روايات

رواية ندوب الهوى الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى الفصل الرابع عشر 14 بقلم ندا حسن

رواية ندوب الهوى البارت الرابع عشر

رواية ندوب الهوى الجزء الرابع عشر

رواية ندوب الهوا
رواية ندوب الهوا

رواية ندوب الهوى الحلقة الرابعة عشر

“القتل ليس بالضرورة أن يكون مفارقة الحياة، هناك طرق أخرى عديدة للقتل تنتزع روحك منك وأنتَ مازلت على قيد الحياة”
بعد أن أشرقت شمس اليوم واستيقظ الجميع مرة أخرى من بعد صلاة الفجر، ذهبت “مريم” إلى شقة “جاد” قبل خروجه للعمل وتحدثت معه هو وشقيقتها عما بدر وجعلتهم يرون تلك الرسالة التي أرسلها إليها لتكون بمثابة تهديد واضح حتى ترضخ لطلبه الحقير وتمحي “مريم” النقية النظيفة قارئة كتاب الله ولتكن أخرى ملوثة بسبب خوفها منه واستسلامها الباكر..
مؤكد أنها لن تفعل ذلك مهما حدث وحتى إن كانت ستموت على يده، لن توقظ داخلها شخصية أخرى غريبة عنها وتتوجه إليه والارتباط بشخص مجرم مثله لا يهاب أحد ويظن أن البشر شيء رخيص لدرجة لا يتوقعها أحد..
لم تخرج من المنزل اليوم خوفًا من أن يفعل معها ما هدد به وبقيت في الداخل على الرغم من أنها لديها محاضرات هامة ولكن لم تخرج..
ولحسن حظها أنه في نفس اليوم زف إليها “جاد” ومعه “سمير” أخبار ساره للغاية جعلتها تقفز من السعادة وهي في بيت شقيقتها حيث أن كل ذلك تم ووالدتها لا تعلم حتى لا تخاف وتقلق عليها وتفعل ما يفعله الأمهات بسبب خوفهن على بناتهن وأيضًا شقيقها لا يعلم ولا يهتم بأي شيء يخصها من الأساس.. فـ “هدير” في الآونة الأخيرة هي التي كانت تعطي لها أموال لتكن معها..
ألقت الشرطة القبض على ذلك المجرم الحقير بطريقة سهلة للغاية وقد وقع في فخهم الذي وضعوه للإمساك به، إنه هارب من حكم بخصوص التعدي على شاب بدون وجه حق وتسبب في عاهة مستديمة لديه، غير فتاة أخرى قدمت بلاغ للشرطة مثلما فعلت “مريم” بسبب تعرضه لها وقد خرج من البلد بطرق غير مشروعة أيضًا وتثاقلت على عاتقه التهم الموجهة إليه وغير ذلك أيضًا لم يستطيع “جاد” معرفته
لقد كانت فرحتها بهذا الخبر لا توصف حيث أكد لها “جاد” أنه لمن المستحيل الهروب من السجن وإن لم يفعل فلن يخرج إلا عندما يقضي عقوبته به..
شكرته كثيرًا وهي تبتسم بسعادة غامرة وقد قال لها “جاد” أنه بمثابة شقيق كبير لها كلما ارادته وجدته هنا ينفذ ما تريد ولكن “سمير” لم يعلق على شكرها إلا بكلمة أن هذا واجبة وقالها بثقة وتأكيد حتى أنها ظنت أن هناك علاقة بينهم وهي لا تتذكر بسبب هذه الثقة الكبيرة التي يتحدث بها!..
على أي حال لقد ارتاحت الأن وارتاح قلبها ووضعته في ماء بارد بعد تلك الفزعة التي داهمتها بسبب عودته مرة أخرى وقد ظنت في البداية أنه لن يبتعد إلا عندما ينال ما يريد منها أو أن يقتلها والقتل ليس بالضرورة أن يكون مفارقة الحياة، هناك طرق أخرى عديدة للقتل تنتزع روحك منك وأنتَ مازلت على قيد الحياة..
❈-❈-❈
وقف “جاد” جوارها في المطبخ بعد أن ساعدها في رفع أطباق العشاء من على السفرة وفعل بعض الأشياء البسيطة لمساعدتها لتكن بالنسبة إليها شيء لا يمكن تقديره أبدًا..
استند “جاد” إلى الحائط وثني إحدى قدميه يستند بها إلى الحائط خلفه ويده الاثنين يضعهم أمام صدره باحكام..
وكانت الأخرى تقف أمام حوض الغسيل لتغسل الأطباق وتضعهم في مكانهم مرة أخرى حتى تخرج لتجلس معه في الخارج قليلًا قبل أن يأتي معاد نومه..
فك “جاد” يده من أمام صدره ومد يده اليمنى إلى السفرة الصغيرة التي بالمطبخ أمامه وأخذ من عليها كوب الشاي، ارتشف منه قليلًا وهو ينظر إليها بزواية عينيه ثم ترك الكوب من يده وتقدم منها يقول بجدية:
-تعرفي أن فيه عريس اتقدم لمريم النهاردة من خلالي
وضعت الطبق على الرخام أمامها بعد أن قامت بغسله وأخذت غيره تفعل المثل، ارتفع حاجبها إلى الأعلى وسألته باستنكار:
-يا سلام واشمعنا من خلالك بقى
استند بجانبه إلى الحائط مرة أخرى واضعًا يده كما كانت أمام صدره وأجابها بجدية:
-تقدري تقولي صاحبي
وضعت الطبق الآخر ثم أغلقت الصنبور واستدارت بجسدها تنظر إليه بجدية واسترسلت في الحديث معه عن شقيقتها وما تريد:
-كل يوم مريم بيجيلها عرسان بس هي بترفض وبصراحة يا جاد أنا معاها في الموضوع ده.. دي لسه قدامها تلت سنين كلية لو شغلت نفسها بالجواز مش هتعرف توفق بينهم
رفع يده وأشار عليها بخفة وهو يعارضها بهدوء واضعها داخل المثال لتتقارن بشقيقتها وما تستطيع فعله:
-طب ما أنتِ أهو اتجوزتي وأنتِ في الكلية
انخفضت بجسدها للأسفل وهي تعدل تلك الأشياء الموضوعة أسفل رخامة المطبخ لتظهر بشكل جيد، أكملت حديثها معه موضحة حديثها بجدية:
-لا أنا غير مريم خالص أنا ممكن أوفق في أي حاجه مريم مش زيي أبدًا متقدرش، وبعدين أنا خلاص دي اخر سنة وكلها شوية واتخرج وكونك شايف إن مفيش مشكلة ده علشان أنا أصلًا مش بروح الكلية الأيام دي..
رفع نظرة معها وهي ترفع جسدها وتقف أمامه معتدلة وتسائل باستفهام مضيقًا عينيه عليها:
-يعني العريس ده لو اتقدم رسمي هترفض
مطت شفتيها للإمام دليل على عدم معرفتها وهي تسير معه للخارج للذهاب إلى الصالة ثم تساءلت هي الأخرى باستغراب:
-أنا مش عارفة… يعني أقصد إني مقدرش أقرر مكانها بس هو مين ده أصلًا
أجابها بتأكيد وثقة:
-سمير
جلس “جاد” على الركنية في الصالة وقام بتشغيل التلفاز بينما هي وقفت أمام الصالة ولم تدلف معه متمتمة باستنكار وضجر ويظهر على ملامحها الذهول:
-سمير!.. سمير ابن عمك؟..
ابتسم بغرابة وهو ينظر إلى رد فعلها، ما به “سمير”! لا يصلح للزواج أو ماذا! قال بنبرة ساخرة:
-أيوه مالك اتخضيتي كده
تقدمت وجلست جواره ولم يكن هناك شيء يفصل بينهما، نظرت إليه باستغراب شديد سيطر عليها فهي لم تكن تتوقع ذلك أبدًا ولم يوضح “سمير” هذا من قبل:
-بصراحة مكنش على بالي خالص إنه ممكن يفكر في مريم
رأته يقوم بالضغط على زر ريموت التلفاز وينتقل من قناة لأخرى غير مبالي تقريبًا بحديثها، وداخلها كان هناك أحبال سوداء تسيطر عليها وتنسج خيوطها الصغيرة بالداخل، نظرت إليه متذكرة متى بالضبط تقدم لخطبتها ويفعلون ذلك مع شقيقتها الآن!.. سألته بضيق وانزعاج مكبوت داخلها أظهرته على هيئة سخرية:
-وبعدين اشمعنا دلوقتي؟. ولا انتوا عيلة بتحب جبر الخواطر والشفقة
استدار بعيناه الرمادية ينظر إليها باستنكار شديد لما قالته وظهر الضجر على ملامح وجهه أثر حديثها وهو يدري إلى ماذا تريد أن تصل، عنفها بنبرة جادة وأكمل بتوضيح:
-ايه اللي بتقوليه ده بطلي هبل.. سمير بيحب مريم وعايز يتجوزها وطالبها في الحلال ومظنش أن فيه مشكلة في كده
مالت برأسها قليلًا بعد صمت ثم هاجمته بسؤال لم يكن متوقعه ولم تكن تتوقع هي أيضًا أنها ستتفوه به، سألته بنبرة حزينة ضائعة:
-وأنتَ يا جاد!؟
لم يفهم في البداية عن ماذا تتحدث فسألها وملامح وجهه تتكرمش:
-أنا ايه!.
ابتلعت ما بحلقها بجفاء وسألته مرة أخرى ولكن بقوة وهي ترفع رأسها إليه حتى لا تظهر أمامه تلك الضعيفة المنكسرة:
-كنت بتحبني وعايزني؟ ولا……
قاطعها “جاد” هذه المرة وكأنه اختنق من حديثها الخارج عن موضوعهم والذي أصبح أيضًا شيء أساسي في أي جلسة بينهم تتسائل عن أن كان يحبها حقًا أو لا:
-شوف بكلمها في ايه تقولي ايه.. أنتِ مجنونة ولا ايه يا هدير انسي بقى اللي في دماغك ده وخلينا نعيش الله يرضى عليكي
أخفضت عينيها عن رماديته بوجع وحزن لهربه ومراوغته وكأنه يرفضها بحديث لبق لين منه، ككل مرة يتحدث بها عن راحتهم سويًا في هذا الزواج فقط وكأنه يقول أن هذا الزواج سينجح بالمعاشرة ليس بالحب لأنه ليس موجود من الأساس:
-حاضر يا جاد… حاضر
سألها مرة أخرى عائدًا إلى أمر “سمير” و “مريم”:
-ها قولتي ايه
رفعت عينيها وحركتهما عليه متسائلة بغباء:
-في ايه
زفر بضيق وانزعاج منها ومن هذه الأفكار السوداوية التي تأتي برأسها عن حبه لها وزواجهم المفاجئ، هتف بحدة وضجر وهو يستدير ليجلس مقابلًا لها:
-في موضوع سمير ومريم لا إله إلا الله
أومأت إليه برأسها مؤكدة بحزن ومازلت داخل تلك القوقعة:
-حاضر.. حاضر يا جاد هشوف مريم كده الأول وبعدين ماما وأقولك
أمسك كتفيها الاثنين ضاغطًا عليهما بقوة، نظر إليها وتفاحة آدم تتحرك بعنقه بعد أن ابتلع ما بحلقه ليتحدث معها برجاء ولين والصدق ينبثق من كلماته ونظراته ناحيتها:
-انسي اللي في دماغك ده علشان خاطري.. امسحيه وكأنه مش موجود أنا قولتلك بدل المرة ألف أنا معاكي وعايزك وأخدتك بإرادتي وأنا اللي طلبتك والله يا هدير صدقيني..
أومأت إليه وابتسمت ابتسامة زائفة وحركت رأسها مُجيبة إياه بجدية:
-مصدقاك يا جاد
كان واضح له أنها مازالت تفكر وأن تلك الابتسامة زائفة فهو لن يعرفها الآن، بل هو يعرف كل تفاصيلها وإن كانت تكذب أم تتحدث بصدق، إن كانت سعيدة أم حزينة.. هو ليس أبلة بل يعلم كل شيء، ضغط على كتفيها أكثر وأردف بمرح ومزاح:
-طب بما أنك مصدقاني اثبتيلي بقى أنا عايز إثبات
نظرت إليه بغرابة وهي تحرك عينيها عليه متسائلة:
-أعمل ايه يعني
غمزها بعينه الوقحة في هذه الأوقات فقط ومعها هي وحدها، فهو بالخارج الشاب الخلوق الشهم ابن البلد الذي لا يخرج منه الخطأ، أردف بخبث ومكر لكي يجعلها تتناسى ما حدث:
-تعالي نلعب عريس وعروسة زي العيال الصغيرة
رفعت حاجبها وتساءلت باستغراب كلي وسخرية واضحة من كونه سيفعل مثل الأطفال، وهو كل تعابيره تشير إلى شيء آخر لا ينتمي إلى الأطفال أو حتى المراهقين أو أي فئة غير المتزوجين:
-وأنتَ هتلعب ببراءة العيال الصغيرة بردو
مط شفتيه للأمام بمرح وهو يترك كتفيها ووضع كف يده يقرص وجنتها:
-عيب عليكي
امتنعت وهي تقف على قدميها بضيق وقد كان هذا واضح للغاية، ربما هي لا تستطيع التخلص من الأفكار التي تتلاعب داخل عقلها الآن عن كونه لا يريدها من الأساس، لقد حاولت أن توقفهم ولكنها لا تستطيع، أردفت بجدية وهي تذهب من أمامه:
-مش هينفع النهاردة معلش
نظر إليها وهي تذهب من أمامه وظهر عليها التخبط والتشتت أيضًا وهذا أحزنه بشدة لقد مرت أيام فقط على زواجهم حتى لم تكتمل لتكون أشهر وبدأت الآن هذه الأفكار بالتلاعب بها.. لو ذهب إليها الآن واعترف أنه يحبها ستقول أنه يشفق عليها ويفعل ذلك حتى لا يأتي بالمشاكل في حياتهم إنه يعرف كيف تفكر..
رفع صوته عندما رآها تبتعد تريد أن تدلف إلى الداخل وقال بنبرة رجولية جادة:
-هدير اعقلي واطردي الأفكار دي من دماغك.. أنا جوزك، معاكي وعايزك وشاريكي بلاش تخلي الأفكار دي تخرب بينا وخلينا نعيش مرتاحين زي أي اتنين
أكملت طريقها إلى داخل غرفة النوم بعد أن استمعت إلى هذه الكلمات منه، منذ يوم الزفاف وهي تحاول أن تبعد هذه الأفكار حقًا حتى تنعم معه ببعض الهدوء والراحة وأفعاله وحديثه معها يوضح أنه يحبها ويريدها، وعندما يكون معها في لحظة خاصة يظهر كم يشتاق لها ويحبها، يظهر كم الشغف المكنون داخله تجاهها والذي لا يستطيع كبحه عنها..
ولكن مازال لا يتحدث ويعترف أنها يحبها!.. ربما سيفعل أو ربما يجب أن تعيش معه بعض الوقت الآخر لكي يتحدث بشيء هام ومصيري كهذا..
ربما هي هكذا معها حق، عليها بالانتظار والتحلي بالصبر فقط لبعض الوقت وسترى إن كان يحبها حقًا أو لا..
❈-❈-❈
تحدثت “هدير” مع شقيقتها عبر الهاتف لتأتي إليها وتتحدث معها قليلًا بشيء هام..
جلست “مريم” أمامها على الأريكة بغرفة الصالون وهي تستمع إلى حديثها الهادئ:
-مريم أنا عارفه إنك خلاص مبقتيش صغيرة ودلوقتي أنا حابة أتكلم معاكي بصراحة عن موضوع مهم بس ياريت لو فيه حاجه أنتِ مخبياها عني قوليهالي.. أنا أختك وبخاف عليكي أكتر من نفسي وعايزه سعادتك
استغربت من هذه المقدمة التي قالتها شقيقتها ولكنها على أي حال ابتسمت وهي تؤكد حديثها برقة:
-طبعًا يا هدير أنا عارفه أنك واخده دور كبير في حياتي وشايله همي كله..
عادت بظهرها للخلف وهي تجلس براحة أكثر كي تتحدث معها دون عائق وتسترسل معها في الحديث قائلة ما لديها، سألتها ببساطة ووضوح:
-طب قوليلي أنتِ مشاعرك ايه من ناحية سمير
ابتلعت “مريم” ما وقف بجوفها بعد هذا السؤال الصريح منها وكررت اسمه باستنكار:
-سمير؟..
مرة أخرى تومأ إليها ببساطة مؤكدة:
-أيوه سمير
تساءلت مريم باستغراب كلي عن سؤالها الواضح بخصوصه، ليس هناك أحد يعلم بمكنون قلبها ناحيته ولم تفعل شيء يظهر ما تخفيه داخلها له إذًا؟!:
-هو أنتِ ايه اللي خلاكي تسأليني عنه
تقدمت “هدير” بجسدها للأمام لتقترب من وجه شقيقتها وتدقق النظر إليها مردفة بجدية:
-جاوبيني بصراحة وأنا هقولك كل حاجه..
ترددت كثيرًا في اخبارها ولكنها طلبت منها البوح ولا تخفي عنها شيء، نظرت إليها بتردد وحركت عينيها على وجهها وهي تنظر إليها تراها منتظرة إجابة منها، زفرت بهدوء وأجابتها سريعًا لتتخلص من ذلك العبء:
-بصراحة… بصراحة أنا بحبه، بحبه وبدعي في كل صلاة إنه يكون من نصيبي وليا في الحلال
دققت النظر إلى وجه شقيقتها الصغيرة وهي تراها تعترف بذلك الحب الذي تكنه له فتساءلت بجدية شديدة:
-أنتِ بتكلميه يا مريم!..
سألتها الأخرى باستغراب ولم تفهم مقصدها:
-بكلمه إزاي مش فاهمه
أشارت “هدير” بيدها وهي توضح قائلة:
-بتكلميه في التليفون أو راسمين علاقتكم مع بعض
أدركت مقصدها فأردفت سريعًا تنفي ما تتحدث به وتعتقده داخلها:
-لأ أبدًا والله يا هدير أنا عمري ما أعمل كده.. هو طلب رقم تليفوني علشان يكلمني بس أنا رفضت وعمري ما كلمته غير في الشارع أو السطح
استنكرت “هدير” حديثها عن السطح، لما تقابله عليه؟ وأردفت بحدة مرددة نفس الكلمة بضجر:
-السطح؟..
تقدمت “مريم” هذه المرة وهي تحاول أن تجعل شقيقتها تتفهم ما تريد قوله، ضيقت ما بين حاجبيها وأردفت موضحة:
-متفهميش غلط أنا كنت بشوفه صدفة فكنا بنتكلم عادي ومكنتش بطول أنا كنت بنزل على طول
مسحت على وجهها وهي تدرك أن هناك كثير من الأمور غفلت عنها في حين اهتمت بـ “جاد” ونفسها، سألتها مُجددًا:
-طب وأنتِ حاسه بايه من ناحيته الفترة دي.. أقصد يعني زي ما انتوا وهو على وضعه ولا متغير
مطت شفتيها بتردد وحركت رأسها بقلة حيلة وهي تتذكر آخر أفعاله معها لتفصح عنها قائلة بتشتت:
-بصراحة لأ هو متغير أوي بيلمح بكلام غريب مالوش غير معنى واحد ودايمًا لما يبص عليا لو في الشارع يفضل باصص ويتابعني أوي بقاله فترة متغير فعلًا وبيحاول يقرب مني
أدركت “هدير” أن رفض شقيقتها للزواج ليس الدراسة كما تظن وكما تقول هي، بل إنه السبب “سمير” إذًا!..:
-بس يا مريم اللي أنا أعرفه أنك مش عايزة عرسان علشان الكلية معنى ذلك أن السبب الحقيقي هو سمير
نفت ما تحدثت به وما تظنه داخل رأسها فـ الدراسة أيضًا سبب مهم لمنعها ذلك الأمر الآن، اتسعت عينيها العسلية المماثلة لشقيقتها وهي تُجيب:
-لأ والكلية كمان والله أنا لسه قدامي تلت سنين مش هينفع أفكر في الموضوع ده خالص
رفعت “هدير” أحد حاجبيها وتشدقت بخبثٍ قائلة:
-حتى لو سمير اتقدملك!
لم تستوعب الأخرى ما الذي أردفته شقيقتها الآن، أردفت بدهشة وذهول متسائلة كأنها لم تستمع:
-ايه؟!
أعادت “هدير” حديثها مرة أخرى بتروي وهدوء والخبث احتل نبرتها والمكر عبث بنظراتها نحو شقيقتها أكثر بعدما رأت ردة فعلها:
-حتى لو سمير اتقدملك
صمتت ولم تتحدث وكأنها تحاول استيعاب ما تقوله لها، كيف تتسائل عن هذا وهو لم يتجاوز أي شيء معها سوى نظرات وكلمات من خلف الجدار، أكملت “هدير” بعبث وهي تتسائل:
-أفهم من كده إننا نرفضه!
صاحت “مريم” بعينين متسعة ووجه أحمر بسبب ما تستمع إليه لا تدري أهذا خجل أم غضب أم ماذا:
-ترفضوا مين!
أجابتها “هدير” بحنق وضجر مصطنع موضحة الذي لم تقوله إلا الآن:
-سمير.. مهو متقدملك، الله اومال أنا بقول ايه من الصبح
وقفت “مريم” بلهفة وانتقلت لتجلس جوارها على الأريكة المقابلة، أمسكت يديها الاثنين وأردفت بعدم تصديق:
-أنتِ بتتكلمي بجد!. يعني هو اتقدملي بجد عايز يتجوزني وكده
صاحت بتذمر واقتضاب وهي تشاهد عدم تصديق شقيقتها:
-اومال هياخدك يربيكي طبعًا هيتجوزك
ابتسمت “مريم” بسعادة غامرة واتسعت ابتسامتها أكثر وأكثر كاشفة عن أسنانها البيضاء ولمعت عينيها العسلية بفرحة شديدة ثم أردفت بنبرة واثقة ملهوفة:
-موافقة… موافقة طبعًا، أكيد
نظرت إليها “هدير” ترى فرحتها وسعادتها اللامتناهية عندما علمت أنه يريدها حقًا وأزالت أي مانع كانت تتحدث عنه عندما علمت أنه هو من يهواه قلبها، فتحت لها ذراعيها لترتمي داخل أحضانها وهي تبتسم بسعادة غير مصدقة أنه شعر بحبها له، شعر أنه يحبها هو الآخر ويريدها معه وله!.. كيف حدث ذلك!..
ربتت “هدير” على ظهرها بفرحة متسائلة بعتاب:
-بقى كل ده ومتقوليليش يا مريم.. يا ترى بقى كنتي مكسوفة ولا خايفة
خرجت من أحضانها ونظرت إليها بخجل ووجهها تلون بالحمرة مرة أخرى وأردفت مُجيبة إياها بهدوء وخجل:
-مكنتش خايفة ولا كنت مكسوفة إني بحب بس كنت مكسوفة إني أجي أقولك أنا بحب واحكيلك حواديتي وأنتِ طالع عينك علشانا.. كنت حاسه إني أنانية
أجابتها وهي تبصرها بتدقيق وتتحدث بعمق وهي تتذكره هو، تتذكر هروبه الدائم وعدم مصارحته بحبه لها وكأنه يبخل بفرحتها:
-لأ يا مريم الحب مالوش دعوة بأي حاجه في الدنيا دي، بيجي من غير معاد في شخص القلب اللي بيختاره.. حاجه مالكيش دخل فيها إذا طلع بيحبك خير وبركة
استرسلت مكملة بضعف والحزن يظهر على ملامحها الرقيقة وكأنها أصبحت شفافة فجأة لمن أمامها:
-وإذا لا يبقى هتعيشي حزينة طول حياتك ويسلام بقى لو اتجوزك وهو مش بيحبك… يبقى يا حِزن الحِزن على رأي اللي بيقول
بعد أن رأتها هكذا أتى بخلدها أن “جاد” ربما لا يظهر حبه إليها أو… أو لا يحبها من الأساس، تساءلت بخوفٍ وضيق:
-هو الاسطى جاد…..
بترت سؤالها عندما رأت لمعة عينين شقيقتها على ذكر اسمه، ونظرة اللهفة والشغف الذي ظهر فجأة دون مقدمات..
سألتها هي هذه المرة:
-ماله!
حركت رأسها يمينًا ويسارًا مردفة بجدية شديدة وهي تنفي حديثها كأنها لم تتحدث من الأساس:
-لأ لأ مافيش
علمت “هدير” ما الذي تفكر به “مريم” وقاربت على قوله لذا تحدثت بحب وابتسامة عن زوجها الرجل الذي يحمل الاحترام والمعاملة الطيبة داخله:
-جاد مفيش منه يا مريم.. حنين وجدع وطيب وصايني ومعيشني متهنية ومش مخليني محتاجه أي حاجه.. ياختي يارب سمير يبقى زيه
أكملت أخر حديثها وهي تبتسم بمرح ومزاح معها لتبتسم الأخرى مرددة بالدعاء أن يكون “سمير” مثل ابن عمه وتتحدث عنه هكذا بنفس لمعة العنينين هذه..
-يارب
❈-❈-❈
مرت أيام قليلة عليهم ببطء غريب لأول مرة يشعرون به وكل منهم داخله صراع مع نفسه يحاول أن يقرر أن كان هذا أو ذاك!..
ومن كان حقًا يحارب وساوس وأفكار خبيثة تحمل بين طياتها مرض شرس يؤدي إلى الوفاة بعد ثلاثون دقيقة متتالية، “هدير” زوجة “جاد الله أبو الدهب” حبيب عمرها وأول من وقعت عينيها عليه، أول من أبصرت على رجولته وقوته، شهامته وأخلاقه، عنفوانه المخفي وروحه الجميلة المرحة..
ألا تدرون أن بعد كل ذلك هو سبب هذه الوساوس؟.. ألا تدرون أنه يقتلها ببطء بسبب ذلك الكتمان الذي يعتمد عليه ولا تدري لما!
أحبته وبشدة، دعت وبكت، تخلت وتركت، أبتعدت ثم أقتربت منه هو وحده، ولم تفعل هذا إلا عندما تقدم هو أولى الخطوات، إذًا لم تأخذه من نفسه عنوة، لم تلقي كرامتها عليه بل هو من أتى منذ البداية..
لما يفعل كل ذلك إذًا!.. لما لا يتحدث ويلقي ما يخفيه داخل صدره معترفًا بحبه لها قائلًا قصائد وأشعار متغزلًا في عينيها العسلية الصافية!.. لما يخفي حبه أهو يراه عيب! يراه مُحرم! تُرى ماذا يرى الحب؟ أهو يراه شيء نقي غريب حساس يفتعل أجمل الذكريات ويشعرنا بألذ المشاعر!..
أم يراه السخف والضعف والخيبة، يراه الغباء والفراق والألم الذي حل عليها بسببه؟..
لن تنكر أنه بعد كل ذلك يصدر أروع الكلمات في حضرتها، ويتزغل بها حقًا بينما خلفهم خلفية رومانسية وأمواج تتضارب بها معه، وأيضًا لن تنكر أنه يمتلك نظرة داخل رمادية عينيه لا تبصر أحد سواها منه وتعبر عن كل ما كنه داخله وربنا لو أن هناك غيرها لاكتفت بها فهي نظرة دافئة حنونة ناعمة محبة إلى أبعد حد، من تأخذها من عاشق ليس لها الحق بأن تطالب بالحديث والاعترافات ولكنها غير!.
أنها غير الجميع مازالت تريد الإعتراف الذي يعدل خارطة حياتها ويضبط طريق زواجها ومن ثم بعدها تبادله ذلك وتعترف أنها تعشقه منذ عامين وأكثر!..
شيء واحد يمنعها عن فعل ذلك ليس ذلك العقل الذي يفكر بكثرة ويأتي إليها بالصداع النصفي ضاغطًا عليها ملقيًا برأسها أبشع المشاهد بينهم، وليس قلبها الرقيق الذي ينبض به ويريده على أي حال سوى أن تحدث أو لا، إنه كرامتها، كرامتها التي صانتها منذ أن خرجت إلى العالم بصدر رحب لتسير على سطوره الغبية..
ستحاول مرة أخرى أن تصبر وأن تخفي تشتتها وضعفها واستحواذ تفكيرها على كامل وقتها ومعه..
وقفت أمام المرآة في غرفة النوم تنظر إلى نفسها برضا تام بعد أن انتهت من ارتداء ملابسها المكونة من فستان وردي اللون به نقاط بيضاء كما جميع فساتينها المحتشمة الجميلة والتي تعطيها رونق خاص بها وحدها يجعلها أجمل من الجميع في عين أي شخص يراها، فستان صدره محكم عليها يهبط باتساع بسيط به ثلاث خطوت ملونة على بعد مسافة واحدة تظهر بشكل رائع عليها..
أمسكت بالحجاب ذو اللون الأبيض كما الحذاء المفتوح من الأمام قليلًا وبه كعب صغير للغاية، وضعت الحجاب على خصلاتها المغطاة بآخر أصغر منه وبدأت في لفة بهدوء لتستعد للخروج معه إلى عرس أحد أصدقائه من الحارة..
دلف هو من الخارج حيث كان في غرفة الصالون يقف في شرفتها يتحدث غير الهاتف، نظر إليها نظرة شاملة من الأعلى إلى الأسفل والعكس مرة أخرى ليرى هيئتها البهية أمامه والتي جعلته يبتسم لرقتها وجمالها المعهود، ولكن لم يعجبه شيء واحد وازعجه بشدة جعل عينيه الرمادية ينخفي بريقها اللامع تجاهها..
تقدم ليقف خلفها ولم يترك أي مسافة بينهم بل تقدم منها معانقًا إياها من الخلف عندما وضع يده الاثنين على خصرها يقربها منه، واتكأ بذقنه النابتة على أحد كتفيها ناظرًا إليها عبر المرآة، أبعد شفتيه عن بعضهما وهو يقول بهدوء:
-عايز أطلب منك طلب
بادلته نظرته عبر المرآة ولم تطول في الرد بل كانت سريعة للغاية مؤكدة عليه:
-أكيد طبعًا
أتى طلبه بهدوء شديد ومازال يقف كما هو ليقع عليها الاستغراب والاندهاش منه:
-غيري الدِرس
وضعت يدها على يده الاثنين تبعدهم عنها لتلتف تنظر إليه وجهًا إلى وجه بعد ذلك الاستغراب الذي وقع عليها:
-ليه!. وحش؟
أشار بعينيه إلى صدر الفستان والذي ازعجه وبشدة، وأطاح بعقله أيضًا بسبب أنه محكم على مفاتنها يظهرها بوضوح لمن يراها به وهذا ليس بجيد أبدًا وهي لا تفعل ذلك ولم يراها يومًا ترتدي شيئًا غير المحتشم الفضفاض ويعلم أيضًا أن هذا جهاز العروس الجديد والذي ربما لم تختاره هي..
نظرت إلى صدر الفستان البارز أمامها، استدارت ونظرت إلى المرآة مرة أخرى تدقق به وهي تلوي شفتيها ووجدت أنه معه حق، هي لم تلاحظ أنه يبرز مفاتنها بهذا الشكل البشع بل أخذته من الخزانة وهي تفكر به.. معذب فؤادها..
استدارت ونظرت إليه مرة أخرى قائلة بجدية وهدوء:
-عندك حق، أنا ماخدتش بالي
نظر إليها برضا تام وأعتقد أنها ستعانده كما تفعل منذ يومين وابتسم بسعادة بالغة وهو يراها تذهب إلى الخزانة مرة أخرى لتخرج شيء غيره وترتديه..
أتت ناحيته بعد أن اختارت غيره وأخذته في يدها، أوقفها أمامه وأخذ منها الفستان ملقيًا إياه على الفراش وداخله يشكرها على أن هذا الشيء بالنسبة إليها ليس به عناد أو مزاح..
لا تفضل أبدًا الملابس الضيقة الكاشفة عن الجسد حتى وإن كانت تغطية، يعلم بذلك منذ وقت طويل وعلم أكثر منذ فترة قصيرة، ترى نفسها وكأنها تعرض على الجميع شيء مجاني وعليه ذنوب تكتب لتكن بانتظارها وقت الحساب..
أمسك بها “جاد” واضعًا يده اليمنى على وجنتها والأخرى تحتضن خصرها الذي قربه أكثر إليه لتكن هي بالقرب منه تقابله بوجهها ويفصلهم عن بعضهم أنفاسهم المتناثرة..
أردف “جاد” بنبرة رجولية خشنة تحمل داخلها الحنان الذي يشع من عينيه وكلماته:
-ربنا يخليكي ليا
حرك إبهامه جوار شفتيها قبل أن يبتلع تلك الغصة التي وقفت بحلقه معبرًا عن كم احتياجه لها كـ “هدير” زوجته الطبيعية البعيدة عن ذلك التشتت، أقترب بوجهه أكثر منها وداخله رغبة جامحة تحدثه بالاقتراب أكثر وقد فعلها..
وضع شفتيه على خاصتها ببطء وهدوء عندما رآها تغمض عينيها بضعف وقلة حيلة وكأنها راغبة به أيضًا وذلك الرفض داخل عقلها فقط يجلس مع تلك الأفكار المدمرة، تمتع بتلك القبلة وهو يغمض عينيه الرمادية أخذًا منها أقل بكثير مما يستحق ولكن له الصبر كما لها وعاجلًا سيعترف بكل شيء إن كان هذا ما تريده..
تركها بعد لحظات لتأخذ أنفاسها الضائعة منها ونظرت إليه بشغف كبير يغلف نظرتها نحوه، أبتعدت بعد أن ابتسمت إليه بحب وهدوء وتركها هو تبتعد لتبدل ملابسها وتنتهي سريعًا حتى يذهب للعرس..
❈-❈-❈
“اليوم التالي”
مال “جاد” على الصندوق الأمامي لإحدى السيارات عنده بالورشة عاملًا على تصليحها، ووقف جواره “طارق” الذي استصعب عليه فعلها فاستعان بـ المهندس الماهر الخاص بهم، لحظات وارتفع “جاد” بوجهه المتعرق، نظر إلى “طارق” وهتف بعملية شديدة:
-كده فُله يسطا طارق
ابتسم الآخر ومد يده يأخذ منه المفتاح الذي أعطاه إليه “جاد” وتقدم بعد ذلك إلى ركن بعيد في الداخل به حوض غسيل، وقف أمامه وفتح صنبور المياة وأخذ يغسل يده ثم أخذ حفنه كبيرة بين كفيه الكبيرين وألقاهم على وجهه مرتين متتاليتين، وقف أمام الحوض ورفع عينيه إلى هذه المرآة الصغيرة المعلقة على الحائط..
ربما هو الآخر يحتاج إلى تصفية ذهنه مثلها والتفكير بهدوء ليستطيع فهم ما الذي سيفعله معها، إنها تصعب عليه الأمور عندما تفعل ذلك معه تبتعد بنظراتها وحديثها يعلم أنه ليس بيدها بل يرى أنها تحاول أن تكن معه ولكن لا تفلح في فعل ذلك..
الذي جعله لا يتحدث ويعترف بحبه الذي مر عليه أربع أعوام هي! هي من جعلته يكتم ذلك داخله بسؤالها المستمر عن لما أتى لخطبتها واعتقادها الدائم أنه فعل ذلك لينقذها من “مسعد” والتخمين الأكبر لديها أنه ليرضي والده!.. غبية ألا تعلم أن والده لم يكن راضي!..
لو تثبت إليه ثقتها به، لو تثبت إليه أنها تريده، لا يريدها أن تتحدث..
وقف عند تلك النقطة وعاد يلقي المياة إلى وجهه ثم رفع عينيه إلى المرآة مرة أخرى وناقض حديثه السابق لأنه داخله يعلم أنها تريده.. نظراتها وحديثها وسؤالها الدائم عن رضاه عن هذه الزيجة..
كل شيء تفعله يقول أنها تريده وتحبه أيضًا لن ينكر أنه قرأ هذا في عينيها كثير من المرات والأكثر عندما يرى خيباتها وحزنها وهو يراوغ في الحديث..
سيبادر، سيتحدث في أقرب وقت وسيقول كم يحبها ومنذ متى أيضًا ولكن سينتظر إلى أن تعود كما كانت في بداية زواجهم لأنه يعرف إن تحدث الآن ستقول أنه يشفق عليها ولا يريدها حزينة لأنه على أخلاق عالية ويريد الإهتمام بزوجته كما أمره الرسول الكريم (ص)، أو ستقول أنه لا يريد أن يخرب حياتهم وهي في البداية لذا يتحدث هكذا، أنه يعلم كيف ستفكر لذا عليه بالانتظار قليلًا وسيقول كل شيء لينال حبها وعشقها له، لينال كل شيء منها دون شك يتبادلونه في تلك الأفعال…
أبتعد “جاد” عن الحوض بعد أن ارتسمت بسمة صغيرة على محياه جعلته وسيم إلى أبعد حد وهو بذلك البنطال الرمادي الضيق وهذا القميص الأبيض الداخلي الذي يبرز عضلات صدره وجسده الرياضي الضخم مع طوله الفارع الذي لا يتناسب معها أبدًا بقصر قامتها..
ذهب إلى الأمام ليقف جوارهم ثم استمع إلى صوت ابن عمه المرح قريبًا منه ورآه يدلف إلى الورشة بسعادة أصبحت ترافقه دائمًا، ولما لا فقد أخبره “جاد” بموافقة عروسه والذي أخبرته بها زوجته شقيقتها..
أقترب منه “جاد” على باب الورشة وصاح بمرح ومزاح وهو يغمز إليه بعينه فاردًا ذراعه إليه والجميع يستمع ويشاهد داخل الورشة:
-هو فيه ايه بقى يا ابن أبو الدهب أنتَ معندكش شغل ولا ايه كل شوية تنط هنا وسايب شغلك ومحلات أبوك وأبويا… الله
أقترب منه “سمير” أكثر ووضع يده على عنق “جاد” من الخلف بحدة يقربه منه وأردف مُجيبًا إياه بغيظ وهو يضغط على أسنانه وصوته خافت:
-أفتكر أنك كنت كده في يوم من الأيام ولم دورك علشان مفضحكش
ارتفع صوته وهو يبتعد عن “جاد” إلى الداخل ويقول بشغف ظهر عليه ونبرة لعوب تخللت به:
-مشتاق يسطا جاد واللي زيك مايعرفش الاشتياق ما أصلها خلاص جبرت معاك
تهكم عليه “جاد” وهو يبتعد إلى الخارج ضاحكًا بقوة:
-مشتاق لمين بالظبط! طارق ولا حمادة؟.. أصل دخلتك عليهم دي مش سليمة.. ولا يكونش عبده
نظر إليه بغيظ وضيق ظهر على ملامحه وقال بسخرية:
-دي أشكال يتبصلها يسطا جاد.. دا ربنا يكون في عون كل واحدة هتتجوز واحد من دول
تابع حديثه وهو ينظر إليهم واحدًا تلو الآخر:
-ما تفك ياض منك ليه انتوا مالكوا زي اللي مايتلكم ميت
ضحكوا عليه بينما يتابعون عملهم، يعلمون من هو “سمير” هو دائمًا هكذا يأتي إلى هنا ليوزع عليهم الابتسامات ويمطر مطر صناعي يحمل إليهم السعادة..
هتف “جاد” من الخارج وهو يجلس على أحد المقاعد أمام الورشة:
-تعالى ياعم أقعد وسيبهم شغالين
تركهم “سمير” وذهب إلى “جاد” الذي صاح مرة أخرى بصوتٍ عالٍ إلى “عيسى” العامل بالمقهى الشعبي على الناحية الأخرى جوار منزل والده وبينهم منزلين وشارع متفرع:
-خمسة شاي يا عيسى
استدار “سمير” بجذعه العلوي بعدما جلس على المقعد جوار “جاد” وهتف بسخرية إليهم:
-ابسطوا عطف عليكم أخيرًا بشاي أهو
كاد أن يأتي الرد من “جاد” ولكن قاطعه أبغض شخص على قلبه، أبغض شخص يريد العقاب على كثير مما فعله ولكنه لا يستطيع فعلها ولن يفعلها فهو إذا وضعه بين يديه سيخرج جثة هامدة..
-ما تخليهم سته شاي يسطا جاد ولا أنتَ بخيل زي ما بيقول ابن عمك
وضع “جاد” قدم فوق الأخرى وظهر جسده الضخم وبنيته القوية أمامه ثم أردف بسخرية:
-آه بخيل وبخيل أوي كمان
نظر إليه “مسعد” بخبث وأردف قائلًا بمكر محاولًا العبث معه:
-تؤ تؤ لازم تحاول تبقي سخي شوية علشان اللي جاي في السكة
رفع “جاد” رماديتيه عليه بتركيز بعد أن بادل ابن عمه النظرات الضاحكة:
-اللي جاي محتاج كتير ولا ايه
أومأ إليه بتأكيد وثقة وهو يعتدل في وقفته:
-اومال.. كتير أوي كمان
أردف “سمير” هذه المرة بسخرية وتهكم واضح ونبرة لعوب مضحكة ليستفزه:
-وده يطلع ايه بقى إن شاء الله ياعمي مسعد.. معلش بس أصلك كبير عليا لازم احترمك
تضايق بشدة من حديث هذا الأبلة ولكنه أخذ نفسًا عميقًا ونظر إلى “جاد” بتمعن يريد أن يرى أثر القنبلة التي سيلقيها عليه الآن، نظر إلى الأعلى وهو يعلم أنها تقف تنظر عليهم، أعاد نظرة إليه وقال بوقاحة:
-بتسألوا كأنكم مش عارفين.. هي مش برنسس الحارة هتجيب نونو قريب ولا ايه.. اوعى تكون معملتش الواجب معاها تبقى عيبه في حقنا
وقف “جاد” فجأة عن المقعد بحدة وصدره يتضاخم بقوة وكأن النيران الذي أشعلها “مسعد” بحديثه ستخرج إليهم الآن وستحرقه وحده، وقف “سمير” سريعًا يقبض على يده حتى لا يفعل شيء يندم عليه..
وكان جاد داخله مقرر أنه لن يفعل شيء، لن يعطي فرصة لأهل الحارة بالحديث عنه وعن زوجته وهناك رجل بالمنتصف يشوه صورتها ويجعل الجميع يتحدث عنها..
ضغط على أسنانه بحدة وعصبية شديدة ظهرت عليه وهو يتقدم منه ليقف لا يفصل بينهم شيء وهتف بجدية تامة وحدة:
-وقسمًا بالله أنا خايف عليك مني، أنتَ فاهم إني سايبك طايح كده ليه؟.. ده علشان أنا لو مسكتك هفعصك زي الصرصار تحت رجلي ومش هيبقالك عندي ديه.. وعيالك يتشردوا ومرتاتك يترملوا وأخد أنا ذنب واحد وسخ زيك وربنا يحاسبني عليه وهو أصلًا ميسواش
رآه يقف ولم يبدي أي ردة فعل سوى أنه ابتسم لجعله يثور هكذا عليه وهو بطبعه هادئ لا يغضب سريعًا، وهنا “جاد” قرر اللعب به ويجعله يبتسم أكثر ولكن على طريقته:
-صحيح.. هو أنتَ لسه معرفتش مين اللي كسر المحل وكسر مناخيرك معاه
أجابه “سمير” وهو يضحك بقوة والسخرية تهبط من حديثه أمامه وهو يهينه بهذه الطريقة:
-دول بيقولوا يا ابن عمي أنها خبطة جامدة أوي.. زي ما يكون حد بيحبه وكان عايز يجامله بس حسبها غلط
ابتسم “جاد” وهو يبادل ابن عمه الضحكات القوية ثم نظر إلى “مسعد” الذي يقف على جمر مشتعل أسفله، جلس مرة أخرى ووضع قدم فوق الأخرى كما السابق وأردف مُجيبًا إياه:
-زينا كده يعني… عايزين نجاملك تاني بس المرة دي هتبقى الحسبة مية المية
وجدوا أن “عيسى” يتقدم بصينية الشاي فأردف قائلًا بجدية وهو يشير إلى الداخل بعد أن وضع على الأرضية كوبين من الشاي:
-دخل دول للرجالة جوا
أكمل بسخرية وتهكم وهو ينظر إلى ذلك الغبي الذي يقف أمامه:
-ابقى خد عمك مسعد في إيدك وصله أصله ياعيني كبر وخرف ومش عارف يوصل محله
نظر إليه بقوة وكره شديد وظهرت الغيرة والحقد بعينيه من كونه أخذ ما كان يريد وطاب بين يديه، رفع إصبعه السبابة بوجه “جاد” وقال بتهديد وقوة:
-هتندم يا ابن أبو الدهب
لم يعطي له الفرصة ليجبب بل رحل سريعًا عنهم وهو غاضب مشتغل بالنيران من حديث “جاد” وسخريته عليه هو وابن عمه، يسير وكأنه يسير على جمر، تعهد داخله بالنيل منه وقريبًا..
بينما “جاد” اشتعلت النيران بصدره وهو يراه يتحدث عنها وعنه بهذه الطريقة الرخيصة متخيلها داخل عقله المريض بها، ما جعله يود الفتك به هو رؤية الرغبة المرضية داخل عينيه وهو يتحدث عنها، لم يكن يصعب عليه ضربه والنيل منه أمام الجميع ولكن لن يجعله ينال ما يريد فهكذا سيتحدث من ليس لديه لسان لأنه من قبل الزواج وهناك مشاحانات واسمها موجود بها.. هو سيجب ولكن على طريقته…
وقفت في الأعلى تفكر بجدية تامة عن حديث “سمير” و “جاد” هل هم من قاموا بتكسير محل مسعد وجعلوه ينال الكثير من الخسائر!..
هل هذا كان لينال منه بعد الذي فعله؟. ولكنه ابرحه ضربًا واعتقدت في ذلك الوقت أنه سيموت، بالنسبة إليها قد أخذ حقها منه عندما رأته لا يتردد في قتله..
هل هو حقًا من فعلها؟..
❈-❈-❈

يتبع….

لقراءة الفصل التالي : اضغط هنا

لقراءة الرواية كاملة اضغط على : (رواية ندوب الهوى)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *