَ عارف Why you keep asking me ‘لماذا تستمر في سؤالي؟'”

“ما علينا هسيبك دلوقتي بمزاجي عشان عارف إنك كده كده هتيجي تحكيلي بنفسك، المهم بصي كده على صور البيت ده.”

قال أنس وهو يمنح أروى الجهاز اللوحي خاصته كي تشاهد صور المنزل، كان المنزل ذو تصميم مُبهر وعلى ما يبدو أن مساحته كبيرة كذلك.

“تحفة! ده هنا في مصر؟”

“اه في مصر ومش بعيد عن المنطقة هنا… بصراحة يعني كنت بفكر أشتريه عشان لما… عشان لما أخد خطوة الجواز وكده…”

“مبروك! البيت شكله تحفة بصراحة ومشوفتش زيه قبل كده هنا… شوف سعره كام وأشتريه على طول متستناش… المهم يعجبها هي…”

“ولازم يعجبك أنتِ كمان على فكرة أنتِ هتيجي تعيشي معايا لما أتجوز وأكيد ميرال مش هترفض حاجة زي كده هي بتحبك وهي برضوا عارفة أنتِ أيه بالنسبة ليا!”

“لا طبعًا يا حبيبي مش هينفع! ده هيبقى بيتك أنتَ وهي وهتبدأو حياتكوا مع بعض مينفعش يبقى في طرف تالت معاكوا… وبعدين ما أنتَ بتقول البيت قريب من هنا وأنا متعودة عالقاعدة لوحدي عادي ما أنا كنت بدرس في مدينة تانية لما كنا برا ولا أنتَ نسيت؟”

“مش هينفع يا أروى مش هقدر أبعد عنك ولا هكون متطمن عليكي، عمومًا أنا مش باخد رأيك أنا بقولك ولما فعلًا أقعد مع عمو أحمد عشان الإتفاقات هقوله عالموضوع ده.”

تحدث أنس بنبرة أقرب إلى الصياح وكأنه يحاول أن يحسم الجدل الدائر بينه وبين شقيقته لكنها أعترضت بنبرة حادة هي ايضًا في البداية قبل أن تتابع بنبرة أكثر هدوءًا:

“لا يا أنس من فضلك! أنا هعيش هنا في بيتك القديم وأنتَ هتعيش في الجديد مع ميرال وكل يوم هبقى أكلمك يا سيدي وسيب حراسة عالبيت زي ما أنتَ عايز لكن مش هقبل أني أكون عبء عليك وعلى ميرال…”

أطلقت أروى تنهيدة قوية وهي تنظر إلى تعبيرات أنس المُمتعضة حيث لم يبدو عليه الإقتناع بما يقوله لكنها لم تهتم وتابعت حديثها مُردفة:

“ده غير إن ميرال حتى لو قالت إنها موافقة عشان بتحبك فهي من جواها مش هتكون مرتاحة أنتوا هتبقوا عرسان من حقكوا تعيشوا سنكوا تخرجوا وتسافروا وتقعدوا براحتكوا ويبقى ليكوا الخصوصية بتاعتكوا أنا هبوظ كل ده…”

“أنا حاسس أني هبقى أناني أوي لو سيبتك خاصة بعد كل حاجة حصلت الحادثة وموت فريد والست اللي أحنا سايبنها في البيت التاني مع الدكاترة…”
“أنا اللي هبقى أنانية بجد لو وقفت في طريق سعادتك يا أنس وبعدين مش يمكن أنا كمان أتجوز Or do you think i will stay single forever ‘أو هل تعتقد بأنني سأبقى عزباء إلى الأبد’؟”

كانت أروى تتحدث بنبرة جادة وهادئة في بداية حديثها قبل أن تُنهيه بإسلوب ساخر بالرغم من أنها كانت تتحدث بشيء من الصدق فهي لا تنوي البقاء وحدها للأبد فهي تنوي العودة إلى العمل والإنشغال به حتى يجمعها القدر بشخصًا تحبه ويكون جيد كفاية لتبدأ معه حياتها.

في مساء الليلة التالية كانت تتجول أفنان في شوارع لندن الهادئة كثيرًا مقارنة بشوارع القاهرة، تحمل في يدها عدة حقائب تحوي الأشياء التي ابتاعتها هي ورحيم بينما يُمسك بيدها في حنان واضح وكلما لمح بعيناه طفلًا صغير يسير برفقة والديه لا ينفك يُفكر في كيف سيكون مظهر طفله أو طفلته هو وأفنان، فماذا لو أخذ الطفل لون بشرتها وابتسامتها الساحرة وتلك الحفرة في وجنتيها مع لون عيناه، خصلات شعر سوداء داكنة ستناسبه تمامًا ولربما كانت ملامح الطفل تميل إلى الملامح الغربية كجدته!

“عارف يا رحيم أنا عمري ما تخيلت إننا نعيش اللي أحنا عايشينه ده دلوقتي، أنا وأنتَ يجمعنا بيت ونبقى بنحب بعض… بصراحة لما شوفتك وأتعاملت معاك قولت الواد ده لعبي وبتاع بنات وملوش في الجواز بس أنتَ فاجئتني بصراحة!”

تحدثت أفنان معه بصراحة بينما كانت تقهقه بقوة، تبسم هو لثوانٍ كاشفًا عن أسنانه قبل أن يُردف:

“بصراحة أنا نفسي مكنتش متخيل! مش هقولك إن أنا كنت ناوي ألعب يعني لا بس مكنتش متخيل إن أنا ممكن أحب بنت لدرجة إن أنا أتهور وأروح اطلب ايديها وأعاند أهلي عشانها والدراما اللي حصلت أنتِ عارفة يعني.”

“وأي دراما الصراحة حاجة رائعة يعني! أنا بس خايفة لتندم في يوم من الأيام إنك اختارتني…”

“عمري يا أفي! أنتِ الحاجة الوحيدة الصح اللي اختارتها في حياتي… عارف إن حياتنا مش هتبقى سهلة ومش هتبقى وردي، عارف إن في اختلافات بينا وممكن في أوقات نشد مع بعض ونختلف وممكن نتخانق كمان لكن صدقيني يا أفي حياة صعبة معاكي أحسن بالنسبالي مليون مرة من حياة سهلة مع غيرك.”

كانت تستمع أفنان إلى كلمات رحيم الحنونة مع ابتسامة واسعة وهي تعلم يقينًا من داخلها أن حياتها برفقة رحيم ستزداد صعوبة وأن الحياة ليست وردية كما تصورها الأفلام الرومانسية والروايات ولكن طالما أنها برفقة رحيم لن تهتم لأي شخص أو أي شيء وما دامت حياتهم مُلونة بالحب، المودة والرحمة فإمكانهم تذليل كل العقبات…

بعد مرور ثلاثة سنوات كانت تجلس أفنان إلى جانب رحيم داخل سيارته الجديدة بينما يتجولون في شوارع الزمالك الهادئة ليلًا، توقف رحيم بالسيارة بالقرب من ‘كورنيش النيل’ ومن ثم قام بتوجيه نظره نحو زوجته الحبيبة بينما يقول:
“أفي تعرفي إن زي النهاردة من خمس سنين كنت قاعد مع ال HR ‘موظف الموارد البشرية’ بنضبط الأسئلة بتاعت Form ‘استمارة’ التدريب؟ زي دلوقتي من سنين كان القدر بيرتب الطريق اللي هنقابل فيه بعض… وأدي التدريب بتاع السنة دي خلاص قرب يبدأ.”

“الوقت عدى بسرعة أوي… مكنش سهل، كان مليان مغامرة وخناق… عياط… حب وحرب عشان نوصل لبعض بس الحمدلله في النهاية قدرنا نبقى مع بعض والقمر ده بقى معانا.”

أردفت أفنان بنبرة حنونة جادة وهي تُطالع عين الرجل الذي أحبته وقد ختمت جملتها وهي تُشير بحديثها إلى طفلها الصغير الذي أوشك على إكمال عامه الأول بينما تُقبل يده الصغير الناعمة.

“يارب طول العمر مع بعض يا حبيبي، المهم عايز أشوف ال schedule ‘جدول المواعيد’ بتاعي عشان أشوف هبدأ شرح معاهم أمتى.”

تمتم رحيم بينما يداعب صغيره لترمقه أفنان بحده وهي ترفع أحدى حاجبيها بينما تسأله مستنكرة:

“تعمل أيه يا حبيبي؟ لا أنسى أنا اللي هشرح ولا فاكرني هستنى تروح التدريب وتلاقي بنت مجنونة كده تقعد تتخانق معاك وفي الآخر تحبها؟”

“هو بصراحة You have a got point you’re actually crazy ‘لديكِ وجهة نظر جيدة/صحيحة أنتِ بالفعل مجنونة’ بس من وسط كل العاقلين والمجانين أنتِ بس يا أفي اللي مليتي قلبي وعيني.”

“بتحاول تثبتني بالكلام وفاكر إن الشويتين دول هياكلوا معايا؟ براڤو عليك أنا اتثبت فعلًا!”

“أنتِ Abnormal ‘غير طبيعية’ بجد!”

“حبيبي أنتَ بدأت تنسى؟ ما أنتَ لسه قايل من دقيقة إن أنا مجنونة… ما علينا بقولك أيه أنا من الصبح مش عارفة أوصل لميرال هتجنن.”

“جربي تكلميها تاني ممكن مسمعتش الموبايل، خليكي هنا هنزل اجيب حاجة نشربها وأجي تاني.”

أعلن رحيم لتومئ أفنان بهدوء ومن ثم تُمسك بهاتفها لتحاول الإتصال بميرال مجددًا لكنها لم تُجيب، عقدت أفنان بحاجبيها بإستياء شديد وفي تلك الأثناء كان صغيرها ‘يحيى’ قد بدأ في البكاء.

“استنى بس يا حبيب مامي أما اشوف خالتو ميرال مش بترد عليا ليه.” تمتمت أفنان وهي تتأفف بضجر ليدلف رحيم إلى داخل السيارة وهو يناولها عُلبة العصير بينما يقول:

“لو مش بترد كلمي أنس.”

“سندت على حيطة مايلة، هو أنس بيسمع أصلًا ولا بيرد عالتليفون؟! ده عايش في اللا لاند وأكيد العيال عمالين يصوتوا ومطلعين عينهم… ربنا يكون في عونهم بصراحة خلفة التؤام صعبة جدًا!”

“خلاص بلاش أنس، كلمي أروى اسأليها يمكن هي كلمتهم ولا حاجة.”

“يا حبيب قلب رمش عيني ركز شوية… أروى مين اللي هكلمها؟! أكلم البنت في ال Honeymoon أقولها أخوكي النوغة مش بيرد علينا ليه؟!”

علقت أفنان ساخرة ليرمقها رحيم بغيظ شديد وقبل أن يتفوه بحرفًا واحد وجدت أفنان شخص قد ظهر
من اللامكان وهو يصطدم بزجاج السيارة لتُمسك أفنان بصغيرها برعب شديد وهي تنظر إلى ذلك الفتى الذي يترنح يمينًا ويسارًا وفي يده سكين حاد بينما يُردف بنبرة متقطعة يصعب فهمها:

“انزل يالا أنتَ وهي وطلع اللي معاك…”

“أنتَ تاني؟!”

“لا سيبهولي أنا بقى المرة دي يا أفي!”

صاح رحيم وهو ينزع ساعة يده بينما يُزيح أكمام قميصه كاشفًا عن ذراعيه وهو يُغادر السيارة متجهًا نحو السارق المُشرد كي يبرحه ضربًا…

“بابي بقى شجاع أوي يا يحيى، ده عرف ياخد ال pocketknife ‘مطواة’ من عمو الحرامي…”

لقراءة باقي حلقات الرواية اضغط على : (في حي الزمالك)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *